Escolar Documentos
Profissional Documentos
Cultura Documentos
ابن عروس
القسم الول
1
بديعة
****
تحايلت بديعة على ملئكة روحها الخيرة
،واختارت بإرادتها الحرة مصاحبة هاروت وماروت
ملكا السحر.
2
تعلمت فنونه السوداء على ايدى شياطين
النس وأرادت تجريب ما تعلمته فى بنى ادم
فاختارت الشاب الذى سوف يصبح زوجها وأبو
ابنتها الوحيدة فتحية.
اسمه نور ،كان يشبه رشدى أباظة بقامته
الفارعة وبنيانه المتين وشعر رأسه الناعم والذى
كان يثبته إلى الوراء فاستحال لونه إلى الرمادى
بفعل الصابون والفزلين ،كان عاطل ً عن العمل
فامتهن البلطجة ،وكان دائم الهرب من الشرطة
فاستحالت سيرته إلى أسطورة بديعة الخاصة
والسرية فوقعت فى عشقه ،ولم يكن هو يشعر
بها ،لكنه جاء إليها "على مل وشه" راكًعا و مدلها
ومعترفا بحبه لها لما سحرت له عن طريق عبد
القوى بائع الطماطم فى الظاهر والساحر
الشرير صاحب العمال السفلية والتى دوخت
بولق الدكرور كلها ،طلب منها " أتر " نور
فأخذت تتحايل علها تعثر على حته من هدومه
فيها ريحة عرقه ،اتفقت بديعة مع بعض الصيع
على التحرش بنور والمساك بخناقه وهربدة
هدومة ،قالت من يجيئنى بحته من هدومة له
عندى مكافأة.
وفى صبيحة احد اليام ،وبينما كان نور يمشى
فى حارة على أبو حمد مختال فخورا يقول يا
ارض أنهدى ،هاجمه ثلثة شبان مفتولى العضلت،
3
لكن نور الذى كان يفوقهم قوة ،خلع هدومه
فأصبح عارًيا إل من الكلوت وطوح بقدمه فى
الهواء كما كان يفعل بروس لى الذى شاهده فى
فيلم الرأس الكبير حين عرضته سينما مرمر
فجاءت فى محاشم الول وسقط على الرض
فاقد الوعى ،والثاني ضربه بقبضة يده فى وجهه
فأنفجر الدم من انفه ،والثالت أعطاه مقص رجل
أوقعه ووقع فوقه وأخذ يضربه حتى صرخ "
ت والنبى يا عم " ثم ارتدى هدومهحرم ّ
ومضى.بديعة التى كانت جالسة فى بيتها الكائن
بحارة على أبو حمد تنتظر أن يأتوا لها بأتر
نور،عرفت بالواقعة،فازداد هيمانها به ،وهمست
لنفسها :والله لو كان ضربوه لكرهته.وفكرت انه
لن يأتى بأتر نور سواها فكان ان ابتدعت خطة
وهى ان تتعرف على أخته فهيمة فتعرفت عليها
وصارت صديقتها الوحيدة ،وفى احد اليام ،ذهبت
معها إلى منزلها ،لم يكن نور موجودا ،أمه كانت
جالسة بالقرب من شباك يطل على الحارة
الضيقة ،عجوز تعدت الثمانين وفقدت بصرها منذ
أربعين سنة ،قالت ان المليجى رحل ونور فى
بطنها حتة لحمة لم تتشكل بعد ،زينب ابنتها
البكر ،ونور جاء بعد رحيل والده بثمانية
شهور.تركتهما زينب وذهبت لشراء باكو شاى من
محل بقالة على أول الشارع.قالت بديعة أنها
4
ذاهبة لشرب الماء من المطبخ ،وتسللت إلى
الحمام فعثرت على هدوم وسخة قرب الغسالة،
أخذت تقلب فيها حتى عثرت على لباس نور
فخبأته فى صدرها وعادت إلى أم نور التى عرفت
ان اسمها تهانى.
عادت بديعة إلى بيتها وحين انفردت بنفسها
أخرجت اللباس من صدرها وأخذت تقلبه فى
ل ،قربته من انفهايدها ،كان ابيض كالحا ومبلو ً
فشمت رائحة عفنه مع رائحة أخرى نفاذة أدارت
رأسها وجننتها حتى أنها وضعته بين فخذيها ونامت
عليه.
فى الصباح لم تستطع بديعة الذهاب إلى
الساحر عبد القوى ،كانت تشعر بكسل لذيذ
فأخذت تتمطع.تذكرت لباس نور فقامت خبأته
فى دولبها ،وأحست انه كان معها طوال
الليل.وقررت إل تعطى عبد القوى أتر نور ،فقط
أعطته اسم أمه حين قابلته فكتب ورقة بدم
الغزال وطلب منها أذابتها فى الماء ورشها على
عتبة بيتهم وفى الماكن التى يخطو فيها،
فسهرت حتى قرب الفجر وتسللت وهى تحمل
علبة صفيح ملنه بالماء ورشتها كلها على عتبة
بيته وفى الطريق التى يمشى فيها.
كانت تحلم بنور كل يوم ،كان يجيئها فى
انصاص الليالى ويظل معها حتى الصباح ،وكانت
5
تقوم وكل حته فى جسمها تؤلمها وكأنه كان
ما غريبا لميعصرها عصرا ،وحلمت بديعة حل ً
تستطع تفسيره ،دخل عليها ذات يوم أخوها
طا بسلسلة ورائه، الكبير حفنى يجر كلبا مربو ً
وأخذ الكلب يزوم ويهوهو ولمحت دموعه تسيل
على وجهه ونظر إليها باستعطاف وجلس تحت
قدميها ،وهى حالما رأت الكلب شعرت بدقات
قلبها تتسارع وتعلوا مثل طبل ،وأدارت وجهها
خبأته استحياء ،وقالت لخيها حفنى:هل هان عليك
أهل بيتك حتى تدخل عليهم شاًبا غريًبا .وهتف
حفنى مستنكًرا.شاب غريب.انه كلب وجدته فى
ى
الشارع فعجبنى شكله وصعب عل ّ
فأحضرته.قالت بديعة:انه شاب مسحور.وغابت
لحظات عادت بعدها بطاسه ملنه بالماء قرأت
عليها بالسريالية ثم قالت أذا كان الله خلقك كلبا
فكن كما أنت ،أما أذا كنت مسحورا فأرجع الى
صورتك التى خلقك الله عليها .ثم رمتها فى وجه
الكلب فعطس وانقلب شابا جميل كان هو نور
بعينه الذى ما ان وقع نظره عليها حتى وقع فى
غرامها وتزوجها ودخل عليها فوجدها درة ما ثقبت
،ومطية لغيره ماركبت فأطلق مدفعه على
قلعتها عتيقمها.كان هذا الحلم هو نفسه الحلقة
التى سمعتها مساء الجمعة الماضية من ألف ليلة
وليلة بصوت زوزو نبيل ،لكنها لم تتذكر أنها
6
سمعت ذلك من قبل ،فقط الحلم وحده شغلها
دا
عدة ليال متواصلة ،وخافت إن هى أخبرت أح ً
لشك فى قواها العقلية ،وخافت أكثر ان يتحقق
دا أو كلًبا ول تعرف كيف الحلم فينقلب نور قر ً
ترجعه إلى صورته الصلية ،لذا فقد قررت ملزمة
عبد القوى الساحر علها تتعلم منه شيًئا يعينها
على أيامها القادمة ،وتعلمت الجلجلوتية "الصغرى
والكبرى وكيف تربط محلول ً وتحل مربو ً
طا
والطوالع وعلوم السيمياء والبواب والعزائم
والبروج والطبائع والطلسم وأبواب المحبة
والدخول على الحكام وضرب الرمل وخلخلة
الهوا الكبرى وتعلمت شبشبة زعزوع وشبشبة
ناصور وشبشبة أبو الرياح ومندل المرآة ومندل
طيفور وفتح الكنوز ،وفى خلل ستة شهور كانت
تفوقت على أستاذها حتى أنها سخرته لخدمتها
هى التى لم تدخل مدارس أو تتعلم القرأة
والكتابة ،لكنها حفظت كل ذلك على السماع،
وفى خلل تلك الشهور واليام ،كان نور يتمكن
حبه من قلبها حتى ملك كل حياتها فأقسمت ان
حضر شيطانها فسوف تأمره أن يأت به مكبل ً
خا ،وسوف يستعطفها فتعطف وتحن وممسو ً
وتمن وتطلق صراحه بعد أن ترده بشًرا سوًيا،
حلمها الذى حلمت به ذات يوم ،لكن نور العصى
على شياطين الجن والمعوز من سحر بديعة
7
هزمها ودخل السجن متهما بالسرقة.
بديعة لم تيأس أو تسلو حب نور ،وحين علمت
بالخبر من أخته ضربت كفا بكف وقالت كلمة ل
يخجل قائلها:ل حول ول قوة إل بالله.وأرجعت ما
حصل لنور إلى العكوسات ،واتهمت شيطانها
بالخيانة ،وقررت ان تحارب معركتها حتى النهاية
فذهبت إليه فى السجن ،وهو الذى ل يعرفها ولم
يرها قط ،سألته سؤال ً وهى تنظر إلى عينيه
ل؟ نور أخذ يتفحصها من مباشرة:هل سرقت فع ً
قدمها حتى رأسها فوجدها طويلة بل داع لذلك،
وأكثر نحافة مما تتحمل عينه ووجد ان أنفها
المدبب يعطى مشروعية لدمامة وجهها.اسمعى
يا ست انتى ،قال نور مشيًرا بازدراء لحظته
بديعة.أنا ل أعرفك ،ولكن أقسم بشرف أمى أنى
لم أسرق ،واننى برئ من هذا المر.
زاد عجبه حين سمع صوًتا يشبه نقيق ضفدع
عطشان يقول له:أنا أصدقك ،وسوف أعمل على
أظهار براءتك ،ولكن بشرط.سكتت وأخذت تنظر
فى عينيه ،وهو أطرق برأسه إلى الرض مفكًرا
فى شرطها ماذا عساه ان يكون ،ومن هى أصل
حتى تتمكن من إخراجه؟
ان تتزوجنى.سمع نور جملتها الخيرة لحظة
انتهاء موعد الزيارة ،وبينما كان يغادرها فكر فى
جملتها بإمعان وأحس ان هذه المرأة توشك ان
8
تحاصره فغمغم لنفسه:مش لو خرجت من هنا!.
لكن نور لم يمكث فى السجن أكثر من أسبوع
قا ،أكثر من ذلك ان بديعةخرج بعده حًرا طلي ً
استطاععت تقديم الجناة الحقيقيين للمحاكمة،
أما كيف حدث ذلك.فهو سرها الذى لم تطلع أحدا
عليه ،حتى أبنتها الوحيدة فتحية لم تعرف عنها
شيًئا ،شئ واحد كانت تعرفه فتحية ،حكته أمها
مئات المرات أمامها ،كيف جاء نور صباح يوم أحد
ليخطبها من أمها وأخيها الكبر حفنى ،وكيف
أستسلم لكل شروطهما ،والغرب من ذلك أنه
تزوجها بعد الخطوبة بعدة أيام.
9
2
نور
10
سوف يأتى الحديث عنها فيما بعد ،لذا ،فسوف
أكتفى بما قدمته بديعة عن نور فى الفصل الول
أما ما لم تعرفه بديعة ،فهو ما سوف احكيه.
تزوج نور من بديعة بعد خروجه من السجن
مباشرة ،ورفضت أم نور ان يعيشا معها فى
حجرتها فأخذته بديعة ليسكنا مع أمها وأخوتها،
عاشا فى حجرة صغيرة لها باب منفصل عن
الشقة يفتح علىبئر السلم بينما سكنت أم بديعة
والتى كانت تسمى أم حفنى على أسمم أبنها
البكر هى وحفنى ومحاسن وصدّيقة فى الحجرة
الخرى.نور ظل عاطل ً عن العمل ،وسجائره
ومصروف جيبه كانت بديعة توفرهما له من
معاش أبيها ،كانت تسرق من بك أمها ما تيسر
كلما سنحت لها الظروف ،وكانت أمها تعرف
لكنها تغاضت فى أول المر ،ثم رأتها تسرق ذات
يوم فواجهتها ،وغضبت بديعة وكرهت أمها فى
تلك اللحظة وتمنت ان تسخطها قردة ،وقالت
هى فلوس أبى ،ونور ل يشتغل فما حيلتى ،تحبى
أولع فى نفسى فيرتاح الجميع.وأم حفنى لم تأخذ
بتهديدات بديعة ول بصوتها العالى وقالت لبد من
حل ،وعل صوت بديعة وأمها ،وخرج نور على
صوتهما ووقف يتفرج ،ولم يكن بالمنزل غيرهم،
وتجرأت بديعة ومسكت فى خناق أمها وقالت لها
خنقتينى يا شيخة ،ما تموتى وتريحينا من بخلك
11
وقرفك.وأم بديعة صعبت عليها نفسها فضربت
بديعة على وجهها بكف يدها ،وخرجت عفاريت
بديعة من عينيها فردت على أمها بقلم مثله ،وجاء
نور فزغدها فى كتفها فصوتت ،ودفعتها بنتها
فوقعت على الرض وقدمها اليمين تحتها،
صرخت:رجلى انكسرت.ومن شدة اللم أغمى
عليها.وحملها نور وجرى وبديعة وراءه إلى
مستشفى بولق الدكرورالعام ،وقرر الحكيم
جا يزيد عن واحد وعشرين يوما ً وجبست عل ً
رجلها واتهمت نور وبديعة بالعتداء عليها.ونور
الذى له سوابق هتف حسبى الله ونعم الوكيل
فيكى يا شيخة ،ورمى يمين الطلق على بديعة
التى وقفت مذهولة ل تدرى ماذا تفعل فى
المصيبة التى حطت على رأسها.فل هى تقدر
ترجع لبيت أمها بعد ان طردتها هى وأخوتها ،ول
هى على ذمة نور ،ماذا أفعل يا ربى؟ تساءلت
وأخذت تبكى ،ومن بين دموعها تذكرت ان لها
أقرباء فى نفس الشارع فذهبت إليهم وحكت
حكايتها كما تخيلتها هى فبدت مظلومة ،وتعاطفوا
معها وبعد إلحاح منهم رضيت بالقامة عندهم.
هنا أبدأ الحكاية وأنا على يقين مما حدث فى
تلك الفترة ،فقد كنت طرًفا فيها ،ذلك لن العائلة
التى أقامت عندها بديعة عائلتى ،كان أبى عامل
البناء قد رضى بإقامة بديعة بين السرة كأحد
12
دا،
أفرادها الذين تجاوز عددهم أربعة عشر فر ً
كان لديه ست بنات فلم يضره أن يزدن واحدة
أخرى ،كذلك أمى التى كانت تكبر بديعة بعدة
سنوات رأت أن تعطف عليها بعد أن سمعت
حكايتها.لم تكن بديعة تمت للعائلة بصلة اللهم إل
صلة الجذور ،وذلك أنها من نفس القرية التى تقع
فى محافظة المنوفية وتسمى" كوم
الضبع"وكانت تنتمى لحدى العائلت الفقيرة
والتى لم تكن لها أرض أو زرع بل كانت تؤجر
بأجر لم يكن يكفى نفسها للعمل لدى الخرين
للطعام فاعتمدت على ما يمنحه الخر ون مما
يفيض عن الحاجة.
أصبحت أنا أبن السادسة أرى بديعة أمامى فى
كل لحظة ،بل أننى كنت أصحو من نومى فى
بعض الحيان لجدها نائمة بجوارى على سريرى
بملبسها الداخلية وقد انحسر اللحاف عن جسدها
البيض البض بينما كنت أشم رائحة عطرها
وعرقها وكانت تبدو لى جميلة ،وذات مرة،
صحوت فوجدتها نائمة بجانبى كعادتها على
ظهرها شبه عارية ،كانت تضع إحدى ذراعيها تحت
رأسها بينما ذراعها الخرى طوحت بها قريبة منى
وصدرها بدا مثل ربوة عالية بيضاء ومدكوكة ،وقد
باعدت ما بين ساقيها فانحسر الكلوت على احد
جانبى فخديها فظهر شعر عانتها كثيفا واسود
13
ما ،مددت يدى فأمسكت أصابعى بعض ناع ً
شعرها وشددته ،صرخت وقامت منتورة تتلفت
حولها فى زعر ،وبعد لحظة تنبهت إلى أن الفاعل
لم يكن سواى فنظرت إلى وتبسمت ولفت
ساقيها حولى تكاد تعصرنى ونامت مرة أخرى.
تعلقت ببديعة وتعلقت أكثر بمداعباتها لى.كنت
أنا الوحيد الذى تسمح لى بتقبليها من فمها وكنت
أحب ذلك لستمتع بطعم احمر الشفايف الذى
يشبه رائحة القرنفل.وفى كل يوم ،كانت تسخن
بستلة الماء على الوابور الجاز السكاتى الذى لم
يكن سوى دانة مدفع عثر عليها أبى بعد الحرب
دا ،وقبل الماء تكون
فقام بمعالجتها لتصلح موق ً
قد أتت بكسرونه ووضعت فيها بعض السكر
والماء وتتركها حتى تغلى ثم تقوم بصبها على
البلط فتجمد قليل ً حتى تصير حلوة لينة تفركها
بأصباعها ثم تفردها على مواضع من جسدها تنزع
الشعر منها ،كانت عملية مؤلمة لنى رأيت بديعة
تصرخ فى كل مرة ،وحين تنتهى ،يكون الماء قد
غلى فى البستلة.
فتضعها على الرض وتضع الطشت النحاس
الكبير فى منتصف الحجرة ،ثم تخلع ملبسها
وتجلس فى الطشت وتصب فوق جسدها الماء
الحار بعد مزجه بالماء البارد ،سمحت لى بديعة
بالستحمام معها مرة ،ورأيتها تحك جسدها
14
البيض باللوف بشدة حتى كاد الدم يتفجر منه.
بديعة أصبحت ركًنا أساسيا من أركان منزلنا،
وبدا أن ل احد يستطيع الستغناء عنها ،أنا الذى
كنت أنتظر مداعباتها لى والتمسح بها فى كل
وقت فقد أدمنت رائحتها.وأمى التي حملت عنها
بديعة بعض أعباء المنزل ،وحتى أبى الذى كان
يصحو مبكًرا للذهاب إلى عمله فيجد بديعة قد
صحت قبله وجهزت فطوره.
ل أحد يدرى ما الذى كان يدور فى ذهن بديعة
ما
فى تلك الفترة ،لكن أمى المريضة دو ً
والمجهدة طوال الوقت بدأت تشعر بالخطر من
بديعة ،وأخذت مشاعر الغيرة تعصف بها ،لكن ما
الذى تفعله؟ أخذتنى ذات مساء وذهبنا سوًيا إلى
منزل نور ،قابلنا أمه وسألتها أمى عنه فقالت أنها
لم تره منذ أشهر ول تعرف عنه شيًئا ،ودعت
على بديعة التى طفشت ابنها وخربت بيته.لكن
أخته كانت تعرف فقد سمعت انه يعمل
عرضحالجى على باب أحد أقسام الشرطة ،واحد
من الجيران شافه مرة هناك.لكن أين ؟ل تدرى.
خرجت أمى من بيتهم وهى مصممة على إيجاد
نور بأية طريقة ،فهذا هو الحل الوحيد .بيتى
هيتخرب.كانت تغمغم وهى تسحبنى من يدى
وتهتف قائلة:المره داخلة على خراب
البيت.مستعفية وفاجره ول حد حكمها.
15
شعرت بأزمة أمى وكنت أرى دموعها على
خدها طوال الوقت فى صمت ول أحد يدرى ما
بها سواى ،وفجأة أصبحت ل أطيق بديعة ،كرهتها
وبت ل أطيق رائحتها .ورأيتها للمرة الولى إمرأة
دميمة وأنها لم تكن جميلة فى يوم من اليام،
وأخذت اعقد المقارنة طوال الوقت بينها وبين
أمى فانتصر لمى.
بعد عدة أيام عرفت أمى مكان نور وأخذتنى
وذهبنا إليه ،كان يجلس أمام قسم شرطة على
البحر ،أمامه ترابيزة تظلها شمسية وقلم وعدة
دفاتر وأختام ،كان يرتدى جلبية ناصعة البياض
قا عن ذى فوقها جاكت بدلة أسود وكان أكثر تأن ً
قبل ،وعند رؤيته لى أخرج من جيبه أقراص
النادلر وناولهالى.شرحت له أمى كل شئ من
طقطق للسلم عليكم ،وفى النهاية قالت
له:تعالى خد مراتك ولمها فى بيتك يا بن
الناس.كان نور منفعل ً وظهرت سنته الذهبية
متألقة بانعكاسات الشمس وقال:دى عيلة وسخة
والمره دى خرابة بيوت ابعدينى عنهم الله ل
يسيئك.انشغل نور بعض الوقت بكتابة عرض حال
لواحدة ست وانشغلت أنا بمتابعة الداخلين
والخارجين من وإلى القسم ،وكانت أمى جالسة
مطرقة فى صمت.انتهى نور مما فى يده وقال
لمى وهو يرتب بعض الوراق:شوفى يأم جمال
16
دا موضوع مالوش حل ،وأنا زهقت من الحتة كلها
وربنا هدانى ولقيت عمل شريف ونسيت شقاوة
زمان ،وأنا لغاية دلوقت عمال أفكر أنا إيه اللى
رمانى على العيلة الوسخة دى.أكيد عاملين لى
عمل ،وأنا متأكد ،دانا حتى كرهت أمى وأختى
اللى مالهمش غيرى وما شفتهمش من ساعة ما
حصل اللى حصل تفتكرى دا طبيعى ؟ قالت أمى:
يا نور يا خويا مصارين البطن بتتخانق وبيحصل
اكتر من كده بين الراجل والست بتاعته ،والطلق
خراب بيوت يا خويا .هيه اللى بعتاكى.قال نور
فحلفت أمى بأيمانات المسلمين أنها جاءت من
ورائها وقصدها الخير.سلم علينا نور وهو يقول
ربنا يقدم اللى فيه الخير .قالت لى أمى أل اخبر
أحدا بأننا قابلنا نور.وحين رجعنا إلى البيت وجدت
أمى بديعة نائمة على سريرها أبو عمدان بقميص
دا ،فغضبت أمى النوم ولم يكن أبى موجو ً
وشخطت فيها وقالت :استرى نفسك يا مره،
البيت فيه رجالة فقامت بديعة واتجهت إلى
حجرتى وأغلقت الباب على نفسها.
