التاريخ 26/2/1430 :الموافق | 2009-02-22الزيارات315 : المختصر / المختصر /ما زلت أذكر قصة طريفة سمعتها في صغري ,عن لئيمين دخل أحد المطاعم و طلبا طعاما ً ,فلما انتهيا من تناول الطعام ,تشاورا في كيفية التهرب من دفع الحساب ,ثم اهتدى أحدهما إلى فكرة عجيبة ما لبث الخر أن وافقه عليها ,عندها بادر أحدهما برفع صوته بالسب و الشتم لصاحبه ,فقابله ب أقذع و أشنع ,و هنا تعالت الصوات و تتابعت اللعنات ,فجاء عمال الخر بس ٍ المطعم يستوضحون المر ,فوجدوا المعركة الكلمية مشتعلة ,و الرجلين على وشك القتتال ,فحاولوا عندئذ أن يحجزوا بينهما ,إل أن ذلك لم يزدهما إل صراخا و تلعنا ً ,ثم أن أحدهما ضرب صاحبه وهرب خارج المطعم ,فلحقه الخر حامل ً " قارورة الشطة " و هو يدعوا عليه بالويل و الثبور ,و ما لبثا أن اختفيا عن النظار ,و عندها وجد عمال المطعم أنفسهم يتبادلون نظرات ً الستغراب المتسائلة عن حقيقة و أسباب ما جرى ,بيد أنهم اتفقوا أخيرا على أن الشيء الواضح و المفهوم لديهم أنهم قد خسروا قيمة ذلك الغداء بالضافة إلى " الشطة "! أتذكر هذه القصة دائما عندما أجدني و أجد الكثيرين غيري حائرون في تفسير طبيعة علقة إيران بأمريكا ,أو بابنتها المدللة إسرائيل ! فبينما كانت الحرب الكلمية بين البلدين في ذروتها في ثمانينيات القرن الماضي ,وبينما كان الخميني و أتباعه يصبون لعناتهم على ما يسمونه بـ " الشيطان الكبر " ,كان الرئيس اليراني أبو الحسن بني صدر يعقد اتفاقا ً ,في باريس مع نائب الرئيس المريكي " بوش الب " وبحضور مندوب الموساد " آري بن ميناشيا " ,لتزويد إيران بأنواع متطورة من السلح المريكي ,عن طريق إسرائيل , ليستخدمها الجيش اليراني في حربه ضد العراق و ذلك مقابل مبلغ مقداره 1,217,410دولر أمريكي . وبينما كان الرئيس المريكي "بوش البن " يهاجم النظام اليراني و يتوعده , كانت قواته في العراق تتولي حراسة الرئيس اليراني منذ وصوله إلى مطار بغداد و حتى مغادرته .وبينما تهدد السلطات اليرانية بإغلق مكتب "قناة العربية" في طهران ,و يهاجم عبد الرحمن الرشد " مدير القناة " إيران بمقالت نارية ,نجد هذه القناة ل تمل من عرض دعايات الحكومة العراقية " البغدادية القامة الطهرانية المولد و النشأة " ! فكيف لنا أن نفهم هذا التناقض بين ما يشاع من حجم العداء الهائل بين تلك البلدان ,و بين ما ُيفعل و ُيمارس على أرض الواقع ؟ زد على ذلك ما يحدث بين فترة و أخرى من تسريبات و كشف عن بعض الوثائق القديمة ,و التي توضح حقيقة بعض الحداث ,كما في تلك الوثائق التي أفرج عنها أرشيف المن القومي المريكي و المتعلقة بفضيحة "إيران-كونترا". أو ما يحدث من فلتات لسانية لبعض المسئولين ,كما قال نائب الرئيس اليراني للشؤون القانونية و البرلمانية في ختام مؤتمر " الخليج و تحديات المستقبل " و الذي عقد بإمارة أبو ظبي بتاريخ ) : 2004-1-13إن إيران قدمت الكثير من العون للمريكيين في حربهم ضد أفغانستان و العراق ,و إنه لول التعاون اليراني لما سقطت كابول و بغداد بهذه السهولة ( و كما يقول "شارون" في مذكراته ) :لم أر في الشيعة أعداء لسرائيل على المدى البعيد , عدونا الحقيقي هو المنظمات الرهابية الفلسطينية ( " مذكرات شارون ,ترجمة أنطوان عبيد -ص . " 576 أو ما صرح به وزير الخارجية في حكومة نتنياهو "ديفيد ليفي" حيث قال) :إن إسرائيل لم تقل في يوم من اليام أن إيران هي العدو( " جريدة هارتس اليهودية "1/6/1997 و الواقع أني لست هنا في معرض التتبع لمثل هذه