Você está na página 1de 11

‫القليات وحقوق النسان في مصر‬

‫بقلم الشهيد المقتول د‪ .‬فرج فودة‬

‫أخر السهامات الفكرية التي تقدم بها فرج فودة من خلل‬


‫الملتقي الفكري الثالث الذي عقدته المنظمة المصرية لحقوق‬
‫النسان‬

‫مقدمة ‪:‬‬
‫القليات المقصودة هنا هي القليات القومية تنحصر في أبناء النوبة ‪،‬‬
‫والملحظ أن قوميتهم دائبة في القومية الم ‪ ،‬وقد ساهم تهجيرهم في‬
‫أعقاب إنشاء السد العالي في إضعاف الدعوة النوبية ‪ ،‬وإن بقيت لبناء‬
‫النوبة خصائص لغوية وعرقية مميزة ‪ ،‬أما القليات السياسية فمجال‬
‫الحديث عنها مختلف ولعله أرحب وأقل حساسية ‪.‬‬

‫القليات الدينية أيضا والمقصود بها القليات التي تعتنق دينا مخالفا‬
‫لدين الغلبية‪ ،‬أو مذهبا دينا ً متميزا ً بسمات عقائدية وسياسية تعطيه قدرا ً‬
‫واضحا من التميز العقيدي‪ ،‬وإن انتمي في إطاره العام إلي دين الغلبية ‪.‬‬

‫القليات الدينية بهذا المعني تشتمل ثلث مجموعات محددة هي‪:‬‬

‫القليات القبطية )المسيحيين( – القلية البهائية – القلية الشيعية ‪.‬‬

‫أما القلية اليهودية فيتراوح تقدير أعدادها بين العشرات والمئات‬


‫ويبقي غير المؤمنين بالديان ول يوجد حصر لهم ‪.‬‬

‫بانوراما إحصائية ‪:‬‬


‫تثير الحصائيات الرسمية مشكلت معقدة‪ ،‬فهي تقدر عدد المسيحيين‬
‫في مصر بنحو ثلثة مليين وهو ما يرفضه المسيحيون المصريون بشدة‪،‬‬
‫ويدللوا علي عدم صحة هذه الحصائيات وتحيزها بأدلة متعددة‪ ،‬منها‬
‫بطاقات شخصية لمسيحيين ثابت فيها أن ديانتهم هي السلم‪ ،‬ومنها‬
‫تناقص عددهم في أحد الحصائيات دون مبرر وتقديرات بعض المسيحيين‬
‫تصل أعدادهم إلي ما يزيد عن عشرة مليين‪ ،‬علي حين يذكر المخضرمون‬
‫أن النسبة المعتادة للمسيحيين في مصر هي ‪ %8‬ومعني هذا أن الرقم‬
‫القرب للدقة يتراوح بين الخمسة والسبع مليين‪ ،‬والمؤكد أن مجرد‬
‫الحساسية من حديث الحصاءات مؤشر خطير للتعقيدات والحساسيات‬
‫المبالغ فيها في قضية القليات الدينية‪ ،‬وإذا كانت مشكلة إحصاء العداد‬
‫ولو التقريبية لغيرهم ل تخرج عن دائرة التخمين‪ ،‬الذي قد يقترب من‬
‫الواقع نتيجة الخبرة والحتكاك الشخصي المباشر بهذه الطوائف‪ ،‬ومنها‬
‫البهائيون الذين يتراوح تعدادهم في مصر الن بين الخمسة ألف والعشر‬
‫ألف‪ ،‬وقد ذاد عددهم أخيرا نتيجة للحملة المكثفة ضدهم‪ ،‬وهي حملة‬
‫إعلنية تزامنت مع محاكمتهم أخيرا ً واستمرت بعد ذلك في الصحف‬
‫والمجلت والكتب‪ ،‬وقد بدأت البهائية في مصر منذ ‪ 150‬عاما ً وقدر عدد‬
‫السر التي كانت تعتنقها عام ‪ 1940‬بنحو ألف أسرة وهي في نظر‬
‫معتنقيها دين سماوي رابع‪ ،‬وأنبياءه ثلثة هم ‪ :‬بهاء الله ‪ ،‬وعبد البهاء‪،‬‬
‫وشوقي أفندي الرباني‪ ،‬والثنان الخيران زارا مصر أكثر من مرة وآخرهم‬
‫توفي في لندن عام ‪. 1957‬‬