بديعة اشتغلت لنا فى الزرق فتشاجر أبى مع
أمى وكاد أن يطلقها.كانت رائحة البخور تمل
البيت وكانت بديعة تغمغم طوال الوقت بكلم
غير مفهوم وكانت ترش عتبة بيتنا بالماء الملون
ما كان
فيطأه أبى ،وكاد يموت حين أعطته طعا ً
17
معجوًنا بدم العادة فتقيأه ،ولمت أمى هدومها
وسافرت إلى بلدتنا ،وقالت أنها لن تعود إل إذا
مشت بديعة .وأبى قال أنا ل اجئ على الوليا
وانكسف يكلمها ،لكنه سلط عليها بناته يضايقنها،
غير أنها لم تتضايق ،وكشفت أختى حجاًبا مختبًئا
فى كيس المخدة التى ينام عليها أبى بعد فوات
الوان ،ذلك انه أصيب فى جسده بحساسية
جعلته ل ينام باليل أو بالنهار ،وجلس فى البيت بل
عمل بينما جسده كان يبدل جلده طوال
الوقت.وعلمت أمى بخبر مرض أبى فقالت دا
ذنبي.وأسرها أبى فى نفسه التى صعبت عليه،
ومع قلة حيلته ومصيبته التى جاءته من حيث ل
يدرى كان يصرخ من شدة الوجع ،وبناته كن
يتناوبن على تغيير جلبابه وغياراته الداخليه كل
قا بالجلبيه التىساعة ،وكان جلده يخرج ملتص ً
دا وماء .بينما كان يلوك المضغ فى كانت تنز صدي ً
فمه قال أبى جرح السلمة كل يوم له علمة،
وجرح الندامة التمس له طبيب.وجاء الطبيب
جا وأوصى بعدم القتراب من البيض وكتب له عل ً
والفراولة.واتريق أبى بعد ذهاب الدكتور وقال
لنا :مش لما نلقى الغموس نبقى ناكل فراولة !
ومد بوزه وقال :هأو.
ونور الذى غطس بعد زيارة أمى له ،ظهر فجأة
يحمل فى يده كيس فاكهة .قال انه بمجرد
18
سماعه بمرض أبى ترك ما فى يده وجاء فوًرا.
سلمتك يا عم محمد يا غالى.
وانتهزها أبى فرصة وفاتحه فى أمر بديعة .ما
تردها يا نور وتريح الجميع .وبديعة التى ما ان
علمت بمجئ نور حتى وقفت خلف الباب تتصنت
وهى على سنجة عشرة فسمعته يقول :شوف يا
عم الحاج هالله هالله على الجد والجد هالله هالله
عليه .اللى ينكسف من بنت عمه ما يجبش منها
عيال ،واللى أوله شرط .ما هو أنا جاى أردها بس
بشرط .كانت كل شروط نور عبارة عن شرط
واحد ،ان تتبرأ من عيلتها الوسخة وان كانت
عيزانى تعتبرنى كل عيلتها ،ودا اللى عندى|.
تنحنح أبى ونادى على بديعة فجاءت وهى عاملة
نفسها مكسوفة وقالت :ايوة يا حاج .مش تجيبى
حاجة للراجل يشربها .قال أبى وأشار لنور فغابت
بديعة دقائق وعادت بصينيه عليها كوب شاى
وضعتها أمام نور الذى نظر إليها فرآها زى الفل
فأعجبه شكلها.
نور جاى يردك يا بنت الناس وانتو ما لكوش
غير بعض ،بس له شرط .اللى تشوفه يا حاج،
وسى نور شروطه كلها على عينى وراسى من
فوق .قالت بديعة ونظرت بدلل لنور الذى ما ان
سمع كلمها الذى ينحط على الجرح يبرد حتى
هتف :شرطى ان أحنا نبقى فى حالنا ل تقوللى
19
اهلك ول أقولك أهلى ،اهلك هما أنا ،موافقة يا
ستى ؟
أم حفنى بعد ان فكت الجبس عجزت ،رجلها
عقدت على الكسر وأصبحت ل تستطيع المشى
عليها ،وحين عرفت أنها لن تمشى أو تتحرك على
رجلها مرة أخرى صوتت وبكت ودعت على ابنتها
ما
بديعة وزوجها نور أنها تشوف فيها وفيه يو ً
اسود من قرن الخروب ،وحفنى ،ابنها البكر ،كان
طويل ً نحيل ً وجهه يشبه قساوة قلب بديعة ،كان
شا باليومية ،وعلى معاش والده الذى يعمل نقا َ
كان يعمل عطشجى بالسكة الحديد كان يستر
أختيه فهيمة وصدّيقة وأمه العاجزة ولم يفكر فى
الزواج قبل ان يدخل البنات بيت العدل ،ورغم
ذلك ،فإن حفنى وقع فى حب "صفاء" ابنة الناس
الذين كان يبيض شقتهم فى شبرا من أول عينه
ما وقعت عليها وحكايتهما طويلة ومعروفة ـ ليس
هذا أوانها ـ .
نور العايق الشاطر ربنا نفخ فى صورته وهداه،
استقام فى عمله أمام القسم وحبب فيه خلقه،
وبين عشية وضحاها ،شوهد يتردد على الجوامع
ضا ول سنة، يصلى الوقت بوقته ولم يعد يترك فر ً
والسبحة استقرت بين أصابعه تعبث بها على
قا
ضا وال ًالدوام ،وخلل ستة اشهر أزداد وجهه بيا ً
بنور اليمان واسودت جبهته من اثر السجود
20
وتمتع بشفافية جعلته يطرح على بديعة فكرة
مصالحة أهلها وطلب السماح من أمها ،إل أنها
رفضت بشدة وقالت يا نور أنت أهلى وكل ناسى
وربنا يخليك لى.
وأذاقته تلك السنة ما لم يذقه طوال حياته من
سعادة فاضت على روحه حتى طلعت تقابل ربا
اسمه الكريم.أما كيف حدث هذا التحول لنور ؟
فهو ما تكشف عنه كراسة كتبها بخط يده
ووضعها فى ظرف وكتب عليه بالخط العريض ل
يفتح إل بعد موتى وإنا لله وإنا إليه راجعون .
21
3
منامات نور
***
جاءت بديعة بعد موت نور إلى بيتنا ،كانت
ترتدى جلبية قطيفة سوداء وطرحة سوداء
ضا،وكانت تبدو على وجهها سمات الحزن على أي ً
زوجها ،أمى قابلتها بالحضان وقبلتها من هنا ومن
هنا،وأبى عزاها فى زوجها وأخذ بخاطرها،وبديعة
جلست مسهمة ونظراتها زائغة ،وكانت تحمل فى
يدها كيس نايلون ملفوف كذا لفة أخذت تفكه
ببطء وأخرجت منه كراسة بجلدة خضراء ،وفرت
الدمعة من عينها وقالت انها كانت تقلب فى
حاجات نور بعد ما مات – الله يرحمة – فوجدت
هذه الكراسة وأشياء أخرى ،وانها حين رأت
خطه عليها انخطف قلبها فهى تعرفه رغم أنها ل
تقرأ ول تكتب ،وأحست انه ترك هذه الكراسة
لها وحدها ،فربما أراد أن يقول لها شيًئا انكسف
يقوله فى حياته .مدت بديعة يدها بالكراسة لى
كى أقراها لها ،وتنحنح أبى واستأذن من بديعة
فى النصراف ،كذلك فعلت أمى بذكاء وطيبة ،
فربما كانت هناك بعض السرار ل يجب أن
يعرفاها ،قالت بديعة وأشارت بيدها :تعالى هنا
جنبى عشان أسمعك كويس .فجلست بجانبها
ورائحتها القديمة لم أعد أشمها .على الغلف
22
الخضر الخارجى كان هناك مربًعا كتب فيه :
السم ،الفصل الدراسى ،العام ،تحت بعضه ،
وفى الخلف كان جدول الضرب من واحد لمائة ،
وفى أول صفحة كتب بالخط الجميل :منامات
نور ابن عبد الرحمن لما تاب الله عليه ،وأخذت
أقرأ بصوت عال وبديعة تسمع :أنا – وأعوذب
بالله من كلمة أنا – نور ابن عبد الرحمن
العرضحالجى بمحل عمله الكائن أمام قسم
شرطة الجيزة على البحر ،أقول قولى هذا وأنا
فى دار الحق ،وانتم فى دار الفناء ،عشت
ضا ،بحلوها ومرها ،سرقت الحياة طول ً وعر ً
وكذبت وعصيت فما الذى سوف آخذه فى النهاية
سوى حفرة متر فى متر وقطعة قماش تستر
عورتى أمام خالقى ،أقول لكم ما قاله شيخى
ابن عروس لما تاب الله عليه :
حرامى وعاصى وكذاب
عاجز هزيل العطايا
وتبت ورجعت للباب
حيا جزيل العطايا
باب الحرام واسع ل أخر له ،وأنا مشيت فيه
وتوغلت وما عدت اعرف كيف أرجع ،حتى أننى
نسيت البواب الخرى ،لكن لما ربك يريد يقول
للشئ كن فيكون ،ورحمته واسعة ،فلما أراد لى
الهداية ،أرسل لى علمات على هيئة منامات ،
23
وأنا الذى كنت أفهمها وهى طائرة ،فهمت
ووعيت الرسالة ،ومن يقرأ كتابى هذا فليتعظ ،
وليأت بورقة وقلم ويكتب :سبحان الله وبحمده
عشرة آلف مرة ويوزعها على أمة المسلمين ،
فإنه ناجح بإذن الله .
• منام 1
فرأيت اننى داخل قاعة مظلمة ،فل لها ضبة ،
ول مفتاح وكأنى فى بركة ماء لونها أسود ،من
وقع فيها أكله تمساح ورأيت جمل المنايا نخ
قدام بابنا وأخذنى على ظهره المشوم وراح
***
• منام 2
سا فى مكان واسع رحيب ،و رأيت نفسى جال ً
إذا بكراسى صفت وجلس عليها أصحابها ،
وقال كبيرهم :إهدموا هذا البيت .وأشار إلى
بيتى .فرفع أحدهم النبوت وأراد وضعه تحت
أساس البيت ،فتعلقت بنبوته وصرخت :لى
شئ تريد هدم بيتى .فلما رآنى تعلقت بنبوته
هتف :يا دايم .ودفعنى بنبوته فغبت عن
الوجود مدة ساعة .وحين افقت ،وجدت
نفسى فى واد ليس به صريخ ابن يومين ،
فمشيت فيه حتى انتهيت إلى شجرة عالية
خضراء مورقة ،فصعدت فوقها وجلست
مستخبى بين الفروع ،وإذا بى اجد رجل ً ل
24
أدرى من أين جاء ،وأخذ يكنس تحت الشجرة
ويرش الماء ،ثم اخذ بعد ذلك أحجاًرا من
الرض وصار يصفهم على هيئة كراسى
فصارت مثل الديوان ،ثم نادى قائل ً :بسم
الله تفضلوا ،فالمكان خال .وما ان انتهى من
كلمه حتى أقبلت رجال كثيرون ،وجلس كل
واحد منهم على حجر من تلك الحجار ،ثم بعد
ذلك جاء رجل جليل القدر والمقام وعليه مهابة
،فنهضوا جميًعا وسلموا عليه بأدب ،وعرفت
أن هؤلء الرجال جميًعا من أولياء الله ،وذلك
من أسمائهم التى ناداهم بها الشيخ الجليل
والذى لم يكن سوى القطب الكبير سيدى
أحمد البدوى رضوان الله عليه ،كان بينه وبينى
عمار فى الله ،وكنت كلما ضاقت بى الحال
وانغمست فى الشقاوة والحرام أذهب إليه فى
مقامة المعروف بطنطا ،فكنت فى اليوم الذى
أريد الذهاب إليه ،أصحو مبكًرا على غير
ما حتى أصبح فى حضرته عادتى ،وأخذ حما ً
طاهًرا ،وحين أصل المدينة ،أتجه مباشرة إلى
ساحة مسجده فأجلس على قهوة فى مواجهة
المسجد ،أشق ريقى وأشرب الشاى مع
شيشة تفاحة ،حتى إذا ما انتهيت من كل ذلك
أخش المسجد وأتوجه مباشرة إلى ضريح
مولنا حيث أجلس بالقرب منه وأبدأ بقراءة
25
الفاتحة لمواتنا وأموات المسلمين ثم آخذ فى
مناجا ة القطب الغوث ،فل أشعر إل ونفسى
المكروش هدأ ونفسى تنزاح عنها الهموم
والغموم وكأنى اغتسلت فى بحر حنانه وعطفه
،تلك كانت علقتى به ،فلما رأيته فرحت
واستبشرت خيًرا ،وجلس على أكبر الحجارة
والتفت إلى أحد الواقفين وقال له :يا جوهرى
سمعنا الفاتحة فى صحايفنا وصحايف أولدنا
واخواننا واعمامنا وتوابعنا والخذين عنهم وعنا
بسم الله الرحمن الرحيم .ثم قرأ الفاتحة
وقرأها جميع الحاضرين بصحبته .وبعد ذلك
قال :يا جوهرى مد قدامنا بساط الطريق .
فقال له سمًعا وطاعة .ثم ان النقيب قام على
قدميه وقرأ الفاتحة وقال الحمد لله رب
العالمين والصلة والسلم على سيدنا محمد
سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ،
اعلموا أيها الحاضرين الناظرين السامعين أن
هذا القطب الذى قربه الله واصطفاه هو
سيدى أحمد البدوى أمرنى بفتح بساط الطريق
بين أيدكم ،وها هو مفتوح وعليه النوار تلوح
لمن يأت ولمن يروح ،لمن له حق ول يصل
إليه ،أو له جار وجار عليه ،فاسمعوا ما أقوله
من الخطاب ،من كان له خطاب فليحضر إلى
هذا الباب أمام سيدى أحمد وبحضرة جميع
26
القطاب ليأخذ له حقه من خصمه بالعدل
والنصاف ،ل ظلم اليوم ،فل أفلح من ظلم ا
ن الله سريع الحساب .فما ان اتم النقيب
كلمه ،وإذا بيد أمتدت فكأنها رقبة جمل
وأمسكتنى من وسطى ورفعتنى من على
الشجرة ،وقدام سيدى أحمد البدوى
وضعتنى ،وكانت هذه اليد للنقيب المسمى
بالجوهرى الذى قرأ الفاتحة وقال :أنا مدحت
النبى والصحاب وفتحت بساط الطريق ،
وناديت على من كان صاحب دعوة أو له حق
فظهر لى هذا الرجل فوق الشجرة فما تقول
فيه .
فقال شيخ العرب :هاته عندى .فلما وقفت
بين يديه كنت أرتعد خوًفا ومهابة لهؤلء الرجال
.فتبسم لى سيدى أحمد البدوى وطبطب على
ظهرى فسكنت الرعدة وثبت فؤادى فى التو
واللحظة ثم قال لى :كفاك شقاوة يا نور ،
أنت من الن محسوبنا بأذن الله .والتفت إلى
رجاله وهتف :إقرأوا الفاتحة لخيكم بالهداية .
ثم قال :يا جوهرى خذ بيده وادخله البستان
المعلوم .فأخذنى من يدى وسار بى قليل
فإذا بنا على باب بستان فدخلنا فوالله ما ان
ولجنا من الباب حتى شممت رائحة من أجمل
ما يكون ورأيت منظًرا كأنه الجنة فوقف بى
27
عند شجرة نبق وقال لى :مد يدك خذ ما هو
مقسوم لك .فمددت يدى وقطفت سبع حبات
فكان طعمهم أمر من الصبر ،وقطفت سبع
حبات أخرى فكان طعمهم أشد مرارة من
الحبات الولى ،وصرت أقطف وآكل والمرارة
تزداد ونفسى اشمأذت والنقيب يرقبنى ويحثنى
على قطف المزيد حتى قطفت سبعة
وعشرين حبة دون أن أجد حبة واحدة حلوة ،
فنظرت إليه وقلت كفى فقد عافت نفسى هذا
النبق ،فتبسم فى وجهى وقال :خذ ما قسم
لك ،فمددت يدى وقطفت واحدة كانت
القرب إلى أصابعى فكانت رائحتها كالعنبر ولم
أزق فى حياتى أحلى ول أشهى منها .عند ذلك
أخذنى من يدى ورجع إلى سيدى أحمد البدوى
الذى قال لى :هل أكلت من الشجرة ؟ قلت :
نعم قال صف لى ما أكلته فوصفت له طعم
السبعة والعشرين حبه ،والحبة الخيرة التى
كانت حلوتها زائدة .فقال سوف أنبئك بتأويل
ما أكلت :فأما الحبات السبعة والعشرين التى
أمر من الصبر فهى سنين حياتك الماضية ،
وأما الحبة التى حلوتها زائدة فهى أيامك
القادمة ،ثم انه ضمنى إلى صدره وتركنى
فصحوت من النوم .
يقول الراجى عفو ربه نور ابن عبد الرحمن :
28
هذا ما رأيته فى مناماتى وأنا أعلم تأويله ،
فهو ليس كما قال شيخى ومولى سيدى أحمد
البدوى ،إنما الحبة زائدة الحلوة هى ما تبقى
لى من الدنيا ،والموت قادم ل محالة ،هو
أقرب إلى من لحظة نفس خارجة أو داخلة ،
لذا فقد اخذت سكة السلمة بعد سكة الحسرة
والندامة لعلى أفوز برضا المولى عز وجل ،
أقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم ،
وعزائى أن كل حى إلى زوال وموت ،إل ّ الحى
الذى ل يموت ،صاحب الملك والملكوت .
***
29
4
حفنى
***
جمع حفنى القرش فوق القرش ليبنى شقة
لنفسه فى البيت الذى تركه الب والمكون من
دور واحد ،وحين انتهى انتقلت أمه والبنتان إلى
الدور الثانى وتركا له الدور الول حيث كانت
الشقة عبارة عن حجرتين وصالة وعفشة مياة،
كان حبه لصفاء قد زاده نحول من كثرة السهر
والتفكير فيها حتى ملت عليه أحلمه وخيالته ،لم
يكن يدرى ان حبه كان من طرف واحد فقط ـ
طرفه هو ـ ولم يكن مؤهل ً بطبيعته السمحة
الطيبة بل شخصية حقيقية أو إرادة ،لقيادة هذا
الفرس الجامح المسمى صفاء ،كانت اصغر منه
بعشر سنوات ،وبينما كان هو طويل ً مفرطا فى
الطول كانت هى متوسطة القامة تكاد تصبح
دا
قصيرة ،ومع نحوله الشديد كانت تملك جس ً
رائًعا كل ما فيه مدوًرا :الوجه ،العينان ،الصدر،
الخصر النحيل الملفوف ،الرداف الممتلئة
المستديرة بنعومة وليونة .ولم يكن فارسها على
أية حال .وما تملكه فى تلك اليام لم يكن حًبا،
كان شيًئا يتجاوز الحب ،لقد أراد امتلك هذا
الجسد الجميل بأى ثمن ،ولم يكن يفكر فى
إحساسها نحوه ،وهل تبادله حبا بحب ،واشتهاء
30
ورغبة ،لم يكن يعنيه ذلك ،فقط أن يمتلكها ،أن
كا له وحده ،ووحده تقع عينه عليها ،على تصبح مل ً
هذا الجسد الرائع بتكوينه المثير وتلك البشرة
التى فى لون القشدة شديدة البياض والنعومة.
دا
كانت مشكلته ان له أختان لم يتقدم أح ً
لخطبتهما بعد ،كانت أخته الكبرىفهيمة والتى
تكبره بخمس سنوات هى المشكلة الحقيقية ولم
تكن تتمتع بأى قدر من الجمال ،قامة قصيرة
وجسد ضامر هزيل ،علوة على وجه له تقاطيع
منفرة ،كانت فهيمة تشعر أنها لن تتزوج أبدا،
فها هى تعدت الثلثين دون أن تتاح لها فرصة
للمس رجل ،ولم تكن فى حياتها السابقة ،أى
حين بلغت وأصبحت الدورة الشهرية تأتيها
بانتظام ،لم تكن لها تجارب من أى نوع مع
أقرانها من شباب الحى ،على العكس من أختها
الصغرى صدّيقة التى مشت مع طوب الرض
وكانت تحكى لها عن مغامراتها البريئة مع
الشباب ،كانت تشعر بالغيرة من حكايات أختها،
لكنها فى نهاية المر كانت تقول لنفسها أنها لو
أرادت ان تكون مثل صدّيقة لفعلت لكنها ل تشعر
بالحنين إلى الرجال فإنهم مقرفون ،كانت فهيمة
ترى فى تجربة أختها الكبرى بديعة مع نور ما
يجعلها تزداد كرها لتلك الفئة من البشر الذين
ينحصر كل تفكيرهم فى تلك القطعة من الجلد
31
بين أفخاذهم وكيف يشبعونها.وحين جاء محمد
عبدون ،الشاب الذى يعمل سواًقا على عربة نقل
لخطبة صدّيقة أعلنت فهيمة أنها موافقة على
زواج أختها الصغرى قبلها ،وقالت أنها حتى ل
تفكر فى الزواج أصل .وانحلت إحدى العقبات
التى كانت تقف فى طريق حفنى ،فها هى إحدى
أختيه سينزاح همها ،وبناء على ذلك فقد فاتح أهل
صفاء فى الكتفاء حتى بخطبة فى الوقت
الراهن ،ولدهشته ،فقد تمت الموافقة ومن ثم
الخطبة التى رفضتها صفاء أول المر .كانت
تشعر ان لديها فرصة فى الزواج أفضل من
الرتباط بهذا النقاش الهزيل ،كانت تدرك ما يتمتع
به جسدها من جمال ،وحين كانت تمشى فى
الشارع كانت تحس بوخزات العيون فى جسدها
ضا و من خلل عيون الرجال لكنها كانت تدرك اي ً
ما لهذا الجسد من سطوة على العقول والقلوب.
تزوجت صدّيقة من محمد عبدون ،وانتقل
للقامة معهم فى شقة الدور الثانى ،كانت الم
العاجزة قد استقرت هى وابنتهافهيمة فى حجرة،
الحجرة الخرى أقام فيها محمد عبدون وزوجته
صدّيقة التى لم تكن تعرف ان القدر يعمل
جا شاًبالصالحها مثلما يفعل الن ،فقد اختارلها زو ً
ما له جسد رائع متناسق كان يحلو له طوال ووسي ً
الوقت استعراضه أمامها ،لم يكن يتجول فى
32
ضا
حجرتهما الضيقة إل بالكلوت فقط مستعر ً
عضلت ذراعيه المفتولة وخصره النحيل ،فإن
مهنته الشاقة فى السواقة والعتالة أكسبته بنية
قوية ،كانت نظراتها تلحقه أينما ذهب وهى تشعر
بسعادة غامرة ان رضى عنها زمانها أخيرا ،وهى
دا جميلة ،كادت أن تصبح جميلة التى لم تكن أب ً
يوم عرسها فى عين زوجها الوسيم المستعرض
ما ،ولم تكن تمل من التحرش به وملمسة دائ ً
جسده طوال الوقت حتى يستجيب لمداعبتها،
على انه لم تمر بضعة أشهر حتى انتفخت بطنها
وسمنت وترهل جسدها ،كما ان ملمح وجهها غير
المتناسقة إذدادت تنافًرا مع مرور الوقت ،وكان
محمد عبدون يتأمل زوجته وقد أصبحت حركتها
بطيئة من اثر الحمل ويتساءل :كيف تزوج هذه
المرأة ؟ هل هو الحب بمراياه العمياء ؟ أم أنه
شئ أخر ل دخل له فيه انه القدر الغاشم الذى
أوقعه فى هذه الورطة.
