Escolar Documentos
Profissional Documentos
Cultura Documentos
إن من خير ما تعمر به األوقات االشتغال بالعلوم الشرعية ،طلبا ً وتحصيالً ،
مذاكرة وتعليما ً ،فطلب العلم الشرعي من أفضل القربات وأجل الطاعات ،ولذا
اهتم كثير من العلماء قديما ً وحديثا ً ببيان اآلداب التي ينبغي أن يتأدب بها طالب
العلم؛ فهي حليته ووسيلته إلى الفالح والنجاح ،كما بيّنوا األخالق المحمودة ،
واألخالق المذمومة في الطلب ،والتي تكون معرفتها والعمل بها -امتثاالً وتركا ً-
سبيالً لنيل مايريد من العلم ،وتحصيل ثمرته ،ومن أهمها
...................
طلبت األدب ثالثين سنة ,وطلبت «-:قال عبد هللا بن المبارك –رحمه هللا -
العلم عشرين سنة ,وكانوا يطلبون األدب قبل العلم »[ غاية النهاية في
].طبقات القراء البن الجزري 446/1
كاد األدب يكون ثلثي العلم »[ صفة الصفوة «-:وقال أيضا –رحمه هللا -
].البن الجوزي 120/4
نحن إلى كثير من «:وقال أيضا –رحمه هللا :-قال لي مخلد بن الحسين -
األدب أحوج منا إلى كثير من الحديث »[ الجماع ألخالق الراوي وآداب
].السامع
الهدي كما «-:قال مالك بن أنس :قال ابن سرين –رحمه هللا -
َ كانوا يتعلمون
].-يتعلمون العلم »[جامع الخطيب79/1:
هو عنوان سعادة المرء وفالحه ،وفي «-:قال اإلمام ابن القيم -رحمه هللا
».المقابل فإن سوء أدبه عالمة على شقاوته وحرمانه
يقول اإلمام الزرنوجي -رحمه هللا -في كتابه النفيس "تعليم المتعلم طرق -
ينبغي لطالب العلم أن يتحرز عن األخالق الذميمة فإنها كالب «":التعلم
معنوية ،وكما أن البيت الذي فيه كالب ال تدخل فيه المالئكة فكذلك القلب
».الذي فيه معصية هلل وفيه سوء أدب فإن العلم ال يلج إليه وال يدخله
][2
وقال أبو عمر عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري المعروف بابن الصالح -
علم الحديث علم شريف يناسب مكارم األخالق ومحاسن «–-:رحمه هللا
الشيم ,و ينافر مساوئ األخالق ومشاني الشيم ,وهو من علوم اآلخرة ال من
علوم الدنيا ,فمن أراد التصدي إلسماع الحديث أو إلفادة شيء من علومه,
فليقدم تصحيح النية وإخالصها ,وليطهر قلبه من األغراض الدنيوية
وأدناسها وليحذر بلية حب الرئاسة ورعونتها »[ علوم الحديث ,النوع
].-السابع والعشرون ص213
علم بال أدب كنار «:وعن أبي زكريا يحيى بن محمد العنبري -رحمه هللا -قال
بال حطب ،و أدب بال علم كجسم بال روح »[ انظر الجـماع ألخـالق الراوي
].وآداب السـامع للخطيب البـغدادي 80/1وأدب اإلمـالء للسمـعاني ص2
................................
وقد اعتنى العلماء بهذا الحديث وصدّروا به كتبهم؛ لعموم الحاجة إليه ،كما قال
الخطابي ،فهذا البخاري -رحمه هللا -قد صدّر كتابه الصحيح بهذا الحديث ،فقال
العلماء :هو خطبة كتابه ،حيث لم يكتب له مقدمة ،والقصد من ذلك تنبيه طالب
][3
العلم على تصحيح النية ،وإرادة وجه هللا تعالى ،ونهج نهجه النووي ،والبغوي ـ
في عدد من كتبهما ـ وغيرهما من المصنفين.
وقال عبد الرحمن بن مهدي " :لو صنفت كتابا ً بدأت في أول كل كتاب منه بهذا
الحديث ".
قال اإلمام أحمد " :العلم ال يعدله شيء لمن ص ّحت نيته " ،قالوا :كيف ذلك ؟
قال " :ينوي رفع الجه َل عن نفسه وعن غيره" .
