Escolar Documentos
Profissional Documentos
Cultura Documentos
www.yaqob.com
الطريق إلى ال كالطريق الحسية تماما ..تجد فيها أنفاقا مظلمة ،ومنحنيات خطيرة،
ومطبّات مرهقة ،و "كباري" علوية ..كما تجد أحيانا على جنبتي الطريق حدائق فاتنة وسبل
متفرعة ..ومن لم ينتبه لمثل هذه ،ولم يقده للخروج منها خبير بصير ضل -ولبد -في
الطريق أو انقطع.
أخي الكريم
إن معرفة آفات الطريق من المهمات التي ينبغي للسائر اللمام بخباياها.
"ول يتم المقصود إل بالهداية إلى الطريق ،والهدايا فيها ،وأوقات السير من غيره ،وزاد
عةً
شرْ َ
جعَ ْلنَا مِن ُكمْ ِ
المسير ،وآفات الطريق ،ولهذا قال ابن عباس في قوله – تعالى ِ { :-ل ُكلّ َ
َومِ ْنهَاجًا} (المائدة – )48 :قال سبيل وسنة .وهذا التفسير يحتاج إلى تفسير ،فالسبيل:
الطريق ،وهي المنهاج .والسنة :الشرعة ،وهي تفاصيل الطريق وحزوناته ،وكيفية المسير
فيه ،وأوقات المسير ،وعلى هذا فقوله" :سبيل وسنة" يكون السبيل :المنهاج ،والسنة:
الشرعة ،فالمقدم في الية للمؤخر في التفسير ،وفي لفظ آخر :سنة وسبيل ،فيكون المقدم
للمقدم ،والمؤخر للمؤخر"
1
موقع الربانية – ركن التربية والتزكية
www.yaqob.com
فجعل من الهداية في الطريق التخلص من آفات الطريق وحزوناته ومعرفة تفاصيل تلك
الحزونات..
قال بعض السلف" :عليك بطريق الهدى ول يضرنك قلة السالكين ،وإياك وطرق الضللة
ول يغرنك كثرة الهالكين".
ومن سنن ال الربانية الكونية أن أهل الحق دائما قلة ..هذا أصل ينبغي أل يفوتك ،قال –
سبحانه :-
وعلى العكس :تجد وصف الكثرة دوما مع أهل الباطل ،قال سبحانهَ { :ومَا وَجَ ْدنَا َل ْكثَرِهِم
عهْدٍ وَإِن َوجَ ْدنَا أَ ْك َثرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} (العراف )102:وقال سبحانه وتعالى{ :وَإِن تُطِعْ
مّنْ َ
أَ ْك َثرَ مَن فِي ا َلرْضِ ُيضِلّوكَ} (النعام)116 :
فإذا تبين لك ذلك ،فإياك أن تستوحش من قلة السائرين معك على الطريق ،فإن أكثر
السائرين نكصوا على أعقابهم حين رأوا الجمهرة الغالبة على عكس طريق السير أو على
جنبات هذا الصراط .فاثبت ول تحزن.
2
موقع الربانية – ركن التربية والتزكية
www.yaqob.com
وهذه أخطر تلك الفات ..فضول الكلم والخلطة أكثر من الحاجة ..أن يصير لقاء الناس
شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود ..وقد قيل :إذا رأيت نفسك تأنس بالخلق وتستوحش
من الخلوة ،فاعلم أنك ل تصلح ل ..وإن من علمات الفلس الستئناس بالناس.
وللعزلة – أيها الخ الكريم – مزايا ،فإن الجتماع بالناس ل يخلو من آفات أهونها أن
تتزين للخلق ..وقد ذكر عن بعض أهل الحديث أنه قال" :لن ألقى الشيطان أحب إلي من
أن ألقى حذيفة المرعشي ،أخشى أن أتزين له فأسقط من عين ال".
قد يصادف السائرُ في طريقه نفقا مظلما ل يستطيع أن يميز فيه طريقه من الطرق الخرى،
ما لم تكن أضواء اليقين كاشفة ،ومسالك الطريق معروفة،كيل يضيع السائر مساره ،أو
يتناثر أشلء تحت وقع الحادثة ،أو يسرف في التفاؤل عندما يبصر نورا في آخر النفق قد
يكون وهم سراب.
