Você está na página 1de 3

‫آلهة ما بين النهرين‬

‫إن النظام الديني الذي نشأ في بلد ما بين النهرين منذ اللف الرابع قبل الميلد ولغاية عصرنا هذا‬
‫يمثل اقدم ديانة معروفة لدينا بشكل موثق‪ ،‬هذه الديانة كانت وثنية شركية بحتة (أي كانت تؤمن بآلهة‬
‫متعددة) وسبقت الديانة اليهودية بأكثر من عشرين قرنا‪ ،‬فالسؤال الذي يطرحه الباحثون إن كان لهذه‬
‫الديانفة أي تأثيفر مباشفر أو غيفر مباشفر على كيفيفة تصفوير او تخيفل فكرة اللوهيفة لدى اليهوديفة؟ ففي‬
‫الحقيقفة نجفد ففي الكتاب المقدس نموذجفا أسفطوريا يضرب جذوره ففي أدب مفا بيفن النهريفن العائد الى‬
‫فترة أقدم بكثير من الكتاب المقدس‪ .‬ومن بين هذه النماذج السطورية‪ :‬موضوع خلق العالم والنسان‬
‫والطوفان وسففيادة النسففان وتقييففد تلك السففيادة مففن خلل الخطيئة والموت إلخ‪ .‬وللجابففة على هذا‬
‫السؤال من الفضل أن نستعرض مجموعة آلهة هذه البلد لنوضح كيف كان المؤمنون يتخيلونها‪.‬‬
‫عنففد قراءتنففا للوثائق التاريخيففة المدونففة بالخففط المسففماري والمكتشفففة فففي المائة والخمسففين سففنة‬
‫الخيرة يتفبين وبكفل وضوح أن ديانفة مفا بيفن النهريفن كانفت تؤمفن بشكفل ل لبفس فيفه بتعدد اللهفة‬
‫وبتصففويرها على هيئة النسففان أي أن الله كان يتمثففل فففي هيئات مختلفففة مشابهففة لهيئاتنففا‪ .‬وكانوا‬
‫يتخيلونهفا ويصفورونها على هيئتنفا ولكنهفا كانفت أكثفر طول منفا وبالطبفع كانوا يعتقدون أنهفا أكثفر قوة‬
‫وذكاء و قدرة وأكثفر مفن ذلك انهفم كانوا يتخيلونهفا خالدة غيفر معرضفة للموت‪ ،‬ولكفن ففي أخفر المفر‬
‫كانت هيئاتها مماثلة تمامًا لهيئتنا‪.‬‬
‫وان كان هذا التمثيل في جوهره لم يتغير أبدا على مدى بقاء هذه الديانة والتي استمرت حوالي ثلثة‬
‫آلف سنة‪ ،‬فإن ما تغير هو طريقة إدراكها وتفسيرها‪.‬‬
‫هناك قوائم قديمففة جداً تحتوي على اسففماء حوالي الف بيففن آلهففة والهات تعود الى النصففف الول‬
‫لللفية الثالثة ق‪.‬م‪( .‬مع العلم إننا ل نعرف أي شئ عنها قبل هذا التاريخ)‪ ،‬ومن المرجح ان المؤمنين‬
‫بهفا قفد اتخذوا هؤلء اللهفة للجابفة عفن أسفئلة محيرة عفن أصفل الكون‪ ،‬مثلً‪ ،‬وآلياتفه وأصفل الوجود‪.‬‬
‫كانفت غالبيفة هؤلء اللهفة تحمفل أسفماء سفومرية‪ ،‬امفا قلة قليلة جدًا منهفا كانفت لهفا أسفماء سفامية دللة‬
‫على اصلهم السامي‪.‬‬
‫وففي تلك العصففور البعيدة فففي الزمفن وانطلقففا مفن اللف الرابفع ق‪.‬م‪ .‬كان قففد تلقففى وتوحففد فففي‬
‫المناطففق الجنوبيففة لبلد مففا بيففن النهريففن شعبان سففاميان مختلفان‪ .‬اسففتوطن بعففض الشعوب السففامية‬
‫(والتي نصطلح عليها باسم الكاديين) في السهول الخصبة بين الدجلة والفرات قادمين من الطراف‬
‫الشماليفة للباديفة السفورية العربيفة الكفبرى حيفث كانوا يعيشون فيهفا حياة الرحفل مفع مواشيهفم القليلة‪.‬‬
‫كانففت تلك الشعوب تتكلم اللغففة الكاديففة (وهففي إحدى اللغات السففامية المعروفففة لدينففا) وقففد وجففد‬
‫الكاديون أمامهففم شعبًا آخففر يعرف بالسففومريين وهففم مففن الشعوب الغامضففة قففد يكونوا قدموا مففن‬
‫الشرق ولكن ل يعرف بالضبط من أين‪ .‬كانت لغتهم تختلف عن اللغة الكادية اختلف اللغة الصينية‬
‫عفن الفرنسفية على القفل وهفم مفن الشعوب الماهرة والمبدعفة والخلقفة والنشيطفة والمتحضرة‪ .‬ومفن‬
‫خلل تعايشهفم مفع الكادييفن اسفتطاعوا ان يطوروهفم حضاريفا وان يبنوا معهفم أسفس حضارة مفا بيفن‬
‫النهرين العظيمة‪ ،‬والتي تعد وبحق أرقى واقوى واغنى وأزهى حضارات الشرق الدنى القديم‪.‬‬
‫يدل العدد الكبير من اللهة ذات السماء السومرية بشكل جلي على ان مجموعة اللهة الكثر قدما‬
‫ففي هذه البلد قفد اتخذهفا على الغالب السفومريون‪ ،‬لتنعكفس ففي مفا بعفد على معتقدات الديانفة المحليفة‬
‫والتفي كانفت تنشفأ بموازاة حضارتهفا‪ .‬ومفن المحتمفل إن السفومريين أنفسفهم هفم الذيفن علموا الكادييفن‬
‫تخيلهفم لللهفة حسفب نظرهفم‪ ،‬ليفس فقفط على غرار صفورتنا بفل ايضاً اليففة ووديفة وقريبفة منفا‪ ،‬فان‬

