Você está na página 1de 51

‫شبكة الدرة السلمية‬

‫‪www.aldura.net‬‬

‫طبقات المشايخ بالمغرب‬

‫الجزء الول‬

‫تأليف ‪ :‬الشيخ أبو العباس أحمد بن سعيد الدرجيني رحمه ال تعالى‬

‫شبكة الدرة السلمية‬


‫‪www.aldura.net‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫•تقديم الكتاب‬
‫•مقدمة‬
‫•ذكر الفاظ مما اصطلح عليها أهل الطريق وتعارفون بينهم‬
‫•ذكر طبقات المشائخ‬
‫•ذكر فضائل الفرس من العجم‬
‫•فضائل البربر من العجم‬
‫•حملة العلم إلى المغرب‬
‫•امامة أبى الخطاب عبد العلى بن السمح‬
‫•بيان مسالة الحارث وعبد الجبار واختلف الناس فيها‬
‫•مقتل أبى الخطاب واصحابه رحمهم ال‬
‫•ولية ابى حاتم يعقوب بن لبيب الملزوزى الهوارى‬
‫•ذكر وقعة مغمداس‬
‫•مقتل أبى حاتم واصحابه‬
‫•امامة عبد الرحمن بن رستم‬
‫•أمامه عبد الوهاب بن عبد الرحمن‬
‫•أول افتراق في الباضية‬
‫•محاربة المام عبد الوهاب رحمه ال للواصلية‬
‫•نزول المام عبد الوهاب رحمة ال على مدينة طرابلس‬
‫•الفتراق الثاني في الباضية‬
‫•استعمال أبو عبيدة عبد الحميد الجناونى رحمة ال ومحاربته خلف بن السمح‬
‫•امامة افلح بن عبد الوهاب‬
‫•الفتراق الثالث في الباضية‬
‫•امامة محمد افلح بن عبدالوهاب‬
‫•امامة يوسف بن محمد بن افلح‬
‫•وقعة مانو وانقراض المامة‬
‫•انتشار مذهب الشيعة‬
‫•ذكر اخبار ابي يزيد مخلد بن كيداد الناكثي‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫تقديم الكتاب‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫الحمد ل رب الذي بنعمته تتم الصالحات‬


‫أضع بين يدك أيها القارىء الكريم هذا الكتاب القيم الذي يكتب لهو لول مرة أن يخرج من حيز‬
‫المخطوطة وظلمات خزان الكتب بعد أن تحدث الناس عنه كثيرا ونقل منه كتاب السير والتاريخ بالمغرب‬
‫العربي وخاصة تونس والجزائر ولم يكتب له الحظ أن يعتني أحدا منهم بتحقيقه وإخراجه ‪.‬‬

‫وما أقدمني على هذا العمل المضني وشجعني عليه أل ما نحن عليه في مغربنا هذا من حاجة إلى احياء‬
‫تراثنا وابراز معالم شخصيتنا التاريخية وبط حاضرنا المشرق بماضينا المجيد لنبني على دعائم الصالة‬
‫والتفتح معا لنفرط ولنفرط ولعلها تكون منا مساهمة متواضعة في دفع مسيرة النهضة وتراثها تلك‬
‫النهضة الثقافية التي تحياها الجزائر وسائر أقطاب المغرب العربي في هذه الظروف الحساسة ‪.‬‬

‫وقد أعتمد في تحقيق هذا الكتاب ثلث نسخ خطية رأيت فيهن الغناء من غيرهن وهن قلئل النسخة‬
‫الولى نسخة خزانة شيخي الفاضل ابراهيم ابن ابي بكر الفراري وهي أصح النسخ وأشدها تحقيقا ‪ ،‬وقد‬
‫أهمل الناسخ ذكر تاريخ كتابتها وذكر اسمه ‪ ،‬والنسخة الثانية نسخة الشيخ اطفيش الحاج محمد ‪ ،‬وهي‬
‫هي نسخة قديمة جدا قريبة من عهد المؤلف يذكر كاتبها أنه فرغ منها سنة ‪ 758‬هجرية ‪ ،‬والنسخة‬
‫الثالثة نسخة خزانة القاضي أبو فاره ابراهيم ويرجع تاريخها إلى القرن الثاني عشر الهجري ‪.‬‬

‫وقد حاولة أن أقابل بين النسخ ما استطعت وأثبت النص صحيحا بعد تحقيقه وربما تكون النسخ متفقة في‬
‫العبارة كما هي مع الشارة استطعت وأثبت النص صحيحا بعد تحقيقه وربما تكون النسخ متفقة في‬
‫العبارة كما عدم اتضاح المراد أو استقامة العبارة عند ذلك أثبت العبارة كما هي مع الشارة إليها وأبداء‬
‫ما يبدو لي الصواب ‪.‬‬

‫وخدمة للكتاب وتقريبا له لمتناول القارىء أضفت عناوين هامشية لمختلف المساءل والمباحث الواردة‬
‫في أثناء الكتاب وأثبتها على هامش الصفحات حتى يسهل الرجوع إليها واستجلؤها كما أضفت للكتاب‬
‫فهارس العناوين والموضوعات الواردة فيه وللعلم والماكن المذكورة وسوف يجد القارىء من حين‬
‫لخر تعليقا مني على ما أراه لبد منه لليضاح أو إزالة اللبس‪.‬‬

‫وبودي لو أخرج الكتاب وعليه دراسة علمية وتحقيقات تاريخية لتكون الفائدة أكمل وأشمل ولكن أعتقد‬
‫أن هذا العمل سيكون خطوة ثانية بعد تحقيقه وطبعه وعسى أن يجد أبناءنا الطلبة والرجال المتفرغين‬
‫للبحث من ينتدب لذلك وحسبي أن أكون قد قمت بأول خطوة في الموضوع‪.‬‬

‫وقد رجوت من الشيخ الفضل المحقق عبد الرحمن بكلي _ وأنا في أثناء تحقيق الكتاب – أن يقدم له‬
‫بمقدمة تكون أمس بالموضوع وأنسب بالكتاب أكتفى بها عن التعريف بالكتاب وبالمؤلف فلبي رغبتي‬
‫ورحب بها فله مني كامل الشكر والتقدير كما أقدم ثنائي وشكري الخالص للخوان الذين قدموا لي يد‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫المساعدة ولم يبخلوا بأي جهد فساهموا معي في اخراج الكتاب بما قدموه من جهد وخدمات شكر ال‬
‫سعيهم وجزاهم خيرا‪.‬‬

‫مقدمة‬

‫الحمد ل الذي الذي خلق السمات والرض وجعل الظلمات والنور يعلم ما يسرون وما تعلنون وال عليم‬
‫بذات الصدور ‪ ،‬خلق النسان عمله البيان وكل شئ عنده بمقدار سبحان من جعل له عينين ولسانا‬
‫وشفتين ‪ ،‬وهديناه النجدين ‪ ،‬فسعيد يسره لليسرى وشقى يسره للعسرى ‪ ،‬هو الذي خلقكم وما تعلمون ل‬
‫يسئل عما يفعل وهم يسئلون ‪ ،‬احمده من عرف جلله وكبرياءه واقدس من دون التشبيه صفته واسماءه‬
‫‪ ،‬والصلة والسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين والمرسلين الذي ارسله ال رحمة للعالمين ونسخ‬
‫بشريعة دينه كل شريعة ودين ‪ ،‬وعلى آله واصحابه الكرمين ‪ ،‬وتابعيهم باحسان إلى يوم الدين وتابعي‬
‫التابعين صلى ال عليهم اجمعين صلة دائمة إلى يوم الدين ‪.‬‬

‫وبعد ‪ :‬فان العلم دليل يقتدي به ‪ ،‬والي طريق الرشد هاد يهتي به " إنما يخشى ال من عباده العلماء "‬
‫" والعلماء ورثة النبياء " وفي الية والخبر دليل على أن العلم ما صاحبه العمل ‪ ،‬وصادفته الخشية‬
‫والوجل فإنه من أخشى ال تعالى لما لديه ‪ ،‬ويسعى فيما يقدم بين يديه ‪ ،‬وهل لمن عرى من الخشية فوز‬
‫بعمل الحسنات ‪ ،‬واستحقاق وراثة تلك الدرجات ؟‬

‫وينبغي لمن نزع إلى هذا النزع وطلب هذا العمل الرفع ‪ ،‬آن يتعرف مناقب السلف والخبار ‪ ،‬ويحصل‬
‫سيرهم الصالحة ليقتدي بحميد تلك الثار ‪ ،‬فإن ذلك مما يقوى الرغبة والشتياق (‪ )1‬والحرص على‬
‫المصير إلى تلك المنازل السنية واللحاق ‪ ،‬ويخص على الطريق الثوم ‪ ،‬وينهي عن أهواء الهاون في‬
‫هواء الخسران والندم ‪ ،‬فما أتقمن من عرف طريق الصلح ان يتبعه ! وما أقبح من جهة أن يضيعه !‬
‫وقد استمرت عادة اصحابنا ان اول ما يمرن عليه المبتدئ أذا وصل ‪ ،‬السكينة والوقار وتعليم سير السلف‬
‫‪ ،‬لتكون لهم على اتباعهم معينة ‪ ،‬فإاذ أكتسى تلك السلف تلك الحلة قلما بدلها ‪ ،‬ثم بعد ذلك " ما يفتح ال‬
‫الناس من رحمة قلما بدلها ‪ ،‬وما يمسك فل مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم " ‪ .‬فال ينفعهم وينفع‬
‫بهم في الدنيا والدين ‪ ،‬ويجعلنا لثارهم مقتدين ‪ ،‬ل مبدلين ول مغيرين وينقذنا برحمته اجمعين ‪ ،‬وهو‬
‫ارحم الراحمين‬

‫كتاب ابى زكرياء يحيى بن ابى بكر رضى ال عنه (‪)2‬استخلص ذلك وانتقيه فبادرت لجابة سؤاله ايجابا‬
‫لعظم حرمة السؤال وان كان ينبغى ان اكون ممن استغفى واستقال فرأيت عصيانه من النكير بل المحظور‬
‫‪ ،‬فأخذت في تهذيب الكتاب المذكور واضيف إلى ذلك ما ل بد منه من خطبة وشعر غير مشهور ‪ ،‬على‬
‫انى معترف بالقصر والفهامة ‪ ،‬وراغب في الغضاء من ذوى الفطان والنباهة متيقن ان الماء يطيب‬
‫بطيب موارده ‪ ،‬وان كان اجاجا ‪ ،‬وقد يعود مرا معافا وان كان عذبا ثجاجا ‪ ،‬ول شك انى قصدت الفن‬
‫الذي بدأت بذكره لم احفل بعيب عائب ‪ ،‬ول بشكره فان ظفرت بموافقة من اجيب سؤاله فقد ظفرت‬
‫بالمرغوب ‪ ،‬فان قصرت فل غرو لبطاء السكيت (‪)3‬عن شاء المجلى وال اسأله ‪ .‬التوفيق والرشاد إلى‬
‫سواء الطريق ‪ ،‬وقد رأيت ان اقدم مقدمة تكون فراشا للكتاب ‪ ،‬تفهم منها ألفاظ اصطلح عليه اصحابنا‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫المتأخرون ‪ ،‬وفيها عند من ل يعرفها اضطراب ‪ ،‬ثم آتى بتسمية مشائخها وذكر طباقتهم خلفا عن سلف ‪،‬‬
‫على ترتيب يتأتى بيانه ‪ ،‬ليتم المقصود ويتألف ‪ ،‬ثم اجرد السيرة وانقلها من الكتاب المذكور ‪ ،‬على‬
‫حسب ما وقعت فيه ‪ ،‬وما كان في ألفاظه خشونة نقلت معانية فيكون نفهم ما سئلت سهل على قارئه ‪.‬‬

‫‪----------------------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬في نسخة ‪ :‬الستيثاق‬
‫(‪ )2‬يشر الى تاريخ أبي زكرياء يحي بن أبي بكر الذي ل زال مخطوطل وهو اصل هذا الكتاب‬
‫(‪ )3‬السكيت بصيفة التصغير ‪ :‬آخر الخيل في الحلبة عكس المجلى‬

‫ذكر الفاظ مما اصطلح عليها أهل الطريق وتعارفون بينهم‬

‫فمن ذلك العزابة واحدهم عزابى ‪ ،‬هذه اللفظة أستعملتها لقبا لكل من لزم الطريق وطلب العلم وسير أهل‬
‫الخير ‪ ،‬وحافظ عليها وعمل بها ‪ ،‬فان حسن جميع هذه الصفات سمي عزابيا ‪ ،‬وان حافظ على السير‬
‫والعمل بها فقط سمي به ‪ ،‬وأن حصل العلم دون السير والعمل بها والمحافظة عليها لم يسم بهذا السم ن‬
‫واعلم ان لهذا الصنف سيما انفردوا بها ‪ ،‬واحوال عرفوا بها ‪ ،‬ل يتفضل عليهم فيها سواهم ‪ ،‬وذلك في‬
‫تسميتهم ‪ ،‬وخطابهم ‪ ،‬ومؤاكلتهم ‪ ،‬ولباسهم ‪ ،‬واوقات نومهم وقيامهم ‪ ،‬واورادهم وصيامهم ‪،‬‬
‫وعبادتهم ‪ ،‬وعندهم في ذلك قوانين يعتادونها وحود ل يتعدونها ‪ ،‬وهذا السم مشتق من الغزوب عن‬
‫الشئ وهو البعد عنه ‪ ،‬فاستعير لمن بعد عن المور الدنيوية الشاغلة عن الخرة ‪ ،‬ولو استقصينا وصف‬
‫تلك الحوال ل تسع القول فطال ‪ ،‬وسيأتي ذكر ما امكن من ذلك في موضعه ان شاء ال ‪ ،‬واول ما‬
‫استعمل هذا اللقب في أيام ابي عبدال محمد بن ابى بكر رضى ال عنه ‪ ،‬لما أسس الحلقة ورتب قوانينها‬
‫‪.‬‬

‫الحلقة ‪ ،‬اسم لجماعة تشتمل على الشيخ يعلمهم العلم ويلقنه السير ويبصرهم في الدين بحسب ما يفتح‬
‫ال على كل واحد منه يحصل البعض ‪ ،‬وان أعياه الكل ‪ " ،‬فان لم يصبها وابل فطل " فكانهم محلقون‬
‫ولو أنهم مفترقون ‪.‬‬

‫التلميذ اسم للواحد المبتدئ عند الدخول في الطريق سواء كان طالب فنو أو مقتصرا على الصلحية فقط‬
‫وأصل هذه اللفظة فارسى ‪.‬‬

‫الختمة ‪ :‬اجتماعهم لذكر ال والدعاء عند طلوع الشمس وعند غروبها بشيخ أو بغير ‪ ،‬وكأنهم يختمون‬
‫به عمل الليل وعمل النهار ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫المجتمع والجمع والميعاد ‪ ،‬الفاظ مترادفة على معنى واحد وهو أن يجمعهم الشيخ على وعظ يفيدهم ‪ ،‬أو‬
‫لتذمير امرمهم يكون شورى من أصلح فساد أو تلقي فوات ‪ ،‬أو امر بمعروف أو نهي عن منكر ‪ ،‬فمع‬
‫الختيار أن يكون ذلك يوم الثنين ويوم الثنيني ويوم الخميس ‪ ،‬ويكون في أي وقت دعت اليه الحال ‪،‬‬
‫ليل أو نهارا ‪ ،‬في أي يوم كان ‪ ،‬أول من رتبة أبو الحر على بن الحصين بمكة (‪)1‬‬

‫الهجران والبعاد الفاظ تترادف على معنى واحد وذلك ‪ ،‬او ظهرت عليه خزية أو أتى بنقيصه في قول أو‬
‫عمل أو تصنيع ‪ ،‬فأنه يهاجره كل اهل الصلح فل يكلم ول يخطر حالت بينه وبين أهل الخير ‪ ،‬فان تاب‬
‫واستغفر قبل منه ورجع إلى الجماعة ‪ ،‬وزال عنه شين ذلك الوسم ‪ ،‬وكان بقاؤه في وحشة الهجران بقدر‬
‫عظم الجرم وصغره ‪ ،‬وتوبة المجرم واصراره ‪ ،‬فمنهم من يتوب فيرجعه في الحال ‪ ،‬ومنهم من يبقى‬
‫ساعة او ساعتين أو يوما أو يومين أو أياما أو أعواما أو عمره أن عظم الجرم ودوام المجرم على‬
‫الصرار وترك الستغفار ‪ ،‬أسال ال ان يقينا شرا أتفسنا وشر كل ذي شر ‪.‬‬

‫الظهور ‪ :‬تولية أمام عدل يسند إليه المور ‪.‬‬


‫الكتمان ‪ :‬ملزمة المر سرا بل امام‬
‫ولية الدفاع ‪ :‬أن يدهم أهل الكتمان بداهمة ‪ ،‬فيولوا عليهم من يدفع عنهم العدو ‪.‬‬

‫‪------------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬أبو الحر علي بن الحصين العنبري الشاري من أصحاب عبدال بن يحي طالب الحق وهما من الشراه‬
‫‪ ،‬عاش في أوائل القرن الثاني بجنوب الجزيرة العربية رحمه ال‬

‫ذكر طبقات المشائخ وتسمية المشاهير منهم جيل بعد جيل‬

‫هذا الفصل نقتله مما فعله الشيخ ابو عمار عبد الكافى رضى ال عنه ‪ :‬وذلك أنه لما رأى العزابة يسندون‬
‫أمر دينهم واحدا عن واحد ‪ ،‬اكابر ذلك ‪ ،‬وثقة عن ثقة ‪ ،‬رأى من حسن نظرة أن يكون ذلك جولة عن‬
‫جملة ‪ ،‬ولم يتخللها خلل ول اختلل ‪ ،‬لن ذلك أذا كان واحدا عن واحد دخله الغلط ووقع فيه الطعن ولن‬
‫أخبار اآحاد ضعيفة عند اصحاب الحديث فرتبها رحمة ال على المبين من سني الهجرة ‪ ،‬والتاريخ الذي‬
‫بينه وبين هجرة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وذكر ممن أشتملت عليه كل خمسين سنة من المئين‬
‫المذكورة ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫فالذين اجتمعت عليهم الخمسون الولى من المائة الولى هم أصحاب رسول ال عليه وسلم ‪ ،‬وفضيلتهم‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬واسماؤهم ومزاياهم أشهر من أن نحتاج إلى تعدادهم ‪ ،‬فهم مجوم الهدى ومصابيح‬
‫الدجا ‪ ،‬وأنما نعتت على مكانتهم من أمهاد الفضل ‪ ،‬تبركا بذكرهم ‪ ،‬ولئل يكون السكوت عن ذكرهم في‬
‫محالهم من التقدم اعراضا ‪ ،‬أو التجوز عن شرفهم غمضا (‪ )1‬وأغماضا (‪.)2‬‬

‫وممن اشتملت عليهم الخمسون الخرى من المائة الولى ‪ :‬جابر بن زيد الزدي ‪ ،‬وعبدال بن أباض‬
‫المدنى ‪ ،‬وعمران بن حطان الشيباني ‪ ،‬وجعفر بن السماك العبدى واوب بلل مرادس وعروة ابنا ادية‬
‫وهي جدة لهما وهما ابنا جدير حنطليان فيما ذكر المبرد ‪ ،‬وصحار العبدي ‪ ،‬وقريب ‪ ،‬وزحاف ‪ ،‬وسالم‬
‫بن عطية الهللى ‪ ،‬والخباب بن كليب ‪ ،‬والحنف بن قيس ‪ ،‬وأياس بن معاوية ‪ ،‬ونظراؤهم كثيرون ‪.‬‬

‫وممن اشتملت عليه الخمسون الولى من المائة الثانية ‪ :‬أبو عبيدة مسلم بن ابي كريمة التميمي ‪،‬‬
‫وضمام بن السائب ‪ ،‬وابو مودود حاجب الطائى ‪ ،‬وابو عبيدة عبد ال بن القاسم ‪ ،‬وأبو حمزة بن نوح‬
‫الدهان ‪ ،‬وعبدال بن يحيى الكندي ‪ ،‬وابو حمزة المختار بن عوف الشارى ويلج بن عقبة ‪ ،‬وابرهن بان‬
‫عبد الرحمن ‪ ،‬وابو الحر على ابن الحصين العنبرى ‪ ،‬وابو يزيد الخوارزمي ‪ ،‬وأبو محمد المهدى ‪،‬وابو‬
‫روح ومازن ابنا كنانة ‪ ،‬ونظراؤهم كثير‪.‬‬

‫وممن اشتملت عليه الخمسون الولى من المائة الثانية ومن هنا أنتشار المذهب بالمغرب ‪ ،‬ولذلك كان‬
‫رجاله شرقيين وغربيين عربا وبربرا تلمذة ابي عبيده وغيرهم ‪ ،‬الربيع أبن حبيب ووائل بن ايوب‬
‫الحضرمى وابو غسان مخلد بن المعرد ‪ ،‬وعبد السلم بن عبد القدوس ‪ ،‬ومحبوب بن الرحيل ‪ ،‬وأبو‬
‫الخطاب المعافري وهو عبد العلى بن السمح وعبد داود القبلى ‪ ،‬واسماعيل بن درار الغدامسى ‪،‬وعبد‬
‫الوهاب بن عبد الرحمن ابن رستم ‪ ،‬وابو حاتم الملزوزى وابو سفيان ‪ ،‬ونظراؤهم كثير ‪.‬‬

‫وممن اشتملت عليهم الخمسون الولى من المائة الثالثة ‪ :‬افلح بن عبد الوهاب ‪ ،‬وابو مرادس ‪،‬‬
‫ومهدى ‪ ،‬وابان بن وسيم ‪ ،‬ومحمد بن يانس ‪ ،‬وبو مهاصر ‪ ،‬وابو زكرياء التوكيتي ‪ ،‬وعبد الحميد ‪،‬‬
‫ونظراؤهم كثير ‪.‬‬

‫ممن اشتملت عليه الخمسون الخيرة من المائة الثالثة ‪ :‬محمد بن افلح وبانه يوسف وسعد بن أبي‬
‫يوسف وعمروس ابن فتح ‪ ،‬ابو منصور الياس ‪ ،‬وابو معروف ‪ ،‬ونظراؤهم كثير‪.‬‬

‫وممن اشتملت عليه الخمسون الولى من المائة الرابعة ‪ :‬حسنون ابن ايوب ‪ ،‬وابو مسور اليهراسنى ‪،‬‬
‫وابو الخطاب وسيل بن سيتتن(‪ )3‬الزواعي ‪ ،‬وابو القاسم يزيد بن مخلد ‪ ،‬وابو خزر يغلى بن زلتاف ‪،‬‬
‫وهي امه وهو ابن أيوب ‪ ،‬وعبود المزاتى ‪ ،‬وجنون بن يمريان ‪ ،‬وسليمان بن ماطوس ‪ ،‬وسليمان بن‬
‫زرقون النفوسى ‪ ،‬ومحمد بن مسلم وابو سهل الفارسى ‪ ،‬ونظراؤهم كثير ‪.‬‬

‫وممن اشتملت عليه الخمسون الخيرة من المائة الرابعة ‪ :‬أبو نوح سعيد بان زنغيل وابو صالح بكر بن‬
‫القاسم اليهراسنى ‪ ،‬وابو زكرياء فيصل بن ابى مسور ‪ ،‬وابو عمر النملى ‪ ،‬وابو موسى عيسى بن‬
‫السميح الزواغى ‪ ،‬وابو نوح سعيد بن بخلف المدونى ‪ ،‬وابو محمد ويسلن بان يعقوب ونظراؤهم كثير ‪.‬‬

‫وممن أشتملت عليه الخمسون الولى من المائة الخامسة ‪ :‬ومن هنا ابتداء العزابة ابو عبدال محمد بن‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫بكر ‪ ،‬وزكرياء ويونس ابما فصيل بن أبى مسور ‪ ،‬وعبدال بن مانوج وعبدال بن زورتين ‪ ،‬وويسلن‬
‫بن ابى صالح وابو بكر الزواغى وورسفلس ابن مهدى وعبدال أبن الخير ‪ ،‬وورسفلس بن عبدال ‪،‬‬
‫وابو مكدول مطلكودانس الزنزفى ‪ ،‬وأهل غار " أمجان " وابو جابر بن سدرمام ‪ ،‬وابو عمران موسى‬
‫بن زكرياء ‪ ،‬وكباب ابم مصلح وابو يحي زكرياء بن جرنان ‪ ،‬وعبدال المدونى ونظراؤهم كثير ‪.‬‬

‫وممن اشتملت عليه الخمسون الخيرة من المائة الخامسة ‪ :‬سليمان بن يخلف‬


‫‪ ،‬وابو يخلف ‪ ،‬وابو سليمان داود بن أبى يوسف ‪ ،‬وابو العباس احمد بن محمد بن بكر ‪ ،‬وعيسى بن‬
‫يرشوكسن ويحيى بن ابى بكر ‪ ،‬وزكرياء بن ابى زكرياء ‪ ،‬وماكسن ابن الخير ‪ ،‬ومزين بن عبدال ن‬
‫ومصال بن يحيى ‪ ،‬وسليمان ابن موسى ‪ ،‬وعبدال ابن سلم ‪ ،‬واسماعيل بن ييدير ‪.‬‬

‫وممن اشتملت عليه الخمسون الولى من المائة السادسة ‪ :‬عبد الرحمن بن معلى ‪ ،‬ويحيى بن زكرياء ‪،‬‬
‫وايوب بن اسماعيل بن المعيز ‪ ،‬وعبدال بن محمد ‪ .‬فالى هنا انتهت تسمية من سمينا – ثم قال فهؤلء‬
‫أئمتنا في الدين وقاداتنا في السلم رحمهم ال ‪.‬‬

‫" قال الشيخ ابو العباس " فهذا الترتيب الذي رتبه الشيخ ابو عمار عبد الكافى رضى ال عنه حسن في‬
‫المعنى إل أنه لم يذكر الطبقة التي فيها شيوخه ومعاضروه إل بعضا من الكل واستغنى فيها عن كثير من‬
‫العدد ‪ ،‬وفيمن سمى كفاية ‪ ،‬ولول قصده الكتفاء بتسمية من سمى لزدت من معاصره عدة مشائخ ‪ ،‬أئمة‬
‫أهل علم ودين ‪ ،‬وأصحاب تواليف اضراب عثمان بن خليفه السوفى وقرناؤه ولكنى عدلت عن ذلك إذ‬
‫المقصور تسمية جماعة فالمحصول قد حصل ‪ ،‬ورأيت ان أذكر جماعة الشياخ الذين اخذوا عن الجماعة‬
‫التي أنتهى إليها ترتيب الشيخ الذين أبى عمار واضمهم إلى الخمسين من المائة التي نحن فيها وهم‬
‫الذين أخذنا عنهم وفي آخر الكتاب أذكر أن شاء ال ما وصل إلى وصح عندى من مناقبهم ‪ ،‬وكراماتهم ‪،‬‬
‫فيتقدم ذكر مناقب من تقديمهم فيكون كل واحد في رتبته ‪ ،‬ويجرى كل سابق في حلبته ‪.‬‬

‫ففمن أشتملت عليه الخمسون الخيرة من المائة السادسة ‪ :‬ابو عمارة عبد الكافى بن يعقوب التناوتي ‪،‬‬
‫وابو يعقوب يوسف بن ابراهيم السدراتى ‪ ،‬وابنه ابراهيم ‪ ،‬وزكرياء ابن صالح ‪ ،‬وفيصل بن ابى‬
‫مسعود ‪،‬وأسحاق بن ابراهيم ومحمد التميجارى ‪ ،‬وموسى النفوسى ‪ ،‬وابو نوح بن يوسف وابنه يحي‪،‬‬
‫ويوسف بن خلفون ‪ ،‬ومحمد بن أبى على السوفى ‪ ،‬وعبد السلم بن عبد الكريم ‪ ،‬والفضل بن أبى سفيان‬
‫‪ ،‬اسماعيل بن صالح ‪ ،‬ويوسف بن محمد الوسياني ‪ ،‬وفى هذه الطبقة أدركتهم يعدون جدى سليمان أبن‬
‫علي ‪ ،‬وجدى يخلف بت يخلف النفوسى ‪ ،‬ونظراؤهم كثير ‪.‬‬

‫ممن أشتملت عليه الخمسون الولى من المائة السابعة ‪ :‬مشائخ جيلنا فمنهم من صار إلى ال ومنهم‬
‫الحياء فمن الموات محمد بن ابى جميل ‪ ،‬وسعد بن معاذ ‪ ،‬وابراهيم أبن اسحاق ‪ ،‬وابو سهل يحيى ‪،‬‬
‫وابو يعقوب بن عبدال وميمون بن معدين ‪ ،‬وقد اشير علي بان انظم والدي في سلكهم ومن الحياء ‪،‬‬
‫يحيى بن فيصل ‪ ،‬وعيسى بن زكرياء وصالح بن سليمان الزواغي ‪ ،‬ويحيى بن داود السعيدى (‪ )4‬ويبيب‬
‫بن محمد ‪ ،‬واحمد بن محمد ‪ ،‬وعمر بن يخلف الزواغى ‪ ،‬ومن هذه الطبقة معاصرون من أهل الجتهاد‬
‫والزهد والكرامات وليسوا هنالك في العلوم ‪ :‬عبد الكافى ابن ونمو الريغى ‪ ،‬وابراهيم بن عيسى المديونى‬
‫‪ ،‬وسليمان أبن يكنى ونظراء النوعين كثير ‪.‬‬

‫فهؤلء أشياخنا وقادتنا وائمتنا وساداتنا جعلهم ال اعلما للهدى وجنبنا باتباعهم سبيل الموبقات والردى‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وحشرنا أجمعين في زمرة اوليائه المتقين‪.‬‬

‫ثم ناخذ في ذكر ما بسطنا لجله مقدمة الكتاب ‪ ،‬ونذكر المم فالمم من اخبار المتقدمين ‪ ،‬ونأتى بعده‬
‫بمناقب الصالحين ‪ ،‬وربما اندرج ذكر بعض المناقب في أثناء التاريخ والخبار ‪ ،‬وال الموفق وبه نعتصم‬
‫وهو حسبنا ونعم الوكيل ‪.‬‬

‫ومن ها هنا أبتدائ في أستخراج ما أنبه عليه من الكتاب المذكور فأول ذلك ذكر سبب مصير مذهب‬
‫الباضية ببلد المغرب وابتداء امرهم ونقتله من ارض المشرق واخبار العلم الخمسة النفر ‪.‬‬

‫حدث غير واحد من اصحابنا عن المام افلح عن ابنه عبد الوهاب عن جده عبد الرحمن بن رستم أنه قال‬
‫‪ :‬أول من جاء يطلب مذهب الباضية ونحن بقيروان أفريقية ‪ ،‬سلمة بن سعيد قال قدم علينا من أرض‬
‫البصرة ومعه عكرمة الباضية وعكرمة يدعو إلى مذهب الصفرية ‪ ،‬فسمعت سلمة يقول وددت ان لو‬
‫ظهر هذا المر يعنى مذهب الباضية يوما واحدا من أول النهار إلى آخر فل أسف على الحياة بعدة ‪ ،‬فقيام‬
‫عبد الرحمان مجتهدا في ذلك المر ‪ ،‬فقال له رجل من أهل الدعوة اذا كنت تريد العلم بما كلفت به وعلقت‬
‫مطلبه بخاطرك ‪ ،‬فدونك أرض البصرة ‪ ،‬فان بها رجل عالما يكنى ‪ ،‬أبا عبيدة مسلم بن ابى كريمة‬
‫التميمي ‪ ،‬فانك تجد عنده ما تطلب ‪ ،‬فلذلك توجه عبد الرحمن بن رستم إلى البصرة رحمة ال ‪ ،‬وقيل أن‬
‫أمه هي التي ارشدته إلى ذلك وله حديث سأذكره بعد أن شاء ال عند الخمسة النفر الذين قرأوا على أبي‬
‫عبيدة واذكر ما صح عندنا من خبرهم في موضعه من الكتاب ‪.‬‬