‫وكثير من البهائيين في مصر ولد لب بهائي ‪ ،‬بعضهم لجد بهائي وأشهر‬


‫كتبهم )الروضة البهية( تحوي رفات أحد أشهر فقهائهم وهو )الحرفا‬
‫قداني( والغريب أن انتشار البهائية يمتد ليشمل عدة محافظات منها‬
‫الغربية وبورسعيد والبحيرة‪ ،‬ول يقتصر كما يتصور البعض علي القاهرة‬
‫والسكندرية وحدهما‪.‬‬

‫ويبقي الشيعي‪ ،‬وإحصاءهم مشكلة هو الخر‪ ،‬لن التقديرات تشير إلي‬


‫أن عددهم ل يتجاوز خمسة آلف‪ ،‬لكن بعض الشيعة الذين إلتقيت هم‬
‫يصعدون بهذا التقدير إلي ما يقرب من المائة آلف‪ ،‬وأغلب انتشارهم في‬
‫القاهرة والشرقية كما أن مساجدهم المعروفة وهي المسماة بالحسينيات‬
‫ثمانية بالقاهرة الكبرى‪ ،‬ويتزعمهم حاليا أحد السياسيين البارزين ‪.‬‬

‫القليات الدينية وحرية العتقاد‬


‫حرية النسان في ميثاق حقوق النسان مطلقة‪ ،‬والمقصود بإطلق‬
‫حرية العتقاد أن تشتمل حق النسان في أن يعتقد فيما يشاء‪ ،‬وفي أن‬
‫يغير عقيدته كما يشاء ‪ ،‬وفي أي وقت يشاء ‪.‬‬
‫مثل هذا المفهوم بهذا التساع لي واردا ً ل في الدساتير المصرية ول‬
‫في نظرة المصريين‪ ،‬وحتى المثقفون منهم ‪ ،‬لهذا المفهوم السائد في‬
‫مصر‪ ،‬رسميا وثقافيا ً وشعبيا أن الحرية معناها حرية اليمان‪ ،‬وأنها مكفولة‬
‫في اتجاه واحد هو التجاه للسلم‪ ،‬وأنها مطلقة تماما داخل إطار العقيدة‬
‫السلمية‪ ،‬فليست هناك مشكلة أبدا في النتقال من المذهب الشافعي‬
‫إلي المذهب الحنبلي‪ ،‬كما أن أحدا ً ل يستطيع أن يدعي أن هناك حجرا ً في‬
‫الدخول في مذهب أبي حنيفة‪ ،‬ولم يحدث في تاريخ مصر‪ ،‬وهذا للنصاف‬
‫أن أحد منع مسلما من اتباع المذهب الملكي ‪.‬‬

‫داخل هذا الطار يدور فهم حرية العتقاد في مصر‪،‬‬


‫وقد جرت عدة محاولت لصياغة ميثاق حقوق النسان‬
‫) السلمي ( ‪ .‬وحاول من صاغوا هذا الميثاق يوائموا‬
‫بين الميثاق العالمي لحقوق النسان‪ ،‬وبين الميثاق‬
‫السلمي ‪ .‬فاصطدموا بعقبات ثلث‪ ،‬أولهما موقف‬
‫ميثاق حقوق النسان من العقوبات البدنية ‪ ،‬وهو ما‬
‫يتعارض مع تطبيق الشريعة السلمية‪ ،‬وثانيهما موقف‬
‫ميثاق حقوق النسان من المرأة ‪ ،‬وهو ما يتعارض مع‬
‫الفهم الخاص بالسلم لدور المرأة طبيعة وإطار‬
‫نشاطها داخل المجتمع‪ ،‬وثالثهما وهذا هو ما يهمنا‬
‫الن موقف السلم من)الردة( وبمعني أخر موقفه‬
‫من إطلق حرية العتقاد ‪.‬‬

‫الموقف من البهائيين ‪ :‬نموذج صارخ‬


‫الدفاع عن البهائيين ل يعني الدفاع عن البهائية لكنه ببساطة شديدة هو‬
‫الدفاع عن مفهوم حرية العتقاد كركيزة من ركائز حقوق النسان‪ ،‬إن‬
‫الغلبية التي تعتنق دينا سماويا ً معينا ليس من حقها أن تنصب نفسها‬
‫حاكما َ علي من يعلنون اعتقادهم بدين لحق ‪.‬‬

