Você está na página 1de 14

‫االستراتيجية‬

‫‪ ‬‬
‫االستراتيجية ‪ strategy‬تعريب شائع لمصطلح يوناني قديم ‪ strategia‬مشتق من لقب الستراتيغوس ‪ strategos‬الذي كان‬

‫يحمله الرؤساء التنفيذيون‪ 7‬اإلغريق في مجلس‪ ‬الشيوخ‪ ،‬وكان هؤالء ينتخبون من بين القاد ة الفرسان المخولين سلطات عسكرية‪ ‬‬

‫وسياسية واسعة (حلف اآلخيين وحلف األتوليين واالتحاد األثيني من القرن السادس‪  ‬ق‪.‬م وحتى منتصف القرن األول‬

‫الميالدي)‪ .‬ولقب استراتيفوس مركب من كلمتي استراتوس ‪ Stratos‬أي االقواتب وآغو ‪ ago‬ومعناها أقود‪.‬‬

‫واالستراتيجية مصطلح واسع المعنى متعدد‪ 7‬الوجوه‪ ،‬وقد ارتبطت تاريخيا ً بفن الحرب وقيادة القوات‪ ،‬ثم اتسعت مضامينها‬

‫بمرور الزمن وبتراكم الخبرات والمعارف حتى غدت نمطا ً من التفكير العالي المستوى الموجه لتحقيق غايات السياسة‪ ،‬وتعبئة‬

‫قوى األمة المادية والمعنوية‪ 7،‬وضمان مصالحها في السلم والحرب‪ .‬ولهذا السبب ليس لالستراتيجية معنى متفق عليه‪ ،‬ألن‬

‫معناها ومبناها مرتبطان بالشروط الزمانية والمكانية التي صيغت فيها‪ ،‬وباألحداث التي انبثقت عنها‪ ،‬وباألشخاص الذين تبنوها‬

‫وطبقوها‪ ،‬وبالمدارس الفكرية التي ولدتها‪ ،‬وبالمجاالت التي اختصت بها‪ .‬وهناك من يصنف االستراتيجية في عامة وخاصة‪،‬‬

‫فاالستراتيجية العامة هي التي تهتم بدراسة متطلبات السياسة والحرب وتسعى إلى إيجاد السبل لتحقيقها‪ .‬واالستراتيجية الخاصة‬

‫تهتم بدراسة متطلبات نشاط محدد من األنشطة التي تعنى بها األمة‪ ،‬كاستراتيجية االقتصاد واستراتيجية الزراعة واستراتيجية‬

‫التربية وغيرها‪ .‬وثمة آخرون يصنفون االستراتيجية في مستويات أو طبقات فيقال استراتيجية عليا أو كبرى واستراتيجية دنيا‬

‫أو صغرى‪ ،‬غير أن التعريف المعجمي لالستراتيجية يرتبها على النحو التالي‪  :‬‬

‫في المجال السياسي االقتصادي للدولة‪ ‬أو لمجموعة الدول‪ :‬هي علم وفن يهتمان بتعبئة قوى أمة أو مجموعة أمم سياسيا ً‬

‫وعسكريا ً واقتصاديا ً ومعنويا ً لتوفير الدعم األقصى للسياسة التي تتبناها الدولة أو مجموعة الدول في السلم والحرب‪.‬‬

‫في مجال العلم العسكري‪ :‬هي علم وفن يختصان بإدارة الحرب واالستعداد لها وقيادة الصراع المسلح مع العدو وتوفير‬

‫الظروف المناسبة لخوض هذا الصراع‪.‬‬

‫في مجال فن الحرب‪ :‬هي جزء مكون من فن الحرب يختص بدراسة المسائل النظرية والتطبيقية المرتبطة بإعداد القوات‬

‫المسلحة للحرب والتخطيط لها وخوضها‪ ،‬وهذا هو المفهوم الشائع المعروف باالستراتيجية العسكرية‪.‬‬

‫في مجال التطبيق العسكري‪ :‬هي نوع من التطبيقات العسكرية العالية المستوى كاستراتيجية الهجوم المعاكس واستراتيجية‬

‫الدفاع المرن وغيرها‪.‬‬


‫في المعنى المجازي للمصطلح‪ :‬هي فن وضع الخطط وتصميم المناورات لتحقيق هدف ما‪ ،‬أو هي خطة مدروسة وأسلوب‬

‫مدقق ومناورة بارعة‪.‬‬

‫في االستعماالت العصرية‪ :‬تعددت االستعماالت العصرية لكلمة االستراتيجية حتى شملت مختلف المجاالت‪ ،‬فقد يوصف موقع‬

‫دولة ما أو جزء من آراضيها بأنه استراتيجي‪ ،‬وقد يوصف قرار سياسي أو اقتصادي ذو أهمية بالصفة نفسها‪ ،‬كذلك توصف بها‬

‫بعض األسلحة المتطورة وبعض المواد أو المنتوجات أو التقنيات ذات األهمية الخاصة‪ ،‬وربما شملت صفة االستراتيجية أنماطا ً‬

‫من التفكير أو الدراسات أو المشروعات‪ ،‬وكذلك كل ما هو ضروري لخوض الحرب وإدارتها ويؤتى به من خارج البالد‪.‬‬

‫ومع تعدد التعريفات السابقة واختالف وجهات النظر يمكن القول إن خيطا ً ناظما ً يجمع بينها قوامه أن االستراتيجية علم وفن‬

‫يُعنيان بدراسة الطاقات والقوى المتاحة‪ ،‬وتوفير الخطط والوسائل لتحقيق أهداف السياسة تحقيقا ً مباشراً أو غير مباشر‪ .‬فهي‬

‫علم ألنها تبنى على نظريات علمية متعددة األوجه تشمل العلوم االجتماعية والعلوم البحتة والعلوم العسكرية وغيرها‪ .‬وهي فن‬

‫ألن ممارستها وتطبيقاتها تختلف بين شخص وآخر سواء أكان سياسيا ً أم عسكرياً‪.‬‬

‫ترتبط االستراتيجية بالسياسة ارتباطا ً وثيقا ً وتعتمد عليها وتستجيب لمتطلباتها‪ ،‬وتنفذ المهام التي تسندها إليها‪ .‬وتتبوأ‬

‫االستراتيجية مكان الصدارة من فن الحرب‪ ،‬وهي تحيط بجميع المسائل النظرية والتطبيقية التي لها عالقة بإعداد الدولة وقواتها‬

‫المسلحة للحرب وبوضع خطط الحرب وخطط العمليات االستراتيجية وإدارة دفتها حتى تتحقق الغايات المرسومة لها وفق‬

‫المبادئ التي يحددها مذهب الدولة العسكري ونظامها االجتماعي‪.‬‬

‫وتؤلف االستراتيجية العسكرية‪ ،‬من الناحية النظرية‪ ،‬منظومة المعارف العسكرية التي تتناول قوانين الحرب ومبادئها وطابعها‬

‫وأساليب خوضها‪ ،‬وهي التي تحدد األسس النظرية للمذهب العسكري‪ ،‬ولبناء القوات المسلحة واستخدامها‪ ،‬وأسس تخطيط‬

‫العمليات واإلعداد لها وتنفيذها‪.‬‬

‫ومن الناحية التطبيقية تشمل االستراتيجية العسكرية النشاط العملي الذي تمارسه القيادة االستراتيجية لبناء القوات المسلحة‬