الوثائق أو التصريحات ,و أظن أن من أراد ذلك فلن يصعب عليه ,فهناك عشرات الوثائق و المقالت التي تناولت هذا الجانب ) , (1و ما أريد الشارة إليه هو أنه ما زال هناك الكثيرين منا يعتقد بأن إيران هي حاملة راية الجهاد و المقاومة ضد أمريكا و إسرائيل ,و المصيبة أن ذلك ليس قاصرا ً على العوام ,بل يتعداه إلى طبقات من المثقفين . و مع تسليمي بعدم وجود عداء حقيقي بين إيران و أمريكا أو إسرائيل ,إل أني ل أستطيع نفي و جود نقاط خلف طبيعية بينهما من قبيل خلفات المصالح و حسابات النفوذ و السيطرة ,إل أن الواضح أن تلك الدول قادرة و باحترافية سياسية عالية على تجاوز نقاط الخلف ,أو على القل تحييدها و تأجيلها إلى وقت لحق ,و التركيز على القضايا الستراتيجية المشتركة . و في ظني ,و الله اعلم ,أن من مصلحة أمريكا و إسرائيل أن تبدو إيران في موقع المقاومة و العداء المطلق لهما ,و أن تتزعم ما يسمى بمعسكر الممانعة ,لن ذلك يحقق هدفين مزدوجين : الول :و هو ما يعبر عنه البعض بالحاجة الوجودية لسرائيل ،فمن المعلوم أن إسرائيل تحب أن تبدو دائما بمظهر الضعيف المحدق به الخطر و المحاط بسياج من الدول المعادية ,مما يمكنها من الحصول على مساعدات و أسلحة الدول الغربية الكبرى و بخاصة أمريكا ,و قد رأينا كيف تحالف العالم بأسره معها لمنع تهريب السلح لحماس ,و لذلك فهي تستغل تصريحات المسئولين اليرانيين الذين يتوعدون بإزالتها من على الخارطة لقناع الرأي العام الغربي بحاجتها للدعم المستمر ,و كذلك لجعله يتفهم ما تقوم به من أعمال إرهابية ضد المدنيين في فلسطين أو لبنان . الثاني ) :و هو ما قد يغفل عن الكثيرين( تلميع المذهب الشيعي الذي تتبناه إيران وتراهن عليه مع تلك القوى في مزاحمة السلم السني الغير متسامح مع المشروع الغربي ,و يتم ذلك عبر تقديم المذهب الشيعي كمذهب يقوم في الساس على مبدأ المقاومة و الجهاد للمحتل دون مواربة ,و قد لمسنا تأثر البعض منا ) ول أقصد العوام فقط ( بخطابات نصر الله النارية ضد إسرائيل ! بل وصل المر إلى حدوث انقلب من بعض السلميين ضد مشايخهم ,كل ذلك دفاعا ً عن إيران )المقاومة( ! كما في أزمة الشيخ القرضاوي مع الصحافة اليرانية ,و من شأن هذا الهدف في حال تحققه إحداث نوع من التوازن المذهبي في المنطقة ,و هذا يعد بل شك هدفا ً مشتركا ً لكل الطراف . و ل تزال الوقائع تؤكد لنا أن العداء اليراني لمريكا و إسرائيل يبقى في أكثره مجرد تصريحات و تهديدات فارغة ل يسندها تحرك حقيقي ,عدا ما يكون من تحركات تكتيكية ,و أعني بالتحديد مواجهات حزب الله مع إسرائيل ,و التي ثبت أنها مواجهات تكتيكية مقننة و مرتبطة بالحسابات اليرانية فحسب ,و ليس الهدف من ورائها نصر للمة ,و إل فما تفسير تفرج حزب الله على ما حدث في غزة ,بل و المسارعة في نفي تورطه في عمليات إطلق الصواريخ من جنوب لبنان؟ ,ولذلك فهناك من المتابعين من يرى بأن حزب الله أريد له أن يوجد في جنوب لبنان كبديل للميلشيات النصرانية التي فشلت في الحد من نشاط الفصائل الفلسطينية في لبنان ,ذاك أنه يرفض التحالف مع تلك الفصائل ,بل و ل يسمح لها بالوصول إلى نقاط التماس مع العدو. و أما ما نشاهده من احتفاء إيران بقيادات حماس و فتح أذرعتها لقادة الجهاد في فلسطين ,فل يعدو كونه مناورات و تقية سياسية ,أحسب أن الخوة في حماس أذكى من أن تنطلي عليهم ,فإيران ل تعطي شيئا ً لوجه الله ,و من قتل الفلسطينيين و شردهم في العراق و ألجأهم إلى ترك بيوتهم و العيش في العراء ,ل يمكن أن