‫صحيح أنها ل تعترف به كدين‪ ،‬لكنها يجب أن تعترف بحق المؤمنين به‬
‫في ممارسة عقيدتهم بحرية‪ ،‬المثال علي ذلك هو ما يحدث في دول أوربا‪،‬‬
‫وأغلبها دول مسيحية والغلبية المسيحية في هذه الدول ل تعترف بالقطع‬
‫بظهور السلم‪ ،‬ول بنسخه للعقائد التي سبقته‪ ،‬ول بكونه دينا سماويًا‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فأنها ل تحجر علي حق المسلمين في إتباع السلم وهي تسمح لهم‬
‫بتدريس الدين السلمي في الماكن المخصصة لذلك وتسمح لهم ببناء‬
‫المساجد‪ ،‬وبعضها يسمح لهم بشراء الكنائس وتحويلها إلي مساجد وكثير‬
‫من هذه الدول تعلن أن السلم هو الديانة الثانية في الدولة بعد المسيحية‬
‫وهذا ما أعلنته فعل ً فرنسا وهولندا وألمانيا ‪.‬‬

‫الموقف في مصر بالنسبة للبهائية يختلف تماما‪:‬‬


‫البهائيون يعتبرون البهائية دينا ونحن نرفض ذلك حتى بالنسبة لهم‪،‬‬
‫ونصر أنها نحلة إسلمية مارقة‪ ،‬نحن نفعل ذلك علي مستوي الفتاء‬
‫الديني‪ ،‬والسلوك الرسمي‪ ،‬والحكام القضائية ومسلسل التعامل مع‬
‫البهائيين يوجز باختصار فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬أفتي الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الزهر‬


‫بكفر "ميرزا عباس" زعيم البهائيين ونشرت‬
‫الفتوي في جريدة مصر الفتاة ‪1910 /27/12‬‬
‫بالعدد ‪292‬‬

‫‪ -2‬صدر حكم المحلة الكبرى الشرعية في ‪/30/6‬‬


‫‪ 1947‬بطلق امرأة اعتنق زوجها البهائية‬
‫باعتباره مرتدا ً ‪.‬‬

‫‪ -3‬أصدرت لجنة الفتوي بالزهر في ‪9 /22‬م ‪1947‬‬


‫وفي ‪ 1949 /9 /3‬فتوتين بردة من يعتنق‬
‫البهائية ‪.‬‬

‫‪ -4‬صدرت فتوي دار الفتاء المصرية في ‪/3 /11‬‬


‫‪ 1939‬وفي ‪ 1948 /3 /25‬وفي ‪1950 /4 /13‬‬
‫بأن البهائيون مرتدون عن السلم ‪.‬‬

‫‪ -5‬وأخيرا أجابت أمانة معهد البحوث السلمية علي‬


‫استفسار نيابة أمن الدولة العليا عن حكم‬
‫البهائيين بأنها نحلة باطلة لخروجها عن السلم‬
‫لللحاد والكفر‪ ،‬وأن من يعتنقها يكون مرتدا ً عن‬
‫السلم ‪.‬‬

‫ثانيا ً ‪:‬‬
‫عندما سجل البهائيون محفلهم في المحاكم المختلطة برقم ‪ 776‬في‬
‫‪ 1934 /12 /26‬حاولوا أن يوجدوا لهم صفة الشرعية لكن الحكومة‬
‫قاومتهم ويتضح هذا مما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬قدم المحفل الروحاني المركزي للبهائيين في مصر والسودان طلبا‬


‫إلي وزارة الشئون الجتماعية لتسجيله‪ ،‬ورفض هذا الطلب بناء علي ما‬
‫رأته إدارة قضايا الحكومة في ‪ 1947 /7 /5‬كما رفض طلب صرف إعانة‬
‫له من هذه الوزارة ‪.‬‬

‫‪ -2‬رأت إدارة الرأي بوزارتي الداخلية والشئون البلدية والقروية في ‪/8‬‬


‫‪ 1951 /3‬أن قيام المحفل البهائي يعد إخلل بالمن العام وأنه يمكن‬
‫لوزارة الداخلية منع إقامة شعائر الدينية الخاصة بالبهائية ‪.‬‬

‫وقد تأيد هذا بما رآه مجلس الدولة في ‪ 1958 /5 /26‬من عدم‬
‫الموافقة علي طبع دعاية للمذهب البهائية لنه ينطوي علي تبشير غير‬
‫مشروع ودعوة سافرة للخروج عن الدين السلمي وغيره من الديان‬
‫المعترف بها ‪ ،‬ورأي منع ذلك لمخالفته للنظام العام في البلد‬
‫السلمية ‪.‬‬

‫‪ -3‬حكمت محكمة القضاء الداري بمجلس الدولة في مصر في القضية‬


‫رقم ‪ 195‬بتاريخ ‪ 1952 /5 /26‬برفض دعوي أقامها بهائي وجاء في‬
‫تسبيب هذا الحكم تقريرها ‪ :‬أن البهائيين مرتدون عن السلم ‪.‬‬