‫ووضع الحلول المناسبة للمهام التي تحددها لها القيادة السياسية‪  ‬في ضوء اإلمكانات الحقيقية للدولة وكمونها الحربي وقواتها‬

‫المسلحة‪ ،‬كما تشمل أعمال القيادة الرامية إلى تحديد المهام األساسية للقوات المسلحة في األحوال الراهنة‪ ،‬وإعداد مسارح‬

‫العمليات الحربية‪ ،‬وتوزيع القوى عليها‪ ،‬وتحديد مهام الجبهات واألساطيل والجيوش بحسب أهمية االتجاهات االستراتيجية التي‬

‫سوف تعمل فيها‪ ،‬مع مراعاة الشروط الموضوعية للموقف‪.‬‬


‫ولقد اصطلح على تمييز استراتيجية الحرب كلها من استراتيجية خوض الحرب على اتجاهات معينة لتحقيق أهداف محدودة أو‬

‫لتنفيذ عمليات مفردة‪ .‬واالستراتيجية عامة واحدة للقوات المسلحة‪ ،‬وفروضها واجبة على أنواع القوات المسلحة كافة‪.‬‬

‫أما العالقة بين االستراتيجية وفن العمليات والتكتيك‪( 7‬األجزاء المكونة لفن الحرب) فهي عالقة جدلية تتغير بتغير وسائل‬

‫الصراع المسلح ودرجة تجهيز القوات المسلحة‪ .‬وتحتل االستراتيجية المكانة األولى بينها‪ ،‬فهي التي‪  ‬تحدد مهام فن العمليات‬

‫وفن التكتيك‪ ،‬وتضع األطر النظرية لهما‪ ،‬وتعتمد‪ 7‬عليهما وتستفيد من نجاحاتهما في تحقيق األهداف المرجوة‪ ،‬إذ كان نجاح‬

‫االستراتيجية في الحروب السابقة مرهونا ً تماما ً بالنجاحات التكتيكية‪ 7،‬ثم توسط فن العمليات بينهما في الحروب الحديثة‪.‬‬

‫ومع ظهور السالح الصاروخي النووي اكتسبت العالقة بين هذه المستويات الثالثة مضمونا ً جديداً‪ ،‬فوضعت في تصرف القيادة‬

‫االستراتيجية وسائل تدمير تمكنها من تدمير العدو وتنفيذ بعض المهام االستراتيجية والتكتيكية‪ 7‬المهمة من دون وسيط‪ .‬وتملكت‬

‫القيادتان العملياتية والتكتيكية‪ ،‬في‪ ‬المقابل‪ ،‬وسائل تدمير بعيدة المدى تمكنها من تنفيذ مهام كبيرة العمق والمساحة ذات أهمية‬

‫استراتيجية مباشرة‪.‬‬

‫تتبدل مضامين االستراتيجية‪  ‬بتبدل‪ 7‬أهداف الدولة السياسية والموقف الدولي ونسبة القوى ومستوى االقتصاد وكفاية وسائل‬

‫الصراع المسلح وكميتها‪ ،‬وتختار كل دولة (أو حلف دول) استراتيجيتها الخاصة بها في كل مرحلة تاريخية بما يتالءم مع‬

‫سياستها وإمكاناتها ووضعها الجغرافي والسياسي والعسكري وخصائص مواطنيها‪.‬‬

‫نشأة االستراتيجية وتطورها‬

‫ـ في العصور القديمة‪ 7:‬كانت االستراتيجية في العصور القديمة فنا ً يحتكره القادة العسكريون وتقر ن تطبيقاته بأسمائهم‪ .‬وتعد‬

‫ِح َكم القادة الصينيين‪ 7‬القدماء من أولى محاوالت صوغ الفكر االستراتيجي العسكري‪ .‬وقد أسهمت تطبيقات جيوش األمم القديمة‬

‫في تراكم الخبرات وإرساء أسس فن الحرب واالستراتيجية على مر العصور‪ ،‬وأدى تطور األسلحة والعتاد وتبدل التكوينات‬

‫االجتماعية والبنى االقتصادية إلى تبدل المالمح المميزة لمضمون االستراتيجية‪ .‬فقد كانت استراتيجيات بالد الشرق القديمة‬

‫والهند والصين والفرس واإلغريق والرومان تعتمد بادئ األمر حمالت قصيرة األمد قليلة العمق نسبياً‪ ،‬ثم راحت بعد ذلك تتخذ‬

‫أبعاداً كبيرة جداً (حمالت االسكندر وداريوس ويوليوس قيصر والجيش االمبراطوري الروماني) ورافق تنفيذ تلك الحمالت‬

‫تكوّن تدريجي لبعض النظريات االستراتيجية‪ ،‬وكان معظم القادة ينظرون إلى مسائل إعداد الحرب وتكوين الجيوش على أنها‬

‫ُون ْت ِزي (أواخر القرن السادس ـ أوائل القرن الخامس‬


‫من شؤون االستراتيجية‪ ،‬ومن هؤالء القائد والمنظر العسكري الصيني س ْ‬

‫ق‪.‬م) ويوليوس قيصر (القرن األول قبل الميالد) وفرونتينوس ‪(Frontinus ‬القرن األول الميالدي) وأونوساندروس‬
‫‪( Onosandros‬القرن األول الميالدي) وبولوني‪  Polony  ‬وفيجيتيوس (أواخر القرن الرابع وأوائل الخامس الميالديين)‪،‬‬

‫واستعمل كل من فرونتينوس وأونوساندروس مصطلح استراتيجيكوم ‪ strategecum‬واستراتيلوجية‪  stratelogie  ‬بمعنى‬

‫أصول خوض الحرب أو االستراتيجية في إطار ذلك العصر‪.‬‬

‫ـ في عصر الفتوحات اإلسالمية‪ :‬تميزت االستراتيجية العسكرية مع انتشار اإلسالم بمجموعة خصائص طبعتها بطابعها على‬

‫مدى القرون‪ .‬وفي مقدمتها تبني العقيدة الدينية‪ 7‬عامالً موجها ً لجميع الفاعليات االجتماعية والعسكرية في الدولة الجديدة‪ ،‬وتبني‬

‫مبدأ الجهاد أساسا ً للتجنيد وفرضه على كل قادر على حمل السالح‪ ،‬وتبني مبدأ وحدة القيادة السياسية العسكرية في شخص‬

‫الخليفة أمير المؤمنين‪ 7‬وفي شخص والة األقاليم وقادة جيوش الفتح‪ ،‬وتبني مبدأ المركزية في تخطيط‪  ‬العمليات وتوجيه الجيوش‬

‫انطالقا ً من عاصمة الخالفة إلى جانب إطالق يد القادة في حرية التصرف في حدود معينة‪ 7،‬وتبني إقامة القواعد المتقدمة الممثلة‬

‫في الثغور والرُّ بُط والعواصم‪ ،‬ومرابطة قوات دائمة فيها (الصوائف والشواتي) لحماية الحدود‪ ،‬وتسديد الضربات المسبقة إلى‬

‫تجمعات العدو‪ .‬وارتبطت هذه االستراتيجية ارتباطا ً وثيقا ً بالمذهب العسكري العربي اإلسالمي القائم أصالً على مفهوم المفاجأة‬

