كنا نسمي واحدهم ب "المسموم" في الثمانينات والتسعينات المنقرضة تلك..
أحكي عن ضباط عاشوا معنا في الوحدات العسكرية وتبادلنا معهم أشكال الجداالت .كانوا منخرطين بالحزب مثلنا وكانوا يوازوننا بمستوى الشهادة األكاديمية لكن ليس بالعقلية مطلقا فهناك شئ أشبه بالحيد المرجاني يفصل بيننا وال سبيل إلقناعهم مهما إصطفت من آيات وأحاديث ومنطقيات وعقالنيات لتنقض آراءهم وتدحضها ! كانت نقاشاتهم وتصريحاتهم تكشف كم من السم اإليراني الطائفي قد تم حقنه في دواخلهم منذ مرحلة الرضاعة فهم يملكون حقدا عجيبا بحق العرب والعروبة وبحق رموز اإلسالم العظيمة التي شكلت تاريخ ي نفسه يقبل لهم أمتنا العربية رغم أنهم لم يعايشوا عمرا وأبا بكر وال سعدا وخالدا ،وال عل ّ أن يصدقوا كليا بما لم تره أعينهم ( مقولته المشهورة عن المسافة بين الحق والباطل والعين واألذن) مع هذا فواحدهم مستعد ألن يخوض في عرض أية شخصية منهن وإن كانت لزوجة الرسول نفسه ورغم نزول براءة سماوية متفردة ال تغيب عن بال أي مسلم ،والمثير لإلستغراب هو لو أنّك كشفت ما في تجاويف قلب الواحد منهم وتالفيف دماغه فأنا أجزم لك بكل اليقين أنك لن تجد واحدا بالمليون من ذلك الحقد موجها صوب أية شخصية سلبية أخرى /حاضرا أو ماضيا ،وابتداءا بقابيل القاتل األول ومن ثم فرعون موسى ،وال حتى جورج بوش نفسه ،وال جنكيز خان ،ال بل وال حتى حسنه ملص ،فاطمه بالش و/أو سعدي الحلي ،هاته األخيرات هن شخصيات تثير اإلبتسام لدى هؤالء وتبعث على اإلنتعاش وإنفراج األسارير لمجرد سماع خبر أو طرفة عن أي منهم ،ال اللعن وال السب والشتم وال التكفير حتى ،وهنا تكمن المفارقة المنطقية وهنا يكمن البرهان في تكفير هؤالء الغلمان. وأنا لكثرة تمعني بكيفية تخليق هذه الشخصية السايكوباثية العمومية فقد توصلت لتفسير يستند على تجربة من تجارب العالم سيكَموند فرويد مع مريض نفسي كانت لديه عقدة خوف غامضة من الذئب رغم انه لم يعش بغابة مثال كي يصادف ذئبا من الذئاب .تبين من معالجات الطبيب النفسي للمريض ذاك ومن خالل التنويم المغناطيسي أنّه قد شاهد عملية ( تواصل جنسي) بين أبيه وأمه وهو ( بعمر اللفة) كما يقول المصريون ،كان الوضع المستخدم هو المصطلح عليه بوضع الكالب الخلفي والطفل المبتلى يحدق بتفاصيل العملية رغما عنه، وعندما شب وتعرف لطبيعة الحيوانات أصبح الذئب غريم عقله المنهك ومصدر رعبه لتشابه الحال والوضعيات ! وجدت صدى هذه النظرية في تسجيل وصلني لطفل شيعي يبكي بحرقة ووالدته تستفسر منه فيخبرها كيف أنهم قتلوا الحسين " بسيف طويل " لم يحسن الطفل المسكين حتى نطق حروف العبارة هذه بشكل سليم دون لثغ وذلك لحداثة سنه فيما شرعت األم تهدئ من روعه وتخبره أنها مجرد " مسرحية " فهل إنتبهت للتأثير العميق الذي تركته مشاهدة (مسرحية اآلالم والعذابات) تلك على عقل الطفل وهو يصف رعبه من طول السيف ومن جريمة القتل؟ كذا صورت األم التسجيل له ولصوتها وهي تقهقه لكنها من جهة أخرى حتما كانت متعمدة لزرع هذا الرعب الممزوج بالحقد في عقل طفلها ،العملية متوارثة من جيل لجيل في ترسيخ قصة واقعة تاريخية هي وحشية دون شك ،لكن اإلشكال هو في عبثية توريث المشاعر والثأريات التي ال تنتهي فقد قتل المختار الثقفي كل من ساهم بقتل الحسين ولم يبق منهم أحد ،حتى سارق نعل الحسين تم تحريقه الحقا ،تصوروا :بدل قطع اليد عوقب بالموت تحريقا ،فماذا بقي من أجندة اإلنتقام بعد ،وعالم هذه المسرحيات واللطميات المعترضة على حادثة إستشهاد كما يسمونها هم أنفسهم ويسميها جمهور السنة؟ القرآن ي المقتول بالثأر ظلما ويوصي بعدم اإلسراف في القتل ،هذه لمن الكريم يعطي سلطانا لول ّ متردم ؟! على مثل هذه ِ يقرأ القرآن ،لمن يؤمن به ويلتزم بما فيه ،فعل غادر الربع من األفالم وأشكال الحكايا المبالغ بها تغذت كل تلك الكراهيات منذ قرون وكذا تخلقت .بالمقابل، أي شئ يوازي هذا بخصوص قصة أبو لؤلؤة ومن باب المقارنة ،فليس لدى جمهور السنة ّ المجوسي و إغتياله لعمر بن الخطاب (والذي هو مشابه تماما إلغتيال علي بن أبي طالب على يد عبد الرحمن بن ملجم!) أو إغتيال مالك بن األشتر وعصابته لعثمان بن عفان فهي حاالت إستشهاد هي األخرى بتصور السنة ،ومهما كان تصنيف اإلغتيال ( إستشهادا أم إغتياال فحسب) فهي ال تعدو أحد إحتمالين :إن كان إستشهادا فعالم يحزنون أو يحقدون طالما الشهادة هي أقصى شرف للمقاتل وهي تعني الخلود في عالم آخر معزول ،وإن كان مجرد إغتيال فهو من أمور الماضي التي ال رجعة فيها وال ندامة أو أحقاد مفرطة تنفع معها؟ إذن ،لماذا هذا الفارق الكبير بين الملتين بهذه الموضوعة :موضوعة الحقد على أعداء الملة بشكل ال يعرف التناقص مع مرور الزمن؟ إنها إمبراطورية فارس دون شك ! مثلت الحقبتان المذكورتان أعاله ( الثمانينات والتسعينات) للعراق وللعراقيين الخريف األخير السابق لإلظالم التام مع حلول حقبة اإلحتالل والخيانة التي توالها نفر كثير من العراقيين باعوا أنفسهم وشرفهم ومستقبل األجيال المقبلة إليران .بالحقيقة ،التسمية تلك والخاصة بأولئك الضباط كان ينبغي أن تكون ( المسموم السام) بدال من (المسموم) ..إسم المفعول الذي يوحي بأن هكذا ضابط (أو جندي أو مدني) هو ضحية عملية تسميم بينما في واقع الحال فالشخص منهم هو غدة السم نفسها في حقيقته وهو ناب األفعى الذي ينقل السم للضحية وقت يتكلم ووقت يناقش ووقت يضمر بداخله ما يضمر فهو فاعل وهو مفعول به وألجله حتى ،ال تصح مع هكذا نفر حتى عبارة ( مغسول الدماغ) المترجمة عن اإلنكَليزية ألن الغسل يعني النظافة وإزالة األقذار بينما هؤالء واحدهم ( مقذور الدماغ مزبول اللسان أن المهدي