Você está na página 1de 8

‫كتابات أبو الحق‬

‫ثاني وعشرون من سابع‬

‫‪2018‬‬

‫دولة عميقة أم دولة فاشلة؟‬

‫أي شئ خال ‪...‬‬


‫ال يبدو على الدولة العراقية (حكومة وشعبا) أنها تجيد فعل ّ‬

‫طلع اإلعالم العراقي علينا قبل شهور (من ضمن ما به طلع وفي خضم معمعة‬
‫اإلنتخابات والدعايات والبرامج اإلنتخابية) بمصطلح "الدولة العميقة" في إشارة‬
‫لنفوذ نوري المالكي ومن تحالف معه من مليشيات إيرانية العائدية ‪ ،‬وبالحقيقة‬
‫فشتان بين حالنا وحال أميركا التي لديها دولة عميقة قوامها العنصريون‬
‫الجمهوريون وهم أقلية بحساب عدد السكان لكنهم غالبية ضمن هكذا دولة سريّة‪،‬‬
‫تضم ذوي البشرة البيضاء وتمتلك مقاليد وكالة األمن الوطني المسماة بال (إن‬
‫إس أي ) ويشكلون الدولة العميقة التي ترسم معالم السياسة الخارجية القائمة‬
‫على فرض الهيمنة على العالم ونهب موارد بلدان العالم الضعيفة عسكريا وإشاعة‬
‫الحروب لترويج تجارة األسلحة واألعتدة في نفس الوقت الذي تراقب فيه وضع‬
‫البالد الداخلي بما يضمن هيمنة القلة الغنية ( وهي بيضاء بمجملها) على إقتصاد‬
‫البالد وتخدير الوعي العام عبر اإلعالم المضلل والمو ّجه بكل حرفية إضافة إلى‬
‫نمط الحياة اإلستهالكي المفرط‪ .‬بالمقابل‪ ،‬ف ّ‬
‫إن "الدولة العميقة" التي أشير إليها‬
‫هنا في العراق إنما هي الجانب السئ والشرير من الحكومة والشعب على السواء‪،‬‬
‫هذه‪ ،‬ال أكثر وال أقل ‪ ،‬إنها ال( ورطة) العميقة‪ (،‬الحفرة) العميقة التي وقع العراق‬
‫بها!‬
‫يسهل جدا إستعراض واقع الحال لتقدير ما آل إليه حال الدولة العراقية حكومة‬
‫وشعبا من دون كثير أرقام أو إحصائيات وذلك عبر مراقبة أداء الوزارات المختلفة‬
‫‪ ،‬فللعام الخمسين بأقل تقدير ( وهذا نموذج بسيط ألشكال خدمات البنية التحتية) ال‬
‫زالت شوارع مدن العراق قبيحة متهالكة حافلة بأشكال الحفر والمطبات بحيث‬
‫أن الصومال أفضل حاال منا ‪ ،‬كل‬ ‫إستحالت مدننا لما يشبه حال قندهار ‪ ،‬وأحسب ّ‬
‫يسود وجه األرض مع وفرة هائلة من‬ ‫هذا ونحن بلد اإلسفلت والقير وكل ما ّ‬
‫موارد طبيعية تتوسل إلى هللا ألجل تحصيلها دول وممالك ‪ ،‬ومثل ذلك هو حال‬
‫موارد التربة الخصبة التي نحتكم عليها وتتوسل دول مثل هولندا واإلمارات‬
‫المتالك البعض منها‪ ،‬نفس حال موارد المياه التي تتوسل دول أفريقية إلى هللا‬
‫تعالى وإلى هبل والالت والعزى حتى إلمتالك بعضها فحسب لكن كل ما نفعله نحن‬
‫معها هو هدرها واإلساءة إليها برمي قذاراتنا اليومية فيها بحيث جعلنا أنهارنا‬
‫مجاري مياه قذرة ثقيلة ملوثة تنقل كل قبيح لغيرنا على طول مجاريها وصوال‬
‫أي صرف صحي وال إعادة تدوير للنفايات وال أي إجراء‬ ‫للبصرة ألنه ليس هناك ّ‬