‫والمناورة وسرعة الحركة واستنزاف العدو وجره إلى الموقعة الفاصلة المهيأ لها سلفا ً وتبني العمليات الهجومية العميقة‬

‫والتقرب غير المباشر والحرب النفسية‪.‬‬

‫وكانت جيوش الفتح تتألف في معظمها من الخيالة الخفيفة السريعة الحركة‪ ،‬وتجلَت أهم التطبيقات االستراتيجية في تلك الحقبة‬

‫في المعارك الفاصلة مثل القادسية ونهاوند واليرموك وفتح دمشق‪ ،‬وشمال إفريقية‪ ،‬واإلنزال في جبل طارق وفتح األندلس‪.‬‬

‫وفي العصر العباسي طرأت تبدالت جوهرية على الفكر االستراتيجي العربي واإلسالمي نجمت عن األوضاع السياسية‬

‫واالجتماعية التي سادت العالم اإلسالمي (سيطرة العنصر التركي‪ ،‬ظهور الخالفة الفاطمية في مصر‪ ،‬تشكل الدويالت‬

‫اإلقطاعية‪ ،‬والحمالت الصليبية‪ ،‬الغزو المغولي) وأدى ذلك كله إلى تطوير أساليب التعبئة ومبادئ التجنيد‪ ،‬وإلى ظهور الجيوش‬

‫المحترفة المؤلفة من جنود نظاميين وقوات مرتزقة ومماليك‪ ،‬وإلى تطوير أساليب الهجوم والدفاع والتقرب والسيطرة‪ ،‬وتبديل‬

‫بنية الجيوش وتسلحيها بما يتفق وروح العصر‪ ،‬إلى جانب المحافظة على بعض المبادئ األساسية كوحدة القيادة والمركزية‬

‫ممثلة في شخص أمير الجيوش أو السلطان من دون الخليفة‪ .‬وفي هذا العصر ازدادت أهمية القالع والمدن المحصنة وتطورت‬

‫بالتالي أساليب الحصار وآالته (المنجنيق وال َعراَّدة وقوس الزيار وبرج الحصار ورأس الكبش) التي تسببت في إبطاء حركة‬

‫الجيوش وأدت في خاتمة المطاف إلى ظهور المكاحل والمهاريس والمدافع والبنادق‪ .‬وقد كان للمدافع دورها في سيطرة‬

‫العثمانيين‪ 7‬على بالد الشام ومصر والقضاء على دولة المماليك الذين أهملوا شأنها‪ ،‬مع أنهم أول من صنعها واستخدمها‪ ،‬فلم‬
‫يولوها االهتمام الذي أواله إياها العثمانيون‪ ،‬واستفاد هؤالء من ميزات المدافع في عمليات الصدام المباشر وحققوا بوساطتها‬

‫انتصارهم في مرج دابق‪ ،‬كما سبق وحققوه في فتح القسطنطينية وحصار فيينة‪.‬‬

‫ـ في عصر اإلقطاع والنهضة األوربيين‪ :‬غلبت على االستراتيجية في أوربة العصور الوسطى فكرة الحرب المحدودة وحرب‬

‫القالع‪ ،‬وكانت القوات تتألف أساسا ً من خيالة مدرعة ثقيلة بطيئة الحركة جلها من المرتزقة المحترفين للحرب ويقودها ضباط‬

‫مأجورون ال انتماء لهم (في المفهوم القومي)‪ .‬وتميزت االستراتيجية آنذاك بال مركزية القيادة‪ .‬وعدم الحسم وندرة المعارك‬

‫الفاصلة‪ ،‬وكان حصار القالع محدود الهدف طويل األمد قد يمتد‪ 7‬سنوات‪ .‬غير أن مفهوم االستراتيجية أخذ يتبدل تدريجيا ً‬

‫باختراع األسلحة النارية وإدخالها إلى الجيوش (بدءاً من القرن الرابع عشر) إلى أن أصبحت مع بداية القرن السابع عشر جزءاً‬

‫من العلوم االجتماعية المعروفة‪ ،‬وارتبطت ارتباطا ً وثيقا ً بالفكر االقتصادي والقانوني والسياسي السائد‪ ،‬واتسعت وسائلها حتى‬

‫سملت الوسائل غير العسكرية التي يمكن االستفادة منها في قضايا الحرب‪ .‬وانتشرت في جميع جيوش أوربة‪  ‬فكرة ما يعرف‬

‫باستراتيجية نطاق الحدود ‪ Cordon Strategy‬أي توزيع الحاميات على حدود الدولة لحمايتها‪ ،‬والسعي إلى ربح الحرب‬

‫باصطناع المناورة على طرق المواصالت ومحاصرة القالع والمدن المهمة ومحاولة االستيالء عليها‪ .‬ولم تأخذ االستراتيجية‬

‫معناها ومقصدها العصريين إال في مطلع القرن الثامن عشر‪ ،‬واقتصر مفهومها آنذاك على المجال العسكري فقط‪ .‬إال أن‬

‫االستراتيجية العسكرية حققت في ذلك القرن قفزات نوعية مهمة في بنية الجيوش وأساليب تجنيدها وعملها‪ .‬وتبوأت سرعة‬

‫المناورة وخفة الحركة والقوة النارية مكانة رئيسة في ذلك المضمار‪ .‬وطرحت الثورة الفرنسية والحروب التي تلتها في نهاية‬

‫القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر مفاهيم جديدة أدت إلى إعادة النظر في قوانين الحرب وتقاليدها القديمة كما أدت‬

‫إلى تبدل أساليب التجنيد وتنظيم الجيوش وتسلحيها فحلت القوات الثورية والمجندة محل المرتزقة‪ ،‬وصارت أهداف الحرب‬

‫سحق القوى الحية ووضعها خارج القتال‪ ،‬والسعي إلى تحقيق النصر في معركة فاصلة شاملة وبأعداد ضخمة من القوات‬

‫وتحت قيادة واحدة‪ ،‬كما تنوعت األساليب االستراتيجية في الصراع المسلح كالهجوم والدفاع والمناورة العميقة‪ ،‬واالنسحاب‬

‫المخطط إلنهاك العدو‪ ،‬والهجوم العام المعاكس‪ ،‬والمطاردة‪ ،‬ووحدة القيادة‪ ،‬والعمل على جبهة واسعة‪ ،‬واالحتفاظ باحتياطات‬

‫استراتيجية وزجها في الوقت المناسب‪ .‬وازدادت أهمية الدفاع االستراتيجي للمحافظة على األرض وعلى القاعدة المادية‬

‫الضرورية لالستمرار في الحرب‪ ،‬واشتهر في هذه المرحلة عدد ضخم من كبار القادة االستراتيجيين أبرزهم نابليون بونابرت‬

‫(فرنسة) ورُميانتسيف وسوفوروف وأوشاكوف وكوتوزوف (روسية) ودوق ُولينغتون (إنكلترة) كما برز إلى جانبهم عدد من‬

‫المنظرين االستراتيجيين مثل كالوزفيتز (ألمانية) وجوميني (فرنسة) وغيرهما ممن درسوا مبادئ االستراتيجية العسكرية التي‬
‫طبقتها الجيوش األوربية في حروب نابليون وما بعدها ووضعوا لها النظريات المناسبة‪ ،‬فصاغ كالوزفيتز على أساسها نظرية‬

