Você está na página 1de 13

‫]‪[1‬‬

‫‪Adab Penuntut Ilmu‬‬


‫‪..............................‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫إن من خير ما تعمر به األوقات االشتغال بالعلوم الشرعية‪ ،‬طلبا ً وتحصيالً ‪،‬‬
‫مذاكرة وتعليما ً ‪ ،‬فطلب العلم الشرعي من أفضل القربات وأجل الطاعات‪ ،‬ولذا‬
‫اهتم كثير من العلماء قديما ً وحديثا ً ببيان اآلداب التي ينبغي أن يتأدب بها طالب‬
‫العلم؛ فهي حليته ووسيلته إلى الفالح والنجاح‪ ،‬كما بيّنوا األخالق المحمودة ‪،‬‬
‫واألخالق المذمومة في الطلب ‪ ،‬والتي تكون معرفتها والعمل بها ‪ -‬امتثاالً وتركا ً‪-‬‬
‫سبيالً لنيل مايريد من العلم ‪ ،‬وتحصيل ثمرته ‪ ،‬ومن أهمها‬
‫‪...................‬‬
‫طلبت األدب ثالثين سنة ‪ ,‬وطلبت «‪-:‬قال عبد هللا بن المبارك –رحمه هللا ‪-‬‬
‫العلم عشرين سنة ‪ ,‬وكانوا يطلبون األدب قبل العلم »[ غاية النهاية في‬
‫‪].‬طبقات القراء البن الجزري ‪446/1‬‬
‫كاد األدب يكون ثلثي العلم »[ صفة الصفوة «‪-:‬وقال أيضا –رحمه هللا ‪-‬‬
‫‪].‬البن الجوزي ‪120/4‬‬
‫نحن إلى كثير من «‪:‬وقال أيضا –رحمه هللا‪ :-‬قال لي مخلد بن الحسين ‪-‬‬
‫األدب أحوج منا إلى كثير من الحديث »[ الجماع ألخالق الراوي وآداب‬
‫‪].‬السامع‬

‫الهدي كما «‪-:‬قال مالك بن أنس‪ :‬قال ابن سرين –رحمه هللا ‪-‬‬
‫َ‬ ‫كانوا يتعلمون‬
‫‪].-‬يتعلمون العلم »[جامع الخطيب‪79/1:‬‬

‫هو عنوان سعادة المرء وفالحه‪ ،‬وفي «‪-:‬قال اإلمام ابن القيم ‪-‬رحمه هللا‬
‫‪ ».‬المقابل فإن سوء أدبه عالمة على شقاوته وحرمانه‬

‫يقول اإلمام الزرنوجي ‪-‬رحمه هللا‪ -‬في كتابه النفيس "تعليم المتعلم طرق ‪-‬‬
‫ينبغي لطالب العلم أن يتحرز عن األخالق الذميمة فإنها كالب «‪":‬التعلم‬
‫معنوية‪ ،‬وكما أن البيت الذي فيه كالب ال تدخل فيه المالئكة فكذلك القلب‬
‫‪ ».‬الذي فيه معصية هلل وفيه سوء أدب فإن العلم ال يلج إليه وال يدخله‬
‫]‪[2‬‬

‫وقال أبو عمر عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري المعروف بابن الصالح ‪-‬‬
‫علم الحديث علم شريف يناسب مكارم األخالق ومحاسن «‪–-:‬رحمه هللا‬
‫الشيم‪ ,‬و ينافر مساوئ األخالق ومشاني الشيم‪ ,‬وهو من علوم اآلخرة ال من‬
‫علوم الدنيا‪ ,‬فمن أراد التصدي إلسماع الحديث أو إلفادة شيء من علومه‪,‬‬
‫فليقدم تصحيح النية وإخالصها ‪ ,‬وليطهر قلبه من األغراض الدنيوية‬
‫وأدناسها وليحذر بلية حب الرئاسة ورعونتها »[ علوم الحديث ‪ ,‬النوع‬
‫‪].-‬السابع والعشرون ص‪213‬‬

‫علم بال أدب كنار «‪:‬وعن أبي زكريا يحيى بن محمد العنبري ‪-‬رحمه هللا‪ -‬قال‬
‫بال حطب‪ ،‬و أدب بال علم كجسم بال روح »[ انظر الجـماع ألخـالق الراوي‬
‫‪].‬وآداب السـامع للخطيب البـغدادي ‪ 80/1‬وأدب اإلمـالء للسمـعاني ص‪2‬‬
‫‪................................‬‬

‫‪1/‬إخالص النية هلل تعالى‪:‬‬


‫فالعلم طاعة وعبادة ‪ ،‬واإلخالص هلل تعالى واجب في جميع العبادات وسائر‬
‫ين لَهُ ال ّد َ‬
‫ِين ُحنَفَاء َويُ ِقي ُموا‬ ‫الطاعات‪ ،‬قال تعالى( ‪َ :‬و َما أ ُ ِم ُروا إِ اال ِليَ ْعبُدُوا ا‬
‫َّللاَ ُم ْخ ِل ِص َ‬
‫الزكَاةَ َوذَ ِلكَ دِي ُن ا ْلقَ ِيّ َم ِة {‪}) 5‬سورة البينة‪.‬‬ ‫ص َالةَ َويُ ْؤتُوا ا‬
‫ال ا‬
‫واإلخالص في العلم أن يبتغي به وجه هللا تعالى ‪ ،‬فإذا كان َه ُّم طالب العلم‬
‫تحصيل شهادة‪ ،‬أو تبوء منصب لكسب منافع مادية فحسب ؛ فإنه ال يكون‬
‫مخلصا في طلب العلم‪.‬‬
‫عن أبي هريرة ‪ -‬رضي هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-:‬‬
‫((من تعلّم علما ً مما يبتغَى به وجه هللا ‪ -‬عز وجل‪ -‬ال يتعلمه إال ليصيب به‬
‫عرضا ً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة ))يعني ريحها ‪.‬أخرجه أحمد‬
‫(‪ ،)338/2‬وأبو داود (‪ ،)3664‬وابن ماجه (‪ ،)252‬وصححه الحاكم (‪،)160/1‬‬
‫والنووي في رياض الصالحين‪.‬‬
‫وقد حثنا النبي صلى هللا عليه وسلم على إخالص النية هلل تعالى‪ ،‬كما في حديث‬
‫عمر المتفق عليه (( ‪:‬إنما األعمال بالنيات‪ ،‬وإنما لكل امرئ ما نوى )) ‪..‬‬
‫الحديث‪ .‬رواه البخاري (‪ ،)1‬ومسلم (‪).1907‬‬

