Você está na página 1de 8

‫موقع الربانية – ركن التربية والتزكية‬

‫‪www.yaqob.com‬‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫آفات على الطريق‬


‫إضافة جمادى الخرة ‪ 1428‬هـ‬

‫الحمد ل رب العالمين‪ ،‬و الصلة و السلم على أشرف المرسلين‬

‫أخي السائر إلى ال‬

‫الطريق إلى ال كالطريق الحسية تماما‪ ..‬تجد فيها أنفاقا مظلمة‪ ،‬ومنحنيات خطيرة‪،‬‬
‫ومطبّات مرهقة‪ ،‬و "كباري" علوية‪ ..‬كما تجد أحيانا على جنبتي الطريق حدائق فاتنة وسبل‬
‫متفرعة‪ ..‬ومن لم ينتبه لمثل هذه‪ ،‬ولم يقده للخروج منها خبير بصير ضل ‪-‬ولبد‪ -‬في‬
‫الطريق أو انقطع‪.‬‬

‫أخي الكريم‬

‫إن معرفة آفات الطريق من المهمات التي ينبغي للسائر اللمام بخباياها‪.‬‬

‫قال ابن القيم – رحمه ال تعالى‪-:‬‬

‫"ول يتم المقصود إل بالهداية إلى الطريق‪ ،‬والهدايا فيها‪ ،‬وأوقات السير من غيره‪ ،‬وزاد‬
‫عةً‬
‫شرْ َ‬
‫جعَ ْلنَا مِن ُكمْ ِ‬
‫المسير‪ ،‬وآفات الطريق‪ ،‬ولهذا قال ابن عباس في قوله – تعالى ‪ِ { :-‬ل ُكلّ َ‬
‫َومِ ْنهَاجًا} (المائدة‪ – )48 :‬قال سبيل وسنة‪ .‬وهذا التفسير يحتاج إلى تفسير‪ ،‬فالسبيل‪:‬‬
‫الطريق‪ ،‬وهي المنهاج‪ .‬والسنة‪ :‬الشرعة‪ ،‬وهي تفاصيل الطريق وحزوناته‪ ،‬وكيفية المسير‬
‫فيه‪ ،‬وأوقات المسير‪ ،‬وعلى هذا فقوله‪" :‬سبيل وسنة" يكون السبيل‪ :‬المنهاج‪ ،‬والسنة‪:‬‬
‫الشرعة‪ ،‬فالمقدم في الية للمؤخر في التفسير‪ ،‬وفي لفظ آخر‪ :‬سنة وسبيل‪ ،‬فيكون المقدم‬
‫للمقدم‪ ،‬والمؤخر للمؤخر"‬

‫‪1‬‬
‫موقع الربانية – ركن التربية والتزكية‬
‫‪www.yaqob.com‬‬

‫فجعل من الهداية في الطريق التخلص من آفات الطريق وحزوناته ومعرفة تفاصيل تلك‬
‫الحزونات‪..‬‬

‫فنتبه معي لخطر هذه الفات – عافانا ال وإياك منها ‪:-‬‬

‫* الفة الولى‪ :‬الخوف من وحشة التفرد‪:‬‬

‫قال بعض السلف‪" :‬عليك بطريق الهدى ول يضرنك قلة السالكين‪ ،‬وإياك وطرق الضللة‬
‫ول يغرنك كثرة الهالكين"‪.‬‬

‫ومن سنن ال الربانية الكونية أن أهل الحق دائما قلة‪ ..‬هذا أصل ينبغي أل يفوتك‪ ،‬قال –‬
‫سبحانه ‪:-‬‬

‫ت وَقَلِيلٌ مّا هُمْ} (ص‪،)24 :‬‬


‫عمِلُوا الصّالِحَا ِ‬
‫ن آمَنُوا وَ َ‬
‫{إِلّ الّذِي َ‬

‫عبَا ِديَ الشّكُورُ} (سبأ‪)13 :‬‬


‫وقال – سبحانه وتعالى‪{ :‬وَ َقلِيلٌ مّنْ ِ‬

‫وعلى العكس‪ :‬تجد وصف الكثرة دوما مع أهل الباطل‪ ،‬قال سبحانه‪َ { :‬ومَا وَجَ ْدنَا َل ْكثَرِهِم‬
‫عهْدٍ وَإِن َوجَ ْدنَا أَ ْك َثرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} (العراف‪ )102:‬وقال سبحانه وتعالى‪{ :‬وَإِن تُطِعْ‬
‫مّنْ َ‬
‫أَ ْك َثرَ مَن فِي ا َلرْضِ ُيضِلّوكَ} (النعام‪)116 :‬‬