‫إلى عالقة الحرب بالسياسة في مؤلفه الشهير «في الحرب» مؤكداً أن الحرب هي سالح السياسة ويجب أن تطبع بطابعها‪،‬‬

‫وتقاس بمقاييسها‪ ،‬وأن الحرب هي السياسة ذاتها بمالمحها العامة ولكن بعد أن يستبدل السيف بالقلم‪ ،‬أما جوميني فأوضح في‬

‫مؤلفيه «نُبد عن العمليات الحربية» و«مالمح فن الحرب» معارضته الستراتيجية الحدود وتأكيده ضرورة تشتيت قوى العدو‬

‫وتدميرها في وقعة حاسمة‪ ،‬وحاول البرهنة على وجود مبادئ أبدية ثابتة لالستراتيجية اليمكن تجاهلها‪ .‬ثم جاء الجنرال األلماني‬

‫فون مولتكه (األب) فأكد في مؤلفاته وفي تطبيقاته العملية قيمة المفاجأة في الهجوم وأهمية حشد القوات سلفا ً قبل خوض الحرب‪.‬‬

‫ونقد المنظّر العسكري الفرنسي اليفالب في مؤلفاته «مدخل إلى االستراتيجية» (‪ )1892‬و«استراتيجية المسير» (‪)1893‬‬

‫و«استراتيجية المعركة» (‪ )1896 -1895‬نظرية «المبادئ األبدية» التي نادى بها جوميني مؤكداً أن االستراتيجية ال عالقة لها‬

‫بالسياسة‪ .‬وظهر في روسية في هذه الحقبة عدد من المنظّرين االستراتيجيين الذين خلفوا مؤلفات ذات شأن مثل ميدُم الذي بيّن‬

‫العالقة بين الحر والسياسة واالستراتيجية والتكتيك (‪ )1836‬ويازيكوف الذي درس أثر الجماهير في مجرى الحرب (‪)1842‬‬

‫وليير الذي برهن على ارتباط االستراتيجية بالسياسة‪.‬‬

‫االستراتيجية في العصر الحديث‬

‫‪  ‬ـ االستراتيجية في القرن التاسع عشر‪ :‬ساعد استخدام السكك الحديدية منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر في زيادة‬

‫سرعة تحرك الجيوش وإمدادها كما ساعدت األسلحة النارية السريعة الرمي في زيادة القوة النارية‪ ،‬ومكن استخدام البرق‬

‫والهاتف في تحقيق السيطرة على القوات العاملة على اتجاهات متباعدة‪ 7:‬الحرب األهلية األمريكية (‪1861‬ـ ‪ ،)1865‬الحرب‬

‫النمساوية ـ الروسية (‪ ،)1866‬الحرب الفرنسية ـ البروسية (‪ ،)1871-1870‬الحرب الروسية ـ العثمانية (‪،)1878-1877‬‬

‫وأدى ذلك كله إلى ظهور استراتيجيات حديثة تستجيب لمتطلبات العصر وروحه‪ ،‬وكان أبرز استراتيجيي هذه الحقبة رئيس‬

‫األركان العامة األلمانية افون شليفنب الذي طرح فكرة سحق العدو بضربة سبّاقة بقوى نسق استراتيجي قوي‪ .‬أما ممثل‬

‫االستراتيجية الفرنسية فكان فريدريك فوش الذي وضع مبادئ ثابتة لخوض الحرب‪ ،‬وقال بأن الشكل األساسي لألعمال‬

‫االستراتيجية هو الهجوم‪ ،‬ونادى بضرورة حشد القوى على خطوط عملياتية داخلية لسحق أهم تجمعات العدو‪ .‬وبرز في روسية‬

‫المنظّر العسكري ميخنيفتش الذي أوضح العالقة المتبادلة بين االستراتيجية والسياسة‪ ،‬وأكد فكرة الشعب المسلح واعتماد الحرب‬

‫على االقتصاد‪ ،‬وأثر وسائل الصراع الحديثة في تحقيق المهام االستراتيجية‪ .‬أما في الواليات المتحدة األمريكية وبريطانية فقد‬

‫نصب اهتمام القيادتين السياسية والعسكرية والمنظّرين العسكريين فيهما على تحقيق السيادة على البحار وتطوير األسطول‬
‫الحربي وفي طليعتهم ف‪.‬كولومب (بريطانية) وآ‪.‬ماهن (الواليات المتحدة) وجوليان كوربت المؤرخ والبحار البريطاني (‬

‫‪1922-1854‬م)‪.‬‬

‫ـ االستراتيجية في الحرب العالمية األولى وبين الحربين‪ 7:‬كان منطلق معظم بلدان الغرب قبيل الحرب العالمية األولى (‪-1914‬‬

‫‪ )1918‬في المفهوم االستراتيجي ضرورة عدم خوض حرب طويلة األمد‪ .‬ولكن هذا المفهوم بدا غير قابل للتحقيق منذ األيام‬

‫األولى للحرب‪ ،‬فانهارت خطط النصر الصاعق‪ ،‬وأخفقت محاوالت الحلفين المتحاربين في إيجاد مخرج من الطريق المسدودة‬

‫التي دخلت فيها حرب المواضع‪ ،‬ولم تستفد دول االئتالف من تفوقها على ألمانية بالقوى وبالوسائل المادية إال في نهاية الحرب‬

‫فحققت بذلك انتصارها‪ .‬وفي أثناء تلك الحرب ازداد دور القيادة السياسية وتأثير السياسة في التوجه االستراتيجي وتأثير‬

‫السياسيين في تنسيق عمليات الصراع المسلح بين الدول المتحالفة‪ .‬وكانت األهداف الرئيسة التي سعت االستراتيجية إلى‬

‫تحقيقها‪ ،‬تدمير قوى العدو الحية واالستيالء على أراضيه أو االحتفاظ باألراضي التي سبق احتاللها‪ .‬وازدادت إمكانات القيادة‬

‫االستراتيجية بظهور وسائل جديدة للصراع المسلح (الطيران والدبابات والغواصات) وتحسين أجهزة المدفعية‪ 7‬واألسلحة‬

‫األَتماتية‪ .‬إال أن تشكيل الجبهات االستراتيجية (مجموعات الجيوش) زاد في صعوبة القيادة‪ ،‬كما زاد في أهمية الكمون‬

‫االقتصادي والبشري للدول المتحاربة‪ ،‬وفي أهمية االحتياطات االستراتيجية وسرعة نقلها‪ .‬وتم في غضون ذلك حل مشاكل‬

‫توحيد الجهود االستراتيجية وتنسقيها والتعاون االستراتيجي بين دول الحلف الواحد‪ ،‬ولكن ببطء شديد وبخطى غير واثقة‪ .‬فلم‬

‫تؤلف القيادة العليا لقوات دول االئتالف (الحلفاء) في أوربة إال في العام ‪ .1918‬وتمخضت ثورة «أكتوبر االشتراكية» في‬

‫روسية (‪ )1917‬عن مفاهيم استراتيجية جديدة استناداً إلى الدراسات النظرية العسكرية التي طرحها كارل ماركس وأنغلز حول‬

‫جوهر الحرب وأسبابها‪ ،‬وسعى لينين إلى بلورتها ووضع األسس العلمية والعملية لتطبيقاتها في أعماله التي خص بها الصراع‬