بعد زواج صدّيقة ،عمل حفنى بكل طاقته حتى
يستطيع تجهيز شقته ،وعمل على إصلح العلقة
بين بديعة وأمه وأختيه ،فحين مات نور فجأة ،لم
تخبره أخته ،بل عرف من بره وذهب هو وحده
للعزاء ،ذلك ان أمه والبنتين رفضن الذهاب معه،
بل ان أمه اعتبرت موت نور جزاء عادل ً لما فعله
معها هو وأبنتها ،فبسببهما أصبحت عاجزة مدى
33
الحياة.
ذهب هو وحده ،واخذ بخاطر أخته التى أصبحت
وحيدة ،وعرف ان نور ترك فى بطنها طفل ً عمره
ستة شهور ،عرض عليها العيش معهم فى بيت
السرة ،لكنها رفضت بشدة وقالت ان أمها
طردتها ولم تكن تطيقها ل هى ول زوجها الله
يرحمه .أحس حفنى انه عمل ما عليه ،وقال ان
اليام قادرة على محو العداوة وان مصارين
البطن بتتعارك وان الضفر ما يطلع من اللحم
وتركها ومضى ،وحين تزوجت صدّيقة ،لم تحضر
بديعة عرس أختها ولم يدعها احد أصل ً فقالت
بركة اللى جت منك يا جامع ،لكنها أخذت على
خاطرها وصعبت عليها نفسها ،ولما اقترب موعد
زواج حفنى ذهب إليها مرة أخرى وقال لها :المّرة
دى مالكيش حجة ،أنا جيت يا اختى اعمل اللى
عليا ولبد من حضورك وهى فرصة يتلم الشمل
مرة تانية .وقررت بديعة حضور فرح أخوها
وقالت له :سمعت ان عروستك حلوة .تساءل
حفنى بدهشة وعرفتى منين ،هى فعل جميلة وها
تحبيها لما تشوفيها.
وفى حارة على أبو حمد الضيقة عمل حفنى
فرحه على الضيق ،لم يعزم إل قرايبه الذين
يحبهم ،كذلك بعض أصحابه ،وجاءت العروسة
بكل أهلها وهى زى الفل حتى انه ظهر بجانبها
34
مثل الغراب النوحى .كانت صفاء رافضة الزواج
منه ،ولم تستطيع ان تحبه ،لكن الم والب أصرا
على إتمامه وقالت أمها ان الحب يأتى بعد الزواج
وان حفنى شاب طيب وعلى نياته ،وأنها تستطيع
اخذ حباب عينيه وطيه تحت جناحها ،وليلة الدخلة
دخلت معهما أمها وأخذوا شرفها بلدى وعملوا
زفة بالمحارم المنعاصة بالدم لفت بولق الدكرور
كلها ،وحفنى الذى لم يكن يصدق نفسه اخذ
يتحسس جسد صفاء وملمس بشرتها الناعمة
يسرى بين أناملة فيشعر بالعجز عن عمل أى
شئ ،وكانت هى أكثر جرأة منه فخلعت له كل
ملبسها ووضعت مخدة تحت ردفيها وساعدته
على النعاظ وهى ترهز من تحته حتى هدم قلعتها
وخربها ،وانتهت الليلة على خير .وفى يوم
الصباحية جاءت أخته فهيمة بصينية عليها فطير
مشلتت عملته منذ الفجر عند سيد الفطاطرى
وعسل نحل .وشعر حفنى ان الدنيا تضحك له
فصار يلقم عروسته الفطير المغموس بالعسل
وهو ل يشبع من النظر إليها وهى بقميص نومها
السود المحبك الذى كاد يأكل من جسدها البيض
ما فى البيت أسبوعا كامل ً ل يفعل
حته .وظل مقي ً
شيئا ً سوى ان يأكل وينام مع عروسته حتى
خلصت فلوسه فنزل الشغل بالعافية ،وهى ما
صدقت ان خلصت منه حتى تنهدت راحة ،فهذا
35
دا حتىالمخلوق الذى يشبه الصرم ل يشبع أب ً
أنهكها ،وطلعت لول مرة أمام البيت وجلست
على العتب تتفرج على المارة من جيرانها سكان
حارة على أبو حمد وتتكلم مع النسوان الرائحة
والغادية ،وجاءت صدّيقة لتجلس بجانبها ويدور
بينهن الحديث الذى ل ينقطع فى السرار الخاصة
والعامة ،حدثتها صدّيقة عن زوجها محمد عبدون،
وكيف يعصر جسدها ويجعل عظامها تطقطق
على نار جسده ،وأنها لم تعد تحتمل ثقل جسده
وعضلته المفتولة التى ل تترك جسدها إل وهو
كالعجينة الطرية .وصفاء لمعت عينها شهوة ،ولم
تحدثها عن أخيها حفنى العامل مثل خيال المآته،
ول عن المجهود الكبير الذى يبذله كلما اقترب
منها ،ول النهجان وانقطاع نفسه وكأنه جرى من
بولق الدكرور للعتبة ،ولم تحدثها صدّيقة عن
العلقة الساخنة التى تأخذها كل يوم من محمد
عبدون الذى لم يعد يطيق سماع صوتها ،ففى
خلل ستة شهور زواج طلقها أكثر من إتنين
وعشرين مرة ،كان يرمى عليها يمين الطلق
حا وهو ذاهب إلى عمله ،و حين يعود ،يكون صبا ً
قد نسى كل شئ فيرمى عليها اليمين مرة أخرى
حين يذهب للنوم ،وإذا لسانها طال عليه ،فإنه ما
كان يضربها إل بقبضته فى اى عين يرى أنها
مناسبة لتحمل غضبه الجنونى ،لكن صفاء كانت
36
تلمح آثار تلك المعارك على وجه صدّيقة والتى ما
كانت أبدا تبدى السبب الحقيقى وراء تلك
الكدمة ،وذلك الورم ،أو الخدوش بأسفل الرقبة،
ولم تكن تمل من اختلق أسباب وجيهة لذلك،
فهذه من أثر وقعة ،وتلك خبطة فى بوز الترابيزة،
وأخرى خربشة قطة وهكذا .كانت صفاء تلتهب
مشاعرها من رؤيا تلك الكدمات وكانت تحسد
جا رجل ًصدّيقة على ذلك ،فعلى القل لها زو ً
وليس كزوجها الذى ل يهش ول ينش ،فقط مخه
ما ،وياليته بقوة
فى بتاعه المرخى دائ ً
محمدعبدون الذى أصبحت تفكر فيه ليل نهار
وهى التى لم تره سوى مرات قليلة .وقررت ان
تتحرش به ،ففتحت الباب ذات صباح مبكر ،وبينما
كان ينزل السللم مستعجل ً ذاهًبا إلى عمله الذى
تأخر عليه وجدها أمامه ،كانت ترتدى جلباًبا نظيفا
كا أظهر تفاصيل جسدها ،وكان عند صدرها ومحبو ً
مكشوًفا فأظهر تقاطيع ثدييها النافران بنهر عميق
كان يتوسطهما .وقف وقال صباح الخير فمدت
يدها تصافحه ،وشعر بليونة كفها ودفئها وهى
تنظر إلى عينيه باغراء جعل جسده ينمل .وسحب
يده وخرج وعيناها لم تفارقا خياله طوال اليوم.
ضا قابلته مصادفة مثل الولى، وفى المساء أي ً
كانت عند زوجته فى الطابق الثانى حين دخل
ورآها بنفس الجلبية التى تكشف صدرها والذى
37
يبدو وكأنه مدلوًقا إلى خارج الجلباب :أبيضان
وبضان بنهر عميق يشقهما ،وجلس بالقرب منها
بينما ذهبت زوجته لعداد العشاء وكان جسدها
يكاد ينفجر من ثنايا الجلباب الضيق ويشع حرارة
كادت تحرقه ،واستقرت عيناها على صدره
العريض البارز بشعره الكثيف .وحين أتت زوجته
بالطعام كان كل منهما ومن خلل الصمت مغرًقا
فى خيالته ،وتجردا من ملبسهما والتحما والتطما
مثل جبلين ،وفى تلك الليلة ضرب محمد زوجته
صدّيقة علقة موت ،وأعطت صفاء ظهرها لزوجها
ولم تعد تطيق رائحته أو رؤية وجهه .وأحست
صدّيقة بأن هناك شيًئا يدور من وراء ظهرها بين
زوجها وزوجة أخيها ،بينما أخيها حفنى لم يحس
حا ول يعود إل متأخرا منه ً
كا شيًئا ،كان يخرج صبا ً
ليس له دخل بما يحدث ،فقط ،كان يطلب رضاء
زوجته عنه ،وكان يتلمس هذا الرضاء بكل
الطرق .وأخذت صدّيقة تنتبه بكل حواسها لما
يحدث خلف ظهرها ،ولمحت نظرات زوجها
لزوجة أخيها ،وكذلك نظراتها إليه ،وأرادت تقطع
الشك باليقين ،وفى أحد الصباحات المبكرة
تنبهت من نومها على صوت زوجها يرتدى ملبسه
ويهم بالخروج ،عملت نفسها نائمة حتى انتهى
وخرج وأغلق الباب وراء ،تسللت وفتحت الباب
وراقبته وهو ينزل على السللم ،وسمعت باب
38
شقة أخيها يفتح ثم يغلق ،ولم تعد تسمع شيًئا،
نزلت السللم حافيه على أطراف أصابعها
ووقفت على باب شقة أخيها البرانى ،فالشقة
كان لها بابان ،أحدهما يفضى إلى داخل الشقة،
أما الخر فكان بالقرب من مدخل البيت ويفضى
إلى أحدى الحجرتين بالشقة ،تلك الحجرة التى
كانت تسمى حجرة "الجلوس " والتى جعلتها
صفاء للنوم بدل ً من الخرى فى الداخل ،إنحنت
ونظرت من خرم المفتاح فوقعت عينها على
السرير فى المواجهة ،ورأت زوجها عارًيا يتمرغ
ضا،
فى أحضان صفاء التى كانت عارية أي ً
وسمعتها تصرخ من اللذة ،فى خفوت تسحبت
صدّيقة حتى طلعت شقتها ودخلت حجرتها
ولطمت على وجهها وصرخت :يا مصبتى.
وشهقت بالبكاء ،لكنها تعمدت ان تفعل ذلك فى
هدوء حتى ل يسمعها احد ،ومن بين دموعها
همست :وحياة مقصوصى لفرج عليك امة ما
خلق يا محمد ياعبدون أنت وصفاء وأخلى
فضيحتكم بجلجل .على إنها لم تجد ما تفعله
سوى ان تجلس وتنتظر الفرصة التى طالت وقد
دا ،كانت تعرف الن أنهما بدا لها إنها لن تأت أب ً
يلتقيان يومًيا ليدنسا سرير أخيها المغفل والذى
من المؤكد انه لم يعرف شيًئا ،ومن ناحيتها فأنها
وبتلقائية ،تجنبت المشاجرة مع زوجها كما كانت
39
تفعل ،بل إنها كانت تتحاشى النظر إلى عينيه،
وعاملته بود تعمدت ان يبدو طبيعيا ،وحتى زوجة
أخيها صفاء ،فأنها عاملتها بنفس الود وكأنها ل
تعرف ما يدور وراء ظهرها ،كانتا تجلسان سوًيا
كل يوم ساعة العصارى أمام باب المنزل
تتفرجان على الناس فى الحارة وتدور بينهما
أحاديث النميمة .وكانت صفاء دائما نظيفة
معطرة بعد استحمامها اليومى .ويكاد الدم يبك
من وجهها .كانت صدّيقة تعرف السبب طبًعا،
لكنها أبدا ما بدا عليها شئ مما تعرفه .وقد جاءتها
الفرصة أخيًرا بعد طول صبر وعلى غير انتظار،
جاءت على طبق من فضة ،بعد خروج زوجها،
وفى أحد الصباحات ،لم تجد ما تفعله سوى ان
سا على عقب فى محاولة تنكت حجرتها وتقلبها رأ ً
لتنظيفها ،وبالزعافة أخذت تمر على الشياء لتزيح
التراب العالق بها ،وجاءت بكرسى أمام الدولب
ووضعته وصعدت فوقه ،ومرت بالزعافة على
ظهر الدولب الغاطس ،واصطدمت الزعافة
بشئ اخذ يخروش ،شبت على أطرف أصابع
قدميها ومدت يدها تبحث عن هذا الشئ حتى
وجدته ،شريط تسجيل وضع فى كيس نايلون
مطوًيا عدة طيات .نزلت صدّيقة وأخذت تقلب
الشريط بين يديها ثم فتحته ووضعته فى جهاز
تسجيل قديم كان زوجها اشتراه من سوق
40
الجمعة .أدارت الجهاز فأصدر أزيًزا وخروشة
واصواًتا مبهمة استاطعت بالكاد تمييز صوت
زوجها .أغلقت المسجل ووقفت حائرة بعض
الوقت ثم خرجت إلى البلكونة ونادت على جارتها
فى البيت المقابل ورجتها ان تعطيها المسجل
لمدة عشر دقائق ،جايلنا يا ختى شريط من واحد
قريبنا مسافر برة ومش عارفين نسمعه على
الجهاز بتاعنا .كانت تعرف ان مسجل جارتها
جديد ،جاء به زوجها من ليبيا حين كان مسافًرا
ما وضعه فى البلكونة ويعلى وكان يحلو له دائ ً
صوته على الخر بأغانى سعدون جابر ومحمد
عبده .وضعت الشريط فى الجهاز وأدارته .
فميزت الصوات بوضوح ،كان زوجها فى أحضان
صفاء ،سمعتها تقول له أحبك يا محمد.وسمعته
يقول لها أحبك يا صفاء .وكانا هما الثنان يقولن
ما لم تسمعه شا اقشعر منه بدنها ،كل ً ما فاح ً
كل ً
من قبل حتى وهى بين زراعى زوجها .لكنها رغم
غمها فرحت للمفاجأة فإنها لم تكن تحلم بأكثر
من ذلك ،وخبأت الشريط فى صدرها ،وانتظرت
حتى جاء يوم الجمعة يوم عطلة أخيها وزوجها
وجاءت بمسجل جارتها الكبير ووضعته فى بئر
السلم على البسطة وأدارته وفتحت الصوت على
ما فانتبه وخرج على الصوت آخره .كان زوجها نائ ً
وفتحت شقة أخيها وخرج هو وزوجته ،وتجمع
41
بعض الجيران فى مدخل البيت على صوت
الهات والتنهدات .كانت صدّيقة تريد للجميع
فضيحة بجلجل ،وها هى ترى زوجها يعض على
شفتيه غي ً
ظا وقد احمر وجهه خجل ورعًبا مما
سوف يحدث ،ولم نفسه على تسجيل الشريط
سًرا لصفاء وهو معها ،كانت غلطة منه ان يفعل
ذلك ،كان غرضه التسلية ،وكتذكار ليامهما مًعا.
جا من انتظر حتى انفض المولد وتسحب خار ً
ضا لمالمنزل فى صمت بشنطة هدومه ،هى أي ً
تقل شيًئا اكتفت بما فعلت وراقبته وهو يتسلل
جا .أما أخيها حفنى ،ففى اليوم التالى ،وعند
خار ً
أذان الفجر ،جاء بعربة حملت العفش ،وخرج هو
وزوجته تحت غبشة الفجر ،ولم يعودا إلى الحارة
مرة أخرى إل بعد ست سنوات كاملة قضياها فى
التيه.
5
أم حفنى
***
دعمت أم حفنى أسطورة حياتها الخاصة بان
ماتت ست مرات خلل عمرها الذى تجاوز
التسعين ،عاشت منه أربعين سنة عاجزة عن
الحركة بعد ان أصابتها ابنتها بديعة وزوجها نور .أم
42
كا لها ثلث حفنى تخلى عنها زوجها بحبح ومات تار ً
بنات وولد ،وهى التى لم تكن قد تجاوزت الثلثين
حين رحل ،لم تفكر فى رجل آخر غير زوجها
وقررت تربية أولدها بمعاش صغير حيث كان
يعمل فى السكة الحديد عطاشجى .لم يكن
قريًبا لها أو حتى من قريتها كوم الضبع إنما جاء
فى زيارة للبلدة مع احد أقربائها ووقع نظره
عليها فأعجبته وتزوجها وجاء بها إلى بولق
الدكرور وأقاما فى السكن الخاص للعاملين فى
السكة الحديد .فىهذا الزمن كانت بولق الدكرور
مستنقعات مائية تنمو فيها نباتات الحلفاء وبعض
البيوت المتناثرة هنا وهناك ،أستطاع بحبح ان
يكون مما تبقى من راتبه مبلغا اشترى به قطعة
ارض صغيرة بنى عليها هذا البيت وعاش معها
عشر سنين أنجبا خللها حفنى وبديعة ومحاسن
وصدّيقة ثم تركهم فجاءة وأكبرهم حفنى لم
يتعدى الثمانى سنوات .معاشه سترها هى
شا فتحمل وأولدها إلى ان كبر حفنى وعمل نقا ً
معها حمل تربية البنات كان حفنى هو راجلهم بعد
موت الب ،ديك البرابر ،ولم يكن أبدا مثل أبيه ،
ربما هى ساهمت فى هذا ،ان تجعل منه رجل ً بل
شخصية أو أرادة حقيقية حين كانت تنتصر لبناتها
ما وقنع على حسابه ،كانت بديعة هى القوى دائ ً
حفنى بأن ينطوى تحت جناحها ،تماما مثلما فعلت
43
زوجته صفاء ،أصبح تحت رجلها ،مرمطته وحطت
رأسه فى الطين ،وبدل ً من ان يطلقها أو يقتلها
كما يفعل الرجال ،أخذها ورحل فهو ل يستطيع
البتعاد عن المره النجسة ومستعد يبوس طيزها
حتى ترضى عنه .
أحست أم حفنى بالنكسار بعد ضرب بديعة و
نور لها .وحين مات نور رأت ان الله انتقم لها منه
ل ،فسوف تبقى ومن ابنتها وان هذا جزاء عاد ً
عاجزة برجلها طوال حياتها ،وأحست بالنكسار
يوم سمع كل الخلق الفضيحة التى صورتها
صدّيقة لزوجها وزوجة أخيها والكلم الفاحش
الذى سجله محمد عبدون لنفسه ولعشيقته –
شوفوا الخيبة – كانت صدّيقة مصممة على
الطلق وخراب بيتها ،ولد الحلل توسطوا بينهما
ورجعت المية لمجاريها وهو على ما يبدو أنصلح
حاله ،فلم تعد صدّيقة تشكو منه ،ويطلع لها
صوت حتى إنها فى ظرف خمس سنوات أنجبت
منه ولدان وثلث بنات ،حفنى اختفى هو و
الفاجرة ول احد يعرف عنهما شيًئا ،أمافهيمة فهى
التى بقيت لها ،لم تتزوج رغم إنها اكبر من
صدّيقة لكنها قسم ونصيب ان تقعدفهيمة معها
حتى تخدمها وتقوم على طلباتها ،ورغم ان فهيمة
كانت يديها ورجليها ،إل إنها كانت تتمنى زواجها
مثل أخوتها ،كانت ترقبها وماء الشباب يجف من
44
جسدها ببطء حتى ضمر وباتت عجوًزا ،رأتها ذات
مرة تتلصص من خرم الباب على أختها وزوجها،
كان ذلك بعد زواجهما مباشرة .لم تقل لها شيًئا،
لكنها أحست بحسرة ابنتها على نفسها .أنقذتها
من ميتتها الولى حين توقف قلبها ذات مساء عن
الدق بينما كانتا تجلسان أمام التلفزيون ،رأت
فهيمة أمها تضع يدها على صدرها وتميل برأسها
وجسدها على الكنبة بل نفس فقط آهة عميقة
أعقبها سكون الموت .فزعت فهيمة وزعقت على
أختها التى جاءت ورأت أمها مرمية على الكنبة
فصوتت جاء حفنى مهرول هو وزوجته وحين رآها
أخذ يبكى وجلس على قرافيصه والتمت الناس
وأخذ الجميع يصوتون ويلطمون .ومحاسن التى
كانت قريبة من أمها وضعت يدها على صدرها
بحركة ل إرادية ودلكته ،ولدهشتها فقد وجدت
قلب الم ينبض تحت كفها ،وان هى إل دقائق
حتى كانت أم حفنى جالسة على الكنبة تنظر إلى
الجمع الملتف حولها بذهول وهى تقول :هو فيه
أيه.
إحترفت أم حفنى الموت كما احترفت ابنتها
صدّيقة السرقة بالضبط ،توقف قلبها عن الدق
عدة مرات حين كان يحلو لها ان تفعل ذلك ،وفى
إحدى المرات طالت غيبتها عن الدنيا فذهب ابنها
درحفنى واشترى لها كفًنا شرعًيا سبع طبقات ق ّ
45
دا ،ذلك انه ظل ملفوفا فى لها أل ّ تكفن فيه أب ً
دولب ملبسها مدة أربعين سنة ومنسًيا ،وحين
ماتت موتتها الخيرة وأرادوا إخراجه ،كانت العتة
حا مما أضطرهم لشراء قد أتت عليه وما عاد صال ً
كفن جديد للم الميتة .
قبل عشر سنوات من رحيلها النهائى أصيبت
بمرض السكر والضغط مًعا،فهيمة التى راقبت
أمها عدة ليال متتالية اكتشفت ان شيًئا غير عادى
يحدث ،كانت أمها تطلب منها الذهاب للحمام كل
نصف ساعة تقريًبا ،فإن مثانتى تكاد تنفجر .تقول
لها فتحملهافهيمة على ظهرها حتى أنهد حيلها،
مما اضطرها لحضار مبولة بلستك فى الحجرة،
وضعتها بجانب أمها وتقوم بإفراغها طوال
الوقت.كما لحظت شرب أمها للماء بكثرة
فتعاونت هى وحفنى وأخذاها إلى مستوصف
الحاج بكرى القريب من المنزل وطلبت عمل
تحاليل لها فظهر السكر فى دمها وبولها ،لكن
المرأة ما كنت لتصدق مرضها ،وكانت تأخذ حبوب
السكر والضغط على مضض وبعد نشفان ريق
فهيمة .وقبل يوم من رحيلها البدى فاجأتها غيبوبة
سكر ،كان ذلك فى صباح أحد اليام ،وظلت
مستلقية على سريرها ل تعى شيًئا مما حولها
حتى منتصف الليل حين قامت فجأة جلست على
السرير فى كامل وعيها ونظرت حولها ،كان
46
حفنى وزوجته يجلسان على الرض وبديعة وابنتها
الصغيرة فتحية ،ومحمدعبدون وصدّيقة وأولدها،
ومحاسن كانت جالسة بجانبها على حافة السرير،
ابتسمت للجميع وقالت :مالكو ..هو فيه إيه ؟ ردد
الجميع فى نفس واحد :حمد لله على السلمة
يامه .قالت بدهشة :هو أنا كنت مسافرة وما
اعرفش.
قال حفنى :ل يامة ..كنتى فى غيبوبة من
صباحية ربنا.
غيبوبة ايه وكلم فارغ ايه .ما انا قدامكم اهو
زى الفل.ونظرت لمحاسن وأكملت :طب دا انا
حاسة انى جعانة أوى ،أومى يا بت هاتيلى شوية
محشى فى طبق .اصل انا شامة ريحته .والتهمت
أم حفنى فى تلك الليلة حلة محشى كاملة،
وطلبت بعدها كوب شاى تقيل ،وظلت ساهرة
حتى صلت الفجر ونامت ،لكنها لم تصح طوال
يوم كامل ول اليوم الذى تله ،وظن الجميع إنها
إحدى موتاتها ،وأنها لن تلبث حتى تعود مرة
أخرى ،لكن رائحة كريهة انبعثت من جسدها الذى
بدأ يتحلل .فى تلك اللحظة فقط ،أيقن الجميع
بموت الم الكبيرة.
