Você está na página 1de 4

‫حرب ل صمدنا فيها ول تصّدينا ‪/‬فهمي هويدي‬

‫التاريخ‪ 20/3/1430 :‬الموافق ‪ | 2009-03-17‬الزيارات‪257 :‬‬


‫المختصر ‪/‬‬
‫المختصر ‪ /‬في حرب الفكار نحن ل صمدنا ول تصدينا‪ ،‬وإنما استسلمنا بسرعة‬
‫غريبة‪ ،‬جعلت أغلب الصحف العربية تحمل إلينا كل صباح أنباء انكسارنا‬
‫وهزيمتنا‪.‬‬
‫)‪(١‬‬
‫في الرابع من شهر يناير الماضي نشرت »الوبزرفر« البريطانية‬
‫تقريرا لم ننتبه إليه في حينه‪ ،‬ذكر أنه مع بداية الحرب على غزة‬
‫بادرت الحكومة السرائيلية إلى إنشاء إدارة خاصة للتأثير على‬
‫وسائل العلم المختلفة‪ ،‬رأسها دان جيلرمان السفير السرائيلي‬
‫السابق لدى المم المتحدة‪ ،‬وعاونه في مهمته ممثلون عن وزارتي‬
‫الخارجية والدفاع ومكتب رئيس الوزراء إضافة إلى الجهزة المنية‬
‫التابعة للجيش والشرطة‪ .‬وأضافت الصحيفة أنه ما أن بدأت الحرب حتى‬
‫بادر فيض من الدبلوماسيين ومجموعات الضغط والمدونات اللكترونية ومختلف‬
‫العناصر المؤيدة لسرائيل بإغراق وسائل العلم المختلفة بسلسلة من‬
‫"الرسائل" التي تمت بلورتها بدقة مسبقا‪ .‬وكان هدف الجميع هو تبرير الموقف‬
‫السرائيلي والدفاع عنه‪.‬‬
‫هذا الجهاز كانت مهمته الحقيقية هي الكذب والتدليس ومحاولة‬
‫التستر على الوجه القبيح للحرب الجرامية‪ ،‬بالدعاء تارة أن ما‬
‫أقدمت عليه إسرائيل كان دفاعا عن النفس )و هو الموقف الذي‬
‫انحاز إليه الكونجرس ودول التحاد الوروبي( وتارة أخرى باتهام‬
‫حماس بأنها هي التي خرقت الهدنة‪ ،‬وأن صواريخها هي التي‬
‫تسببت في إغلق المعابر وحرمان سكان القطاع من احتياجاتهم‬
‫المعيشية‪ .‬ومن أشهر الدعاءات التي روج لها الجهاز أيضا أن إسرائيل ل‬
‫تستهدف الفلسطينيين وإنما تريد وقف "الرهاب" الذي تمارسه حماس‪ ،‬وأنها‬
‫في الوقت ذاته تريد ضرب "النفوذ اليراني" الذي وصل إلى غزة في وجودها‪.‬‬
‫هذه الكاذيب استفّزت اثنين من الباحثين الغربيين المحترمين‪،‬‬
‫فتصديا لتفنيدها‪ ،‬وكشف الغش والخداع فيها‪ .‬كان أولهما اليهودي‬
‫المريكي هنري سيجمان الذي نشر مقال تحت عنوان »الكاذيب‬
‫السرائيلية« في مجلة »لندن ريفيو أوف بوكس« )‪ .(٢٩/١‬أما الثاني‬
‫فهو الفرنسي دومينيك فيدال‪ ،‬الذي نشرت له مجلة »لومند‬
‫دبلوماتيك« )عدد أول فبراير( مقال تحت عنوان »كلما كانت الكذبة‬
‫كبيرة«‪ .‬موقف المقالين واضح في عنوانيهما‪ ،‬أما مضمونهما فقد‬
‫كان كاشفا ومفحما‪ ،‬ومن ثم فاضحا للكذب والجرام السرائيليين‪.‬‬
‫)‪(٢‬‬
‫هذه الخلفية تستدعي ملحظتين‪ ،‬أمر بهما بسرعة قبل أن أصل إلى مقصود‬
‫الكلم ومراده‪ .‬الملحظة الولى تفاجئنا وتفجعنا في ذات الوقت‪ .‬وهي أن‬
‫العلم المصري الرسمي والسعودي بوجه أخص ومعهما عدد من المثقفين‬