يرحمهم في فلسطين ,و لو كانت إيران صادقة في دعمها لحماس لنفذت و عدها الذي قطعته إبان فوز حماس بالنتخابات ,و المتمثل في إعطاءها مبلغ خمسين مليون دولر! و يبقى أن الذي أعطى الفرصة كاملة ليران للمتاجرة بالقضية الفلسطينية وتزعم الساحة السلمية ,هو الموقف العربي السلبي تجاه المقاومة و تراجع الدور الريادي لبعض الدول العربية . و بمناسبة ذكرى الثورة الخمينية أسألك أيها القارئ الكريم : كم عدد الحروب التي اندلعت بين إيران و أمريكا أو إسرائيل منذ انطلقة الثورة حتى الن؟ ضربت مواقع إستراتيجية دع هذا السؤال و أجبني :هل حدث أن ُ إيرانية على غرار ما حدث للمفاعل العراقي؟ الواقع يشهد أن أمريكا إنما خاضت الحروب ضد أعداء إيران التاريخيين , أفغانستان التي مازالت مشاعر الغضب الطائفي والعنصري اليراني تتأجج ضدها ,بسبب عقدة سقوط الدولة الصفوية على يد الفغان الغلزائين )-1722 1729م( بقيادة "المير محمود" ,و العراق الذي تصدى للزحف الصفوي الجديد بقيادة الخميني ,بينما بقيت إيران في مأمن بفضل قدرتها على الستفادة من نقاط اللتقاء بين مشروعها التوسعي و المشروع الغربي ,في ظل غياب شبه كامل لمشروع عربي إسلمي . أما ما يربط إيران بإسرائيل تحديدا ً ,فهناك من يرى أنه أبعد من تاريخ تأسيس الدولتين ,إذ ل يزال اليهود يشعرون بالمنة التاريخية للفرس ,وذلك بسبب تخليص القائد الفارسي " قورش الكبير " وجدت منظمات شبابية يهودية لليهود من السبي البابلي ,و قد ُ تعيش في طهران تحت اسم"قورش الكبير" ! و يمكن اعتبار مرحلة حكم الشاة بأنها الفترة التي شهدت أكبر وضوح لطبيعة العلقة بين إيران و إسرائيل ,قبل انطلق " التقية " أو الثورة الخمينية التي لم تغير في حقيقة العلقة الشيء الكثير ,و الغريب أن يكون اليهود الفرس هم الكثـر سفكا ً لدماء الفلسطينيين من غيرهم ,فنائب رئيس الحكومة السرائيلية "شاؤول موفاز" صاحب الخطة العسكرية لمواجهة النتفاضة و التي كانت نتيجتها مجزرة نابلس وجنين هو فارسي من مواليد طهران عام ،1948و قد هاجرت أسرته إلى فلسطين عام ,1957و "دان حالوتس" رئيس القوات الجوية السرائيلية السابق و الملقب بـ"جنرال الغتيالت" ,و الذي كانت أبشع مجازره في يوليو 2002حينما أعطى أوامر بقصف مبنى سكني لغتيال أحد قادة حركة حماس واستشهد في تلك المجزرة 14مدنيا بينهم 9أطفال ,ينتمي هو الخر لعائلة يهودية مهاجرة من "هاجور" اليرانية . و ختاما ً ,فإن من الواجب علينا كعرب و مسلمين أن نفهم أننا مستهدفون ,و أننا واقعون بين مطرقة و سندان مشروعين خطيرين ل يقل أحدهما خطورة عن الخر ,و أن علينا كذلك أن نفهم أنه ل يوجد عداء حقيقي بين أطراف تلك المشاريع ,بل ل يوجد ما يبرر ذلك العداء أصل ً ,و أقصى ما يمكن أن يكون هو وجود خلف مصلحي أو تنافس على مناطق النفوذ ,و هذا النوع من الخلف يمكن أن تحله الصفقات السياسية ,بعكس الخلف ) اليدلوجي ( الذي ل يمكن للصفقات السياسية إنهاءه ,وهذا ينسحب على خلفات التيارات المنبثقة عن هذين المشروعين و الموجودة في عالمنا العربي و بخاصة في دول الخليج ,و لذلك فمن السهولة عليك ملحظة التعاون و التنسيق بين التيارات التغريبية و الطائفية في تلك البلدان ضد التيارات السنية وبخاصة السلفي ,و يبقى المل في عودة مشروعنا العربي السلمي الحضاري مصدر قوتنا و سر مدافعتنا لتلك المشاريع المعادية. ـــــــــــــــــــ انظر على سبيل المثال " :قصة التعاون اليراني السرائيلي " لعز الدين بن حسين القوطالي المصدر :شبكة القلم الفكرية