***
47
القسم الثانى
48
1
فتحية
***
49
عينى ابنتها التى ما ان وعت ما يدور حولها وما
تفعله أمها حتى قالت لها :علمينى ما تعلمتيه.
فتحية تعلمت كل شئ ،وتبحرت فى العلوم
الروحية والسيماء والبواب والعزائم والطوالع
والبروج والطبائع والطلسم وأبواب المحبين
والدخول على الحكام وحل المربوط وربط
المحلول وضرب الرمل وخلخلة الهوى الكبرى
وشبشبة زعزوع وشبشبة ناصور وشبشبة أبو
رياح ومندل المرآة ومندل طيفور والجلجلوتية
الصغرى والكبرى وفتح الكنوز وكلها فوائد على
الصحة والتجربة .هكذا أخبرتها أمها بديعة وقالت
ضا :حين احببت نور – أبيك -المرحوم شبشبت أي ً
له الثلث شبشبات وخلخلة الهوى الكبرى فلم
يأخذ فى يدى غلوة ،ولكن الحذر الحذر من عدم
معرفة كيفية صرف الخدام ،فإنهم ينقلبون ضدك
ويحرقونك فكونى على بينة من أمرك.
وحين تخرجت فتحية من مدرسة التمريض
أرادت ان تصبح ملك رحمة ،لكنها تحولت بقدرة
قادر إلى ملك جحيم لما رأت " رمضان" فأحبته
من أول نظرة ،وتمكن عشقه من قلبها فما
عادت تعرف طعم الراحة ول الليل من النهار.
ورمضان الذى تخرج من مدرسة الزراعة
فا وجاءالمتوسطة عمل فى وزارة الزراعة موظ ً
من بلدته كوم الضبع ليسكن فى بولق الدكرور،
50
كوم الضبع قرية أمها والتى لم ترها أبدا ً قذفت
برمضان ليسكن بجانبها وكى تره وتحبه هو الذى
فا
دا ونحي ًدا ،كان مثل الصرم ،طويل ج ً ل ُيحب أب ً
دا جعله يرتدى نظارة كعب دا ونظره الضعيف ج ً ج ً
كباية مع شعره الحمر المفلفل المجعد وانفه
دا يحبه، الطويل المعقوف فأن منظره ل يجعل أح ً
ولكن مرايا الحب عمياء ،وكما قرأت فتحية فى
كتبها الصفراء :فإن كل فرج كتب عليه اسم
قا
ناكحه .فقد آمنت بتلك المقولة إيمانا مطل ً
جعلها تخلع ملبسها طوال الوقت وتتحسس
جسدها بأناملها فتجد اسمه محفوًرا هناك بحروف
بارزة وحادة تكاد تنطق فتشعر بالنشوة وتصبح
على يقين من انه هو وحده سوف يمتلك جسدها
ووحده فقط من سيصل إلى مكامنها ،أليس
اسمه مكتوًبا هناك على باب مغارتها.
***
51
2
فتحية
***
فتحية أخذت تترصد حركات رمضان ،وعرفت
انه يحب واحدة أخرى تسكن بعد شارعها بثلث
شوارع ،وانها تنتمى لهم بصلة قرابة من بعيد ،من
البلد يعنى ،وفتحية قالت قطيعة كوم الضبع ومن
يأت منها ،وكانت فى حاجة شديدة إلى حتة من
أتر رمضان .وحين علمت أمها بديعة ضحكت ،ولم
تكن فتحية تعلم ان أمها تذكرت نفس ما حصل
مع نور ،وكيف أنها داخت السبع دوخات حتى
جاءت بأتر نور ،لباسه الداخلى والذى ما زالت
تحتفظ به حتى تلك اللحظة – كأيقونة خاصة بها
وحدها -فى كيس نايلون مخبأ فى دولبها ،حتى
دا بهذا
نور ـ الف رحمة ونور عليه ـ لم يعلم أب ً
المر.
وقالت بديعة لنفسها :أنا كنت واسعة الحيلة
فى زمنى ،أما ابنتي فلها رًبا اسمه الكريم ،ما
الذى سوف تفعله فى هذا الموضوع !.
52
والمسك والعنبر وقرأت حسبنا الله ونعم الوكيل
مرة ثم دعت :اللهم إنى أسألك سبعة آلف ّ
باسمك الذى ل إله إل هو الحنان المنان ان تجعل
لى رأفة وحناًنا ومحبة فى قلب رمضان ابن حواء
ومكنى من ناصيته وعقله ومجامع قلبه ،وإسقى
بمحبتى جميع عروقه وإجعله طوع يدى ومنتهى
أمرى حتى ل يهنأ له أكل ول شرب و يرانى فى
جميع أحوالى أجيبوا يا خدام هذه السماء اقذفوا
ها بحقعا أو كر ً
بقلب رمضان ابن حواء ائتوا طو ً
أسماء الله تعالى وبحق هذه السماء الشريفة
ومالها عليكم من القوة والطاعة الوحا الوحا
العجل العجل الساعة الساعة.
****
فتحية التى رضعت السحر من بز أمها كفرت
به بعد أن ظلت طيلة ثلثة شهور وستة أيام تحلم
ان يأت رمضان على صورته كما خلقه الخالق
راكًعا متوسل ً ان تحن عليه وتمن بنظرة ولمسة
ما قالوا ثلثة أشياء هم خير ورشفة ولثمة ،وقدي ً
ما فى الدنيا :أكل اللحم ،وركوب اللحم ،ودخول
اللحم فى اللحم ،وفتحية كانت تحلم بلحم
رمضان يصل إلى أعمق أعماق مغارتها فيطفئ
نارها المستعرة دوما والتى كثيًرا ما كانت تؤججها
وتخمدها بمداعباتها الذاتية متخيلة رمضان فى كل
سا وراكًبا وراجل ً
فا وجال ً
أوضاعه المستحيلة :واق ً
53
ثم مستلقًيا .ولم تعد تطيق نفسها حتى انها
اعلنت الحرب على أمها ،واتهمتها بأنها دجالة
ومشعوزة وانها علمتها ما ل فائدة منه .وبديعة
التى لم تفهم ما قالته ابنتها ال بالحدس وحده
قالت ان السحر موجود منذ ان خلق الله الرض
ومن عليها حتى انه انزل فيه قرأًنا ،فهل تكفرين
بما أنزل الله ،ثم انه لوله لما جاءت هى اصل ً
من صلب نورـ الف رحمة ونور عليه ـ وأنما
علمتك كل شئ ،وانت زاد علمك منى بعلمك
لنفسك ،شئ واحد لم تتعلميه ،الصبر ،بالصبر
وحده تنالى ما ترغبين
فتحية صبرت شهًرا وراء آخر حتى أنها سمعت
ان كتب كتاب رمضان على عروسته بعد اسبوع ،
قادت النار فى جسمها وقلبها وما عادت تعرف
ما وذبل عودها . الليل من النهار ول للنوم طع ً
رأت بديعة كل ذلك فصرخت :البنت ها تروح
منى .واستعادت كل ما تعلمته من سحر واقفلت
على نفسها باب حجرتها مدة ثلثة أيام وهى
صائمة عن الزاد ،وما ان خرجت فى اليوم الرابع
حا فى وش ابنتها الوحيدة حتى تهلل وجهها فر ً
وقالت لها ابشرى .المطلوب حصل ونلنا المراد .
لم تفهم فتحية من كلم أمها شيًئا ،واليوم يوم
فرح رمضان فانكسر فؤادها وأرادت تمضية اليوم
خارج بولق كلها فذهبت إلى المستشفى تبات
54
هناك ،وجلست فتحية فى حجرة الممرضات
وحيدة ،يدها على خدها ،وذهبت بأفكارها هناك ،
حيث يجلس رمضان الن بجانب عروسته بينما
الطبل والزمر يصمان الذان .لكن جلبة شديدة
أخرجتها من توهماتها ،وسمعت صوًتا آمًرا يصرخ
:جهزوا أودة العمليات بسرعة ،ورأت فتحية
دا على التروللى بطول وعرض صا ممد ً
شخ ً
وملمح رمضان ،لكنه ليس هو بالتأكيد ،هكذا
قالت لنفسها فرمضان فى الكوشة الن بينما هذا
الرجل يتلوى من الزائدة الدودية التى قد تنفجر
فى اية لحظة .وبعد يوم من التأمل الهادئ فى
دا فوق سريره بعد المريض الذى يرقد الن ممد ً
عملية استمرت طوال الليل اخذت تقنع نفسها
بأنه رمضان المدد امامها ،وإن هى إل دقائق
معدودات حتى تأكدت انه هو حين رأت خطيبته
وأهلها جاءوا للطمئنان عليه ،وان ما حدث قد
فابتسمت حدث قبل كتب الكتاب بدقائق
فتحية وقد أيقنت ان حظها فى صعود منذ الن .
***
55
3
بديعة
***
سمعت بديعة رواية ابنتها عن احداث تلك الليلة
فلم تتعجب ،وقالت لها :اذكرك بأنى قلت
المطلوب حصل ونلنا المراد ،وقديما قالوا :كيد
النسا غلب كيد الرجال وفى هذا المعنى فإنى
أروى لك حكاية اعجب من العجب ،وقد رواها
لى السطى حمامة النجار أبو محمود ،فإنه قال
56
خلقها و خلقتها ،وكان الجميع يتعجب من رضاها
بالعيش مع هذا العجوز الشرير دميم الخلقة
والخلق وهم ل يعرفون السر الذى تخفيه الفتاة
بين صدرها .وفى يوم من ذات اليام طلعت
الفتاة إلى زوجتى وجلستا تتسامران ،كانت هذه
عادتها كلما خرج زوجها لزية خلق الله فكانت
ضا كذلك ، تأنس لزوجتى وتصاحبها ،زوجتى أي ً
دا على الكنبة ما فى الحجرة الخلفية ممد ً وكنت نائ ً
ظا فسمعت زوجتى تقول لها :إل قولى ومستيق ً
لى يا اختى كيف ترضين بالعيش مع عجوز
ما قال الشاعر :
النحس هذا ،وقدي ً
فليس له إذا شاب رأس المرء أو قل ماله
فى ودهن نصيب .
وحكى والله اعلم ،ان عبد الملك ابن مروان
سأل ليلى الخيلية ما الذى تشتهى النساء من
الرجال فقالت من خده كخدنا وشعره كشعرنا
والشيخ إذا لم يكن سلطانا أو ذى نعمة فليس له
فى ودهن نصيب .
قال السطى حمامة :كنت انصت لحديث
شا من سعة معرفتها بأمور الدنيا ، زوجتى منده ً
وبعد ان كنت مستلقًيا اتكأت شغوًفا باتمام حديثها
للبنية فأكملت :أقول لك هذا لنى اعلم ان زوجك
ليس به ما يحبب النساء ،فكيف وقعت تلك
الوقعة السودا معه اعانك الله على ما بلك ،فما
57
زوجك بالشاب حتى تحبينه ،كما اننى أعلم ان
البخل والتقتير من طباعة فما حكايتك الله يفتح
عليك .
قالت زوجة السطى حمامة :ما انتهيت من
قولى حتى رأيت دموعها سحت على وجهها .ثم
أنها أجهشت بالبكاء فأخذت أطبطب على ظهرها
حتى هدأت وقالت :أعلمى اننى من عائلة فقيرة
مكونة من أبى وأمى وأنا وحيدتهما انجبانى على
كبر ،وكنا نسكن فى درب القطة بحى باب
الشعرية ،ودخلت المدرسة حتى وصلت إلى
الثانوية العامة ،وكان لى جار نشأنا سوًيا وتربينا
معا وكنا ل نفترق ونحن صغار حتى كبرنا مًعا
وكان فى مثل سنى فتعلقنا بعضنا ببعض
وعشقنى وعشقته حتى ابى وامى احبا هذا الفتى
وكانا يظنان أننا بمجرد انتهائنا من الجامعة سوف
نتزوج ،ولكن شاءت القدار أل يحدث ذلك .كيف
؟
ً
صلى على الحبيب ،كان أبى يعمل عتال فى
السوق ،فكان يذهب مبكًرا إلى عمله ول يعود إل
دا من شدة التعب ،وفى أحد دا مكدو ً
مساء مهدو ً
اليام ،وبينما هو يحمل جوال ً ثقيل ً مليًئا بالبضائع
فوق ظهره جاءت قدمه على قشرة موز كانت
مرمية على الرض فتزحلق ووقع ووقع الجوال
فوق ظهره فقسمه ،ورقد أبى طوال الوقت فى
58
المنزل ل يستطيع الحركة وقد أصبح مشلول ً .
وكان عجوز السوء هذا يعرف أبى منذ زمن فجاء
ى
للسؤال عنه ومواساته ،ووقع نظره عل ّ
فوجدنى جميلة وحسد ابى على امتلك ابنه بهذا
الجمال ،وهكذا صار يتردد علينا كل يوم ،وكان
يمد أبى ببعض المال يعينه على مصاعب الحياة
كما كان يأتى إلينا بالطعام والفاكهة وكل ما
نحتاجه ،لكن المقدر وقع ،فقد مات أبى بعد
عدة أشهر من مرضه وتركنا أنا وأمى ول ملجأ لنا
سوى الله .وعلى جرى عاداته صار العجوز يجئ
إلينا انا وأمى ويلبى حاجتنا من طعام وشراب
وغيره مما تلزمه الحياة ،وخطر فى بالى ان
الرجل عينه على أمى وانه يريدها للزواج فقد
ضا وتصغره بعشرين سنه ،إل كانت جميلة هى أي ً
انه فى أحد اليام فاتح أمى فى أمر الزواج منى
وهى بدورها فاتحتنى فأخبرتها بحكايتى مع الشاب
جارى وكانت تعرفها وقلت لها اننى احبه كما
يحبنى وأننا تعاهدنا على الزواج متى تخرجنا من
الجامعة ،فوافقتنى على رأي وأخبرت العجوز بما
دار بيننا وارتباطى بذلك الشاب .فما كان منه إل
أن أضمر الشر فى نفسه وأقسم ان يعمل على
هلكنا انا وأمى وجارنا الشاب الذى أحبه ويحبنى ،
وبالفعل لم تمض إل بضعة أيام إل وأصاب أمى
داء عجز الطباء عن معالجته فعافت الطعام
59
والشراب حتى ذبل عودها وماتت رحمها الله
رحمة واسعة .
قال السطى حمامة :فلما بلغت الصبية فى
حكايتها ذكر أمها أخذت فى البكاء وصارت زوجتى
تواسيها وتطبطب عليها حتى هدأت وسكتت مدة
ساعة ثم استأنفت قائلة :وفى ليلة من ذات
الليالى ،وبينما كنت نائمة ودمعتى على خدى من
كثرة تفكيرى فى أبى وأمى وبيتنا الذى خرب وإذا
ما أطلق فأصاب صدرى ،وشعرت إن بى كأن سه ً
روحى راحت ،وهاج عقلى وجسدى فلم أعد
أعرف رأسى من قدمى مدة ساعة زمانية ثم هدأ
كل شئ وبعد ساعة أخرى حدث نفس الهيجان ،
بل زاد حتى أننى خرجت إلى الشارع هائمة على
وجهى ل أدرى إلى اين أذهب ولما أفقت من هذا
الهيجان وجدت نفسى هنا فى هذا البيت مع هذا
الرجل ،وكلما حاولت معرفة حالى معه هل هو
تزوجنى على سنة الله ورسوله ،أم انه يعيش
معى فى الحرام فأجده ينظر إلى وتنقلب عيناه
إلى جمرتين من نار فيهيج عقلى وجسدى مرة
أخرى ول أعرف رأسى من قدمى وهكذا .
60
أم محمود للصبية ان حكايتك عجيبة قالت الصبية:
ليست حكايتى بأعجب من حكاية العجوز مع
القرد .قالت :وكيف كان ذلك ؟ قالت الصبية :
بينما أنا جالسة ذات يوم فى البيت بمفردى أنعى
حظى و بختى وأتذكر كيف غدر الزمان بأبى
وامى وبى فأخذت دموعى تسح على خدودى
وتذكرت أبياًتا من العديد كانت أمى ترددها :
آه لو كانت قولة آه تبرى علتى وأطيب
لبات أقول أه يا ريح الحبايب طيب.
وأخذت أبكى ول أجد من يمسح دمعتى ،وبينما
أنا كذلك وإذا بالرجل الذى يزعم انه زوجى وقد
طا بسلسلة دا مربو ًى جاًرا خلفه قر ً
دخل عل ّ
وسحبه حتى جاء به أمامى وقال لى :جئت لك
ى وقال بسخرية : بهذا القرد ليسليك .ثم نظر إل ّ
انظرى إليه ؟ أليس جميل ً مثلك ،أنتما ل تصلحان
إل لبعضكما البعض .وأخذ يضحك وتركنا أنا
والقرد ومضى من أمامنا ،كنت خائفة من القرد
أول المر فابتعدت عنه ،لكنى حينما نظرت إليه
ى
وجدت وجهه وكأنه يبتسم لى ،ثم أشار إل ّ
بأصبعه وجعل يضرب على صدره بقبضة يده
وأخذت دموعه تبظ من حبابى عينيه وكأنه كان
يريد أن يقول لى شيًئا ،ولكن لم أفهم .ول بد
أنه فهم أننى ل أفهم إشارته ول لغته فقد
استسلم وجلس بالقرب منى ودفن رأسه بين
61
زراعيه ولم يعد يتحرك ،وفى صباح كل يوم كان
زوجى يجئ بالقرد أمامى ويظل يضربه بكرباج
مدة ساعة حتى يدمى جسده والقرد يصرخ
ويبكى حتى إذا ما تعب من ضربه تركه ومضى
،والقرد يلوذ بى فيرتمى فى حجرى ويضع رأسه
على صدرى وينام بعد أن يمشى من يضربه
ويسقيه العذاب كل يوم ،وها أنذا حكيت لك
حكايتى من طقطق للسلم عليكم .
قالت بديعة لبنتها فتحية :قال راوى هذه
الحكاية السطى حمامة النجار ،أبو محمود :ما
ان انتهت الصبية من حكايتها وأم محمود زوجتى
جالسة أمامها تسمع وتغمغم بكلم المواساة ،
وانا جالس فى الحجرة الخلفية أسمع فى غيظ ما
قالته وأنا أعرف الفولة ولبتها ،وأخذت أدور
كلمها فى عقلى وألخص حديثها فى نقاط سهل
ى فهمها ،فالساحر دخل على العائلة بالخراب عل ّ
فمات الب ،ثم بعد ذلك ماتت الم ،والبنت
تنتابها حالة هيجان فل تعرف ساعتها رأسها من
قدمها ،وهى ل تعرف كيف جاءت إلى هذا
المكان وهل هى زوجته أم إنه يعاشرها فى
ضا ،ولماذا
الحرام ،ثم ما حكاية القرد هذه أي ً
يتعمد ضربه أمامها كل يوم ،فما الحكمة من ذلك
؟.
أثارتنى كل تلك السئلة ،وكنت أريد معرفة
62
جواب كل سؤال ،وخطر لى أن كل تلك اللغاز
ما فعلها سوى ذلك الساحر العجوز ،وإنها لن
تحل إل بالحكمة وبعلوم القلم .وكنت أعرف
صاحًبا لى منذ أكثر من ثلثين سنة كان يشتغل
بعلوم السحر فكان أشر خلق الله فى زمنه ،ولم
يسلم أحد من أذيته ،ولكن الله تاب عليه فنذر
نفسه لعمل الخير ووجه كل علمه لمحاربة
السحر والفجار ،فقلت أذهب إليه وأعرض عليه
قضية المرأة ،فلما حكيت له حكايتهاقال لى :
هل بامكانك إحضارها هنا هى والقرد لنظرها
بنفسى ،فقلت أحاول ،واتفقنا على ان أحضرها
له هى والقرد فى ظرف هذا السبوع ،ولما كان
زوج الصبية ل يتركها إل بمقدار تخليص اشغاله
ويرجع يلزق لها فهى صبية صغيرة وجميلة ول
يأمن عليها من مكر الماكرين ،وانقطعت عن
زيارة زوجتى عدة ايام ،وبالمر المقدر فقد
سافر زوجها ذات يوم لقضاء أشغاله فى قرية
بمحافظة كفر الشيخ على ان يعود فى نفس
الليلة وبمجرد خروجه طلعت إلى زوجتى كعادتها
لتتسلى معها ،فدخلت على المرأتين وعلمت ان
زوجها على سفر فقلت انتهزها فرصة وأعرض
عليها المر ،فقالت لى أخاف ان يطب علينا
زوجى فى أية لحظة فأخذت أطمئنها حتى وافقت
،واتجهنا جميًعا إلى حيث صاحبى وكان يسكن
63
بالقرب منا ولم أنس أن آخذ القرد معنا ،وكان
عا وقد أدمى المفترى جسده المسكين ينتفض فز ً
من الضرب .
لما وصلنا ،دخلنا على الرجل وكان يدعى
الشيخ عبد السلم فسلمنا وجلسنا ،ثم انه أخذ
ينظر إلى الفتاة طويل ً ثم قال:اتروكونا وحدنا .
فخرجت انا وزوجتى وجلسنا ننتظر فى الخارج
مدة ساعة ،ثم رأينا الفتاة تخرج وبصحبتها القرد
وكانت تضع يدها فى يده والفرح والسرور جعل
وجهها مثل البدر المنور،فأقبلنا عليها نريد أن
نعرف ماذا حدث بينها وبين الشيخ عبد السلم
فتبسمت وقالت كل خير إن شاء الله ،فهذا
كا وشفائى قد تم على يديه .فهنأناها َ الشيخ مبار ً
أنا وزوجتى بالسلمة وانصرفنا جميًعا إلى البيت .
قال ابو محمود راوى هذه القصة العجيبة وما
فيها من حوادث وامور مدهشة غريبة :
شغلتنا الدنيا بحلوها ومرها ،وانشغلت بعملى
فى الورشة وقد نسيت قصة الصبية ولم اعد أرها
ما عن زيارتنا رغم أنا وزوجتى فقد انقطعت تما ً
أننا فى منزل واحد ،حتى عجوز النحس لم أعد
أره فكأنهما تركا المنزل وغادراه إلى حيث ل
يعلم أحد ،
وفى يوم من ذات اليام ،وبينما أنا أعمل فى
ورشتى بين عمالى ،إذ سمعنا صرخة عظيمة آتية
64
من ناحية بيتنا المواجه للورشة ثم عاد السكون
كما كان ،فاندفعت أنا وصبيانى إلى الناحية التى
جاءت منها الصرخة فتبينا أنها أتية من الدور
الرضى حيث تسكن الصبية وزوجها الساحر ،
حا وموارًبا فدخلنا ورأينا ماوكان باب شقتها مفتو ً
وقف له شعر رؤوسنا ،كانت المرأة مستلقية
على ظهرها ونصفها السفل عارًيا وقد باعدت ما
بين ساقيها ،وبينهما ،كان يقبع كائًنا صغيًرا
ومشعًرا يشبه القرد الواقف أمام السرير ينظر
إليها وقد وضع يده على بطنها ،وكان حبله
السرى ما زال عالقا بها ،وفى الجهة المقابلة
للسرير الذى تنام عليه المرأة كان الرجل العجوز
يفترش الرض وقد فارق الحياة .جاءت زوجتى
وأخرجتنا جميًعا ،ثم أخذت فى قطع الحبل
السرى لذلك الكائن العجيب وساعدتها على إتمام
ولدتها ،ثم قامت بعمل اللزم من تنظيفها وعمل
طعام للنفساء وخلفه .