‫وقد اعتنى العلماء بهذا الحديث وصدّروا به كتبهم؛ لعموم الحاجة إليه‪ ،‬كما قال‬
‫الخطابي‪ ،‬فهذا البخاري ‪ -‬رحمه هللا‪ -‬قد صدّر كتابه الصحيح بهذا الحديث‪ ،‬فقال‬
‫العلماء‪ :‬هو خطبة كتابه‪ ،‬حيث لم يكتب له مقدمة‪ ،‬والقصد من ذلك تنبيه طالب‬
‫]‪[3‬‬

‫العلم على تصحيح النية‪ ،‬وإرادة وجه هللا تعالى‪ ،‬ونهج نهجه النووي‪ ،‬والبغوي ـ‬
‫في عدد من كتبهما ـ وغيرهما من المصنفين‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن مهدي‪ " :‬لو صنفت كتابا ً بدأت في أول كل كتاب منه بهذا‬
‫الحديث ‪".‬‬
‫قال اإلمام أحمد ‪ " :‬العلم ال يعدله شيء لمن ص ّحت نيته "‪ ،‬قالوا‪ :‬كيف ذلك ؟‬
‫قال‪ " :‬ينوي رفع الجه َل عن نفسه وعن غيره‪" .‬‬
‫وقال ابن جماعة الكناني بعدما بيّن فضل العلم‪ " :‬واعلم أن جميع ما ذكر من‬
‫ق العلماء العاملين األبرار المتقين‪ ،‬الذين‬ ‫فضل العلم والعلماء إنما هو في ح ّ‬
‫قصدوا به وجه هللا الكريم‪ ،‬والزلفى لديه في جنات النعيم ‪ ،‬ال من طلبه بسوء‬
‫نية‪ ،‬وخبث طوية ‪ ،‬أو ألغراض دنيوية ‪ ،‬من جاه أو مال أو مكاثرة في األتباع‬
‫والطالب)‪" . (1‬‬
‫ط أنوي‬‫وقال أبو يوسف ‪ " :‬أَريدوا بعلمكم هللاَ تعالى‪ ،‬فإني لم أجلس مجلسا ً ق ّ‬
‫فيه أن أتواضع إاللم أقم حتى أعلُ َوهم‪ ،‬ولم أجلس مجلسا ً قط أنوي فيه أن‬
‫ضح )‪"(2‬‬ ‫أعلوهم إال لم أقم حتى ا ُ ْفت َ َ‬

‫‪2/‬تقوى هللا ‪ -‬عز وجل ‪-:‬‬


‫فالعلماء هم أعرف الناس باهلل وأتقاهم له‪ ،‬قال تعالى( ‪ِ :‬إنا َما يَ ْخشَى ا‬
‫َّللاَ ِم ْن ِع َبا ِد ِه‬
‫ور {‪}) 28‬سورة فاطر‪ .‬وبالتقوى يزداد العالم علما ‪،‬‬ ‫يز َ‬
‫غف ُ ٌ‬ ‫ا ْلعُلَ َماء إِ ان ا‬
‫َّللاَ ع َِز ٌ‬
‫َّللاُ ِب ُك ِ ّل ش َْيءٍ‬ ‫َّللاَ َويُعَ ِلّ ُم ُك ُم ّ‬
‫َّللاُ َو ّ‬ ‫وبالعلم يزداد التقي تقوى قال تعالى( ‪َ :‬واتاقُواْ ّ‬
‫ع ِلي ٌم {‪}) 282‬سورة البقرة‪ .‬وقال تعالى ( ‪:‬ومن يتق هللا يجعل له مخرجا {‪}2‬‬ ‫َ‬
‫ويرزقه من حيث اليحتسب ) ‪...‬سورة الطالق ‪ .‬ومن أعظم الرزق العلم النافع ‪.‬‬

‫والتقوى هي جماع كل خير‪ ،‬ووصية هللا لألولين واآلخرين‪ ،‬قال تعالى في سورة‬
‫اب‬‫ِين أُوتُواْ ا ْل ِكت َ َ‬
‫ص ْينَا الاذ َ‬
‫ض َولَقَ ْد َو ا‬‫ت َو َما فِي األ َ ْر ِ‬ ‫اوا ِ‬ ‫س َم َ‬ ‫النساء( ‪َ :‬و ّّللِ َما فِي ال ا‬
‫ض‬‫ت َو َما فِي األ َ ْر ِ‬ ‫اوا ِ‬ ‫َّللاَ َوإِن ت َ ْكفُ ُرواْ فَ ِإ ان ِ ّّللِ َما فِي ال ا‬
‫س َم َ‬ ‫ِمن قَ ْب ِل ُك ْم َوإِياا ُك ْم أ َ ِن اتاقُواْ ّ‬
‫غنِيًّا َح ِميدًا {‪}). 131‬‬ ‫َّللاُ َ‬ ‫َان ّ‬ ‫َوك َ‬
‫َّللاَ يَ ْج َعل لا ُك ْم‬ ‫وقال ‪ -‬عز وجل‪ -‬في سورة األنفال ( ‪ِ :‬يا أَيُّ َها الاذ َ‬
‫ِين آ َمنُواْ إَن تَتاقُواْ ّ‬
‫ض ِل ا ْل َع ِظ ِيم {‪}) .29‬‬‫َّللاُ ذُو ا ْلفَ ْ‬ ‫فُ ْرقَانا ً َويُ َك ِفّ ْر عَن ُك ْم َ‬
‫سيِّئ َا ِت ُك ْم َو َي ْغ ِف ْر لَ ُك ْم َو ّ‬
‫أي يجعل لكم ما تٌفرقون به بين الحق والباطل‪ ،‬وبين الصحيح والسقيم‪ ،‬وبين‬
‫الغث والسمين‪ ،‬وذلك إنما يكون بنور العلم وميزانه‪ ،‬ونبراسه ومقياسه‪ ،‬فالعلم‬
‫ثمرة من ثمرات التقوى‪ ،‬والتقوى سبيل إلى نيل العلم ‪ ،‬والعلم يرقى بصاحبه إلى‬
‫أعلى درجات المعرفة باهلل‪ ،‬والخشية من هللا‪ ،‬ولهذا يؤثر عن الشافعي ‪ -‬رحمه‬
‫]‪[4‬‬