‫‪ -4‬صدر القرار الجمهوري رقم ‪ 263‬لسنة ‪ 1960‬ونص في مادته‬


‫الولي تحل المحافل البهائية مراكزها الموجودة في الجمهورية ويوقف‬
‫نشاطها ويحظر علي الفراد والمؤسسات والهيئات القيام بأي نشاط‬
‫مما كانت تباشره هذه المحافل والمراكز ‪ ،‬ونص في مادته الخيرة علي‬
‫تجريم كل مخالف وعقابه بالحبس والغرامة ‪.‬‬

‫‪ -5‬وتنفيذا لهذا القرار بقانون أصدر وزير الداخلية قراره رقم ‪106‬‬
‫لسنة ‪ 1960‬بتاريخ ‪ 1960 /7 /31‬بأيلولة أموال وموجودات المحافل‬
‫البهائية ومراكزها إلي جمعية المحافظة علي القرآن الكريم ‪.‬‬

‫‪ -6‬حكم بالحبس والغرامة في القضية رقم ‪ 316‬لسنة ‪ 1965‬علي‬


‫عناصر من أتباع البهائية لقيامهم بممارسة نشاطهم في القاهرة كما‬
‫قبض علي غيرهم في طنطا سنة ‪ 1972‬وكذلك في سوهاج ‪.‬‬

‫‪ -7‬قبض علي مجموعة منهم أخيرا في فبراير سنة ‪ 1985‬برئاسة أحد‬


‫الصحفيين وقد اعترفوا بإيمانهم برسول هو بهاء الله وكتابهم المقدس‪،‬‬
‫وأن قبلتهم جبل الكرمل بحيفا في إسرائيل‪ ،‬وقد وجهت إليهم تهمة‬
‫مناهضة المبادئ السياسية التي يقوم عليها نظام الحكم في البلد‬
‫والترويج لفكار متطرفة بقصد تحقير وازدراء الديان السماوية الخرى ‪.‬‬

‫‪ -8‬أوصي المؤتمر العالمي الرابع للسيرة والسنة النبوية بتحريم هذا‬


‫المذهب وتجريم معتنقيه ‪.‬‬

‫ولماذا نستشهد بما حدث للبهائيين ؟‬


‫لن ما حدث لهم انتقاد صارخ لنتهاك حرية العقيدة‪ ،‬ونموذج واضح‬
‫للفهم الخاص بنا لهذه الحرية‪ ،‬سواء علي مستوي الفكر أو التشريع أو‬
‫الحكم أو المزعج حقا أن الكثيرين يتحاشون الحديث عن هذه القضية‪،‬‬
‫لنها تخص أقلية محدودة من المصريين وهؤلء يتناسون ما حدث للبهائيين‬
‫اليوم‪ ،‬يمكن أن يحدث لغيرهم غدا ً وأن المسلسل الذي بدأ بالبهائيين لبد‬
‫أن ينتهي بالمسلمين المتنورين ما دمنا حددنا حرية العتقاد بالفهم الديني‬
‫لها وليس بالفهم النساني الحضاري الواسع ‪.‬‬

‫إن الموقف من البهائيين في مصر يؤكد حقيقة مفزعة لكنها حقيقة‬


‫علي آية حال‪ ،‬وهي إننا رغم كل ادعاءاتنا حول حرية العتقاد‪ ،‬مازلنا بعدين‬
‫جدا ً عن الفهم الصحيح لهذه الحرية‪ ،‬وإذا كان البعض ينادي بقتل من‬
‫يمارس هذه الحرية‪ ،‬تحت مسميات براقة وجذابة ومثيرة للمشاعر الدينية‪،‬‬
‫فما الذي يبقي لنا من هذه الحرية سوي السم‪ ،‬وما الذي نحمله لها سوي‬
‫الدعاء الكاذب ‪.‬‬

‫وللقليات الدينية المسيحية مشكلتها ‪:‬‬

‫وهي مشكلت أصبحت متداولة ومعروفة الن‪ ،‬بعد أن وقعت حوادث‬


‫الفتن الطائفية المتلحقة للمسيحيين لول مرة منذ أوائل القرن إلي‬
‫التعبير بوضوح عن مشكلت حقيقية يعيشونها في مصر‪ .‬إن هذه‬
‫المشكلت باختصار تتمثل في ‪:‬‬