‫‪---------------------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تساهل‬
‫(‪ )2‬التجاوز عن الشئ وتركه‬
‫(‪ )3‬اثبته صاحب السير باسم وسيل بن سنتين ‪ ،‬وكذلك صاحب الباضية في موكب التاريخ وهو أصح‬
‫(‪ )4‬كذا بالنسخ ولعلة نسبة إلى صعيد مصر‬

‫ذكر فضائل الفرس من العجم‬

‫بلغنا أن رسول اله صلى ال عليه وسلم لما نزل قوله تعالى ‪ " :‬يايها الذين آمنوا من يرتدد منكم عن‬
‫دينه " الية أشار إلى سليمان الفارسى وكان جالسا بين يديه قال ‪ :‬لعلهم أن يكونو من رهط هذا ‪ ،‬وعنه‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪ " :‬أن ل كنزا ليس من ذهب ول من فضة ‪ ،‬لكنه في بطون ابناء فارس "‬
‫وذكر ابن داب عن عمر بن الخطاب رصى ال عنه أنه مشى ذات يوم مع المغيرة بن شعبة ‪ ،‬وكان‬
‫المغيرة اعور ‪ ،‬فقال له عمر رضى ال عنه ك هل أبصرت بعينيك هذه قط شيئا يا مغيرة ؟ قال نعم يا‬
‫أمير المؤمنين قال له عمر سيعود السلم كما عورت ثم ليعمن حتى ل يدرى من له ول من عليه ‪ ،‬فاذا‬
‫أتى علية مائة وستون سنة رد عليه سمعه وبصره ‪ ،‬بوفد كوفد الملوك ‪ ،‬طيبة ارواحهم ‪ ،‬صالحة‬
‫اعمالهم ‪ ،‬فقال له المغيرة من أي ماء يا امير المؤمنين ؟ امن الحجاز ام من ماء العراق ام من ماء الشام‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫؟ فولى عنه عمر وتركه ‪ ،‬فوليت الفرس تاهرت على رأس ستين ومائة ‪ .‬وعن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪ :‬لو تعلق الدين بالثريا لنالته رجال من العجم ‪ ،‬واسعدهم به فارس ‪ ،‬وروى زيد بن اسلم ان‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم رأى رؤيا وقصها على أصحابه ‪ ،‬فقال رأيت غنما سوداء خالطتها غنم‬
‫بيض ‪ ،‬فتأولتها ان العجم يدخلون السلم فيشتركونكم في نسائكم ‪ ،‬واموالكم ‪ ،‬فتعجبوا من ذلك ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫العجم يدخلون بلدنا يا رسول ال ! فقال ‪ :‬أي ‪ ،‬والذي نفسي بيده لو أن الدين تعلق بالثريا لنالته رجاله‬
‫من العجم ‪ ،‬واسعدهم به أهل فارس ‪ ،‬ومن طريق آخر أن النبى صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬لو تعلق العلم‬
‫بالثريا لنالته الفرس ‪ ،‬وقال بعض المفسرين في قوله تعالى ‪ ":‬ستدعون إلى الفرس ‪ ،‬وقال بعض‬
‫المفسرين في قوله تعالى ‪" :‬ستدعون إلى قوم أولى باس شديد تقاتلونهم أو يسلمون " هم بنو جنيفة‬
‫وقال بعضهم هم فارس ‪.‬‬

‫وذكر أبن قتيبة وعمرو بن بحر الجاحظ وغيرهما من أصحاب التاريخ عن أبن عباس رضى ال عنهما‬
‫أنه قال لما كان ليلة مولد النبى صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ارتج ايوان كسرى ‪ ،‬فسقطت منه أربع عشرة‬
‫شرافة فعظم ذلك اهل مملكته فما كان باوشك من أن كتب إليه صاحب اليمن يخبره أن بحيرة ساوة‬
‫غاضت تلك الليلة ‪ ،‬وكتب إليه صاحب الشام يخبره أن وادى السماوة انقطع تلك الليلة وكتب إليه صاحب‬
‫طبرية يخبره أن ماء تلك الليلة لم يجر في بحيرة طبرية ‪ ،‬وكتب غليه صاحب فارس يخبره أن بيوت‬
‫النيران خمدت تلك الليلة ‪ ،‬ولم تخمد قبل ذلك بألف سنة فلما تواترت الكتب عليه ابرز سرية وظهر لهل‬
‫مملكته فاخبرهم الخبر ‪ ،‬فقال ‪ :‬الموبذان ايها الملك أنى رأيت تلك الليلة رؤيا هالتنى ‪ ،‬قال له وما رايت ؟‬
‫قال له ‪ :‬رأيت أبل صعابا تقود خيل عرابا حتى أقتحمت دجلة وانتشرت في بلدنا فقال له ‪ :‬لقد رأيت ‪،‬‬
‫فما عندك في ـاويلها ؟ فقال له ‪ :‬ما عندي فيها ول في تأويلها شئ ‪ ،‬ولكن أرسل إلى عاملك بالحيرة‬
‫يوجه إليك رجل من علمائهم فانهم أهل علم بالدثان فبعث إليه رجل من علمائهم فانهم أهل علم بالحدثان‬
‫فبعث إليه فوجه إليه عبد المسيح بن نفيلة الغسانى ‪ ،‬فلما قدم عليه أخبره كسرى الخبر فقال ‪ :‬أيها الملك‬
‫وال ما عندى أخبره كسرى الخبر فقال ‪ :‬ايها الملك وال ما عندى فيها ول في تأويلها شئ ‪ ،‬ولكن‬
‫جهزنى إلى خال لى في الشام ‪ ،‬يقال له سطيح فقال ‪ :‬جهزوه ‪ ،‬فلما قدم على سطيح وجده أختصر فناداه‬
‫فلم يجبه وكلمه فلم يرد عليه فقال عبد المسيح ‪:‬‬

‫فرفع إليه سيطح رأسه فقال ‪ :‬عبد المسيح على جمل مشيخ إلى سطيح بعثط ملك بنى ساسان لرتجاج‬
‫اليوان وخمود النيران ‪ ،‬ورؤيا الموبذان ‪ ،‬رأى أبل صعابا ‪ ،‬تقود خيل عرابا ‪ ،‬حتى اقتحمت الوادى ‪،‬‬
‫وانشرت في البلد ! عبد المسيح ‪ :‬أذا ظهرت التلوة ‪ ،‬وغاض وادى السماوة ‪ ،‬وغارت بحيرة ساوة‬
‫وظهر صاحب الهرواة فليس الشام بشام ‪ ،‬يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرافات ‪ ،‬وكل ما هو آت‬
‫آت ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬

‫ثم اتى كسرى فاخبره الخبر فغمه وهاله ثم تعزى ‪ ،‬وقال إلى أن يملك أربعة عشر ملكا يدور الزمان ‪،‬‬
‫فملك منهم تسعة إلى مبعث رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وقال ابن قتيبة فال اعلم ممن التمام ‪،‬‬
‫وليس إل الخمسة الئمة الذين ولوا بتاهرت من ارض بعض المغرب ‪ ،‬ولوها نيفا على مائة وخمسين‬
‫فيما ذكر بعض الرواة ‪ ،‬قال أبو العباس احمد رحمه ال ‪ .‬اما قول الشيخ ان التمام كان بالئمة الخمسة‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وانهم منهم فانا اراد في النسب ل في غيره ‪ ،‬واراد ان وليتهم اذ ولول صحيحا غل ان وليتهم على دين‬
‫السلم ومذهب العدل والقوام ‪.‬‬

‫فضائل البربر من العجم‬

‫وعن فضائل البربر من العجم ما بلغنى ان عائشة رضى ال عنها ‪ ،‬دخل عليها ذات مرة رجل من البربر‬
‫وهى جالسة ومعها نفر من المهاجرين والنصار ‪ ،‬فقامت عائشة وسادتها فطرحتها للبربرى دونهم ‪،‬‬
‫فانسل القوم واجلين بذلك ‪ ،‬فلما قضى البربرى حاجته وخرج ارسلت إليهم عائشة ‪ ،‬حتى أجتمعو إليها ‪،‬‬
‫فقالت لهم ‪ :‬ما الذي اوجب خروجهم على تلك الحال ؟ قالوا ‪ :‬ل يثارك علينا وعلى نفسك رجل كنا‬
‫نزدريه ‪ ،‬وننتقص قومه ‪ ،‬فقالت انما فعلت ذلك لما قال فيهم رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قالت‬
‫اتعرفون فلنا البربري ؟ قالوا نعم ‪ ،‬قالت كنت انا ورسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ذات مرة جالسين ‪،‬‬
‫اذ دخل علينا ذلك البربرى مصفر الوجه غائر العنين ‪ ،‬فنظر إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال‬
‫ما دهاك ؟ أمرض ؟ فارقتنى بالمس ظاره الدم فجئتنني الساعة كأنما انتشرت من قبر ‪ ،‬فقال ‪ ،‬يا رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬بت في هم شديد ‪ ،‬فقال ما همك ؟ قال ‪ :‬تردد بصرك في بالمس خفت ان‬
‫يكون نزل في قرآن فقال ‪ :‬ل يحزنك ذلك ‪ ،‬فانما ترديدى البصرة فيك لن جبريل عليه السلم جاءنى ‪،‬‬
‫فقال أوصيك بتقوى ال وبالبربر قلت‪ :‬وأى البربر ؟ قال قوم هذا ‪ ،‬واشار إليك فنظرت غليك ‪ ،‬فقلم‬
‫لجبريل ما شأنهم ؟ قال ‪ :‬قوم يحيون دين ال بعد ان كاد يموت ويجدونه بعد أذا يبلى ثم قال جبريل ‪ :‬يا‬
‫محمد دين ال خلق من خلق ال نشأ بالحجارة واهله بالمدينة ‪ ،‬خلقه ضعيفا ثم ينميه وينشئة ‪ ،‬حتى يعلو‬
‫ويعظم ‪ ،‬ويثمر كما تثمر الشجرة ثم يقع وانما يقع رأسه بالمغرب ‪ ،‬والشئ إذا وقع لم يرفع من وسطه ‪،‬‬
‫ول من اسفله ‪ ،‬انما يرفع من عند رأسه‪ .‬وبلغنا عن عمر بن الخطاب رضى ال عنه انه قدم عليه وفد‬
‫من البربر ‪ ،‬من لواته ارسلهم إليه عمرو بن العاص وهم محلقو الرؤوس واللحا ‪ ،‬فقال لهم عمر من أنتم‬
‫قالوا من البربر من لواته ؟ فقال عمر لجلسائه ‪ :‬هل فيكم من يعرف هذه القبيلة في شئ من قبائل العرب‬
‫والعجم ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪ :‬العباس بن مرادس السلمى عندى منهم علم يا أمير المؤمنين هؤلء من ولد‬
‫بنى قيس ‪ ،‬وكان لقيس عدة من الولد ‪ ،‬أحدهم يسمى بربر بن قيس ‪ ،‬وفى خلقه بعض الرعونة فقال ‪:‬‬
‫اخرق ذات مرة فخرج إلى البرارى فكثر بها نسله وولده ‪ ،‬فكانت العرب تقول تبربروا أى كثروا فنظر‬
‫إليه عمرو بن الخطاب رضى ال عنه فاستحضر ترجمانا يترجم كلمهم ‪ ،‬فقال لهم مالكم محلقو الرؤوس‬
‫واللحا ؟ فقالوا شعر نبت في الكفر ‪ ،‬فاحببنا ان نبدله بشعر ينبت في السلم ‪ ،‬فقال هل لكم مدائن‬
‫تسكنونها فقالوا ‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪ :‬فهل لكم حصون تتحصنون فيها ؟ قالوا ‪ :‬ل فقال ‪ :‬هل لكم اسواق تتبايعون‬
‫فيها ؟ قالوا ‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪ :‬فبكى عمر بن الخطاب رضى ال عنه ‪ ،‬فقال له جلساؤه وما يبكيك يا أمي‬
‫المؤمنين ؟ قال عمر أبكاني قلة هذه العصابة من المسلمين ‪ ،‬واجتماع أمم الكفر عليها ‪ ،‬فان ال تعالى‬
‫سيفتح للسلم بابا من المغرب بقوم يعز بهم السلم ويذل بهم الكفر ‪ ،‬أهل خشية وبصائر يموتون على‬
‫ما أبصروا ‪ ،‬وليست لهم مدائن يسكنون فيها ول حصون يتحصنون فيها ‪ ،‬ول أسواق يتبايعون فيها ‪،‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫فلذلك بكيت الساعة ‪ .‬حين ذكرت رسول ال صلى ال عليه وسلم ن وما ذكر من الفضل عليهم فردهم إلى‬
‫عمرو بن العاص وأمره ان يجعلهم في مقدمات العسكر ‪ ،‬واحس إليهم عمر بن الخطاب رضى ال عنه‬
‫وأكرمهم ‪ ،‬وأمرمهم ‪ ،‬وامر عمرو بن العاص أن يحس إليهم ‪ ،‬فكانوا مع عمرو بن العاص حتى قتل‬
‫عثمان ‪ ،‬فلما كان هذا الخبر في عصابة من أهل المغرب عن عمر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫رجونا أن يكونوا أئمتنا ومن اقتفى آثارهم وأن يكونوا أهل تلك الفضيلة ‪.‬‬

‫وبلغنا ان رجل من ‪1‬رية ابى بكر الصديق رضى ال عنه عن بعض الخلفاء أنه قال ‪ :‬با أهل مكة ويا أهل‬
‫المدينة اوصيكم بال وبالبربر خيرا ‪ ،‬فانهم سياتونكم بدين ال من المغرب بعد أن تضيعوه ‪ ،‬هم الذين‬
‫ذكرهم ال في كتابه بقوله ‪ ":‬يا أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم عن دينه فسوف يأتى ال بقوم يحبهم‬
‫ويحبونه ‪ ،‬أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ‪ .‬يجاهدون في سبيل ال واسع عليم "‪ .‬ل ينظرون في‬
‫حسب امرئ غير طاعة ال ‪ ،‬قال البكرى ‪ :‬فمن حين وقعت الفتنة انما نقاتل نحن العرب على الدينار‬
‫والدرهم وأما البربر فانهم يقاتلون على دين ال ليقيموه قال ‪ :‬وهو يرفع الحديث إلى ابن مسعود رضى‬
‫ال عنه أن آخر حجة حججنا قام خطيبا فقال ‪ :‬يا أهل مكة ويا أهل المدينة اوصيكم بتقوى ال وبالبربر‬
‫فأنهم سيأتونكم بدين ال من المغرب ‪ ،‬وهم الذين يستبدل ال بكم اذ يقول ‪ ":‬وان تتولوا يستبدل قوما‬
‫غيركم ثم ل يكونوا امثالكم " والذى نفس ابن مسعود بيده لو ادركتهم كنت لهم أطوع من امائهم ‪ ،‬واقرب‬
‫إليهم من دثارهم ‪ ،‬وبلغنا عن عائشة رضى ال عنها انها أبصرت صبيا له ذؤابتان ذا جمال وهيئة فقالت‬
‫من اى قبيل هذا الصبى الشقى ؟ قالوا من البربر ‪ ،‬قالت عائشة البربر يقرون الضيف ويضربون بالسيف‬
‫ويلجمون الملوك لجام الخيل ‪.‬‬

‫قلت وانما قدم الشيخ رحمة ال ذكر الفرس والبربر تنبيها على فضيلة ائمتنا اذ كانوا من الفرس وفضيلة‬
‫من انتهى إليه مذهبنا بالمغرب اذ كانوا جلهم البربر ولم يقصد بذلك تاخير العرب عن الفضيلة اذ فضيلة‬
‫العرب افضل وشرفهم أقدم رسول ال صلى ال عليه وسلم واصحابة ‪ ،‬وعلى ألسنتهم أنزل القرآن ‪،‬‬
‫ومنهم كان أسلفنا من الصحابة والتابعين لهم باحسان إلى يوم الدين ‪ ،‬ولكل خصلة من الفضل بحسب‬
‫عطاء ال ويسره له ‪ ،‬وال يؤتى من فضله من يشاء وال واسع عليم ‪.‬‬

‫خبر الخمسة نفر (حملة العلم إلى المغرب)‬

‫أبو الخطاب عبد العلى بن المسيح المعافرى ‪ ،‬وعبد الرحمن بن رستم الفارسى ‪ ،‬وعاصم السدراتى ‪،‬‬
‫واسماعيل أبن درار الغدامسى ‪ ،‬وابو داود القبلى ‪ ،‬وتحدثهم إلى ابى عبيدة رحمة ال وأخبارهم الول‬
‫فالول ‪.‬‬

‫أخبار عبد الرحمن بن رستم بن بهرام بن كسرى الملك الفارسى رحمه ال‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫كان مولده بالعراق وكان أبوه منجما وكان يرى في علم مدخر عندهم ان ذريته ستلى أرض المغرب ‪،‬‬
‫وكان أبوه رستم متوجها من العراق ومعه عبد الرحمن أبنه وزوجته ليصل إلى أرض المغرب ‪ ،‬فلما كان‬
‫بمكه أو قريبا منها ادركته حمامه ‪ ،‬وانتقضت أيامه فلقى عبد الرحمن وامه الحجاج من أهل ارض‬
‫المغرب بمكة فتزوج رجل من القيروان أن عبد الرحمن ‪ ،‬فأقبل بهما حتى قدموا أرض القيروان ‪ ،‬ونشأ‬
‫بها عبد الرحمن ‪.‬‬

‫فلما بلغ مبلغ الرجال وقرأ وتصفح ‪ ،‬نظر إليه رجل من أهل مذهبنا ‪ ،‬فقال له يا بنى ‪ ،‬ان كنت جادا فيما‬
‫أراك تطلبه فاقصد ابا عبيدة مسلم بن ابى كريمه ‪ ،‬تجد عنده ماتطلب ‪ .‬فسار عبد الرحمن بن رستم إلى‬
‫ابى عبيدة رحمة ال فاجتمع بالنفر الذى ذكرنا ‪ ،‬فصدوا ابا عبيده رحمه فصافحهم ابو عبيده وسألهم عن‬
‫احوالهم ‪ ،‬ومن أين أقبلوا فاخبروه انهم أرادوا تعلم العلم ‪ ،‬فاجابهم إلى ذلك ‪ ،‬ومكثوا عنده عدة سنين ‪،‬‬
‫وكان أبو عبيدة رحمة ال مستخيفا تخوفا من بعض أمراء البصرة (‪ )1‬فادخلهم سربا وجعل فيه سللسة‬
‫وطفق يعمل القفاف بباب السرب فمتى رأى شخصا مقبل حرك السلسلة فسكتوا فإذا انصرف حركها‬
‫فيأخذون في دراستهم ‪ ،‬وكان عبد الرحمن شابا جميل حديث السن وكان أبو عبيدة يجعل بينه وبين‬
‫الناس سترا لئل يشغلهم بجماله ‪ ،‬فلما بلغوا من العلم ما شاء ال وأرادوا النصراف إلى بلدهم رغب‬
‫عجائز متصلحات من المذهب إلى ابى عبيده في أن يريهن عبد الرحمن ليودعنه ويزودنه بالدعاء ‪،‬‬
‫فقالت أحداهن ‪ :‬بارك ال فيك كما بارك في عين الشمس ‪ ،‬وقالت الثانية بارك ال فيك كما بارك في‬
‫انسان العين ‪ ،‬وقالت الثالثة ‪ :‬بارك ال فيك كما بارك في مطيب الطعام من الملح ‪.‬‬

‫فلما عزموا على المسير إلى بلدهم كلموا أبا عبيدة وشاوروه فيما يستقبلون من أمورهم ‪ ،‬فقالوا له ‪ :‬يا‬
‫شيخنا أرأيت أن لو كانت لنا قوة بالمغرب ووجدنا في أنفسنا طاقة أفنولى علينا رجل منا ؟ فقال لهم أبو‬
‫عبيدة توجهوا إلى بلدكم فان يكن في أهل دعوتكم من العدد والعدة ما تجب معه التولية عليكم فولوا على‬
‫أنفسكم رجل منكم‪ ،‬فان ابى فاقتلوه ‪ ،‬واشار إلى أبى الخطاب رحمه ال تعالى ‪.‬‬

‫قالوا فلما أرادوا الخروج من عنده هيأ الشيخ المركوب لتوديعهم ‪ ،‬ووضع رجله في الركاب فسأله‬
‫اسماعيل عن ثلثمائة مسألة من مسائل الحكام قبل أن يستوى علة متن الدابة ن فقال له ‪ :‬أبو عبيدة‬
‫اتريد ان تكون قاضيا يا أبن درار ؟ قال له ‪ :‬أرأيت أن أبتليت بذلك ! فبماذا تأمرنى يرحمك ال ؟ وقد ذكر‬
‫أنه أنما قال له ذلك في موطن المذكور ‪.‬‬

‫ثم توجهوا إلى المغرب فلما وصلوا عرضوا المامة على عبد الرحمن فاعتذر بامانة كانت عنده للناس‬
‫فقبلوا عذره وأرادوا تواية ابى الخطاب رحمه ال ‪.‬‬

‫‪---------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬هو الحجاج بن يوسف امير المويين على العراق‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫امامة أبى الخطاب عبد العلى بن السمح‬

‫قال الشيخ أبو العباس رحمه ال أنما وضع الشيخ رحمه ال في هذا الموضع من كتابه ذكر ولية أبى‬
‫الخطاب ‪ ،‬ثم ولية الفرس ‪ ،‬لما أعتمده من ذكر ولية الفرس وأنتشار المذهب وائمتى ونقله إلى أرض‬
‫المغرب فلما كان ذلك هو المهم جعله أول ‪ ،‬والذي ينبغى أن نقدم نبدأ بذكر من أستخلف من اصحاب‬
‫رسول ال صلى ال عليى وسلم ‪ ،‬ثم أمامة عبد ال بن وهب الراسبى رحمه ال ونبدأ من أخباره ‪ ،‬ثم‬
‫تأخذ السير على التدريج ‪ ،‬ولعل فعله أصلح والذي رآه أنجح ‪ ،‬أذ علم ما عداه قد أنتهى حفظ الكثرين‬
‫إليه واغنت شهرته عن الدللة عليه فنشرع في ذكر ولية من ولى بالمغرب ‪ ،‬ولنبتدئ بذكر أبى الخطاب‬
‫رحمه ال ‪ ،‬وله التقدم لسبقه إليه ولستحقاقه أياه وسبق فضيلة العرب ثم ل بد أن شاء ال من ذكر ما‬
‫امكن من أخبار من اشرت إليهم في موضع يفرد لذلك أن شاء ال تعالى‪.‬‬

‫ذكر بعض أصحابنا انه لما قدم ابو الخطاب واصحابه من المشرق الى طرابلس اهتم بامور الناس‬
‫ومصالح المسلمين من له فيهم نظر من المشائخ والعيان ‪ ،‬وافاضل الناس ‪ ،‬واجتمعت جماعة ممن‬
‫وصفته ‪ ،‬ذلك بعد قتل الحارث وعبد الجبار ‪ ،‬والناس حينئذ في الكتمان فكانوا يتفاوضون في عقد المامة‬
‫‪ ،‬وفيمن هو أهل لها ‪ ،‬فاجالوا أفكارهم فيمن يولونه امرهم ‪ ،‬ثم اذا اجتمع رأيهم على أمضاء ذلك جعلوا‬
‫يرددون النظر فيما عزموا عليه هل لهم به طاقة ؟ وهل يستطيعون مدافعه عدوهم ام ل؟ فكانوا يجتمعون‬
‫في موضع يقال له " صياد " بخارج مدينة طرابلس ويظهرون أنهم يجتمعون في قضية أرض مشتركة‬
‫بين قوم أرادوا قسمتها ‪ ،‬وذكر أنما أضهروا أنهم أجتمعوا في قضية لجل وأمراة تخاصما فيها وتفاقم‬
‫أمرهما فكانهم يريدون أصلحها ‪ ،‬وكلما أنقضى مجلس وانفصلوا دخل منهم جمع إلى والى المدينة‬
‫فسلموت عليه مداراة له ‪ ،‬حتى إذا اتفق رأيهم على عقد الماة اجتمعت كلمتهم على مبايعة ابى الخطاب‬
‫رحمه ال ‪.‬‬

‫وذكر بعض اصحابنا انهم لما اتفقوا على ذلك جعلوا بينهم موعدا معلوما ليجتمعوا فيه بصياد ‪ ،‬فاتفقوا‬
‫على ان ياتى كل واحد منهم بجماعة رجال من عشرية واتباعه ‪ ،‬وأن يأتوا بالسحلة ويجعلوا الدروق في‬
‫الجواليق ويخفونها بالتبن ‪ ،‬وجعلوا امارة بينهم وبين من في المدينة من مشائخ أهل دعوتهم ومن ل‬
‫يقدر على النهوض معهم انهم أذا رأوهم دخلو المدينة المدينة بجماعتهم ان يستهروا السلح ‪ ،‬واخبروهم‬
‫سرا أن المام ابو الخطاب فلما كانوا بالموعد الذي يجتمعون فيه بعامة المسلمين من شيوخ القبائل من‬
‫نفوسه وهوارة وزريشة ‪ ،‬وزناته وغيرهم فتوافوا بصياد ن ومعهم ابو الخطاب ‪ ،‬حين عمدوا لعقد ما‬
‫اعتقدوا قالوا له امض معنا على بركة ال إلى الذى ترددنا فيه منذ زمان ‪ ،‬قال فخرج معهم أبو الخطاب‬
‫ولم يدر ما يريدونه فلما وصلوا صياد تكلم متكلمهم ‪ ،‬فقال أليس قد اجتمع رئاينا على ما قد علمتوه ؟‬
‫قالوا بلى ‪ ،‬قال فأتموا أمركم إذا فقامت منهم طائفة ناحية فتناجنوا ساعة ن ثم رجعوا فقالوا لبى الخطاب‬
‫أبسط يديك لنبايعك على أن تحكم بيننا بكتاب ال وسنة نبيئه صلى ال عليه وسلم وآثار الصالحين ‪ ،‬فقال‬
‫لهم أبو الخطاب ما حسبت أن لهذا كان خروجى معكم ‪ ،‬فقالوا ل بد لنا من تقليدك أمور المسلمين ‪ ،‬فلما‬
‫رأى جدهم ‪ ،‬قال ل أقبل أن أتحمل امانتكم أل على شروط ‪ ،‬قالو كل شرط يجوز فنحن نعطيكه ‪ ،‬ونعطيك‬
‫فيه ‪ ،‬فقال لهم‪ :‬شرطى عليكم أن ل تذكروا في عسكرى مسألة الحارث وعبد الجبار ‪ ،‬خوفا من أن يكون‬
‫في جماعة المسلمين أختلف وفرقة ‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫بيان مسالة الحارث وعبد الجبار واختلف الناس فيها‬

‫وقد حدث بعض أصحابنا أن مسألة الحارث وعبد الجبار أتصلت إلى المشرق فكان بين اصحابنا الذين في‬
‫المشرق بهذه المسالة أختلف وفرقة وفي المغرب أشد من ذلك ‪ ،‬حتى كتب إليهم أبو عبيده وأبو مودود‬
‫حاجب الطائى رضى ال عنهما بالكف عن ذكرها ‪ .‬قال الشيخ أبو العباس الخلف الذي في المسالة قديما‬
‫وحديثا أصلة في الولية المعينة هل تنتقل إلى الوقوف أم ل إل أن أنتقلت بحكم كتعين إلى البراءة ؟ وهذه‬
‫المسألة مبينة في العقائد وفي الفقه ‪ ،‬على اليقين هلى يدفعه الشك ؟ فعند أصحابنا ان اليقين يدفع الشك‬
‫ول يدفعه الشك فالولية ل تنقل إلى الووقف وعند الزيدية أنها تنتقل إلى الوقوف ولهم في ذلك أشكالت‬
‫ياتى ذكرها ومدافعتها ن وذلك أن الحارث وعبد الجبار كانا رجلين موصوفين بالصلح ‪ ،‬وهما من أهل‬
‫الولية ‪ ،‬فوجدا في موضع واحد مقتولين وسيف كل واحد منهما في جثة الخر ‪ .‬فوقع الختلف فيها ‪،‬‬
‫فقائل يقول ان كل منهما قتل الخر ‪ ،‬فينبغي أن نبرأ منهما فهذا ارذل القوال ‪ ،‬وقائل بان كل واح منهما‬
‫قتل الخر إل أنا ل ندرى الباغى منها فنبرا منه ول المبغى عليه فنتوله فل يسعنا إل الوقوف عن وليتها‬
‫والبراءة منهما هذا قول اصحاب عبدال بن زيد ‪ ،‬فقائل أنهما باقيان على ما كانا يستحقانه من الولية‬
‫لن صلحيتها متيقنة وقتل احهما الخر مشكوك فيه فل نتوقف عن وايتها فهذا من الحتمال ‪ ،‬اذ من‬
‫الحتمال الذي سبق إلى الخيال أن يكون البغاة الذين قتلوهما قد أولجوا سيف كل واحد منهما في جثة‬
‫صاحبة وتركوهما لما أرادوه من هذا الخلف فهذا قول اصحابنا ‪ .‬وللزيدية (‪ )1‬هنا افراط بمسئلتين ‪،‬‬
‫احداهما ان يقع اللعان بين الزوجين وهما من أهل الولية فل بد أن يكون البغل قاذفا أو تكون المرأة‬
‫زاينة ‪ ،‬وكل الفاحشتين من الكبائر إل أنا ل ندرى من أرتكيها منها فعلينا الوقوف او البراءة ‪ ،‬والثانية‬
‫أن ترى من بعد رجلين من أهل الولية وقد جرد كل واحد منهما سيفه ‪ ،‬وضرب صاحبه حتى ماتا ولست‬
‫تدرى الباغى ول المبغى عليه ‪ ،‬قلنا هذا كله احتمالت ولنا في رسول ال اسوة حسنة ‪ ،‬أذا نزل عليه ‪":‬‬
‫وممن حولكم من العراب منافقون ومن أهل المدينة ‪ ،‬مردوا على النفاق ‪ ،‬ل تعلمهم نحن نعلمهم " ‪ ،‬فلم‬
‫يبلغنا عنه صلى ال عليه وسلم أنه توقف عن مواصلة أحد ممن أظهر اليمان من أهل المدينة ول من‬
‫العراب ول انه تجنب أحدا مع انه صلى ال عليه وسلم ألم انه ل يعلمهم ‪ ،‬وان ال تعالى يعلمهم ‪ ،‬بل‬
‫أبقاهم على ما هم عليه من الولية المتقدم اليقين بها حتى فضحتهم الية من سور براءة في قوله تعالى‬
‫‪ :‬ومهم فلما عرفوا يقينا أنتقلت الولية إلى البراءة ‪ ،‬فاطلب ذلك في موضعه تجده ‪.‬‬