‫حضاري آخر مما توصلت إليه دول العالم‪ ،‬كل ما نتقنه هو تقبيح وجوهنا ووجه‬
‫بلدنا أمام العالم وإشعار كل متمعن بالشأن العراقي أننا شعب قذر وحكومة فاشلة‪،‬‬
‫ويبدو ولألسف جليا أننا ال نستحق حتى اإلستقالل عن الترك أو الفرس أو اإلنكَليز‬
‫واألمريكان‪ ،‬هذه هي الحقيقة‪ .‬دولة تجهد نفسها لعمل مطبات في الشوارع‬
‫المتهرئة باستخدام اإلسفلت والعمالة والمكائن الثقيلة وال ترى أنها ملزمة‬
‫باستخدام هكذا موارد لردم الحفر والتخسفات‪ ،‬ماذا تسميها وكيف تصف برامجها‬
‫وأسبقياتها وبم تصف مسؤوليها؟ دولة تجهز على السمنت والحديد ألجل تصنيع‬
‫المزيد من كتل الكونكريت القبيحة بدل توجيهها للبناء والتجسير في عراق فقد‬
‫مئات الجسور البرية والنهرية في خضم أربع سنوات ال أكثر‪ ،‬بم يمكنك أن تصف‬
‫هكذا دولة سوى أنها فاشلة؟ وتلك هي محافظات الشمال تشعر وقت تقود سيارتك‬
‫في شوارع أربيل الحديثة أنّك غادرت بغداد والموصل والبصرة صوب بلد آخر فما‬
‫أي‬
‫السبب في هذا التباين وهو إقليم محكوم بزمرة لصوص وأفاقين ال تتوقع منهم ّ‬
‫خير؟ حتما هي مزايدات مقصودة لغرض إظهار الفرق بين ( كردستان) و(‬
‫عربستان) فهل فطنت حكومة بغداد لحقيقة ّ‬
‫أن أربيل تبدو هي العاصمة ال بغداد؟‬
‫دولة عجزت منذ أيام صدام حسين عقب حرب الكويت المدمرة عن إستعادة أداء‬
‫وكفاءة منظومة توليد وتوزيع الكهرباء وبدون عذر سوى أللهم ما هو بصالح‬
‫صدام حسين ودولته من حيث كون الحصار كان مقصودا أصال إلحتواء النظام‬
‫وإنهاكه لذا فطبيعي أال تتعافى منظومة الكهرباء طيلة ‪ 13‬سنة عجفاء مع منع‬
‫اإلستيراد الوفقرة المواد المزدوجة اإلستخدام ‪ ،‬ترى ما هو عذر هؤالء الذين‬
‫أعقبوا صدام وقد مضت مدة ‪ 28‬سنة بالكمال والتمام منذ تم قصف تلك المحطات‬
‫في عموم العراق؟ كم مليارا أهدروا من دون إكتراث وال محاسبة وال حتى مجرد‬
‫إتعاظ ؟ لن أقول ما هو إجراء الحوزات والشعب فهذان مجرد ( خريتان) ال غير‪،‬‬
‫الحوزات شرعنت السقوط هذا والشعب المطي شارك باإلنتخابات بمختلف الدوافع‬
‫لكنه لم يفعل سوى ( نكح الذات بالذات)‪ ،‬أنا سأتساءل هنا‪ :‬إلى متى سيستمر هذا‬
‫الحال؟‬
‫نحن في العام ‪ 2018‬ومع هذا فال زال التبليط العراقي ال يقاوم إال بضعة شهور‬
‫فطريقة التبليط بدائية والمجاري تجهز على الناتج سريعا ألنه عمل مقتطع بال‬
‫رؤية شاملة ومؤكد أنه عقب كل عملية تبليط تشرع دوائر الدولة األخرى ( ومن‬
‫ورائها نموذج لمواطن متشبع بالنذالة يخرب بيديه ما تم تحصيله بصعوبة وبعد‬
‫طول إنتظار) بنسف ما تم إنجازه كما تعودوا منذ الثمانينات تلك فالشوارع يتم‬
‫حفرها وتقطيعها ألجل تمرير أنبوب ماء أو سلك مولدة أو حتى ( صوندة)‬