‫السياسي وثورة البروليتارية‪ .‬وفي أثناء الحرب األهلية وحرب التدخل األجنبي في االتحاد السوفييتي (‪ )1920-1918‬سعت‬

‫القيادة السوفيتية برئاسة لينين إلى تطبيق تلك المبادئ واألسس بوضع استراتيجية مرنة تعتمد الهجوم أساسا ً مع السماح بالتحول‬

‫إلى الدفاع بل واالنسحاب عند الضرورة مراعاة لإلمكانات البشرية واالقتصادي للدولة وأعدائها‪ .‬وعمدت هذه القيادة بعد‬

‫الحرب األهلية إلى دراسة المشكالت النظرية والعملية للحرب الحديثة من وجهة النظر السوفييتية‪ 7‬في عدائها للعالم الرأسمالي‬

‫المحيط بها‪ ،‬وتوصل كل من‪ :‬م‪:‬ف فرونزه (‪ .Frounze  M.V )1925-1885‬و‪.‬م‪.‬ن‪ .‬وتوخاتشوفسكي (‪)1937-1893‬‬

‫‪ .Toukhatchevski M.N‬وف‪.‬ك‪ .‬ترانيدفيلوف وب‪.‬م‪ .‬شابوشنيكوف (‪ Chapochnikov .B.M )1945-1882‬في مدى‬

‫العشرين عاما ً الفاصلة بين الحربين العالميتين إلى إيجاد صيغة شاملة لالستراتيجية الحربية السوفييتية التي تبناها االتحاد‬
‫السوفييتي في بداية الحرب‪ .‬ونصت هذه االستراتيجية على أن الحرب قد تكون حرب أحالف طويلة األمد شديدة المناورة‪،‬‬

‫وأساسها العمليات الهجومية العميقة المنفذة بالتتابع على مستوى جبهة أو مجموعة جبهات بتعاون وثيق بين جميع أنواع القوات‬

‫المسلحة وتقوم القوات البرية فيها بالدور الرئيس والحاسم‪ ،‬ويعد الدفاع نوعا ً مشروعا ً من أعمال القتال يلجأ إليه إلنهاك العدو‬

‫وتهيئة الشروط المناسبة لالنتقال إلى الهجوم‪.‬‬

‫إال أن نظرية الدفاع في المستوى االستراتيجي لم تدرس دراسة وافية قبل بدء الحرب العالمية الثانية‪ ،‬ولم توضع الحلول‬

‫المناسبة لصد ضربات العدو المفاجئة بقوات سبقت تعبئتها في المرحلة األولى من الحرب‪ .‬وبالمقابل فقد كان لألزمة المالية التي‬

‫أصابت البالد الرأسمالية في بداية الثالثينيات أثرها الكبير في تطور االستراتيجية العسكرية في دول الغرب‪ ،‬ودفعها تنافسها‬

‫في‪  ‬السيطرة على العالم إلى تأليف جيوش محترفة تعد بالماليين‪ 7،‬كما أدى تأثير خبرة الحرب األولى إلى المبالغة في تقدير‬

‫أهمية الطيران والدبابات في المعركة‪ ،‬فظهرت نظريات جديدة تعالج فكرة تحقيق النصر « بحرب جوية» كما يقول اإليطالي‬

‫جوليو دويه (‪ Giulo Douhet )1930-1869‬أو «بحرب مدرعات» كما يذكر البريطاني جون فولَر (‪John )1966-1878‬‬

‫‪ Fuller‬واأللماني هاينتز غودريان ‪ ،Heinz Guderian‬ويرى بعضهم أن تكون الحرب شاملة سريعة كما يذكر األلماني‬

‫لودندورف (‪ Erich Ludendorff )1937-1865‬أو تتكفل بها القوى البحرية أو الخطوط المحصنة والمواضع الثابتة‪ .‬وبعد‬

‫أن سيطر هتلر على ألمانية شرع في االستعداد للحرب علناً‪ ،‬وتبنت القيادة االستراتيجية األلمانية مبدأ بدء أعمال القتال من دون‬

‫إعالن الحرب‪ ،‬وتمكنت من السيطرة على عدد من دول أوربة بالتتابع وبسرعة خاطفة اعتماداً على القوى الجوية والقوات‬

‫المدرعة التي استخدمت بكثافة كبيرة مع االنزاالت الجوية‪ .‬وأضحت فكرة تحقيق النصر في وقت قصير أساس االستراتيجية‬

‫األلمانية معبراً عنهــا بـ«الحرب الصاعقة» ‪.‬‬

‫تركز االهتمام في بريطانية على االحتفاظ بقوى بحرية وقوى جوية قوية من دون إيالء الحرب البرية االهتمام الذي تستحقه‪.‬‬

‫وافترضت القيادة االستراتيجية البريطانية أن الحرب البرية في أوربة يكفيها فيلق حملة يضم قوات برية من الجيوش الحليفة‬

‫كذلك كان شأن الواليات المتحدة األمريكية التي أعطت األولوية لألسطول البحري والطيران‪ .‬وكان أسطولها البحري مع المشاة‬

‫البحرية قادراً على حماية حدودها البحرية‪ .‬أما القوات البرية فأعطيت دوراً ثانويا ً وكانت قليلة العدد‪.‬‬

‫انطلقت االستراتيجية الفرنسية من فهمها (الخاطئ) لخبرة الحرب العالمية األولى وتقديرها (الضعيف) ألهمية وسائط الصراع‬

‫الحديثة التي أخذت تزداد قدراتها‪ ،‬فصبت آمالها على حرب مواضع دفاعية تستند إلى منشآت حصينة في خطوط متتالية (خط‬
‫ماجينو‪ ،‬وخط التحصينات البلجيكي) تعززها الدبابات والطيران إلنهاك العدو في معارك دفاعية ثم االنتقال إلى هجوم معاكس‪.‬‬

‫وثبت فيما بعد أن حسابات القيادة الفرنسية لم تكن واقعية أبداً‪.‬‬

‫وتبنت القيادة االستراتيجية اليابانية مبدأ خوض الحرب في آن واحد في الجبهات البحرية والبرية لتحقيق سيطرتها على الشرق‬

‫األقصى كله‪ ،‬وإضعاف مركز الواليات المتحدة وبريطانية في المحيط الهادي فكان لديها جيش بري قوي وأسطول بحري كبير‪.‬‬

‫‪  ‬ـ االستراتيجية في الحرب العالمية الثانية‪ :‬كانت الحرب العالمية الثانية امتحانا ً عسيراً لالستراتيجية الحربية التي تبنتها كل‬

‫دولة من الدول المتحاربة‪ .‬ومع أن العالم انقسم إلى حلفين رئيسين في هذه الحرب‪ ،‬هما الحلفاء ودول المحور‪ ،‬فقد كان لكل دولة‬

‫مذهبها االستراتيجي الذي تبنته‪ .‬وكانت المواجهة األولى في بدء الحرب بين االستراتيجية التي طبقتها ألمانية النازية‬

‫واستراتيجية الحلفاء الممثلة بإنكلترة وفرنسة في البر األوربي والتي انتهت إلى فشل ذريع مكن ألمانية من سحق الدول األوربية‬