‫قانون الخط الهمايوني وقرارات العزبي باشا )وكيل وزارة‬ ‫‪-1‬‬


‫الداخلية( التي تحظر بناء الكنائس إل بقرار جمهوري والتي تحظر أيضا‬
‫ترميمها بقرارات جمهورية وقد نشرت جريدة وطني قرارا جمهوريا صدر‬
‫في العام الماضي لترميم دورتي مياه بكنيستين ‪.‬‬

‫التعصب الوظيفي علي المستوي الحكومي والذي تحول إلي ما‬ ‫‪-2‬‬
‫يشبه العرف في بعض القطاعات مثل الشرطة والجيش وفي كثير من‬
‫مناصب الدارة العليا ‪.‬‬

‫تشجيع تحول المسيحيين إلي السلم ومقاومة العكس وهي‬ ‫‪-3‬‬


‫مقاومة تصل إلي حد العتقال دون أحكام قضائية‪ ،‬وهناك وقائع‬
‫موثقة بالسماء في هذا الشأن ‪.‬‬

‫إن المشكلة هنا ليست أجهزة رسمية فقط بل مشكلة رأي عام شعبي‬
‫يفهم حرية العتقاد بأسلوبه الخاص‪ ،‬والتحرك الرسمي متغير تابع لهذا‬
‫الرأي العام وليس متغيرا مستقل ً أو مطلقا‪ ،‬فمن السهل جدا ً أن تزان‬
‫هذه القرابة أو المدينة الصغيرة بالزنيات‪ ،‬وأن تمتلئ بالنفعالت إذا‬
‫تحول مسيحي إلي السلم ومن السهل جدا ً في المقابل أن تحترق‬
‫بالفتنة وأن تشتعل بالنزاع المسلح والتخريب إذا حدث العكس‪ ،‬وقد‬
‫حدث في السبعينات أن اشتعلت مدينة السكندرية ) التي يقطنها نحو‬
‫ثلثة مليين( بمشاعر الغضب والمظاهرات لمجرد أن إشاعة انطلقت‬
‫عن تحويل أربعة من المسلمين إلي المسيحية وقد تحريت القصة‬
‫فاكتشف أنها حقيقة لكنها تتحول اثنين من المسلمين إلي المسيحية‬
‫وقد اعتقلتهما أجهزة المن لفترة بهدف حمايتهما واستتباب المن ثم‬
‫أفرحت عنهما وانتهي المر بأحدهما إلي الهجرة خارج البلد ‪.‬‬

‫الطريف هنا أيضا إذا كان فيما نذكره أي قدر من الطرافة‪ ،‬أن الشاب‬
‫المسلم سابقا والمسيحي حاليا والذي هاجر خارج البلد‪ ،‬قد تعرض‬
‫خلل فترة إقامته بمصر بعد اعتناقه المسيحية لضطهاد من نوع‬
‫غريب‪ ،‬أتي هذه المرة من بعض المسيحيين الرثوذكسي المتعصبين‬
‫الذين طاردوه باتهامه باعتناق الـ )بروتستانتية( وأدانوه أن عقيدته‬
‫ليست أرثوذكسية خالصة وقد صارحني أحد أصدقائه المقربين بأن هذا‬
‫كان أقوي أسباب عزمه علي الهجرة ‪.‬‬

‫إن أي اتجاه لدعوة المسيحيين لعتناق السلم في مصر يجد ترحيبا ً‬


‫شعبيا ويعتبره الكثيرون واجبا دينيا وتغمض السلطات أعينها عنه بل‬
‫وتساعد عليه في كثير من الحيان وفي المقابل بالطبع فإن أحدا ً ل‬
‫يتخيل حدوث جهد منظم في التجاه العكسي ولو حدث ما يشبه ذلك‬
‫بجهد فردي لصبح تندرج تحت بند )إثارة القلقل(‪ ،‬وخطورة ما أذكره‬
‫هنا أن فهم حرية العقيدة علي المستوي الرسمي سوا كان الحكومي‬
‫أو العلمي أو التعليمي‪ ،‬الدعوة إلي تحويل مصر إلي دولة دينية يحل‬
‫في النتماء الديني محل انتماء الوطني أو يسبقه علي القل‪ ،‬ويتم‬
‫إلزام غير المسلمين بإتباع شرائع المسلمين وبالدفاع عن ) دول‬
‫السلم( ‪.‬‬