‫العرب وقعوا في الفخ‪ ،‬وكانوا في مقدمة الذين تأثروا بحملة الجهاز العلمي‬
‫السرائيلي بدرجة كبيرة‪ ،‬حتى أتمنى أن يفرغ أي باحث بعض الوقت لرصد‬
‫عناوين وأخبار وتعليقات الصحف الصادرة في فترة الحرب على غزة ليكتشف‬
‫مدى تأثرها بتلك الحملة‪ .‬وللتذكير فقط فإن إعلمنا وبعض مسؤولينا هم الذين‬
‫لم يكفوا طول الوقت عن ترديد الدعاء الذي أثبت المقالن اللذان أشرت‬
‫إليهما كذبه‪ ،‬والقاضي بأن حماس هي التي خرقت التهدئة‪ ،‬وهم من شدد من‬
‫الحملة على حماس بأكثر مما تضامنوا معها في مواجهة العدو السرائيلي‪ .‬وهم‬
‫من ظلوا يوحون بأن حماس أداة في يد إيران وجزء من المشروع »الفارسي«‪،‬‬
‫حتى أن مسؤول مصريا ذهب في تصديقه لهذه الدسيسة إلى حد ادعائه بأن‬
‫إيران بوجودها المزعوم في غزة أصبحت ترابط على الحدود المصرية!‬
‫الملحظة الثانية أن ما أقدمت عليه إسرائيل أثناء الحرب على غزة ليس‬
‫اختراعا جديدا‪ ،‬ولكنه أسلوب متعارف عليه في الصراعات الدولية‪ ،‬التي‬
‫أصبحت الحرب النفسية إحدى جبهاتها الساسية‪ .‬وهو ما يوثقه باقتدار كبير‬
‫كتاب »الحرب الباردة الثقافية« لمؤلفته فرانسيس ستونز سوندرس )ترجمه‬
‫إلى العربية طلعت الشايب(‪ ،‬الذى كان موضوعه الساسي تتبع الدور الذي‬
‫لبعته المخابرات المركزية المريكية في التصدى للتحاد السوفياتي والشيوعية‪،‬‬
‫في مجالي الفنون والداب‪ ،‬وكيف أنها نشطت في تلك الساحة عقب انتهاء‬
‫الحرب العالمية الثانية‪ ،‬ومنذ إنشاء المخابرات في عام ‪ ١٩٧٤‬كانت الصحف‬
‫والكتب والذاعات والحفلت الموسيقية والعروض الفنية المختلفة هي وسيلتها‬
‫إلى ذلك‪ .‬ومن بين الواجهات التي أقامتها المخابرات المركزية‬
‫»كونجرس الحرية الثقافية« )عام ‪ (١٩٥٠‬الذي تحول لحقا إلى‬
‫»التحاد الدولي للحرية الثقافية«‪ ،‬وأنشأ فروعا في ‪ ٣٥‬دولة‪ ،‬كما‬
‫أصدر أكثر من عشرين مجلة ثقافية محترمة في مختلف أنحاء‬
‫العالم‪ ،‬كانت كلها تروج للنموذج المريكي وتنفر من الشيوعية‪ .‬كما‬
‫كانت المخابرات المريكية وراء إنشاء »نادي القلم الدولي« في‬
‫منتصف الستينيات‪ ،‬الذي مد أذرعه إلى ‪ ٥٥‬دولة‪ ،‬وأسس فيها ‪٧٦‬‬
‫فرعا‪ ،‬كانت كلها ذات أنشطة »ثقافية« استهدفت كسب معركة‬
‫واشنطن ضد موسكو‪.‬‬
‫)‪(٣‬‬
‫في أول شهر فبراير الماضي نشرت صحيفة »الشروق« مقال للدكتور محمد‬
‫السيد سليم أستاذ العلوم السياسية كان عنوانه‪» :‬الحرب على غزة‪ ،‬أو العدوان‬
‫بالمصطلحات«‪ ،‬عرض فيه للفكرة التي نحاول إبرازها هنا‪ ،‬حيث دعا الجميع إلى‬
‫ضرورة التدقيق في المصطلحات التي يسربها الغربيون والصهاينة إلى خطابنا‬
‫العلمي والسياسي‪ ،‬سواء للتغطية على الحتلل أو لضفاء شرعية عليه‪.‬‬
‫وأشار في مقاله إلى أن الحرب بالمصطلحات في الوطن العربي بدأت مع‬