وقال ابن جماعة الكناني بعدما بيّن فضل العلم " :واعلم أن جميع ما ذكر من
ق العلماء العاملين األبرار المتقين ،الذين فضل العلم والعلماء إنما هو في ح ّ
قصدوا به وجه هللا الكريم ،والزلفى لديه في جنات النعيم ،ال من طلبه بسوء
نية ،وخبث طوية ،أو ألغراض دنيوية ،من جاه أو مال أو مكاثرة في األتباع
والطالب)" . (1
ط أنويوقال أبو يوسف " :أَريدوا بعلمكم هللاَ تعالى ،فإني لم أجلس مجلسا ً ق ّ
فيه أن أتواضع إاللم أقم حتى أعلُ َوهم ،ولم أجلس مجلسا ً قط أنوي فيه أن
ضح )"(2 أعلوهم إال لم أقم حتى ا ُ ْفت َ َ
والتقوى هي جماع كل خير ،ووصية هللا لألولين واآلخرين ،قال تعالى في سورة
ابِين أُوتُواْ ا ْل ِكت َ َ
ص ْينَا الاذ َ
ض َولَقَ ْد َو ات َو َما فِي األ َ ْر ِ اوا ِ س َم َ النساء( َ :و ّّللِ َما فِي ال ا
ضت َو َما فِي األ َ ْر ِ اوا ِ َّللاَ َوإِن ت َ ْكفُ ُرواْ فَ ِإ ان ِ ّّللِ َما فِي ال ا
س َم َ ِمن قَ ْب ِل ُك ْم َوإِياا ُك ْم أ َ ِن اتاقُواْ ّ
غنِيًّا َح ِميدًا {}). 131 َّللاُ َ َان ّ َوك َ
َّللاَ يَ ْج َعل لا ُك ْم وقال -عز وجل -في سورة األنفال ( ِ :يا أَيُّ َها الاذ َ
ِين آ َمنُواْ إَن تَتاقُواْ ّ
ض ِل ا ْل َع ِظ ِيم {}) .29َّللاُ ذُو ا ْلفَ ْ فُ ْرقَانا ً َويُ َك ِفّ ْر عَن ُك ْم َ
سيِّئ َا ِت ُك ْم َو َي ْغ ِف ْر لَ ُك ْم َو ّ
أي يجعل لكم ما تٌفرقون به بين الحق والباطل ،وبين الصحيح والسقيم ،وبين
الغث والسمين ،وذلك إنما يكون بنور العلم وميزانه ،ونبراسه ومقياسه ،فالعلم
ثمرة من ثمرات التقوى ،والتقوى سبيل إلى نيل العلم ،والعلم يرقى بصاحبه إلى
أعلى درجات المعرفة باهلل ،والخشية من هللا ،ولهذا يؤثر عن الشافعي -رحمه
][4
ومن أول ما يدخل في ذلك القيام بشعائر اإلسالم وظواهر األحكام :ومن ذلك
المحافظة على الصالة في المساجد ،وإفشاء السالم للخواص والعوام ،واألمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ،وإظهار السنن ،وإخماد البدع ،وغير ذلك من
سي به ،وليصون عرضه عن الوقيعة والظنون األحكام الظاهرة ليحصل التأ ّ
المكروهة.
ومن ذلك تالوة القرآن الكريم بتفكّر وتدبّر ،واإلكثار من ذكر هللا تعالى بالقلب
واللسان ،واإللحاح في الدعاء والتضرع بإخالص وصدق ،واالعتناء بنوافل
العبادات من الصالة والصيام والصدقة وحج بيت هللا الحرام ،والصالة على النبي
-صلى هللا عليه وسلم ،-وغير ذلك من فضائل األقوال واألعمال التي يراد العلم
ألجلها.
3/العمل بالعلم :فالعلم إن لم يترجم إلى عمل فما الفائدة منه ،فعلى طالب العلم
كما يجد في الطلب أن يجد في العمل ،فإنه أولى الناس بقطف ثمرات علمه ،ولقد
مدح هللا -عز وجل -في كتابه الكريم العاملين بما علموا ،قال تعالىَ ( :والاذ َ
ِين
][5
فأما الجاحظ فإنه كان إذا وقع بيده كتاب قرأه من أوله إلى آخره أي كتاب كان ،
حتى إنه كان يكترى دكاكين الوراقين ويبيت فيها للنظر في الكتب.
وأما الفتح بن خاقان فإنه كان يحمل الكتاب في كمه ،فإذا قام من بين يدي
المتوكل للبول أو للصالة ،أخرج الكتاب فنظر فيه وهو يمشي ،حتى يبلغ
الموضع الذي يريده ،ثم يصنع مثل ذلك في رجوعه ،إلى أن يأخذ مجلسه ،فإذا
أراد المتوكل القيام لحاجة أخرج الكتاب من كمه وقرأه في مجلس المتوكل إلى
حين عوده.
وأما إسماعيل بن إسحاق القاضي فإني ما دخلت عليه قط إال رأيته وفي يده
كتاب ينظر فيه أو يقلب الكتب لطلب كتاب ينظر فيه أو ينفض الكتب )4( .