‫ن ا لنّاسِ لَفَاسِقُونَ} (المائدة‪)49 :‬‬


‫وقال سبحانه وتعالى‪{ :‬وَإِنّ َكثِيرًا مّ َ‬

‫فإذا تبين لك ذلك‪ ،‬فإياك أن تستوحش من قلة السائرين معك على الطريق‪ ،‬فإن أكثر‬
‫السائرين نكصوا على أعقابهم حين رأوا الجمهرة الغالبة على عكس طريق السير أو على‬
‫جنبات هذا الصراط‪ .‬فاثبت ول تحزن‪.‬‬

‫الفة الثانية‪ :‬فضول الكلم والخلطة‬

‫‪2‬‬
‫موقع الربانية – ركن التربية والتزكية‬
‫‪www.yaqob.com‬‬

‫وهذه أخطر تلك الفات‪ ..‬فضول الكلم والخلطة أكثر من الحاجة‪ ..‬أن يصير لقاء الناس‬
‫شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود‪ ..‬وقد قيل‪ :‬إذا رأيت نفسك تأنس بالخلق وتستوحش‬
‫من الخلوة‪ ،‬فاعلم أنك ل تصلح ل‪ ..‬وإن من علمات الفلس الستئناس بالناس‪.‬‬

‫وللعزلة – أيها الخ الكريم – مزايا‪ ،‬فإن الجتماع بالناس ل يخلو من آفات أهونها أن‬
‫تتزين للخلق‪ ..‬وقد ذكر عن بعض أهل الحديث أنه قال‪" :‬لن ألقى الشيطان أحب إلي من‬
‫أن ألقى حذيفة المرعشي‪ ،‬أخشى أن أتزين له فأسقط من عين ال"‪.‬‬

‫* الفة الثالثة‪ :‬النفق المظلم‬

‫قد يصادف السائرُ في طريقه نفقا مظلما ل يستطيع أن يميز فيه طريقه من الطرق الخرى‪،‬‬
‫ما لم تكن أضواء اليقين كاشفة‪ ،‬ومسالك الطريق معروفة‪،‬كيل يضيع السائر مساره‪ ،‬أو‬
‫يتناثر أشلء تحت وقع الحادثة‪ ،‬أو يسرف في التفاؤل عندما يبصر نورا في آخر النفق قد‬
‫يكون وهم سراب‪.‬‬

‫إن مثل هذا النفق كفتن الخلف بين المسلمين‪ ،‬إذ بينما يسير السائر في ركبه الميمون‪،‬‬
‫والطريق سالكة‪ ،‬وهو ينتظر الوصول إلى المحطة التالية‪ ،‬فجأة يظلم الطريق تماما كالذي‬
‫يدخل النفق‪ ...‬يفاجأ بالظلم الدامس بعد النور المبهر‪ ..‬اصطدام بعض المسلمين فيما بينهم‪،‬‬
‫وبغي بعضهم على بعض‪ ،‬فتلتفّ الظلمات‪ ،‬و تنطفئ النوار‪ ،‬ويضطر السائر المسكين إلى‬
‫ركوب الظلمة ودخول النفق‪ ،‬فإذا لم تكن البصائر على يقين والبصار على وضوح‪،‬‬
‫فالكارثة ستقع ل محالة‪ ،‬ويكون التيه الذي ل يدري فيه ما المخرج‪.‬‬

‫ولذا‪ ،‬فالنوار الكاشفة في هذا النفق تتمثل في الستمساك بوضوح المنهج‪ :‬الكتاب والسنة‬
‫بفهم سلف المة‪ ،‬قال ال سبحانه‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫موقع الربانية – ركن التربية والتزكية‬
‫‪www.yaqob.com‬‬