‫زيارة هنري كسنجر للمنطقة في عام ‪ ،١٩٧٣‬حيث استخدم لول مرة مصطلح‬
‫»عملية السلم« في الشرق الوسط‪ ،‬الذي لم يكن يعني إقامة السلم بقدر ما‬
‫يعني عقد سلسلة من الجراءات المتتالية تنتهي بإقرار السلم يوما ما‪ .‬قد‬
‫يجيء أو ل يجيء )بدليل أنها مستمرة إلى الن ولم يتحقق من السلم شيء(‪.‬‬
‫وكانت النتيجة أن »العملية« بمعنى المفاوضات والمشاورات والجولت‬
‫المريكية استمرت‪ ،‬لكن السلم لم يتحقق‪ .‬قس على ذلك مصطلحات أخرى‬
‫عديدة ظاهرها يوحي بشيء في حين أنه يضمر شيئا آخر‪ .‬فإسرائيل ل تنسحب‬
‫مما تزعمه أرضا لها في سيناء‪ ،‬ولكن ذلك يعتبر من جانبها مجرد »إعادة‬
‫انتشار« أو فض اشتباك‪ .‬كما أن »المستوطنات« وصف خادع أريد به تجميل‬
‫وجه المستعمرات‪ .‬والتطبيع مصطلح خبيث وملتبس‪ ،‬لن العلقات‬
‫الطبيعية بين الدول تحتمل معنيين أحدهما يقوم على التعاون‬
‫السلمي والثاني قد يكون صراعيا‪ ،‬لكنه في المناخ الراهن أصبح‬
‫ينطبق على حالة واحدة هي التعاون السلمي‪ ،‬المر الذي يعتبر‬
‫المقاومة سلوكا »غير طبيعي« ‪ ..‬وهكذا‪.‬‬
‫الملحظة المهمة التي خلص بها الدكتور سليم من استعراضه لنماذج اللعب‬
‫بالمصطلحات في الصراع العربي‪-‬السرائيلي بوجه أخص‪ ،‬هي أن اللغة تستخدم‬
‫كأداة للتضليل والبهام‪ ،‬وليس كأداة للتوصيل‪ .‬بمعنى أن المصطلحات‬
‫المستخدمة عادة ما تخفي في طياتها أهدافا شريرة‪ ،‬في حين يبدو ظاهرها‬
‫بريئا وناعما‪ .‬وهو ما ينطبق على قائمة طويلة من المصطلحات التي أصبحت‬
‫تتردد على ألسنة مسؤولينا وتتناقلها وسائل إعلمنا كل يوم‪.‬‬
‫)‪(٤‬‬
‫خذ مثل مصطلح »التهدئة« الذي أشرت إليه في مقال سابق‪ .‬إذ‬
‫استخدم في مطالبة المقاومة بتجميد حقها في الدفاع عن نفسها‬
‫في مواجهة الحتلل‪ ،‬ومن ثم وقف إطلق الصواريخ ضد العدو‪،‬‬
‫مقابل فك الحصار عن قطاع غزة‪ ،‬ولن المصطلح ل أصل له في‬
‫القانون ول في العراف الدبلوماسية‪ ،‬فقد عملت إسرائيل على‬
‫»تفصيله« في ضوء موازين القوة الراهنة‪ ،‬بحيث تصبح التهدئة‬
‫واجبا يلزم المقاومة الفلسطينية وحدها‪ ،‬ول يلزمها هي في شيء‪،‬‬
‫باعتبارها الطرف القوى عسكريا‪ .‬وكانت النتيجة أن صورايخ‬
‫المقاومة سكتت في حين استمر الحصار وتواصلت عمليات‬
‫التصفية التي قامت بها إسرائيل في القطاع‪.‬‬
‫المدهش في المر أن فصائل المقاومة حين قالت إنها ل تقبل باللتزام بالتهدئة‬
‫في ظل استمرار الحصار والعدوان‪ ،‬فإن بعض العواصم والبواق العربية توجهت‬
‫إليها باللوم والتهام‪.‬‬
‫خذ كذلك تلك الدعوة الغريبة إلى الوقف الدائم لطلق النار‪ ،‬التي تبدو في‬
‫ظاهرها إعلنا عن الرغبة في إحلل السلم والوئام في فلسطين‪ ،‬قد تلقى‬
‫ترحيبا وأذنا صاغية في الوساط الغربية‪ ،‬إل أنها تعبر في جوهرها عن درجة‬
‫عالية من الصفاقة‪ ،‬ذلك أنها تطالب المقاومة بإلقاء سلحها‪ ،‬والستقالة من‬