وقال عبيد بن يعيش :أقمت ثالثين سنة ما أكلت بيدي بالليل ،كانت أختي
تلقمني وأنا أكتب الحديث() .5
وهذا اإلمام جمال الدين القاسمي رحمه هللا وقد عاش قرابة خمسين سنة وألف
ما يزيد عن خمسين مؤلفا ً وكانت حياته زاخرة بالعلم والدعوة والكفاح ،ومع
ذلك كان يقول :يا ليت الوقت يباع فأشتريه.
وبحرص سلفنا الصالح على أوقاتهم عال قدرهم وسما شأنهم ،وخلد ذكرهم ،
أما في زماننا هذا فإن من أبرز أسباب تخلف المسلمين تفننهم وتفانيهم في
تدمير وإهدار أوقاتهم في المقاهي والمالهي والطرقات وأمام التلفاز
والتسجيالت الصوتية والمرئية وفي غير ذلك من المجاالت التي ال فائدة منها
وال ثمرة من ورائها " .
..............................
(1) -انظر :تذكرة السامع والمتكلم (ص) .27
(2) -انظر :الجامع ألخالق الراوي للخطيب () .1534
(3) -الحث على طلب العلم واالجتهاد في جمعه ألبى هالل العسكرى ص .87
(4) -تقييد العلم للخطيب البغدادى ص .139
(5) -الجامع ألخالق الراوي وآداب السامع ، 178/2وعبيد بن يعيش شيخ
البخاري ومسلم تراجع ترجمته في سير أعالم النبالء للذهبى . 45/11
10/احترام العلماء من غير تقديس ،واتباعهم من غير تقليد:
فيجب على طلبة العلم احترام العلماء وتقديرهم ،وأن تتسع صدورهم لما يحصل
][12
من اختالف بين العلماء وغيرهم ،وأن يقابلوا هذا باالعتذار عمن سلك سبيالً
خطأ في اعتقادهم ،وهذه نقطة مهمة جداً ،ألن بعض الناس يتتبع أخطاء
ويشوش على الناس سمعتهم، ّ اآلخرين ،ليتخذ منها ما ليس الئقا ً في حقهم،
وهذا من أكبر األخطاء ،وإذا كان اغتياب العا ّمي من الناس من كبائر الذنوب،
فإن اغتياب العالم أكبر وأكبر ،ألن اغتياب العالم ال يقتصر ضرره على العالم بل
عليه وعلى ما يحمله من العلم الشرعي"(). 1
حق العالم عليك إذا قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي هللا عنه( :من ّ
صة ،وعلى القوم عا ّمة ،وتجلس قُداامه ،وال تشِر بيديك، أتيته أن تس ِلّم عليه خا ا
خالف قولك ،وال تأخذ بثو ِبه ،وال تُل اح عليه
َ تغمز بعينَيك ،وال تقُل :قال فالن
وال ِ
في السؤال ،فإنّه بمنزلة النخلة ال ُمرطبة التي ال يزال يسقط عليك منها
شيء)().2
11/رحابة الصدر في مسائل الخالف:
فينبغي أن يكون صدرطالب العلم رحبا ً في مواطن الخالف الذي مصدره
االجتهاد؛ ألن مسائل الخالف بين العلماء إما أن تكون مما ال مجال لالجتهاد فيه،
ويكون األمر فيها واضحاً ،فهذه ال يعذَر أحد بمخالفتها ،وإما أن تكون مما
لالجتهاد فيها مجال ،فهذه يعذر فيها من خالفها"(). 3
12/التأدب مع الشيخ :
بما أن العلم ال يؤخذ ابتدا ًء من الكتب ،بل البد من شيخ تتقن عليه مفاتيح الطلب،
لتأمن من الزلل ،فعليك إذا ً باألدب معه ،فإن ذلك عنوان الفالح والنجاح،
والتحصيل والتوفيق .فليكن شيخك محل إجالل منك وإكرام وتقدير وتلطف ،فخذ
بمجامع األدب مع شيخك في جلوسك معه ،والتحدث إليه ،وحسن السؤال،
واالستماع ،وحسن األدب في تصفح الكتاب أمامه ،وترك التطاول والمماراة
أمامه ،وعدم التقدم عليه بكالم أو مسير أو إكثار الكالم عنده ،أو مداخلته في
حديثه ودرسه بكالم منك ،أو اإللحاح عليه في جواب ،متجنبا ً اإلكثار من السؤال
ال سيما مع شهود المأل؛ فإن هذا يوجب لك الغرور وله الملل ،وال تناديه باسمه
مجرداً ،أو مع لقبه بل قل " :يا شيخي ،أو يا شيخنا .
وإذا بدا لك خطأ من الشيخ ،أو وهم فال يسقطه ذلك من عينك ،فإنه سبب
لحرمانك من علمه ،ومن ذا الذي ينجو من الخطأ سالما ً () . 4
13/مذاكرة العلم وكتابة مااستفاده :
][13