Escolar Documentos
Profissional Documentos
Cultura Documentos
يوسف مكي
التاريخ 21/2/1430 :الموافق | 2009-02-17الزيارات392 :
المختصر /
المختصر /في معرض مناقشاتنا المكثفة للسياسة المريكية في
حقبة الرئيس باراك أوباما ،التي تواصلت قبيل وبعد تنصيبه ،أشرنا
إلى أن الدارة الجديدة سيكون لها مواقف مختلفة عن الدارة
السابقة ،من عدد من القضايا التي تتعلق بمنطقتنا وبأمننا الوطني
والقومي .وأوضحنا أن على رأس الملفات الساخنة التي على الطاولة
النسحاب من العراق ،والملف النووي اليراني ،والتسوية السلمية للصراع
العربي الصهيوني.
سنتناول في هذا الحديث مناقشة موضوعي النسحاب من العراق والملف
اليراني .واختيارنا لمناقشة الملفين ليس صدفة أو اعتباطا ،بل بسبب الترابط
والتجاذب الحاد بين كليهما ،بحيث أصبح حسم أي ملف منهما ،مرتبط بمستوى
التقدم بالملف الخر.
ولعل من الهمية التذكير ،بما سبق أن أكدنا عليه ،في عدد من الحاديث عند
مناقشتنا للسياسة المريكية حيال الملف النووي في عهد الرئيس السابق،
جورج بوش باستحالة قيام إدارته بتوجيه أي ضربة عسكرية ليران ،طالما تواجد
الجيش المريكي في بلد الرافدين.
لقد أوضحنا في حينه أن إفرازات الحتلل المريكي للعراق ،أوجدت واقعا
جديدا تمثل في هيمنة القوى الموالية ليران على مختلف مؤسسات الحكم في
"العراق الجديد" .وأوضحنا أن بلقنة العراق اعتمدت على القسمة الطائفية
والثنية ،وكان من نتائجها توسيع دائرة النفوذ والمناورة ،اليرانية في العراق،
بحيث أصبح من المتعذر على صانع القرار المريكي تبني أي قرار ،ما لم يضع
في حسبانه الموقف اليراني وردود أفعاله من ذلك القرار.
لقد اختلفنا في تحليلتنا ،حول موضوع الملف اليراني ،مع معظم
التحليلت التي توقعت قيام الدارة المريكية بتوجيه ضربة عسكرية
ليران في عهد الرئيس بوش .وأشرنا في حديثنا الذي نشر في 16
يوليو من العام المنصرم ،على هذه الصفحات تحت عنوان مواجهة
استراتيجية أم حرب تحريك إلى أن أسوأ ما يمكن أن تواجهه إيران
عسكريا ،هو قيام الكيان الصهيوني ،بضربة عسكرية محدودة،
ستمتلك إيران القابلية على احتوائها ،وبعد ذلك تتدخل الدارة
المريكية بحوافز اقتصادية وتكنولوجية ،مستخدمة الجزرة والعصا
لجبار إيران على التخلي عن برنامجها النووي ،أو وضعه بشكل
مباشر تحت رقابتها ،أو رقابة حلفائها الوروبيين .وانتهت
الفترتان الرئاسيتان لبوش ،دون اتخاذ أي قرار حاسم تجاه هذا
الموضوع.
أمامنا الن إدارة جديدة ،يقودها الرئيس باراك أوباما .إدارة تطرح الحوار بدل
عن التلويح بالقوة ،وتعلن عن عزمها على اتخاذ قرارات صعبة فيما يتعلق
بالتواجد العسكري المريكي في العراق وأفغانستان ،وتعد باللجوء إلى الحوار
مع إيران ،بدل من المواجهة العسكرية ،ملوحة بتقديم حوافر اقتصادية وعلمية
لليرانيين في حالة تعاونهم مع "المجتمع الدولي".
وإذا ما أخذنا جملة تصريحات أوباما وفريق عمله ،ووضعناها في سياق
موضوعي ومنطقي ،فإن تغيير الخارطة السياسية في العراق ،إما عن طريق
استبدال القوى الطائفية التي يستند عليها الحتلل في مشروعه ،سواء من
خلل ما يدعى بالنتخابات ،أو عن طريق انقلب عسكري محلي ،مدعوم
أمريكيا ،أو اللجوء إلى التفاوض مع المقاومة العراقية ،والتوصل إلى حل مقبول
يضمن استقلل العراق ،وعودته حرا عربيا ...إن تلك المقدمات شروط لزمة ل
مناص عنها ،إذا ما حسمت الدارة المريكية الجديدة موقفها وقررت اعتماد
المواجهة العسكرية مع إيران ،كحل ل بديل عنه.