وقمنا نحن بتغسيل الرجل الميت وتكفينه
ودفنه فى قرافة المام وأقمنا العزاء ،فلم يكن
له اقرباء ودعونا أن يتغمده الله برحمته الواسعة
فقد كانت سيرته وحشة وأعماله كلها تغضب
المولى عز وجل .
وظلت زوجتى تعاودها وتلبى جميع طلباتها
حتى أتمت أربعين ليلة ،وكان خبر المرأة يتردد
65
على كل لسان فى درب طياب ولم يكن للناس
دا وكيفسيرة سوى كيف أنجبت من زوجها قر ً
علم فطق مات ،وقيل بل انجبت قرًدا لنها كانت
تعاشر القرد الكبير الذى جلبه زوجها ،وكنت
ما أردد كلما سألنى أحد صحة خبر المرأة ان دائ ً
علم ذلك عند ربى ،وعند المرأة ،فهى الوحيدة
التى تعرف كل شئ ،وفى الليلة الواحدة
والربعين كانت زوجتى قد ذهبت إلى تلك المرأة
لتطمئن عليها ،فغابت عندها كثيًرا ،ولما طلعت
وقابلتنى كان وجهها متغيًرا ولونها مخطوف
وانفاسها مضطربة فبادرتها قائل ً :ما الذى حدث
حتى تغير وشك هكذا ؟ فقالت لى وهى تشيح
بيدها :أسكت يا بو محمود ،ربنا أمر بالستر.
قلت على ماذا ؟ قالت :ربنا عاوز كده ،لعنة
وصابت الجميع .ثم بعد أن أستردت أنفاسها
جلست تحكى لى ما سمعته من المرأة .
66
القرد الكبير لزًقا بجانبها طوال الوقت ،فكان
يجلس معها على السرير ويبتسم فى وشها
ويلعبها ويعمل مثل البنى آدم بالضبط ؟ وكان
يأخذ ولدها من بين ذراعيها وهى تأمن عليه منه -
أمر عجيب -ويظل يحادثه بلغة لم أكن أفهم منها
شيًئا فلبد وان تكون لغة قرود ،المهم ،ظللت
مواظبة على هذا المر حتى اتمت المرأة أربعين
ليلة كنت أرى خللها الطفل القرد يكبر ولونه
ما القرد يتغير حتى أصبحت ملمحه تشبه تما ً
الكبير وكأنها فوله وانقسمت نصفين فتعجبت ،
وزاد عجبى حين كنت أشوفها هى والقرد الكبير
يعاملن بعضهما معاملة غريبة من ذلك مثل ً أننى
كنت أجده بجانبها دائما على السرير ،ورأيتها
تعطيه وجهها فيقوم بلحسه وهى كانت بتبوسه
وتلعب بأصابعها فى شعره وهكذا ،فلما كانت
ماالليلة الواحدة والربعين تعافت المرأة تما ً
وأصبحت تستطيع الستغناء عنى ،قلت لها حمد
مام وانترى لله على سلمتك قومى خديلك ح ّ
المرض عن بدنك وها انا قاعدة جنب المولود
حتى تفرغى من اشغالك ،فلم تكذب خبًرا
ما وارتدت جلبابا اسود مقصب وقامت أخذت حما ً
كا على جسدها فكانت زى الفل وجاءت محبو ً
جلست بجانبى وراق بالها وأخذت ولدها فى
حضنها ثم جعلت تنظر إليه وساحت دموعها على
67
وجهها وتمتمت تقول :حكمتك يارب .وأنا كدت
أموت شوًقا لمعرفة حكايتها فانتهزتها فرصة
وقلت لها :أحلفك بضناك لتحكى لى على سرك
وهو فى بير ما لوش قرار .فنظرت إلى فى
صمت مدة ّ ثم قالت :وما الذى تريدين معرفته ؟
دا
قلت :حكايتك ،وهذا الطفل كيف جاء هكذا قر ً
يشبه القرد الكبير؟
فنظرت إلى فى حسره ،وقالت بعد أن تنهدت
وبظت دموعها :أعلمى ان حكايتى عجيبة ،وهى
لو كتبت بالبر على آماق البصر ،لصارت عبرة
لمن اعتبر كما كانت تقول زوزو نبيل فى
الراديو ،وما سوف أحكيه لك ل يصدقه عاقل
لكنها الحقيقة التى لو سمعتها انا ما صدقتها ،
وهناك شهود على ذلك ،هلى تذكرين الشيخ
الذى ذهبنا أليه أنا وانت وزوجك أبو محمود .قلت
نعم ،الشيخ عبد السلم .قالت وهل تذكرين انه
عندما رأنى أنا والقرد أمركما بالخروج .قلت نعم
.قالت :لما طلب منكم الشيخ عبد السلم
الخروج ،بقيت انا والقرد والشيخ وحدنا فقال لى
اقتربى يا بنتى منى فاقتربت فوضع يده على
رأسى وأخذ يتمتم بكلمات ،وإذا بشئ ينزل من
سقف الحجرة ويقع على الرض وهو يتلوى فلما
حققت النظر فيه رأيته قرموط سمك ،تناوله
الشيخ بيده وأخرج سكينا فصل بها رأس
68
القرموط فهمدت حركته ،وأرانى كتابه كانت
على جلد القرموط ،قال :عمل لك زوجك عمل ً
بالهياج على جلد هذا القرموط وأطلقه فى
الماء ،وكلما تحرك القرموط جاءك الهيجان ،
والن قد بطل عمله ورجعت كما كنت .ثم قال :
أما هذا القرد فحاله حال ولبد انك تعرفينه حق
المعرفة ،ثم انه أحضر طاسة ملنه بالماء وقرأ
عليها ثم رماها فى وجه القرد وهو يقول :إذا
كنت انسيا فارجع إلى صورتك التى خلقك الله
عليها وإذا بالقرد ينتفض شاًبا جميل ً ،وكان هو
الشاب جارى الذى احببته وأحبنى فعانقنى
وعانقته فى شوق ولهفة وهنأته على السلمة
وجلسنا نتحادث مدة ساعة ،ثم اننى انتحيت
بالشيخ ركنا وقلت له :ها أنت ذا ترى كيف فعل
زوجى الشرير بسحره فسحرنى وسحر من
أحب ،وكما انه قتل ابى وأمى فلبد انه قاتلى
فى يوم ما ،وأنا أريد أن أعمل عمل ً يخلصنا من
شره فهل توافق يا سيدنا .قال الشيخ مرينى يا
دا بما رأيت وسمعت بنتى فقلت ل تخبر أح ً
ولتجعل هذا سًرا بيننا ،كما اننى أريد منك أن
ترجع هذا الشاب إلى صورة القرد مرة أخرى
حتى ل يعرف زوجى أننا كشفنا سره ،وأريد منك
ضا أن تعلمنى كلمات إذا قلتها عاد الشاب إلى أي ً
صورته الولى كما فعلت أنت ،ففعل الشيخ كما
69
أمرت وخرجنا أنا والقرد كما رأيتمونا وذهبنا إلى
بيتنا ،وأنا أقسمت ان أفضح عجوز السوء هذا
فضيحة بجلجل ،فكنت فى كل يوم وحين يخرج
دا ،
أقوم انا وأستوثق من خروجه وأغلق الباب جي ً
ثم أحضر طاسه ملنه بالماء واتلو عليها الكلمات
التى علمها لى الشيخ عبد السلم ثم أرميها على
القرد فيعود إلى صورته الصلية ونظل فى
مهارشة ومداعبة وبوس وعناق حتى نشبع من
بعضنا ونقضى غرضنا وقبل ان يأتى زوجى أكون
قد رددت الشاب إلى حالة القرد ،وقد بقينا على
هذه الحالة مدة من الزمن وطابت لنا الحياة إلى
ما من أحد اليام كنت نائمة ،وزوجى ان كان يو ً
فى الخارج لبعض الشغال ،وصاحبى الذى على
صورة قرد جلس بجانبى على السرير وأخذ يتأمل
جسدى وأنا نائمة شبه عارية فاشتدت عليه غلمته
فلم ينتظر حتى أصحو وأرده بشًرا سويا ،بل قام
ى فلما أحسست به لم أدر على حيله وأولجه ف ّ
أأنا فى يقظة أم فى منام وصار يرهز حتى أفرغنا
بلذة عجيبة ،وبالمر المقدر فقد انطبعت صورته
على ما هو عليه فى رحمى وعلقت منه فى تلك
اللحظة ،ومرت تسعة شهور من تلك الليلة حتى
جاءنى الطلق كما يشاء خالق الخلق فولدت
هذا القرد الذى يشبه أباه تمام الشبه وقديما
قالوا من شابه أباه فما ظلم ،وحين دخل على
70
زوجى ووجد الطفل القرد بين ساقى ووجد أباه
بجانبى على السرير عرف ان حيلته انكشفت
وانه افتضح فلم يتحمل وطق مات ،وهذه هى
حكايتى دون زيادة أو نقصان .
قالت بديعة لفتحية :حكيت لك هذه الحكاية
لتعرفى ان كيد النسا غلب كيد الرجال ،ورمضان
الن بين يديك فافعلى به ما شئت ،وعقلك فى
راسك تعرفى خلصك .
فتحية فكرت فيما قالته أمها وقالت كنت احتاج
أتر رمضان ،رمضان جاء كله واصبح فى يدى
أفعل به ما أشاء ،فتحية أخذت شنطة ملتها من
هدومها وخرجت من بيتها إلى المستشفى
وأقامت هناك فى حجرة الممرضات ،وبدأت
تأخذ نوباتشيات زميلتها وجعلت عينها على
رمضان أربعة وعشرين ساعة ل تغفل ول تنام
وكانت تتسحب فى الليل وتمشى بشويش لحد ما
توصل لسرير رمضان وتقترب منه وهو نائم
وتشم رائحة جسده الملفوف فى البيجامة
وحين تغفل عينها غصًبا عنها وهى جالسة على
الكرسى قرب سريره ،فرائحته تمل منامها فتكاد
تسورق على نفسها من حب رمضان وحب
رائحته وعند الصباح الباكر فتحية زغدت رمضان
فى جنبه بالراحة ففتح عيناه نصف فتحه فقالت
له وابتسامتها تبلع وجهها صباح الفل قم بسرعة
71
خذلك حمام والجو رايق قبل ميعاد الزيارة ،
وفتحت الكومودينو الذى على يمينه وأخرجت
غياراته الداخليه فانكسف وضحكت وناولتها له ثم
أعطته بيجامه نظيفة وأسندته حتى باب الحمام
وقالت له اوعى نقطة ميه تيجى على الجرح .
فا أن يلط استحم رمضان براحته ،وكان خائ ً
الجرح ،وبعد انتهائه ارتدى هدومه الداخليه ثم
جاكت البيجامة والبنطلون وهو ل يدرى انه ارتدى
حجابان واحد للمحبة والتانى للكره والفرقة
سهرت عليهما فتحية طوال الليل وأخذت بنطلون
بيجامته فكت التكة وبرمت الورقتان وادخلتهما
داخل الكمر وخاطت عليها مرة أخرى .وحين
خرج من الحمام ووقعت عينه عليها نظر إليها
بعين محب وأحب سماع صوتها وهى تتكلم ورؤية
جسدها يترجرج أمامه فى غدوها ورواحها ،ولما
حان موعد الزيارة جاءت خطيبته أحس بنفرة فى
قلبه وتساءل بينه وبين نفسه هل عميت عيناه
حتى يقع على جدور رقبته هكذا ،وحمد الله أن
زائدته الدودية أنقذته فى الوقت المناسب ،
وفتحية ،آه يا فتحية شعشع حبها داخله فمل كل
كيانه ،وكم يتمنى الن أل يشفى من جرحه حتى
يظل بجانبها فى المستشفى الذى لم تعد تغادره
لتكون بقربه ،وتشم رائحته ،رائحة رمضان .
*** 4
72
حرب السحرة
***
عشت تلك اليام العصيبة من عام الف
وتسعمائة وثلثة وسبعين ،كانت بدايتها ،بالتحديد
فى شهر يناير ،وبالتحديد أكثر ،فى الثالث عشر
منه حين أعلنت الحرب الكبرى بين نجية وأم
وجدى من ناحية وبديعة وفتحية ومن بعد حليفتهما
أم جمال -أمى -فكيف دخلت امى تلك الحرب ؟
وهل كان ذلك بارادتها وحدها ؟ أم ذج بها فى
حرب ل ناقة لها فيها ول جمل ؟ هذا ما
ستعرفونه إذا ما تبعتمونى فى الصفحات التالية -
فكونوا معى -
ما معافى خرج رمضان من المستشفى سلي ً
وفى يده فتحية التى اقسم ال يخرج إل وهى فى
يده وعلى مشهد من الجميع ،وبعد عدة أيام كتب
كتابه عليها دون شوشرة ،فقد كان يعرف ان
خطيبته السابقة لن تسكت ول هى ول أهلها وهو
ما حدث بالفعل حين أعلنت جدتها نجية أن هناك
ملعوًبا وراء ما حدث وأن البنت معمول لها عمل
أكيد وفى صباح يوم جمعة أكتشفت أم وجدى
طا فى خرم فى الجدار ولما فتحته حجاًبا محطو ً
وجدته مكتوًبا بالسريالية وبالمداد الحمر ،
وبالحدس وحده عرفت انه عمل بالكره لبنتها
منال ،وباستعراض للموقف تم حصر قائمة
73
المشبوه فيهن فى اثنتين ل ثالث لهن ،بديعة ،
وأم جمال -أمى -ولما كانت بديعة ل يعرفونها إل
من بعيد لبعيد ،ولم تكن هناك خصومة بينهن من
قبل فقد تم استبعادها لتتركز شكوكهن فى أم
جمال ،فما علقة أمى بالمر ؟ أمى التى جاءت
من كوم الضبع بالليل سكنت فى حارة على ابو
حمد ببولق الدكرور التى كانت وقتها عدة بيوت
متناثرة والباقى غيطان قمح وذرة ،كانت ابنة
ستة عشر بينما أبى تعدى الربعين وانجب ثمانية
من عمة أمى قبل أن تموت وتتركهم أطفال ً
يحتاجون من يربيهم ،وفى زمن الجهل والفقر ،
فإن العادة والعرف والتقاليد ،تأخذ صفة القانون
الملزم لكل الطراف ،وهم أى الهل ،لم يجدوا
أفضل من أمى كى تربى أبناء عمتها الثمانية
والذين كان بعضهم فى مثل سنها تقريًبا ،انظر
على سبيل المثال ل الحصر :نجدى والذى كان
قا وسوف يتوفى أكبر البناء سنا ً وكان أحسنهم خل ً
فى عز شبابه فى العام السابع والستين تار ً
كا ابًنا
ضا توحيدة ،كذلك نصحى يتكون فى بطن أمه .أي ً
،الخرون كانوا أطفال ً ،المهم ،أنجبت أمى
أربعة هم على التوالى :أختى الكبرى نجيبة ،ثم
انا جمال الملقب بخيرى عبد الجواد ،وبعدى أخى
سيف السلم ،ثم أختى الصغرى نجوى ،كان
أبى يسمينا الترقيدة التانية ،وكانت نجيبة متفوقة
74
فى المدرسة إلى درجة أزعجت عمى وأولد
عمى ،وجاءت الضربة القاضية حين نجحت نجيبة
فى الثانوية العامة ،لحظتها لم تتمالك أمى
نفسها فحزمت وسطها ووقفت ترقص وتغنى
على المل :من الثانوية للكلية ،والمجموع قّرب
على المية ،اغنية كانت تغنيها ليلى نظمى وقتها ،
لم تكتف أمى بذلك ،بل تمادت حتى أنها أشترت
ساعة"جوفيال" يابانى أصلى وأعطتها هدية
لبنتها نجيبة ولم تنجح الوساطة بين أبناء العائلة
الواحدة فى جعل نار الغيرة تخمد ،بل زادتها
اشتعال ً حتى اندلعت الحرب الخفية بين النسوان
ذات يوم ،فقد استعان الفريقان بكل من لديه
خبرة بفنون السحر سواء فى بولق الدكرور أو
فى كوم الضبع ،وكان من نتائج تلك الحرب ان
انتهت بكارثة نكسة الخامس من يونية ووفاة أخى
الكبر ،وان يعيش وجدى ابن عمى عاجًزا إلى
البد بعد أن طارت رجله بفعل أحد السحرة
الشرار وليس بفعل "الترام" كما قيل وقتها .
وحين أعلنت الحرب للمرة الثانية ،كان كل
من الفريقين لديه أسبابه التاريخية لشن حرب
وبينما الفريقان وقد استعاًنا بكل شياطين الجان
يتطاحنان ،تزوجت فتحية ورمضان فى هدوء دون
اللتفات لحرب ل تعنيهما فى شئ .وعندما
اندلعت حرب السادس من اكتوبر كانت فتحية
75
حامل ً فى شهرين ،والفريقان أصابهما العياء من
حرب ل طائل من وراءها استنزفت كل مواردهما
،لذا فقد اتخذا قراًرا بأعلن الهدنة وتوجيه كل
شياطينهما إلى المجهود الحربى .
*** 5
أولد صدّيقة
***
صدّيقة انجبت أربعة صبيان وبنت واحدة ،
متوابنها البكر نصر طلع فرع وعضلته قس ّ
جسمه وكان يحب المصاريف ولم ينفع فى
مدارس فعاش حياة صياعة مع أولد الحوارى
وبدأ يشرب البانجو سواء فى سجائر أو فى
حجرالجوزه ،ولما لم يجد ما يشرب به ويشبرق
على أصحابه اندار على امه صدّيقة وأخذ يسرق
من وراءها مصروف البيت حتى صرفه كله ثم بدأ
يسرق من أبيه فعرف وبدأ يراقبه حتى أمسكه
ذات يوم ومحفظته فى يده ،ضربه بالقلم على
وجهه وطرده من بيته فأقام عند خالته بديعة
وابنة خالته فتحية وزوجها رمضان الذى تحمله
عشرة أيام فاتح بعدها حماته فى اليوم الحادى
عشر :الولد كبير مثل الفلق نايم طول النهار ول
شغله ول مشغله وبنتك مش عارفة تتحرك
براحتها فى بيتها ،ودا راجل برضة ويجوزلها ،
يعنى كدا عيب .بديعة ردت على رمضان بعد ان
76
صعبت عليها نفسها وقالت اول دا مش غريب يا
رمضان يا بنى ،ابن اختى هو ابنى ،يعنى عاوزنى
اطرد لحمى .وبينها وبينه قالت له يا بنى ما
يرضيش ربنا قاعدتك كدا ل شغلة ول مشغلة أنا
اشيلك فوق راسى بس قوم اجرى على أكل
عيشك وربنا يفتحها فى وشك يا نصر يا بن
صدّيقة .
نصر لم يتعلم أى صنعه تنفعه وانسدت الدنيا
فى وشه فبدأ يتاجر فى البانجو على الضيق أول
المر ،عمل لحساب زعبول تاجر الحشيش
الشهير فى بولق الدكرور والذى قبض عليه
وحكم عليه بالمؤبد قضى نصفهم فى السجن
وخرج فى عفو اكتوبر فوجد الحشيش تجارته
دا بسهولة وإذا وجد راحت عليها ولم يعد موجو ً
دا وكان البديل أمامه هو البانجو فسعره ارتفع ج ً
فكان يأخذ العيال الصغيرة يسرحهم لحسابه ومن
بينهم نصر ابن صدّيقة الذى ضرب عصفورين
بحجر واحد :يبيع ويكسب ،ويعمر مزاجه بشرب
البانجو ،ولم تسأل صدّيقة ول زوجها محمد من
أين يأتى نصر بالفلوس ،كان همها أن يرجع إلى
البيت طالما الجنيه جرى فى يده ،ورجع نصر
إلى بيته فى حارة على ابو حمد واصبح رجل ً يقول
الكلمة بكلمتها والجميع يتمنون رضاه .
ما ،خرج من منصور اخو نصر طلع عكسه تما ً
77
سنة رابعة وهو ل يعرف القراءة والكتابة وكان
يختفى باليوم واليومين ول يعرف عنه احد شيئاً
ثم يظهر فجأة فى البيت كأنه ما غاب عنه وإذا
سأله أبوه أو أمه أين كان ،يشوح بيده ويسب
لهما الدين ويترك البيت مرة أخرى .وحده كان
دا فيلتم على أولد الشوارعيعرف طريقه جي ً
المجاورة ،أصحابه الصيع ،من سنه تقريًبا
ويذهبون يتسولون بهدومهم المهربدة فى حتت
بعيدة ل يعرفهم فيها أحد وإذا لم يجدوا من
يشحتوا منه كانوا يلبدون فى أنصاص الليالى
ويسرقون أى شئ يجدونه أمامهم :تسجيل عربة
،فردة كاوتش ،شوال فول حراتى أو مانجة
يبيعونها ويشترون الكلة والبنزين ليقوموا بشمها ،
وأخر مرة سرق فيها أمسكته داورية شرطة
سا وفى يده تسجيل عربة بعد متصف الليل متلب ً
بساعة وحولته على شرطة الحداث وطلع بعد
ثلثة شهور وعلم ابوه فضربه علقة موت وقال
لصدّيقة زوجته عاجبك كده ،أدى تربيتك ونظرت
إليه صدّيقة من تحت لتحت وضربت كفوف
اليادى بعضها فى بعض وطوحتها فى وشه وقالت
اسم الله على تربيتك يا خويا ،وان كنتوا نسيتوا
اللى جرى هاتوا الدفاتر تنقرا .سكت
محمدعبدون وهو يعلم انه لن يسلم من لسانها ،
كما انها ما سكة عليه زلة من أيام الشريط
78
المسجل عليه صوته فى حضن صفاء ،لذا فقد
أخذها من قصيرها وطلع على قهوة فى شارع
همفرس وطلب واحد شاى سكر زيادة وحجر
معسل وضيق بين عينيه وعقد جبهته وفكر فى
حاله وحسبها بالورقة والقلم :عنده ستين سنه
إل شهرين وعلى وشك المعاش لكن صحته بمب
ومن يره ل يعطيه أكثر من أربعين سنة ،وليس
فى شعره السود كله شعرة واحدة بيضاء ،
وصدّيقة عجزت قبل منه ووشها كرمش وفضحته
فى كل حتة ،أكثر من واحد قال له مراتك بتسرق
من الخضارية فى شارع السوق ،داء وتحكم فيها
هى وبنتها ،ونصر ابنه البكر تاجر بانجو والواد
منصور احترف الصياعة ويشم كله وبنزين
وحرامى ،الولدين الباقيين مازالوا صغارا ،
يعنى هيطلعوا ايه ،هأو.