إن مثل هذا النفق كفتن الخلف بين المسلمين ،إذ بينما يسير السائر في ركبه الميمون،
والطريق سالكة ،وهو ينتظر الوصول إلى المحطة التالية ،فجأة يظلم الطريق تماما كالذي
يدخل النفق ...يفاجأ بالظلم الدامس بعد النور المبهر ..اصطدام بعض المسلمين فيما بينهم،
وبغي بعضهم على بعض ،فتلتفّ الظلمات ،و تنطفئ النوار ،ويضطر السائر المسكين إلى
ركوب الظلمة ودخول النفق ،فإذا لم تكن البصائر على يقين والبصار على وضوح،
فالكارثة ستقع ل محالة ،ويكون التيه الذي ل يدري فيه ما المخرج.
ولذا ،فالنوار الكاشفة في هذا النفق تتمثل في الستمساك بوضوح المنهج :الكتاب والسنة
بفهم سلف المة ،قال ال سبحانه:
3
موقع الربانية – ركن التربية والتزكية
www.yaqob.com
ع ْنهُمْ
ن ّرضِيَ الّ َ
حسَا ٍ
ن ا ّتبَعُوهُم ِبإِ ْ
جرِينَ وَالَنصَارِ وَالّذِي َ
{وَالسّابِقُونَ ا َلوّلُونَ مِنَ ا ْل ُمهَا ِ
ح َتهَا ا َل ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا َأبَدًا َذلِكَ الْ َف ْوزُ الْعَظِيمُ}
جرِي تَ ْ
جنّاتٍ تَ ْ
عدّ َلهُمْ َ
ع ْنهُ وَأَ َ
َورَضُواْ َ
(التوبة)100 :
أما النور الثاني المخرج من هذا النفق المظلم؛ فهو أل تشغل نفسك بالمناقشات والجدال
علَى نَ ْفسِهِ َبصِيرَةٌ} (القيامة ..)14 :اعرف طريقك وامضِ،
والردود ،وإنما َ {:بلِ الِْنسَانُ َ
ق النصيحة وانطلق ،فأخسر الناس صفقة من انشغل بالناس عن نفسه،
فإن كان ول بد فالْ ِ
وأخسر منه صفقة من انشغل بنفسه عن ال ..فاعرف كواشف النفاق ..لتخرج من هذا
الظلم بسلم.
وفي الطريق أيها السائر الحبيب – جسر لبد من تجاوزه وعبوره ،إذ إن هذا شأن السالكين
إلى ال – تعالى -في كل زمان ومكان ،بل و هو من شأن النبياء والمرسلين ..ذلكم الجسر
هو البتلء والمحن التي تصيب السائر.
فل بد لهذا الطريق من أن يصقله البتلء ،وأن تظهر معدنه المحنة .قال ال تعالى:
حسِبَ النّاسُ أَن ُيتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آ َمنّا وَهُ ْم َل يُفْ َتنُونَ (*) َولَقَدْ َفتَنّا الّذِينَ مِن َقبْ ِل ِهمْ
{أَ َ
فَ َليَ ْعَلمَنّ الُّ الّذِينَ صَدَقُوا َوَليَعْ َلمَنّ ا ْلكَا ِذبِينَ}
(العنكبوت)2،3 :
و قد كان أول تبشير للرسول صلى ال عليه وسلم بالنبوة إنذاره بالخراج ..قال ورقة :ما
أتى رجل بمثل ما آتيت به إل عودي ..وقال الراهب للغلم :أنت اليوم أفضل مني وإنك
ستبتلى ..وقيل للشافعي :أحب إليك أن يمكن الرجل أو يبتلى؟ فقال :ل يمكّن حتى يبتلى.
4
موقع الربانية – ركن التربية والتزكية
www.yaqob.com
فالجسر إلى التمكين في هذا الطريق هو البتلء ..ولبد من الصبر فيه والحتساب،
والرضا عن ال-تعالى-وبه ،فإنه جسر الوصول ..وقد حفت الجنة بالمكاره ..يقول ابن القيم:
"وإن تأملت حكمته – سبحانه تعالى – فيما ابتلى به عباده وصفوته بما ساقهم به إلى أجلّ
الغايات ،وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبرون إليها إل على جسر من البتلء والمتحان،
وكان ذلك الجسر لكماله كالجسر الذي ل سبيل لعبورهم إلى الجنة إل عليه ،وكان ذلك
البتلء والمتحان عين المنحة في حقهم والكرامة ،فصورته صورة ابتلء وامتحان،
وباطنه فيه الرحمة والنعمة ،فكم ل من نعمة جسيمة ،ومنّة عظيمة ،تجنى من قطوف
البتلء والمتحان"
وللمحن في هذا الطريق خصائص ومميزات ،فكما أن المسلم يجب أل ينفك عن عبادة ما..