الغائب قد والفكر) ! كان هذا قبال ،وما ان أط ّل ربيع العام 2003حتى بدا كما لو ّ أرسل تبليغا ( طيفيا) لكل هؤالء " :أسفروا ،أسفروا ،ال داع اليوم لإلخفاء وللتقية ، أعلنوها بكل صراحة ،لم يعد هناك خوف أو تحرج "! لذا إتخذ هؤالء أدوارا جديدة واحتضنوا قناعات أخرى ال عالقة لها بالماضي ،تركوا ذلك التشيع واتجهوا صوب تشيع إيران الصفوي المفرط بالتناوش اللفظي مع كل خصوم ومنافسي اإلمام علي وبنيه ،سمعنا مختلف أنواع الهرطقات والتجاوزات والشتائم التي كانوا يموهون عليها ويزعمون أنها من أمر " قل ٍة قليلة" منهم ال عالقة لهم بها ،نسبوها إلى "جهلة وأبناء سوق وشوارع" ال يشابهونهم ،لكن هل كانوا صادقين بذلك؟ أبدا! وهذا معمم أعجمي إيراني صرف من (آيات الشيطان) شبيه بالخميني يتوفر تسجيل له وهو يخوض في تناوش خالد بن الوليد بمصطلحات وتفاصيل تخص مفردة (المخرج) ينأى بنفسه عنها حتى السرسرية المزمنون ألنها ال تؤشر سوى السقوط التام المتفق مع طبيعة قوم لوط ،كيف يمكن لإلمام علي أن ينطق هكذا مفردات ( مال المناويج -خلي أتحرر شوية من القيود) في المسجد؟ بررها المعمم السافل بأن الموقف يتطلب ذلك ! هل هي إال لكون خالدا أذاقهم الويالت وألجل دوره في إسقاط إمبراطوريتهم وتعزيز دولة الخالفة الراشدة تلك؟ هي مفهومة لكل ذي لب لكن هل يفهمها جمهور الشيعة في خضم كل الروايات الملفقة التي تم حشوها بأدمغة الواحد منهم؟ أشك بذلك لفرط ما أرى في صفحات أصدقائي الشيعة الذين يكتمون هذه القناعات ولكن تكشفها منشوراتهم في كل مناسبة دينية فهو اللعن واللعن وال شئ غير اللعن ! أصل الحال هذا ( فرط البغضاء لرموز اإلسالم) هو تلقين دؤوب من قبل الوالدين واألخوة األكبر سنا ومعمم الحي والحسينية ومعلم الصف منذ الصغر ،تلقين مفاده ّ أن ( شيعتنا هي الفرقة الناجية ال غيرها) ،فالتشيع هكذا حل محل (اإليمان /اإلسالم) لذا يرى الشيعي الصغير السن من ضمن هؤالء أن كل ما ال يتفق معه بالعقيدة هذه هو خارج أقواس وال حظ له برضا هللا مطلقا وعلى هذه القناعة يشب ويشيب( بالحقيقة ليس رضا هللا هو الرضا األكبر بنظرهم فهناك رضا آل البيت الذي هو بمثابة " البدل النقدي" الذي يسقط فرض خدمة العلم عن دافعه) لذا تجد مثل هؤالء ال يعرفون أي شئ عن آي القرآن وال يتقنون فصاحة اللغة العربية وال يميزون بين آية قرآنية وحديث نبوي ومقولة لإلمام علي ،مطلقا ..إنه مزدوج (العجمة واإلستعجام) المقصود ،وهي متالزمة لم يفطن لها عالم نفس أو إجتماع من قبل كيف يكون ي األلفاظ ينفر من الفصاحة نفورا :لماذا واحدهم ضحل الدراية بالقرآن الكريم وكذلك أعجم ّ تتواجد هذه الحاالت كلها ضمن هذا الجمهور بالذات؟ إنها إمبراطورية فارس مرة أخرى .