وفكر فى صفاء ،عمرى ما هاشوف زى أيامك
يا صفاء ،لو كان حفنى طلقها كنت اتجوزتها
وطلقت العكرة صدّيقة ، ،وحفنى عجز وشكله
بقى زى اللى عنده ميت سنه .ياه ،الزمن ما
سبش حد فى حاله ،ال صفاء ،السنين تزيدها
جمال.
محمد شرب ست حجارة معسل وطلب قهوة
على الريحة وهفت عليه سيرة الموات فأخذ
يترحم على نور وحماتة أم حفنى وعلى ابيه وامه
79
ودمعت عيناه فمسحها بكم قميصه وقال اللهم
اجعله خيًرا ،أنا هاموت ول ايه ،وأحس فى تلك
اللحظة بأنه أكثر شفافية من أى وقت مضى
فأحب كل الناس ،حتى الذين أساءوا إليه فى
يوم ما ،وصعبت عليه نفسه لنه ما عرف يربى ،
وفكر انه حين يخرج على المعاش سيأخذ قرشين
كويسين ممكن يفتح بهم محلت ويتاجر هو
وأولده فى أى شئ ،المهم يلمهم من حياة
فا ودفع الصياعة والضياع .عند هذا الحد هب واق ً
ساالحساب واتجه إلى البيت ،كان حفنى جال ً
على الباب واضًعا رجل ً على أخرى ويدخن
سيجارة ,وصفاء كانت جالسة تحت أقدام
الكرسى الجالس عليه حفنى ,وحفنى بنظارته
الطبية وشعر رأسه البيض ظهر كأن عنده مائة
سنة ،وصفاء بدا جسمها المدملك الملفوف فى
جلبابها السود المحبك يشع بياضا وسحرا فكأنها
أبنته .واحس محمد عبدون باللم يعتصر قلبه
عليه وعليها ،وتأسف انه أغضب حفنى ذات يوم
وخانه مع امرأته ،وغمغم لنفسه :أنا مالى
النهاردة ،باينى هاموت .ودخلت صفاء وأحضرت
له كرسًيا فجلس جنب حفنى الذى عزم عليه
بسيجارة فأخذها وولعها ،وطلب حفنى من صفاء
عمل شاى له ومحمد ،وفى تلك اللحظة سمع
الجميع صوت هيصة آتيه من بعيد ،أصوات صوات
80
وزعيق أخذت تقترب شيًئا فشيًئا حتى أصبحت
على ناصية حارة على أبو حمد ،وكان الجميع
يتبين ما يحدث الن أمام أعينهم ،زفة
جامدة،رجال ونساء وأطفال تتقدمهم واحدة تبينوا
أنها صدّيقة التى كانت تتلفت خلفها وتشوح بيدها
تبعد الناس عنها ،لكن الناس كانوا يمشون
وراءها وهم يهتفون ويشيرون إليها :الحرامية
أهى .
***
القسم الثالث
1
81
،محمد عبدون مات قبل ان يطلع على المعاش
بشهر واحد وتحقق لصديقة حلم حياتها فى ان
تصبح ارملة – تصدقوا – كانت فعل تحلم بحياة ما
بعد محمد عبدون ،من اين اتاها هذا اليقين ؟ هى
ل تدرى فقد كان من الممكن ان تموت قبله لكن
هذا ما لم يتحقق وجاءت اللحظة التى تعيش فيها
حياتها كأرملة متحققة .قبل موته تخيلت اللحظة
وعاشت احاسيس ارملة توفى زوجها فجأة وترك
لها اولده ,تخيلت انها سوف تحس بالحزن وفى
جنازته تشيل النيلةوتشلشل بمنديل اسود ويمكن
تشق جلبيتها ايضا ,وربما يبح صوتها من العويل
والصوات ,والغريب انها استعدت لهذه اللحظة
بأكثر مما كانت تظن ،فقد تعلمت العديد على
ايدى امرأة محترفة كانت تؤجر فى مثل هذه
المناسبات ،وكان كل تركيزها على عديد من
82
مات زوجها وترك لها اطفال ،مع التركيز ان
تستقبل لحظة موته بطريقتين ،الطريقة الولى :
اذا كانت نائمة ويجىء من يخبرها بنبأ موته ،فانها
سوف تهب فزعةمن نومها وتكون فى حالة
زهول حين تسمع الخبر ،لكنها ما كانت تعرف
كيف تنهى هذه الحالة ،لذا فقد كانت الطريقة
الثانية هى القرب للحظة الستعراض الكبرى :
اذا مات خارج المنزل وجاء محمول على اليدى
فسوف تستقبل الخبر مبلمة ل تنطق ،وتبدو
ملمح وجهها جامدة بينما عيناها محملقتان فى
الجثة الممددة امامها والناس يلتفون حولها وكأن
المر ل يعنيها بتاتا ،وسوف ينتبه من حولها
لحالتها ويرجعونها لتأثير الصدمة فيحثونها على
البكاء خوفا عليها من هذا الصمت المميت ،وربما
ضربها احدهم بكف يده على صدغها كى يساعدها
على البكاء 0وهذه الحالة ايضا ل تعرف كيف
تنهيها ال بتعديل بسيط وهو انها حين تهم بايقاظه
فى الصباح تجده ميتا ،عندئذ تجأر بالصوت
العالى فيلتم الهل والجيران وتظل هى تلطم
الخدين حتى تقع مسورقة على نفسها ،وهو ما
حدث بالفعل .كان قبل موته بيوم يجلس على
مقهى فى شارع همفرس ،ثم رأته جالسا مع
اخيهاحفنى ومراته العاهرة أم عين باكسة
يشربون الشاى حين كانت راجعة من شارع
83
همفرس والعيال ملمومين حواليها يجرسونها ،هو
الذى طردهم وطيب خاطرها وطلع وراءها ،كان
وجهه مزرد ولونه مخطوف .جلس على الكنبة
واخذها من يدها اجلسها بجانبه ،لم يتكلم معها
فى الفضيحة امام الخلق وجرسة العيال لها ،ل ،
ولم يقل لها أى شيىء ،فقط نظر اليها وعيناه
مندتان بالدموع .تطلعت اليه وتساءلت :فيه ايه
ياراجل ،مالك ؟ هز كتفيه ،مش عارف ،النهارده
أنا مش عارف مالى ،زى اللى بيودع من الدنيا ،
ثم تهدج صوته :فريده ،عاوزك تسامحينى على
أى حاجة غلط عملتها معاكى .همت بالوقوف
فأمسك زراعها يشدها ناحيته ،وتصورته يغازلها
فنترت يدها وقالت بدلل :فيه ايه ياراجل ،انت
جرالك ايه النهارده ،العيال بره صاحيين .تركته
ودخلت المطبخ جهزت له العشاء ،تعشى وحده
وطلع على السرير ومدد بدنه واتكأ بكوعه على
المخده ،انتظر عياله ان يأتوا من الخارج ،لكنه
نام حتى ظهر اليوم التالى على غير عادته ،
وظنت هى أنه اخذ اجازة من شغله ،واقتربت منه
تنغزه فى جنبه ليصحو ،ولم تكن ادركت بعد أنه
خانها للمرة الثانية ومات .
84
2
85
يريحها ،لكنه أبدا ما سمح لنفسه ان يفض بكارتها
وكانت له اسبابه الوجيهة ،اننا سوف نتزوج –
كان يقول – فلنترك شيئا لليلة الدخلة ،شيئا
جديدا نتشوق لن نفعله ويكون تذكارا لتلك
الليلة .كانت تعرف انه يلعب بزيله برا البيت
وجواه ،وحين ضبطته مع زوجة أخيها ،كانت
على يقين من أنها لم تكن المرة الولى ،كان
عزاءها الن أنه لن يفعل هذا الشىء بعد ذلك
أبدا ،فالموات ل يخونون .أربكها هذا الحشد من
المشيعين ،كل زملئه أتوا ،زملء العمل ،
وزملءالمقهى الذى كان يجلس عليه ،ومن الحتة
والحارة ،كذلك أقرباء له لم ترهم من قبل ،
ناس جاءت تسد عين الشمس ،حزانى على موته
،وسبحان الله ،كانت خرجته سهلة ميسرة،
تصريح الدفن جاء فى التاسعة صباحا ،أول ما
فتحت الوحدة الصحية فى شارع السوق ،من
جاء به؟ هى ل تدرى ،أصل حبايبه كانوا أكثر من
ان الواحد يعدهم ،كان الكل يجرى ويتسابق فى
تجهيز الميت ،التصريح طلع ،والكفن الشرعى
جاء ،المغسل أحضرمعه النعش وخشبة الغسل
والحنوط ،الكراسى رصت فى الشارع وأمام
البيت ،كانت تجلس مع النسوان فى الداخل حين
سمعت من يسأل عنها فخرجت ،تقدم منها رجل
لم تره من قبل ،دس فى يدها مظروفا وقال
86
لها شدى حيلك ،دى خرجة المرحوم ،الشغل
صرفها له وكمان فيه اتوبيس للى عاوز يمشى
ورا المرحوم .طلع المرحوم محمول على أعناق
الرجال من بيته ،وصار النعش ومن خلفه الرجال
ثم النساءفى صمت مهيب بعد أن نهيت النساء
عن الصوات أو العديد ،ولم يعد يسمع سوى
صوت :وحدوه بين لحظة واخرى ،وتحدد مسار
الجنازة تلقائيا بالمرور على أقرب مسجد فى
الطريق فخرجوا من الحارة الى شارع الفرن
مرورا بشارع همفرس ،صلوا عليه صلة الجنازة
بعد أداء صلة الظهر وخرج الجميع فى طريقهم
الى قرافة المام حيث مدافن العائلة .
3
87
وكبر فجأة ووقف فى أول الصف يأخذ العزاء،
وكل ربع ساعة يترك مكانه ويدخل الصيوان يلف
على الناس رافعا يده بالتحية ومناديا فى صوت
تعمد ان يكون قويا غليظا :شكر الله سعيكم،
وعازما عليهم بكل أنواع السجائر المستورد
والمحلى ،ولول كسوفه لعزم عليهم ايضا بالبانجو
،وفى آخر الليل ،وبينما عمال الفراشة يلمون
حاجاتهم ،جلس هو وأصحابه على جنب يدخنون
البانجو فى السجائر بأطمئنان .
كانت الحجرة الضيقة مكتظة بالنساء يجلسن
متشحات بلون الحزن حول صديقة ،ولم يكن
بينهن سوى رجل واحد ،حفنى ،وقد التصقت به
زوجته صفاء ،وانزوت بديعة فى ركن الحجرة
هى وابنتهافتحية ،بينما كانت محاسن تحملق فى
الجميع ،الرض مازالت مبلولة والجدران
بطرطشات ماء الغسل ،ورائحة حنوط المتوفى
لم تغادر المكان بعد ،نظرت محاسن الى صفاء
التى بدا على وجهها الحزن وتساءلت :فيم تفكر
الن ياترى؟ وتبسمت وهمست :تلقى القحبة
تفكر فيما كان يفعله معها الله يجحمه مطرح
ماراح .ثم نظرت الى اخيها الذى بدا حزينا ايضا
وسألت نفسها :هل كان حفنى يتمنى موت محمد
عبدون بعد ان داس على عرضه ومرمغ اسمه
فى الوحل ؟
88
فى الصباح الباكر ،صحا جميع من فى البيت ،
وأخذت صديقة تعطى تعليمات للجميع بخصوص
عزاء النسوان فى الشارع فيجب أن يتم كنسه
ورشه ،ثم يأتى بعد ذلك فرش الملءات والكلمة
والحصر ،ووضع كنبة ملصقة لحائط البيت
لتجلس عليها المقرئة الشيخة رشيدة التى يجب
أن يذهب أحدهم لحضارها من بيتها لنها كفيفة،
والى محل الفراشة يذهب نصر لحضار ماكينة
الصوت والميكروفون ،وفورفرش الملءات بدأت
النساء فى الحضور وحدانا وجماعات وهن يرتدين
السواد ويعلن عن حضورهن بأطلق أصواتهن فور
دخولهن من الحارة ،وتولت الرد عليهن محاسن
بأطلق اصوات مماثلة ،وحين اطمأنت صفاء أن
عدد النساء يكفى لبدء الحتفال ،أخذها الوجد
فأخذت تولول وتغنى عديدا حزينا بين دهشة
سركجميع من كانوا يعرفون حكايتها :سّرى و ّ
ياخويا فى طبق صينى … ..والطبق انكسر ياأعز
سرك ياخويا فى طبق فخار سرى و ّ
من عينى ّ .
… ..والطبق انكسر واتفرقت لسرار .كان
العويل والصوات يعلوان بين مقطع وآخر مما
شجع صفاء على الستمرار :باب اللحود مش
89
زى باب البيت ..كتفك عريض وازاى خشيت .
هم يضحك وهم يبكى .قالت صديقة لنفسها وهى
توشك على الضحك وتحوش نفسها بالعافية
وهمست لنفسها :يامرة يالبوة المفروض تقولى
رحت القرافة ياختى لقيت حجر مبروم ،فكر عليا
ياختى بتاع المرحوم .وانفلتت ضحكة أحست ان
الجميع سمعها فتلفتت حولها لكن أحدا لم يأخذ
باله .
4
90
نقله ؟ هزت بديعة رأسها فأكملت فتحية طب
وننقله فين ؟ ماسألتهوش يامة ،يابنتى نور أبوكى
ها يتحكم فينا فى حياته ومماته ،يعنى الموات
مش سايبينا فى حالنا ،وبينها وبين نفسها
غمغمت :رحمة ونور ،باينك فى الجنة ونعيمها،
ول على بالك غلب الدنيا وقرفها ،محمد عبدون
جالك ،شفته ؟ طب وهاتشوفه فين ،انت فى
وا فى النار وبئس القرار بعد الجنة ونعيمها ،وه ّ
ّ
عاملته السودا مع صفاء المنيوكة اللى خلت
رقابينا زى السمسمة فى الحتة .ثم انها خطر لها
خاطر فجرت الى الدولب فتحته واخرجت علبة
من الخشب المطعم بالصدف مقفولة بقفل
صغير فتحته وأخرجت منها قطعة قماش مطوية
ومعطرة ومربوطة بشريط أسود وقد حال لونها ،
لم تكن سوى لباس نور الذى سرقته من بيته لما
أرادت أن تسحر له ،فردته أمامها ومالت برأسها
عليه وأخذت تتشممه ،وتذكرت اليام الخوالى ،
وحنت الى التراب الذى كان يمشى عليه نور
ورائحة جسمه ،وشمخته حين كان يهل عليها
.ولنها كانت تعرف كيف تستدعيه ،حتى ولو
كان ميتا ،فقد استحمت وتوضأت وفرشت قطعته
الخيرة تحتها ونامت وهى على يقين من أنه
سوف يحضر لتعرف منه بالضبط الحكاية .
91
5
92
أن نور يأتى يوميا لبديعة فى نومها ليخبرها أنه
يريد أن يصبح وليا ،وبديعة انهوست بمنامات نور
فبدأت تقص رؤاها على كل عابر سبيل ،تقول
بديعة أنه يزورها فى المنام كل يوم ،فى
البداية ،كانت هناك مواعيد محددة لهذه الزيارات
،على سبيل المثال ،فى اليوم الذى يزورها فيه
يقول لها أنه سوف يأتى غدا فى الساعة
الفلنية ،فكانت هى تعمل حسابها وتتهيأ للنوم
استعدادا للزيارة ،أما فيما بعد ،وقد تكررت
زياراته ،أصبح يأتى فى أى وقت وعلى غير ميعاد
،زيارات مباغتة لتنتظر ان كانت نائمة أم
مستيقظة .فتحية ابنتها الوحيدة من ريحة
المرحوم ،كانت تقول لكل من تقابله أن أمها
وت ،مسكينة ،نور أبى كان يأخذ عقلها ف ّ
بحسها ،أما بعد رحيله ،وزواجى ،أصبحت
وحيدة ،تغلق بابها على نفسها طوال الوقت
وتحدث نفسها بصوت عالى .كانت تدير حوارا
طوال الوقت مع نور ،واحيانا كانت تغضب
وتتعارك معه وتخاصمه ثم تتصالح معه.بررت
بديعة تعلق نور بها حتى بعد موته بأنه كان يحبها
بجنون ،وأنه خير فى الجنة بين الحور العين
وبينها ،اختارها هى دون خلق الله ،كانت تقول
نور الف رحمة ونور عليه اختاره الله وليا من
أوليائه ،وسوف يظهر أمره على العالمين ،لم
93
تترك مسئول فى البلد ،ذهبت اليهم جميعا ،
أسمعتهم حكايتها ،وفى النهاية ترجوهم تخصيص
قطعة أرض لقامة ضريح الولى ،ولما كانت
تعرف أن أحدا ليصدقها ،فقد جاءت الى بيتنا
ذات صباح بعد فترة انقطاع كبيرة ،وأمام الجميع
سحبتنى من يدى بعيدا وهمست فى أذنى :أقول
لك على سر وتصدقنى ؟ أومأت لها بهزة من
رأسى فأطمأنت وجلست فجلست بجانبها ،كنت
أنظر اليها فى دهشة من ل يعرفها ،لم تكن
بديعة التى فتنت بها وأنا صغير ،بديعة التى
أمامى ترك الزمن أثاره على وجهها وجسدها ،
انكمش عودها الفارع فبانت أقصر من الول
،وتغضن وجهها وامتل بالتجاعيد ،كما أن أسنانها
المامية وقعت فتركت تجويفا معتما ،عمك نور
زارنى امبارح وعوزك تيجى معايا نزورة أنا وانت
وحدنا ،وقال هايورينا معجزة .كنت أتفرس فى
ملمح وجهها ،كان حديثا جاداومفعما باليمان ،
رأيت ذلك فى عينيها .قلت أننى لن أخسر شيئا
اذا ما جاريتها ،ثم ان زيارة الميت واجبة وعم
نور كان كلما رآنى مل جيبى بالحلوى الله
يرحمه .
فى تمام الساعة السابعة ال ربعا كانت بديعة
تنتظرنى أمام البيت بفستانها السود القطيفة
وطرحتها الحرير السوداء ،ما أن رأتنى حتى
94
قالت :صباح الخير ياأستاذ ،باين على وشك قلة
النوم زى خالتك بديعة ،أصل نور وحشنى قوى ،
م فى المشى لحسن نعوأ وا منتظرنا دلوقت ه ّ
وه ّ
عليه .انطلقنا الى حيث يرقد نور رقدته الخيرة ،
كانت مدينة الموتى تقع فى أقصى المدينة
،واستغرقت الرحلة بالتوبيس الذى أضطررنا
لتغييره عدة مرات ساعتان ونصف ،كان الوقت
صيفا وبدأت الشمس ترسل نارها الموقدة فوق
ادمغتنا بل رحمة ،بديعة كانت تعرف الطريق جيدا
فوفرت علينا السؤال واللف والدوران ،لما
وصلنا الحوش ،كان مغلقا بباب ضخم من الحديد
المشغول والمطلى بالسود ،خبطت بديعة على
الباب ضربات سريعة ومتتالية فتردد صدى
الصوت فى فضاء المدينة الصامتة ،انفتح الباب
بعد عدة محاولت من الدق ،وظهر على عتبته
رجل عجوز تخطى السبعين ويرتدى جلبية
خضراء بخطوط طولية زرقاء ،عيناه شبه
مغلقتان من أثر النوم ،فتحهما بصعوبة نصف
فتحة :مين ؟ ست بديعة .أيوه ياعم عبده ،انت
لسه نايم لحد دلوقت .ردت بديعة وتزحزح
الرجل عن فتحة الباب فدخلنا ،كان الحوش كبيرا
وواسعا ،واجهتنا ثلثة صفوف من المقابر تفصل
بينها مماشى وطرقات على جانبى الحوش وفى
المنتصف ،قالت بديعة انها ملك ثلث عائلت من
95
نفس البلد ويربط بينهم النسب والقرابة ،قادتنى
وسط الطرقات وشواهد القبور حتى توقفت امام
مقبرة بل شاهد وأشارت :عمك نور نايم هنا .