‫هللا‪ -‬أنه قال‪:‬‬

‫شكوت إلى وكيع سـوء حفظـي فأرشـدني إلى ترك المعــاصي‬

‫وأخبرنـي بأن العلـم نــــور ونـور هللا ال يهدى لعـاصـي‬

‫ومن أول ما يدخل في ذلك القيام بشعائر اإلسالم وظواهر األحكام‪ :‬ومن ذلك‬
‫المحافظة على الصالة في المساجد‪ ،‬وإفشاء السالم للخواص والعوام‪ ،‬واألمر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وإظهار السنن‪ ،‬وإخماد البدع‪ ،‬وغير ذلك من‬
‫سي به‪ ،‬وليصون عرضه عن الوقيعة والظنون‬ ‫األحكام الظاهرة ليحصل التأ ّ‬
‫المكروهة‪.‬‬

‫ومن ذلك أيضا ً المحافظة على المندوبات الشرعية القولية والفعلية‪:‬‬

‫ومن ذلك تالوة القرآن الكريم بتفكّر وتدبّر‪ ،‬واإلكثار من ذكر هللا تعالى بالقلب‬
‫واللسان‪ ،‬واإللحاح في الدعاء والتضرع بإخالص وصدق‪ ،‬واالعتناء بنوافل‬
‫العبادات من الصالة والصيام والصدقة وحج بيت هللا الحرام‪ ،‬والصالة على النبي‬
‫‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬وغير ذلك من فضائل األقوال واألعمال التي يراد العلم‬
‫ألجلها‪.‬‬

‫‪(1) -‬تذكرة السامع والمتكلم (ص‪) . 13‬‬


‫‪(2) -‬تذكرة السامع والمتكلم (ص‪) .69‬‬

‫‪3/‬العمل بالعلم‪ :‬فالعلم إن لم يترجم إلى عمل فما الفائدة منه‪ ،‬فعلى طالب العلم‬
‫كما يجد في الطلب أن يجد في العمل‪ ،‬فإنه أولى الناس بقطف ثمرات علمه‪ ،‬ولقد‬
‫مدح هللا ‪ -‬عز وجل‪ -‬في كتابه الكريم العاملين بما علموا ‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬والاذ َ‬
‫ِين‬
‫]‪[5‬‬

‫ش ِْر ِعبَا ِد {‪ }17‬الاذ َ‬


‫ِين‬ ‫َّللاِ لَ ُه ُم ا ْلبُش َْرى فَبَ ّ‬ ‫غوتَ أَن يَ ْعبُدُو َها َوأَنَابُوا إِلَى ا‬ ‫طا ُ‬ ‫اجتَنَبُوا ال ا‬‫ْ‬
‫َّللاُ َوأ ُ ْولَئِكَ ُه ْم أ ُ ْولُوا ا ْأل َ ْلبَا ِ‬
‫ب‬ ‫ِين َهدَا ُه ُم ا‬ ‫سنَهُ أ ُ ْولَئِكَ الاذ َ‬‫ون أ َ ْح َ‬
‫ون ا ْلقَ ْو َل فَيَتابِعُ َ‬
‫ست َ ِمعُ َ‬‫يَ ْ‬
‫{‪ )}18‬سورة الزمر ‪.‬‬
‫كما ذم هللا أولئك الذين ال ينتفعون بما يحملونه من علم‪ ،‬وشبههم ‪ -‬عز وجل‪-‬‬
‫بالحمار الذي يحمل أسفارا ال يعرف قيمتها‪ ،‬فضال عن جهله بما تحويه من درر‪،‬‬
‫ِين ُح ِ ّملُوا الت ا ْو َراةَ ث ُ ام لَ ْم َي ْح ِملُو َها َك َمث َ ِل‬
‫قال تعالى في سورة الجمعة‪َ { :‬مث َ ُل الاذ َ‬
‫َّللاُ َال َي ْهدِي ا ْلقَ ْو َم‬
‫َّللاِ َو ا‬ ‫ت ا‬ ‫ِين َكذابُوا ِبآ َيا ِ‬ ‫س َمث َ ُل ا ْلقَ ْو ِم الاذ َ‬ ‫سفَ ً‬
‫ارا بِئْ َ‬ ‫ا ْل ِح َم ِار يَ ْح ِم ُل أ َ ْ‬
‫ين {‪} }.5‬‬ ‫ال ا‬
‫ظا ِل ِم َ‬
‫وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد ‪ -‬رضي هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬سمعت رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم يقول‪( :‬يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار‪ ،‬فتندلق‬
‫أقتابه في النار‪ ،‬فيدور كما يدور الحمار برحاه‪ ،‬فيجتمع أهل النار عليه فيقولون‪:‬‬
‫أي فالنا ما شأنك؟ أليس كنت تأمرننا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال‪ :‬كنت‬
‫آمركم بالمعروف وال آتيه‪ ،‬وأنهاكم عن المنكر وآتيه)‪ .‬صحيح البخاري‬
‫(‪ ،)3094‬وصحيح مسلم (‪).2989‬‬
‫قال علي بن أبي طالب ‪ -‬رضي هللا عنه‪ ( :-‬هتف العلم بالعمل‪ ،‬فإن أجابه وإال‬
‫ارتحل )‪) 1( .‬‬
‫وقال الشافعي‪ " :‬ليس العلم ما ح ِفظ‪ ،‬العلم ما نفع " ‪) 2( .‬‬
‫وقال بعض السلف‪ " :‬يا حملة العلم‪ ،‬اعملوا فإنما العالم من عمل بما علم‪،‬‬
‫ووافق علمه عمله‪ ،‬وسيكون أقوام يحملون العلم ال يجاوز تراقِيَهم‪ ،‬يخالف‬
‫عملهم علمهم‪ ،‬ويخالف سريرتهم عالنيتهم‪ ،‬يجلسون ِحلقا ً يباهي بعضهم بعضاً‪،‬‬
‫إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره وي َدعَه‪ ،‬أولئك ال يصعد‬ ‫حتى ّ‬
‫أعمالهم في مجالسهم تلك إلى هللا تعالى " ‪) 3( .‬‬
‫ومن ذلك دوام مراقبة هللا تعالى في السر والعلن‪ ،‬ومالزمة خشيته سبحانه‪ ،‬قال‬
‫اإلمام أحمد‪" :‬أصل العلم الخشية‪".‬‬
‫وقال الزهري ‪ " :‬إن للعلم غوائل‪ ،‬فمن غوائله أن يترك العمل به حتى يذهب ‪،‬‬
‫ومن غوائله النسيان ‪ ،‬ومن غوائله الكذب فيه ‪ ،‬وهو شر غوائله " ‪) 4( .‬‬
‫أحب إليك أو العمل؟ فقال‪ " :‬إنما يراد العلم‬ ‫ّ‬ ‫وسئل سفيان الثوري‪ :‬طلب العلم‬
‫للعمل‪ ،‬فال تدع طلب العلم للعمل‪ ،‬وال تدع العمل لطلب العلم " ‪) 5( .‬‬
‫]‪[6‬‬