‫ع ْنهُمْ‬
‫ن ّرضِيَ الّ َ‬
‫حسَا ٍ‬
‫ن ا ّتبَعُوهُم ِبإِ ْ‬
‫جرِينَ وَالَنصَارِ وَالّذِي َ‬
‫{وَالسّابِقُونَ ا َلوّلُونَ مِنَ ا ْل ُمهَا ِ‬
‫ح َتهَا ا َل ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا َأبَدًا َذلِكَ الْ َف ْوزُ الْعَظِيمُ}‬
‫جرِي تَ ْ‬
‫جنّاتٍ تَ ْ‬
‫عدّ َلهُمْ َ‬
‫ع ْنهُ وَأَ َ‬
‫َورَضُواْ َ‬
‫(التوبة‪)100 :‬‬

‫حسَانٍ} فالحسان‪ :‬الرؤية‪ ،‬ليس مجرد التباع‪ ،‬و إنما‬


‫ل بد أن تنتبه إلى‪{:‬وَالّذِينَ ا ّتبَعُوهُم بِإِ ْ‬
‫إحسان التباع‪ ..‬والحسان أن ترى‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم‪" :‬الحسان أن تعبد ال كأنك‬
‫تراه"‪ ..‬هذا أول مخرج من النفق‪.‬‬

‫أما النور الثاني المخرج من هذا النفق المظلم؛ فهو أل تشغل نفسك بالمناقشات والجدال‬
‫علَى نَ ْفسِهِ َبصِيرَةٌ} (القيامة‪ ..)14 :‬اعرف طريقك وامضِ‪،‬‬
‫والردود‪ ،‬وإنما ‪َ {:‬بلِ الِْنسَانُ َ‬
‫ق النصيحة وانطلق‪ ،‬فأخسر الناس صفقة من انشغل بالناس عن نفسه‪،‬‬
‫فإن كان ول بد فالْ ِ‬
‫وأخسر منه صفقة من انشغل بنفسه عن ال‪ ..‬فاعرف كواشف النفاق‪ ..‬لتخرج من هذا‬
‫الظلم بسلم‪.‬‬

‫* الفة الرابعة‪ :‬جسر على الطريق‪:‬‬

‫وفي الطريق أيها السائر الحبيب – جسر لبد من تجاوزه وعبوره‪ ،‬إذ إن هذا شأن السالكين‬
‫إلى ال – تعالى‪ -‬في كل زمان ومكان‪ ،‬بل و هو من شأن النبياء والمرسلين‪ ..‬ذلكم الجسر‬
‫هو البتلء والمحن التي تصيب السائر‪.‬‬

‫فل بد لهذا الطريق من أن يصقله البتلء‪ ،‬وأن تظهر معدنه المحنة‪ .‬قال ال تعالى‪:‬‬

‫حسِبَ النّاسُ أَن ُيتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آ َمنّا وَهُ ْم َل يُفْ َتنُونَ (*) َولَقَدْ َفتَنّا الّذِينَ مِن َقبْ ِل ِهمْ‬
‫{أَ َ‬
‫فَ َليَ ْعَلمَنّ الُّ الّذِينَ صَدَقُوا َوَليَعْ َلمَنّ ا ْلكَا ِذبِينَ}‬
‫(العنكبوت‪)2،3 :‬‬

‫و قد كان أول تبشير للرسول صلى ال عليه وسلم بالنبوة إنذاره بالخراج‪ ..‬قال ورقة‪ :‬ما‬
‫أتى رجل بمثل ما آتيت به إل عودي‪ ..‬وقال الراهب للغلم‪ :‬أنت اليوم أفضل مني وإنك‬
‫ستبتلى‪ ..‬وقيل للشافعي‪ :‬أحب إليك أن يمكن الرجل أو يبتلى؟ فقال‪ :‬ل يمكّن حتى يبتلى‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫موقع الربانية – ركن التربية والتزكية‬
‫‪www.yaqob.com‬‬

‫فالجسر إلى التمكين في هذا الطريق هو البتلء‪ ..‬ولبد من الصبر فيه والحتساب‪،‬‬
‫والرضا عن ال‪-‬تعالى‪-‬وبه‪ ،‬فإنه جسر الوصول‪ ..‬وقد حفت الجنة بالمكاره‪ ..‬يقول ابن القيم‪:‬‬