للموت رهبوته ولى معه وقفة ،فى التوهمات ،
توغلت الى أبعد حدود التوهم ،ودخلت فى سكة
اللى يروح ما يرجعش ،وصّعبت الحياة على
نفسى ،وعشت فى نكد ما بعده نكد
،وكدت أفارق من شدة توغلى فى تصور
لحظات المغادرة ،هل أطلعكم على نتف
مما كتبته فى تلك الفترة المحنة ؟ وهل
يسمح المجال بذلك ؟ ولم ل ،واذا كانت
هناك قواعد للكتابة فالتمرد عليها أولى ،
أنظروا لهذا التوهم :توهمت أن
روحى راحت ،وأنا الن داخل قاعة
مظلمة ليس لها ضبة ول مفتاح ،
فعلمت أن هذا قبرى ،ورأيت
نفسى داخل كفنى بين أربعة جدران
ومن حولى ظلمة ووحشة ،فبكيت
على حالى ،وقلت أين منى أمسى
وغدى ،وتأسفت على مسعاى
وحّلى وترحالى فى أرض الله
الواسعة ساعيا سواحا فى بلد
96
تشيلنى وأخرى تحطنى بحثا عن
يقين عله يدركنى بنفحة ،وبينما أنا
كذلك أتفكر فى الملك والملكوت ،
وان لله فى خلقه شؤونا ،وقد ردت
ى وانحدر منروحى ،اذ هبط ال ّ
طاقة مدورة فى سقف قبرى لم
أرها قبل ذلك الحين وفى دائرها
صفة نور ،هبط ملكان طولهما ل
يحده بصر ،وعرضهما مثل ذلك ،
فى يد كل منهما مرّزبة لو نزلت
على جبل لدكته دكا وجعلته هباء
منثورا ،فعرفتهما ،وعلمت أن
الساعة ساعة امتحان ،فقلت
ياساتر أستر من الفضائح ،وألقى
فى قلبى أن بصرك اليوم حديد ،
ونظرت فى جهة ثعبانا كأنه الفيل
ى لمت ألف مّرة العظيم لو نظر ال ّ
من عظيم خلقته ،ونظرت فى جهة
بعض من جهنم – اللهم احفظنا
واياكم – وفى جهة بعض من جنة ،
فرق خاطرى ،وبين يدى وضع
97
سجلى ،وتصبب العرق منى ،
وسمعت فرقعة عظامى ووجيف
قلبى من شدة الوقفة والمسألة .أو
هذا التوهم الذى أسميته " توهم نوحى" :
توهمت نفسى كما الغراب النوحى ،
وقلت الحال من بعضه ،فكما ينوح
الغراب ،هكذا أنا نياح على موتاى ،
وكأن الدنيا عدمت ناسها ،وكأن
همى وغمى ل ينتهيان ،سلواى فى
التذكرة ،وسياحتى وتفريج كربى
عند أهل الخرة ،زمنى غريب ،
وخطبى عظيم ،ودوما دوما فى
توهم دائم ،كأنى ل أعيش دونه
،وكأنه يتنفس دمى ،حتى صرت أنا
والتوهم اثنين فى واحد ،وحتى
صرت أتوهمنى فى كل أحوالى ،
فى غدوى ورواحى ،فى صحوى
ونومى ،سرائى وضرائى ،محياى
ومماتى ،فيانكدى على دنياى ،كر
وفر ،اقبال وادبار ،هكذا فى كل
الحوال ،ما نقص شىء ال ليكتمل ،
98
وما اكتمل ال لينقص – فسبحان
مغير الحوال – المهم أننى أمسكت
ربابتى فى يدى ،وعلى جسدى
ارتديت كفنى ،ثم أننى رميت
نفسى فى توهم صعب أعرف
حدوثه مهما بعدت المسافة وطال
النأى ،فهذا أمر مكتوب وليس منه
مهروب ،وما خشيت ال شيئين :
موت الفجأة ،وموتى وأنا ل أباشر
صنعتى ،وكنت أظن أنه ل يوجد فى
زمنى أصبر منى على مواجهة
الموت ،لما أعرفه وخبرته ،ولى فى
هذا الباب مباحث كثيرة ،ولما
وطنت النفس عليه منذ النشأة
الولى ،وصرفها عن اللهو ومتع
الدنيا لعلمى بوقوعه ل محالة ،
ولدمانى النظر فى الكتب القديمة ،
فقد اطلعت على نصيب وافر من
كتب المم السابقة ،فكدت أحفر
لنفسى قبرا فى محل سكنى ،
فأمكث فيه الى ما شاء الله ،وقد
99
رأيت فى هذا الباب مالعين رأت ،
وسمعت مالأذن سمعت ،ول خطر
على قلب بشرقط ،وقد انقسمت
على نفسى الى قسمين :قسم
يعيش عيشة أهل الدنيا ،وآخر
يعيش حياة أهل الخرة ،فكنت
كالمعلق بين السماء والرض ،
فصرفت النفس عن الخوض فى
ذلك التوهم ،وعلى أل ّ أعود الى
هذه المسألة بعد اليوم ،وليقض
الله أمرا كان مفعول ،فل أدرى ماذا
أكسب غدا ،ول أدرى بأى أرض
تكون قيامتى ،فقد شاب شعرى من
التفكر فيها ،وانهد حيلى وعدمت
عافيتى فى انتظارها وترقبها ،
المهم ،بينما أنا هكذا أتفكر ،واذا
بربابتى تأخذ وضعها الصحيح فى
يدى ،واذا بها تعزف لحنا دار فى
خاطرى وكنت أظننى تركته
واسترحت ،وبدأ صوتى ينوح
ولسانى ينطق غصبا بهذين البيتين :
100
خلقت من التراب فصرت شخصا ،
فصيحا فى السؤال وفى الجواب ،
وعدت الى التراب فصرت فيه ،
كأنى ما برحت من التراب .كنت أقف
ى أمامى أقرأ الفاتحة على أمام قبر نور فاردا كف ّ
روحه وارواح المسلمين ،ثم تلفت حولى ،كانت
بديعة واقفة مع عم عبدة التربى تحت ظل شجرة
بعيدة ،وكنت أرقبها تتحدث اليه حديثا لبد أنه
أغضبه ،فقد ارتفع صوته قائل :كلم ايه دا
ياست بديعة ،صاحب العقل يميز .ثم أشار لى
بالقتراب فاتجهت ناحيتهما ،احضرنا ياأستاذ ،
الست عاوزه تودينى فى داهية ،وأنا راجل كبير
وصاحب عيال ياست .فيه ايه بس ياعم عبده ،
مزعل الست بديعة ليه ،قلت وانا أحاول تلطيف
الموقف وعلى وشى وضعت ابتسامة .فيه ان
الست طلبت منى أفتح التربةوأخّرج جثة جوزها
اللى ميت من عشرين سنة ،بقى ده كلم يعقل
ياعالم ،ثم أن التربة ما تتفتحش ال بتصريح من
المن ،آه دى مسئولية وفيها سين وجيم وخراب
بيوت .بديعة كانت واقفة فى ثبات وفى عينيها
نظرات تحدى ،هو أنا بأطلب منك تصحيه ؟ أنا
طالبة أشوف جوزى ودا حقى .ل مش من حقك ،
دة ،ماعدش جوز حضرتك من قال عم عبده بح ّ
101
ساعة ما مات ،القرآن والسنة بيقولوا كدة ،هو
وزه أحسن مّنك ،حور دلوقت بين ايدين ربنا ،وج ّ
عين لم يمسسهن انس ول جان ،اعترضى بقى
على كلم ربنا .لم تيأس بديعة ،وبدت لها محاولة
اقناعه مسألة حياه أو موت ،وبدأت أشك فى
أنها سوف تقنع الرجل العجوز ،لكن بديعة
حسمت الموضوع حسما نهائيا ،فقد أخذت عم
عبده من يده ،وجرته بعيدا عنى ،ولمحتها تدس
يدها فى صدرها وتخرج شيئا تضعه فى جيب
جلبيته العلوى ،تركها الرجل وغاب لحظات ثم
عاد يحمل فى يده سلسلة مفاتيح كبيرة ،فى
صمت تقدمنا ونحن سرنا خلفه حتى وقف أمام
مقبرة نور ،تخير مفتاحا وضعه فى قفل الباب
الصغير وأداره فأنفتح ،تعجبت من موقف الرجل
العجوز وقلت هو المال سيد هذا العالم والعصا
السحرية التى تفتح كل مغلق ،راقبته وهو ينزل
السللم الحجرية الصغيرة حتى غاب عن أنظارنا ،
عاد بعد دقائق ووقف على السلم فى المنتصف
وزعق :الرمم كتير وانا ماأعرفش رمة جوزك
من غيره ،قالت بديعة بلهفة أنا أعرفها ،واتجهت
مهرولة نحو فتحة المقبرة فأوقفها الرجل
بأشارة من يده :حرام ياست تنزلى عين الرجالة
.أسرعت بديعة وأزاحته عن طريقها بزراعها
فتنحى وسمح لها بالمرور ونزل خلفها وجلست
102
أمام التربة وفوهتها المفتوحة على الظلم
جعلتنى أسرح قليل متأمل المصير النسانى ،
يقول شيخى محى الدين ابن عربى :الموت
وب اليك لحظة مولدك ،وحياتك بقدر سهم ص ّ
وصول السهم اليك .قضى المر وطويت الصحف
ول راد لقضائه ،فالسهم انطلق ،وهو آت
لمحالة ،مسألة وقت ليس ال فصلت ذلك فى
توهماتى لمن أراد المزيد من النكد أما أنا فأرد
نفسى عن شرودها وأعود الى روايتى ،خرجت
بديعة وقد تهلل وجهها بالفرح ،وخرج وراءها عم
عبده يحمل فوق كتفه جثة ملفوفة فى كفنها ،
ى بديعة
وضعها أمامنا على الرض ،نظرت ال ّ
وهى تشير بأصبعها :عمك نور قدامك أهو .كانت
أولى معجزات نور وكراماته أن الكفن ظل على
حاله متماسكا وصلبا كما كان منذ عشرين سنة
هى عمره ميتا ،وبدا لى أن بديعة تنظر الينا بزهو
وخيلء وكأنها فخورة بما أرتنا اياه ،تقدمت
بديعة وركعت على ركبتيها أمام الجسد العصى
على التحلل وانحنت تفك أربطة الكفن ،ثم انها
أزاحت طيات القماش عن الجسد دفعة واحدة ،
وبدا وجهه فى ضوء الشمس التى انعكست فوقه
نابضا بالحياة ،بل أكثر من ذلك كانت تظلله شبه
ابتسامة مطمئنة ،وخيل لى أنه فى غفوة قد
يصحو منها فى أية لحظة ،حملقنا غير مصدقين
103
ما نراه أمام أعيننا ،والرجل العجوز رفع اصبع
السبابة امام الجسدمتمتما بآيات من القرآن
وناطقا بالشهادتين .وأنا أردت التأكد فأقتربت
من الجسد ولمسته بأصابعى لمسا خفيفا فسرت
رعدة فى جسدى ،كان غضا ودافئا ،والماء الذى
سل به مازالت نداوته يحملها اللحم الطرى غ ّ
الذى تفوح منه رائحة ماء الورد ،تذكرت قصة
عزير ،أحد أنبياء بنى اسرائيل الذى مر على
ى الله هدة الرض بعد قرية خربة فقال أّنى يح ّ
موتها ،فّرد عليه صوت من السماء :يحييها الذى
أنشأها أول مّرة .ثم ان الله اماته مائة عام ثم
بعثه من جديدليكون شاهدا على معجزة الله ،
كنت مهيئا الن لتقبل معجزة الحياء مرة أخرى
فهل تحدث ؟
6
104
والتى ل دخل للعقل أو المنطق فى تعليلها ،وما
علينا سوى أن نأخذها هكذا دون اعمال العقل
كأمر مسلم به ،وتبلورت فى ذهنى فكرة مقال
عن تلك الشياء التى هى دون معجزات الرسل ،
لكنها خارقة لناموس الطبيعة المعروف ،كأمتلك
بعض الشخاص لقدرات غير طبيعية ،كنت قرأت
وسمعت كثيرا عن رجال يأكلون الزجاج ،أو
يجرون عربة نقل بشعر الرؤوس واللحى ،أو
يقفزون من أعالى البنايات ،وهناك من يملكون
قدرات سحرية ،أو أولئك الذين يتخاطرون عن
بعد ،وفى تراثنا الصوفى حدث ول حرج ،رجال
يطوون الرض طيا ،،وآخرون يطيرون فى
الفضاء ،ومن يعبر الزمان والمكان ،أو من
يمشى على الماء ،وهناك حكاية مشهورة فى
التراث العربى الصوفى هى من عيون هذا التراث
،ولكن مع السف وجد من نقلها بحزافيرها مع
تعديل بسيط هو نسبتها للتراث التبشيرى
المسيحى ،ومن لم يصدق فليقرأ رواية باولو
كويلهو "بالقرب من نهر بيدرا" ،الحكاية تحكى
عن رجل فلح يعيش على فطرته الولى ،وايمانه
بالله ل تشوبه شائبة ،يعمل فى حقله بالقرب
من نهر ،وكان يصلى صلته حين مر عليه جماعة
من كبار المشايخ ،فوجدوا الرجل يصلى خطأ
فأنتظروه حتى أنتهى من صلته وبدأوا يعلمونه
105
الطريقة الصحيحة للصلة ،ثم أنهم تركوه
وواصلوا رحلتهم بالمركب فى مياه النهر ،وحدث
أن الرجل نسى بعض ماقاله المشايخ له فجرى
على الماء ليلحق بهم فنظروا من المركب وجدوا
الرجل يجرى فوق الماء حتى وصل اليهم
ليسألهم عن الطريقة المثلى للصلة ،فأذ بهم
يقولون له فى نفس واحد :أبق على صلتك
وعباداتك كما تعرفها ،فقد أوصلتك الى ما ل
نستطيع الوصول اليه بعلمنا .
حين وصلنا ،ودعتنى بديعة بأشارة من يدها
ومضت دون أن تتكلم ،أخذت أرقبها حتى غابت
عن ناظرىّ ،ثم صعدت من فورى الى غرفتى
وبدأت فى كتابة المقال الذى استغرق الوقت ،
ولم أدر ال والمساء قد حل ،أرتديت ملبسى
وركبت التوبيس المتجه الى بين السرايات حيث
مكاتب الكمبيوتر الكثيرة والمنتشرة هناك ،
صورت من المقال عدة نسخ وزعتها على عدة
جرائد واحتفظت بنسخة ،بعد مرور أكثر من
شهر ،كنت أتصفح الجرائد مصادفة فى صالة
النتظار بمطار القاهرة الدولى ،كنت أنا وأخوتى
فى أنتظار أبى العائد من الحج ،وكنت أشعر
بالملل فأخذت أقرأ العناوين الرئيسية :الرئيس
جاء ،الرئيس ذهب ،الرئيس استقبل ،صورة
لعاطف عبيد رئيس الوزراء وقد بدا للوهلة الولى
106
أنه لم ينم منذ سنة ،هالت سوداء وأنتفاخات
الكياس الدهنية حول عينية تجعل صورته بشعة ،
وعلى لسانه تصريحات حول السلع الساسية
التى سوف تنخفض حفاظا على محدودى
الدخل ،مقتل اثنى عشر جنديا أمريكيا فى
الفلوجة والقوات السرائيلية تجتاح مدينة غزة
وتهدم عشرات البيوت ،الى آخر العناوين
المكررة والمعادة ،وفى احدى الجرائد وقعت
عينى على عنوان بدا لى للوهلة الولى أنى
أعرفه :الولى الذى تم اكتشافه فى بولق
الدكرور .وتحت هذا العنوان وببنط أصغر :دفن
حيا وبعد خمسة وعشرين عاما يخرج من قبره
ليظهر كراماته .كان المقال يحتل النصف العلى
من الجريدة ،بينما النصف السفل امتل بصور
فاضحة لحد القساوسة وهو يمارس الجنس مع
بعض النساء ،وقد قدر لهذا العدد من الجريدة أن
يتخطفه القراء ،وأصبح ل حديث للناس فى
بولق الدكرور ال ّ عن ولى الله الشيخ نور الدين
وكراماته ،بل صار الناس ينسبون اليه بعض
الحكايات والكرامات ،من ذلك مثل ما رواه رفيق
طفولته الحاج سيد دعبس الذى يقسم بأيمانات
المسلمين أن ما سوف يرويه شاهده بعينيه
دث فقال :كنااللتان سوف يأكلهما الدود ،ح ّ
نلعب ذات مّرة فى الحارة ،كنت وقتها ابن عشر
107
سنين ،ونور فى مثل سنى تقريبا ،وكانت بولق
الدكرور عبارة عن غيطان ترمح فيها الخيالة ما
تجيبش آخرها ،والضفا دع أكتر من البنى آدمين ،
نور جاب ضفدعة كبيرة ،وجاب حتة أبلكاش
وصلب الضفدعة من رجولها الربعة على الخشبة
بمسامير سنارة تلتة سنتى ،ما كناش واخدين
بالنا فى الول من اللى بيعمله ،ولما انتبهنا ،
اتلمينا حواليه وبدأنا نراقبه ،بعد كدة جاب نملة
كبيرة من النوع الفارسى وصلبها جنب الضفدعة،
وحاول صلب النملة زى ما عمل مع الضفدعة
ففشل ،فما كان منه الأن جاب كلة اللى بنلزق
بيها الكورة الشراب ولزق النملة فى الخشبة
جنب أختها ،بعد كده جاب موس حلقة وشق
صدر الضفدعة ،وعمل نفس الشىء مع النملة ،
وحط قلب النملة مكان قلب الضفدعة وقلب
الضفدعة مكان قلب النملة ،وشاور بصباعه مكان
الجرحين فرجع كما كان ،بعد كدة فك التنين من
الصلب فنطوا يجرو كما الرهوان وكل واحد عاش
بقلب التانى سبحان الله .واقعة أخرى رواها أحد
رفقاء شبابه ،ويدعى زعبول ،كان أحد تجار
البانجو المعروفين فى المنطقة فقال :صاحبت
الشيخ نور فترة من فترات الشقاوة ،كنا نتقاسم
فيها كل شىء ،الحشيش ،الفيون ،السجائر ،
البانجو ،وحتى النسوان والنومة ،وكنت لما الدنيا
108
تضيق بى ،أروح عندة فيأوينى فى بيت أمه ،آكل
وأدخن وأشرب ول أحمل أى هم ،يعنى بأختصار
كان صاحب صاحبه ،فلما قبض علينا أنا وهو ذات
مّرة ،قعدنا فى قسم الشرطة عشرة أيام دون
طعام أو شراب ،ولم يسأل فينا أحدا ،ورأيته
متضايقا يجلس وحيدا بعيدا عن الجميع متكوما
على نفسه فى ركن الزنزانة الضيقة ،وكان
يدفس رأسه بين ركبتيه بالساعات دون أن يتكلم
مع أحد ،تركته أول المر وقلت لبد أنه تضايق
لن ل أمه ول أخته عبروه بالزيارة ،بعد فترة
قلت مابدهاش وياواد روح شوف صاحبك ماله
،فأقتربت منه وطبطبت على ظهره وقلت
لتزعل ياصاحبى ،فرجه قريب .فرفع رأسه
ى فى حسرة ،وشفت عينه مرغرغة ونظر ال ّ
بالدموع وتنهد وقال :تعرف يابول ـ كان ينادينى
هكذا ـ حاسس أن حياتنا عايشينها غلط فى غلط،
وماشيين فى طريق آخره حيطة سد ،ثم غمغم
لنفسه :انك لتهدى من أحببت ،ولكن الله يهدى
من يشاء .ثم أننى تركته ونمت ،لكنى قلقت
قرب الفجر فصحوت على صوت خروشة ،
ونظرت ناحية نور فرأيت ما تعجبت له ،كانت
طاقة من النور على هيئة دائرة تقف فوق رأس
نور وتضىء المكان حوله ،ورأيته يخط على جدار
الزنزانة بأصبعه ،فلما اقتربت منه شاهدته يرسم
109
مركبا كبيرا بصارى وقلع ومجاديف وناس تطل
من داخل المركب ،فلما اكتمل الرسم كاد ت
المركب أن تكون حقيقية ،ووجدنى أقف خلف
ظهره أتأمل ما فعل وعلى وشى علمات دهشة
ابتسم واشار الى المركب :هل تريد ركوب هذه
والخروج من سجنك الصغير ؟ فضحكت وقلت :
ياريت ياخويا ،بس فين البحر الى تمشى فيه
المركب ! فنظر لى وابتسم قائل :لو أراد شيئا
يقول للشىء كن فيكون .وبينما أنا وهو كذلك ،
صحا جميع من فى السجن ووقفوا يتفرجون علينا
وعلى المركب ،فالتفت اليهم وقال :ياجماعة
الخير ،انما العمال بالنيات ولكل امرىء ما
نوى ،من أراد منكم التوبة فليتب بنية صادقة
فأنه يركب هاهنا ،وأشار الى الحائط ،فباسم
الله مجريها ومرساها .وما نشعر ال ونحن جميعا
محشورون فى المركب ،وهى تتحرك بنا وتعبر
المسافات حتى انحدفت بنا فى عرض البحر ال
هو ،فقد آثر المكوث فى سجنه حتى يقضى الله
فى أمره ،فسبحان الذى هدانا وما كنا لنهتدى لول
أن هدانا الله ،وهاأنا ذا أحكى عما رأيته وسمعته
بالتمام والكمال والحمد لله على كل حال .
110
القسم الرابع
1
حفنى
رأى حفنى نفسه فيما يرى النائم وكأن حجرا ثقيل
وضع على صدره فل يستطيع التنفس ،ورأى
نفسه يصعد جبل يجد فى نهايته أسدا ضخما يأخذ
فى التهامه حتى ل يتبق منه شيئا ،ورأى محمد
111
عبدون يرتدى رداء سجين بوجه أسود كظيم
ويبكى بدل الدموع دما ،ورأى نفسه فى حضن
زوجنه وهى تئن من اللذة وينزل ماءه صديدا له
رائحة كريهةفيغرقها ،ورأى بطنها ل تتوقف عن
النتفاخ حتى تنفجر بدوىّ رهيب .
قص حفنى رؤياه على صفاء فعوجت بوزها يمينا
قت قائلة بنبرة استهزاء :يمكن يس وشمال وعل ّ
ما تغطيتش كويس وطيزك اتعرت واتملت هوا
.لكن قلبها اتعصر شفقة عليه ،له ثلثة شهور
وجسمه فى النازل ويشتكى من وجع فى كل
جتته ،وآخر مّرة نام معها كان مثل الصبى
الملبوخ الذى يفعلها لول مّرة،تذكرت كيف كانت
تصرخ وتتلوى من تحته وهو ل حياة لمن تنادى ،
كانت زلومته مكموشة فى بعضها ومتهدلة كما
الخرقة القديمة ،فرجته أن يعبث بأصابعه حتى
كرت فى تلك اللحظة محمد تستريح وتهدأ ،تذ ّ
عبدون -يبشبش الطوبه اللى تحت دماغه -كان
يعصر جسدها عصرا ،ودائما ما كان منتصبا مثل
وتد ناشف ،قالت :القوالب نامت والنصاص
قامت ،ربما كانت تعرف السبب الحقيقى
لرتخائه ،ففى احدى المرات وبينما كانت بين
زراعيه ،لم تره متهيجا مثل هذة المّرة ،وكانت
فحولته تؤلمها فكادت يغمى عليها من شدة
النشوة ،فى تلك اللحظة فلتت من لسانها
112
كلمة :بحبك يامحمد .فكأنها رمت عليه جردل
ماء بارد ،همد فجأة وانكمش فى بعضه ونظر
الى عريها الكامل ممددا على السرير ولم ينطق
بحرف ،فقط اكتفى بأدارة ظهره لها متصنعا
النوم ،من يومها ،أقسم أل يقترب منها أبدا
،ولكن كلما طال الوقت ،كان جوعه لجسدها
ينهشه ،كانت لها عاداتها فى النوم ،ترتدى
قميص نوم على اللحم ،وحين تنام ينحصر الى ما
فوق بطنهافيظهر عريها كامل أمام عينيه ،كان
يجلس بالساعات فى العتمة الخفيفة أمام الجسد
البيض المشع ،يتأملها من كعبى رجليها حتى
أعلى نقطة فى رأسها ،استدارة ربلتى ساقيها
والتفاف فخذيها وبضاضتهما ،كبرحجم هنها
والشعر السود الناعم فوق عانتها ومن حوله
فكأنه السد فى عرينه،طيات بطنها و السرة
الغائرة ،الصدرالبض المدملج الصلب يكاد يفر
من مخابئه،الوجه بملحته التى دوخته حين رآها
أول مرة ،فى بعض الحيان كان يشتاق للمس
جسدها فيتأكد من نومها ،ثم يمرر كف يده على
كل مغاورها بخفة لص ورعشة عاشق ،ربما
كانت تحس بلمساته ،فقد أنت ذات مرة تحت
وقع تلك اللمسات ،واستدارت لتنام على ظهرها
لتمكنه من نفسها ،لكنه انسحب بعيدا عنها
113
متأرجحا بين لواعج الشوق للجسد المشتهى ،
وكرامة أريقت دون أدنى شفقة.