‫إن كاتب هذه السطور يعتقد أن علمانية مصر أو مدنية الحكم فيها هي‬
‫التي حفظت الوحدة الوطنية متماسكة فيها خلل القرن الخير رغم كل‬
‫المشكلت‪ ،‬وهو يعتقد أيضا أن الدعوة لتحويل مصر إلي دولة دينية هي‬
‫السبب الحقيقي في توتر المشكلت الطائفية وتتابعها خلل ربع القرن‬
‫الخير وهي الكفيلة باستمرارها في نسف هذه الوحدة الوطنية نسفًا‪،‬‬
‫وإدخال مصر في مسلسل من الفتن يسهل أن تتحول إلي حروب أهلية‬
‫حقيقية لن يكون طرفاها المسلمون والمسيحيون بل سيكون أحد طرفيها‬
‫المسلمون والمسيحيون المتعصبون وسيكون الطرف الخر شامل ً‬
‫للمسيحيين وللمسلمين المتنورين وللمؤمنين بحرية العتقاد كما يجب أن‬
‫تكون ‪.‬‬

‫أن حضارة العصر ل تتسع لدولة دينية متعصبة‪ ،‬وقد أضفت هنا لفظ‬
‫)متعصبة( لنه لزوم ما يلزم‪ ،‬فالدولة الدينية والتعصب وجهان لعملة‬
‫واحدة هي الشذوذ والرجوع خلفا في وقت يتوجه فيه العالم إلي المام ‪.‬‬

‫إن الدعوة لتحويل مصر إلي دولة دينية هي التعبير السياسي عن دعوة‬
‫أخري تبدو وكأنها دعوة لتطبيق تعاليم الدين أو دعوة لتعديل النظم‬
‫التشريعية وأقصد بها الدعوة لتطبيق الشريعة السلمية وهي دعوة ل ينكر‬
‫أصحابها أن )الردة( جريمة تستحق الستتابة والعقاب‪ ،‬ولست أظن أن‬
‫أحد يمكنه بضمير مستريح أو بمنطق متماسك واضح أن يدرج الردة خارج‬
‫أطار حرية العتقاد أو أن يعتبر مثل ً المرتد أو استتابته ممارسة لحرية‬
‫العقيدة المطلقة‪ ،‬إن أسوأ ما يمكن أن يحدث لباحث هو التردد أو‬
‫التحسب أو الخوف وأحسب أن كاتب هذه السطور خارج هذا الطار ولهذا‬
‫فإنه من المناسب هنا أن أوضح ما أقصده تحديدا ً وهو أن الدعوة لتطبيق‬
‫الشريعة السلمية في مصر بما فيها حد الردة يمثل انتهاكا واضحا لحقوق‬
‫النسان وتحديدا لحرية العتقاد التي لن يصبح لها معني ول دللة ول وجود‬
‫في ظل هذا التطبيق ‪.‬‬

‫بالنسبة إلي العلم والتعليم انتشرت في السنوات الخيرة ظاهرة‬


‫)النجوم الدينية التلفزيونية( حيث شجع التلفزيون بعض الرموز الدينية‬
‫علي التواجد العلمي الواسع الملمح المستمر وأفراد لها مساحة كبيرة‬
‫ظنا ً منه أنه بهذا يحارب التطرف والتعصب في آن واحد ورغم أن الثابت‬
‫لدينا أن التطرف والتعصب قد اتسعت مساحتها بالتوازن مع اتساع‬
‫مساحة التليفزيون لهذه الرموز إل أن ما يعيننا هنا هو أن بعض الرموز‬
‫الدينية الشهيرة أو تحديدا ً الكثر شهرة قد تعمدت خلل تفسيرها ليات‬
‫القران الكريم أن تركز علي اليات التي تتعقب عقائد المسيحيين وتسفه‬
‫ما ورد في كتبهم المقدسة وتثير مشاعرهم إلي أقصي حد وبديهي أيضا‬
‫أنه من المستحيل أن تتاح لهم الفرصة علي نفس المستوي لتوضيح ما‬
‫يوجه إليهم من اتهامات أو تفنيدها ‪ ...‬هذا عن العلم المرئي أما‬
‫المطبوعات )الهلية( فقد لفحت بكل ما هو مهين أو مشين أو مسفه‬
‫لعقائد الخرين ورغم أن فرصة الرد هنا قائمة إل أن محاذيرها واضحة‬
‫وأولها إثارة الفتن الدموية التي سوف تدفع القليات فيها وثانيهما الخوف‬
‫من التهام أو العتقال وكليهما سوف يجد عشرات السباب المنطقية التي‬
‫تسانده أو تفسره وتبرره ‪.‬‬