‫‪1‬‬
‫الساطير الكثر قدما تصورها لنا ذات صفات بشرية بحتة لها ضعفاتها وعيوبها‪ .‬وعلى قدر معرفتنا‬
‫العميقفة بالكادييفن كونهفم مفن الشعوب السفامية‪ ،‬فإنهفم كانوا ينظرون الى اللهفة بالمزيفد مفن الورع‬
‫والحترام‪ ،‬وبشعور حقيقفي بسفموهم وتجردهفم‪ .‬وعنفد اختفاء السفومريين واندماجهفم بفل ذوبانهفم ففي‬
‫المجتمفع الكادي خلل اللفيفة الثالثفة ق‪.‬م‪ ،.‬بقفي الكاديون لوحدهفم ففي البلد فاتخذوا لنفسفهم ليفس‬
‫فقففط الحضارة المشتركففة التففي بناهففا أجدادهففم تحففت القيادة السففومرية بففل أيضففا الديانففة التففي كانوا‬
‫يمارسونها حيث ادخلوا فيها بمر العصور عناصر جديدة تنسجم بشكل أفضل مع شعورهم الديني‪.‬‬

‫تعظيم اله وطني‬

‫لقفد أحدثفت الوقائع السفياسية التفي تعاقبفت ففي مفا بعفد عدة تغيرات‪ .‬فبعفد زوال الدويلت البدائيفة‬
‫المرتكزة على اهم الحواضر والمدن التي كانت تتقاسم البلد في اول المر والتي كانت تدار من قبل‬
‫زعماء لم يكفن لهفم اي شأن‪ ،‬تشكلت ممالك اوسفع وأقوى تحفت امرة ملوك متعاليفن متكفبرين مهيفبين‬
‫محجوبيففن عففن انظار الجماهيففر‪ .‬وعلى غرار هؤلء‪ ،‬أخذت اللهففة هففي الخرى تعتففبر شخصففيات‬
‫متسففامية ل يمكففن بلوغهففا‪ ،‬بففل ان الناس اصففبحوا يعتففبرون انفسففهم وضعاء وفقراء أمام هؤلء بففل‬
‫بمنزلة خدمفة لهفم‪ ،‬وظيفتهفم الوحيدة هفي العمفل مفن اجفل اعداد وتقديفم مفا يتيفح لهفم قضاء حياة فارهفة‬
‫خالية من الغموم والمشاغل‪.‬‬
‫وبمففر العصففور تطورت المور اكثففر فاكثففر‪ .‬فنحففو اواسففط اللف الثانففي قبففل الميلد‪ ،‬اثار الله‬
‫الحارس للعاصففمة بابففل (مردوخ) حول شخصففه زخمًا عبادياً غامرًا لدرجففة ان رجال ديففن المدينففة‬
‫رفعوه الى مستوى سيد اللهة والعالم والبشر وجعلوه كذلك خليفة للله السومري الموقر (انليل) الذي‬
‫كان قفد لعفب حتفى ذلك الحيفن ذلك الدور البارز والفريفد‪ .‬ولنففس الغرض كتفب هؤلء الكهنفة أنفسفهم‬
‫ل ذا طابفع أسفطوري وتقريظفي نسفميه اليوم (ملحمفة الخلق) حيفث صفوروا‬ ‫ونشروا ديوانًا شعرياً مطو ً‬
‫الله (مردوخ) كأكبر آلهتهم (أي شخصية إلهية متميزة) أو بعبارة أخرى‪ ،‬اله اللهة جميعاً‪.‬‬
‫وقفد تجسفدت فكرة اللوهيفة معظمفة ففي هذا أو ذاك مفن الشخصفيات التفي كانفت تمثلهفا‪ .‬وقفد ظهرت‬
‫ففي المنطقفة نزعات نحفو أحاديفة العبادة أقوى مفن ذي قبفل‪ .‬كانفت هذه النزعات الحاديفة مختلففة تماماً‬
‫عففن عقيدة التوحيففد المطلق‪ ،‬وهففي عقيدة لم تشهدهففا يوماً ارض الرافديففن فففي تاريخهففا‪ .‬ان النزعففة‬
‫الحادية في العبادة عبارة عن عقيدة شركية متطورة‪ ،‬تركز كافة شعورها الديني بصورة مؤقتة حول‬
‫شخصفية الهيفة واحدة‪ ،‬دون إنكار الوهيفة سفائر اللهفة‪ ،‬بفل تنزع هذه العقيدة الى اهمال بقيفة اللهفة‬
‫بشكل او بآخر لتركز مؤقتاً على اله واحد فقط‪.‬‬
‫وقفد برزت ففي بلد مفا بيفن النهريفن وخاصفة ففي اللف الول قبفل الميلد نزعات احاديفة مماثلة‬
‫مرتبطة بآلهة أخرى مثل (نابو)‪ ،‬ابن مردوخ ‪ ،‬و(شمش)‪ ،‬اله الشمس الساطعة‪ .‬ولكن هذه النزعات‬
‫لم تغيففر شيئاً مففن المعتقدات الدينيففة السففاسية والتقليديففة‪ ،‬وبقيففت فكرة اللوهيففة دائمففا مبعثرة فففي‬
‫مجموعة من الشخصيات كانت تصور على هيئتنا‪ .‬ولهذا يمكن القول إن سكان ما بين النهرين القدماء‬
‫لم يتخلوا يوماً عن عبادتهم الشركية القائلة بتعدد اللهة وبتشابهها الفطرية مع النسان‪.‬‬