‫وبلغنى عن ناس من أصحابنا الذين بالشرق ‪ .‬بل قد وقفت عليه من قولهم ‪ :‬أنهم رحجوا قول اصحابنا‬
‫في القتيلين والمقتولين ‪ ،‬ورحجوا قول الزيدية في الملعنيين فاعتمد هذاك ال على القرآن وما تعلق به‬
‫يدحض كل قول يخالفه ‪ ،‬فهذا هو الخلف الذى في المسئلة ‪.‬‬
‫رجعنا ‪ ،‬فأراد ابو الخطاب رضى ال عنه أن يقطع الختلف من جماعة المسلمين بامامته ‪ ،‬فقالوا له لك‬
‫ذلك علينا فبايعوه على القيام بحقوق ال ‪ ،‬وعلى ما فيه في الكتاب والسنة واتباع الئمة المهتدي ‪ ،‬فقبل‬
‫مبايعتهم ‪ ،‬وانصرف إلى المدينة ومعه جماعة المسلمين ‪ ،‬وذكر بعض أصحابنا ان ولية أبى الخطاب‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫كانت على رأس اربعين ومائة سنة ‪ ،‬ثم أجتمع رأيهم على دخول المدينة مدينة طرابلس وبها عامل لبي‬
‫جعفر المنصور ‪ ،‬فعمدوا إلى رجال باسلحتهم فحملوها في الجواليق افواه الجمال ‪ ،‬وكأنهم عير اقبلت إلى‬
‫المدينة وقد جعلوا افواه الجواليق إلى داخلها من أسفل ‪ ،‬وجعلوا مع كل جمل رجلين بالسلح ‪ ،‬فلما‬
‫توسطوا المدينة ولم يفطن احد بما صنعوا فتحوا الجواليق ‪ ،‬فخرج الرجال والسلح في أيديهم ‪ ،‬وقالوا ‪:‬‬
‫ل حكم إل ل ‪ ،‬ول طاعة إل طاعة ال وطاعة ابى الخطاب ‪ ،‬وقصدوا نحو العامل ليقتلوه ‪ ،‬فأبى عليهم‬
‫أبو الخطاب ‪ ،‬وقصدوا نحو العامل ليقتلوه فأبى عليهم أبو الخطاب من ذلك ‪ ،‬وقال ‪ :‬أنما دخلنا عليهم‬
‫بالمان ‪ .‬فلما رءاهم اهل المدينة وقد شهروا السلح قالوا بالمان ‪ :‬هذه غدرة ‪ ،‬فقال لهم اصحاب أبى‬
‫الخطاب ‪ :‬ل بأس عليكم لسنا بأهل غدر ‪ .‬فمن أراد العافية منكم فليقم في منزله ‪ ،‬ويخر أبو الخطاب‬
‫العامل في القامة في المدينة وينخلع عن العمل ‪ ،‬أو الخروج بالمان ‪ .‬فاختار الخروج إلى أرض المشرق‬
‫‪ ،‬ودفع لبى الخطاب مفتاح بين المال فأخذها منه ‪.‬‬
‫فاحسن ابو الخطاب رضي ال عنه السيرة وعدل في سيرته واحكامه ‪ ،‬وكانت ولية أبي الخطاب اربع‬
‫سنين وقد ولي على رأس أربعين ومائة ‪ ،‬وبلغنا ان امرأة من نساء القيروان كتبت بطاقة إلى المام ابي‬
‫الخطاب رضي ال عنه تشكو اليه جور (ورفجومة ) تقول فيما كتبت له ‪ ( :‬اما بعد " يا أمير المؤمنين "‬
‫فان لى ابنة وقد بلغت في الخوف عليها من ورجفومة والحوطة عليها ان حفرت حفرة تحت سريري‬
‫وصنتها فيها عنهم خشية ان يفسدوها كما فعلوا بامثالها فانظر الينا والسلم ) وكانت ورفجومة ولة‬
‫مدينة القيروان فلما وصلت البطاقة الى ابي الخطاب رضي ال عنه صادفته وهو يتوضأ ‪ ،‬فقرأها وجعل‬
‫يبكي رحمة بما نزل بها ‪ ،‬فنادى ( الصلة جماعة ) واجتمع اليه الناس وصلى بهم ‪ ،‬ثم صعد المنبر‬
‫خطيباً ‪ ،‬فحمد ال وانثى عليه ثم أخذ في ترغيب اصحابه في الجهاد وامر رعيته في التأهب والستعداد ‪،‬‬
‫وان يعزموا على المصابرة والجلد ‪ ،‬فخرج من المسجد وسل عند بابه سيفه وكسر غمده ‪ ،‬قال ‪ :‬ل حكم‬
‫إل ل ترغيبا في الجهاد وغضبا ل ولدينه ‪ ،‬وبلغنا من طريق آخر ان ورفجومة أخرجوا امرأة من‬
‫القيروان وهي تصيح وتقول ‪ :‬اغيثونى معاشر المسلمين ‪ ،‬فلم تجد احدا يدفع عنها فلما بلغ أبا الخطاب‬
‫رحمه ال ما نزل بها ‪ ،‬واستغاثتها بمعشر المسلمين فلم تجد أحدا يدفع عنها قال أبو الخطاب مجيبا لها ‪:‬‬
‫لبيك لبيك ‪ .‬وقد ذكر بعض أصحابنا ان امرأة من أهل القيروان طلبها ورفجومة فصاحت من القيروان يا‬
‫ابا الخطاب اغثنى فمد ال في صوتها فسمعها أبو الخطاب من مدينة طرابلس ‪ ،‬فقال لها ‪ :‬لبيك يا اختاه ‪،‬‬
‫قال الشيخ ابو العباس رحمه ال ول ينكر هذا وامثاله من كرامات الولياء يؤيده ما بلغنا عن رسول ال‬
‫صلى عليه وسلم يقول ال جل وعل ‪ ":‬ل يوال العبد يخدمنى حتى احبه فإذا أحببته وهبت له عيني فيرى‬
‫بها وسمعي فيسمع بها" الحديث ‪ ،‬ول تقل العين والذن ههنا جارحتان ‪ ،‬بل الكلم عليها كالكلم على‬
‫امثالهما مما نزل في القرآن وفيما ورد في السنة ‪ ،‬وكل ذلك محمول على قدرة ال تعالى ‪ ،‬قال ‪ :‬فعند‬
‫ذلك أمر أبو الخطاب مناديه بان ينادى ‪ :‬النفير النفير فعسكر على طرف المدينة حتى أجتمع إليه من‬
‫اصحابه جموع كثيرة ‪ ،‬ثم أن أبا الخطاب خرج فيمن اجتمع له من أصحابه ومعه عبد الرحمن بن رستم‬
‫افارسى رضى ال عنه ن فخرجوا في سنة ممحملة ذات جوع وجذب ‪ ،‬فامدهم ال بالجراد ن فإذا نزلوا‬
‫نزل معهم ‪ ،‬واذا ارتحلوا ارتحل معهم ‪.‬‬

‫وبلغنا ان ابا الخطاب لما خرج امر مناديه فنادى ‪ :‬ايها الناس من له ابوان كبيران أو أحدهما فليرجع ‪،‬‬
‫ومن له عروس قريب عهدها فليرجع ‪ ،‬ومن اراد الرجوع منكم فليرجع بالليل رجعت طائفة من عسكره‬
‫فلما كان بالغد أمر خيل تقطع وراءه فوجد أثر من رجع من الناس إلى أهلهم ‪ ،‬ثم فعل ذلك في الليلة‬
‫الثانية وفي الليلة الثالثة ‪ ،‬حتى رجعت خيلة فاخبرته بانه لم يبق من يرجع ‪ ،‬وانه لم يبق معه إل من له‬
‫رغبة في الجهاد ‪ .‬فعرض عسكره في ستة آلف ‪ ،‬وقال فيما قال ‪ :‬انى لرجو لمن خرج في عسكرنا‬
‫ومات مجاهدا ان يكون من أهل الجنة ال من من فيه أحدى ثلث قتل نفس بغير نفس ‪ ،‬وافتراش في‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫حرام ز واقتناء أرض غصبا ‪ .،‬فمن كانت فيه هذه الخصال أو واحدة منهن فليعلم انه واجد منهن مخرجا‬
‫أما قاتل النفس فبان ينقاد لولياء انه واجد منهن مخرجا أما لم يعلم له ولي ليشهد على نفسه بتركها‬
‫واما الثنتان الخيرتان فانه ليشهد على نفسه بتركهما والتخلى عنهما ‪ .‬وبلغنا ان أبا الخطاب مر بمدينة‬
‫" قابس " فحاصر أهلها حتى ضعفوا واذعنوا له بالطاعة فجعل على المدينة عامل ‪ ،‬وارتحل حتى اذا‬
‫نزل على القيروان فحاصر المدينة عامل ‪ ،‬وارتحل حتى اذا نزل على القيروان مرض عاصم السدراتى‬
‫مرضا شديدا ‪ ،‬كان من اخيار أهل العسكر ن وانجدهم ‪ ،‬واشهدهم شوكة على أهل القيروان فسمع‬
‫بمرضه أهل القيروان وأنه أشتهى القثاء فبعث أهل القيروان ببائع القثاء ‪ ،‬فسممعوا واحدة من قثائه ‪،‬‬
‫وامروه ان ل يبيعها ال لعاصم السدراتى فمضى البياع بما عنده من القثاء إلى المعسكر ‪ ،‬فاشترى لعصم‬
‫اصحابه تلك المسمومة فأتوه بها فاكلها فثار فيه سمعها ‪ ،‬حتى هلك ‪ ،‬وقد هرب البياع حين باعها‬
‫فاستشهد عاصم رحمه ال فصاح أهل المدينة أين عاصم السدراتى المقتول بالسم ؟ ثم جعلوا يقولون‬
‫مات عاصمكم يا بربر ‪ .‬فعلم أبو الخطاب أنهم خدعوه وبلغ منه موت عاصم مبلغا عظيما ‪ ،‬فقال لصحابه‬
‫‪ :‬أنهم خدعونا وغدرونا ‪ ،‬فسنخدعهم ونغدرهم كما فعلوا ‪ ،‬فخدعهم رحمة ال ‪ ،‬وامر اهل العسكر بان‬
‫يأخذوا سلحهم ويخل اخبيتهم ويخرجوا تحت الليل وياخذوا الطريق شبه الهاربية مذعورين ‪ ،‬فاصبح‬
‫منزل عسكر ابى الخطاب خاليا ‪ ،‬فظن أهل القيروان أنهم هربوا منهم ليل ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬انهزمت البربر ‪،‬‬
‫واخذوا بآثارهم ن ومضى أبو الخطاب رحمه ال فيمن معه إلى واد وراء فحص رقادة ‪ ،‬وكمن فيه بخلية‬
‫ورجله ‪ ،‬فأخذ اهل المدينة في طلب ابى الخطاب واصحابه ‪ .‬فلما لحقوا بهم ‪ ،‬وجدوهم معسكرين فثار ابو‬
‫الخطاب وأصحابه في وجوههم ‪ ،‬فهزموهم فتبعهم أبو الخطاب واصحابه ‪ ،‬يقتلونهم ‪ ،‬حتى دخلوا معهم‬
‫المدينة فتحصلت المدينة لبى الخطاب في سنة احدى واربعين ومائة من التاريخ ‪.‬‬
‫فلما ولى ابو الخطاب المدينة أستعمل عليها عبد الرحمن بن رستم رحمه ال ‪ ،‬وقد أمر أبو الخطاب‬
‫أصحابه حين كان في حصار المدينة ان ل يفسدوا زرعا ول غيره ‪.‬‬
‫وحدث بعض أصحابنا ان شيخا من شيوخ القيروان بعث ابنا له يرتاد مزرعة كانت له بقرب منزل عسكر‬
‫ابى الخطاب فقال يا بنى ‪ :‬أذهب وانظر هل بقى في مزرعتنا شئ قال ‪ :‬فخرج الغلم إلى المزرعة فوجدها‬
‫سالمة لن ينلها فساد ‪ ،‬فرجع الغلم إلى أبيه فأخبره ‪ ،‬فعجب لذلك وعجب الناس لعدل ابى الخطاي‬
‫وسيرته وطاعة أصحابه له فيما يامرهم به وينهاهم عنه ‪ .‬وكان من مقالة الشيخ المذكور اذ ذاك لمن‬
‫حضره من أهل القيروان ‪ :‬أتظنون ان ابا الخطاب يشبه من ولي عليكم قبلة دنيا وفضل ؟ وأن سيرتهم‬
‫كسيرته حسنا وعدل ؟ كل وال ‪ .‬أين مثل أبى الخطاب في سيرته وعدله وفضله !‬

‫وبلغنا ان أمرأتين قد خرجتا من القيروان حين فتحها ال لبى الخطاب بعد هزيمة أهلها ‪ ،‬فنظرت احداهما‬
‫إلى القتلى مزملين في ثيابهم كانهم رقود ‪ ،‬فقالن لصاحبتها ‪ :‬انظرى اليهم كانهم رقود ‪ .‬فسمى ذلك‬
‫الموضع رقادة إلى اليوم ولما دخل ابو الخطاب المدينة أمر أهل المدينة بان يخرجوا إلى قتلهم ليدفعوهم‬
‫‪.‬‬

‫وقد أمر ابو الخطاب من يتفقد القتلى ‪ ،‬فوجد قتيل واحدا منهم مسلوبا ‪ ،‬وامر مناديا ينادى في عسكره‬
‫من نزع عن أحد من القتلى شيئا فليردده ‪ ،‬فلم يردد أحد شيئا فعلم ان سالبه عمل غير صالح ‪ ،‬فلما أيس‬
‫من رده سلب القتيل المذكور طوعا ‪ ،‬ومخافة من عقاب ال تعالى ‪ ،‬ودعا أبو الخطاب ربه عزوجل أن‬
‫يفضحه ويظهر على اعين الناس فامر أبو الخطاب فرسان من عسكره بان يخرجوا ويجروا خيلهم بين‬
‫يديه وكان فيهم رجل فارس ن سدراته فلما اجريت الخيل انقطع حزام سرج السدراتى ن فوجد كساء‬
‫سفسارية تحت سرجه ‪ ،‬فسقط الكساء على أعين الناس وقيل بل كان جبة حرير ‪ .‬قلت والجراد أيضا عند‬
‫الحيتاج إليه واجابه الدعاء على الخائن كل ذلك من الكرامات فأخذه المام رحمه ال فعزره حسب ما‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫اقتضاه الجتهاد ‪.‬‬

‫وبلغنا أن أبا الخطاب رضى ال عنه لما هزمهم احسن فيهم السيرة وامر اصحابه ان ل يتعبوا مدبرا ‪،‬‬
‫وليجهزوا على جريح فقال رجل من لواته من عسكر ابى الخطاب يقال له خالد أناكل من اموالهم كما‬
‫يأكلون أموالنا ويعتقدون أنها غنيمة احلت لهم ؟ فقال ‪ :‬أبو الخطاب رحمه ال ان فعلنا كما فعلوا فحق‬
‫على ال ان يرفضنا ويدخلنا معهم جهنم فنكون كما قال ال تعالى ‪ " :‬كما دخلت امة لعنت أختها فنكون‬
‫كما قال ال تعالى ‪ ":‬كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى أذا أراركو فيها جميعا قالت أخراهم لولهم ربنا‬
‫هؤلء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار ‪ ،‬قال لكل ضعف ولكن ل تعلمون ‪ ،‬وقالت أولهم لخراهم فما‬
‫كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون "(‪ )2‬ثم أن ابا الخطاب توجه إلى المدينة‬
‫طرابلس وقد استعمل عبد الرحمن بن رستم رحمه ال على القيروان ‪ .‬وعلى ما يليها من المدن ‪،‬‬
‫فاستعمل عبد الرحمن على القيوروان ‪ ,‬وعلى ما يليها من المدن ‪ ،‬فاستعمل عبد الرحمن على كتابته‬
‫رجل منهم يقال له عبدال بن عقيب فصلحت أحوال الناس ‪.‬‬

‫وقد كان الرجل السدراتى لما لم لم يتجاوز عنه أبو الخطاب رأى أن قد نزلت عليه مصيبة عظيمة في‬
‫أجتماع الفضيحة والعانة عليه ‪ ،‬فسار مغضبا ‪ ،‬متوجها إلى بغداد ليستنفر منها جيشا من تلقاء ابل‬
‫جعفر المنصور ‪ ،‬فلما وصل بغداد طلب الدخول على ابى جعفر فوقت على الباب سنة ل يؤذن له في‬
‫الدخول على ابى جعفر ول بالنصراف ‪ ،‬فبعد تمام حول اذن له ابو جعفر في الدخول ‪ ،‬فدخل عليه وخل‬
‫به ‪ ،‬وسأله عن حاجته ‪ ،‬فقال له ‪ :‬حاجتى أن تنفذ معى عسكرا إلى ناحيتع المغرب ‪ ،‬فامر ابو جعفر‬
‫بالستعداد بالمسير إلى أرض المغرب ‪ ،‬فانفذ جيشا وجعل عليه محمدا بن الشعت الخزاعى اميرا ‪ .‬وذكر‬
‫بعض أصحابنا ان عدد أهل العسكر خمسون ألفا ‪ ،‬وقال ‪ :‬بعضهم سبعون ألفا ‪ ،‬فجعل على طائفة من‬
‫العسكر رجل دون ابن الشعت ‪ ،‬فتوجه ابن الشعث قاصدا إلى ابى الخطاب ‪ ،‬فلما انفصل العسكر من‬
‫مصر أرسل عيونه فكانت العيون تختلف بين الفريقين باخبار كل عيونه فكانت العيون تختلف بين‬
‫الفريقين باخبار كل منهما إلى الخر ‪ ،‬وبجميع ما يحدث عندهم فقدمت عيون ابن الشعث من عند ابى‬
‫الخطاب فسألهم عن اخباره ‪ ،‬فقالوا له أنجمل ام نفضل ؟ فقال ‪ :‬بل اجملوا ‪ ،‬فقالوا رأينا رهبانا بالليل‬
‫واسدا بالنهار ‪ ،‬يتمنون لقاءك كما يتمنى المريض الطبيب ‪ ،‬لو زنى صاحبهم لرجموه ولو سرق‬
‫لقطعوه ‪ ،‬خيلهم من نتاجهم ‪ ،‬ليس لهم بيت مال برتزقون منه وانما معاشهم من كسب ايديهم ‪ .‬فلما سمع‬
‫بان الشعت ما وصفوه هاله ذلك ظن فشاور المير الذى دونه في الرجوع فابى له من ذلك ‪.‬‬

‫ولما رأى أبن الشعت ذلك وخاف تفرق الكلمة ‪ ،‬عمد إلى رجال من عسكره فامرهم أن يتزيوا بزي‬
‫الرسل ‪ ،‬كأنهم قدموا من ارض المشرق ‪ ،‬واودعتهم كتاب أستخرجه على لسان ابى جعفر ‪ ،‬وامرهم أن‬
‫يتنجوا عن العسكر فإذا كان وقت الضحى من الغد اقبلوا كأنهم قادمين من بغداد بكتاب خليفتهم فلما كان‬
‫الوقت الذى وعدهم بالقدهم فيه اقبلوا ‪ ،‬فلما رءاهم أهل العسكر تبادروا ‪ ،‬وأتوا بهم إلى ابن الشعث ‪،‬‬
‫فناولوه الكتاب الذى قدموا به فقرأه وأظهر أن ابا جعفر أمره بالرجوع ن فرجع بالعسكر لما أعتل به من‬
‫أمر ابى جعفر اياه بالرجوع لمر هو احوج إليهم فيه مما توجهوا إليه ‪ ،‬فرجع ‪ ،‬وكره صاحب ابن‬
‫الشعث الرجوع فلما رءاه كذلك أرسل إليه وأمر به فقتل ‪ ،‬فخيل إلى الناس أن أبا جعفر أمره بذلك ن‬
‫وضم إلى نفسه العسكرين ‪ .‬ثم أنه كر راجعا إلى المشرق وتباطأ في سيره وقرب المراحل ‪ ،‬والعيون‬
‫تختلف باخبار الفريقين فإذا ارتحل ابن الشعث أول النهار نزل عند أنتصافه‪ ،‬فإذا كان إذا أرتحل‪ ،‬وعيون‬
‫ابى الخطاب كلما رأت ابن الشعث أرتحل مرحلة رجعت منهم طائفة ‪ ،‬وأبن الشعث كلما ارتحل مرحلة‬
‫أمر خيل تقطع الثر خلفه لتنظر هلى بقى في عسكر ابى الخطاب أم ل ‪ ،‬وعيون أبن الشعث في عسكره‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫من عيون ابى الخطاب أم ل ‪ ،‬وعيون أبن الشعث في عسكر ابى الخطاب مقيمه ‪ ،‬فلما وصلت عيون أبى‬
‫اجتمع إليه من عسكر ابن الشعث تخبره برجوعه – وقد اجتمع على ابى الخطاب زهاء تسعين ألفا –‬
‫ابتدرت الناس إلى مواطنهم وذلك في زمان الحصاد ن فقال لهم أبو الخطاب يا قوم ‪ :‬أن العرب أهل مكر‬
‫وغدر ‪ ،‬فل تفترقوا عن ملككم ‪ ،‬حتى تستيقنوا برجوع القوم ‪ ،‬وغلبت عليه العمة فإذن لهم بالحاق (‪)3‬‬
‫أهليهم فساروا وتفرقوا عنه ‪ ،‬وفى كل ذلك لم تزل عيون أبن الشعث في عسكر ابى الخطاب‪.‬‬

‫فلما تيقنوا تفرق جموع ابى الخطاب اسرعوا بالمسير إلى صاحبهم ‪ ،‬فاخبروه فكر ابن الشعث راجعا‬
‫يطوى المراحل ‪ ،‬فلم يشعر ابو الخطاب ال وعسكر ابن الشعث قد غشي حيز طرابلس ‪ ،‬وأبو الخطاب‬
‫بها مقيم فقال لصحابه أن العدو قد غشي حريمى فل يسعنى القعود عن المدافعة عن رعيتى ‪ ،‬وقد‬
‫اعلمتكم من قبل بما كنت أتوقعه من مكر العرب ‪ ،‬قال ففرق الرسل أبو الخطاب في البلدان تستنفر‬
‫عسكره وتستمدهم فارسل إلى عبد الرحمن بن رستم يستحثه ‪،‬فأمر أبو الخطاب اصحابه بالخروج فاشار‬
‫عليه بعضهم بالقامة حتى تاتيه امداده ‪ ،‬فابى إل لخروج ‪ ،‬وقال ‪ :‬ل يسعنى المقام‪ ،‬وقل دخل العدو حريم‬
‫رعيتى ‪ ،‬حتى أدفع ‪ ،‬حتى ادفع عنها ما غشيها أو الحق بال ‪ ،‬فخرج بمن حضره من أصحابه ومن‬
‫بقرب المدينة من نفوسه وهو أرة وزويشة وغيرهم يريد محمد بن الشعث فالتقيا " بتاورغا " وهو على‬
‫مسيرة ثمانية أيام من طرابلس ‪.‬‬

‫‪------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬لعله اليزيدية ‪ .‬تأمل‬
‫(‪ )2‬سورة العراف ‪ :‬آيه ‪38-37‬‬
‫(‪ )3‬كذا في النسخ لعله باللحاق بأهليهم‬

‫مقتل أبى الخطاب واصحابه رحمهم ال‬

‫حدث غير واحد من أصحابنا أن ابا الخطاب لما سمع برجوع أبن الشعث إليه بمن خرج بمن حضره من‬
‫أصحابه فأجد السير إليه ‪ ،‬فوجد أبو الخطاب قد سبق إلى الماء نازل عليه فقال ابن الشعث لصحابه ‪:‬‬
‫أن نزل أبو الخطاب واصحابه واسترحوا وسقوا كراعهم ‪ ،‬واستقوا فانكم ل تظفرون بهم بشئ ‪ ،‬ول طاقة‬
‫لكم بهم ‪ ، ،‬وال فانتم أقدر عليهم منهم عليكم ‪ ،‬وهذا بتاروغا ‪ ،‬فلما وصلهم ابو الخطاب وعسكره شاقت‬
‫نفوسهم إلى لقائهم ‪ ،‬والجهاد في سبيل ال على بصيرة فلقاهم أبو الخطاب في قلة والعدو في كثرة ن‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫فاسرع القتل في أصحاب أبى الخطاب واشتد القتال فكان الرجال بين الصفين تنهدم كالحيطان ‪ ،‬ولم يبرج‬
‫ابو الخطاب زاصحابه رحمهم ال حتى أستشهدوا جميعا ن وكانوا في أربعة عشر ألفا فيما ذكر الرواة ‪،‬‬
‫وقد ذكر بعضهم أثنى عشر الفا فلم ينج من القتل إل السير ‪ ،‬فتسامعت رعيته بنقتله فهربوا إلى الجبال ‪،‬‬
‫ولجأوا إلى الحصون المنيعة والقلع العلية ‪ .‬وبلغنا أن عبد الرحمن بن رستم رحه ال لما وصلته رسل‬
‫المام اسرع ليحلق به ‪ ،‬فلما انتهى إلى مدينة " قابس " تلقاه مقتل المام وعسكره ‪ ،‬فافترت عساكره‬
‫وكر راجعا إلى مدينة القيروان ‪ ،‬فلما سمع عبد الرحمن بن حبيب بمصاب ابى الخطاب ومن معه وتفرق‬
‫العساكر ثار من مدينة القيروان ‪ ،‬وطلب عبد الرحمن بن رستم فلم يجده ‪ ،‬فلم يزل يبحث على أخباره‬
‫حتى ظفر به فابتدره رجل ‪ ،‬فلم يزل يبحث على أخباره حتى ظفر به فابتدره رجل من أهل القيروان من‬
‫أصحاب عبد الرحمن بن رستم إلى عبد الرحمن بن حبيب شافعا إليه فيه فقال له أيها المير لى أليك‬
‫حاجة ‪ ،‬فقال حوائجكم كلها مقضية أل عبد الرحمن بن رستم ن رضى ال عنه ‪ ،‬فقال أن لم أسألك في‬
‫عبد الرحمن بن رستم لما اراد أستعمال ابن حبيب على بعض أموال المسلمين لما أراد أستعمال ابن حبيب‬
‫على بعض اموال المسلمين قال ‪ :‬يا معشر المسلمين أبن حبيب على بعض أموال المسلمين قال ‪ :‬يا‬
‫معشر المسلمين ‪ ،‬ل تولوا ابن حبيب أمور المسلمين ‪ ،‬فانه أبليس أل ان عليه بشر ابن آدم فحقدها عليه‬
‫ابن حبيب ‪.‬‬

‫فلما تفرق جنود ابى الخطاب وجنود عبد الرحمن بن رستم وتخلص من أبن حبيب خرج عبد الرحمن هو‬
‫وأبنه عبد الوهاب وعبد لهما خائفين مستحقين ‪ ،‬متوجهين إلى أرض المغرب ‪ ،‬وليس معه حمولة ول‬
‫مركب غير فرس واحد ‪ ،‬فمات الفرس في بعض الطريق ‪ ،‬فدفنوه مخافة أن تقص أثرهم ‪ ،‬فيطمع فيهم ‪،‬‬
‫وذلك في خارج قسطيلية ‪ ،‬فسمى ذلك الموضع " قبر الفرس " فلما عدموا الفرس وقد ضعفت قوى عبد‬
‫الرحمن تعاون عليه ابنه يحمله تارة ويحمله العبد اخرى ن فاذا حمله العبد قال عبد الوهاب ‪:‬أن ادركنا‬
‫العدو فل تحطط ابى عن ظهرك لما دون خمسمائة ونحوها ‪ ،‬واذا عيى العبد وحمله عبد الوهاب قال ‪ :‬له‬
‫العبد كقوله له العبد كقوله له ‪ ،‬فلما وصلوا حول واد ‪ ،‬أجج وهو جبل منبع قصده عبد الرحمن وتحضن‬
‫به ‪.‬‬

‫وحدث أبو الربيع سليمان بن يخلف رحمه ال عمن حدثه ‪ :‬أن عبد الرحمن لما تحصن بوادى اجج‬
‫وتحصن بالجبل ‪ ،‬لحقه هنالك ستون شيخا من شيوخ الباضية من طرابلس ‪ ،‬وسمع ابن الشعث بذلك ‪،‬‬
‫فأقبل مجدا معدا في طلبه ‪ ،‬فأخبر بأنه قي جبل منيع ‪ ،‬حتى وصله فحاصر عبد الرحمن بن رستم بعد أن‬
‫عسكر على عسكره مخافة أن يأتيه أبن رستم واصحابه ‪ ،‬فأطال المكث تحته فوخم عسكر أبن الشعث‬
‫ووقع فيهم الجدرى ومات منهم خلق كثير ‪ ،‬فجمع أبن الشعث أصحابه فقال لهم مستشيرا ‪ :‬قد رايتم‬
‫هؤلء القوم وما هم فيه من المنعه واقامتنا عليهم ل تجدى شيئا فما ترون في القامة عليهم او الرتحال‬
‫عنهم ؟ فاختلف رأيهم ‪ ،‬فجد هو على الرتحال ‪ ،‬فرجع إلى القيروان وقد يئس من عبد الرحمن وأصحابه‬
‫ودخلها وتحصن فيها ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ولية ابى حاتم يعقوب بن لبيب الملزوزى الهوارى رحمه ال‬

‫حدث غير واحد من أصحابنا ان أبا حاتم ولى مدينة طرابلس في رجب سنة أربع وخمسين وائة ومكث‬
‫فيها اربع سنين ‪ ،‬وكانت وليته دفاع ‪ ،‬وطلب الحق يرسل ثقاته بما يجتمع من مال الصدقة إلى عبد‬
‫الرحمن قبل ظهوره ‪ ،‬وسبب ولية ابى حاتم ان جماعة من أصحابه من بقية من كان مع أبى الخطاب لما‬
‫أنسوا من نفوسهم في حيز طرابلس بعد أبى الخطاب قوة ن هموا بالجتماع لمر ابرموه ن فاظهروا عن‬
‫انفسهم غيره ‪ ،‬كما فعلوا أول مرة في تولية أبى الخطاب ‪ ،‬فعزموا على القيام على حيز طرابلس وواليها‬
‫من قبل ابى جعفر المنصور فسمع الوالى باجتماعهم فأخرج إليهم خمسمائة فارس ‪ ،‬وأمر عليهم امير‬
‫منهم ‪ .‬فلما وصلتهم الخيل ‪ ،‬قال لهم أميرها ‪ :‬أجيبوا بالطاعة لمير المؤمنين ‪ ،‬قالوا اجبنا بالطاعة لمير‬
‫المؤمنين ‪ .‬ل يعنون أبا جعفر ‪ ،‬وامير الخيل يعتقد أنهم عنوه ‪ ،‬فرجع بخيله إلى والى المدينة ن فاخبروه‬
‫باجابتهم ن فلم يقنعه ذلك منهم ثم أن جماعة ايعان اهل الدعوة اجتمعوا ليلة منصرف الخيل عنهم ‪،‬‬
‫واتفقوا على عقد المامة لبى حاتم ولية الدفاع ‪ ،‬فعقدوها له في ليلتهم تلك ‪ ،‬فلما أصبح خرج إليهم‬
‫الوالى بنفسه في خيل عظيمة ‪ ،‬فلما أتاهم قال أجيبوا لطاعة امير المؤمنين أبى جعفر المنصور ‪ ،‬فقالوا‬
‫عليك لعنة ال ‪ ،‬وعلى أي كافر معك ‪ ،‬يعنن أبا جعفر فناجزهم القتال فاقتتلوا قتال شديدا فهزمهم أبو‬
‫حاتم ومن معه من أهل الدعوة ‪ ،‬فاتبعوهم يقتلونهم حتى دخلوا مدينة طرابلس ن فمات من ذوى الجبابرة‬
‫بشر كثير ‪.‬‬

‫وبلغنا أن أبا حاتم لما هزم ال على يديه العدو وقد كان معه من عوام البربر من ل نظر له في أمور الدين‬
‫وانما حضروا تسليما لمور المسلمين فعمدوا إلى أسلب القتلى فنزعوها عنهم ن فغضب أبو حاتم لذلك ‪،‬‬
‫وقال ليس من سيرة المسلمين أذا قتلوا من بغى عليهم من أهل التوحيد أن يسلبوه ‪ ،‬بل يقولون لهل‬
‫المدينة أرجعوا إلى قتلكم فادفنوهم وخذوا ثيابهم ‪ .‬والن أما رددتم السلب ‪ ،‬وأما اعتزلت اموركم ‪،‬‬
‫وتركت الولية ‪ ،‬فلما سمعوا ذلك منه أطاعوه وردوا اسلب القتلى ‪ .‬فدخل ابو حاتم رحمه ال مدينة‬
‫طرابلس اثر الهزيمة فاقام بها ما شاء ال ثم نادى بالخروج إلى افريقية ‪ ،‬فبلغنا أنه خرج إليه جيش من‬
‫أفريقية ‪ ،‬فتلقاه أبو حاتم ببعض الطريق ن فقاتلهم فهزمهم ال له ‪ ،‬وأحسن فيهم السيرة ‪ ،‬فلم يجهز على‬
‫جريح ولم يسلب قتيل ‪.‬‬