‫من هنا يمكن فهم انحسار هذه الردود داخل إطار أماكن العبادة‬
‫وانتشار تسجيلت رجال الدين الذين يردون علي الشبهات الموجهة‬
‫لعقيدتهم الخاصة بهم وتقوقعهم داخلها وداخل أنفسهم باعتبارها خط دفاع‬
‫أخير عن عقيدتهم التي يتمسكون بها‪ ،‬وإذا كانت الصورة هكذا في مجال‬
‫العلم فهي في مجال التعليم ليست أسعد حظا ً فهناك الكثير من‬
‫الدروس الدينية التي تؤكد التعصب أو التمييز وهي في كل الحوال تعمق‬
‫التفرقة‪ ،‬وهناك ما هو أخطر من هذا بكثير وقد سبق أن عرض كاتب هذه‬
‫السطور في مقال أثار المؤسسة الدينية وأستدعي أن يطلب شيخ الزهر‬
‫نفسه لقاء السيد الرئيس ‪.‬‬

‫وأقصد به ما أؤكده هنا وهو أن جامعة الزهر‬


‫بشكلها الحالي تمثل انتهاكا لحقوق النسان في مصر‪،‬‬
‫إن جامعة الزهر تقتصر دخولها علي المسلمين حتى‬
‫قبل أنها تقصر اللتحاق بها حاليا علي خريجي المعاهد‬
‫الزهرية وهي تقبل في كلياتها كل المسلمين‬
‫بمجاميع منخفضة وهي أيضا ً ل تقتصر علي كليات‬
‫أصول الدين أو الشريعة أو الفقه بل تمتد إلي كليات‬
‫الهندسة والزراعة والطب وغيرها وهي مجالت ل‬
‫علقة لها بالعقيدة من قريب أو بعيد ‪ .‬إن معني هذا‬
‫ببساطة أن هناك نظاما ً تعليميا دينيا يقتصر دخوله‬
‫علي المسلمين فقط ويميزهم عن غيرهم في مجال‬
‫ليست دينية بطبيعتها أو بمحتواها والعجيب أن جامعة‬
‫الزهر هذه يتم تمويلها من حصيلة الضرائب التي‬
‫يدفعها المسلمون وغير المسلمون وبمعني آخر فإن‬
‫المسيحيين في مصر والبهائيين كذلك يمولون جامعة‬
‫ل يستفيد أبناؤهم منها وهو وضع فيه خلل هائل ‪ .‬والذي‬
‫يتردد في قبول ذلك المنطق أو يفاجأ بع عليه أن يسأل نفسه‪ :‬هل تسمح‬
‫السلطات في مصر في المقابل بإنشاء نظام تعليمي مسيحي مواز يقتصر‬
‫القبول فيه علي المسيحيين وتتاح فيه الفرصة لهم بدخول كليات طب‬
‫وزراعة وهندسة )مسيحية إكليريكية( يتم تمويلها من خزانة الدولة ؟ هل‬
‫يقبل المصريون أن يقتصر دخول المدارس التي أنشأتها الطوائف الدينية‬
‫في مصر وهي منتشرة في أنحاء مصر كلها علي المسيحيين وأن يكون‬
‫كل العاملين فيها من المسيحيين ويحظر أن يعمل فيها أو أن يقبل فيها‬
‫مسلم واحد كما يحدث في المعاهد الدينية الزهرية ‪.‬‬

‫إن تحاشي الحوار حول ذلك أو مناقشة دليل علي أننا ننتقد النعام الذي‬
‫يخفي رأسه في الرمال ليس لننا نرفض ما يفعله أو نسخر منه‪ ،‬ولكن‬
‫لنه يذكرنا بشئ فينا وبممارسة نمارسها وبأسلوب نتعايش معه دون خجل‬
‫‪.‬‬

‫ثم نتحدث بعد ذلك عن حقوق النسان وعن حرية العتقاد من أين يأتي‬
‫الخلل في مفهوم العتقاد؟ هذا هو السؤال الذي يبحث عن إجابة نعرض‬
‫اجتهادنا فيها علي النحو التالي ‪:‬‬

‫أول ً ‪ :‬الخلل الول خلل ثقافي يتمثل في سوء الفهم لحرية العتقاد‬
‫وتصور أنها تعني حرية اليمان )بالسلم( وتخيل أنها طريق ذو اتجاه واحد‬
‫مصلحته النهائية هي العقيدة السلمية وهو خلل يحتاج في تقدير كاتب‬
‫هذه السطور إلي أجيال لصلحه ‪.‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬النصوص الدستورية وأولها النص الذي يذكر أن )مصر دولة‬


‫إسلمية(‪ ،‬وهو نص أسئ فهمه وتأويله وتحول إلي قيد علي حرية‬
‫العقيدة ‪ ،‬وهو نص مقبول في إطار كونه نصا ) إحصائيا( يفيد أن الغلبية‬
‫مصر من المسلمين إما أن يتحول إلي نص له دللته التشريعية والدينية‬
‫فالولي هنا بوضوح شديد أن يرفع من الدستور المصري ‪.‬‬