لِ رَبّ الْعَا َلمِينَ} (النعام ،)162 :فلبد أن
حيَايَ َو َممَاتِي ّ
لتِي وَ ُنسُكِي َومَ ْ
ن صَ َ
ُ {:قلْ إِ ّ
يكون شعوره بالبتلء هكذا :أنه في عبادة ،يدوم معه في كل حركاته وسكناته ،حتى
يستصحب نية العبد على البلء ،واحتساب الجر عند السميع البصير{ :الّذِي َيرَاكَ حِينَ
تَقُومُ (*) َوتَقَّلبَكَ فِي السّاجِدِينَ} (الشعراء)219 -218 :
وهذا الجسر خطير ..جسر البتلء ..فإن كثيرا من السالكين ضعفت قوته عن عبوره فرجع
القهقري وترك الطريق.
ثم يطالعك جسر آخر على الطريق ..وهو النفس – نعوذ بال تعالى من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا– ..يقول ابن القيم في المدارج:
"فالنفس جبل عظيم شاق في طريق السير الى ال – عز وجل ،وكل سائر ل طريق له إل
على ذلك الجبل ،فلبد أن ينتهي إليه ،ولكن منهم من هو شاق عليه .ومنهم من هو سهل
عليه ،وإنه يسير على من يسّره ال عليه.
وفي ذلك الجبل أودية وشعاب ،وعقبات ووهود ،وشوك وعوسج وعليق وشبرق ،ولصوص
يقتطعون الطريق على السائرين ،ول سيما أهل الليل المدلجين .فإذا لم يكن معهم عُدد
5
موقع الربانية – ركن التربية والتزكية
www.yaqob.com
اليمان ومصابيح اليقين تتقد بزيت الخباث ،وإل تعلقت بهم تلك الموانع ،وتشبثت بهم تلك
القواطع ،وحالت بينهم وبين السير.
فإن أكثر السائرين فيه رجعوا على أعقابهم لما عجزوا عن قطعه واقتحام عقباته .والشيطان
على قُلة ذلك الجبل ،يحذر الناس من صعوده وارتفاعه ويخوفهم منه .فتتفق مشقة الصعود
وقعود ذلك المُخوّف على قُلته وضعف عزيمة السائر ونيته ،فيتولد من ذلك النقطاع
والرجوع ،والمعصوم من عصمة ال.
وكلما رقى السائر في ذلك الجبل اشتد به صياح القاطع وتحذيره وتخويفه ،فإذا قطعه وبلغ
قلته ،انقلبت تلك المخاوف كلهن أمانا ،وحينئذ يسهل السير ،وتزول عنه عوارض الطريق،
ومشقة عقبتها ،ويرى طريقا واسعا آمنا يفضي به إلى المنازل والمناهل ،وعليه العلم
وفيه القامات ،قد أعدت لركب الرحمن.
فبين العبد وبين السعادة والفلح :قوة وعزيمة ،وصبر ساعة وشجاعة نفس ،وثبات قلب،
والفضل بيد ال يؤتيه من يشاء .وال ذو الفضل العظيم"
فالنفس أمارة بالسوء ،داعية إلى المهالك ،طامحة إلى الشهوات ،ولذا فهي أيضا جسر لبد
من عبوره ..أتى رجل إلى أبي علي الدقاق .فقال :قطعت إليك مسافة ،فقال :ليس هذا المر
بقطع المسافات ،فارق نفسك بخطوة تصل الى المطلوب .فل بد من عبور جسر النفس..
شهواتها ..وملذاتها ..أهوائها ..وآمالها ..لبد أن تعبر مرحلة "نفسي وما تشتهي" لتصل
عبر جسر نفسك إلى ما يرضي ربك.