‫فلما نزل بالقيروان حاصره أهلها سنة ن وطال الحصار على أهلها فالقوا السلم واذعنوا واطاعوا ‪ ،‬إل ما‬
‫كان من ابن الشعث فإنه أنحجر في دار المارة في بقية من أصحابه الذين قدم بهم من أرض المشرق ‪،‬‬
‫فحاصره ابو حاتم سنة أخرى ‪ ،‬بعد دخول المدينة فاجلى أبو حاتم من بها من بقية جندا أبن الشعث‬
‫فاعطى كل خمسة رغيفا لزاده ‪ ،‬فتفرق أولئك البقية منصرفين إلى المشرق ‪ ،‬وذكر بعض أصحابنا أن‬
‫السدراتى المجلود على الخيانه الذي جلب العسكر من ان السدراتى المجلود على الخيانة الذي جلب‬
‫العسكر من المشرق ندم على ما فعل من أعانة العدو على قومه ‪ ،‬وأهل مذهبه ‪ ،‬واذاءته اياهم ‪ ،‬فخرج‬
‫ببقية العسكر يريد بهم المشرق ‪ ،‬واظهر لهم أنه يريد أن يردهم إلى بلدهم فأخذ بهم طريقا مضلة فهلكوا‬
‫عن آخرهم ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ذكر وقعة مغمداس‬

‫وبلغنا ان أبا حاتم سمع بطوالع أقبلوا من المشرق فخرج من مدينة طرابلس فتلقاهم بموضع يقال له‬
‫( مغمداس ) على مسيرة ثمانية ايام من المدينة فلما وصلهم أبو حاتم صفوا واقتلوا قتال شديدا ن فهزم‬
‫ال على يديه العدو فقتل منهم سته عشر ألفا ‪ ،‬وبلغنا ان رجل من الحضر لقى رجل من أهل الدعوى ‪،‬‬
‫فقال له المخالف ما تفسير تاورغا ؟ ( يقرعه بمقتل ابى الخطاب واصحاب رحمهم ال ) وكان صاحبنا‬
‫فطينا فاجابة ‪ ،‬بان قال تفسيرها مغمداس فيه أربعة أكداس ‪ ،‬في كل كدس أربعة آلف ‪ ،‬ثم لما هزمهم‬
‫رجع إلى طرابلس وحسنت حالته فيها ‪.‬‬

‫مقتل أبى حاتم واصحابه رحمهم ال‬

‫وبلغنا ان ابا حاتم لما تكمن في مدينة طرابلس دس الكتب إلى المشرق من بقى من الطوالع بطرابلس‬
‫والقيروان إلى أبى جعفر ببغداد ‪ ،‬يشكون ابا حاتم ‪ .‬ويستقضون عليه ‪ ،‬فانفر إلى ابى حاتم جيشا كبيرا ‪.‬‬
‫وامر عليه يزيد ابن حاتم الزدى قال ‪ :‬فلما أنفصل يزيد بن حاتم من مصر بعساكره ‪ ،‬وسمع أبو حاتم‬
‫بتوجهة ‪ ،‬جمع أصحابه ومن ولى عليه من القبائل ن فحضهم على الجهاد ورغبهم في الستشهاد ‪ .‬ولما‬
‫قرب يزيد من حيز طرابلس خرج إليه ابو حاتم بمن معه من أصحابه ‪ ،‬حين نزل موضعا يقال له " جنى‬
‫" ومعه قبيلة من البربر يقال لها مليلة ‪ ،‬يزيد بن حاتم على أبى حاتم ‪ ،‬فسأل أبو حاتم من حضره من‬
‫هوارة هلى أعان ابن حاتم على احد من البربر ؟ فقالوا ‪ :‬ليس أحد من البربر القبيلة واحدة من هوارة ‪.‬‬
‫يقال لها مليلة فقال أبو حاتم ‪ :‬اللهم أذلل مليلة فاجاب ال دعوته فبقيت فيهم إلى اليوم ‪ ،‬فهم اذل البربر ‪،‬‬
‫قيل وكان مع أبن حاتم رجل من نفوسه يقال له عمر بن مطكود لغير ‪.‬‬

‫فلما التقى الفريقان أقتتلوا قتال شديدا ‪ ،‬فاستنجز القتل في اصحابه أبى حاتم ‪ ،‬فلما رأى ذلك أبو حاتم قال‬
‫لصحابه ‪ :‬زفونى إلى الموت في سبيل ال زفاف العروس وقفوا لى قليل قال ‪ ،‬فتقدم أبو حاتم رحمه ال‬
‫حتى استشهد ومن معه من اصحابه رحمهم ال ‪.‬‬

‫وبلغنا ان الموضع الذى استشهدوا فيه يرى فيه نور ساطع يضئ في كل ليلة الخميس يبصره من بعيد ن‬
‫يصعد عمودا في السماء وكذا ذكر من شاهده من أهل عصرنا على الصفة المذكرة ‪ .‬وحدث يعقوب بن‬
‫يوسف اليجرانى أنه أجتاز هو وصاحب له بالوضع المذكور‪ ،‬فلما هبطاه وهو في مطمئن من الرض ‪،‬‬
‫أضاء لهم النور حتى تبين أثر الحشرات في الرض ‪ ،‬كما تبين نهارا ‪ ،‬فلما خرجا منه دخل في مظلمة‬
‫عظيمة ‪ ،‬فالتفتا إلى الموضع فاذا الضياء ساطع في الهواء والظلمة تحفهم من كل جانب فعادا ‪ ،‬إلى‬
‫الموضع فطفقا يدعون ال تعالى لما تبيناه من كرامة ‪ ،‬وكان يعقوب رجل شجاعا شديد المرة ل يروعه‬
‫هول ول يصيبه خور بل كان ثبتا ل يتهم خبره‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫امامة عبد الرحمن بن رستم رحمه ال‬

‫حدث غير واحد من أصحابنا ان عبد الرحمن بن رستم ولى بتاهرت على رأس ستين ومائة ‪ ،‬وذكر‬
‫بعضهم أنه ولى سنة اثنين وستين ومائة ‪ ،‬وال اعلم أى التاريخين أصح وسبب وليته أن جماعة اهل‬
‫الدعوة اتفقوا على ان ينتخبوا موضعا يبنون فيه مدينة تكون حصنا لهم ‪ ،‬فارسلوا رجال من ذوى‬
‫المعرفة ‪ ،‬وفرقوهم في الجهات يتخيرون مكانا يصلح لما حاولوه ‪ ،‬ورجعوا وقد وقع اختيارهم على‬
‫تاهرت فدلوهم عليها ‪ ،‬فاتفق جمهورهم مع اهل تاهرت القديمة على شئ معلوم يأخذونه على غلتها ‪،‬‬
‫وقد كانت قبل ذلك رياضا ل عمارة فيها إل السباع والهوام ‪.‬‬

‫فلما أتفقوا على عمارتها أمروا مناديا ينادى بسباعها ووحوشها وهوامها ان أخرجوا فانا اردنا عمارة‬
‫هذه الرض فأجلوها ثلثة أيام ‪ ،‬وبلغنا أنهم راوا وحوشها تحمل أولدها خارجة بها منها ن فكان ذلك‬
‫مما رغبهم في عمارتها وقوى عزمهم على انشائها ‪ .‬ثم أنهم اطلقوا النيران فاحترقت أشجارها ‪ ،‬وبقى‬
‫أصول ما احترق منها فشق عليهم مؤونة أقتلعها ‪ ،‬فعمدوا إلى حيس فلثوه بعسل ‪،‬وجعلوا تحت أصل‬
‫كل شجرة منها شيئا قليل ‪ ،‬فلما جن الليل طرقت الخنازير تلك الصول ‪ ،‬فجعلت تتبع رائحة الحيس ن‬
‫وتحفر تحت الصول ‪ ،‬حتى أتت على آخرها ‪ ،‬فلما أصبحوا وجدوها مقتلعة ‪ ،‬فعمدوا إلى مكان فأصلحوا‬
‫لصلتهم ن فلما أرادوا بناءه وقع اختيارهم على اربعة مواضع فاقرعوا عليها أيها يجعل المسجد‬
‫الجامع ‪ ،‬فوقعت القرعة على المكان الول الذى اصلحوا لصلتهم ‪ ،‬فبنوا الجامع به ‪ ،‬ثم أخذوا فى‬
‫انشائها وعمارتها ‪ ،‬فجعلوها ديارا وقصورا ‪.‬‬

‫ثم أن أهل الخير والصلح وذوى الراء السديدة من جماعة أهل الدعوة رأوا ان لهم قوة تجب معها‬
‫عليهم تولية أمام ‪ .‬فتشاوروا فيمن يرون لذلك أهل من القبائل ‪ ،‬فوجدوا من كل قبيلة رأسا أو رأسين ‪،‬‬
‫فكل منهم أهل لذلك فقال فضلؤهم ‪ :‬أن عبد الرحمن بن رستم ممن ل تجهلون فضله ‪ ،‬وهو أحد حملة‬
‫العلم وعامل المام أبى الخطاب رحمه ال ‪ ،‬وقد كان المسلمون عرضووا عنها ودفعها عن نفسه فهو‬
‫أهل للمامة لدينه وعلمه ‪ ،‬وسابقته ‪ ،‬ومكانه ‪ ،‬وغير ذلك من حميد أوضافة ‪ ،‬ل سيما وليست له قبيلة‬
‫تمنعه أن بدل أو غير ‪ .‬فأن رأيتم توليته أموركم فافعلوا ‪ ،‬فاتفق رأيهم جميعا على توليته ‪ ،‬فبايعوه على‬
‫المامة ‪ ،‬بكتاب ال وسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وآثار الخلفاء الراشدين ‪ ،‬فأحسن السرة في‬
‫أمامته ولم ينقم عليه احد في حكومته ‪ ،‬ولم يكن في أيامه أختلف ‪ ،‬والباضية كلها يومئذ مجتمعة متآلفة‬
‫لم يثر فيها ثأئر‪.‬‬

‫قال الشيخ أبو العباس وقد وقفت في كتابه المسالك والممالك من ذكر بناء تاهرت على ما هو أوضح‬
‫وأزيد فائدة ‪ ،‬ورأيت أن أثبته في هذا الموضع وأن كان في بعصه خلف لما صححناه عن المشائخ ‪ .‬ذكر‬
‫أبو عبيدة البكرى " أن تاهرت مدينة مسورة أنها أربعة أبواب باب الصفاء وبااب المنازل وباب الندلس‬
‫وباب المطاحن ‪ ،‬ولها قصبة مشرفة على السوق وتسمى المعصومة ‪ ،‬وهي على نهر تسمى " نافس "‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ومنها شرب بساتينها وهي في شئ ‪ ،‬وفيها جميع الثمار وهي شددية البرد كثرة الغيوم ‪ ،‬والثلج ‪ .‬وقال‬
‫أبو عبد الرحمن بكر بن حماد ‪)1(:‬‬

‫وتاهرت الجديدة على خمسة أيمال منها تاهرت القديمة وهي في شرق الحديثة ‪ ،‬ويقال أنهم لما ارادوا‬
‫بناء تاهرت كانوا يبنون بالنهار ‪ ،‬فاذا جن الليل واصبحوا وجدوا بنيانهم قد تهدم فبنوا حينئذ تاهرت‬
‫السفلى ‪ ،‬وهي الحديثة وكان صاحب تاهرت ميمون بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم‪ ،‬بن بهرام‬
‫بن ذو شراز بن سابور بن بابكان بن سابور ذى الكتاف الملك الفارسى ‪ .‬كان ميمون رأس الباضية‬
‫وأمامهم ‪ ،‬وأمام الصفار ‪ ،‬والواصيلة ‪ ،‬وكان يسلم عليه بالخلفة ‪،‬وكان مجتمع الواصيلة قريبا من‬
‫تاهرت ‪ ،‬وكان عددهم ثلثين ألفا ‪ ،‬في بيوت كبيوت العراب يحملونها ‪.‬‬

‫وتعاقب مملكة تاهرت بن ميمون وبنو اخوية اسماعيل وعبد الرحمن بن الرستمية إلى سنة ستة وتسعين‬
‫ومائتين فوصل أبو عبد ال الشيعى ‪00‬مدينة تاهرت فدخلها بالمان ثم قتل فيها من الرستمية عددًا كبيراً‬
‫‪ ،‬وبعث برؤوسهم إلى أخيه أبي العباس ‪ ،‬واطيف بها في القيروان ‪ ،‬ونصبت على باب رقادة ‪ .‬وأقام ملك‬
‫بني رستم بتاهرت مائة وثلثين سنة ‪ .‬وذكر محمد ابن يوسف أن عبد الرحمن بن رستم كان خليفة لبي‬
‫الخطاب عبد العلى بن السمح بن عبيد بن حرملة أيام تملكه على افريقية ‪ ،‬فلما قتله محمد بن الشعث‬
‫الخزاعي وذلك في صفر سنة اربع وأربعين ومائة هرب عبد الرحمن باهله وما خف من ماله ‪ ،‬ونزل‬
‫القيروان فاجتمعت اليه جماعة من اصحابه واتفقوا على تقديمه وبنيان مدينه تجمعهم ‪ ،‬فنزلوا موضع‬
‫تاهرت البرج وهو غيضة اشب ‪،‬ونزل عبد الرحمن منها موضعا مربعاً ل شجر فيه ‪ ،‬قال البربر ‪ ( :‬نزل‬
‫تافدمت ‪ :‬تفسيره ‪ :‬الدف شبهوه بالدف لتربيعه ‪ ،‬وادركتهم صلة الجمعة فصلوها هنالك فلما انقضت‬
‫الصلة ثارت صيحة شديدة على أسد ظهر في الشعراء فاخذ حيا وأوتي به إلى الموضع الذي صلوا فيه‬
‫فقتل هنالك ‪ ،‬فقال عبد الرحمن بن رستم هذا موضع ل يفارقه سفك دم ‪ ،‬ول حرب أبداً ‪ ،‬وابتدروا من تلك‬
‫الساعة فبنوا في ذلك الموضع مسجداً وقطعوا خشبه من تلك الشجار ‪ ،‬فهو كذلك إلى اليوم ‪ ،‬وهو مسجد‬
‫جامع وهو من أربع بلطات ‪ ،‬قال ‪ :‬وكان موضع تاهرت ملكا لقوم مستضعفين من منداس وصنهاجة‬
‫فراودهم عبد الرحم على البيع ‪ ،‬فوافقهم ان يودوا اليهم الخراج من السواق ‪ ،‬ويبيحوا لهم بنيان‬
‫المساكن فاختطوا وبنوا ‪ ،‬وسمى موضع تاهرت معسكر عبد الرحمن إلى اليوم(‪. ) 2‬‬

‫قال الشيخ ‪ :‬وبلغنا أن الوالي على أهل عمان في أيام عبد الرحمن رجل يسمى عبد الوارث ‪ ،‬وابو عبيدة‬
‫حي إذ ذاك وفي أمامة عبد الرحمن رحمه ال ‪ .‬ثم ان ولية عبد الرحمن بالمغرب اتصلت بمن بالبصرة‬
‫من أهل الدعوة فبعثوا اليه بثلثة احمال مال ‪ ،‬فلما وصلت الرسل تاهرت جعلوا يسألون عن دار المارة‬
‫وقد خلفوا المال بخارج المدينة ‪ ،‬فلما وصلوا الدار ‪ ،‬وجدوا المام رحمه ال في أعلى بيت يعمل بيده في‬
‫السقف ‪ ،‬والعبد يناوله الطين ‪ ،‬فسألوا العبد أن يأذن لهم ‪ ،‬وستأذن عليهم ‪ .‬وقد علم العبد أن سيده يسمع‬
‫كلمهم ‪ ،‬فقال له ‪ :‬اخرهم قليلً ‪ :‬فنزل وغسل من الطين جسده ‪ ،‬فأذن لهم ‪ ،‬فدخلوا فسلموا عليه وامر‬
‫بخبز وسمن فقدم بين ايديهم فلما أكلوا استأذنوا للتنحي عنه للنجوى ‪ ،‬فأذن لهم ‪ ،‬فتناجوا واتفقوا ان‬
‫يدفعوا له المال ‪ ،‬وانهم راضون ما عاينوه من أحواله ‪ .‬فلما وصلت الموال ووضعت للمام ‪ ،‬شاور‬
‫اصحابه فيها فاشاروا عليه بان يأخذها ‪ ،‬ويبثها في فقراء المسلمين ‪ ،‬وفي السلم ‪ ،‬وفعل رحمه ال ذلك‬
‫بمحضر الرسل ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫فلما رجعت الرسل إلى المشرق اعلموا اخوانهم بسيرة عبد الرحمن وعدله وفضله ‪ ،‬وبعثوا بعد ذلك‬
‫باموال أكثر من الولى ‪ ،‬فلما وصلت إلى عبد الرحمن شاور اصحابه أيضا ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬رأيك يا أمير‬
‫المؤمنين ‪ ،‬فقال اما إذ رددتم إلى الرأي ‪ ،‬فان رايي أن يرد إلى أهله ‪ ،‬فهم أحوج منا إليه فقد قوانا ال‬
‫واغنانا ‪ ،‬فله الحمد ‪ ،‬فشق ذلك على الرسل وليس لهم بد من طاعة المام ‪ ،‬فعجب أهل المشرق من‬
‫زهادة المام في الدنيا ورغبته في الخرة فأقروا بامامته ووصلوه بكتبهم ‪ .‬فكانت تاهرت حرزا وحصنا‬
‫لجماعة أهل الدعوة وسميت المعسكر المبارك ‪ .‬قلت أما كون المام رحمه ال وافق اصحابه في صرف‬
‫المال الول في الوجوه التي ادلوا بها لما رأى في ذلك من سد الخلل ‪ ،‬وأما رده المال الخر فلعله تعلق‬
‫بقوله صلى ال عليه وسلم تؤخذ من اغنيائكم وترد في فقرائكم ‪ ،‬فقصد التخصيص في الضافة ورأى‬
‫فقراء مواضع أخذت منه الزكاة بها أولى ‪ ،‬ولعله علم ان في المال الول مال غير مال الصدقة ‪ ،‬وان‬
‫المال الخر كله من مال الصدقة فرأى فيه الرأي الذي ذكرته من صرفه في فقراء الجهة التي أخذ منها‬
‫المال ‪.‬‬

‫قال ‪ :‬فلما حضرت الوفاة عبد الرحمن رحمه ال جعل المامه شورى في ستة نفر كصنع عمر بن الخطاب‬
‫رضي ال عنه ‪ :‬احدهم مسعود الندلسي ‪ ،‬وكان فاضل فقيه ًا ‪ ،‬ورعا من شيوخ المسلمين ‪ ،‬وابو قدامة‬
‫يزيد بن فندين اليفرنى ‪ ،‬ومروان الندلسي ‪ ،‬وعبد الوهاب بن عبد الرحمن ‪ ،‬وابو الموفق سعدوس ابن‬
‫عطية ‪ ،‬وشكر بن صالح الكتامى ‪ ،‬فلما مات رحمه ال اجتمع أهل الشورى يتفاوضون فيمن يولونه أمور‬
‫المسلمين فتدافعها بعضهم إلى بعض ‪ .‬ال ان عامة المسلمين مالت نفوسهم إلى اثنين من النفر المسميين‬
‫؛ احدهما مسعود ‪ ،‬والخر عبد الوهاب فبعضهم أراد توليه هذا ‪ ،‬وبعضهم أراد تولية هذا ‪ ،‬فمكثوا نحو‬
‫شهرين يرون الرأي ثم ان الجمهور رجحوا مسعود أو مالت نفوسهم إلى توليته ‪ ،‬فبادروا ليبايعوه ‪،‬‬
‫فهرب واختفى فابتدروا عبد الوهاب ليبايعوه فلما سمع مسعود بتركهم اياه وطلبهم عبد الوهاب خرج‬
‫مبادرا ليكون أول من يبايعه ‪ ،‬وكان أبو قدامة لما لم تمل قلوب الناس إليه ورأى انه قد خل منها اراد‬
‫تولية عبد الوهاب وقال ‪ :‬هو منا أقرب رحما من غيره ‪ ،‬فلعل ذلك يعطفه علينا ‪ ،‬وانما قال ذلك لن ام‬
‫عبد الوهاب يفرنية فرجوا أن يؤثرهم في المر ‪ ،‬فقام ابو قدامه في نفر من اصحابه فأبوا ال مبايعة عبد‬
‫الوهاب لما يرجونه من يثاره اياهم ومع ذلك فقد تخوفت نفوسهم منه ‪.‬‬

‫‪----------------------------------------‬‬

‫(‪ )1‬هو الديب المشهور والشاعر التاهرتى ولد بها وتوفى سنة ‪ 292‬هـ‬
‫(‪ )2‬راجع المغرب في ذكر بلد افريقيا والمغرب ‪ ،‬وهو جزء من كتاب المسالك والممالك من ص ‪66‬‬

‫أمامه عبد الوهاب بن عبد الرحمن رحمهما ال‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫فلما اراد الناس مبايعة عبد الوهاب تقدم مسعود الندلسي ليبايعه فعارضه ابن فندين واصحابه بالقول ‪،‬‬
‫فقالوا نبايعه على شرط ان ل يقضى أمرا دون جماعة معلومة ‪ ،‬فقال لهم مسعود ‪ :‬ل نعلم في المامة‬
‫شرطا غير ان يحكم فينا بكتاب ال وسنة نبيه رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فترك ابن فندين‬
‫واصحابه الشرط ‪ .‬فتقدم مسعود فبايع عبد الوهاب وبايعه الناس بعد ذلك بيعة عامة وحملوه إلى دار‬
‫المارة ولم يتخلف عن بيعته احد ولم ينقم عليه احد في حكومة ول في أمر من أموره حتى نجم ابن‬
‫فندين واصحابه ‪.‬‬

‫أول افتراق في الباضية‬

‫مع ان طائفة تنتحل اسم الباضية يقال لهم ( العمرية ) لم تجمعنا واياهم العمرية من قبل وهم يزعمون‬
‫انهم اباضية ‪ ،‬وسندون مذهبهم إلى عبد ال بن مسعود رحمه ال وهم تبع عيسى بن عمير ‪ ،‬وسنفرد‬
‫كتابا في الرد عليهم ‪ ،‬ونقض ما خالفوا فيه أهل الحق ‪ ،‬ونذكر فيه الفتراقات والرد على كل فرقه خالفت‬
‫أهل الحق ‪ ،‬قلت انما نبه الشيخ رحمه ال على ذكر العمرية ليعلم ان الفتراق قد كان من قبل ‪ ،‬وانما‬
‫عنى هنا أول الفتراق بالمغرب ‪ ،‬قال الشيخ اسماعيل بن صالح رحمه ال سألت الشيخ أبا نوح بن‬
‫يوسف رحمه ال قلت ‪ :‬أين الكتاب الذي وعد به اشيخ أبو زكرياء ؟ قال قد قام عنه به الشيخ أبو عمار‬
‫عبد الكافى وهو الكتاب ( الموجز ) (‪ ) 1‬رجعنا‪.‬‬

‫فأما سب افتراق الباضية فيما ذكر غير واحد من اصحابنا فهو ‪ :‬ان عبد الوهاب رحمه ال لما ولى‬
‫المسلمين استعمل على وليته كلها أهل الورع والزهد ‪ ،‬وكل من علم انه ليست له رغبة في الولية ‪،‬‬
‫فاستعان على ما قلده ال من أمور المسلمين باهل العلم والبصائر في الدين ‪ .‬ولما رأى ذلك ابن فندين‬
‫واصحابه وتحققوا مخالفة ما يرجونه من ايثاره اياهم ‪ ،‬تغيرت قلوبهم وتنكرت صدورهم وساءت ظنونهم‬
‫وسقط في ايديهم وندموا على ما فرط منهم في مبايعة عبد الوهاب ‪ ،‬واخذوا في العلل والباطيل ‪ ،‬وقالوا‬
‫‪ :‬انما كانت ولية عبد الوهاب على شرط ان ل يقطع أمرا دون جماعة معلومة ‪ ،‬ورجعوا في حاجة (‪)2‬‬
‫امرهم الذي لم يجزه لهم اهل البصائر من قبل ‪ ،‬وجعلوا يفتشون ذلك عند الجهال والطغاة ‪ ،‬ومن ليست‬
‫لهم بصيرة في الدين يستنزلون عقولهم ‪ ،‬ويستفزون افكارهم ‪ ،‬ويحيلون عقائدهم واشاعوا انه حابى‬
‫عليهم بعض الناس ‪ ،‬وولهم المور دونهم ‪ ،‬وزعموا انهم بذلك أولىمن سواهم ‪ ،‬وانه ل ينبغي ان يلي‬
‫امر جماعة المسلمين احد إذا كان في الجماعة من هو اعلم منه ‪ ،‬فتفاقم امرهم ‪ ،‬وكثر القيل والقال في‬
‫البلد ‪ ،‬وعظم داؤهم ‪ ،‬وكثر النزاع وانتشر الخلف ‪ ،‬فتارة يقولون نحن وليناه ‪ ،‬وتارة بقولون كيف يلينا‬
‫وفينا اعلم منه ‪ ،‬وتارة يقولون انما كانت وليته على شرط ‪.‬‬

‫ثم ان جماعة المسلمين اجتمع رأيهم مع ابن فندين واصحابه على التوقف ‪ ،‬واصطلحوا على وضع اوزار‬
‫الحرب ويراسلوا في هذه القضية اخوانهم بالشرق ‪ ،‬فما اجابوهم به وقفوا عنده ‪ ،‬وعملوا به ‪ .‬فبعثوا‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫رسولين وتوجها إلى المشرق ‪ ،‬فلما وصل مصر وجدا بها شعيب بن المعروف وشيعته فأخبراه بموت‬
‫عبد الرحمن ومبايعة الناس عب الوهاب وخروج ابن فندين عليه وادعائه في امامة عبد الوهاب ‪ ،‬وما‬
‫زخرف من الباطيل ‪ ،‬فلما سمع شعيب ما ذكراه من الختلف خل بطائفة من اصحابه ‪ ،‬منهم ابو المتوكل‬
‫‪ ،‬فعزموا على المسير إلى تاهرت ليكونوا التاء على المام ‪ ،‬ثم ان الرسولين توجها إلى مكة فوجدا أبا‬
‫عمرو الربيع بن حبيب وابا غسان مخلد بن المعرد رحمهم ال في جماعة من اصحابنا ‪ ،‬واخبراهما بما‬
‫فيه من ارسال اخوانهم اليهم ‪ ،‬وبما حدث بالمغرب ‪ ،‬فدفعا اليهم كتبهم وقرأوها واجتمعوا ليجاوبوا عنها‬
‫فكتبوا ‪:‬‬
‫( بسم ال الرحمن الرحيم )‪ ،‬صلى ال على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما ‪ .‬أما بعد ‪ ،‬فقد اتصل بنا ما‬
‫وقع قبلكم وما كتبتم فيه ‪ ،‬فأما ما ذكرتموه من امر الشرط فليس من سيرة المسلمين ان يجعلوا في‬
‫المامة شرطا ‪ :‬ان ل يقطع المام امرا دون جماعة معلومة ‪ .‬المامة صحيحة والشرط باطل ‪ ،‬فلو صح‬
‫في المامة الشرط لما قام ل حق ول اقيم له حد ‪ ،‬ولبطلت الحدود والحكام ‪ ،‬وضاع الحق ‪ ،‬والجماعة‬
‫يتعذر اتفاقها ‪ .‬على ان المام ان قدم اليه سارق فل يمكنه ان يقيم عليه الحق فيقطع يده حتى تحضر‬
‫الجماعة ‪ ،‬أو زنى أحد فل يرجم أو يجلد حتى تحضر الجماعة ‪ ،‬ول يجاهد المام عدوا ‪ ،‬ول ينهى عن‬
‫منكر ‪ ،‬ال بمحضر الجماعة ‪ ،‬فيكونوا كلهم اذا اماما ‪ ،‬وكلهم ل امام ‪ ،‬فهذا ابطال ‪ ،‬وتتبعه غير الستقامه‬
‫‪ ،‬ورمي المامة به بغي ‪ ،‬والسؤال عن هذا غبي ‪ .‬واما ما ذكرتم من توليه رجل وفي جماعة المسلمين‬
‫من هو اعلم منه فذلك جائز اذا كان مستكمل لشوط المامة ‪ ،‬وكان من أهل الفضل والدين ولعدل‬
‫والسياسة والمنزلة المرضية ‪ ،‬فقد ولى ابو بكر الصديق رضي ال عنه ؛ وزيد بن ثابت افرض منه ‪،‬‬
‫وعلى اقضى منه ‪ ،‬ومعاذ بالحلل والحرام اعرف منه ‪ ،‬وأبي بكتاب ال أقرأ منه ‪ ،‬كل شهد له رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم بذلك ومع هذا فلم يكن احد منهم أولى منه بالمامة ‪ ،‬فالجواب اثبات الولية وابطال‬
‫الشرط ‪ ،‬ولو انعقدت عليه ‪ ،‬وتخطئه من اختلفه واحله غير محله )‬
‫ومما ضمنوه جوابهم ان المامة ل تبطل ال بحدث في المام بعد العذار والنذار ‪ ،‬وتمادى المحدث على‬
‫الصرار والستكبار ‪ ،‬فحينئذ يجب القيام عليه ‪ .‬وابطال ما صار من أمر المسلمين اليه ‪.‬‬