والواقع أن جملة ما هو متاح أمامنا الن من معلومات ل يتيح لنا
التنبؤ بوجود موعد حسم عسكري لتفكيك المنشآت النووية
اليرانية ،بل يشير إلى أنه سوف يبقى مؤجل لفترة ربما تطول
لعامين قادمين على القل ،من هذا التاريخ .صحيح أن ما هو متوفر
من معلومات عن الوضاع السياسية في العراق ،يؤكد تراجع دور
المجلس السلمي العلى ،الذي يقوده عبد العزيز الحكيم ،وهو
التنظيم الذي يحظى برعاية خاصة من صانع القرار اليراني ،لكن
حزب الدعوة الذي يقوده المالكي ،الذي حظي بنصيب وافر من
الكعكة في "النتخابات" الخيرة ،هو الخر حليف للقيادة اليرانية،
وإن كان ذلك بنسبة أقل.
معنى ذلك أن إدارة الرئيس أوباما ل تزال تواجه موقفا سياسيا صعبا في
العراق وإيران معا .فهذه الدارة ل ترغب بكل تأكيد ،أن تنسحب من العراق،
وتتركه لحلفاء إيران .ومحاولتها حتى الن ليصال إياد علوي ومجموعته ،ممن
يعتبرون ليبراليين ومنسجمين في توجهاتهم مع المريكيين ،ول يحظون بحماية
إيرانية قد فشلت "ديموقراطيا" حتى الن .ولذلك فإن تغيير واقع الحال يقتضي
اللجوء لسيناريوهات بديلة.
وإذا لم تتمكن الدارة المريكية من تحقيق تفاهمات مع المقاومة العراقية،
وفي حالة فشل محاولتها السلمية مع إيران ،فإنها ستجد نفسها مجبرة على
النسحاب ،دون قيد أو شرط من العراق ،وتركه يغرق في فوضى خلقة ،وأتون
حرب أهلية لن يتمكن أحد من حسمها غير المقاومة العراقية .في هذه الحالة
فقط ،سيكون بمقدور الدارة المريكية اتخاذ موقف عسكري حاسم من الملف
اليراني ،أو التنسيق مع إسرائيل لتقوم بالوكالة بتنفيذ الضربة ،مدعومة بتأييد
ودعم سياسي وعسكري من المريكيين وحلفائهم في أوروبا.
إن لدينا جملة من القرارات والتصريحات تؤكد أن ورطة إدارة أوباما ،وحماسه
تجاه تفكيك المنشآت النووية اليرانية ،ل تقل عن تلك التي واجهها سلفه
الرئيس ،بوش.
وفي هذا السياق ،يأتي تعيين أوباما للسيد ،دينيس روس ،المعروف
بعلقاته الوثيقة مع الكيان الصهيوني ،بتولي الملف اليراني كدليل
واضح وجلي عن مدى اهتمام إدارة الرئيس الجديد بهذا الملف .كان
روس في عهد الرئيس ،كلينتون مبعوثا للسلم في الشرق
الوسط .وخلل فترة توليه لهذه المهمة ،أثبت ولء منقطع النظير
لسرائيل .وقد كشفت دورية "نيلسون ريبورت" ،التي تتمتع
بحظوة وثقة كبيرة في الوساط السياسية المريكية ،أن روس ،هو
أحد مؤسسي معهد واشنطن لسياسات الشرق الدنى ،الذراع
البحثي لمنظمة إيباك اليهودية ،كبرى منظمات اللوبي السرائيلي
في أمريكا.