‫‪4/‬الصبر والتحمل‪:‬فطريق العلم ليس مفروشا بالورود والرياحين بل إنه يحتاج‬


‫إلى صبر ويقين وعزيمة ال تلين ‪ ،‬فالطريق طويل‪ ،‬والنفس داعية إلى الملل‪،‬‬
‫والسآمة‪ ،‬والدعة‪ ،‬والراحة‪ ،‬فإذا طاوع طالب العلم نفسه قادته إلى الحسرة‬
‫والندامة‪ ،‬يقول الشاعر‪:‬‬
‫ت‬‫وما النفس إال حيث يجعلهــا الفتى فإن أطمعت تـاقت وإال تسل ِ‬
‫ويقول شاعر آخر‪:‬‬
‫والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم‬
‫ومن أعظم ميادين الصبر ‪ :‬الصبر في طلب العلم ‪ :‬فال سبيل إلى طلب العلم إال‬
‫بالصبر ‪ ،‬فالصبر يضئ لطالب العلم طريقه ‪ ،‬وهو زاد ال يستغني عنه ‪ ،‬وخلق‬
‫كريم ال بد وأن يتحلى به ‪ ،‬صبره على مشقة الترحال إلى الشيوخ‪ ،‬وطول المكث‬
‫عندهم‪ ،‬والتأدب معهم‪ ،‬وصبره على المذاكرة والتحصيل‪ ،‬وفي قصة موسى‬
‫والخضر دار هذا الحوار بين نبي هللا موسى وبين الخضر ‪ -‬عليهما السالم‪ ،-‬قال‬
‫ع ِلّ ْمتَ‬‫علَى أَن تُعَ ِلّ َم ِن ِم اما ُ‬ ‫سى َه ْل أَت ا ِبعُكَ َ‬ ‫تعالى في سورة الكهف‪ ( :‬قَا َل لَهُ ُمو َ‬
‫علَى َما لَ ْم ت ُ ِح ْط‬ ‫ص ِب ُر َ‬ ‫ف تَ ْ‬ ‫ص ْب ًرا {‪َ }67‬و َك ْي َ‬ ‫شدًا {‪ }66‬قَا َل ِإناكَ لَن ت َ ْ‬
‫ست َ ِطي َع َم ِع َي َ‬ ‫ُر ْ‬
‫ْصي لَكَ أ َ ْم ًرا {‪} ) .69‬‬ ‫صا ِب ًرا َوال أَع ِ‬ ‫ست َ ِج ُدنِي إِن شَاء ا‬
‫َّللاُ َ‬ ‫ِب ِه ُخ ْب ًرا {‪ }68‬قَا َل َ‬
‫كذلك ينبغي على المعلم أن يتحلى بجميل الصبر مع تالميذه وأن يتسع صدره‬
‫ألسئلتهم‪ ،‬فال يضيق بهم ذرعا‪ ،‬وأن يتحملهم‪ ،‬ويحلم بهم ويترفق‪ ،‬ويس ّهل لهم‬
‫التحصيل ‪ ،‬اقتداء بنبينا ومعلمنا وحبيبنا محمد صلى هللا عليه وسلم الذي مدحه‬
‫ضواْ ِم ْن‬ ‫ب الَنفَ ُّ‬ ‫غ ِلي َظ ا ْلقَ ْل ِ‬
‫ظا َ‬ ‫َّللاِ ِلنتَ لَ ُه ْم َولَ ْو كُنتَ فَ ًّ‬
‫ربه بقوله‪ ( :‬فَ ِب َما َر ْح َم ٍة ِ ّم َن ّ‬
‫علَى ّ‬
‫َّللاِ‬ ‫ست َ ْغ ِف ْر لَ ُه ْم َوشَا ِو ْر ُه ْم فِي األ َ ْم ِر فَ ِإذَا ع ََز ْمتَ فَت َ َو اك ْل َ‬
‫ع ْن ُه ْم َوا ْ‬ ‫ْف َ‬ ‫َح ْو ِلكَ فَاع ُ‬
‫ين {‪ ) }159‬سورة آل عمران‪.‬‬ ‫ب ا ْل ُمت َ َو ِ ّك ِل َ‬ ‫إِ ان ّ‬
‫َّللاَ يُ ِح ُّ‬
‫‪...................................‬‬

‫‪(1) -‬اقتضاء العلم العمل (‪).36-35‬‬


‫‪(2) -‬تذكرة السامع والمتكلم (ص‪).15‬‬
‫‪(3) -‬حاشية تذكرة السامع (ص‪).17-16‬‬
‫‪(4) -‬جامع بيان العلم ( ‪) .108 - 107 / 1‬‬
‫‪(5) -‬حلية األولياء (‪).12/7‬‬
‫]‪[7‬‬