من جهة أخرى ،فلدى السنة تفكير مقابل فهم يعتقدون كذلك أنهم هم الفرقة الناجية ال غيرهم، أن رضا هللا عنهم حاصل لهم وعليهم منذ هذهلذا يتصرفون بنفس يقين الشيعة تقريبا ّ اللحظة في حياتهم الدنيا وهو مخالف لتوصيات الدين لنا أال نزكي أنفسنا وأال نتفرق كمذاهب وشيع ،لكن الفرق الكبير هنا هو أنهم ال يشتمون رموز الشيعة وال يكترثون لوضع ( "ميزان إبن خروفه" المشهور لدى أهل الموصل) محل التطبيق" ،هذا أفضل من هذا وذاك أسوأ من تلك ،هذا يدخل الجنة وذاك يدخل جهنم" ،هذا تخصص شيعي صرف ،الشيعي المتعصب يعرف من اآلن َمن سيدخل الجنة و َمن حاله هو نقيض ذلك ،ال حاجة به إلنتظار يوم الحساب وال تفسير لديه لعبارة ( ملك/مالك يوم الدين ) في الفاتحة فهي تعني شيئا آخر أي شئ غير تجنب البت بمآالت ومصائر اآلخرين األخروية ،ال بسطحية وال يمكن أن يكون ّ بهكذا قطعية ! محرك هذه المقالة هو التظاهرات واإلحتجاجات الدائرة في عموم جنوب العراق منذ شهور ّ والتي تنتهي بحدود العاصمة بغداد .إنها تظاهرات شيعية ضد السلطة الشيعية بغالبيتها،هكذا دون أدنى شك .وهيوإن كانت محل اإلعجاب واإلستبشار من قبلنا لكنها بحقيقتها عبارة عن ردة فعل مبعثها خيبة أمل ممن إنتخبوا اللصوص والقتلة بأنفسهم ،فقد فعلوا ذلك في كل الدورات اإلنتخابية رغم التحذيرات ورغم الشروحات الكثيرة عن كم سيكون ذلك مدمرا لغيرهم ولهم كذلكَ ،من منهم لم يتفاخر بالطبعة البنفسجية تلك ؟ لقد إنتخبوا القتلة واللصوص بحكم اإلنتماء المذهبي الذي يملي عليهم ما يمليه نفس اإلنتماء المقابل لدى جمهور السنة في األنبار والموصل وصالح الدين ،وهو نفس اإلنتماء القومي المقيت الذي يدفع األكراد إلعادة إنتخاب نفس الزبانية الجبلية كل مرة رغم معرفتهم بأن ذلك هو خطيئة ال ساس ،وهذه هي آفة العراق! الكل مدفوع بثقافة القطيع لنكح تقل عن زنا المحارم ،العرق د ّ نفسه بنفسه ،بالنهاية ترى أهل األنبار يلعنون سياسييهم وأهل البصرة يلعنون سياسييهم والكل على هذا المنوال ،لكن ما تسمعه خارج حدود العراق ومن لسان من ال يعيش في العراق ال يعدو أن يكون ( طيح هللا حظكم كلكم ،موو إنتو اللي إنتخبتوهم؟ بالعافيه عليكم لعد ي هي نفسها في كل محافظة ،توقفت العوائل عن إحسان تربية تلك !) .المشكلة تكاد تكون ه َ األجيال منذ عشرات السنين وبعضها أساء التربية فلقّن أبناءه وبناته أسوأ التعاليم وأخزى التوصيات فوصلت تلك المجاميع من الزعاطيط والزعطوطات بعد عقود لمناصب البرلمان والوزارات وغالبية المناصب التي تسوم العراقيين الخسف منذ سنين طويلة (وخصوصا األجهزة األمنية ) ،حتى قبل .2003مشكلة العراق هي مشكلة اخالقية قبل أن تكون طائفية أو قومية ،فهناك أخالقيات تحكم كل معيشة مختلطة في كل بلدان األرض ،أخالقيات تجنّب المتخالفين باليقين مواقف اإلحتكاك والتعمق بهذه المواضيع وتمنع التفكير بالتساؤل المحرم ذاك " :لماذا أنت ال تؤمن بما