‫ونرجع إلى ذكر شعيب وذلك انه لما انتهى اليه الرسولن بما قد تقدم ذكره من وقوع الخلف بالمغرب‬
‫توجه إلى تاهرت في نفر من اصحابه ‪ ،‬دون مشاورة من بمصر من المشائخ أهل الدعوة ‪ ،‬بل قد نهاه‬
‫عن ذلك من فطن به منهم فسار طمعا في المارة ‪ ،‬فلما وصل هو واصحابه دخل على المام ولم يكن له‬
‫بد من الدخول عليه ‪ ،‬فسأله المام رحمه ال عن المامة والشرط فأجابه بان المامة صحيحة والشرط‬
‫باطل ‪ ،‬وسأله ايضا هل تجوز تولية رجل وفي جماعة المسلمين من هو اعلم منه ؟ فاجاب بجواز ذلك ‪.‬‬
‫ثم ان شعيبا خرج فتوجه نحو ابن فندين ‪ ،‬واصحابه فأطعموه في المارة ‪ ،‬فندم على فتياه للمام رحمه‬
‫ال فوازر(‪ ) 3‬ابن فندين واصحابه على المام ‪ ،‬وصار لهم عونا على الخلف ‪ ،‬فخرج من بالمدينة من‬
‫اكابر اصحاب ابن فندين إلى المنازل المتدانية من تاهرت ‪ ،‬وجعلوا يستفسدون قلوب أهلهاويجتمعون‬
‫فيها بحل ما انعقد من المامة ويتناجون بالثم والعدوان ‪ ،‬وذلك سموا ( النجوية ) ثم بعد ذلك ولما ادخلوا‬
‫بذلك شغبا في السلم سموا ( الشغبية ) ‪ ،‬ثم الحدوا في اسماء ال تعالى فسموا ( الملحدة ) ‪ .‬وسموا‬
‫النكاث لنكثهم البيعة بغير حدث ‪ ،‬وبلغنا انهم كانوا يدخلون المدينة بالجماعات ‪ ،‬فتكلم جماعة من‬
‫المسلمين بذلك ‪ ،‬واشاروا على المام بان ينهاهم عن ذلك ‪ ،‬فنهاهم المام فلم ينتهوا ‪ ،‬وعاب عليهم‬
‫خروجهم من المدينة إلى المنازل فقالوا ‪ :‬هذه مدينتنا وتلك منالنا ‪ ،‬فان رأى المام في ذلك منكرا تركناه ‪.‬‬
‫قال فاعرض عنهم المام ثم صاروا بعد ذلك يدخلون المدينة بالسلح ‪ ،‬فاشار أيضا جماعة من المسلمين‬
‫على المام بان ينهاهم عن ذلك ‪ .‬فقالوا ‪ :‬ان رأى المام في امساك السلح منكرا تركناه قال ‪ :‬فاعرض‬
‫عنهم المام ‪ ،‬وامر اهل المدينة بامساك السلح مخافة منهم من غدر يحدث منهم ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وبلغنا ان نفرا منهم اجتمعوا على غدر المام فأداروا المر بينهم ‪ ،‬فقال قائلهم كيف لنا بالوصول إلى قتله‬
‫؟ فلم يتجه لهم ذلك ‪ .‬ثم ان رجل اشار عليهم بأن يحضروا تابوتا فيجعلوه فيه ‪ ،‬ويمضوا بالتابوت إلى‬
‫المام كأنهم مختصمون فيه ‪ ،‬وكان التفاق قد تعذر ‪ ،‬ليفضي المر إلى وضعه على يد المين ‪ ،‬ثم ل‬
‫يرضون ال ان يكون في امانة المام ‪ ،‬فعمدوا إلى تابوت وادخلوا فيه الرجل المشير ‪ ،‬ومعه سيفه وكان‬
‫غلق التابوت من داخله ‪ ،‬قأقبلوا بالتابوت إلى المام رحمه ال ‪ ،‬ففعلوا ما عزموا عليه من الملحاة ‪.‬‬
‫حتى اظهروا ان كادوا يقتتلون ‪ ،‬فقال قائلهم للمام ‪ ،‬يا أمير المؤمنين أفصل بين هؤلء القوم ‪ ،‬وانزع‬
‫التابوت من ايديهم جميعا حتى يصطلحوا أو يصح لمن يصح منهم ‪ ،‬فقالوا باجمعهم ‪ :‬قد اصاب فيما اشار‬
‫به عليك يا امير المؤمنين ‪ ،‬فقال ‪ :‬دونكم وما أشار به ‪ .‬فقال المختصمون ‪ :‬لسنا نثق بامانة أحد ال أن‬
‫يكون امير المؤمنين ‪ ،‬فتوخى رحمه ال مرضاتهم وساعدهم ‪ ،‬فقال ‪ :‬احملوا تابوتكم إلى حيث آمركم ان‬
‫تضعوه ‪ ،‬فلما حملوه تبين للمام ان الذي حملوه ثقيل وقال متمثل ( يا بؤسا للغدر فما اسجاه !! ) ثم ان‬
‫المام تأمل التابوت فوجده مغلقا من داخله ‪ ،‬فازداد ريبة وغلب على ظنه انهم ارادوا الغدر ‪ .‬وكانوا قد‬
‫رغبوا في ان ل يوضع التابوت ال في بيت ينام المام فيه ‪ ،‬فلما وضعوه خرجوا مستبشرين فرحين ‪،‬‬
‫وظنوا ان قد ظفروا بحاجتهم فخيبهم ال ‪ ،‬ورد عليهم مكرهم وجعل كيدهم في تضليل ‪.‬‬

‫وقد ذكر انهم قالوا لصاحبهم اذا انت قتلت المام فأذن لصلة الصبح عند طلوع الفجر ‪ ،‬فاذا سمعوا اذانه‬
‫ابتدروا لدار المام ‪ ،‬وان هو لم يؤذن علموا انه لم يظفر بحاجته فلما جن الليل أخذ المام رحمه ال في‬
‫صلته فلما فرغ منها وكانت عادته اذا فرغ منها ان يتناول كابا فيقرأ فيه حينا من الليل ‪ ،‬فلما كانت تلك‬
‫الليلة عمد المام إلى زق منفوخ فوضعه على فراشه ‪ .‬والقى عليه ملحفة بيضاء ‪ ،‬فلما قضى حاجته من‬
‫قراءة الكتاب وحان وقت نومه أخذ مصباحا وأوقده وكب علي غطاء يستره ‪ ،‬وتنحى إلى جانب البيت‬
‫واقبل على الصلة بحيث ل يسمعه ول يراه من بالتابوت ‪ .‬فلما هدأ صوت المام عن صاحب التابوت ‪،‬‬
‫وظن ان المام قد نام ‪ ،‬فتح التابوت فخرج منه فنظر في البيت يمينا وشمال ن فلم ير شيئا ال بياضا في‬
‫ناحية البيت كهيئة المضطجع ‪ ،‬فظن انه المام ‪ ،‬فتيممه فجرد سيفه ‪ ،‬والمام رحمه ال يراه فلما وقف‬
‫على الفراش ضرب الزق بالسيف فظن انه قد قتل المام فلما سمع المام وقعة السيف على الزق كشف‬
‫الغطاء عن المصباح واتاه المام والسيف في يده فقده نصفين ولفه في تابوته ‪.‬‬

‫فلما كان الغد اجتمعوا فسألوا من لقيهم ‪ ،‬هل حدث حادث فلم يخبروا بشيء فقال بعضهم لبعض ‪ :‬اسمع‬
‫احد منكم عن المام وصاحبكم شيئا ؟ فكل قال ‪ :‬ل ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬امضوا بنا لنأخذ تابوتنا ‪ ،‬فنقول قد اتفقنا ‪.‬‬
‫ففعلوا ذلك فقال لهم المام ‪ :‬امضوا إلى حيث وضعتموه فخذوه ‪ .‬فمضوا حتى دخلوا البيت فوجدوا‬
‫تابوتهم في الموضع الذي تركوه فيه فحملوه ‪ ،‬فما وصلوا إلى مأمنهم فتحوا التابوت فوجدوا صاحبهم‬
‫قتيل مقدودا نصفين ‪ ،‬فخيب ال سعيهم ‪ ،‬واخلف ظنهم ‪ ،‬والحد ل ‪ ،‬فخرجوا من المدينة خوفا من ان‬
‫يوقع بهم المام والمسلمون لسوء صنعهم ‪.‬‬

‫ثم ان شعيبا خرج من عند المام قال لبن فندين واصحابه ماذا تنتظرون به فبادروه ورعيته لتظفروا‬
‫بغفلته وانما قال ذلك استعجل وخوفا ان يأتي الجواب من المشرق فتكون عليهم الحجة ويفترق عنه أهل‬
‫الشغب وقد علم ان الصواب ما افتى به أول ثم رجع عن الصواب حين طمع فيما طمع فيه ‪ ،‬وكان ابن‬
‫فندين واصحابه يتربصون الدوائر بالمسلمين ‪ ،‬ويتوقعون فرصة ينتهزونها ويترقبون من أهل المدينة‬
‫غرة يجدونها ‪ ،‬والمام كما ذكرنا قد قد أمر بامساك السلح رعيته واصحابه ‪ ،‬فهم على ذلك فلما كان‬
‫ذات يوم خرج المام لبعض حاجاته ‪ ،‬فبادر يزيد بن فندين واصحابه المدينة ليدخلوها على حي غفلة من‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أهلها فقامت في المدينة الصيحة فتبادر الناس من كل مكان فخرج افلح بن المام في سلحه مبادرا‬
‫فوجدهم على باب المدينة ‪ ،‬وقد كادوا يدخلونها ‪ ،‬فوقف افلح على الباب واثبت احدى رجليه في صفات‬
‫الباب( ‪ )4‬حتى انسلخ جلد قدمه إلى العرقوب وجعل يتقى بدرقته ‪ ،‬حتى لم يجد فيها حصنا يتقى به‬
‫شيئا ‪ ،‬فرمى بها ‪ ،‬فاقتلع باب المدينة فتترس به ‪ ،‬وعادة يتقى به الطعن ‪ ،‬والضرب ‪ ،‬فتكامل عنده أهل‬
‫المدينة فوجدوا يزيد بن فندين مقالبلة ‪ ،‬وعلى رأس ابن فندين بيضتان ‪ ،‬وضربه افلح بالسيف فقد‬
‫البيضتين والرأس ونشب السيف في عمود الباب ‪ ،‬فخر ابن فندين صريعاً ‪ ،‬فوجد افلح في يده بعض‬
‫الشدة حين ضربه فظن ان صلبة في رأس ابن فنديم ‪ ،‬فقال ( ما اقوى رأسك يا بربري يا مشوم ) ولما‬
‫رءاه اصحابه صريعاص ولوا منهزمين ‪ ،‬فقتل منهم جماعة كثيرة فكان عدد القتلى اثنى عشر ألفا فعثر‬
‫بهم شؤمهم أول مرة في هلك هذا العدد الكثير ‪ .‬وبلغنا ان دم قتلهم سالت على باب المدينة كالسيل‬
‫لكثرتهم ‪.‬‬

‫ثم ان أهل المدينة اجتمعوا في عدد وحاولوا أن يردوا الباب كما كان لم يستطيعوا ذلك ‪ ،‬فقالوا لفلح اردد‬
‫ما نزعت فقال ‪ :‬ردوا علي غضبي آنفا اردده لكم ‪ ،‬ثم إن المام رحمه ال رجع إلى المدينة فوجد على‬
‫بابها المقتلة فهاله ما رأى بسأل عن ذلك فاخبر بما كان من ابن فندين واصحابه فامر بجمع القتلى‬
‫فجمعوا ‪ ،‬وصلى عليهم رجاء للصلح وطلبا للعافية لعامة المسلمين ثم ان شعيبا لما انهزم القوم هرب إلى‬
‫مدينة طرابلس ‪،‬فاظهر مخالفة المام والبراءة منه واستقبل الحجاج بذلك ‪ ،‬واتصل ذلك بالربيع رحمه ال‬
‫وبمن بالمشرق من أهل الدعوة فبرؤوا من شعيب وابن فندين ن ومن قتل معه ‪ ،‬ومن سلك سبيله ‪ ،‬المن‬
‫تاب ‪.‬‬

‫وكان الربيع يقول في مجالسه ‪ :‬عبد الوهاب امامنا وتقينا وامام المسلمين ويظهر البراءة ممن خالفه ‪،‬‬
‫فقيل له ‪ :‬كيف تبرأ من شعيب بغير حدث ؟ فقال ‪ :‬أي حدث أعظم من خلفة لعبد الوهاب وبراءته منه ؟‬
‫ثم ان بقية اصحاب ابن فندين الذين لم يصابوا يوم قتل عمرت صدورهم ضغائن واحقادا فتنحوا ناحية‬
‫عن المدينة ‪ ،‬فاجتمعوا بكدية ‪ ،‬فسميت كدية النكار ‪ ،‬وجعلوا يفشون الخلف والفساد سرا وجهرا ‪ ،‬وفي‬
‫كل ذلك لم يزل شرهم يعود عليهم ‪ ،‬وبعد ان أهلك ال ابن فندين واصحابه قدم الرسولن بالجاب من‬
‫فقهاء المشرق مشتمل على ماتقدم ذكره م ولية عبد الوهاب واستحقاقه المامه ‪ ،‬وتخطئه ابن فندين‬
‫واصحابه ‪ ،‬والبراءة منهم ‪.‬‬
‫فزاد ذلك يقينا كل من شرح ال صدره للطاعة ‪ ،‬وحمدا ل على ما وهب له من سلمة دينه ودنياه ‪،‬‬
‫وثبوت عقائدهم على صحة يقينهم ‪.‬‬

‫وبلغنا ان ميمون بن عبد الوهاب قتل ليل وقطع لحمه اربا اربا ‪ ،‬فلما اصبح وجده اهل المدينة على تلك‬
‫الحال فأوتي به إلى المام رحمه اله فنظر إليه المام فقال ‪ :‬أي بني ‪ ،‬اجتمعت في مصيبتي فيك ثلث‬
‫امثال للعامة ‪ ،‬احدهما قولهم فيمن مرت الخيل بكسائه ‪ ،‬والثانية قولهم فيمن اصيب بليل ‪ ،‬والثالثة قولهم‬
‫اذا مسست ابن السلطان فأمسسه مس عنيفا ‪ .‬ثم جهز ابنه ودفنه ‪ ،‬ولم يدر من قتله وذلك بعد مصاب‬
‫ابن فندين واصحابه ورجوع الجواب ‪ .‬ثم ان ابنا لميمون خرج ساعيا ‪ ،‬فلما وصل إلى النكار نادوه يا ابن‬
‫المهدور دمه ‪ ،‬فرجع إلى جده عبد الوهاب فاخبره الخبر ‪ ،‬فجعل يبحث عن قاتله حتى حقق ان النكار‬
‫قتلوه ‪ ،‬فاخرج اليهم عسكرا وامر عليه ابن ميمون فأدركهم بعد أيام فألفاهم مجتمعين على اهبة ينتظرون‬
‫‪ .‬فصادفوه فقاتلهم فهزمهم ال له ‪ ،‬وقتل منهم عددا كثيراً فقصر الناس عن احصاء عدد القتلى ‪ ،‬فقالوا ‪:‬‬
‫أي اسماء القوم اقل عددا فصححوا ان أقل اسماءهم هارون ‪ ،‬فقالوا احسبوا كم قتيل اسمه هارون ‪،‬‬
‫فوجدهم ثلثمائة ‪ ،‬فما ظنك بسوى هارون فاومن ال قوتهم ورد كيدهم واذلهم ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وكان بيت الرستميين بيت العلوم وجامعا لفنونها ‪ ،‬من علم التفسير والحديث ‪ ،‬والفرائض ‪ ،‬والصول ‪،‬‬
‫والفروع وعلم اللسان ‪ ،‬وعلم النجوم ‪ ،‬وقد حكي عن بعضهم انه قال ‪ :‬معاذ ال ان تكون عندنا امة ل‬
‫تعرف منزلة القمر ‪ ،‬وبلغنا ان عبد الوهاب بعث ألف دينار إلى اخوانه بالبصرة ليشتروا له بها كتبا ‪،‬‬
‫فاقتضى نظرهم ان يشتروها ورقا وتطوعوا بالمداد واجرة النساخ والمفسرين ‪ ،‬حتى اكملوا ديوانا عظيما‬
‫فبعثوا به اليه فشق(‪ ) 5‬جميع الديوان فقال الحمد ل اذ ليس فيه مسألة عزبت عنى ال مسألتان ولو‬
‫سئلت عنهما لجبت قياسا على نظائرهما ووافقت الصواب ‪.‬‬

‫‪----------------------------------‬‬

‫(‪- )1‬ل زال الكتاب من جملة المخطوطات ن وقد قام الدكتور عمار الطالبي من جامعة الجزائر اخيرا‬
‫بدراسة عليه ‪ ،‬واخبرني انه يقوم بطبعه ‪.‬‬
‫(‪ - )2‬كذا في النسخ ‪ ،‬ولعل الصواب ‪ :‬ورجعوا إلى لجاجة أمرهم‬
‫(‪ - )3‬من وزارة موازرة على المر عاونه وقواه ن مقلوب آزره‬
‫(‪ - )4‬كذا في الصل ‪ ،‬وفي نسخه في صفات بالباب‬
‫(‪ - )5‬كذا بالنسخ ‪ ،‬لعله فشقق جميع الديوان ‪ ،‬فيكون من شقق الكلم ‪ :‬اخرجه اسحن مخرج ‪ ،‬في‬
‫الحديث ‪ ( :‬تشقيق الكلم عليكم شديد )‬

‫محاربة المام عبد الوهاب رحمه ال للواصلية‬

‫حدث غير واحد من اصحابنا ان المام عبد الوهاب رحمه ال لما أوهن ال على يديه كلمة النكار‬
‫واورثهم الخزي والعار ‪ ،‬تحرك الواصلية بعض الحركة ‪ ،‬وهم قوم من البربر اكثرهم من زناتة ‪ ،‬وذلك‬
‫لما احسوا بوقوع التفرق وحاولوا ان ينتهزوا فرصة ‪ ،‬فبلغ المام ذلك فاعذر اليهم مرة بعد مرة ‪ ،‬وقد‬
‫نشأ في الواصلية شاب حدث السن شجاع ل يقوم له شيء ‪ ،‬وهو ابن اميرهم ‪ ،‬وفيهم رجل ينتحل‬
‫المناظرة فتتكاتفت كلمة الواصلية ‪ ،‬واجتمعوا من كل أوب منحازين من تاهرت ‪ ،‬واكثرهم أهل البادية ‪.‬‬
‫فاظهروا مخالفة المام رحمه ال ‪ ،‬فاعذر اليهم ‪ ،‬ثم خرج اليهم ‪ ،‬بعساكر كثيرة فقاتلهم مرة بعد مرة‬
‫فكان الشاب الواصلي ل يدرك احدا ال قتلة ‪ ،‬وابوه يحرضه على القتال ‪.‬‬

‫فلما رأى ما نزل به منهم ‪ ،‬وان حربهم مقيم ‪ ،‬أرسل إلى أهل نفوسه ستمدهم طالبا منهم جيشا نجيبا‬
‫يكون فيهم رجل مناظر عالم بفنون الرد على المخالفين ‪ ،‬ورجل علم بفنون التفاسير ‪ ،‬ورجل شجاع ‪،‬‬
‫يستعده لمبارزة الشاب الواصلي ‪ ،‬ولما وصلت رسل المام رحمه ال إلى جبل نفوسه ائتمروا فيمن‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫يرسلونه إلى المام ‪ ،‬فاجتمعوا على ان يبعثوا اربعة نفر احدهم مهدى الويغوي ‪ ،‬والثاني ايوب بن‬
‫العباس ‪ ،‬والثالث ابن يأنيس ‪ ،‬والرابع قيل اسمه محمد ابو محمد ‪ ،‬وقيل ابو الحسن البدلني رحمهم ال‬
‫‪ ،‬فاستحضرهم عامل جبل نفوسه فمل حضروا اعلمهم بما كان من استمداد المام ‪ ،‬واتفاق الجماعة على‬
‫توجيههم وامروهم ان يتأهبوا للمسير ‪.‬‬

‫فبلغنا ان النفر تساءلوا فيما بينهم فقال لهم مهدي اما انا فاكفيكم المناظرة ‪ ،‬وقال محمد بن يأنيس وانا‬
‫تفسير القرآن ‪ ،‬قد اخذته عن الثقات ‪ ،‬واعتمدوا على أيوب في المبارزة ‪ .‬وأخذ النفر في اهبة السفر‬
‫فخرجوا من جبل نفوسة متوجهين إلى تاهرت ‪ ،‬فلما انفصلوا عن الجبل رغب اليهم محمد بن يأنيس في‬
‫ان يكون لهم خادما فأبوا عليه ‪ ،‬فالح عليهم إلى أن اجابوا رغبته فجعلوا كلما رحلوا ‪ ،‬ساروا نهارهم الى‬
‫الليل ‪ ،‬فاذا نزلوا عمد محمد بن يأنيس إلى خيلهم فعلفها ‪ ،‬ثم اخذ في معالجة معيشتهم فإذا طعموا أو‬
‫ناموا اقبل على الصلة راكعا ساجدا إلى الفجر ‪ ،‬وكان صائما نهاره وقائما ليله ‪ ،‬فكان هذا دأبه ودأبهم ‪،‬‬
‫فلما رأوا تماديه على ذلك شق عليهم ‪ ،‬واشفقوا عليه ‪ .‬فرغبوا اليه ان يرفق بنفسه أو يدع عن بعض ما‬
‫تكلفه في سفره ‪ ،‬وينام ساعة من ليله ‪ ،‬فأبى ‪ ،‬فعزموا عليه ان يترك ‪ ،‬وال نظروا في خادم سواه ‪ ،‬فلما‬
‫تحقق جدهم وخشي ان يعزلوه عما تولى من خدمتهم ‪ .‬قال ‪ :‬قد اجبت ‪ ،‬على ان تأذنوا لي في ركعتين ل‬
‫غير ‪ ،‬فطابت انفسهم وأذنوا له في الركعتين فلما كان في الليلة المقبلة وقد فرغ من خدمتهم قام ليأتي‬
‫بالركعتين فقرأ في الركعة الولى نصف القرآن ‪ ،‬وفي الثانية النصف الخر ‪ ،‬فطلع عليه الفجر ‪ ،‬فلما كان‬
‫من الغد وعلم اصحابه بما كان منه شق عليهم اشد مما كان قبل ‪ ،‬فرغبوا اليه في ان يعودوا الى الحالة‬
‫الولى ‪ ،‬ورأوا ذلك ارفق به مما صار اليه ‪.‬‬
‫وبلغنا انهم ناموا ذات ليلة فاستيقظ احدهم فرأى ابن يأنيس قائما يصلي وكانت ليلة مطيرة شديدة البرد‬
‫والريح فسمع لكساء بن يأنيس صريرا اذا ضربته الريح ‪ ،‬فقال ‪ :‬ان كان ل يدخل الجنة ال من كان مثلك‬
‫يا ابن يأنيس فستستوحش فيها ‪ .‬بل ال لطيف بعباده ورحمته واسعة ‪.‬‬

‫وبلغنا ان المام رحمه ال لما سمع بخروجهم من جبل نفوسه متوجهين اليه قال لعبيدة من بشرني منكم‬
‫بقدومهم فهو حر ‪ ،‬وكان العبيد اذا اصبح خرجوا من المدينة ينظرون يمينا وشمال ‪ ،‬وكان احد عبيد‬
‫المام أعرج ل يستطيع النهوض مع العبيد فكان يرقى سور المدينة فلما كان يوم قدومهم أبصرهم العبيد‬
‫الذين كانوا في خارج المدينة ‪ ،‬فلما تحققوا ذلك بادروا يتسابقون ليخبروا المام فلما رءاهم العرج عن‬
‫بعد ‪ ،‬عجل إلى المام فبشره ‪ ،‬فخرج حرا فجاءه اصحابه فوجدوا العرج قد سبقهم بالبشارة فقالوا ( فاز‬
‫بها العرج ) فلما وصل النفر المدينة اخبروا المام بانهم اربعة فساءه ذلك ‪ ،‬وكان ينتظر قدوم عسكر‬
‫كبير فلما دخلوا على المام رحمه ال ‪ ،‬سألهم عن احوالهم وعن قدومهم في اربعة نفر دون عسكر ‪.‬‬
‫فاخبره كل واحد منهم بما تكفل به ‪ ،‬واعلمه انهم بمعونة ال عز وجل ومساعدة المام يقومون مقام‬
‫العسكر ‪ .‬فامر المام رحمه ال بانزالهم في دار الضيافة ‪ ،‬فاقاموا في أبر حال ‪.‬‬

‫وبلغنا ان المام اجل قبل ذلك الواصلية أجل ‪ ،‬قبل قدوم النفوسيين ‪ ،‬فلما قدموا قال لهم ‪ :‬تأهبوا للخروج‬
‫قالوا له ‪ :‬دعنا حتى نستريح وتستريح دوابنا فقد اساءها السفر ‪ ،‬فأسعفهم ‪ ،‬ولما جرى ذكر المناظرة‬
‫بينهم وبين المام واعلمهم مهدى انه يكفيهم المناظرة قال لهم المام ‪ :‬انه جرى بيني وبين الواصلي‬
‫المنتحل المناظرة كلم ‪ ،‬اريد ان اعرضه عليك فقال ‪ :‬افعل يا امير المؤمنين ‪ ،‬فجعل المام يعرض عليه‬
‫ما وقع بينهما من مناظرة ‪ ،‬ويذكر سؤال كل واحد منهما ‪ ،‬وجواب الخر فكلما وجد من كلم الواصلي‬
‫حيدة ‪ ،‬قال ‪ :‬يا امير المؤمنين زاغ في الحجة ‪ ،‬وزاغ عن الحجة ‪ ،‬حتى اطلع المام رحمه ال على جميع‬
‫ما لبس فيه المعتزلى ‪ ،‬ومواضع حيداته ‪ ،‬فوثق بان مهديا سيظفر بالمعتزلي‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وبلغنا ان مهديا لما صار بتاهرت – جعل – يغيب عن اصحابه اياما ل يدرون له مستقرا ‪ ،‬حتى ساءت‬
‫ظنونهم ‪ ،‬فلما كان ذات ليلة قدم عليهم ‪ ،‬فقالوا له‪ :‬قد استبطأناك ففيم كان مغيبك ؟ فقال لهم ‪ :‬انى قد‬
‫رددت الى مذهب الحق سبعين عالما من أهل الخلف ‪.‬‬

‫ثم ان المام بعث إلى رئيس المعتزلة بانه سيخرج اليهم في يوم كذا ‪ ،‬فلما كان ذلك اليوم وقد ساءت‬
‫ظنون المعتزلة وامتلت قلوبهم رعبا يتوقعون ما سيجلى لهم من أمر نفوسة فكانوا في غم شديد ‪ ،‬فامر‬
‫المام رعيته بالخروج الى الواصلية والحضور لمناظرة مهدى للمعتزلة ‪ .‬فقال له ايوب بن العباس يا‬
‫امير المؤمنين بخيل نركبها ‪ ،‬فامر المام رحمه ال ايوب بدخول دار الدواب فدخل الصطبل فجعل كلما‬
‫رأى فرسا حسن الصورة ‪ ،‬أخذ بناصيته وجذبه فل تثبت حوافره على الرض يكاد يسقط على رأسه ‪،‬‬
‫حتى أتى على آخرها فلم يعجبه منها شيء فقال ايوب للمام اجمع(‪ )1‬فرسي فان تعبه علي احسن إلى‬
‫من غيره ‪ ،‬فامر المام بفرسه فاحضر ‪ ،‬فلما جذبه كما فعل بكل فرس اجتذبه قبل ولم يال جهدا في جبذه‬
‫فاقنع الفرس برأسه في الهواء طامحا ‪ ،‬ولم تزل له حوافر مثبتة في موضعها ‪ ،‬ثم ردد النظر في الفرس‬
‫فوجد به الحفاء ‪ ،‬فامر باحراق الرمل حتى حمي ‪ ،‬وفرش ‪ ،‬وأمر عليه فرسه يطأ ذلك الرمل بحوافره ‪،‬‬
‫ففعل به ذلك ثلثة ايام ‪ ،‬فبعد ذلك امر الناس بالخروج ‪ ،‬فخرجوا والتقى العسكران والناس ينظرون الى‬
‫ايوب ‪ ،‬فيتعجبون بما يسمعون عنه من اشجاعة ‪ ،‬وانه ل يلقى شجاعا ال قتله ‪ ،‬فاعذر المام الى‬
‫المعتزلة ودعاهم الى ترك ما به ضلوا ‪ ،‬فأبوا ال المناصبة وسألوا المناظرة ‪ ،‬وقد صفت الصفوف فخرج‬
‫مهدى لمحمد بن يأنيس أخرج اليه فناظرة ‪ ،‬فقال له ابن يانيس رحمه ال ‪ :‬بل اخرج اليه انت ‪ ،‬ولست‬
‫باعلم منا ‪ ،‬ولكن اخشى ان يعقدني العرق الذي من قبل ذلك اسملته نفسه فارسل إلى مهدى في خفية من‬
‫اصحابه ‪ :‬ان انا ناظرتك فظفرت بي سترت علي ‪ ،‬وان ظفرت بك سترت عليك ‪ ،‬فليس منا احد يدري لمن‬
‫يكون الظفر ‪ .‬فارسل مهدى إلى اصحابه ان علمة ظفري بالمعتزلي ان أنزع القلنسوة عن رأسي ‪،‬‬
‫واضعها تحت ركبتي ‪ ،‬ثم تناظرا فجرت بينهما وجوه من المناظرة والناس يعلمون ما يقولون ‪،‬فلم يظفر‬
‫احد بصاحبه ‪ ،‬ثم دخل في مناظرات لم يفقهها احد غير المام ‪ ،‬ثم دخل في وجه لم يفقهها أحد ول المام‬
‫‪ ،‬فما كان باوشك من ان ظفر به مهدى والقى القلنسوة ‪ ،‬فكبر اصحاب مهدى لعلمهم بظفره بالمعتزلي ‪،‬‬
‫فلما رأى المعتزلي ذلك قال غدرت يا مهدى ‪.‬‬

‫وافترقا عن مجلس المناظرة ن وقد اظفر ال مهديا ‪ ،‬ونصر حجة أهل الحق ول الحمد ‪ .‬ثم خرج الفتى‬
‫المشهور بالشجاعة يطلب المبارزة ‪ ،‬فأخذ ايوب بن العباس في اهبة الخروج اليه فجبنذ فرسه حتى‬
‫استوى بين الصفين واراد ركوبه بحيث يراه كل الفريقين ‪ ،‬فتجاهل في ركوبه ‪ ،‬فضحك منه عامة‬
‫الفريقين وازدروه ‪ ،‬فقال لهم ابو الفتى الواصلي الن جاء من يقتل ولدي ‪ ،‬افل ترون ان فرسه لما ركبه‬
‫ادلى واسترسل ‪ ،‬ول يفعل الفرس ذلك ال تحت الفارس الحاذق الممارس ‪ ،‬فخرج ايوب الى لفتى فبارزه‬
‫فتطاردا قليلً ‪،‬وتضاربا حينا ‪ ،‬فحمل عليه ايوب فضربه وقتله ‪ ،‬وذكر بعض أصحابنا اه شكه بالرمح‬
‫واحتمله كالجرادة ‪ ،‬فلما رات المعتزلة رئيسها وفارسها صريعا ‪ ،‬ولوا منهزمين بعد ما حمى الوطيس‬
‫وقتل الرئيس واستنجر القتل في المعتزلة وكان أفلح بن عبد الوهاب يضرب ناحية وايوب يضرب ناحية‬
‫أخرى ‪ ،‬وكان سيف ايوب بن العباس ليس له ال حد واحد ‪ ،‬وقيل ان ذلك اذا عيى حمله على عاتقه ‪،‬‬
‫فلما امعن اهل العسكر في قتل الواصلية ودخوهم ‪ ،‬وضعت الحرب اوزارها ‪ ،‬ولم يكن بقى من المعتزلة‬
‫إل اليسير وصار المسلمون يعدونهم من قتلة أفلح من قتله أيوب فوجدوا احدهما يزيد على الخر واحدا ‪،‬‬
‫قيل وصاحب الزيادة هو افلح ‪ ،‬وذكر بعض اصحابنا ان قتلى افلح اربعمائة ‪ .‬ولما أوهن ال المعتزلة ‪،‬‬
‫ونهزموا وعسكر المام ي سافلتهم ‪ ،‬بلغنا ان ايوب بن العباس رأى شخصا قائما كهيئة ارجل فى حومة‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫القتال ‪ ،‬فخاله رجل فضربه بالسيف فأحس شدة ‪ ،‬فلما رجع قال لصحابه ‪ :‬انى ضربت شيئا فيه ولم ادر‬
‫ما هو فتصفحوا القتلى فوجدوه عمودا قائما ‪ ،‬فلمسوه بأيدهم ‪ ،‬فسقط منفصل من الموضع الذى أصابته‬
‫ضربة ايوب ‪.‬‬