‫انتشار اساطير بلد الرافدين‬

‫في ظل هذه الوضاع لم يكن هناك أي وجه للتشابه بين ديانة ما بين النهرين والشعور الديني الذي‬
‫كان تتميز به الديانة اليهودية واليهود الوائل الذين كانوا يستمدون مبادئهم من حدس موسى وتعاليمه‬
‫(ففي القرن الثالث عشفر قبفل الميلد)‪ ،‬ففي الوقفت الذي كانفت جهوده كلهفا مكرسفة لسفتئصال نزعفة‬

‫‪2‬‬
‫تعددية اللهة وتوصيفها بصفات البشفر‪ ،‬وهي نزعة كانت منتشرة في كل أنحاء العالم المعروف في‬
‫زمنه‪.‬‬
‫وحسففب رأي موسففى فقففد كان الله الوحيففد الذي كان على إسففرائيل أن تكرس له العبادة هففو يهوه‪،‬‬
‫باعتباره الله الوحيد الذي لم يكن يعلم عنه أي شيء بل من المستحيل أن يعلم عنه أي شيء باستثناء‬
‫معنفى اسفمه‪ ،‬والذي يذكرنفا (ففي اللغفة العبريفة) بفعفل الكينونفة ففي الزمفن الحاضفر بصفغة الغائب (أي‬
‫الثالث مفرد) أي "الموجود" أو "الكائن"‪ .‬لذلك لم يكففن مففن الممكففن رسففم صففورة حقيقيففة له كونففه‬
‫مختلف عنفا تماماً‪ ،‬ولذلك فأي صفورة يمكفن تخيلهفا عنفه هفي خاطئة بل قيمفة‪ .‬وبالتالي كان مفن غيفر‬
‫الممكن أيضًا تقديفم العبادة والطعام والهدايا له‪ ،‬كمفا هو الحال مفع بقية اللهة الخرى المتمثلة بهيئات‬
‫بشرية‪ ،‬وبما انه ل يماثلنا في شيء فليس بحاجة الى كل هذه الخدمات الدنيوية‪.‬‬
‫أما عقيدة التوحيد فلم تثبت نفسها بعد في ذلك الحين‪ ،‬بل سوف تظهر بعد ذلك العصر بعدة قرون‪،‬‬
‫نتيجفة التقاء الفكار الدينيفة مفع تتابفع الحداث التاريخيفة‪ .‬إن هذه العمليفة لن تنجفم عفن تطور طويفل‬
‫بمعنففى تبسففيط (تعدديففة اللهففة) وتحويله شيئاً فشيئاً الى فكرة التوحيففد‪ ،‬بففل تطورت هذه العمليففة فقففط‬
‫بفضفل شعور النفبي موسفى العميفق ذي الشخصفية العظيمفة المبدعفة‪ .‬وديانفة شعوب مفا بيفن النهريفن‬
‫القدماء لم تشارك نففس الشعور‪ ،‬بفل ففي الحقيقفة لم تسفتطع أن تشاركفه‪ ،‬وففي كفل مرة اسفتشهد الكتاب‬
‫المقدس بموضوع معين سواء كان أسطورة أو قصة أو رواية دينية مأخوذة من تراث شعوب ما بين‬
‫النهريفن فقفد أعيدت صفياغتها بالكامفل بمفا يلءم رؤيتهفم وأحاسفيسهم الخاصفة والتفي تؤمفن بالتوحيفد‬
‫بشكل يتعارض كليا مع ديانات بلد الرافدين الصلية‪.‬‬

‫‪Louay Shabani‬‬
‫‪Sezione Culturale / Roma‬‬

‫‪3‬‬

Você também pode gostar