أنا مؤمن به؟" ،وعندما ينزل القائد العسكري أو مدير الشرطة أو المدير العام لدرك السفالة في تصريحاته وتصرفاته بفعل كونه (أدبسز ساقط) فلن يراه المقابل إال من خالل هويته المذهبية أو القومية ،سيقول ( كل الشيعة كذا ،كل السنة كذا ،كل األكراد كذا) ! ليس مهما أن أسمع بتظاهرات تطالب بإسقاط النظام أو إلغاء العملية السياسية واإلرتداد عن إيران ،فما لم يكن ذلك مشفوعا بتكفير هذه العمائم ( عراقية وإيرانية ،كويتية ولبنانية) ونزع قدسيتها وإعادة األئمة لقبورهم واإلقرار بموتهم السريري واألبدي كي تنقطع إمدادات القوة والتأثير والنفوذ عن هؤالء المعممين الذين صادروا حتى رهبة جهنم وعذاب القبر أي نفع من أية ثورة ،حتى لو وقدسية هللا تعالى ورسوله من عقول أتباعهم فليس هناك ّ أسالت دماء الشرطة والمتظاهرين في الشوارع أنهارا ،ستكون عبارة عن فصل منفرد من مسرحية يعاد تمثيلها على مدى التاريخ مع تبديل أشكال ووجوه وعناوين الشخوص ،لكن الشخصيات هي البالء الحقيقي ،أكثر من الشخوص ! والبالء ليس بالعملية السياسية بالذات ولوحدها فقط ( مهما كانت مخطوءة وموبوءة) ،البالء هو بعقلية تعبّد األصنام النبوية (حاشا للنبي من أن تنسب إليه)! البالء األعظم هو في إتباع هذه المذاهب وعلى رأسها المذهب يفرخ هكذا معتقدات ويصادر إرادة وعقل ووعي التابع الجعفري (كما هو متجسم اليوم) الذي ّ ليضيفه لحساب المتبوع (المعمم وشريكه السياسي) فيزداد التابع غباءا وفقرا وعبودية بينما يستقوي المتبوع بكل هذه النواحي بالضبط كما يستقوي مصاص الدماء بجرعة الدم في أساطير الكنيسة وأفالم السينما .هذا مذهب أصبح مغناطيسا هائال يسحب كل شئ صوب إيران ويسحب أذرع إيران اإلخطبوطية صوب كل مواضع الثروة والسيادة في العراق وسوريا واليمن وكل بلد موضوع في تقاطع مرقب نظام الماللي الجشع ،الموضوع تجاوز مرحلة الفقه والصراعات التاريخية وفكرة العصمة والوالية ،لقد أصبح صراع المتخلفين مع غير المتخلفين ،الخونة مع الوطنيين ،اإليرانيين مع العرب العراقيين ،المنافقين مع أن مذاهب السنة المسلمين ! وحديث المذاهب ليس بخصوص الشيعة فحسب ،فمن المؤكد ّ لها حصتها من النقد هذا ولها دورها المقيت بالحجر على العقل ومنع التفكير المنطقي وإحتضان الموروث السني بكل تقديس دون تمحيص وكذلك مؤازرة السلطة الحاكمة المتغطرسة ،بالضبط كما فعلت عمامات الشيعة في إيران وبغداد وتبادلت دور ( وعاظ السالطين) مع نظرائهم السنة الباهتي األلوان أولئك ،لكن حاليا تبدو المشكلة متركزة في معسكر الشيعة أكثر منها في معسكر السنة ،الكرة هي (اآلن ومنذ 15سنة) في ملعب الشيعة ،هؤالء وال أقصد الشرفاء منهم. هذا بالحقيقة ما أخشاه ،عدا عن تهمة الحكومة وأجهزتها األمنية للمتظاهرين بكونهم " إنفصاليون" يريدون عزل أقاليم منتجة للنفط وذات موقع