‫ثم بعد ذلك بزمان أرسلت المعتزلة إلى أيوب بن العباس بان يأتيهم بعد فعله الفاعيل فيهم ‪ ،‬فعزم على‬
‫المسير إليهم فمنعه أصحابه فأبى إل المسير فحذروره الغدر ‪ ،‬فلم يعبا بهم ‪ ،‬فسار أيوب حتى وصل بعض‬
‫احيائهم ‪ ،‬فتيممه فإذا برجال من احي ينتظرون المامه بهم ‪ ،‬فانزلوه في خص ورحبوا به فلما جن الليل‬
‫قدموا له العشاء وهي جفنة طعام عليها شاة ووطب من لبن ‪ ،‬قال أسند ظهره إى دعامة الخص وجعل‬
‫يتلو القرآن ‪ ،‬حى طلع الفجر ‪ ،‬فصلى الصبح بوضوء العشاء ‪ ،‬فلما طلعت عليه الشمس‪ ،‬أمرهم بان‬
‫يقدموا فرسة ‪ ،‬فقدموه وهم عازمون على غدره فلما ركب فرسه تكلم متكلمهم فقال ‪ :‬يا ايوب ان فتيان‬
‫الحي راغبون في أن تلعبهم على فرسك ‪ ،‬فقال ايوب ال ‪ ،‬ثم ان فتيان الحى ركبوا خيلهم ‪ ،‬فتناولوا‬
‫قضبانا يترامون بها ‪ ،‬وفيهم رجل شجاع قد تكفل لهم بغدر ايوب فلعبهم ايوب قليل ‪ ،‬ولم يشعر ال‬
‫والرجل خلفه قد ش عليه بالرمح ‪ ،‬فتغافل عنه ايوب حين علم به ‪ ،‬فلما اراد أن يضربه اتقى ايوب‬
‫ضربته ‪ ،‬وشد عليه اويوب فقتله فحمل على اصحابه فقتل منهم ثمانية ‪ ،‬ثم حمل أخرى فقتل ثمانية‬
‫أخرى ‪ ،‬فصاح ايوب بنساء الحي هلى يكفيكن ‪ ،‬أو ازيدكن ؟ فقلن ‪ :‬قد اكتفينا ‪ ،‬قال فتوجه ايوب فمر‬
‫بواد فوجد فيه اسدا ولبوة وأشبالهما ‪ ،‬فشد عليها بالسيف فقطع ارجلهما فتركهما يزحفان ‪ ،‬واجتاز بحى‬
‫من احياء البربر ‪ ،‬فقال يا أهل الحى من اراد منكم اللحم المكروه فليقصد الوادى عند السدرة فابتدر الحى‬
‫إلى الوادى فوجدوا السد واللبوة وأشبالهما فطفق القوم يأكلون ‪.‬‬

‫وذكر بعض اصحابنا ان مهديا كان رجل ورعا زاهدا في الدنيا طالبا للخرة ‪ ،‬وكان له أخ أو ابن خالة‬
‫طالبا لللخرة من غير أعراض عن خطة من الدنيا فاختصما يوما بتاهرت إلى المام ‪ ،‬فقال ‪ ،‬مهدى ‪ :‬يا‬
‫امير المؤمنين ان هذا أخي قد شغلته دنيا حتى كاد يضر بآخرته ‪ ،‬فقال الخر ‪ :‬ان هذا اخى قد شغله‬
‫رفض دنياه حتى كاد يضر بآخرته ن فاعرض عنهما ودعا لهما بخير ‪.‬‬

‫ولما توجه المام رحمه ال الى جبل نفوسة اصابه مطر بين منازل نفوسة وهو مرتحل ‪ ،‬فقصد دار‬
‫مهدى فوجدها دار عابد زاهد ليست له رغبة في الدنيا ‪ ،‬فلم يجد بها ما يقى عن نفسه القطر ‪ ،‬فرغب‬
‫اليه ابن خالته الذي له حظ من الدنيا وسأله انتقال المام ومن معه الى داره ‪ ،‬واعمله ان ذلك ارفق‬
‫بالمام لما هو فيه من اليسار ‪ ،‬واخف عن مهدى لما علمه فيه من القتار ‪ ،‬فاجابه سؤاله ‪ ،‬فخرجوا الى‬
‫دار ابن خال مهدى ‪ ،‬ومهدى معه ‪ ،‬فلما دخلوا داره وجدوها دار ذي نعمة وبسطة ‪ ،‬وسعة رزق ‪ ،‬فخلع‬
‫على كل واحد منهم ثيابا جديدة لم يصبها مطر ‪ ،‬وفرش فرشا وثيرة واحضر أطعمة حفيلة وأظهر لهم من‬
‫صنوف البر ما استحسنه المام غاية الستحسان ن حتى استدعى منه ان قال لمدى ‪ :‬الن خضمك ابن‬
‫خالتك(‪ )2‬فيما اختصمتما ‪ ،‬وبان ان حجته قامت على حجتك ‪.‬‬

‫وبلغنا ان مهديا خطب امرأة بجبل نفوسة فاستشارت في أمره شيخا من المشائخ ‪ .‬فقال لها ‪ :‬ان مهديا‬
‫رجل له رغبة في الخرة وزهد في الدنيا واجتهاد في الصلح وله أرض كريمة محثوت لها سد فوق‬
‫سد ‪ ،‬قد انهدمت سدودها وخربت رها ‪ ،‬ولم تدعه نفسه الى اصلح شيء منها ‪ ،‬ول يستطيع اصلحها‬
‫العدد القليل من الناس ‪ ،‬واراد ان يتزوجك ‪ ،‬فل تصلح جسوره ال بتراب تنقليه على رأسك فزادها ذلك‬
‫رغبة فيه وفي صلحية وتزوجها مهدى ‪ ،‬وهي تنقل التراب على رأسها لصلح الجسور ‪ ،‬فذكرها‬
‫الشيخ فيما اعملها من قبل به ‪ ،‬فحمدت ال على ما اعطاها من خدمة ولي من أوليائه ‪ .‬قال اشيخ ابو‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫العباس وانما ساق الشيخ رحمه ال هذا الخبر قبله ليعلمك بمراتب الرجال وما حووا من درجات الكمال ‪،‬‬
‫وهم مع نذلك ل يعتورهم كبر ول استنكاف ‪ ،‬بل قد سلكوا سبيل من درج من اخيار السلف ‪ ،‬فال ينفعنا‬
‫ببركتهم اجمعين ‪.‬‬

‫‪---------------------------------‬‬

‫(‪ - )1‬في نسخة القطب اجمع على فرسي‬


‫(‪ - )2‬أي غلبك في الخصام‬

‫نزول المام عبد الوهاب رحمة ال على مدينة طرابلس‬

‫حدث غير واحد من اصحابنا ان المام رحمه ال أراد المسير الى الحج فاخذ في اهبة السفر ‪ ،‬ثم سار‬
‫متوجها ‪ ،‬فلما وصل الى جبال دمرا استعمل عليها رجل من أهلها يقال له فزار ‪ ،‬ثم توجه إلى جبل‬
‫نفوسه ‪ ،‬فاجتمعت عليه جموع نفوسه فاخبرهم بما عزم عليه من تيممه الحج ‪.‬فقالوا يا امير المؤمنين‬
‫ان رايت المقا م فعلت ‪ ،‬فانا نخشى عليك من المسودة(‪ ، ) 1‬فانهم ان علموا بمسيرك عن بلدك وتوجهك‬
‫الى بلدهم لم تسلم من افة تصيبك منهم ‪ ،‬من قتل ‪ ،‬او سجن ‪ ،‬او نكال ‪ .‬وقد تعين عليك القيام بأمور‬
‫المسلمين ‪ ،‬والنظر فيما يجمع كلمتهم ‪ ،‬ويصلح شأنهم فاقامتك فيهم آكد وواجب ‪ .‬فقد علمت انك لو غبت‬
‫عنهم لضاعت الحقوق وتفرقت الكلمة ‪ ،‬قال فأرسل المام رحمه ال إلى اخوانه بالمشرق وكان المقدم في‬
‫ذلك العصر في العلم والورع والفضل أبا الربيع بن حبيب ‪ ،‬رحمه ال وابن عباد المصري ‪ ،‬فلما وصلهم‬
‫الرسل والقوا اليهما من القول ما دار بين المام وبين جماعة نفوسة ‪ ،‬واخبروهما ان المام يستفتيهما‬
‫مستضيئا علما من نورهما ‪ ،‬مع ما وهب ال له من العلم ‪ ،‬معتمدا ان فتيا غيره في نازلة مختصة به‬
‫أولى ‪ ،‬وانهى للنفس عنالهوى ‪ .‬فاجابه الربيع بان من كان مثلك في العناية بأمور المسلمين ومحل‬
‫امانتهم وخاف على نفسه من أهل الجور والبغي ‪ ،‬فينبغي له ان يستأجر من يحج عنه وهو حي ‪ .‬واجاب‬
‫ابن عباد بان من كان على هذه الصفة فليس عليه حج ‪ ،‬لن امان الطريق من الشروط التي هي مشترطة‬
‫في وجوب الحج ‪ .‬فمكث المام رحمه ال ينتظر رسله ‪ ،‬فلما قدمت الرسل بالجوابين أخذ بجواب الربيع‬
‫وارسل من يحج عنه ‪.‬‬

‫وأقام بجبل نفوسة في تلك الحالة سبعة أعوام يستدرجهم في تعليم مسائل الصلة ‪ ،‬وانفصل عنه فيما ذكر‬
‫قبل تكميلها ‪ .‬قال ابو العباس احمد بن الشيخ ابي عثمان سعيد ‪ ،‬وذلك لن نوازل مسائل الصلة كثيرة ‪،‬‬
‫وهي أول ما يحافظ عليه ‪ ،‬وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ (( :‬أول ما يحاسب به العبد‬
‫الصلة )) ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫قال وكان المام رحمه ال لما صرف الرسل الى المشرق جمع جموعا كثيرة وعسكرا ونزل على مدينة‬
‫طرابلس محاصرا لها ومحاول دخولها في الطاعة ‪ ،‬والمصير إلى ما عليه أهل الحق ‪ ،‬فحاصرها اشد‬
‫الحصار ‪ ،‬ثم رأى له الصواب في الرتحال عنها فإرتحل عنها ‪.‬‬

‫‪--------------------------------‬‬

‫(‪- )1‬لقب العباسيين‬

‫الفتراق الثاني في الباضية‬

‫حدث جماعة من اصحابنا ان المام رحمه ال لما اراد التوجه الى تاهرت اجتمعت جموع أهل بلد‬
‫طرابلس ‪ ،‬فسألوا واليا يوليه عليهم ‪ ،‬وأراد ان يولى عليهم بعض وزرائه فلم يوافق ذلك مرادهم ‪،‬‬
‫ورغبوا في ان يولى عليهم وزيره السمح ابن عبد العلى رحمه ال ‪ ،‬لما رأوا محبة المام فيه ‪ ،‬وحسن‬
‫ظنه مع كونه ابن إمامهم ‪ .‬فلما علم المام عبد الوهاب رحمه ال إن رغبتهم في السمح ‪ ،‬اذ ل يقوم‬
‫مقامه في نصيحة وعناية وحسن محبة احد ‪ ،‬ثم قال لهم ومع هذا فانى أو ثركم به على نفسي ‪،‬‬
‫فاستعمله عليهم وارتحل إلى تاهرت ‪.‬‬
‫فلما ولى السمح على حيز طرابلس احسن فيهم السيرة ‪ ،‬وعدل في احكامه ‪ ،‬فصلحت أحوالهم فلم يزل‬
‫مقرا بإمامة عبد الوهاب وناصحا له في رعيته حتى حضرته الوفاة ‪ ،‬وقد كانت عماله على نواحي‬
‫طرابلس سالكين مسلكه ‪ ،‬في حسن السيرة ‪ ،‬فاجتمع اليه اصحابه فقالوا له ‪ :‬اوصنا وأمرنا بأمرك ‪ ،‬فانا‬
‫مطيعوك في الحياة وبعد الممات ‪ ،‬فانك لم تال بيننا رشدا جزاك ال عن رعيتك وعن السلم خيرا ‪ .‬فقال‬
‫لهم السمح رحمه ال أوصيكم ونفسى بتقوى ال ‪ ،‬والعمل بما أمركم به ‪ ،‬والنتهاء عما نهاكم عنه ‪،‬‬
‫وطاعة امامكم عبد الوهاب وتأييده ما دام على الحق الذي عليه سلفه ‪ ،‬وجهاد من خالفه ‪ ،‬فبذلك تستقيم‬
‫احوالكم ‪ ،‬وينتظر شملكم ‪ ،‬ويتم خير دينكم ودنياكم ‪ .‬وتوفي رحمه ال ‪ ،‬فلما توفي عظم مصابه وبلغ في‬
‫الناس فقده مبلغا عظيما ‪.‬‬

‫وخلف ولدا اسمه ( خلف ) فلشدة محبة الناس في السمح وعظم منزلته فيهم أحسنت العامة الظن‬
‫( بخلف ) وأراد من ليست له بصيرة في الدين ول نظر في العواقب توليته عليهم ‪ ،‬فقال أهل البصائر ‪ :‬ل‬
‫ينبغي لكم ان تفتاتوا على امامكم في شيء مما قلده ال من أموركم ‪ ،‬ووله من صالح جمهوركم ‪ ،‬فقال‬
‫ذوو العقول القاصرة ‪ :‬اما ان فعلنا ذلك رجونا ان يكون وفق ارادة امامنا ‪ ،‬وقال فريق منهم ‪ :‬نوليه على‬
‫انفسنا ريثما يصل من المام أمر نقف عنده ‪ ،‬فان اثبته اثبتناه ‪ ،‬وان عزله عزلناه ‪ .‬فأبى ذلك كله أهل‬
‫الصلح كابى منيف اسماعيل بن درار الغدامسى وابى الحسن ايوب ‪ ،‬وامثالهما ‪ .‬فغلبت العامة وولوه من‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫غير اذن المام ‪ ،‬ول رضى من أهل الصلح فولوه على انفسهم ‪ .‬وكاتبوا المام بموت عامله ‪ ،‬واقامتهم‬
‫ولده مقامه ‪ ،‬على انه ان اجاز اجازوه وال عزلوه ‪ .‬فلما وقف على ما خاطبوه جاوبهم بما نصه ‪:‬‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬


‫وصلى ال على سيدنا محمد وآله وصحبه‬

‫" أما بعد فانى آمركم بتقوى ال تعالى ‪ ،‬والتباع بما آمركم به ‪ ،‬والنتهاء عما نهاكم عنه ‪ ،‬والذي‬
‫كتبتموني به من وفاة السمح وتولية بعض الناس خلفا ‪ ،‬خلفا منهم ورد أهل الخير ذلك ‪ ،‬فان مولى خلفا‬
‫بغير اذن امامه قد أخطأ سيرة المسلمين ‪ ،‬ومن ابى توليته فقد اصاب ‪ ،‬فاذا اتاكم كتابي هذا فليرجع كل‬
‫عامل استعمله السمح الى عمله الذي ولي عليه ‪ ،‬الخلف بن السمح ‪ ،‬فحتى يأتيه أمرى وتوبوا الى ربكم‬
‫لعلكم تفلحون "‬

‫فلما وصل جواب المام أهل بلد طرابلس بما تضمنه من رد العمال الى اعمالهم ‪ ،‬وتخطئة من ولى‬
‫خلفا ‪ ،‬وتصويب من توقف عن توليته ‪ ،‬قلقوا فكتبوا الى المام يراجعونه في أمر خلف ‪ ،‬ويسألونه ان‬
‫يجيز توليتهم اياه ‪ .‬فجاوب رحمه ال بكتابين احدهما الى الجماعة ‪ ،‬والخر أفراد به خلفا ‪ ،‬يعلمهم ان‬
‫ذلك ل يسعه من قبل ال تعالى ‪ ،‬وانه ل سبيل الى بقائه على عمل ‪ .‬ثم اقتضى نظر المام رحمه ال ان‬
‫يوجه امناء من قبله الى جهة طرابلس مختبرين لحوالها ‪ ،‬وعلم(‪ ) 1‬اليهم بتولية خلف على جهات‬
‫طرابلس ان وجدوه قد اعتزل واطاع ال ‪ ،‬وامر التقدمة ‪ .‬وان هم وجدوه مصرا على الخلف نابذا امر‬
‫المام وراءه ظهريا ‪ ،‬رفضوه ‪ .‬حتى يحكم ال فيه وهو خير الحاكمين ‪.‬‬

‫قال فوصل امناء المام فوجدوا خلفا في عتوه واستنكاره ‪ ،‬فدفعوا له كتابا بالعتزال ‪ ،‬فابى ‪ .‬وشايعه‬
‫على ذلك اصحابه الذين ولوه وانهم لما وصل كتاب المام بتخطئتهم كتبوا الى ابى سفيان محبوب بن‬
‫الرحيل كتاب المام بتخطئتهم كتبوا الى ابى سفيان محبوب بن الرحيل كتابا وجهوه اليه بالمشرق ‪ ،‬وهو‬
‫اذاك رأس جماعة أهل الدعوة هنالك ‪ ،‬والمقدم عليهم بعد انقراض طبقة الربيع ومعاصريه ‪ ،‬رافعين اليه‬
‫ماصدر عن المام فيهم ‪ ،‬وقدروا ما هم عليه من اصابتهم بزعمهم ‪ ،‬وحسنوا تولية خلف ورجوا ان‬
‫يكون منه جواب يوافق نظرهم الفاسد ‪ ،‬فوصلهم جوابه رحمه ال بتخطئتهم وتصويب من امتنع عن‬
‫توليته ‪ ،‬وتوجيب طاعة امامهم ‪.‬‬

‫فلما وصلهم جواب محبوب بما خالف مواقفهم نبذوه واخذوا في مسلك طرق الضلل ‪ ،‬حتى اعلنوا بنبذ‬
‫امامة عبد الوهاب وقالوا ما هو لنا بامام ‪ ،‬وانما امامنا خلف ‪ ،‬اذ هو في حوزتنا ‪ ،‬والحافظ لجماعتنا ‪،‬‬
‫والجامع لكلمتنا ‪ .‬واما عبد الوهاب فانه في حوزة غير حوزتنا ‪ ،‬وغير أهل لجماعتنا ‪،‬فبرأ منهم أهل‬
‫الدعوة وليس بيننا وبينهم خلف ال في مسألة القرار بامامة عبد الوهاب ‪.‬‬

‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫(‪ - )1‬يريد عهد اليهم وامرهم‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫استعمال أبو عبيدة عبد الحميد الجناونى رحمة ال ومحاربته خلف بن السمح‬

‫ذكر جماعة من اصحابنا ان عامل المام عبد الوهاب رحمه ال ابو الحسن ايوب ادركته منيته فكتبت‬
‫نفسة ومن حولهم من بلد طرابلس الى المام ‪ ،‬يخبرونه ويستدعون منه استعمال عامل ‪ ،‬فكاتبهم بان‬
‫يعلموه برجل يرضى لعمالهم وتتفق عليه كلمة أهل الفضل منهم ‪ ،‬فسموه له ‪ ،‬فكاتبوه باتفاق كلمتهم‬
‫على ابى عبيدة عبد الحميد الجناوني ‪ ،‬فكتب بتوليته على اعمالهم والنظر في امورهم ‪ ،‬ول علم له بما‬
‫أرادوه ‪ .‬ونفذ به امر المام فاجتمعت جموع أهل بلد طرابلس من نفوسة وغيرهم على أبي عبيدة‬
‫ليسمعوا منه ويطيعوا ‪ ،‬فلما قرأ كتاب المام تنصل من الولية وقال ‪ :‬انا ضعيف قالها مرارا فكتب‬
‫الىالمام متنصل ومقرا بالعجز والضعف فلم يقبل منه المام عذرا فكتب اليه بالقامة على ما وله من‬
‫القيام على أمور المسلمين ‪.‬‬

‫وكتب فيما كتب به اليه ( ان كنت ضعيفا في المال فبيت مال المسلمين تقويك ‪ ،‬وان كنت ضعيف البدن‬
‫فالحق يقويك وان كنت ضعيفا في العلم فعليك بابى زكرياء الللوتي فاستعن به فيما يستقبل من امورك )‬
‫‪ .‬فاجتمعت عليه أيضا الجموع فقال لهم انتظروني ‪ ،‬فغاب عنهم ما يدرون ما يحاول فسار الى عجوز‬
‫نفوسية مشهورة بالعلم والدين والصلح ‪ ،‬فاستشارها في تحمل ما تقلد أو الفرار ‪ ،‬فقالت له هلتعلم في‬
‫بلدك من أهل زمانك أقوم منك بما كلفت له هل تعلم في بلدك من أهل زمانك أقوم منك بما كلفت به‬
‫واحق بتقليد ما تقلدت ؟ قال ‪ :‬اما في امور الرجال فل ‪ ،‬قالت فادخل اذا فيما قلدك المام ‪ ،‬وال فانى‬
‫اخشى ان تهشم عظامك في نار جهنم ‪ ،‬فقد قامت عليك الحجة ‪ ،‬فرجع اليهم وتقلد ما قلده من أ‪/‬ورهم‬
‫فكانت جماعة نفوسة يذكرون فضلها ‪ ،‬ويعترفون بها ‪.‬‬

‫فلما ولى عبد الحميد احسن السيرة وقام بحقوق ال عز وجل وعمل بطاعته ‪ .‬فلما سمع خلف بن السمح‬
‫بتولية المام عبد الحميد بلغ ذلك منه مبلغا عظيما ‪ ،‬واستكبر ‪ ،‬واستخف اشياعه من الضلل فأطاعوه ‪،‬‬
‫وجعل يشن الغارات على رعية عبد الحميد ‪ ،‬ويدس اللصوص ‪ ،‬فوجه اليه أبو عبيدة الحميد يأمره بالكف‬
‫عن الرعية ‪ ،‬فلم يكف ‪ ،‬فكتب أبو عبيدة الى المام يخبره بما نزل بالرعية فكتب اليه المام ان يعامله‬
‫بالملطفة والملينة ما استطاع ‪ ،‬لعله يتذكر أو يخشى ‪ ،‬فقال له ‪ :‬ان لم تجد بدا من المدافعة فمدافع عن‬
‫الرعية ‪ .‬فمكث يلطفة حينا الى ان ورد عليه الخبر بوفاة المام رحمه ال ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫امامة افلح بن عبد الوهاب رحمه ال‬

‫ولما توفي عبد الوهاب تدانى العدو من تاهرت طمعا في الستيلء عليها ‪ ،‬ورجوا الظفر بها وباهلها لما‬
‫ظنوه من عجزهم عن المدافعة ‪ ،‬اذا اضحوا بل امام ‪ ،‬فابتدر جماعة أهل الدعوة ‪ ،‬فبايعوا افلح بن عبد‬
‫الوهاب ‪ ،‬فعقدوا له المامة فكان ميمون النقيبة ‪ ،‬فسكن ال به البلد ووقية من الفساد ‪ .‬وما بلغ ابا‬
‫عبيدة موت المام وتولية ابنه افلح المامة ‪ ،‬كتب ابو عبيدة الى افلح يستشيره في امر الخبيث بن الطيب‬
‫ويستأذنه الدفاع ‪ ،‬فكتب اليه بمثل ما كتب به ابوه رحمه ال ‪.‬‬

‫فلما بلغ خلفا وفاة المام وتولية افلح انف واستكبر ولم يقر بامامته ‪ ،‬ول دان بطاعته ‪ ،‬وانحاز بمن معه‬
‫الى موضع يقال له ( تيمتى ) فسلط اشياعه على الطعام ‪ ،‬وشن الغارات على رعايا المام ‪ ،‬واستباح‬
‫الموال ‪ ،‬واخرب الديار ‪ ،‬وقتل الرجال ‪ ،‬حتى قتل عدة من اصحابه ‪ ،‬يحسب انهم من رعية ابي عبيدة‬
‫عبد الحميد ‪ ،‬ثم عظمت صولته واشتدت شوكته حتى استمال كثيرا من الناس فمالوا اليه ‪ ،‬واكثر ميلهم‬
‫خصب جانب خلف ‪ ،‬وجذب حيز ابي عبيدة ‪ ،‬فكانوا معه طلبا لمعاشهم ورغبة في الدنيا وكانوا معه على‬
‫رأيه وبدعته ‪.‬‬

‫ولما رأى قلة اصحاب ابي عبيدة وكثرة من معه من الضلل سولت له نفسه الخبيث انتهاز الفرصة‬
‫ومبادرة ابي عبيدة واصحابه ليستأصل شافتهم ‪ ،‬فجمع عساكره وتيمم أبا عبيدة فلما سمع به أبو عبيدة‬
‫أمر اصحابه بالخروج فخرجوا ‪ .‬فعسكر ببعد من الجبل ولما تدانى العسكران بعث خلف رعيل من خيله‬
‫نحو أربعمائه فارس ‪ ،‬فهم اصحاب عبد الحميد بأن يخرجوا إلى محاربتهم فمنهم عبد الحميد من ذلك‬
‫رقوبا ما عند المام‪ ،‬وطلبا للسلمة ‪ ،‬فقصدت الخيل قرية يقال لها " ويدوف " من رعيته عبد الحميد‪،‬‬
‫فانتهبوا ما امكنهم من الموال وقتلوا ما قدروا عليه من الرجال وكان أكثر الخيل أخذه خلف واهل بيته‬
‫ومواليه ومماليكه ‪.‬‬

‫فلما تحقق عبد الحميد بغيهم ولم يجد بدا من قتالهم امر أصحابه بقتالهم ‪ .‬فالتقوا وانهزمت خيل خلف‬
‫وقتل منهم عدد كثير ‪ .‬فاراد أصحاب عبد الحميد أتباعهم فناهم عن ذلك ‪ .‬واحسن السيرة ولما رأى خلف‬
‫ما أصاب اصحابه من الهزيمة والتقل ‪ ،‬كر راجعا إلى الموضوع الذي منه خرج وهو موضع يقال له‬
‫تيمتى فأقام به ‪ ،‬ورجع عبد الحميد إلى موضعه وأمر أصحابه بالرجوع إلى مواضعهم ‪ ،‬وظن ان القوم ل‬
‫يريدون بعد ذلك باسا ن ثم أرسل إلى خلف أذا ما فعلت فكن في حيزك ‪ ،‬واكون في حيزى ‪ ،‬وضع الحرب‬
‫فأبى خلف إل المحاربة وجعل يشن الغارات على رعية عبد الحميد ‪ ،‬وسلط عليها من يسومها أنواع‬
‫العذاب ل يألوا فسادا وقتل في الموال ‪ ،‬والنفس ‪ ،‬ثم أن خلفا أزدهى بكثرة من اجتمع له العدد ‪ ،‬فأمر‬
‫أبو عبيده اصحابه بالخروج ‪ ،‬فخرجوا وهم في عدد قليل ‪ ،‬ولكنهم أهل بصائر يموتون على ما بايديهم‬
‫من الحق ‪ .‬ل يأسفون على ما فاتهم من دنياهم ول يعدون زايدا ال تقوى بهم ‪ ،‬ول مطلبا ال ما يقدمونه‬
‫لخراهم ‪ .‬وقد اختلف في عددهم فقيل سبعمائة وقيل عدد اصحاب بدر ثلثماءة وثلثة عشر ‪ ،‬فاقبل خلف‬
‫بمن اجتمع له وقد غره بال الغرور ‪ ،‬ولم يدر ( ان ال مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) فجاء في‬
‫أربعة آلف فارس فارسل الىابي عبيدة رسولين بخلع ولية افلح ويقر له بالولية ‪ ،‬فلما قدم رسوله‬
‫بذلك الىابي عبيدة حاجهم ابو عبيدة في امر الئمة ‪ ،‬فقال ‪ :‬هل احدث افلح أو أبوه في السلم حدثا يحل‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫لكما معه خلع وليتهما ؟ واحتج عليهم بطاعة السمح لعبد الوهاب رحمه ال ‪ ،‬فاعتل بانقطاع‬
‫الحوازات ‪ ،‬فقال لهما ‪ :‬السمح قد اقر بطاعته عى اختلف الحوازات ‪ ،‬فقال له احدهما انا نخاف ان لم‬
‫نجب الى طاعة هذا الرجل هراقة الدماء ‪ ،‬فقال ابو عبيدة ‪ :‬ايهما اعظم هراقة الدماء ام الترك للقيام بدين‬
‫ال تعالى ؟ فقال له الرجل ‪ :‬هراقة الدماء اعظم ‪ ،‬قال له عبد الحميد ‪ :‬لو كان المر كما ذكرت ما افترق‬
‫اصحاب النهراوان وغيرهم ‪ ،‬واصحاب النخيلة ‪ ،‬وابو بلل واصحابه وعبدال بن يحيى ‪ ،‬وابو حمزة‬
‫واصحابهما ‪ ،‬وابو الخطاب ومن معه ‪ ،‬وابو حام ومن تبعه ‪ ،‬ولذعنوا للطاعة دون هراقة الدماء ‪ ،‬انما‬
‫قاتلوا وقتلوا في القيام بدين ال ‪ ،‬ولم ينكلوا خوفا من اراقة الدماء بل قد بذلوا مهجتهم ‪ ،‬مجاهدين على‬
‫آثارهم خير متقدمين ‪ ،‬ل نبغى عنهم بدل ول عنهم حول ‪ .‬فمن حاول منا غير ذلك فال يحكم بيننا وهو‬
‫خير الحاكمين ‪ ،‬ثم قال للرسولين ‪ :‬فان استعظمتم هراقة الدماء ‪ ،‬فارجعا الى صاحبكما فقول له ‪ :‬ان هذا‬
‫يوم الخميس فدعونا ‪ ،‬فاذا كان غدا يوم الجمعة نصوم ل تعالى ونطلع ‪ ،‬أنا ‪ ،‬وهو ‪،‬وابو المنيف‬
‫اسماعيل بن درار ‪ ،‬فنبتهل فنجعل لعنة ال على الظالمين ‪ ،‬ونسأل ال ربنا ان يفتح بيننا وهو خير‬
‫الفاتحين ‪.‬‬

‫فرجع الرسولن الى خلف فاخبراه بما جرى بينهما وبين ابي عبيدة من القول فامر خلف عساكره‬
‫بالتهيء للقاء ابي عبيدة ‪ ،‬فلما قرب عسكره عسكر ابي عبيدة ‪ ،‬تقدم رجل من اصحاب خلف ممن يرى‬
‫تصويب ابي عبيدة ‪ ،‬واصحابه تميل نفسه اليهم ويشفق عليهم ‪ ،‬فقال لبي عبيدة ‪ :‬تنح باصحابك‬
‫الىسفح الجبل فان كانت الدائرة لكم ادركتم ما رجوتم ‪ ،‬وامنتم ما خفتم ‪ ،‬وان تكن عليكم كنتم في حصن‬
‫ول يضركم ذلك ‪ .‬فقال ابو عبيدة لصحابه هذه نصيحة قد اخرجها ال من عدوكم وعدوه ‪ ،‬فامر اصحابه‬
‫بالتنحي ‪ ،‬واسندوا ظهورهم الى جبل فظن خلف ان ذلك على جبن وهلع فقدم سرعان خيله ‪ ،‬ورعيان‬
‫رجله ‪ ،‬فلما جاء والعساكر على اثره ‪ ،‬وغشوا ابا عبيدة دعا ابو عبيدة بوضوء فتوضأ مستترا برجال ‪،‬‬
‫وصلى ركعتين وابتهل وتضرع الى ال تعالى عز وجل ‪ ،‬وسأل ان يقل شوكتهم وقال ‪ ( :‬يا من لم اعرض‬
‫عنه منذ استقبلت أمره ل تفرق هذه العصابة على يدي ) وبلغنا ان رجل من اصحاب خلف دنا من عسكر‬
‫ابي عبيدة فقال لرجل منهم ما الذي أوقفكم ؟ قال وقفنا ندععو ال ‪ ،‬فقال الخلفي فما بال السلح ‪ ،‬فقال‬
‫للدفاع في سبيل ال ‪ ،‬قال من تدفعون ؟ فقال ‪ :‬ندفع من بغى علينا ‪ ،‬فقال له آخر من اصحاب ابي عبيدة‬
‫لصاحبه مالك النت له القول؟ فقال له ‪ :‬طمعا في الصلح ورغبة في تأخير بعض الشر ‪ ،‬يا اخي ‪ ،‬ثم تدانى‬
‫القوم بعضهم من بعض ‪ ،‬فاقتتلوا قتال شديدا ‪ ،‬وذلك في عشية الخميس الثالث عشر من رجب سنة‬
‫احدى عشرة ومائتين ‪ ،‬قال وكان في عسكر ابي عبيدة رجل شجاع ‪ ،‬حاذق بالطعن يقال له البعاس ‪،‬ولد‬
‫ايوب بن العباس ‪ ،‬فنظر اليه ابو عبيدة فرآه يضرب يمينا وشمال ‪ ،‬وقد حمى الميمنة والميسرة والقلب ‪،‬‬
‫فقال ابو عبيدة وقد ركزه اه لحمي المعقبات ‪ ،‬وقاه ال نار العقاب ‪ ،‬وذكر عن العباس انه ضرب رجل‬
‫بسيفه فأطار رأسه ‪ ،‬وقال العباس للرأس ‪ :‬الى النار وقال الراس ‪ :‬وبئس المصير ‪ ،‬وكان ممن يكثر‬
‫النسك والجتهاد قبل ذلك ‪ ،‬فقال العباس ‪ :‬هذا جسد كنت ادعوا له بالجنة زمانا ‪ ،‬وانه لمن وقود النار ‪،‬‬
‫انا ل وانا اليه راجعون ‪ ،‬نسأل ال خواتم الخير ‪.‬‬