‫‪5/‬أن ال يمنعه خجله من السؤال‪:‬‬


‫ولذلك قال بعض السلف ‪ " :‬ال يتعلم العلم مستحٍ وال مستكبر " ‪ ،‬يحمله تكبره‬
‫على أن يعجب بنفسه ويبقى على جهله‪ ،‬وكذلك أيضا يحمله خجله عن أن ال‬
‫يطلب أو يستفيد ممن معه علم فيبقى على جهله‪.‬‬
‫روى اإلمام مسلم في صحيحه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة قالت‪:‬‬
‫جاءت أم سليم إلى النبي صلى هللا عليه وسلم فقالت‪ :‬يا رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم! إن هللا ال يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ " :‬نعم‪ ،‬إذا رأت الماء" فقالت أم سلمة‪ :‬يا‬
‫رسول هللا! وتحتلم المرأة؟ فقال‪" :‬تربت يداك‪ .‬فبم يشبهها ولدها "‪ .‬صحيح‬
‫مسلم ( ‪) .313‬‬
‫وهذا ابن عباس رضي هللا عنهما ‪ ،‬مع حرصه على مالزمة النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم قبل وفاته ‪ ،‬ودعائه له صلى هللا عليه وسلم كان مجتهدا في طلب العلم من‬
‫فقهاء الصحابة بعد وفاة النبي صلى هللا عليه وسلم فعن عكرمة عن ابن عباس‬
‫رضي هللا عنهما قال ‪ " :‬لما قبض رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قلت لرجل من‬
‫األنصار‪ :‬هلم فلنسأل أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فإنهم اليوم كثير‬
‫قال‪ :‬فقال‪ :‬واعجبا لك أترى الناس يفتقرون إليك؟ قال‪ :‬فترك ذلك وأقبلت أسأل‪،‬‬
‫فإن كان ليبلغني الحديث عن رجل فآتي بابه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه‬
‫تسفي الريح علي من التراب فيخرج فيراني فيقول‪ :‬يا ابن عم رسول هللا ما جاء‬
‫بك هال أرسلت إلي فآتيك ؟ فأقول‪ :‬ال أنا أحق أن آتيك فأسأله عن الحديث فعاش‬
‫الرجل األنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي ليسألوني فقال‪ :‬هذا الفتى‬
‫كان أعقل مني "(‪) . 1‬‬
‫‪6/‬التواضع والسكينة ونبذ الخيالء والكبر‪:‬‬
‫قال عمر بن الخطاب رضي هللا عنه‪( :‬تعلّموا العلم‪ ،‬وتعلّموا له السكينةَ والوقار‪،‬‬
‫وتواضعوا لمن تعلّمون‪ ،‬وليتواضع لكم من تع ِلّمون‪ ،‬وال تكونوا جبابرة العلماء‪،‬‬
‫وال يقوم علمكم مع جهلكم) (‪) .2‬‬
‫وكتب اإلمام مالك إلى الرشيد‪" :‬إذا علمت علما ً فليُ َر عليك أثره وسكينته وسمته‬
‫ووقاره وحلمه" (‪) . 3‬‬
‫وقال اإلمام الشافعي‪" :‬ال يطلب أحد هذا العلم بالملك وعز النفس فيفلح‪ ،‬ولكن‬
‫من طلبه بذ ّل النفس وضيق ال َعيش وخدمة العلماء أفلح" (‪) . 4‬‬
‫]‪[8‬‬

‫‪7/‬الهمة في طلب العلم‪:‬‬


‫تكتف بقليل العلم مع إمكان كثيره‪ ،‬وال تقنع‬
‫ِ‬ ‫لتكن همتك في طلب العلم عالية ؛ فال‬
‫من إرث األنبياء ‪ -‬صلوات هللا عليهم ‪ -‬بيسيره‪ ،‬وال تركن إلى الكسل والتواني‬
‫تسوف ‪ ،‬واجعل قدوتك العلماء العاملين الذين جدوا وتسابقوا في هذا الميدان‬ ‫وال ّ‬
‫‪ .‬وال تؤخر تحصيل فائدة تمكنت منها وال يشغلك األمل والتسويف عنها؛ فإن‬
‫للتأخير آفات‪ ،‬وألنك إذا حصلتها في الزمن الحاضر؛ حصل في الزمن الثاني‬
‫غيرها ‪.‬‬
‫واغتنم وقت فراغك ونشاطك‪ ،‬وزمن عافيتك‪ ،‬وشرخ شبابك‪ ،‬ونباهة خاطرك‪،‬‬
‫وقلة شواغلك‪ ،‬قبل عوارض البطالة أو موانع الرياسة ‪.‬‬
‫وينبغي لك أن تعتني بتحصيل الكتب المحتاج إليها ما أمكنك؛ ألنها آلة التحصيل‪،‬‬
‫وال تجعل تحصيلها وكثرتها (بدون فائدة) حظك من العلم‪ ،‬وجمعها نصيبك من‬
‫الفهم‪ ،‬بل عليك أن تستفيد منها بقدر استطاعتك ‪.‬‬
‫قال ابن جماعة الكناني‪" :‬الذي ينبغي لطالب العلم أن ال يخالط إال من يفيده أو‬
‫يستفيد منه‪ ...‬فإن شرع أو تعرض لصحبة من يضيع عمره معه وال يفيده وال‬
‫طف في قطع عشرته من أول األمر‬ ‫يستفيد منه وال يعينه على ما هو بصدده فليتل ّ‬
‫قبل تمكّنها‪ ،‬فإن األمور إذا تمكّنت عسرت إزالتها" (‪). 5‬‬
‫‪8/‬اختيار الصاحب ‪:‬‬
‫احرص على اتخاذ صاحب صالح في حاله‪ ،‬كثير االشتغال بالعلم‪ ،‬جيد الطبع‪،‬‬
‫يعينك على تحصيل مقاصدك ‪ ،‬ويساعدك على تكميل فوائدك ‪ ،‬وينشطك على‬
‫زيادة الطلب ‪ ،‬ويخفف عنك الضجر والنصب ‪ ،‬موثوقا ً بدينه وأمانته ومكارم‬
‫ب وال اله ‪ ".‬انظر تذكرة السامع البن‬ ‫أخالقه ‪ ،‬ويكون ناصحا ً هلل غير الع ٍ‬
‫جماعة ‪.‬‬
‫وإياك وقرين السوء؛ فإن العرق دساس‪ ،‬والطبيعة نقالة‪ ،‬والطباع سراقة‪،‬‬
‫والناس كأسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم ببعض‪ ،‬فاحذر معاشرة من‬
‫كان كذلك فإنه المرض‪ ،‬والدفع أسهل من الرفع‪.‬‬
‫‪......................‬‬
‫‪(1) -‬اإلصابة البن حجر ترجمة عبد هللا بن عباس ‪90 / 4‬‬
‫‪(2) -‬انظر‪ :‬الزهد لوكيع (‪).275‬‬
‫]‪[9‬‬