‫بالستيكية ال تعدل قيمة حصى الشارع من دون محاسبة لمن ينتهك عفاف الشارع‬
‫المسكين‪،‬الدورة المعتادة لحد اآلن هي تبليط يعقبه شق خنادق بالطول وبالعرض‪،‬‬
‫هذا ألنبوب ماء وذاك لكيبل إنترنيت‪ ،‬وغالب ما يحصل هو من دوائر الدولة لكن‬
‫هناك نسبة هي من فعل مواطن سافل دون شك‪ ،‬ومع هذا فأين دور الحكومة‬
‫ومؤسسات الدولة الرقابية والحسابية ؟ يقولون " إذا كانت الدولة قوية سحقتنا‬
‫وإذا كانت ضعيفة فتلك هي المصيبة"‪ ،‬وهذه دولة تركت الحبال على غواربها‬
‫وتركت الناس يموج بعضهم ببعض في نظام فوضوض يتدبر فيه كل مواطن أموره‬
‫بيده وعلى حساب غيره‪ ،‬الدولة موجودة فقط وقت تدخلك بالسجون بحجة اإلرهاب‬
‫وإال فهي ضمير عديم الضمير ومستتر !‬
‫إن من سمات سقوط الدولة العراقية البادية للعيان هو حال الشارع العراقي من‬‫ّ‬
‫وجهة نظر مرورية وحضارية فالفوضى غلبت بقية النظام التي شهدتها سنوات‬
‫الحصار قبيل الحرب األخيرة ‪ ،‬ال تستغرب إن وصل بنا الحال وقريبا جدا أن ترى‬
‫صبيا بعمر أربع سنوات يقود ( تريلة) أو حوضية غاز مسال على الطريق وسط‬
‫عباد هللا فهكذا زعاطيط يقودون اليوم ومنذ سنين متعددة سيارات الميكروباص‬
‫مخاطرين بحياة من يقلونهم بالحافالت ومن يصادفونهم على الطريق كذلك‪ ،‬ليس‬
‫أي حساب لذا يحصل هذا ‪ ،‬ال شرطي مرور يستفسر عن سنوية أو إجازة‬ ‫هناك ّ‬
‫أي شئ آخر كدوريات المطاردة مثال فهي دولة الفوضى العارمة‪ ،‬لكن‬ ‫سياقة وال ّ‬
‫شرطة المرور موجودة فقط وقت تتقاضى منك الرسوم ووقت تحتاج لتحويل لوحة‬
‫تسجيل سيارتك ! الشارع العراقي يحفل بكل أشكال السرسرية كسواق‪ ،‬معتوهين‬
‫ومراهقين ممن ال يحق لهم أن يلمسوا مقود السيارة بحيث ما أن تتورط بقيادة‬
‫سيارتك ألجل مشوار ما فإنك تلعن اليوم الذي ولدت فيه لتكون مواطنا يشارك‬
‫هؤالء الرعناء بالمواطنة وتلعن ألوان العلم العراقي‪ ،‬وهناك أقران ألولئك يطوفون‬
‫حولك بالدراجات اآللية بكل رعونة‪ ،‬كما لو كنت في تكساس‪ ،‬شوارع العراق اليوم‬
‫هي أشبه ب ( لوكيشن) تصوير فلم ( ماد ماكس) ذاك ‪ ،‬أما الطرق الخارجية فهي‬
‫معطلة بجانب كامل منها لتتسابق السيارات بإتجاهين في الجهة األخرى ( طريق‬
‫موصل‪ -‬دهوك وطريق موصل‪ -‬بغداد قبالة معمل البتروكيمياويات نموذجان لما‬
‫أحكي هنا) والحوادث القاتلة (لبو موزه)‪ ،‬أين هي شرطة المرور؟ قارنوا الحال مع‬
‫كردستان وسترون العجب‪ ،‬أكثر من خمسة عشر منتسب بين ضابط برتبة عميد‬
‫دراج يشرفون على محاسبة من ال يرتدي حزام األمان في‬ ‫ومفوض وشرطي ّ‬
‫مدخل مدينة دهوك قبل أسبوعين تحديدا‪ ،‬الموضوع غير متعلق بخطة عمل الدائرة‬
‫فحسب بل حتى بكم من الموظفين يتم تعيينهم في هذه الدوائر وكم منهم هم‬