‫ثم انهزم اصحاب خلف واسرع القتل فيهم ‪ ،‬فقتل منهم عدد كثير ‪ ،‬فأمر أبو عبيدة اصحابه ان ل يتبعوا‬
‫مدبرا ‪،‬ول يجهزوا على جريح ‪ ،‬واحسن فيهم السيرة ‪ ،‬فانحاز خلف وبقية اصحابه الى الموضع الذي‬
‫يقال له تيمتي ‪ ،‬وامر باخراج جميع من فيها من نفوسة ‪ ،‬واجلهم ثلثة أيام ‪ ،‬وقال من وجد فيها بعد‬
‫الثلثة ايام فمهدور الدم ‪ ،‬وباخراج اليتامى ‪ ،‬والرامل ‪ ،‬ومن ل ذنب له ‪ ،‬فخرجوا من ديارهم كرها ‪.‬‬
‫ولما رأى اصحابه ما نزل بهم من خسار الدين والدنيا ‪ ،‬تفرقوا عنه ال قليل منهم ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ثم سار من تفرق عنه منهم يقرأون على أبي عبيدة السلم ‪ ،‬تائبين ‪ ،‬فمن جاء منهم قبل توبته ‪ ،‬فاوهن‬
‫ال شوكة خلف فلم تكن له بعد ذلك حركة ثم مات في زيغه ثم ابنه مات ‪ ،‬ولم تكن له حركة ‪ .‬ثم ولد ابن‬
‫خلف بعدهما فانحاز الى جزيرة جربة وما جاورها ‪ ،‬وسنذكر خبره اذا وصلنا اليه ان شاء ال ‪.‬‬

‫ثم ان المام افلح رحمه ال تمكن في امامته واستقامت له الحوال واستقامت به ‪ ،‬ولم يبق في ايامه بعد‬
‫خلف منازع ول في جهاته طالع ‪ ،‬وبلغنا انه كان في العلوم متفقها وعلى انواعه متطلعا ‪ ،‬ولقد ذكر انه‬
‫كان يجلس لربع حلق وذلك قبل بلوغه الحلم ‪ .‬وقام أبو عبيدة على ما وله المام ملزما طاعة ال‬
‫وحفظ ما اوجب عليه حفظه ‪ ،‬من حدود ال وحقوق رعيته الى ان توفي رحمه ال ‪ .‬ثم استعمل المام‬
‫رحمه ال العباس على ما كان عليه عبد الحميد ‪ ،‬فأحسن السيرة وعامل رعيته بما عاملها به اب عبيدة‬
‫عبد الحميد من الرفق والحنان والعدل والحسان الى ان توفي العباس رحمه ال ‪.‬‬

‫الفتراق الثالث في الباضية‬

‫الفتراق الثالث في الباضية ‪ :‬خروج نفاث وهو فرج بن ناصر‬

‫حدث غير واحد م اصحابنا ان المام رضي ال عنه استعمل على قنطنار ابا يونس وسيم بن يونيس‬
‫النفوسي ‪ ،‬فولى قنطنار وما ولها ‪ ،‬فاحسن السيرة ‪ .‬ووسيم هذا من نفوسة الجبل ‪ ،‬ومنها خرج تحرجا‬
‫من تباعات الناس ‪ ،‬وذلك انه كان له اماء يحتطبن من غير املكه ‪ ،‬فخرج ذات مرة لما شعر بذلك فوجد‬
‫الواضع التي يحتطبن منها قد دمرت وتهدمت جسورها ‪ ،‬لستنقاع الماء بها لماصنع المام فلم ير‬
‫السلمة ال في الهروب بدينه ‪ ،‬فوله المام قنطنار لما علم من صلحيته وورعه ‪ ،‬وكان له ابن اسمه‬
‫سعد ‪ ،‬وكان ذا فهم وذكاء ‪ ،‬فسار سعد الى تاهرت ليطلب العلم بها فكان هو ونفاث بن نصر يحضران معا‬
‫مجالس المام رحمه ال ‪ ،‬يقرآن عليه ‪ ،‬فكان كل واحد منهما يجتهد ويجهد نفسه في دراسة العلم ‪ ،‬حتى‬
‫حصل ما رأيا فيه مقنعا ‪ ،‬وتشوقا الى بلدهما ‪ ،‬وذلك بعد وفاة وسيم ‪ ،‬فخرجا متوجهين الى بلدهما ‪،‬‬
‫وكان المام لما بلغه موت ابي يونس عازما على استعمال عامل يلي جهات قنطنار ‪ ،‬فنظر في ذلك فلم ير‬
‫له اهل ال سعدا لما تحققه من صلحيته واختبره من حسن حاله ‪ ،‬فكتب كتابا باستعمال سعد ‪ ،‬فطواه ‪،‬‬
‫وختم عليه بخاتمه ‪،‬وأودعهما اياه ‪ ،‬ولم يعلمهما أيهما العامل وقال لهما حين دفعه اليهما ‪ :‬ل تفكاه حتى‬
‫تصل قنطنار ‪.‬‬

‫فسار فلما كان ببعض الطريق غلب الشره على نفاث فاستخفه حب الرئاسه ‪ ،‬فاستغل سعدا وتخلف الى‬
‫رحلهما ‪ ،‬فقص خاتم الكتاب وقرأه ‪ ،‬فوجد سعدا هو العامل ‪ ،‬فظنت نفسه الظنون ‪ ،‬واعتقد العداوة‬
‫واضمر الغش لستمال المام سعدا دونه ‪ ،‬ولما وصل قنطنار قرأ بها كتاب المام ‪ ،‬فسمع أهلها واطاعا‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫فاقام سعد واليا عليهم ‪ ،‬محسنا للسيرة ‪ ،‬عامل بطاعة ال عز وجل ‪ ،‬وتمادى نفاث الى بالده ‪ ،‬فسئل عن‬
‫المام واحواله ‪ ،‬فاظهر الطعن فيه ‪ ،‬وقال انه اضاع امور المسلمين ويزيد في الخلقة اذا مشى ‪ ،‬ويلبس‬
‫الطرطور ‪،‬ويخرج الى الصيد ن ويصلى بالشبور(‪ ، ) 1‬فبلغ المام طعنه فيه ‪ ،‬وارسل المام اليه بان‬
‫يحضره بما نقم عليه فقا لن كان ما تقول حقا قبلنا ورجعنا اليه ‪ ،‬وان كان باطل فاءة ‪ ،‬وهذه الكلمة فيها‬
‫معنى الوعيد ‪ ،‬فلما بلغ ذلك نفاثا ‪ ،‬قال ايه من السلطان هو القتل ‪.‬‬

‫وله مسائل انتحلها ل اصل لها منها زعمه ان الخطبة بدعة ومنها قوله ان ابن الخ الشقيق أولى‬
‫بالميراث من الخوة للب ‪ ،‬وانهم يحجبونهم ‪ ،‬ولما انتشر ذلك عنه وسمعه مشائخ أهل الدعوة ن قالوا‬
‫لو لم يكن له جرم ال فتياه هذه لكان بها أهل للضلل ‪ ،‬فكيف والضلل محيط به في جميع الحوال ‪ ،‬فمن‬
‫مذموم احواله ما بلغنا انه دخل قرية وجاء الى دار رجل من اهلها فلم يجده فانصرف ‪ ،‬فلما اتى صاحب‬
‫الدار اعلمه اهله بمجئ نفاث يسأل عنه ‪ ،‬فابتدر الرجل وكب دابته وخرج يطلب نفاثا ‪ ،‬ليرجع الى‬
‫مذهبه ‪ ،‬فسار الى الليل فادرك نفاثا يعاتب نفسه ويقول ‪ :‬ضللت وأضللت يا نفاث ‪ ،‬فمحمد الرجل ربه‬
‫ورجع الىاهله ‪ ،‬واقام على مذهب اهل الحق ‪ ،‬وبلغنا ان ابن اخت لنفاث اتاه فقال له ‪ :‬عبر لى رؤيا‬
‫رأيتها ‪ ،‬رأيت رجل جمع شعيرا فجعله صبرة كبيرة فرقى سنور اعلها ‪ ،‬فقال له ذلك رجل جمع علوما‬
‫فاستولى عليه الشيطان ‪،‬فقال انت هو الرجل يا خالي ‪.‬‬

‫وبلغنا انه بلغ عظيما في تحصيل العلوم واوتي فهما ‪ ،‬ال انه فسد ذلك بما طبع عليه من الحسد ‪ ،‬وغلب‬
‫عليه من حب الخوض في غمرات الدنيا ‪ ،‬فم فهمه ان امرأة سألته عن بيض طاهر طبخ في ماء نجس ‪،‬‬
‫هل سنجس البيض ام ل ‪ ،‬فقال لها قفى مكانك حتى اخرج اليك ‪ ،‬فدخل الدار واخذ نيلجا فجعله في ماء ‪،‬‬
‫وطبخ فيه بيضا حتى نضج ‪ ،‬فلما قشر البيضة وجد لون النيلج قد خلط الى داخل البيضة ‪ ،‬فعلم ان القشر‬
‫ل يمنع النجس فخرج الى المرأة ‪ ،‬فأعلمها ان البيض غير طاهر ‪ .‬وبلغنا ان سعدا خرج في اثر نفاث‬
‫ليتلفى أهل جبل نفوسة ‪ ،‬قبل استفساد نفاث نثم شرع في بناء دار مجاورة لنفاث وجعل اخوانه يحسنون‬
‫عونه في البناء ‪ ،‬وفي اثناء ذلك لم يزل نفاث يلزم العمل معه بيده ‪ ،‬وكان يحسن صناعة البناء فكلما‬
‫رأىذلك منه خاف توهم النفوسيين انه راض عن نفاث ‪ ،‬فكان يقول له بمحضر جمعهم الى متى انت مقيم‬
‫على كفرك يا نفاث ؟ فقال معاذ ال من الكفر( ‪ )2‬يا شيخ فاذا خل سعد باصحابه قاله لهم ‪ ،‬ما كان جزاء‬
‫من يحسن عوني ان اعامله بقبح من القول ‪ ،‬ول ان اقابله ال يحسن عوني ان اعامله بقبح من القول ‪،‬‬
‫ول ان اقابله ال بالكرام ‪ ،‬وانما خفت ان يراه معي اهل الموضع فيحسنون به الظن ويجد سبيل الى‬
‫فتنتهم ‪.‬‬

‫وذكر عن نفاث انه توجه الى ارض الشرق ووصل بغداد ومكث فيها زمانا وكان يستأنس برجل من أهل‬
‫بغداد ‪ ،‬ويجالسه وبينما هما ذات يوم جالسان ‪ ،‬اذ سمع نفاث مناديا ينادي فقال لصاحبه ما هذا ؟ فقال‬
‫مسألة وقعت في مجلس امير المؤمنين ‪ ،‬فمن اجابه عنه فله سؤاله ‪ ،‬ومناه فقال له نفاث انا اجيب امير‬
‫المؤمنين عن مسألته ‪ ،‬فقال له صاحبه اخشى عليك من القتل ان لم تجبه بعد تكلفك بالجواب ‪ .‬فقال له بل‬
‫اجيبه عن كل ما سأل ‪.‬‬

‫فاجتاز به خدمة السلطان فسأله عن احواله ‪ ،‬وبلديه ونسبه ومولده ‪ ،‬فقال له نفاث ‪ :‬يا أمير المؤمنين أنا‬
‫رجل من البربر والبربر ل أدب عندهم فان رأى أمير المؤمنين الصفح عن العبد ان أساء والتجاوز عنه‬
‫ان بدا منه الجفاء فعل ؟ فقال له السلطان ‪ :‬قل ما بدا لك فسأله السلطان عن المسألة فاجاب عنها ‪ ،‬ثم‬
‫سأله عن مسألة أخرى فاجاب ‪ ،‬ثم سأله عن اخرى فاجاب ‪ ،‬وذلك بمحضر الفقهاء الكابر من أهل‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫بغداد ‪ ،‬فطفق كل منهم يسأله فيجيب حتى نفذ السؤال فلم يقف عن جواب ‪ .‬فنظر اليه السلطان نظرة‬
‫مزدر برثاثة حالة على ما اوتى من العلم ‪ ،‬فقال نعم العسل في ظرف سوء ‪ ،‬ففطن به نفاث ‪ ،‬فقال‬
‫معرضا ‪ :‬ونعم الرجل في قبر سوء ‪ ،‬يعني ديوان جابر بن زيد رحمه ال فانى في خزانة السلطان ل‬
‫ينتفع به احد ‪ ،‬فغضب السلطان لذلك وهم به ‪ .‬وتذكر ما قدم من اذنه في ان يقول ما شاء ‪ ،‬فامسك ‪ ،‬ثم‬
‫انه قال له ‪ :‬سل حاجتك ن فقال ل حاجتى ان تهب لي ديوان جاب بن زيد رحمه ال لستنسخه ‪ ،‬فاجابه‬
‫السلطان الى ذلك ‪ .‬فلما خرج نفاث قال للسلطان بعض وزرائه ‪ ،‬يا أمير هذا ديوان معدوم غير موجودا‬
‫ال في خزانتك ن فكيف تسمح لسواك فيخرجه فيصير في غير خزانتك ‪ ،‬وفي غير بلدك ‪ ،‬ويزداد به هذا‬
‫المغربي فخامة ‪ .‬ما هذا براي ‪ ،‬فقال لهم انى قد وعدت الرجل ومثلى ل ينبغي له ان يخالف وعدا ‪ ،‬فما‬
‫الحيلة فاشار عليه احدهم ان يخيره في يوم وليلة مقبلة من ايام اقامته فينسخ فيهما ما قدر عليه ‪ ،‬ففعل‬
‫فاختار يوما وليلة واعلمه بهما ثم اعد جميع ما قد رأى ان فيه كفاية ‪ ،‬من حبر واقلم مبرية ‪ ،‬وورق‬
‫وكاغد واستأجر جماعة من الوراقين ‪ .‬فلما كان اليوم الذي عزم فيه على أخذ الديوان وقد هيأ كل ما‬
‫يحتاج الي ‪ ،‬فرق الديوان على الوراقين ‪ ،‬وجعل لكل ناسخ دينارا ولكل ممل نصف دينار دينار ‪،‬فلما كان‬
‫آخر النهار استدعى آخرين ‪،‬وجعل لكل ناسخ دينارين ‪،‬ولكل ممل دينارا فالجرة الولي على عمل‬
‫النهار ‪،‬والخرى على عمل الليل ‪،‬فما انقضى الليل آل والديوان كله قد كمل نسخه ‪،‬آل سفرا واحد ‪.‬فجاءه‬
‫رسول السلطان يطلب الديوان ‪،‬فدفعه الى من تناوله له ‪،‬أبقى في يديه السفر الذي لم ينسخه ‪،‬فشقه في‬
‫مجلس السلطان مرة واحده فحفظه كله ‪،‬فاعلم السلطان بذلك أمر بامتحانه فاخذ منه الكتاب فقراه سردا‬
‫بل نظر ‪،‬فعجب السلطان بذلك ‪،‬ففصل نفاث من مجلسه أمل السفر على من نسخه فكمل له الديوان ‪،‬‬
‫وأعملت الحيلة في القبض عليه ‪.‬واعمل هو حيله في التخلص ‪،‬وسلك طريقا مجهولة ‪،‬حتى نفذ الى بلده‬
‫ومعه الديوان ‪،‬قيل بأنه سبعة أحمال ‪.‬فلما وصل إلى بلد طرابلس وجد أصحابه الذين ضلو لضللته قد‬
‫قلوا وضعفوا ‪،‬فساء ظنه وخشى ان اظهر الديوان تكون جماعة اهل الدعوة هم المنتفعون به ‪،‬فلم تسمح‬
‫نفسه الخبيثه باظهاره ‪،‬فحفر حفره ودفن فيها الديوان بحيث ل يعلم له موضع ‪،‬ففقد الى يومنا هذا ‪،‬‬
‫ومات نفاث وكان بدء امره نفاقا وكفرا وعاقبته حسدا‪،‬فنعوذ بال من علم ل ينفع وعمل للكلم الطيب ل‬
‫يرفع ‪،‬ولم يبق ببلدنا من يقول بقول نفاث وينصر حجته ال فريق من مطماطة فمنهم من بالجملة ومنهم‬
‫بالجمل واليه ينسبون ‪ ،‬فيقال لهم النفاثية ‪ ،‬فوقى ال المامة شره ‪،‬ودحض عزه ‪.‬‬

‫واقام المام رحمه ال بتاهرت سالمة ايامه من الشوائب متصفا بجميل الخير وحميد المناقب ‪ ،‬رادعا لكل‬
‫باغ وظالم ل تاخذه في ال لومة لئم ‪ ،‬الى ان توفي رحمه ال عليه ‪ .‬وكانت مدة امامته ستين سنه ‪.‬‬
‫فولى بعده ابنه ابو بكر وكان ابنه محمد غائبا بارض المشرق لقضاء فريضة الحج فدل عليه واخذ بمكه‬
‫وحمل الى بغداد وسجن بها حينا ‪،‬ثم اطلق واحسنت جائزته ‪ .‬فتوجه يريد المغرب ‪ ،‬فزعموا انه لما‬
‫انفصل من بغداد كان ببغداد من اهل التعديل من اعلمهم انه سوف تكون له وليه ‪ ،‬فجدوا في طلبه‬
‫يريدون به شرا ‪ ،‬فنجاه ال من شرهم ووصل الى تاهرت فوجد اهلها مجتمعين في أمر ابي بكرلما بينه‬
‫وبين ابن عرفة‪ .‬وذلك ان ابن عرفة من اعيان اهل تاهرت فكانت بينه وبين ابي بكر مواقعه افضت‬
‫الىحرب وكاد الفتراق ان يقع والفتن ل ترفع بينهما‪ ،‬فبينما الناس في ذلك اذ اصبح ابن عرفة قتيل‪.‬‬
‫فنسب الى ابي بكر وهذا ما منع من وقوع التفاق على طاعته‪ ،‬فلما يسر ال بقدوم محمد كان رافعا‬
‫للخلف‪ ،‬وقاطعا لقبائح الوصاف فاعتزل ابو بكر الولية وانسلخ منها‪ .‬ولم يجد الناس لمحمد محيدا‬
‫عنها‪ ،‬فعقدوا له بيعة‪ ،‬والتزموا سمعه وطاعته‪.‬‬

‫‪-----------------------------------------‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪- )1‬في بعض النسخ الثبور‬


‫(‪ - )2‬ل تنس ان الباضية تطلق كلمة كفر على اقتراف المعصية والصرار على الذنب على حد قول‬
‫الرسول عليه السلم للصحابه ( ل ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض )‪.‬‬
‫‪ -‬هو المام الجليل والمحدث الثقة ‪ ،‬وهو أول من نقل عنه المذهب الباضي ويبدوا ان ديوانه هذا مجموع‬
‫الحاديث والثار المروية عن الصحابة على الطريقة الولى التي انتهجتها كتب الحديث ‪،‬وتوفي رحمه ال‬
‫سنة‬
‫‪96‬هـ‬

‫امامة محمد افلح بن عبدالوهاب رحمه ال‬

‫حدث غير واحد من اصحابنا ان محمدا بن افلح اجمعت على توليته جماعة المسلمين ‪ ،‬فولوه على‬
‫انفسهم فلم يختلف عليه اثنان ‪،‬وبلغ الغايه فى العدل والفضل والقتداء بمن سلفه ‪ ،‬فكانت نفوسه فيما‬
‫قيل ل يعدلون ايامه وسيرته ال بايام جده عبد الرحمن وسيرته ال بايام جده عبد الرحمن وسيرته وذلك‬
‫انهم اتخذوا مجلسه حينئذ كالمسجد ‪ ،‬فطائفه يصلون ‪ ،‬وطائفه يقرأون الكتاب ‪ ،‬وطائفة يتذاكرونفي فنون‬
‫العلم ‪،‬ومكث في امامته اربعين سنة على هذا الحال ‪ ،‬محمود السيره مجتهدا في الصلح قائما بالحق‬
‫قاضيا بالعدل الى ان علت سنة ورق عظمه ‪ ،‬وتوفي رحمه ال ‪ ،‬وله تاليف في الرد على اهل الخلف ل‬
‫يشق فيها غباره ول تياره ‪ ،‬فولى ابنه يوسف ابن محمدا بن افلح رحمه ال ‪.‬‬

‫امامة يوسف بن محمد بن افلح رحمه ال‬

‫ولما مات محمد رحمه ال ولى ابنه يوسف ‪ ،‬فمكث في المامه اثنى عشر سنة ‪ ،‬وقد اطردت له المور ‪،‬‬
‫وكان عامله على جبل نفوسه ابا منصور الياس على ما كان علية في ايام ابيه‪ ،‬وايام جده‪ ،‬وكان قاضية‬
‫اذ ذاك عمروس فتح رحمة ال وكان عالما كبيرا وله تواليف تأليف في الصول والفروع‪ .‬وكان قد عزم‬
‫على ان يؤلف تأليفاً مرضيا على ثلثة قواعد ‪ :‬الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬والرأى‪ ،‬ويجعل كل قاعدة بمعزل فادركه‬
‫اجله عجل قبل تأليفه " فانا ل وانا اليه راجعون " ‪ ،‬وفي ايام يوسف كان طلب أبى منصور ولد ابن‬
‫خلف على ما سيأتي ذكره ‪ .‬وذلك ان ابا منصور كان فاضل مستجاب الدعاء ‪،‬اذ كرامات‪ ،‬ذكر عنه انه اذا‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫خرج في عسكر ركب بغله وكان ل يتقي النبال ‪ ،‬وكانت النبال تتحادى عنه وعن بغلته يمينا وشمال ‪،‬‬
‫وهو مقتحم الحروب‪ ،‬ل يقع شئ منها عليه ول عليها ‪ ،‬قلت ولعل ركوبه البغلة لن ينشط العامة‪،‬‬
‫ويشجعهم ولن يعلموا انه ل يحدث نفسه بفرار فيتاسوه به‪ ،‬وان كانت البغله ليست بمركوب لقتحم‬
‫الحروب ‪.‬‬

‫وحديث يعقوب بن ابى يعقوب ان ابا منصور رحمه ال حرج فى طلب ولد ابن خلف فى اخر ولية‬
‫الرستميين وقد هرب منه وسار الى زواغة والتأمت رواغة ‪ .‬واجمعوا أن يمنعوه ‪ ،‬وكانوا على مذهب‬
‫ابيه فسمعوا قوله واطاعوه واقبلوا مجيبين دعوته إلى أن من ال عليهم بأبي منصور فردهم عن‬
‫مذهبه ‪ ،‬إلى مذهب الحق حسبما يأتي ذكره أن شاء ال ‪ ،‬قال فسار أبو منصور بعسكر من نفوسة فلما‬
‫وصل ريضة بخارج جزيرة جربة وجد بها جموع زواغة ‪ ،‬في اعداد كثيرة محدقين على ولد ابن خلف ‪،‬‬
‫عازمين على منعه من ابي منصور ‪ ،‬قال ‪ :‬فقام فيهم شيخ من بني يوراسن يقال ابو سلمة ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا‬
‫معشر زواغة عندي لكم نصيحة ‪ ،‬وذلك أن تختاروا واحدة من ثلثة اما ان تتركوا بادية زيرة ‪ ،‬وتدخلوا‬
‫جزيرة جربة فتمتنعوا باخوتكم وتمنعوا صاحبكم ‪ ،‬واما ان ترسلوا وفدا الى المام ‪ ،‬فترغبوا اليه في ان‬
‫يفردكم بعامل ‪ ،‬فتخرجوا من طاعة نفوسة ‪ ،‬فل يكون لهم عليكم سبيل ‪ .‬واما ان تدفعوا لي ابن خلف‬
‫فانطلق به الى نفوسة تحت امان وانا كفيل بسلمته ‪ ،‬وانهم ل يخرجون فيه عن قانون الحق ‪ ،‬فلما‬
‫سمعت زواغة مقالته قام رجل من عامتهم فقال ما اراد هذا اليوراسنى ال اليقاع بخليفتنا ‪ ،‬فقال ابو‬
‫سلمة ‪ :‬كيف قلت ؟ فابتدر الجواب رجل من علمائهم ‪ ،‬فقال اعرض عنه يا ابا سلمة ‪ ،‬فأنه جاهل ‪،‬‬
‫فقال قد اعرضت عنه ‪ ،‬وقام منصرفا عن محفلهم ‪.‬‬

‫ثم ان زواغة اجتمعت على مناصبة ابي منصور فناجزهم القتال فاقتتلوا قتال شديدا ‪ ،‬فانهزمت زواغة ‪،‬‬
‫وكان اكثر شجر الريضة قريب عهد بالنشاء ‪ ،‬وكانوا لما غرسوه حفوه باعواد اثبتوها في حفر ووصلوا‬
‫ما بينها بالحبال لترد عنها الوحش لئل يفسدها ‪ ،‬فاكثر تلك الرض على هذه الصفة ‪ ،‬فلما خرج القوم‬
‫اعترضتهم تلك الجبال ‪ ،‬فكلما راموا مهربا وطلبوا ملجأ حالت الحبال بينهم وبين ما يطلبون‪ ،‬فطفق‬
‫اصحاب ابى منصور يقتلونهم في كل مكان ‪ ،‬حتى مات منهم عدد كثير ‪ ،‬فرجع عنهم ‪ .‬واجتمع من ابقته‬
‫الوقيعة منهم فلجأوا الى جزيرة جربة واستجار ولد ابن خلف برجل من زواعة يقال له معقل من بنى‬
‫تامستاوت‪ ،‬فادخله في قصر من قصور جربة ‪ ،‬يقال له غردان فسار اليهم أبو منصور بعسكره ‪ ،‬فلما دنا‬
‫من جزيرة جربه وجه رجل من بنى يراس الى الزواغى مجير ولد ابن خلف‪ ،‬وارسل معه مائة دينار‬
‫مصارفة ‪ ،‬ودخل الرجل جربة فلما وصل الى الزواغى سلم عليه وجعل يصافحه ويصب الدنانير من كمه‬
‫الى كم الزواغى فلما أحس بالدنانير جعل يسأله عن أحوال الشيخ ويقول له‪ :‬لو اتيت الى اولدنا لدفعناهم‬
‫اليك‪ .‬وكان ابو منصور رحمه ال لما قدم الى جربة وصل اليها بعد ثلثة أو قريبا منها لن من سيرته اذا‬
‫كان مرتحل بعسكره وحضر وقت الصلة نقر في الطبل فيقف أول العسكر وآخره ثم ينزل فيصلى بهم ‪،‬‬
‫فاذا صلوا ارتحلوا ‪ .‬وكان هذا دأبه فهو سبب مهله في السير‪ ،‬فلما حل بهم أبو منصور تقدم الى معقل‬
‫ولد ابن خلف ‪ ،‬فقال ‪ :‬انزل ايها المير فقد طالما ارملت نساء زواغة‪ ،‬فقال ولد ابن خلف ليتكم لم‬
‫تسمونى اميرا وناداهم نداء فيه جفاء ‪ ،‬قال فدفعوه الى ابى منص ‪2‬ور فساد به ولم يكن بجزبة حينئذ‬
‫حركة ول قتال ‪ ،‬فاحتمل ولد ابن خلف الى الجبل فسجنوه هنالك ‪ ،‬ولم يزل مسجونا حتى نزلت عنده‬
‫نازلة في قطع رجل لص ‪ ،‬فاختلفوا فيها فاحتاجوا اليه‪ ،‬فانه‪ ،‬كان عالما فتوجهوا نحوه وسألوه من أين‬
‫تقطع رجل السارق فافتاهم بانها تقطع دون العقب‪ ،‬فقال عند ذلك مقالة جابر بن زيد لما استفتى فى‬
‫السجن وخبره مشهور وسيأتي ذكره‪ ،‬وقد ذكر بعض اصحابنا ان الفتى تاب ورجع الى مذهب أهل الحق ‪،‬‬
‫وحسنت حاله‪ ،‬ثم ان أبا منصور توفي رحمه ال وولى مكانه افلح بن العباس بنفوسة من قبل المام فكان‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫حسن السيرة كأبيه ‪.‬‬

‫وقعة مانو وانقراض المامة‬

‫حدث غير واحد من اصحابنا ان نفوسة كانوا اطوع رعيا بالدولة الرستمية وأكثرها عونا على الخير‬
‫وأشدها بأسا في النصر على العداء‪ ،‬وفي ذلك يقول المام رحمه ال ‪ :‬انما قام هذا الدين بنفوس نفوسة‬
‫وأموال مزاته‪ ،‬وانشهر الصيت على نفوسة حتى اشتهر في بلد المشرق عند سلوك المسودة‪ ،‬لمكتبات‬
‫أهل بلد القيروان وأهل طرابلس وغيرها من بلد المغرب التي انتشرت بها دعوتهم‪ ،‬واستقامت بها‬
‫مملكتهم‪ ،‬وبهم ظهروا على من سواهم وكان ذلك في أيام المتوكل ببغداد‪.‬‬