‫إن غير المسلم مواطن مصري كامل المواطنة ولو فهمنا أن مصر‬
‫دولة إسلمية علي أنه نص يفيد أن مصر وطن المسلمين لصبح غير‬
‫المسلمين مواطنين بالنتساب أو غير مواطنين وهو ما يأباه الضمير‬
‫والوطن ‪.‬‬

‫أيضا فإن فهم هذا النص في اتجاه التزام مصر بإطار الدين السلمي‬
‫في كل سلوكياتها يؤدي في النهاية إلي إحلل مفهوم الدولة الدينية محمل‬
‫مفهوم الدولة المدنية وهو ما يأباه كاتب هذا السطور إن الدين السلمي‬
‫شأنه في ذلك شأن كل الديان له كل الحترام والتوقير لكنه في النهاية‬
‫ملزم للشخاص المقتنعين به حين يعتقدون أنه علي إتباعهم لوامر‬
‫ونواهيه يثابون‪ .‬أما الدولة فهي شخص معنوي ل عقيدة له ول ثواب ول‬
‫عقاب ‪.‬‬
‫أما النص الثاني الذي ينبغي التوقف عنده فهو النص علي أن مبادئ‬
‫الشريعة السلمية هي المصدر الرئيسي للتشريع ‪ .‬وللسف الشديد فإن‬
‫من يقرؤون هذا النص ويستشهدون به يرفعون لفظ )مبادئ( أن الشريعة‬
‫السلمية عامة ومرنة وواسعة وهي ل تختلف عن مبادئ كل الديان أما‬
‫الشريعة ذاتها فهي أمر مختلف ‪.‬‬

‫ويبقي النص الخر وهو النص علي أن حرية العتقاد مطلقة فقد كان‬
‫الصل في النص عند وضع دستور ‪ 1923‬هو أن ) حرية العتقاد الديني‬
‫مطلقة( وقد رفع اللفظ )الديني( من النص وكان الهدف من ذلك ما قرره‬
‫الشيخ )بخيت( في العمال التحضيرية لدستور ‪ 1923‬من أن العتقاد شئ‬
‫والدين شئ آخر والنص بعد التعديل كما ذكر الشيخ بخيت وأيده النبا‬
‫) يوأنس( يحمي المسلم الذي يؤيد مذهبه من شافعي إلي حنبلي أو من‬
‫شيعي إلي سني أو ينضم إلي فرقة من فرق السنة كالخوارج والمعتزلة‬
‫كما يحمي المسيحي الذي يدعي الكثلكة أو يتمذهب بالبروتستانتية ولكنه‬
‫ل يحمي المسلم الذي يرتد عن دينه ‪.‬‬

‫بهذا الفهم الذي ارتبطت به كل الدساتير اللحقة تم تخليص الدستور‬


‫من شبهة حرية العتقاد كما ورد في حقوق النسان ومازال هذا ساريا‬
‫حتى اليوم وتأخذه به المحاكم في قضايا حرية العتقاد للسف الشديد ‪.‬‬

‫وفي اعتقاد كاتب هذه السطور أنه من الضروري أن يعود النص إلي‬
‫أصله وهو )حرية العتقاد الديني مطلقة( مع توضيح ل يخرج عن إطار‬
‫ميثاق حقوق النسان الذي وقعت عليه مصر حتى يزول اللبس الذي‬
‫أوجدته تفسيرات العمال التحضيرية لدستور ‪ 1923‬والتي ظلت مرتبطة‬
‫بالنص والمفهوم حتى الن ‪.‬‬

‫ويبقي الحل وبعضه في يد بشأن الخط الهمايوني والتعصب الوظيفي‬


‫والعلم والتعليم وبعضه في يد المستقبل بشأن التعديلت الدستورية‬
‫وبعضه بل أغلبه في ضمائر المثقفين وغير المثقفين‪ ،‬وتغير الضمائر‬
‫والثقافة المتوازنة والخلط السائد في القيم والمفاهيم يحتاج إلي أجيال ‪.‬‬

‫شئ واحد نستطيعه الن هو أن نكشف العري والزيف والوهم ولعل‬


‫هذا هو ما حاولناه أما الذي نؤكده فهو أن التعرف علي المشكلة هو نقطة‬
‫البدء لطريق الحل وهو طريق أقصي ما نحلم به أن يمهده أولدنا ومن‬
‫أجل هذا فقط كتبنا ما كتبناه ‪.‬‬

Você também pode gostar