‫فضائيون! السائق العراقي يمارس اإلنضباط في كردستان ألنه ما أن يخرق‬
‫التعليمات ( يسمطون ابو أبوه) ويرسلون سيارته للهزاز لكشف كل عيوب السيارة‬
‫وإجباره على تصليحها كلها‪ ،‬لكنه ما أن يدخل الموصل حتى يتحول لمطي‬
‫حصاوي يستخدم سيارته بأخس أشكال السياقة ‪ ،‬لماذا؟ السبب مكشوف!‬
‫المجاري تزكم األنوف‪ ،‬والمزابل أصبحت نقاطا دالة تنافس المدارس والمساجد‬
‫كعناوين سكن‪ ،‬وهو تقصير الدولة دون شك فالنهب المنظم لم يبق شيئا لهكذا‬
‫مشاريع ‪ ،‬من يكترث؟ لكن المواطن المسئ ذاك ال زال طرفا بالموضوع فهو‬
‫عبارة عن معمل خراءة ال أكثر‪ ،‬دعونا نقر بواقع حالنا الغائطي هذا‪ ،‬مواطننا في‬
‫غالب أحواله مجرد مخلوق يعيش ليأكل ال أنّه يأكل ليعيش ويعمل‪ ،‬يُدخل الطعام‬
‫في جوفه طيلة ساعات اليقظة ليحوله لغائط وهكذا‪ ،‬إنه مواطن ( حلّوف) يدمن‬
‫رمي الطعام الفائض في براميل األزبال وفي األراضي الشاغرة المجاورة لبيته‪.‬‬
‫مواطننا مدمن على التدخين وكذلك فهو مدمن على رمي علب السجائر الفارغة‬
‫بالشارع‪ ،‬مدمن على رمي قناني الماء الفارغة من شباك السيارة ‪ ،‬مواطننا‬
‫المسئ هذا الذي أحكي عنه عنيد عناد البغال ربما ألنه مولود من أم (أتان)‬
‫وأب(حصان)‪ ،‬ال يرتضي التطور وال يهتم لدوره في اإلساءة لبيئته ولواقعه أكثر‬
‫فأكثر فهو رديف للحكومة وجزء من الدولة الفاشلة تلك‪..‬‬
‫مفردة "الصحة" أضحت أبعد عنوان يمكن إطالقه على وزارة تقودها إحدى‬
‫سالحف الدعوة والتي جعلت المرض والقذارة والتقصير واليأس عنوانا لوزارة‬
‫تعودت في زمن الحصار ذاك أن تصرف األدوية ألصحاب األمراض المزمنة‬
‫فأصبحت أساسيات العالج نادرة في كل مستشفى لكن أتذكر قبل سنين تقارب‬
‫العشر عرض التلفزيون مشاهد لمرافقي مرضى يغسلون الفوط النسيجية المشبعة‬
‫بغائط األطفال في ثالجة الماء العمومية ذات الثالث صنابير‪ ،‬أي شعب هو هذا وكم‬
‫حربا تلزمه ليتعظ ويفهم أنه في آخر ركب الشعوب المتخلفة ولم يتحسن وضعه‬
‫بعد؟! هذا هو العراق بإختصار وما يجري فيه وعليه هو مزيج من إساءات يشترك‬
‫بها كل مكون من مكونات "الدولة" هذه ( حكومة ومواطنين) وإال ففي أي بلد من‬
‫بلدان العالم ينهب رئيس وزراء مجمل خزانة البلد وينجو بدون حساب‪ ،‬ال بل يبقى‬
‫متربعا على عرش السيادة في دولة عميقة كما يسمونها وهي بال عمق في واقع‬
‫الحال بل في ضحالة مهينة ‪ ،‬ومع هذا ال زال هناك زمرة "مناويج" تنتخبه وتروج‬
‫له وترى فيه مختار العصر واألوان ؟ في أي بلد تتم محاربة من ينتفض ضد‬
‫الفساد فيتم إعتقاله وتعذيبه وتقطيعه وصلبه بحجة الديمقراطية في جانبها‬
‫المناهض ل" اإلرهاب" ‪ ،‬مرة بحجة داعش وخيم اإلعتصام ومرة بحجة التدخل‬
‫الخارجي‪ ،‬وكله تحت عيون السفارة األمريكية ومراقب الصف سفيرها السخيف (‬