‫"وإن تأملت حكمته – سبحانه تعالى – فيما ابتلى به عباده وصفوته بما ساقهم به إلى أجلّ‬
‫الغايات‪ ،‬وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبرون إليها إل على جسر من البتلء والمتحان‪،‬‬
‫وكان ذلك الجسر لكماله كالجسر الذي ل سبيل لعبورهم إلى الجنة إل عليه‪ ،‬وكان ذلك‬
‫البتلء والمتحان عين المنحة في حقهم والكرامة‪ ،‬فصورته صورة ابتلء وامتحان‪،‬‬
‫وباطنه فيه الرحمة والنعمة‪ ،‬فكم ل من نعمة جسيمة‪ ،‬ومنّة عظيمة‪ ،‬تجنى من قطوف‬
‫البتلء والمتحان"‬

‫وللمحن في هذا الطريق خصائص ومميزات‪ ،‬فكما أن المسلم يجب أل ينفك عن عبادة ما‪..‬‬
‫لِ رَبّ الْعَا َلمِينَ} (النعام‪ ،)162 :‬فلبد أن‬
‫حيَايَ َو َممَاتِي ّ‬
‫لتِي وَ ُنسُكِي َومَ ْ‬
‫ن صَ َ‬
‫‪ُ {:‬قلْ إِ ّ‬
‫يكون شعوره بالبتلء هكذا‪ :‬أنه في عبادة‪ ،‬يدوم معه في كل حركاته وسكناته‪ ،‬حتى‬
‫يستصحب نية العبد على البلء‪ ،‬واحتساب الجر عند السميع البصير‪{ :‬الّذِي َيرَاكَ حِينَ‬
‫تَقُومُ (*) َوتَقَّلبَكَ فِي السّاجِدِينَ} (الشعراء‪)219 -218 :‬‬

‫وهذا الجسر خطير‪ ..‬جسر البتلء‪ ..‬فإن كثيرا من السالكين ضعفت قوته عن عبوره فرجع‬
‫القهقري وترك الطريق‪.‬‬

‫ثم يطالعك جسر آخر على الطريق‪ ..‬وهو النفس – نعوذ بال تعالى من شرور أنفسنا ومن‬
‫سيئات أعمالنا–‪ ..‬يقول ابن القيم في المدارج‪:‬‬

‫"فالنفس جبل عظيم شاق في طريق السير الى ال – عز وجل‪ ،‬وكل سائر ل طريق له إل‬
‫على ذلك الجبل‪ ،‬فلبد أن ينتهي إليه‪ ،‬ولكن منهم من هو شاق عليه‪ .‬ومنهم من هو سهل‬
‫عليه‪ ،‬وإنه يسير على من يسّره ال عليه‪.‬‬

‫وفي ذلك الجبل أودية وشعاب‪ ،‬وعقبات ووهود‪ ،‬وشوك وعوسج وعليق وشبرق‪ ،‬ولصوص‬
‫يقتطعون الطريق على السائرين‪ ،‬ول سيما أهل الليل المدلجين‪ .‬فإذا لم يكن معهم عُدد‬

‫‪5‬‬
‫موقع الربانية – ركن التربية والتزكية‬
‫‪www.yaqob.com‬‬

‫اليمان ومصابيح اليقين تتقد بزيت الخباث‪ ،‬وإل تعلقت بهم تلك الموانع‪ ،‬وتشبثت بهم تلك‬
‫القواطع‪ ،‬وحالت بينهم وبين السير‪.‬‬

‫فإن أكثر السائرين فيه رجعوا على أعقابهم لما عجزوا عن قطعه واقتحام عقباته‪ .‬والشيطان‬
‫على قُلة ذلك الجبل‪ ،‬يحذر الناس من صعوده وارتفاعه ويخوفهم منه‪ .‬فتتفق مشقة الصعود‬
‫وقعود ذلك المُخوّف على قُلته وضعف عزيمة السائر ونيته‪ ،‬فيتولد من ذلك النقطاع‬
‫والرجوع‪ ،‬والمعصوم من عصمة ال‪.‬‬