‫‪(3) -‬انظر‪ :‬تذكرة السامع والمتكلم (ص‪).16-15‬‬


‫‪(4) -‬انظر‪ :‬تذكرة السامع والمتكلم (ص‪).72-71‬‬
‫‪(5) -‬تذكرة السامع والمتكلم (ص‪).83‬‬
‫‪9/‬التفرغ والمحافظة على األوقات‪:‬‬
‫وذلك بأن ال يضيع شيئا ً من أوقات عمره في غير ما هو بصدده من العلم والعمل‬
‫إال بقدر الضرورة ‪ ،‬وقد كان بعضهم ال يترك االشتغا َل بالعلم لعروض مرض‬
‫خفيف أو ألم لطيف ‪ ،‬بل كان يستشفي بالعلم ‪ ،‬ويشتغل به بقدر اإلمكان‪.‬‬
‫قال الشافعي‪ :‬لو كلفت شرا َء بصلة لما فهمت مسألة ‪)1(.‬‬
‫وخرب بستانه‪ ،‬وهجر‬ ‫ّ‬ ‫طل دكّانه‪،‬‬ ‫وقال بعضهم‪" :‬ال يَنال هذا العلم إال من ع ّ‬
‫إخوانَه‪ ،‬ومات أقرب أهله فلم يشهد جنازته"‪) 2( .‬‬
‫والوقت نعمة إلهية تستوجب منا الشكر ‪ ،‬قال تعالى في سورة إبراهيم ‪... ( :‬‬
‫سأ َ ْلت ُ ُموهُ َوإِن تَعُدُّواْ نِ ْع َمتَ ّ‬
‫َّللاِ الَ‬ ‫ار {‪َ }33‬وآتَاكُم ِ ّمن ُك ِ ّل َما َ‬ ‫س اخ َر لَ ُك ُم اللا ْي َل َوالنا َه َ‬‫َو َ‬
‫ار {‪}) .34‬‬ ‫ان لَ َظلُو ٌم َكفا ٌ‬‫س َ‬ ‫اإلن َ‬ ‫صو َها إِ ان ِ‬ ‫ت ُ ْح ُ‬
‫ففي هذه اآليات الكريمة يمتن تعالى على عباده بجملة من نعمه التي ال تحصى ‪،‬‬
‫ومن هذه النعم نعمة الليل والنهار الذي يدور الوقت حولهما ويقوم عليهما‪،‬‬
‫وكثير من الناس يغفلون عن هذه النعمة مع جالئها ‪ ،‬قال تعالى في سورة النحل‬
‫س اخ َراتٌ ِبأ َ ْم ِر ِه ِإ ان ِفي ذَ ِلكَ‬ ‫س َوا ْلقَ َم َر َوا ْلنُّ ُجو ُم ُم َ‬‫ار َوالش ْام َ‬ ‫س اخ َر لَ ُك ُم اللا ْي َل َوا ْلنا َه َ‬
‫( َو َ‬
‫ون {‪) ) .12‬‬ ‫ت ِلّقَ ْو ٍم َي ْع ِقلُ َ‬ ‫َآل َيا ٍ‬
‫ومن هنا تتجلى لنا تلك النعمة اإللهية التي غفل عن شكرها الغافلون ‪ ،‬وتنافس‬
‫في تبديدها وإهدارها البطالون المبطلون ‪ ،‬وصدق رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم حين قال‪ ( :‬نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) رواه‬
‫البخاري (‪ )6049‬عن ابن عباس رضي هللا عنهما ‪ .‬وقوله ( مغبون ) من الغبن‬
‫وهو النقص‪ ،‬وقيل‪ :‬الغبن وهو ضعف الرأي ‪ ( .‬الصحة ) في األبدان‪ ( .‬الفراغ )‬
‫عدم ما يشغله من األمور الدنيوية ‪.‬‬
‫فعلى المؤمن العاقل أن يج ّد في شكر المنعم على نعمة الوقت وأن يوظفه في كل‬
‫مفيد نافع‪.‬‬
‫والوقت أمانة ومسئولية سيسأل عنها اإلنسان يوم العرض على هللا ‪ ،‬قال صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪ ( :‬ال تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع عن عمره فيم أفناه ‪،‬‬
‫وعن شبابه فيم أباله ‪ ،‬وعن ماله من أين أكتسبه وفيم أنفقه ‪ ،‬وعن علمه ماذا‬
‫]‪[10‬‬

‫عمل به ) رواه الترمذي (‪2418‬و‪ )2419‬وقال‪ :‬حسن صحيح ‪.‬‬


‫والوقت من أغلى ما يمتلكه اإلنسان ‪ ،‬فالوقت هو الحياة ‪ ،‬وهو رأس مال‬
‫اإلنسان ‪ ،‬وإذا ضيعه فال يمكن بأي حال من األحوال أن يستردّه ‪ ،‬وشبهه بعض‬
‫العقالء بالذهب ‪ ،‬ولكنه أغلى وأنفس من كل نفيس ؛ ألنه جزء من كيان اإلنسان‬
‫‪ ،‬ألنه أنفاسه المعدودة في هذه الحياة‪.‬‬
‫أيسر ما عليك يهون‬ ‫َ‬ ‫والوقت أنفس ما عُنيت بحفظه ** وأراه‬
‫والمؤمن وحده هو الذي يعرف قيمة الوقت ‪ ،‬لمعرفته بالغاية التي من أجلها‬
‫ُون {‪َ }56‬ما أ ُ ِري ُد ِم ْن ُهم‬ ‫نس إال ِل َي ْعبُد ِ‬‫اإل َ‬ ‫خلق ‪ ،‬قال عز وجل ‪َ (:‬و َما َخلَ ْقتُ ا ْل ِج ان َو ْ ِ‬
‫ق ذُو ا ْلقُ او ِة ا ْل َم ِتي ُن {‪}58‬‬
‫الر ازا ُ‬ ‫َّللاَ ُه َو ا‬‫ون {‪ِ }57‬إ ان ا‬ ‫ق َو َما أ ُ ِري ُد أَن يُ ْط ِع ُم ِ‬‫ِ ّمن ِ ّر ْز ٍ‬
‫ون {‪} ).59‬‬‫ست َ ْع ِجلُ ِ‬‫ص َحا ِب ِه ْم فَ َال يَ ْ‬‫ب أَ ْ‬
‫ِين َظلَ ُموا ذَنُوبًا ِ ّمثْ َل ذَنُو ِ‬ ‫فَ ِإ ان ِللاذ َ‬
‫وقد كان سلفنا الصالح رضوان هللا عليهم حريصين أشد الحرص على االنتفاع‬
‫بأوقاتهم واغتنامها واستثمارها ‪ ،‬فقد كانوا يسابقون الساعات ويبادرون‬
‫اللحظات ضنّا منهم بالوقت ‪ ،‬وحرصا ً على أن ال يذهب منهم سدى ‪.‬‬
‫قال الصحابى الجليل عبد هللا بن مسعودرضي هللا عنه ‪ ( :‬ما ندمت على شيء‬
‫ندمي على يوم غربت شمسه ‪ ،‬نقص فيه أجلي ‪ ،‬ولم يزد فيه عملي‪).‬‬
‫وقال الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز رضي هللا عنه‪ :‬إن الليل والنهار‬
‫يعمالن فيك ‪ ،‬فاعمل فيهما‪).‬‬
‫وقال الحسن البصرى رضي هللا عنه ‪ :‬يا ابن آدم إنما أنت أيام فإذا ذهب يوم‬
‫ذهب بعضك ‪ ،‬ويوشك إذا ذهب بعضك أن يذهب كلك وقال أيضا ً ‪ :‬أدركـت أقوامـا‬
‫كانـوا على أوقاتهـم أشـد منكـم حرصـا ً على دراهمكم ودنانيركم‪.‬‬
‫قال أبو هالل العسكرى كان الخليل بن أحمد – الفراهيدى البصرى أحد أذكياء‬
‫العالم – (‪ )170‬هـ يقول أثقل الساعات علي ‪ :‬ساعة آكل فيها ‪ ،‬فاهلل أكبر ما أشد‬
‫الفناء في العلم عنده ؟! ‪ ،‬وما أوقد الغيرة على الوقت لديه ؟!(‪) .3‬‬
‫وروى الخطيب البغدادى عن أبى العباس المبرد قال ‪ :‬ما رأيت أحرص على العلم‬
‫من ثالثة ‪ :‬الجاحظ – عمرو بن بحر إمام أهل األدب – ( ‪ ) 255‬والفتح بن‬
‫خاقان – األديب الشاعر أحد األذكياء – من أبناء الملوك ‪ ،‬اتخذه الخليفة المتوكل‬
‫العباسي وزيرا له وأخا ً ‪ ،‬واجتمعت له خزانة كتب حافلة من أعظم الخزائن ‪،‬‬
‫(‪ 247‬هـ) وإسماعيل بن إسحاق القاضي – اإلمام الفقيه المالكى البغدادى – (‬
‫‪ 282‬هـ‪) .‬‬
‫]‪[11‬‬