‫فلما تواترت الكتب اليه من الجهات الغربيه ان دعوة الرستميين قد تمت وأيامهم قد استقامت ل ينازعهم‬
‫فيها منازع ول يدافعهم عنا مدافع‪ ،‬ويستنفرون من عنده جيشا ينتظم به اليهم ملك طرابلس والمغرب‬
‫فاهتز لذلك وتحرك اليه خاطره‪ ،‬فوجه عسكرا الى المغرب وأمر عليه ابراهيم بن احمد بن بني الغلب‬
‫فتوجه ابراهيم بعسكره الى المغرب قاصدا تاهرت‪ ،‬فلما قرب من طرابلس سمعت بخبره نفوسة فاجتمعوا‪،‬‬
‫واجتمع رأيهم على ان يتركواه وما اراده من المسير الى تاهرت‪ ،‬دون ان يناصبوه‪ .‬فاتصل به ما عزموا‬
‫عليه‪ ،‬فوجه اليهم ان اتركوا الي ساحل البحر مقدار نشر عمامتي لجتاز فيه انا ومن معي ‪ ،‬فأبوا من‬
‫ذلك فلما رأى ابراهيم ان ل بد من رجوعه الى المشرق أو مناصبتهم عزم على لقائهم‪ ،‬فقال لصحابه‪:‬‬
‫خذوا اسلحتكم وشمروا وجوزوا على الساحل و ل تتعرضوا لهؤلء القوم فان تركونا و طريقنا ‪ . . .‬وال‬
‫قاتلناهم‪ ،‬فبلغ نفوسة ما عزم عليه ابراهيم‪ ،‬فقال بعضهم دعوا هذا الرجل يجتاز ول تتعرضوا له بشيء‪،‬‬
‫فأبى الكثرون ذلك وكان ممن كره تعرضهم يعد بن ابي يونس وأشار بالكف عنهم‪ ،‬فقال له بعض العامة‪:‬‬
‫يا سعد تشوقت الى شداخ قنطنار فجزعت من القتل في سبيل ال‪ .‬فقال لهم يا قوم ليس في ما تقولون‪،‬‬
‫ولكن خشيت ان تذبح البقرة فيتبعها عجلها‪ -‬يعني بالبقرة نفوسة وبالعجل قنطنار‪ -‬ثم خرجوا الى العسكر‬
‫يمنعونه السلوك الى المغرب‪ .‬فلحقوه بموضع يقال له مانو ‪ ،‬وهو قصر على ساحل البحر من ابنية المم‬
‫السالفة فاقتتلوا قتال شديدا لم ير أشد منه بالمغرب فى ذلك العصر فخرج رجل من عسكر المشرق يطلب‬
‫المبارزة من عسكر نفوسة فلم يخرج اليه احد القتله‪ ،‬فأراد الخروج اليه افلح بن العباس وهو امير‬
‫الجيش‪ ،‬فأبى ذلك أصحابه فقال لبد من ذلك فخرج اليه فقتله افلح واشتد بينهم واسرع القتل في الفريقين‬
‫وكثر القتل والجراح في نفوسة حتى هموا بألنهزام‪ ،‬فلما رأى ذلك افلح أمر أمر صاحب البند ان يركزه‬
‫في الرض حتى لينهزم احد على البند‪ ،‬فأبى صاحب البند من ذلك ‪ .‬ثم اقتتلوا مليا‪ ،‬ثم رجع فقال اركز‬
‫البند فأبى فقال لبد ان تحفر للبند فتركزه فقال له صاحب البند انى قد امسكته مع جدك ومع ابيك ومع‬
‫اخيك ‪ ،‬ولم يأمرنى احد منهم بأن احفر له ‪ ،‬وها انا حفرت له حفر ال لك ‪ .‬فلما ركزه فى الحفرة‪ ،‬ولى‬
‫أفلح منهزما وتركهم يلوذون به‪ ،‬ولم يستجيزوا ان ينهزموا ويتركوا البند قلئما ‪ ،‬فقتل منهم بشر كثير ‪.‬‬
‫وقد كان أفلح فيما بلفنا قد كره خروجهم الى ابراهيم‪ ،‬وقتالهم اياه‪ ،‬ولذلك فعل بهم ما فعل ‪ .‬ثم ان رجل‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫من ذوى البصيرة فى دين ال ردد بصره في البند فرآه قائما والناس يلوذون به ويصرعون حوله فعمد‬
‫اليه وقال انى لرى انك لم يبق لك حظ في النصر‪ ،‬وانك منهزم‪ ،‬فضربه بسيقه فسيط‪ .‬فلما رأى من بقى‬
‫من عسكر أفلح ان البند قد سقط ولوا مدبرين‪ ،‬فافلت من افلت منهم ‪ .‬فذكر من يوثق به ان عدة القيلى‬
‫اثنا عشر ألفا‪ ،‬فمن نفوسة يومئذ اربعة آلف ومن سائر القبائل ثمانية آلف‪ ،‬وكان في القتى اربعمائة‬
‫عالم‪ ،‬ولم يبق بعدهم عالم يفتى في النوازل ال ابو القاسم البغطورى‪ ،‬وعبدال بن الخير‪ .‬ثم تلمذتها‬
‫بعدهما‪ .‬وبلغنا ان عمروس ابن فتح كان في آخر العسكر وتحته فرس سابق وكان يحمى صاحبه‪ ،‬فاذا‬
‫طلب لحق واذا طلب سبق‪ ،‬فنصبوا له حبال واضطروه اليها‪ ،‬فعثر به الفرس واخذ أسيرا‪.‬‬

‫ومضوا به الى ابراهيم بن أحمد ‪ ،‬فاشار الى عمروس بان يستعفى فيعفى عنه‪ ،‬قال عمروس تلك كلمة ل‬
‫يسعها منى‪ ،‬ولكن أسال ان ل تنزعوا عنى سروايلى هذا فانى أوقن بالهلك ‪ ،‬فجعلوا يقطعون اعضاءه‬
‫فقطعوه أنملة فأنملة‪ ،‬فلما وصلوا بالقطع الى عضده استثهد رحمه ال ‪.‬‬

‫ثم ان بقية نفوسة بعد الواقعة رجعوا الى جبل نفوسة فتحصنوا فيه‪ ،‬وتشاوروا فى عزل أفلح بن العباس‬
‫وتولية له ابو بكر بن يوسف النفوسى‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬ووحه اليه ‪ ،‬فأخذته رسله من تيزاج‪ ،‬وهى قرية من‬
‫قراها‪ ،‬فلما أخذوه سألهم الشيخ ان يدعوه حتى يركع ركعتين‪ ،‬فتركوه فصلى واخذ فى الدعاء والتصرع‬
‫الى ال عز وجل ‪ ،‬فارسل ال عليهيم ريحا صرصرا‪ ،‬فأظلمت الرض اشد من ظلمة الليل فحيل بينهم‬
‫وبين الشيخ مكفوف البصر‪ ،‬ومضى الى تناوته‪ ،‬وهم اهل القرية المعروفة بشيطان‪ ،‬من قرى نفزاوة‪،‬‬
‫فنجاه ال من كيدهم‪.‬‬
‫ثم ان عدو ال توجه الى القيروان بالثمانين رحل الذين هم فى وثاقه‪ ،‬من قنطنار‪ ،‬وفيهم رجل يقال له‬
‫ابن تتيت مقطوعالعرقوب_ ولم تطلب نفسه بالهروب دون اذنهم _ فأذنوا له‪ ،‬فسل رجله من القيد وهرب‬
‫‪ .‬فأخذ اصحابه ‪ ،‬فقتلوا باجمعهم ‪ ،‬فكان ما ابقته من الضعف هذه الواقعة وما اتصل بها سببا لنقراض‬
‫الدعوة‪ ،‬وذلك لن نفوسة كانوا عمدتها‪ ،‬قامت بقيامهم‪ ،‬وانقطعت لنقطاعهم‪ ،‬فلما ضعفوا انتهكت‬
‫الحرمة‪ .‬واستفزت المامة‪ .‬حتى انقرضت حسبما ياتى ذكره‪.‬‬

‫انتشار مذهب الشيعة‬

‫نبدأ بنبد من أخبار عبيد ال ووقوعه بأرض المغرب وانتشار مذهب الشيعة بها‪ ،‬وما يتصل بذلك من‬
‫الخبار التى ذكرها‪ ،‬ويفتقر هذا الكتاب اليها ‪ ،‬حتى ل يخلو منها ‪ ،‬لرتباطها بشئ سلفنا‬

‫رأيت باستخارة ال ان اختزل اكثر ما ذكره الشيخ رحمه ال ‪ ،‬فى هذا الموضع‪ ،‬لقلة فائدته‪ ،‬واذكر منها‬
‫موضع الحاجة‪ ،‬واستخلصه عن مقتضى ما ذكره "الرقيق" في تاريخ أفريقية ما تدعوا اليه الحاجة‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫فاقول ‪ :‬عبيد ال هذا هو الذى يكنى ابا القاسم ‪ ،‬وسموه المهدى محمد‪ ،‬وهو الذى يسمى ‪ :‬المام القائم‬
‫بن على بن موسى ابن جعفر بن محمد بن على بن الحسين ‪ ،‬بن على بن ابى طالب فيما ذكره الرقيق‪.‬‬

‫وقد ذكر الرقيق ان المهدى هو ابو محمد ‪ ،‬وانت الخليفة بعده ابنه القائم ابو القاسم محمد بن المهدى‬
‫وبعده ابنه المنصور اسماعيل بن بن القائم ‪ ،‬وبعده ابنه المعز‪،‬معد بن المنصور ‪ ،‬ومعد هو ابو تميم ‪،‬‬
‫وسيأتى ذكر شئ عنه فى اثناء أخبار هذا الكتاب ‪.‬‬

‫وقد قال بعض الناسبين‪ ،‬واصحاب التواريخ ان انتسابهم الى أهل البيت غير ثابت ‪ ،‬وكان هذا قد حصل به‬
‫شئ من علم الحدثان‪ ،‬وكان يرى ان امره بعزلعة من ارض اليمن ‪ ،‬ومنها تفرق دعاتهم ‪ ،‬وان بأرض‬
‫المغرب تتم الدولة ‪ ،‬ويعم ذكرها ورأى بالعلمات ان ابا القاسم الحسين بن فرج بن حوشب الكوفى هو‬
‫الداعى باليمن ‪ ،‬الى ان انتشرت به الدعوة الشيعية وان عبدال الحسن بن احمد بن زكرياء الكوفى‬
‫المعروف بصاحب البدر هو الداعى بأرض المغرب ‪ ،‬فوجهه اليها وامره انيبدأ بلقاء ابى القاسم الداعى‬
‫باليمن ويتمنى سيرته‪ ،‬وينتظر مخارج افعاله‪ ،‬فيجتهد بها ‪ ،‬ففعل‪.‬‬

‫ثم خرج الى مكه فصادف بها جماعة من كتامة‪ ،‬ممن حج تلك السنة‪ ،‬وكان منهم من تقدم له شئ من‬
‫التشبع ‪ ،‬فصاحنهم حتى أنزلوه قلة ايكجان بنظر ميلة‪ ،‬من بلد كتامة‪ ،‬فلدلك قيل له الكجانى‪ ،‬ثم انتقل الى‬
‫تاصروت ‪،‬‬

‫فأقام ببلد كتامة داعيا مدة سنتين‪ ،‬تمكنت به الدعوة الشعبية‪ ،‬وانتشرت فيما يليها من الجهات بعد ان‬
‫عبأ العساكر‪ ،‬وكابر الحروب ‪ ،‬وقارع غير واحد من الغالبة‪،‬ة وقوي ‪ ،‬وافتتح البلد في أخبار تطول ‪،‬‬
‫وانما قصدنا من ذلك الختصار‪.‬‬

‫وفي اثناء هذه المدة توفى المام بالعراق‪ ،‬وعهد الى ابنه المهدى عبيد ال ‪ ،‬فجاءته في الكتاب عبيد ال‬
‫يعلمه ان المور قد تمهدت‪ ،‬او كادت ‪ ،‬فتوجه الى المغرب مجاهدا قاصدا سلجماسة‪ ،‬فاجتاز في طريقه‬
‫على وأرجلن فاستخف به سفهاؤها‪ ،‬وحتوا في وجهه التراب يقولون‪ :‬هذا الذى جاء من الشرق يطلب‬
‫الملك ‪ ،‬وكان اشر الناس عليه أهل قصر بكر‪ ،‬وكان عند وصوله حسبما يأتى ذكره حرق المسجد الكبير ‪،‬‬
‫وكان عند وصوله‪ :‬غيلر فتطير بهذا السم‪ .‬فتوجه الى سلجماسة فوجد صاحب سلجماسة اليسع بن‬
‫مدرار فأكرم مثواه ‪ ،‬وأسكنه عالية دار لرجل من أهل سلجماسة ساكن في اسفلها ‪ ،‬فلما كان ليلة من‬
‫الليالى رأى السلمجاسى في منامه كأن ثعبان عظيما فى داره مضطجعا‪ ،‬فانتيه مذعورا‪ ،‬فقص الرؤيا على‬
‫ضيفه من غير ان يعلمه انه الذى لرأها ‪ ،‬فقال له ان صح ما ذكرت فهذا ملك يملك المغرب والمشرق ‪،‬‬
‫فقبل يده وقالب ‪ :‬وال يا مولى انى رأيت الرؤيا وليس معى في دارى غيرك ‪ ،‬فازداد بذلك أنسا وازال‬
‫وحشه‪ ،‬واقام بسجلماسة الى ان فتح ابو عبدال طبنة وبغاي وطرابلس والقيروان وقفصة وما يتخلل هذه‬
‫المدن من القرى‪ ،‬واستولى على جميع افريقية‪ ،‬واجلى عنها من كان فيها الغلبة‪ ،‬فلما طاعت له البلد‬
‫واستقامت له المور عزم على المسير الى سلجلماسة في طلب المهدى عبيد ال فخرج ابو عبيد ال من‬
‫رقادة الى سجلماسة ‪ ،‬فاجتاز على تاهرت فكان منها ما كان من غدر بنى اليقظان بالمام يوسف بن‬
‫محمد بن افلح بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم رحمه ال ‪ ،‬وشكى من بتاهرت ونظائرها من‬
‫الشيعة والواصلية وغيرهم الى الشيعة أمارة الفرس ‪،‬وسألوه أن يستأصل شافتهم ‪ ،‬وخرجت دوس بنت‬
‫المام يوسف رحمه ال ‪ ،‬تشكو الى عبدال الشيعي غدر بني يقظان اباها ‪ ،‬ووعدته ان يتزوجها ان هو‬
‫أخذ لها ثار ابيها ‪ ،‬فجاءه فيمن جاءه من أهل الموضع ومعهم ابوهم ‪ ،‬فسأله ابو عبدال الكجاني من انت‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫؟ قال ‪ :‬أنا يقظان فقال بل انت حيران ‪ ،‬مالذي دعاكم الى قتل اميركم فاسلبتم ملكه ‪ ،‬واطفأتم نور السلم‬
‫بغير سبب ‪ ،‬والقيتم بأيديكم الينا بغير قتال ؟ ثم امر بهم فقتلوا جميعا ‪ ،‬ثم ان يعقوب بن المام وابنة اخيه‬
‫دوس خرجا في خفاء الى جهة وارجلن حتى نزلها وانما خرج بها خوفا من ابي عبدال الشيعي أن‬
‫يستنجز الوعد ‪ ،‬فطلبها فلم يجدها ‪ ،‬ودخل المدينه فانتهبها وانتهك حرمتها ‪ ،‬واجلى كثيرا من أهلها ‪،‬‬
‫وجعل اعزة اهلها اذلة ‪.‬‬

‫وكان دخوله المدينة بالمان فلما دخلها غدر وقتل اهل بيت المامة من الرستميين واهل الملك وأهلك‬
‫الحرث والنسل ‪ ،‬فانقطعت المامة بموت المام يوسف رحمه ال ومن قتل معه ومن قتل بعد دخول‬
‫المدينة وذكر انه وجد صومعة مملوءة كتبا وهي المشتملة على ديوان تاهرت الذي يذكره العزابة ‪،‬‬
‫ي من الديوان اثر أصل ‪.‬‬
‫فانتقى منه ما انتقى واحرق الباقي ‪ ،‬فلم يبق لش ْ‬

‫ولما علم عبيد ال بقدوم ابي عبد ال خرج ليلقاه وقد علم جميع الدعاة والقيادةانه صاحب الوقت ‪ ،‬وان‬
‫له يدعو بعد ما خاف عليه الغدر من ابن مدرار ‪ ،‬فلما قدم على عسكر ابي عبدال جاء معه ابنه القاسم‬
‫فقدم لهما ابو عبدال فرسين فركبا وحفت بهم العساكر ‪ ،‬ومشى عبيد ال والدعاة بين يديه وأبو عبد ال‬
‫يقول ‪ :‬هذا مولي ومولكم ‪ ،‬وابن ابنت رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬والذي كنتم تنتظرون ‪ ،‬وجميع‬
‫الناس يسمعون كلمه ‪ ،‬وعقدوا له البيعة فلما دخل افريقية وذلك في عام سبعة وتسعين ومائتين ‪ ،‬وقد‬
‫تمكنت دولته ‪ ،‬وجه عسكرا عظيما الى وارجلن ‪ ،‬فلما سمع اهله باقبال العسكر تحصنوا بالكدية‬
‫المعروفة بكريمة ‪ ،‬وهي كدية حصينة شاهقة بينها وبين وارجلن قدر ستة اميال ‪ ،‬فملوا مؤاجل بها‬
‫ماء ‪ ،‬واخرجوا ما قدروا عليه وما امكنهم ‪ ،‬فلما وصلهم العسكر دمر الديار وحاصروهم في الكدية ‪،‬‬
‫وطوق بها سبعة اطواق ‪ ،‬وهم بالمقام معهم ‪ ،‬حتى يهلكوا عطشا ‪ ،‬فقال لهم رجل ممن كان معهم ويقال‬
‫انه يهودي لعنه ال هاتوا قصاعا كبارا ‪ ،‬فملوها زيتا ‪ ،‬ونصبوها علىحرف((كريمة )) بحيث يراهم أهل‬
‫العسكر وجعلوا كانهم يمتجون الماء ويصبونها للجمال تشرب ‪ ،‬ومعهم جمال كثيرة وقد تمكن منها‬
‫العطش ‪ ،‬فجعلت الجمال كلما رأت القصاع مملوءة حسبتها ماء ‪ ،‬فقصدتها فكلما كرعت وجدته زيتا‬
‫فقنعت برؤوسها ‪ ،‬وتنفض مشافرها ‪ ،‬وتنشر بأنوفها ‪ ،‬فلما رأى ذلك اهل العسكر قالوا ما هذا ال عن‬
‫ماء جم ل تكنسه الدلء ففيم المقام ؟ وارتحلوا وقد كانوا حين انتهاب الديار وجدوا بيضة نعامة مملوءة‬
‫شعيرا فحملوها معهم فلما وصلوا رملة ايفران لحقهم رجل من وارجلن ممن اراد هلك المسلمين فواله‬
‫من العسكر ناس سدراتيون فقال لهم لم ارتحلتم عن القوم وليس معهم ماء ؟ وانما تلك حيلة احتالوها‬
‫عليكم ‪ ،‬فارجعوا فانكم ستظفرون فابتدره السدراتيون ‪ ،‬فقتلوه خوفا ان يسمع مقالته احد من أهل العسكر‬
‫‪ .‬وانما فعلوا ذلك حمية لخوانهم وقبيلهم ان يظفر بهم اهل العسكر ‪ .‬وإنما فعلوا ذلك حمية لخوانهم‬
‫وقبيلهم أن يظفر بهم أهل العسكر ‪ ،‬ولما وصل أهل العسكر الى صاحبهم بالقيروان لمهم ‪ ،‬ونسب اليهم‬
‫التقصير ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬كيف نقاتل حصنا هكذا ؟ ورشقوا رغيفا بأعلى ذرع طويل وهذه مطامرهم ‪ ،‬واخرجوا‬
‫له البيضة المملوءة شعيرا‪.‬‬

‫قالوا كيف نقاتل هؤلء وأي فائدة تفيد بقتالهم ؟ فنجاهم ال عز وجل ‪ .‬ويسر اسباب سلمتهم ‪ ،‬ولما‬
‫تمكن امر عبيد ال بالقيروان واستحكمت دولته بلغ عن ابي عبد ال انه عازم على غدره فلما تحقق ذلك‬
‫منه بذاته وبمن صافوه على ذلك من الكتاميين ‪ ،‬فقتلهم اجمعين ‪ ،‬وذلك في جمادى الثانية سنة ‪ 98‬ثمان‬
‫وتسعين ومائتين وسلم له ملك افريقية حتى قبض وولى بعده ابنة القاسم وفي ايامه ظهر ابو يزيد بن‬
‫كيداد اليفرني‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ذكر اخبار ابي يزيد مخلد بن كيداد الناكثي‬

‫حدث بعض اصحابنا أن أبا يزيد رجل من بني يفرن وكان مسكنة بقلعة" سدادة " من تفيوس ‪ ،‬قلت أما‬
‫نسب سدادة فوهم أو غلط ‪ .‬وأن كان هذا النسب قد وقع أيضا ليس هكذا في كتاب الرقيق ‪ ،‬وإنما ذكر‬
‫اصلة من بني ويسيان توزر ‪ ،‬ثم نشأ بتفيوس وليس كذلك ‪ .‬انما كان مسكنة في منزل يلي جهة سدادة‬
‫وهو اليوم خال دارس في الجانب الغربي منه كانت مدرسة ابي يزيد على عين ماء ‪ ،‬هي معروفة بعين‬
‫النكارة الى يومنا هذا ‪ ،‬وعشيرته من أهل تطاوين ‪ ،‬وهم رهط "بني كندل" قال ‪ :‬وله حديث مع ابي‬
‫الربيع سليمان بن زرقون فى ابتداء اشغالهم بطلب العلم ورجوع ابي يزيد الى مكان مذهب النكارة وتركه‬
‫لمذهب الوهبية نستدركه في موضعه ان شاء ال ‪ ،‬وإنما قصدنا هنا أن نذكر قيامه على القاسم بن عبيد‬
‫ال ‪ ،‬وما أل إليه أمره فاول ما اوقع في نفسه القيام أنه لما توجه الى المشرق يريد الحج حين فراره من‬
‫عبيد ال لما طلبه ‪ ،‬فلما وصل الى مصر وقد حلق رأسه وقال له ‪ :‬غط رأسك أيها الثائر فلما سمعها ابو‬
‫يزيد وقع في نفسه ما وقع من ذلك فسار متوجها ‪ .‬فطولب في بعض البلد التي سلكها بمكس ‪،‬‬
‫فاستعظمه ولما رجع ووصل الى قرب جبل نفوسة فارقة من كان معه من أهل جبل نفوسه ‪ ،‬قاصدين‬
‫منازلهم ‪ .‬فقال لهم أبو يزيد‪ :‬اقرأوا اخواننا السلم ‪ ،‬وقولوا لهم قد فاتنا منكم كثير وفاتكم منا كثير ‪،‬‬
‫وانه ليس ل علينا أن نشتري حجة ‪ ،‬يشير بهذا الى المكس الحقير الذي طولب به ‪ ،‬ويريد بهذه الرسالة‬
‫اختلف القلوب ‪.‬‬

‫ثم سار حتى وصل موضعه بتقيوس ‪ ،‬فجعل النكار يجتمعون عليه في المكان المعروف به واطلع منهم‬
‫من اطلع على عزم من القيام حتى اشتهر خبره ‪ ،‬وفشى وسمع به ابن المهدي القاسم ‪ ،‬فكاتب والى‬
‫قسطالية بمطالبته والبحث عنه ‪ ،‬لنه كان يرى أن قائما يقوم عليه من زناته فيلقى منه شغبا ‪ ،‬وسمع من‬
‫علمات ابي يزيد ما دله على أنه الذي أنه الذي يقوم عليه‪.‬‬

‫فوجه اليه والى قسطالية من توزر فأخذ وسجن في توزر مكبول ‪ ،‬فطال مقامه في السجن حتى قنط‬
‫ويئس من السلمة واشتدت عليه أبواب الحيل ‪ .‬فبلغ خبره جماعة من النكار ‪ ،‬فتشاورا في أمره ‪،‬‬
‫فأجمعوا على أن يختاروا أربعة رجال أهل شدة ونجدة ‪ ،‬فساروا أخر النهار ودخلوا مدينة توزر ‪ ،‬فوقف‬
‫احدهم على باب المدينة وتقدم ثلثة الى السجن وكسروا بابه وقتلوا السجان ‪ ،‬واخرجوا جميع من في‬
‫السجن‪ ،‬فاخرجوا صاحبهم في كبوله‪،‬فحمله أحد الثلثة على ظهره وجرد الخران سيوفهم ‪ ،‬فجعل‬
‫احدهما أمامة والخر وراءه فكل من قام اليهم قتلوه ‪ ،‬حتى خرجوا من المدينة ‪ ،‬فلم يتبعهم أحد‪ .‬فلما‬
‫وصلوا موضعا بين الحامة وتوزر وهناك صخرة حطوه عليها ‪ ،‬وكسروا الكبول ‪ ،‬حتى أطلقوه ‪،‬‬
‫والصخرة معروفة بصخرة ابي يزيد الى اليوم ‪ ،‬فتوجهوا بصاحبهم الى صحراء سماطة قاصدين بني‬
‫درجين ‪ ،‬وكان بها حينئذ عدد كثير زهاء ثمانية عشر ألف فارس ‪ ،‬فيما ذكروا ورجوا أن يمنعوه فلم‬
‫يكترثوا به‪ ،‬إذ كان غير المذهب‪.‬‬

‫فسار من عندهم مستخفيا حتى وصل جبل أوراس‪ ،‬وكان عند اخوانه بالجبل مكرما ولم يزل البحث عنه‬
‫حتى علم موضعه فوجه اليه القاسم بن عبيد ال جيشا عظيما‪ ،‬فحاصروه بجبل أوراس سبع سنين‪،‬‬
‫وبلغت نفوسهم التراقي حتى قال قائلهم لما نزل بهم ما نزل من البلوى والضرر‪ ،‬وقال ‪":‬جبل ل يصعد ‪،‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ومطر سكب‪ ،‬وفتى مستقص‪ ،‬وشيخ ل يثنى ونحن المبتلون"‪ .‬ولما رأى القوم ما نزل بهم اتوا ابا يزيد‪،‬‬
‫وقالوا له قد رأيت ما نزل بنا من هلك هذا الفتى‪ ،‬ول طاقة لنا بمدافعته‪ ،‬ول صبر على أكثر مما أصابنا‬
‫من الضرر‪ ،‬وهلك رجل واحد أيسر من هلك جماعة كبيرة‪ ،‬فقال لهم ابو يزيد امهلوني هذه الليلة‪.‬‬

‫فلما اظلم الليل امر بخمسمائة ثور ‪ ،‬وان يشد بكل قرني ثور حزمة حلفا‪ ،‬وفي ذنبه أخرى‪ ،‬وأمر‬
‫بخمسمائة رجل من أصحابه من ذوي النجدة والبأس واخذوا سلحهم واستاق كل رجل منهم ثوراً ‪ ،‬حتى‬
‫اذا قربوا من العسكر أطلق كل رجل منهم نارا في حلفا ثوره فلما احست الثيران حرارة النيران ‪ ،‬ركضت‬
‫وخاضت العسكر ‪ ،‬والرجال في ساقتها بالسيوف مسلطة ‪ ،‬يضربون بها كل من ادركوه من أهل العسكر ‪،‬‬
‫وجعل ال ذلك سببا لهزيمة العسكر ‪ ،‬فانهزموا وابو يزيد وأصحابه يقتلونهم حتى قتلوا عددا كثيرا ‪ ،‬ولما‬
‫اصبح عرض أبو يزيد عسكره فعرض في اثنى عشر ألف فارس ممن صار اليه من عسكر الشيعة خاصة‬
‫ممن كان عدوه بالمس وسار في طلب عسكرهم ‪ ،‬فتسامعت به القبائل فجاءوة منكل مكان ‪ ،‬وطار إسمه‬
‫في الفاق فاجتمعت له عساكر عظيمة ‪ ،‬حتى عدوا في عسكرة ألف ألف أبلق فيما قيل ‪ ،‬ومعه جماعة‬
‫كبيرة من مزاتة فجعل يفتح المدن والقرى حتى افتتح الساحل كله‪،‬واقبل يريد قسطالية ‪ ،‬التي منها خرج‬
‫فافتتحها ‪ .‬فلما احس من نفسه قوة ورأى كثرة من معه ‪ ،‬قال له بعض عزابته الى متى ننتظر بثأر يزيد‬
‫بن فندين يومى الى امامهم المقتول بتاهرت ‪ ،‬فقال له أبو يزيد أن نحن تخلصنا وتفرغنا من نسج الكساء‬
‫اشتغلنا بفليه‪.‬‬

‫قال وكان حوله جماعة من مزاتة فيهم مسارة بن غني وهو يومئذ رأسهم فسمع مقالة أبي يزيد وفهم‬
‫المثل الذى ضربه ‪ ،‬فقال له‪ :‬ل تظن أن الوهبية خرجوا معك فانهم في مساجدهم وانما خرجنا معك نحن‬
‫نشاركك في أكل هذه الميتة ‪ ،‬فدع ما تحدث به نفسك وال اقتتلنا قتال كلب الحي ‪ ،‬يريد بالميتة الموال‬
‫التي كانوا ينتهبونها ‪،‬ثم أنه سار يريد القاسم بالقيروان ‪ ،‬فكل مدينة وقرية مروا بها اخربها وسبي‬
‫النساء واستباح الموال ‪ ،‬كفعل نافع بن الزرق وغيره من الخوارج ‪ ،‬بل قد زاد عليهم ‪ ،‬وكان ينكر‬
‫عليه‪ ،‬ويقول ان هذا لهو الخروج من الدين ‪ ،‬ولما رأى أبو يزيد ذلك منه خشي أن يفسد عليه قلوب‬
‫العامة ‪ ،‬فامر بقتله ليل‪ ،‬فلم يعلم خبرة ‪ .‬فلما سمع القاسم باقبال ابي يزيد اليه بجنود ل قبل لهم بها خرج‬
‫من القيروان ‪ ،‬يريد المهدية وخلف على القيروان واليا من قبيلة‪.‬‬

‫فلما نزل أبو يزيد على القيروان حاصرها حصارا شديدا حتى أشرف أهلها على الهلك ‪،‬فانهب طائفة من‬
‫المدينة وحاز كثيرا من اطرافها ‪ ،‬والقوا اليه بايديهم ‪ ،‬وخرجوا باجمعهم ال قاضي المدينة ‪،‬فانه انحجز‬
‫في دار المارة بأموال جسيمة فوجه اليه أبو يزيد بان يخرج فأبى أن يخرج ال عن أمان فأمنه فلما خرج‬
‫شاور أبو يزيد في أمره وزراءه فقال أحدهم( وكان يكنى أبا عمارة ) ألم تعلم ما قال في كتاب كليلة‬
‫ودمنه؟ قال وما الذي قال؟ قال ‪ ( :‬ليس شيء اروح للقلب من قتل عدو ‪ ،‬وان بلغ في الضعف النهاية)‬
‫فامر ابو يزيد بقتله فقتل بعد أخذه بالمان ‪،‬واخذ جميع تلك الموال‪.‬‬

‫وذكر أن عدة ما خربت من القرى على يديه في أفريقية ثلثون ألف قرية ‪،‬وفعل في أفريقية من الفسوق‬
‫والفجور والعصيان وأنواع الفساد ما لم تفعله الفراعنة ول أحد من ملوك أهل الكفار‪.‬‬

‫وبلغنا أنه عوتب يوما على ما يفعله أهل عسكره من الفساد واستباحة المحارم ‪،‬فقال ‪:‬وما كفر سليمان‬
‫ولكن الشياطين كفروا "وكان في هذه الحركات كلها يركب على حمار أوتي به من مصر ‪،‬فكان يعجز‬
‫الخيل أن مشى وعدا ‪،‬وبلغنا أن الشيخ أبا القاسم يزيد بن مخلد الوسياني رحمه ال قال يوما وقد وصف‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫له ما اخرب أبو يزيد من البلدان فذكر قومنا فقال لقد فتح فيهم أبو يزيد بابا ‪ ،‬أل أنه لم يحسن السيرة ‪،‬‬
‫وبلغنا أنه مر بعسكره على قابس درهم فامر بافسادها ‪ .‬فاقام عليهم مدة يدمر ويخرب ‪ ،‬فلما أراد‬
‫الرتحال عنها قومت بدرهم ‪،‬فصار يطالب أهل قابس بما بين القيمتين ‪ .‬وبلغنا أنه نزل الساحل فأخذ أهل‬
‫عسكره صبيتين جميلتين ‪ ،‬فجاءته أمهما شاكية ‪ ،‬فقالت له‪ :‬ياشيخ أن العزابة أخذوا ابنتين سبوهما‬
‫وغصبوهما وهما حرتان فلم يجبها ‪ ،‬غير أنه قال ‪ :‬وهل في أفريقية حرة؟ فخافت المرأة على نفسها ‪،‬‬
‫فهربت ونجت بنفسها‪ ،‬وبلغنا عنه أنه ل يبيت كل ليلة ال على اربع ابكار من بنات الحرار‪.‬‬

‫ثم أن أبا يزيد سار من القيروان يريد المهدية حتى نزلها وحاصر بها القاسم زمانا طويل وكان قد نزل‬
‫بالرملة التي بباب المدينة وبني حول المدينة مصلى هو اليوم معروف بمصلى أبي يزيد ‪ ،‬ولم يزل‬
‫محاصراً الى أن توفي القاسم وولى إبنه إسماعيل فسمع ‪ ،‬أهل العسكر بوفاة القاسم‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬

Você também pode gostar