‫وكلما رقى السائر في ذلك الجبل اشتد به صياح القاطع وتحذيره وتخويفه‪ ،‬فإذا قطعه وبلغ‬
‫قلته‪ ،‬انقلبت تلك المخاوف كلهن أمانا‪ ،‬وحينئذ يسهل السير‪ ،‬وتزول عنه عوارض الطريق‪،‬‬
‫ومشقة عقبتها‪ ،‬ويرى طريقا واسعا آمنا يفضي به إلى المنازل والمناهل‪ ،‬وعليه العلم‬
‫وفيه القامات‪ ،‬قد أعدت لركب الرحمن‪.‬‬

‫فبين العبد وبين السعادة والفلح‪ :‬قوة وعزيمة‪ ،‬وصبر ساعة وشجاعة نفس‪ ،‬وثبات قلب‪،‬‬
‫والفضل بيد ال يؤتيه من يشاء‪ .‬وال ذو الفضل العظيم"‬

‫فالنفس أمارة بالسوء‪ ،‬داعية إلى المهالك‪ ،‬طامحة إلى الشهوات‪ ،‬ولذا فهي أيضا جسر لبد‬
‫من عبوره‪ ..‬أتى رجل إلى أبي علي الدقاق‪ .‬فقال‪ :‬قطعت إليك مسافة‪ ،‬فقال‪ :‬ليس هذا المر‬
‫بقطع المسافات‪ ،‬فارق نفسك بخطوة تصل الى المطلوب‪ .‬فل بد من عبور جسر النفس‪..‬‬
‫شهواتها‪ ..‬وملذاتها‪ ..‬أهوائها‪ ..‬وآمالها‪ ..‬لبد أن تعبر مرحلة "نفسي وما تشتهي" لتصل‬
‫عبر جسر نفسك إلى ما يرضي ربك‪.‬‬

‫ويزيدك بصيرة في المر قول ابن القيم – رحمه ال في طريق الهجرتين‪:‬‬

‫"وكلما سكنت نفسه من كلل السير ومواصلة الشد والرحيل‪ ،‬وعدها قرب التلقي وبرد‬
‫العيش عند الوصول‪ ،‬فيحدث لها ذلك نشاطا وفرحا وهمة‪ .‬فهو يقول‪ :‬يا نفس أبشري فقد‬
‫قرب المنزل ودنا التلقي‪ ،‬فل تنقطعي في الطريق دون الوصول‪ ،‬فيحال بينك وبين منازل‬
‫الحبة‪ ،‬فإن صبرت وواصلت السير وصلت حميدة مسرورة جزلة‪ ،‬وتلقتك الحبة بأنواع‬
‫التحف والكرامات‪ ،‬وليس بينك وبين ذلك إل صبر ساعة‪ ،‬فإن الدنيا كلها لساعة من ساعات‬

‫‪6‬‬
‫موقع الربانية – ركن التربية والتزكية‬
‫‪www.yaqob.com‬‬

‫الخرة‪ ،‬وعمرك درجة من درج تلك الساعة‪ ،‬فال ال ل تنقطعي في المفازة‪ ،‬فهو – وال –‬
‫الهلك والعطب لو كنت تعلمين‪.‬‬

‫فإن استصعبت عليه‪ ،‬فليذكرها ما أمامها من أحبابها وما لديهم من الكرام والنعام‪ .‬وما‬
‫خلفها من أعدائها‪ ،‬وما لديهم من الهانة والعذاب وأنواع البلء؛ فإن رجعت فإلى أعدائها‬
‫رجوعها‪ ،‬وإن تقدمت فإلى أحبابها مسيرها‪ ،‬وإن وقفت في طريقها أدركها أعداؤها‪ ،‬فإنهم‬
‫وراءها في طلب مصيرها‪ .‬ولبد لها من قسم من هذه القسام الثلثة فلتختر أيها شاءت‪.‬‬