‫فأما الجاحظ فإنه كان إذا وقع بيده كتاب قرأه من أوله إلى آخره أي كتاب كان ‪،‬‬
‫حتى إنه كان يكترى دكاكين الوراقين ويبيت فيها للنظر في الكتب‪.‬‬
‫وأما الفتح بن خاقان فإنه كان يحمل الكتاب في كمه ‪ ،‬فإذا قام من بين يدي‬
‫المتوكل للبول أو للصالة ‪ ،‬أخرج الكتاب فنظر فيه وهو يمشي ‪ ،‬حتى يبلغ‬
‫الموضع الذي يريده ‪ ،‬ثم يصنع مثل ذلك في رجوعه ‪ ،‬إلى أن يأخذ مجلسه ‪ ،‬فإذا‬
‫أراد المتوكل القيام لحاجة أخرج الكتاب من كمه وقرأه في مجلس المتوكل إلى‬
‫حين عوده‪.‬‬
‫وأما إسماعيل بن إسحاق القاضي فإني ما دخلت عليه قط إال رأيته وفي يده‬
‫كتاب ينظر فيه أو يقلب الكتب لطلب كتاب ينظر فيه أو ينفض الكتب ‪)4( .‬‬
‫وقال عبيد بن يعيش ‪ :‬أقمت ثالثين سنة ما أكلت بيدي بالليل ‪ ،‬كانت أختي‬
‫تلقمني وأنا أكتب الحديث(‪) .5‬‬
‫وهذا اإلمام جمال الدين القاسمي رحمه هللا وقد عاش قرابة خمسين سنة وألف‬
‫ما يزيد عن خمسين مؤلفا ً وكانت حياته زاخرة بالعلم والدعوة والكفاح ‪ ،‬ومع‬
‫ذلك كان يقول ‪ :‬يا ليت الوقت يباع فأشتريه‪.‬‬
‫وبحرص سلفنا الصالح على أوقاتهم عال قدرهم وسما شأنهم ‪ ،‬وخلد ذكرهم ‪،‬‬
‫أما في زماننا هذا فإن من أبرز أسباب تخلف المسلمين تفننهم وتفانيهم في‬
‫تدمير وإهدار أوقاتهم في المقاهي والمالهي والطرقات وأمام التلفاز‬
‫والتسجيالت الصوتية والمرئية وفي غير ذلك من المجاالت التي ال فائدة منها‬
‫وال ثمرة من ورائها ‪" .‬‬
‫‪..............................‬‬
‫‪(1) -‬انظر‪ :‬تذكرة السامع والمتكلم (ص‪) .27‬‬
‫‪(2) -‬انظر‪ :‬الجامع ألخالق الراوي للخطيب (‪) .1534‬‬
‫‪(3) -‬الحث على طلب العلم واالجتهاد في جمعه ألبى هالل العسكرى ص ‪.87‬‬
‫‪(4) -‬تقييد العلم للخطيب البغدادى ص ‪.139‬‬
‫‪(5) -‬الجامع ألخالق الراوي وآداب السامع ‪ ، 178/2‬وعبيد بن يعيش شيخ‬
‫البخاري ومسلم تراجع ترجمته في سير أعالم النبالء للذهبى ‪. 45/11‬‬
‫‪10/‬احترام العلماء من غير تقديس‪ ،‬واتباعهم من غير تقليد‪:‬‬

‫فيجب على طلبة العلم احترام العلماء وتقديرهم‪ ،‬وأن تتسع صدورهم لما يحصل‬
‫]‪[12‬‬