‫الضعيفة نسبيا ً (بولندة والنرويج وهولندة وبلجيكة ويوغسالفية واليونان) وتحطيم القوات اإلنكليزية والفرنسية واحتالل فرنسة‪،‬‬

‫وحصلت القيادة األلمانية في مقابل ذلك على خبرة كبيرة في تطبيق الحرب الصاعقة‪ ،‬وعلى مصادر الخامات االستراتيجية‬

‫الضخمة في الدول المهزومة عززت اقتصادها الحربي ومنحتها عمقا ً استراتيجيا ً كبيراً‪ ،‬وفي انقضاضها على االتحاد السوفييتي‬

‫طبقت ألمانية استراتيجية (الحرب الصاعقة) من جديد مؤملة سحق االتحاد السوفيتي واحتالل أراضيه في حملة عسكرية واحدة‬

‫أساسها استخدام القوات المدرعة والطيران بكثافة كبيرة‪ .‬واضطرت القوات السوفييتية بالمقابل إلى خوص معارك دفاعية‬

‫حاسمة في شروط غير مالئمة‪ 7،‬ومواجهة الهجوم االستراتيجي األلماني بدفاع استراتيجي عنيد تخللته ضربات معاكسة في‬

‫مستوى الجبهات والجيوش‪ ،‬مع مقاومة شعبية قامت بها قوات األنصار في مؤخرات العدو‪ .‬وتبنت هيئة القيادة العليا السوفييتية‪7‬‬

‫مبدأ المركزية الصارمة في إدارة العمليات والقيادة الجماعية في اتخاذ القرارات كي تتمكن من السيطرة على اإلمكانات‬

‫المحدودة التي توافرت لها في بدء الحرب مع وجود المبادأة العسكرية في يد األلمان‪ .‬وفي المعارك الضاربة‪ ‬التي جرت في‬

‫عامي ‪ 1942-1941‬أُنهكت القوات األلمانية واستُنزفت مواردها وتمكن الجيش األحمر من انتزاع زمام المبادأة االستراتيجية‬

‫وإحباط استراتيجية الحرب الصاعقة‪ .‬ومع انتقال القوات السوفيتية إلى الهجوم العام المعاكس قرب موسكو (‪ )1942‬اضطرت‬

‫القيادة األلمانية إلى تبني استراتيجية جديدة ترمي إلى تحقيق أهدافها في مراحل‪ ،‬ولكنها أخفقت في تطبيقها أيضا ً بسبب تطاول‬

‫الجبهة وبعد قواعد اإلمداد ونقص االحتياطات االستراتيجية‪ .‬وبعد موقعة كورسك (‪ )1943‬التي كانت آخر هجوم استراتيجي‬

‫ضخم تقوم به القوات األلمانية على الجبهة الشرقية انتهى إلى اإلخفاق التام تبدل الموقف االستراتيجي على الجبهة السوفييتية‬

‫األلمانية وغدا في صالح الجيش األحمر‪ .‬وتبنت القيادة السوفييتية استراتيجية العمليات الهجومية المتتالية والموحدة هدفا ً على‬
‫اتجاهات متباعدة‪ ،‬وتبنت القيادة األلمانية الدفاع المنسق والعميق على الجبهتين الغربية والشرقية من دون طائل‪ ،‬وانتهت الحرب‬

‫بانهيار ألمانية واستسالمها الكامل واحتالل أراضيها‪.‬‬

‫وكانت الواليات المتحدة األمريكية وبريطانية قد اتفقتا على تبني استراتيجية منسقة تعتمد‪ 7‬على مبدأ االقتصاد بالقوى وتجميعها‬

‫أوالً بأول‪ ،‬وعدم استهالك إمكاناتهما الحربية المتنامية في مسارح العمليات سواء في أوربة أم في المحيط الهادي حتى يستنزف‬

‫الكمون الحربي لدول المحور وتنهك قواها‪ ،‬ومن ثم تسدد الدولتان ضربات قاصمة إلى قوات المحور إلنهاء الحرب‪ .‬وعندما‬

‫سنحت الفرصة الحقيقية لسحق ألمانية على يد القوات السوفييتية‪ 7‬عام ‪ 1944‬نفذ الحلفاء الغربيون إنزالهم في النورمندي‬

‫وعملياتهم الهجومية الضخمة في فرنسة وألمانية نفسها وأنهوا حربهم ألمانية باحتالل برلين بالتنسيق مع القوات السوفيتية ‪.‬‬

‫أما في مسارح المحيط الهادي فقد نجحت القوات المسلحة اليابانية في بداية الحرب في السيطرة على أجزاء شاسعة من المنطقة‬

‫بعمليات جوية بحرية مع إنزاالت بحرية ضخمة (آواخر ‪ )1942-1941‬وهددت كالً من الهند وأسترالية معتمدة على عدم‬

‫جاهزية الواليات المتحدة وبريطانية لخوض مثل هذه الحرب في المحيط الهادئ‪ .‬وكان من عيوب االستراتيجية اليابانية عدم‬

‫المواءمة بين األهداف االستراتيجية المرجوة واإلمكانات الحربية والكمون االقتصادي الحربي للدولة‪ .‬واضطرت اليابان بسبب‬

‫ذلك إلى محاولة إطالة أمد الحرب كي توفر لنفسها أفضل شروط إلنهائها‪.‬‬

‫االستراتيجية في العصر النووي‪:‬‬

‫تمخضت الحرب العالمية الثانية عن ظهور قوتين عظميين قسمتا العالم إلى معسكرين شرقي وغربي‪ ،‬وراحت جميع الدول تعيد‬

‫النظر في استراتيجياتها على أساس الخبرة المكتسبة من الحرب‪ ،‬واتسعت سياسة األحالف العسكرية حتى أصبحت ظاهرة‬

‫مميزة في خمسينات القرن العشرين‪ ،‬وفي مقدمتها حلف الشمال األطلسي (الناتو‪ )1949‬وحلف بغداد‪ 7،‬وحلف جنوب شرقي‬

‫آسيا‪ ،‬وكلها أحالف غربية‪ ،‬وحلف المعاهدة المركزية (حلف وارسو‪ )1955‬وهو حلف الدول االشتراكية‪ .‬وأدى ظهور السالح‬

‫النووي والصواريخ الحاملة للرؤوس النووية إلى تطوير نظريات خوض الحرب واألفكار المتعلقة بطبيعة الحرب المقبلة‬

‫وأدخلت تعديالت كبيرة على االستراتيجيات العسكرية باالعتماد على السالح النووي‪ ،‬واقتنعت القيادات االستراتيجية في معظم‬

‫تلك الدول بإمكان تحقيق المهام االستراتيجية الضخمة باستخدام السالح النووي الصاروخي على األهداف المعادية العميقة‪،‬‬

‫واستناداً إلى هذه التصورات وضعت األحالف العسكرية والقيادات االستراتيجية خططها على الصراع من أجل كسب السيطرة‬

‫على العالم وحرمان الطرف اآلخر منها‪ .‬ففي آواخر األربعينيات وأوئل‪  ‬الخمسينيات عندما كان السالح النووي حكراً على‬

‫الواليات المتحدة األمريكية تبنت القيادة االستراتيجية فيها استراتيجية (اإلبادة الشاملة) أو (اإلنتقام المكثف) وأساسها خوض‬
‫حرب نووية وصاروخية شاملة تستخدم فيها جميع أنواع األسلحة المتوافرة وعلى جميع األهداف المعادية عند أول بادرة عداء‬