‫وليجعل حديث الحبة وشأنهم حاديها وسائقها‪ ،‬ونور معرفتهم وإرشادهم هاديها ودليلها‪،‬‬
‫وصدق ودادهم وحبهم غذاءها وشرابها ودواءها‪ ،‬ول يوحشه انفراده في طريق سفره‪،‬ول‬
‫يغتر بكثرة المنقطعين‪ ،‬فألم انقطاعه وبعاده واصل إليه دونهم‪ ،‬وحظه من القرب والكرامة‬
‫مختص به دونهم‪ ،‬فما معنى الشتغال بهم والنقطاع معهم؟ وليعلم أن هذه الوحشة ل تدوم‬
‫بل هي من عوارض الطريق‪ ،‬فسوف تبدو له الخيام‪ ،‬وسوف يخرج إليه المتلقون يهنئونه‬
‫بالسلمة والوصول إليهم‪.‬‬

‫ن (*) ِ‬
‫جنّةَ قَا َل يَا َليْتَ َق ْومِي يَعْ َلمُو َ‬
‫خلِ ا ْل َ‬
‫فيا قرة عينه إذ ذاك‪ ،‬ويا فرحته إذ يقول‪{ :‬قِيلَ ادْ ُ‬
‫(يس‪)27-26 :‬‬ ‫جعَ َلنِي مِنَ ا ْلمُ ْك َرمِينَ}‬
‫بمَا غَ َفرَ لِي رَبّي وَ َ‬

‫ول يستوحش مما يجده من كثافة الطبع‪ ،‬وذوب النفس‪ ،‬وبطء سيرها‪ ،‬فكلما أدمن على‬
‫السير‪ ،‬وواظب عليه غدوا ورواحا وسحرا‪ ،‬قرب من المنزل‪ ،‬وتلطفت تلك الكثافة‪ ،‬وذابت‬
‫تلك الخبائث والدران‪ ،‬فظهرت عليه همة المسافرين وسيماهم‪ ،‬فتبدّلت وحشته أنسا‪،‬‬
‫وكثافته لطافة‪ ،‬ودرنه طهارة"‬

‫هذا هو جسر النفس‪ ..‬البلء الكبر‪ ..‬والعائق الشد‪ ..‬يشبه الجسر المعلق الذي ل جوانب له‬
‫يستند عليها السائر‪ ...‬فهو خطر جدا لبد عند المرور عليه من التركيز والهدوء‪ ..‬والتيقظ‬
‫والنتباه لكل حركة يد ونقلة رجل‪ ..‬وإل‪ ..‬فالسقوط‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫موقع الربانية – ركن التربية والتزكية‬
‫‪www.yaqob.com‬‬

‫نعم‪ :‬إنه جسر واهن من كثرة الذنوب والمعاصي‪ ..‬لذا كان على السائر أن يأخذ حذره‪..‬‬
‫ويتدرب المرة بعد المرة‪ ..‬ويحاول ويعيد‪ ،‬ثم يحاول ويعيد حتى ينجح في ترويض نفسه‬
‫على عبور تلك الجسور‪.‬‬

‫وبعد – أيها السائر الحبيب‪:‬‬

‫فيا سعادة من جاهد تلك الفات‪ .‬نعم‪ :‬إنها أشواك‪ ،‬لكنها أشواق‪ ..‬يستشعر فيها السائر لذة‬
‫اللم ل واحتساب الجر من ال‪ ..‬فدس الشوك‪ ،‬وسر إلى ال‪..‬‬

‫فقد اقتضت سنة الخالق أن العسل ل يحصل عليه إل بلسع النحل‪ ،‬فما كان للمسافر إلى ال‬
‫أن يحصل على ما يفيده في طريق وصوله إل بشيء من المكابدة والعسر‪.‬‬

‫يقول ابن القيم – عليه رحمة ال‪-:‬‬

‫"وما أقدم أحد على تحمل مشقة عاجلة إل لثمرة مؤجلة‬

‫فالنفس موكلة بحب العاجل‪ ،‬وإنما خاصة العقل‪ :‬تلمح العواقب ومطالعة الغايات‬

‫وأجمع عقلء كل أمة على أن النعيم ل يدرك بالنعيم‬

‫وإن من رافق الراحة حصل على المشقة وقت الراحة في دار الراحة‬

‫فإنه على قدْر التعب تكون الراحة"‬

‫وآخر دعوانا أن الحمد ل رب العالمين‬

‫‪8‬‬

Você também pode gostar