‫سيلي مان)‪ ،‬أي بلد سوى العراق؟‬
‫ليس هناك من وزارة مفردة تعمل كما ينبغي‪ ،‬حقيقة أنا مستغرب لماذا أهلل تعالى‬
‫صابر علينا لليوم هذا وال لماذا ال تهجم إسرائيل علينا وتحتل بلدنا ونحن "‬
‫مشهود لنا" بالهزيمة أمام بضعة مئات من المقاتلين ! التعليم متدهور من يومه‬
‫سواءا على مستوى المدارس أو الجامعات‪ ،‬العراق هو بلد ال تتحرك فيه شاحنات‬
‫تنقل خامات ومقاطع الحديد ألجل صناعة من الصناعات المتطورة كما في تركيا‬
‫وإيران واإلمارات والسعودية بل ألجل بيع السكراب لكردستان وإليران‪ ،‬ال ترى‬
‫في السوق العراقية من نشاط إال هرولة دؤوبة لشاحنات تنقل ماء الشرب‬
‫والعصائر وملهيات البطون من جبس وبوشار ( شامية) طيلة ساعات الليل‬
‫ي شئ‪،‬‬‫والنهار إلى أفواه جائعة وأجواف ظمأى طيلة الوقت ألناس ال ينتجون أ ّ‬
‫مطلقا ! ألجل ماذا يحيا العراقيون؟ وماذا يقدمون للعالم قياسا لغيرهم من شعوب‬
‫المعمورة؟ العراقيون اليوم ال يرتوون إال من مياه يصدرها تجار اإلقليم الشمالي‬
‫بعد أن يستخرجها أولئك دون أدنى عبء وبأدنى تكاليف فكل جبل هو منجم ثقيل‬
‫للماء النقي‪ ،‬كيف وصلنا لهذا الحال؟ ونتيجة ذلك هو أطنان مطننة من علب‬
‫البالستك الفارغة التي ترمى بكل وقاحة في كل مكان! القذارة غير المسبوقة هذه‬
‫تقول لك ‪ ":‬هذا شعب ال يستحق سوى العطش والجوع فهو في أوقات الحصار‬
‫تلك كان أفضل أخالقا وإلتزاما‪ ،‬وبيئته وشوارعه كانت أنظف منها اليوم هذا‬
‫أضعافا مضاعفة " !‬
‫الخور والخواء الذي ينطوي عليه واقع حال وزاراتنا الصنديدة الرعديدة‬
‫َ‬ ‫كل هذا‬
‫إستعر الوضع في البصرة والناصرية قبل أسابيع إذا ببضعة‬
‫ّ‬ ‫ومن ثم حالما‬
‫مهندسي نفط يتسابقون لتنبيه الشعب لمخاطر إغالق آبار النفط ‪ ،‬ك ّل يبكي على‬
‫لياله ‪...‬على مخصصاته ورواتبه ! الغني ليس بحال الفقير طبعا ‪ ،‬هذا هو مجمل‬
‫الحكاية‪ ،‬ومهندسو النفط هؤالء يكرفون المال كرفا فطبيعي أن يروا اإلنتفاضة‬
‫أي مقترح ناجع لمن‬‫فوضى مدمرة تهدد إستقرار حياتهم لكن هل لديهم بالمقابل ّ‬
‫هو متجمر على النار في عز الصيف وللسنة الخامسة عشرة بعد الثالثة عشر‬
‫سنة تلك التي وسمها الحصار بكل أشكال العوز والمضايقة كل صيف؟ هل لديهم‬
‫أية معذرة ألنفسهم وهم يستخرجون النفط ليعينوا هؤالء اللصوص على نهبه؟ هذا‬
‫نموذج آخر من مواطنينا المطبوعين على النفاق والمشمولين بتوصيف (‬
‫الشياطين الخرس عن قول الحق) وهو نموذج أكاديمي متعلم ‪ ،‬ال أحكي هنا عن‬
‫القصاب وال عن عامل الصحيات!‬
‫المستغرب هنا هو أنّه رغم التخلف والعجز الشامل الذي حكينا عنه فقد شهدنا فور‬
‫بدء اإلنتفاضة فنيين ومهندسين يبرعون في وقف خدمات اإلنترنيت وتحجيم‬