‫تبدر عن الطرف الثاني‪ .‬وبدهي أن هذه االستراتيجية لم تكن قابلة للنجاح إال إذا كان الخصم ال يملك أسلحة مماثلة من حيث قوة‬

‫تدميرها وتأثيرها ومداها وإال أصبحت استراتيجية اإلبادة الشاملة انتحاراً متبادالً بين الطرفين‪ .‬وفي الستينيات تبدل تناسب‬

‫القوى والموقف السياسي بين الدولتين العظميين لتزايد القوة النووية السوفييتية التي أصبحت قوة رادعة‪ ،‬فظهرت إلى الوجود‬

‫نظرية تبنتها القيادة االستراتيجية األمريكية وقيادة حلف األطلسي تحت اسم «الرد المرن» أو «التجاوب المرن» وهي مبنية‬

‫على أساس اإلعداد للرد على كل عمل معاد بعمل يناسبه واستخدام القوات الكافية الحباطه ولو أدى ذلك إلى استخدام األسلحة‬

‫النووية التكتيكية في معارك محلية أو في مستوى استراتيجي محدود‪ ،‬وال يكون الرد شامالً إال في نهاية المطاف‪ .‬والغاية من‬

‫ذلك المواءمة بين الحرب المحدودة والمعارك المحلية وبين الردع الشامل من أجل إبقاء النزاع المسلح محصوراً في حدود‬

‫معينة مع التهديد‪ 7‬بالرد الشامل حالً استراتيجيا ً احتياطياً‪ .‬وبطبيعة الحال فإن قيادة مثل هذه العمليات االستراتيجية تتطلب دقة‬

‫بالغة في تحليل المعطيات واالستنتاج والقرار وحزما ً في التنفيذ وضبط األمور خشية التصعيد وبلوغ حد في النزاع ال يمكن حله‬

‫إال بالرد ‪ ‬الشامل‪ ،‬وقد تفرع عن هذه االستراتيجية مذهب آخر ينادي «بالرد المتدرج» أي تصعيد األعمال الحربية درجة درجة‬

‫ابتداء من األسلحة التقليدية وانتهاء باألسلحة النووية التكتيكية فاالستراتيجية مع عدم استبعاد إمكان‪ ‬الرد الشامل بحسب ما‬

‫تقضيه األحوال والعوامل المستجدة‪ .‬ويرى أصحاب هذا المذهب أن استراتيجية من هذا النوع تتيح فرص الدفاع باستخدام‬

‫األسلحة التقليدية واألسلحة النووية الصغيرة‪ ،‬من دون أن تؤدي إلى حرب شاملة‪.‬‬

‫أدى تطور المفاهيم االستراتيجية في الستينات وظهور المذاهب المذكورة إلى تبدل عام في مفهوم (النصر) عما كان عليه قبل‬

‫العصر النووي‪ .‬ففي الحرب النووية سيلحق الدمار بالهازم والمهزوم وسوف تكون الحرب انتحاراً متبادالً‪ 7‬يصيب جميع‬

‫األطراف المشتركة بالحرب وغير المشتركة أيضاً‪ .‬والطرائق التي سوف تستخدم فيه األسلحة النووية سواء في الهجوم أو‬

‫الدفاع‪ ،‬هي نفسها التي يتبناها الطرفان المتحاربان كالتدمير الوقائي ألسلحة الخصم (الهجوم المباشر) واعتراض وسائل الهجوم‬

‫المعادية (الدفاع المباشر) والوقاية من تأثير أسلحة التدمير الشامل المعادية والتهديد‪ 7‬باالنتقام (الهجوم غير المباشر) وغير ذلك‪.‬‬

‫وكل هذه الطرائق وغيرها تتطلب تفوق أحد الطرفين على اآلخر في تقنيات االعتراض والهجوم حتى يستطيع تدمير وسائل‬

‫الهجوم النووي المعادية وإيصال وسائله إلى أرض الخصم‪ ،‬وهذا السعي إلى تحقيق التفوق من قبل الطرفين أدى إلى ظهور ما‬

‫يعرف «بسباق التسلح» الذي مر بمراحل عدة منذ الخمسينات واستندت إليه «الحرب الباردة» بين الدولتين العظميين في‬

‫الستينات وهدفها اإلفادة من العلم والتقنية والصناعة واالقتصاد إلنهاك الخصم إنهاكا ً غير مباشر وإبطال مفعول أسلحته بإيجاد‬
‫أسلحة متفوقة عليها‪ ،‬وتكليفه نفقات وجهوداً علمية وتقنية واقتصادية كبيرة لتحقيق التوازن االستراتيجي مع الخصم أو التفوق‬

‫عليه‪ ،‬وإبقائه دائما ً تحت خط «التهديد باالنتقام» األمر الذي يضطره إلى االحتفاظ‪  ‬بقوة ضاربة كبيرة تكفي إلرهاب الطرف‬

‫اآلخر وردعه عن استعمال القوة المسلحة‪ .‬وتفرعت عن «سباق التسلح» هذا استراتيجية «الردع» والردع في ذاته ظاهرة‬

‫قديمة تقوم أساسا ً على تهديد‪ 7‬الخصم باستعمال القوة لمنعه من اإلقدام على تنفيذ ما يهدف إليه‪ ،‬وهو أسلوب دفاعي كان وال يزال‬

‫أحد أسس النظريات العسكرية‪ ،‬إال أنه اكتسب في العصر النووي أبعاداً جديدة‪ .‬وإن تطبيق استراتيجية الردع ال يتوقف على‬

‫حجم الوسائل المخصصة لها فحسب‪ ،‬بل يتعداها إلى البنية الفكرية والمذهبية‪ 7‬والتاريخية والنفسية للشعب وكيانه‪ .‬ومحصلة هذه‬

‫العوامل كلها هي التي تحدد نجاح استراتيجية الردع أو إخفاقها وهي تعتمد بالدرجة األولى على العاملين المادي والتقني وعلى‬

‫العامل النفسي للخصم‪ ،‬والعامالن األوالن قابالن للحساب ويوفران الطاقة التدميرية والوسائل الكفيلة بإيصالها إلى أراضي‬

‫الخصم والقدرة على اختراق دفاعاته وإصابة األهداف بدقة عالية‪ .‬أما العامل النفسي فيبقى على أهميته خارج إطار الحساب‬

‫الرتباطه بإرادة اإلنسان وتصميمه وإيمانه بقضيته‪ .‬وتسعى استراتيجية الردع إلى زرع الثقة لدى أبناء الوطن ‪ ،‬وزرع الشك‬

‫عند الخصم‪ ،‬وإخضاعه لنوع من الصراع النفسي يدفعه في خاتمة المطاف إلى اإلحجام عن المخاطرة باللجوء إلى الصراع‬

‫المسلح‪ .‬ولكي يكون الستراتيجية الردع نصيبها من النجاح البد من أن تتوافر لها األسباب الكافية إلرغام الخصم على التراجع‬

‫عن نواياه تحت التهديد‪ 7‬بخسائر تفوق ما يمكن أن يجنبه من كاسب ومزايا فيما لو مضى في تنفيذ ما عزم عليه‪ .‬وتتميز‬