‫من اختالف بين العلماء وغيرهم‪ ،‬وأن يقابلوا هذا باالعتذار عمن سلك سبيالً‬
‫خطأ في اعتقادهم‪ ،‬وهذه نقطة مهمة جداً‪ ،‬ألن بعض الناس يتتبع أخطاء‬
‫ويشوش على الناس سمعتهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫اآلخرين‪ ،‬ليتخذ منها ما ليس الئقا ً في حقهم‪،‬‬
‫وهذا من أكبر األخطاء‪ ،‬وإذا كان اغتياب العا ّمي من الناس من كبائر الذنوب‪،‬‬
‫فإن اغتياب العالم أكبر وأكبر‪ ،‬ألن اغتياب العالم ال يقتصر ضرره على العالم بل‬
‫عليه وعلى ما يحمله من العلم الشرعي"(‪). 1‬‬
‫حق العالم عليك إذا‬ ‫قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي هللا عنه‪( :‬من ّ‬
‫صة‪ ،‬وعلى القوم عا ّمة‪ ،‬وتجلس قُداامه‪ ،‬وال تشِر بيديك‪،‬‬ ‫أتيته أن تس ِلّم عليه خا ا‬
‫خالف قولك‪ ،‬وال تأخذ بثو ِبه‪ ،‬وال تُل اح عليه‬
‫َ‬ ‫تغمز بعينَيك‪ ،‬وال تقُل‪ :‬قال فالن‬
‫وال ِ‬
‫في السؤال‪ ،‬فإنّه بمنزلة النخلة ال ُمرطبة التي ال يزال يسقط عليك منها‬
‫شيء)(‪).2‬‬
‫‪11/‬رحابة الصدر في مسائل الخالف‪:‬‬
‫فينبغي أن يكون صدرطالب العلم رحبا ً في مواطن الخالف الذي مصدره‬
‫االجتهاد؛ ألن مسائل الخالف بين العلماء إما أن تكون مما ال مجال لالجتهاد فيه‪،‬‬
‫ويكون األمر فيها واضحاً‪ ،‬فهذه ال يعذَر أحد بمخالفتها‪ ،‬وإما أن تكون مما‬
‫لالجتهاد فيها مجال‪ ،‬فهذه يعذر فيها من خالفها"(‪). 3‬‬
‫‪12/‬التأدب مع الشيخ ‪:‬‬
‫بما أن العلم ال يؤخذ ابتدا ًء من الكتب‪ ،‬بل البد من شيخ تتقن عليه مفاتيح الطلب‪،‬‬
‫لتأمن من الزلل‪ ،‬فعليك إذا ً باألدب معه‪ ،‬فإن ذلك عنوان الفالح والنجاح‪،‬‬
‫والتحصيل والتوفيق‪ .‬فليكن شيخك محل إجالل منك وإكرام وتقدير وتلطف‪ ،‬فخذ‬
‫بمجامع األدب مع شيخك في جلوسك معه‪ ،‬والتحدث إليه‪ ،‬وحسن السؤال‪،‬‬
‫واالستماع‪ ،‬وحسن األدب في تصفح الكتاب أمامه‪ ،‬وترك التطاول والمماراة‬
‫أمامه‪ ،‬وعدم التقدم عليه بكالم أو مسير أو إكثار الكالم عنده‪ ،‬أو مداخلته في‬
‫حديثه ودرسه بكالم منك‪ ،‬أو اإللحاح عليه في جواب‪ ،‬متجنبا ً اإلكثار من السؤال‬
‫ال سيما مع شهود المأل؛ فإن هذا يوجب لك الغرور وله الملل‪ ،‬وال تناديه باسمه‬
‫مجرداً‪ ،‬أو مع لقبه بل قل‪ " :‬يا شيخي‪ ،‬أو يا شيخنا ‪.‬‬
‫وإذا بدا لك خطأ من الشيخ‪ ،‬أو وهم فال يسقطه ذلك من عينك‪ ،‬فإنه سبب‬
‫لحرمانك من علمه‪ ،‬ومن ذا الذي ينجو من الخطأ سالما ً (‪) . 4‬‬
‫‪13/‬مذاكرة العلم وكتابة مااستفاده ‪:‬‬
‫]‪[13‬‬

‫وقد قيل ‪ :‬إحياء العلم مذاكرته ** فأدم للعلم مذاكرته‬


‫ولقد كان سلفنا الصالح يتواصون بمذاكرة العلم ‪ ،‬يقول أحدهم‪ :‬مذاكرة ليلة أحب‬
‫إلي من إحيائها‪ .‬يعني ‪ :‬جلوسي في هذه الليلة أتذكر العلم وأتذكر ما حفظته أحب‬
‫إلي من أن أقومها قراءة وتهجدا وصالة وركوعا وسجودا ‪.‬‬
‫وينبغي على طالب العلم كلما استفاد فائدة أثبتها معه في دفتر أو ورقة وكررها‬
‫إلى أن يحفظها ‪ .‬يقول العلماء ‪ " :‬إن ما حفظ فر وما كتب قر " ‪ ،‬أي أن ما‬
‫كتبته ستجده فيما بعد ‪ ..‬ويشبهون العلم بالصيد‪ ،‬فيقول بعضهم ‪:‬‬
‫العلم صيد والكتابة قيده ** فاحفظ لصيدك قيده أن يفلت‬
‫‪14/‬الدعوة إلى هللا تعالى واالجتهاد في نشر العلم ‪:‬‬
‫فيوظف هذا العلم في الدعوة إلى هللا تعالى على هدى وبصيرة قال تعالى‪ ( :‬قُ ْل‬
‫َّللاِ َو َما أَنَا ْ ِم َن‬
‫ان ّ‬ ‫ير ٍة أَنَا ْ َو َم ِن اتابَ َعنِي َو ُ‬
‫س ْب َح َ‬ ‫علَى بَ ِص َ‬ ‫س ِبي ِلي أ َ ْدعُو ِإلَى ّ‬
‫َّللاِ َ‬ ‫َهـ ِذ ِه َ‬
‫ين ) {‪ }108‬فالداعية ال بد وأن يستغل كل مناسبة ويدعو إلى تعالى في‬ ‫ا ْل ُمش ِْر ِك َ‬
‫شتى الميادين في المسجد وفي المدرسة وفي المعهد وفي السوق وفي األعياد‬
‫والمناسبات ‪ ،‬ولقد حث الرسول صلى هللا عليه وسلم على نشر العلم ورغبنا فيه‬
‫سلا ْم‪:‬‬‫علَ ْي ِه َو َ‬
‫َّللا َ‬
‫صلى ّ‬ ‫َّللا َ‬
‫سول ّ‬ ‫فعَن أنس ْبن مالك رضي هللا عنه قَا َل‪ :‬قَا َل َر ُ‬
‫غ ْير فقيه‪.‬‬ ‫ع ْني‪ .‬فرب حامل فقه َ‬ ‫ع ْبدا سمع مقَالَتي فوعاها‪ ،‬ث ُ ام بلغها َ‬ ‫َّللا َ‬
‫ضر ّ‬ ‫(ن ّ‬
‫ورب حامل فقه إِلَى من ُه َو أفقه منه) رواه ابن ماجه (‪) . 5‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫)‪(1‬كتاب العلم للشيخ محمد بن عثيمين (ص‪).41‬‬
‫)‪(2‬كتاب العلم للشيخ محمد بن عثيمين (ص‪).28‬‬
‫)‪(3‬انظر‪ :‬جامع بيان العلم وفضله (‪ )580/1‬رقم (‪ ،)992‬والجامع ألخالق‬
‫الراوي وآداب السامع للخطيب (‪).199/1‬‬
‫)‪(4‬انظر‪ :‬انظر حلية طالب العلم للشيخ بكر أبو زيد ‪.‬‬
‫)‪(5‬سنن ابن ماجه رقم ( ‪) .236‬‬

Você também pode gostar