"وكلما سكنت نفسه من كلل السير ومواصلة الشد والرحيل ،وعدها قرب التلقي وبرد
العيش عند الوصول ،فيحدث لها ذلك نشاطا وفرحا وهمة .فهو يقول :يا نفس أبشري فقد
قرب المنزل ودنا التلقي ،فل تنقطعي في الطريق دون الوصول ،فيحال بينك وبين منازل
الحبة ،فإن صبرت وواصلت السير وصلت حميدة مسرورة جزلة ،وتلقتك الحبة بأنواع
التحف والكرامات ،وليس بينك وبين ذلك إل صبر ساعة ،فإن الدنيا كلها لساعة من ساعات
6
موقع الربانية – ركن التربية والتزكية
www.yaqob.com
الخرة ،وعمرك درجة من درج تلك الساعة ،فال ال ل تنقطعي في المفازة ،فهو – وال –
الهلك والعطب لو كنت تعلمين.
فإن استصعبت عليه ،فليذكرها ما أمامها من أحبابها وما لديهم من الكرام والنعام .وما
خلفها من أعدائها ،وما لديهم من الهانة والعذاب وأنواع البلء؛ فإن رجعت فإلى أعدائها
رجوعها ،وإن تقدمت فإلى أحبابها مسيرها ،وإن وقفت في طريقها أدركها أعداؤها ،فإنهم
وراءها في طلب مصيرها .ولبد لها من قسم من هذه القسام الثلثة فلتختر أيها شاءت.
وليجعل حديث الحبة وشأنهم حاديها وسائقها ،ونور معرفتهم وإرشادهم هاديها ودليلها،
وصدق ودادهم وحبهم غذاءها وشرابها ودواءها ،ول يوحشه انفراده في طريق سفره،ول
يغتر بكثرة المنقطعين ،فألم انقطاعه وبعاده واصل إليه دونهم ،وحظه من القرب والكرامة
مختص به دونهم ،فما معنى الشتغال بهم والنقطاع معهم؟ وليعلم أن هذه الوحشة ل تدوم
بل هي من عوارض الطريق ،فسوف تبدو له الخيام ،وسوف يخرج إليه المتلقون يهنئونه
بالسلمة والوصول إليهم.
ن (*) ِ
جنّةَ قَا َل يَا َليْتَ َق ْومِي يَعْ َلمُو َ
خلِ ا ْل َ
فيا قرة عينه إذ ذاك ،ويا فرحته إذ يقول{ :قِيلَ ادْ ُ
(يس)27-26 : جعَ َلنِي مِنَ ا ْلمُ ْك َرمِينَ}
بمَا غَ َفرَ لِي رَبّي وَ َ
ول يستوحش مما يجده من كثافة الطبع ،وذوب النفس ،وبطء سيرها ،فكلما أدمن على
السير ،وواظب عليه غدوا ورواحا وسحرا ،قرب من المنزل ،وتلطفت تلك الكثافة ،وذابت
تلك الخبائث والدران ،فظهرت عليه همة المسافرين وسيماهم ،فتبدّلت وحشته أنسا،
وكثافته لطافة ،ودرنه طهارة"
هذا هو جسر النفس ..البلء الكبر ..والعائق الشد ..يشبه الجسر المعلق الذي ل جوانب له
يستند عليها السائر ...فهو خطر جدا لبد عند المرور عليه من التركيز والهدوء ..والتيقظ
والنتباه لكل حركة يد ونقلة رجل ..وإل ..فالسقوط.
7
موقع الربانية – ركن التربية والتزكية
www.yaqob.com
نعم :إنه جسر واهن من كثرة الذنوب والمعاصي ..لذا كان على السائر أن يأخذ حذره..
ويتدرب المرة بعد المرة ..ويحاول ويعيد ،ثم يحاول ويعيد حتى ينجح في ترويض نفسه
على عبور تلك الجسور.
فيا سعادة من جاهد تلك الفات .نعم :إنها أشواك ،لكنها أشواق ..يستشعر فيها السائر لذة
اللم ل واحتساب الجر من ال ..فدس الشوك ،وسر إلى ال..
فقد اقتضت سنة الخالق أن العسل ل يحصل عليه إل بلسع النحل ،فما كان للمسافر إلى ال
أن يحصل على ما يفيده في طريق وصوله إل بشيء من المكابدة والعسر.
فالنفس موكلة بحب العاجل ،وإنما خاصة العقل :تلمح العواقب ومطالعة الغايات
وإن من رافق الراحة حصل على المشقة وقت الراحة في دار الراحة
8