‫استراتيجية الردع النووي من غيرها بأنها فورية وشاملة يمكن أن يبلغ أذاها أقصى نقاط المعمورة‪ ،‬وهي هجومية ودفاعية في‬

‫آن واحد‪ .‬ويدخل في نطاقها أيضا ً استراتيجية «حرب النجوم» التي بدأت سراً منذ العقد السابع وتم تبنيها علنا ً مع بداية‬

‫الثمانينيات من القرن العشرين‪.‬‬

‫إن تبني استراتيجية الردع ال يعني التخلي تماما ً عن أنواع االستراتيجية األخرى كالرد المرن أو التصعيد التدريجي‪ ،‬ألن نجاح‬

‫الردع في منع الحرب أو أخير نشوبها ال يمنع حدوث األزمات أو المشكالت الدولية المحدودة التي قد يتطلب حليها اللجوء إلى‬

‫الصراع المسلح محليا ً واستخدام عدد محدود من القوات المسلحة الضرورية إلنهاء األزمة‪.‬‬

‫االستراتيجية في المفهوم المعاصر‪:‬‬

‫لم تعد االستراتيجية في الوقت الحاضر عقيدة محددة جامدة‪ ،‬وإنما تنحو إلى أن تكون أسلوب تفكير يصنف الحوادث بحسب‬

‫أهميتها ويحلل أسبابها‪ ،‬ويختار أكثر الوسائل مالءمة لمعالجتها‪ .‬فلكل موقف استراتيجية معينة‪ 7،‬وقد يكون اختيارها صائبا ً أو‬

‫مخطئا ً بحسب الحال‪ .‬وإن هذا االختيار من أهم أسس االستراتيجية المعاصرة بسبب تعدد‪ 7‬الخيارات المحتملة في الوقت‬
‫الحاضر‪ ،‬إذ يمكن إلى جانب اللجوء إلى القوة العسكرية والتهديد بها‪ ،‬االستفادة من القدرات االقتصادية والسياسية والدبلوماسية‬

‫والثقافية والمعنوية التي قد تحقق الغرض المطلوب منفردة أو مجتمعة‪ .‬وعلى هذا يكون جوهر االستراتيجية المعاصرة فن‬

‫اختيار المنهج واألسلوب من بين الفرص المتاحة لما يناسب الحالة التي تواجه القيادة المسؤولة من أجل تحقيق أغراضها‪.‬‬

‫واالستراتيجية المعاصرة تخضع للسياسة حكما ً وترتبط بأغراضها‪ ،‬وذلك أن العالقات الدولية ومصالح الدول متشابكة ومتداخلة‬

‫بحيث يخشى معها من تصعيد األزمات والمشكالت والصراعات المسلحة لمحلية وتحولها إلى صراع دولي تستخدم فيه األسلحة‬

‫النووية والصاروخية‪.‬‬

‫واالستراتيجية المعاصرة تتبع المذهب العسكري الذي يحدد لها األوضاع العامة واألساسية التي تستنبط منها طبيعة الحرب‬

‫المقبلة ووسائل إعداد الدولة للحرب وتنظيم القوات المسلحة وطرائق إدارة الحرب في العصر النووي‪.‬‬

‫واالستراتيجية المعاصرة شاملة ألن الحرب النووية الحديثة تشمل جميع مظاهر الحياة البشرية وتحيط بجميع جوانب النشاط‬

‫اإلنساني‪ ،‬وهي حرب مدمرة عنيفة ال حدود آلذاها‪ .‬ويمكن تحديد مفهوم االستراتيجية المعاصرة في أربعة مبادئ هي‪ :‬ارتباطها‬

‫بأمن الدولة والمجتمع‪ ،‬وعنايتها بتعبئة‪ 7‬الطاقات الكامنة للمجتمع وتنظيمها وتوجيهها‪ ،‬وقابليتها للتعديل والتطوير بتبدل األحوال‬

‫واإلمكانات والخيارات المتاحة‪ ،‬وتضمنها جملة من االستراتيجيات المتخصصة التي تترابط وتتكامل فيما بينها لتحقيق أغراض‬

‫االستراتيجية‪  ‬الشاملة وصوالً إلى أغراض السياسة‪.‬‬

‫ولعل من أهم ميزات االستراتيجية المعاصرة تالؤمها مع التبدالت التي تطرأ على طبيعة الحرب ووسائلها وطرائق إدارتها كلما‬

‫تبدلت اإلمكانات المادية والتقنية في الدولة‪ .‬ويرى المنظّرون االستراتيجيون أن تدمير القوات المسلحة المعادية لم يعد الهدف‬

‫الرئيسي الذي تسعى إليه االستراتيجية إذ يمكن تحقيق التفوق االستراتيجي والوصول إلى نتائج حاسمة من دون خوض معارك‬

‫ضاربة كبيرة‪ ،‬كما يمكن إجبار العدو على االستسالم وتجريد قواته من سالحها من غير تدميرها‪ ،‬واألمثلة على ذلك كثيرة‪ ‬في‬

‫التاريخ القديم والحديث المعاصر‪ ،‬وهي كلها تلقي ضوءاً على أهمية الكمون العسكري واالستراتيجية العليا والروح المعنوية‬

‫لألطراف المتنازعة‪ .‬وإن نجاح االستراتيجية في بلوغ أهدافها مرهون بالتقدير السليم لإلمكانات المتاحة المتوافرة ـ البشرية‬

‫والمادية والمعنوية ـ واستخدامها االستخدام الصحيح لبلوغ األغراض المرسومة‪ .‬والعالقة بين الوسيلة والغرض عالقة جدلية‬

‫متطورة تقابلها العالقة بين الحاضر والمستقبل‪ ،‬ألن االستراتيجية‪ ‬تحدد المنهج والوسائل الممكنة لبلوغ الغاية في ضوء رؤية‬

‫مستقبلية لتلك الغاية‪ ،‬وتأخذ في الحسبان احتماالت التطور‪ ،‬وتبني نظرتها على أساس الترجيح بين الحلول المقترحة واختيار‬

‫البديل المحتمل باالستناد إلى تلك الرؤية‪ .‬وال يقصد بالوسائل هنا الوسائل العسكرية فقط ألن الحرب الحديثة هي حرب نووية‬
‫وصاروخية شاملة تفترض تبني استراتيجية شاملة ترتبط ارتباطا ً عضويا ً بالسياسة واالقتصاد ويخرجها ارتباطها هذا عن‬

‫إطارها السابق المقيد بالهيئات العسكرية ليحولها إلى علم وفن يهتم بهما صانعو القرارات‪ ،‬ويسعى الجميع إلى ممارستهما‬

‫ووضع مناهجهما وتدريسهما في األكاديميات والجامعات والمعاهد المتخصصة‪ .‬وأصبح المنظرون االستراتيجيون من المدنيين‬

‫على قدم المساواة مع المنظرين العسكريين ويعملون معهم في ميدان واحد يهدف إلى كشف قوانين االستراتيجية ومبادئها‬

‫وأسسها ومفاهيمها وتكييفها وفقا ً ألهداف الدولة والمجتمع وإمكاناتهما لتكون منهجا ً يسير عليه صانعو القرار ومرجعا ً يستندون‪7‬‬

‫إليه في قراراتهم‪.‬‬

Você também pode gostar