جغرافي حيوي لتكون لهم وحدهم، وهي إن ص ّحت فلن تكون بصالح العراق ككل وال هي مقبولة ،إنها ( محاولة إفالت) من طوق تلبّس المتظاهرين بفعل إختياراتهم القديمة تلك ولكنه يزيدهم بعدا عن العراق ووحدة يكرس فكرة التشرذم كما يريد كذا عدو من أعداء العراق( أعني ،وبالتسلسل: العراق وهو ّ األكراد ،الصهاينة ،اإليرانيين كخطة بعيدة األمد تضمن عودة العراق إليهم جاثيا على ركبتيه،ومن ثم األمريكان الجمهوريين الذين راهنوا منذ 2003على تفتيت العراق) .ينظر أي عراقي وطني شريف نظرة الرفض لهكذا مشاريع إنفصالية ،ليس بعدما أزهق أبناء العراق من الشمال للجنوب ( عدا الكرد المالعين والمسيحيين اإلنتهازيين) أرواحهم في حماية شرق البصرة وغربها وذابت عظام أمثالهم في سبخ فاوها ومياه شط العرب عندها. ونحن قد نصدق هذه اإلتهامات الحكومية لوهلة ،على األقل وفق قاعدة ( يفوتك من الجذاب صدكَن جثير) وعندها سنضطر ألن نقف ضد التظاهرات وبذلك نعود للمربع الصفري دون أي تقدم وهذا كما مفهوم هو عين ما تريده الحكومة ،ومن يضمن ّ أن اإلقليم الجديد لن يتحد ّ مع إيران بشكل رسمي أو بشكل مبطن أقوى مما يجري منذ 2003عبر سرقة النفط وتهريبه أو تحويل المدن ألسواق إستهالكية لمنتجات إيران وصبغ األرض والهواء والماء بلون ثوم العجم؟ وهنا يوجد سؤال مطلوب بكل األحوال :من يعرف حقيقة من يدعم هذه التظاهرات ويغذيها؟ بعض الشيعة يتهمون أميركا وسفارتها ببغداد وذلك وفق " نظرية المؤامرة" كما معتاد ،والبعض اآلخر يتهم نوري المالكي وعصابته كونه ينافس حيدر العبادي ويشتهي العودة لنفس دوره القذر ذاك ،والبعض يراها فورة شعبية طبيعية أذكتها إخفاقات اإلدارة المحلية وإهماالت الحكومة المركزية ،وتبقى تهم البعثيين والسعودية تدور في نفس الفلك المعتاد طبعا لكن الحالة تذكرني ببعض طروحات زمالء شيعة لي ،كان همهم األكبر قبل 6سنوات هو فصل محافظاتهم ( الديوانية والبصرة ،نموذجا) عن العراق كله، فليس كل نداء معاكس للسلطة الفاسدة هو مرتجى العراقيين الشرفاء .وفي مقابل ذلك ، فمن يضمن أن هذه التهم الحكومية ليست كذبة حكومية تريد بها أن تخمد التظاهرات وتديم الحال كما كان منذ 2003لتستقيم البصرة مع الموصل بالخراب والفقر والتهميش ويستمر نهب النفط لصالح هذه األحزاب الشيعية ومن تحالف معها من عرب سنة وتركمان ومسيحيين وكرد؟ هذه حيرة من نوع خاص ! خوف الذي أعنيه هو أن يكون المتظاهر نموذجا عن " السا ّمين في كل األحوالّ ، فإن الت ّ صرحوا به من المسمومين" الذين عشنا معهم عقودا وعرفنا أيّة عقليات يمتلكون مهما ّ تصريحات تبدو إيجابية ومهما صرخت وصدحت به حناجرهم من شعارات تهتف ضد إيران وضد الوضع السقيم الذي يحكم المشهد العراقي منذ 15سنة عجفاء ،بحيث لن يكون الناتج سوى إستبدال السفلة الحاليين بسفلة أحدث.