إن تعيين السيد دينيس يأتي دون شك لطمأنة السرائيليين ،والتأكيد لهم أن
ملف إيران هو في الولوية من سلم اهتمامات الدارة المريكية الجديدة .وفي
هذا السياق ،يرى المحلل المريكي البارز ،السيد جيم لوب أن تولي روس
للملف اليراني سيؤدي إلى موقف أمريكي متشدد من ِقبل إدارة أوباما تجاه
إيران .وسوف تبقى "إسرائيل" من خلل نفوذها بإدارة الرئيس أوباما تضغط
بقوة للتشدد في التعامل مع إيران .وهناك من يرى أنها ربما تبادر إلى القيام
بضربة ليران دون التشاور مع الدارة المريكية ،ولكن سياق الحوادث التاريخية
السابقة ،منذ نهاية العدوان الثلثي على مصر عام ،1956حتى الوقت الحاضر،
يشير إلى استحالة إقدامها منفردة ،بذلك ،دونما تنسيق مسبق مع حلفائها
الستراتيجيين.
إن ما يدعم رأينا في أولولية الملف اليراني بالنسبة للدارة
المريكية الجديدة هو أن الرئيس أوباما ،رغم تأكيده لهمية الحوار
مع اليرانيين ،فإنه من جهة أخرى ،وكما أشار في مقابلة له مع
قناة "إن بي سي" إلى أنه يعرض على اليرانيين خيارا واضحا،
يترك لهم أن "يختاروا بأنفسهم إن كانوا يريدون الطريق السهل
أم الطريق الوعر" ،مضيفا أنه يود أن تفهم إيران أن تطويرها
برنامجا نوويا أمر "غير مقبول".
وفي التجاه ذاته ،تناقلت وكالت النباء أن فريق أوباما عقد اجتماعا مطول مع
مجموعات يهودية أمريكية في واشنطن ،قبيل تنصيبه للبحث في قضايا رئيسية،
بينها الملف اليراني وعملية السلم بالشرق الوسط .ونقلت مصادر مقربة
لصحيفة »الحياة« أن فريق الرئيس الجديد أكد أولوية معالجة الملف اليراني
وتفعيل الوسائل الدبلوماسية وليس فقط العسكرية حيال طهران ،وأكد أن
الملف سيبقى في سلم أولويات الدارة الجديدة ،وسيبقى كذلك حتى إيجاد حل
للمعضلة النووية.
فيما يتعلق بالعراق ،تحاول الدارة المريكية الجديدة أن تغلف سياستها
المستقبلية ،وبخاصة موضوع النسحاب العسكري بالغموض من خلل تباين
التصريحات .فحسب وكالة رويترز ،أبدى وزير الدفاع المريكي روبرت غيتس
ليونة تجاه جدول النسحاب من العراق وفق رؤية أوباما ،لكنه لم يؤيد بشكل
واضح انسحابا سريعا من بلد الرافدين ،معتبرا فترة 16شهرا ،غير كافية
لتحقيق النسحاب .وقال في مؤتمر صحفي بواشنطون إنه ليس مهتما بالجدول
الزمني ،وإن القادة العسكريين ينظرون في الليات الممكنة لتسريع النسحاب
بما يحقق اللتزامات المريكية للعراقيين .وفي وقت آخر ،أشار إلى أنه يريد
انسحابا متعقل ،لكنه جاهز للستماع إلى قادته .وكانت الخلفات بين الرئيس
الجديد ووزير دفاعه حول سرعة النسحاب من العراق موضوعا وصفه جيتس
بأنه "فريد" ،خاصة أنه أول وزير دفاع أمريكي يبقى في منصبه خلل تغير
إدارتين رئاسيتين.
وقال جيتس إنه يعتقد أن "الرئيس المنتخب أوضح بجلء أنه يريد
حوله فريقا من الشخاص الذي سيقولون له ما يعتقدونه
وسيعطونه أفضل نصائحهم .وأعتقد أنه حقق ذلك".
لن ننتظر طويل حتى تتضح ملمح السياسة المريكية في العراق
بالمرحلة القادمة .فحسب صحيفة"،ماك كلتشي إن أوباما سيعلن
استراتيجيته في العراق على الرجح منتصف مارس القادم .لكن
العلن على أية حال ،لن يكون القول الفصل ،فالمنطقة ل تزال
حبلى بأعاصير وبراكين ،والعراقيون لن يقبلوا أبدا بأقل من
الستقلل التام.
وتبقى هناك في هذا الموضوع قضايا كثيرة جديرة بالمناقشة ،علنا نتمكن من
تناولها في أحاديث قادمة بإذن الله.
المصدر :الوطن السعودية