‫دورها‪ ،‬و»نبذ« فكرة تحرير البلد من الحتلل‪.‬‬
‫خذ أيضا مصطلح »وقف تهريب السلح« إلى غزة‪ ،‬وهي الدعوة التي أطلقتها‬
‫إسرائيل مؤخرًا‪ ،‬وحركت لجلها الدول الغربية التي استنفرت لهذه الغاية‪،‬‬
‫وتنافست في إرسال سفنها وبوارجها لمراقبة مختلف المنافذ التي يمكن أن‬
‫يصل منها السلح إلى القطاع‪ .‬وهي دعوة خبيثة ل نفهم كيف مررتها العواصم‬
‫العربية وسكتت عليها‪ .‬ووجه الخبث فيها واضح‪ .‬ذلك أنها تعني حرمان المقاومة‬
‫الفلسطينية من حقها في الدفاع عن نفسها لتحرير الرض المحتلة‪ ،‬الذي كفلته‬
‫لها كافة المواثيق والتفاقات الدولية‪ .‬ثم إنها تخدع الجميع موحية لهم بأن‬
‫المشكلة في فلسطين هي تهريب السلح وليس الحتلل الذي اضطر الناس‬
‫إلى الحصول على السلح بكل السبل لمقاومته‪.‬‬
‫خذ أيضا مسألة »المجتمع الدولي«‪ ،‬الذي دعا أبو مازن إلى ضرورة‬
‫استجلب موافقته على أي حكومة وطنية تتشكل في فلسطين‪.‬‬
‫ويلحق به مصطلح »الشرعية الدولية«‪ .‬وكل منهما ل يخلو من رنين‬
‫جذاب‪ ،‬لكنه عند تفكيكه ل يعدو أن يكون إرادة أمريكية تحركها‬
‫المصالح والحسابات السرائيلية‪) .‬للعلم فإن حق مقاومة الحتلل‬
‫بكل السبل يستند إلى الشرعية الدولية وكذلك قرار محكمة العدل‬
‫الدولية ببطلن إقامة الجدار والمستوطنات في الرض المحتلة‪،‬‬
‫وقد أورد عدد أول فبراير من مجلة »لومند دبلوماتيك« قائمة بـ ‪٣٥‬‬
‫قرارا لمجلس المن‪ ،‬والجمعية العامة انتهكتها إسرائيل أو‬
‫رفضتها(‪ .‬هذان المصطلحان يفقدان حجيتهما وهيبتهما حينما نكتشف أنهما‬
‫يشكلن غطاء للمطالب السرائيلية في العتراف بها وبمنع المقاومة والقرار‬
‫بالتنازلت التي سبق تقديمها لسرائيل‪ .‬ومن حقنا في هذه الحالة أن نطالب‬
‫بتنفيد كل قرارات الشرعية الدولية الخرى‪ ،‬بغير انتقاء أو استعباط‪.‬‬
‫خذ أخيرا مصطلح »الدول المعتدلة«‪ ،‬التي ما برح السرائيليون‬
‫يتحدثون عن التعاون معها والحفاوة بها في العالم العربي‪ ،‬حتى‬
‫دعت وزيرة الخارجية تسيبي ليفني إلى مساندتها في لقائها في‬
‫‪ ٢\٢٦‬مع المبعوث المريكي جورج ميتشل‪ .‬ذلك أن مصطلح‬
‫العتدال يفقد براءته ونزاهته حين يصبح شهادة إسرائيلية لبعض‬
‫النظمة العربية‪ ،‬المر الذي يسوغ لنا أن نقول إنه إذا كان مقتضى العتدال‬
‫موالة السرائيليين ومن لف لفهم من المريكيين ومن ثم التنكر للحقوق‬
‫الساسية للشعب الفلسطيني‪ ،‬فإن الوطنيين والشرفاء يجب أن يترفعوا عنه‪،‬‬
‫وأن ينخرطوا في صف »التطرف« الذي يريدون به وصم المقاومة والممانعة‪.‬‬
‫لقد هزمت نظمنا في الفعل‪ ،‬وحظها في القول كما رأيت‪ ،‬المر الذي يحولها‬
‫من ظاهرة صوتية إلى ظاهرة جغرافية ل أكثر‪.‬‬
‫المصدر‪ :‬صحيفة الشرق القطرية‬

Você também pode gostar