‫سرعتها وحجب خدماتها على الفور‪ ،‬بالضبط كما أبدع منتسبو جهاز األمن‬
‫الخاص في أول يوم تم فيه فرض الحصار نهاية ثمانينات القرن الماضي‬
‫فتسارعوا لرفع المصافي السلكية والبوابات التي تغلق المجال أمام جثث الجرذان‬
‫والفئران و( تواثي) االشجار كي تصب في مطاحن الحنطة والشعير مع هذه‬
‫الحبوب ومع الذرة المتعفنة وعرانيسها وأكوازها وأوراقها المتيبسة لتنتج لنا ذلك‬
‫الطحين األسود ولتسلمه لنا فورا ! هؤالء األشاوس لم يقصروا الحظر على مجرد‬
‫مواقع التواصل اإلجتماعي وخدمات اإلتصال باإلنترنيت فحسب كما هو حال إيران‬
‫وتظاهرات شعوبها بل وجدناهم هذه المرة يحيلون خدمة اإلنترنيت بمجملها إلى‬
‫بؤس وحقارة تشبه دواخلهم فهذا هو الشئ الوحيد الذي يبرعون به‪ ،‬اإليذاء‬
‫والتقبيح‪ .‬لم تتاف خدمات تجهيز اإلنترنيت لليوم هذا بل أصبحت جزئية خدمة‬
‫اإلنترنيت هذه مثل تذبذب سعر صرف الدوالر‪ ،‬ما أن يصعد أو ينخفض بشكل غير‬
‫متوقع حتى تتولد حالة من التالعب باألسعار ال تعرف الهدوء أو العودة لما قبل‬
‫التغيير إال بعد مدة طويلة وبشروط خدمة مغايرة‪ ،‬وهي كلها لصالح التاجر بدافع‬
‫الطمع المتسربل بغطاء الحماية والتخوف من ( عدم القطعية) الناشئ عن الحدث‬
‫األولي‪ ،‬تذبذب محموم ال يعرف الهدوء حتى بعد إستقرار سعر الصرف‪ .‬قطع‬
‫خدمة اإلنترنيت األخير كما نقلت األخبار كلف العراق ‪ 200‬مليون دوالر كانت‬
‫كافية إلنعاش حال محافظة من المحافظات المهجومة فهل أحس هؤالء بحجم‬
‫جرائمهم ؟!‬
‫مجمل القول ‪ :‬الدولة العميقة التي يحكون عنها ما هي إال عصابات وأحزاب دمرت‬
‫ونهبت العراق ال كما فعلت وتفعل دولة األمريكان العميقة التي تتوخى مصالح‬
‫ذاتها على حساب بلدان العالم األخرى‪،‬أما الدولة الفاشلة هنا فقد قتلت العراقيين‬
‫من خالل اإلرتباط الوثيق بإيران وتحكيم العمامة في أمور ال تفقه العمامة (‬
‫أي شئ ولو وقف بعضهم لبعض ظهيرا ومهما اجتهد‬ ‫إسودت أو إبيضت) منها ّ‬
‫ربع الدماغ المتقرفص أسفل تلك العمائم‪ ،‬فأنت ال تجد إال الغباء والعجز‬
‫والزماللوغية تنضح كلها من أداء أجهزة الدولة التقليدية والمتخصصة بتقديم‬
‫الخدمات وأمور البنية التحتية ّ‬
‫ألن العمائم ال تأتي إال بزبالة العراقيين وحثاالت‬
‫المجتمع ‪ ،‬وبالمقابل‪ ،‬ال تجد إال مهارة وتم ّكن معجونين بالخبث والنجاسة تسم‬
‫أداء األجهزة الرقابية واألمنية ‪ ..‬تلك هي الدولة العميقة المتزاوجة بالحرام مع‬
‫الدولة الفاشلة أو هي الدويلة التي أنجبتها الدولة الفاشلة وسمحت لها بالتكون‬
‫بحكم التبعية إليران من خالل حزب الدعوة الحاكم وبقية أحزاب السلطة‪ ،‬فال عجب‬
‫أن العراق دوما يعود القهقرى‪ ،‬حاله حال عصير البعير ذاك !‬ ‫ّ‬

Você também pode gostar