أحس حفنى بوادر تعب كانت أهم تجلياتها شعوره
بالوهن طوال الوقت ،وشكشكة كانت خفيفة
أول المر مصدرها خصيتيه كان يستطيع احتمالها
مرجعا ذلك اللم الذى أصبح عميقا بعد ذلك
للفحات الهواء التى كان معرضا لها بأستمراربعد
يوم عمل شاق ،ومع مرور الوقت بدأ اللم يصبح
أكثر عمقا وضراوة ،كان المرض يمتصه ببطء
يوما بعد يوم ،حتى أصبح مثل عود حطب
جاف ،أرجعت صديقة حالة ضعفه الى كثرة
نشاطه الجنسى ،أصل اللبوة مراتة رافعة رجليها
طول الوقت ،ولو ما عملش كدا هاترفعهم لى
واحد ماشى فى الحارة ،لكن بديعة كان لها رأيا
آخر حين رأته ونظرت الى عينيه ،فقد غمغمت
لنفسها :حنفى بيعيش محنة موته ،وبدأ يمشى
فى سكة اللى يروح ما يرجعش .كانت على يقين
من موت أخيها ،من أين أتاها ؟ لتعرف ،لكنها
فى الونة الخيرة أصبحت تنبؤاتها أكثر صدقا
وشفافية من تنبؤات نوستراداموس نفسه ،فهى
التى تنبأت بزلزال شق أرض مصر عام ، 92كما
تنبأت قبل ذلك بمقتل السادات فى حادث
المنصة الشهير وأدلت بأوصاف من سيخلفه على
عرش البلد ،حدث ذلك بعد أن أعيتها الحيل فى
114
تنصيب زوجها نور وليا على بولق الدكرور
وضواحيها ،كم كانت تحلم بمثل هذا اليوم ،ضريح
بقبة خضراء ،وسياج من الحديد السود الناعم
يلف المقام ،والنور الخضر يسطع حوله وفوقه
وتحته ،والناس تجىء من كل الجهات لزيارته
والتبرك به ،يقيمون له مولدا كل سنة فى يوم
وساعة يعرفهما الجميع ،وتذكرت فى تلك اللحظة
أنها لتعرف متى ولد نور وفى أى ساعة قدم الى
الدنيا ،قالت :ليكن تاريخ وفاته هو الذى يحتفل
به ،فأنا أعرفه جيدا .
كان الوقت ليل ،وبولق الدكرور التى لتهدأ ول
تنام ،كانت نائمة وهادئة ،وسمعت صفاء صوته
يجأر جااااااااااى الحقينى يابت ياصفاء ،هبت
فزعة :فيه ايه مالك .قال من بين أسنانه :
محاشمى هاتموتنى .كان يقبض عليهما بكلتا يديه
مائل ناحيتهما بجزعه ،ورينى كدة .قالت وأخذت
فى خلع سرواله ولباسه ،وأمسكت بخصيتيه بين
أصابعها وأخذت تمرسهما بالراحة ،وهالها ما
أصبح عليه جهازه ،كان ضئيل ومنكمشا مثل
قطعة من الجلد الميت بل نبض ول حياة ،لكن
اللم از داد ،ولم تفلح محاولتها فى هدهدة
خصيتيه ،وأضطرت لخذه الى مستشفى القصر
العينى عند الفجر ،وفى الستقبال كشفوا عليه ،
وتم حجزه خمسة عشر يوما لعمل تحاليل وأشعة
115
على خصيتيه اللتين تضاعف حجمهمابين فخذيه
حتى أنه لم يعد يستطيع المشى ،لزمته صفاء
طوال المدة ،كانت تذهب اليه صباحا حاملة معها
ما أستطاعت تدبيره من طعام أو فاكهة ،وتظل
معه حتى المساء ،حطت نفسها تحت رجليه ربما
لحساسها بالذنب تجاهه ،اكتشفت صفاء أن
زوجها رجل طيب ما كان يستحق مافعلته معه
فأحست بالندم ،ونوت بينها وبين نفسها اذا ربنا
كرمه واخذ بيده ،فستجعل خدها مداسا له ،لكن
حظها عاندها ،فقد جاءت كل التقارير والشعة
لتؤكد حقيقة واحدة لشك فيها :أن سرطانه قد
تمكن وانتصر .
2
بديعة
116
هادئة ،صرخ مّرة فيها :انتى مش اختى وبتقولى
ان جوزك ولى ،قولى له يرحمنى ،النار بتاكل
فى جتتى ياناس .لحظتها تغرغرت عيناها
بالدموع ومالت على أذنه حتى ليسمعها غيره
وهمست :ماتكفرش وانت هاتقابل ربك بعد
ساعات ،أطلب الرحمة منه .بعد ساعات تقابل
ربا أسمه الكريم ،وتدفن فى ظلم القبور ويجىء
اليك ملكان يسألنك عن ربك ودينك وملتك فقل
معى :الله ربى حقا ،والسلم دينى ،والكعبة
ى،قبلتى ،والقرآن امامى ومحمد ابن عبد الله نب ّ
قل آمنت بالله تعالى وما أنزل على النبياء ،قل
ورائى خلق النسان فى كبد وما الحياة الدنيا ال
متاع الغرور .اذا سألك فقل لهما بلسان عربى
فصيح :الجنة حق ،والنار حق ،والحياة الخرة
حق وهى خير وأبقى .كانت تلقنه آخر تعليمات
سفره الخير ،وكان مختنقا بسرطانه فأشاح بيده
كى تبتعد عنه ،تركته ومشت وهى على يقين من
أن هذا هو يومه الخير على الدنيا ،لكنه عاند
ملئكة روحه وصرخ بت ياصفاء ،شيلينى طلعينى
بره فى الشارع ،عاوز أشوف الناس .وضعوا له
كرسيا جنب حائط البيت جلس عليه ملموما فى
بعضه ،كانت الناس فى غدوها ورواحها ترمى
عليه السلم وتسأل عن صحته ،وكان يقول
الحمد لله على كل حال ،كان الوقت صباحا ،
117
وشمس الشتاء ترسل أشعة دافئة ،واليوم هو
أول رمضان ،أصر على صومه ،ونظرحفنى الى
السماء وهى تتلون أمام عينيه بألوان الطيف ،
وكرات بلورية تتراقص فى الهواء لها لون
الزيت ،وشعر فى تلك اللحظة أن الحياة جميلة ،
وتمنى لو كان فى العمر بقية ،لكنه سقط من
فوق الكرسى ومات .
3
بديعة
رأت بديعة فيما يرى النائم ،وكأن أبواب السماء
قد فتحت بقدرة الله وقدره ،وظهرت أمام عينيها
طاقة قدر القبة وهى صافية البياض وفى
دايرهااختضار كهيئة الفجر عند لياحه ،ورأت كل
شىء على الرض ساجد ،الناس ،والوحش ،
صبح ،ول كلب ينبح ،حتى
والطير ،فل ديك ي ّ
الشجار كانت راقدة ،واذاهى فى مكان واسع
رحيب ،واذا بنور عظيم يأخذ البصر السليم
يضىء المكان وفى عقب ذلك النور رجل عابد
زاهد ،فلما أقبل صاح بسم الله المكان خالى
ياعباد الله .فعند ذلك النداء أقبل بعض الرجال
وأخذوا يصفون الكراسى فى الجهتين ،ثم أتوا
بكرسى كبير وضعوه فى صدر المجلس ،وصاح
أحد الرجال وهو نقيبهم ياسادة الرض ذات
118
الطول والعرض أحضروا ذلك المحضر كما أمر
قطب القطاب الكبر سيدى احمد البدوى
والشريف العلوى صاحب المداد النبوى .فعند
ذلك أقبلت الرجال كأنهم القمار ،وجلسوا ذات
اليمين وذات اليسار ووقف النقيب بين أيديهم
وقال :أبدأ مديحى فى جمال محمد ،نبىعربى
أجار الغزالة وأطلقها من أسر صاحبها اليهودى
اللئيم ،وبعد ،هذه يااخوان قصة سيدى أحمد
البدوى البحر العجاج المتلطم بالمواج القطب
النبوى الشريف العلوى باب النبى ودليل الحج أبا
الفتيان سيدى أحمد البدوى رضى الله عنه
وأرضاه ،وهى تشتمل على قصة الميرة خضرة
الشريفة وما جرى لها فى بلد النصارى ،وكرامة
السيد البدوى حين اتى بها وكرامات القطاب
المذكورين رضى الله عنهم بالتمام والكمال
والحمد لله على كل حال .قال الرجال :وكيف
كان ذلك يانقيب السادة المجاد ؟ قال :الحمد
لله الحنان ورازق النس والجان كذا
الطيور مع الحيتان والدود فى قلب
الصخرة نظرة يابدوى ياجايب
اليسرة وبعدها صلى على الزين
نبينا مكحول العين اللى القمر له
انشق اتنين وجت اليه ساجدة
119
الشجرة نظرة يابدوى ياجايب
اليسره كذا صلتى ع الصحاب
والتابعين ثم النجاب والولياء ثم
القطاب والصالحين أعلى العشرة
نظرة يابدوى ياجايب اليسره وبعد
هذا ياشاطر اسمع كلم كله جواهر
صنعته وكان عقلى حاضر وفكرى
كان مثل الدرة نظرة يابدوى وجايب
اليسرة لو كان كذا عندى مليون من
الهموم ول ّ محزون وتقرا فيه مرة
بالنون تزول همومك بالمرة نظرة
يابدوى ياجايب اليسرة أقول كلمى
وتفنينى قبل الزمان ما يفنينى فى
نظم قصة متقونة تنبيك عن سيرة
خضرة نظرة ياسيد ياجايب اليسرة
كان يوم من أيام الجمعة نزلت ببابها
دى الشمعة لمعها نصرانى لمعة
عقله انخطف كله مرة نظرة يابدوى
ياجايب اليسرة وقال مين حايجيبها
لى دا كنت أغنيه بالمال فقالت امه
اصفالى نادى العجايز من بره نظرة
120
يابدوى ياجايب اليسرة حضروا
العجايز دول تسعين من مكرهم
غلبت شياطين فقالوا ايش انتم
طالبين فقال لهم عايز خضرة نظرة
ياسيد ياجايب اليسرة قالت عجوز
ملعونة البوز وأنفها يشبه الكوز دا
ايه دنا عندى مربوز حال يجيبهالك
بكرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة
راحت لدارها وهى تجرى وشبشبت
يعنى بسحرى وجت لخضرة من
بدرى منزيرة ولبسة حبرة نظرة
يابدوى ياجايب اليسرة وجت اليها
المشوبة والسبحة فى أيدها
مقلوبة بقيت ولية ومجذوبه تذكر
كأولد الفقرة نظرة ياسيد ياجايب
اليسرة طلعت لها القصر العالى
توحد المولى العالى لقت جبينها
بيللى فاتحة الكتاب كله وتقرا
نظرة يابدوى ياجايب اليسرة قالت
لها صباح الخير ياطاهرة ياوجه الخير
ياحلوة السيرة والسير ياحسن
121
يوسف ياقمرة نظرة يابدوى ياجايب
اليسرة قالت لها الفين صباح عليك
ياست الصلح والكل جاها والفراح
كلت وشربت دى العرة نظرة
يابدوى ياجايب اليسرة ولما طفحت
دى البومة قالت لها ياميمونة تنك
لمته محزونة ما بتخرجيش دوما بّرة
نظرة يابدوى ياجايب اليسرة يل بينا
هناك نتفسح ونشوف كدا البحر
بيمرح والموج دا فيه عمال يرمح
لكده السماك رخرة نظره يابدوى و ّ
ياجايب اليسرة وّلت وراها كالنجفة
وياها أولدها الشرفه مشت أمامهم
دى العكفة طيطة وتجرى كالبقرة
نظرة يابدوى ياجايب اليسرة خضرا
كدا بصت بالعين وشافت الغليون
يارزين يجرى كدا بين البرين قالت
عليه بتاع كفرة نظرة يابدوى ياجايب
اليسرة فحلفت لها الف يمين بأنه
بتاع ناس مسلمين يوحدوا رب
العالمين وكلهم أبطال أمرا نظرة
122
يابدوى ياجايب اليسرة يعنى كدا
شوفى الريس واقف محندق كويس
شاطر لبيب عقله كويس واقفين
وراه كل الغفرة نظرة يابدوى
ياجايب اليسرة والصارى عمال
بيللى ذهب ولكن م الغالى والدفة
فضة كهللى منورة مثل القمرة
نظرة ياسيد ياجايب اليسرة ولما
وصلم الغليون ونادت الريس أنطون
ساعت ما شافها الملعون قال
للعجوز الفين شاطرة نظرة يابدوى
ياجايب اليسرة ثم زعق على النواتية
حطوا السقالة الذهبية والقصة
رخره المجلية لزينة الدنيا خضرة
نظرة يابدوى ياجايب اليسرة مافيش
أحد يطلع عندى ال ّ الشريفة دى
ووحدى أما العجوزة دى بعدى تفرح
الست الحرة نظرة يابدوى ياجايب
اليسرة وبعد ما دخل جوه عان
السقالة بمروة وجرى غليونه بقوة
على بلده ابن الكفرة نظره ياسيد
123
ياجايب اليسرة أما كدا الشراف
يااسياد بكوا بكا يقطع الكباد
والوجه صار منهم كرماد وروحوا
وحالهم عبرة نظرة يابدوى ياجايب
اليسرة رجع كلمنا ياصناديد لما
جرى الغليون بعيد قيد رجولها بقيد
حديد وايديها واكتافها رخرة نظره
يابدوى ياجايب اليسرة وخضرة
تزعق ياشيطان ما تخفش من رب
الديان اللى يعذب بالنيران يوم
القيامة فى الخرة نظره ياسيد
ياجايب اليسرة يارب ياعالم بالحال
انجدنى من هذى الحوال ياسيدى
ياعبد العال أنظر لمحبوبتك نظرة
نظرة يابدوى ياجايب اليسرة قام
قال الملعون يازين ياقرة الحاجب
والعين حا تبقى سلطانة البرين
جوزك ملك الكفرة نظرة يابدوى
ياجايب اليسرة أما العجوز تقول
سيرى مين يمكنه يجيبك غيرى دا
لما ينظرنى أميرى يهدينى أنواع
124
البشرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة
وتنهم يعنى مسافرين تسعين ليلة
بالتمكين ل نوم يناموا بل صاحيين
يدادوا ويرضوا خضرة نظرة يابدوى
ياجايب اليسرة ولما رسيم بالغليون
والعجوز نادت أنطون خليك هنا
وركبت فيتون علشان تبشر دى
العاهرة نظرة يابدوى ياجايب
اليسرة طلعت على قصر السلطان
وقالت أفرح ياسمعان واعطنى
محرمة المان جبتلك خضرة القمرة
نظرة يابدوى ياجايب اليسرة فقال
لها الفين دينار يرضوك ياست
الشطار والبعدية والدوار وخمسين
نعجة وميت بقرة نظرة يابدوى
ياجايب اليسرة ردت قالت له الله
يعطيك زدنى كمان أردب فريك قال
لها والف وماية ديك أعطوها حال يا
وزرا نظرة يابدوى ياجايب اليسرة
وبعدها نادى الخدام وقال لهم
تسعولى قوام وتحضروا المركب
125
بتمام وتقابلوا خضرة الفخرة نظرة
ياسيد ياجايب اليسرة راحوا قوام
جابوا المزمار كذا الطبول مع الوتار
وجابوا خضرة بالمشوار وكل دا
وهى صايرة نظرة يابدوى ياجايب
اليسرة دا بعد ما حّلوا اكتافها
ولبسوها ثياب خفة ودخلوها بالدفة
بقيت منيرة كالدرة نظرة يابدوى
ياجايب اليسرة طلعت على ملك
الكفار فقال ايا ست الشطار القصر
كله زاد أنوار لما هليتى ياقمرة
نظرة يابدوى ياجايب اليسرة وقام
بنالها فى الحال قصر كبير عالى
وغالى طوبه دهب كله يللى وأرضه
فضة معتبرة نظرة ياسيد ياجايب
اليسرة وسكنوها فى أوضة من
جوه أوضة مرصودة لحسن كدا
واحدة حسودة تشوفها تحسدها
بنظرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة
وجاب لها الصيارف فى الحال
وشغلهم تنه عمال تسعين صياغ فى
126
دى الشغال وكل ده علشان خضرة
نظرة يابدوى ياجايب اليسرة دقوا
لها الحلقان المظ أما الشعير كله
مألوظ شغل الخواجة بك المظ اللى
انشهر فى بلد برة نظرة يابدوى
ياجايب اليسرة أما الحرام من كلم
مفيش كدا أبدا ياسلم شغل
الخواجه أبو عرام اللى نقش فيه
الشجرة نظرة يابدوى ياجايب
اليسرة أما الذى دق الكردان اللى ما
شاف زيه انسان شغل الخواجه أبو
قردان اللى مل صيته الكفرة نظرة
يابدوى ياجايب اليسرة أما الذى دق
الخلخيل من الذهب خالص ياجميل
أسمه الخواجه مسيو خليل اللى
بقت له بره الشهرة نظرة يابدوى
ياجايب اليسرة أما الداسى
ياأسياسى من فضه شوشة أساسى
شغل المعلم ملسى شيخ الخواجات
الكبرى نظرة يابدوى ياجايب اليسرة
والمشط راخر من لولى اسمع
127
كلمى ومنقولى حسك تقول غير
معقول لنه عن ناس معتبرة نظرة
يابدوى ياجايب اليسرة طفت
الصعيد الجوانى وتنى أبحث بالتانى
لما التقيتها يااخوانى مع ناس كدا
كلك امرة نظرة يابدوى ياجايب
اليسرة يرجع كلمنا للسلطان اللى
عوج عقله الشيطان وبده يرميه دا
الغفلن حالويفتح له حفرة نظرة
يابدوى ياجايب اليسرة أما الحاجات
البطال تمموله كل الشغال راحوا
عليه كالملك فى الحال شاف
شغلهم صار فى جمرة نظرة
يابدوى ياجايب اليسرة ونادى خدامه
يارجال الخياطين تموا الشغال
قالوا له الخدام امال خلصم
وطالبين الجرة نظرة يابدوى
ياجايب اليسرة اداهم الجرة
الملعون وقال لخدامه سيحون انده
لفراشنا الميمون يعمل لى زينة
معتبرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة
128
وقتها الفراش ياناس جاب الحرير
كله أجناس فضل يفصل بالمقاس
رايات كده حمرة وخضرة نظرة
يابدوى ياجايب اليسرة جاب المزارع
ما تنعد أصناف كتيرة مالهاش حد
خصوصا الياسمين والورد والس دا
جاب منه بكترة نظرة يابدوى
ياجايب اليسرة بعدين فرش كل
البساطات على الدكك جوه
السرايات أما النجف جنب الرايات
خل كدا الدنيا قمرة نظرة يابدوى
ياجايب اليسرة وكل دا وخضرة
تنادى خدوا بيدى يااسيادى بحق طه
دا الهادى اللى خفض دين الكفرة
نظرة يابدوى ياجايب اليسرة ياسيد
ياسيد وقتك انظر لمحسوبتك وقتك
لحسن تسبوا خدامتك تبقى فضيحة
ومعرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة
فى وقتها السيد يارجال نادى وقال
ياعبد العال طير كالحمامة ورح فى
الحال حال وطمن لى الخضرة نظرة
129
يابدوى ياجايب اليسرة وقل لها ما
تخافيشى من دى الهموم ما
تخافيشى بكره أنا أنده دراويشى
يجولك فى بلد الكفرة نظرة يابدوى
ياجايب اليسرة ساعت ما شافت عبد
العال فوق راسها ضحكت فى الحال
من شدة الفراح يارجال فتعجبوا
من فى الحضرة نظرة ياسيد ياجايب
اليسرة وقالوا ياست النسوان ياعود
قرنفل فى البستان بتضحكى
علشان ايه بان لن دى أول مرة
نظرة يابدوى ياجايب اليسرة قالت
لهم فرحى علشان زينة قصر
السلطان سمعان أقعد كدا فى
وسط الديوان ويسمونى الملكة
خضرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة
سمعوا كلمها يااخوانى فرحوا
وقالوا سعدنا بان ما يعلموا اللى
فى الغيب كان واللى ح يجرى لهم
بكرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة
يرجع كلمنا لعبد العال ونادى
130
درويش البطال راح دوغرى للسيد
فى الحال وقال له طمنت الحرة
نظرة يابدوى ياجايب اليسرة فقال
له روح ياعبد العال نادى المشايخ
والبطال وقل لهم هيا يارجال أنتم
ودراويشكم رخرة نظرة يابدوى
ياجايب اليسرة وانت المجاهد فى
الحال نادى المشايخ والبطال ومن
لهم فى الحرب مجال ليحرقوا بلد
الكفرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة
نادى الجميع حال جاوبوه عدد ما
يمكنكوا تعدوه وجم على طنطا
وقادوه جبنا لكم كل العترة نظرة
يابدوى ياجايب اليسرة وبعدها السيد
يارجال نادى وقال ياعبد العال أعمل
لى قهوة لليطال واسقى جميع من
فى الحضرة نظرة يابدوى ياجايب
اليسرة فقال له ياسيدى انه نهور
تقضى الجميع أو انه بحور دول
كالمطر فوق الجسور اسقيهم انت
بالمرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة
131
فقام عمل من توفيقه قهوة ملها
فى ابريقه سقى الجميع من ابريقه
كل المشايخ والفقرة نظرة يابدوى
ياجايب اليسرة وبعدها نادى القوام
هيا بنا نروح للقوام ونجيب اسيرتنا
بقوام احسن ما تجرى لها مجرى
نظرة يابدوى ياجايب اليسرة وكل
شيخ لم جيوشه واخوانه مع
دراويشه وكل واحد شال شيله
قاصدين كده حرق الكفرة نظرة
يابدوى ياجايب اليسرة ويرجع كلمنا
بالتانى لخضرة من دا السلطانى وما
جرى لها يااخوانى وما فعل ابن
العاهرة نظرة يابدوى ياجايب
اليسرة فلما جهز دى الفراح
سمعان وقومه الكفرة اللى ح
يخزيهم الفتاح ويخلى وقعتهم
غابرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة
بعت نده للجزارين وقال لهم ياابن
العارفين عايز لحوم من كل سمين
من جنس خنزير أو بقرة نظرة
132
يابدوى ياجايب السرة وركبوا حال يا
فضال جابوا بهائم عال العال من
كل ما يشجى الكال لحوم عظيمة
معتبرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة
وذبحوا منهم فى آن وبعدها نادى
السلطان بالطباخين تسعوا فى الن
وتطبخوا لنا ميت بقرة نظرة ياسيد
ياجايب اليسرة أما الخنازير دول
تمانين عشان كدا أكل السلطين
والوز ياحافظ ياأمين خلوا طبيخه
للفقرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة
عزم كذا كل السلطين وبعدها
البشوات بأمين كذا الخواجات
الرزلين من كل برنيطة كبرى نظرة
ياسيد ياجايب اليسرة نادى المشاط
يارجال ومشطوا خضرة فى الحال
وزينوها زينة عال حتى بقت مثل
القمرة نظرة يابدوى ياجايب
اليسرة وبعد ما تم قوله غير هدومه
ومنديله وبدو يفعل مفعوله وينصب
الفعال رخرة نظرة يابدوى ياجايب
133
اليسرة فى وقتها السيد ياأمير كان
حط فى بلد الخنازير وقال لعبد
العال قم سير شوف جرى ايه فى
الخضرة نظرة يابدوى ياجايب
اليسرة فى وقتها راح عبد العال
رأى الجميع تموا الشغال وخضرة
بتنادى يارجال هيا انجدونى من
العثرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة
ساعت ما شافها جه ياكرام زعق
بحق قوام هيا اسرعوا اللوم بقوام
أحسن ح يسبولنا خضرة نظرة
يابدوى ياجايب اليسرة فى وقتها
السيد ياناس رصص جيوشه
كالبرجاس وزعق وقال ولله حاس
لبد من حرق الكفرة نظرة يابدوى
ياجايب اليسرة هجم بجيشه على
العداء بالليل وكان دا الوقت عشاء
لوقعتهم غبرةمل أراضيهم دماء وخ ّ
نظرة يابدوى يا جايب اليسرة ياما
لها تطير وجتت بقت رؤوس خ ّ
تأكلها الطير يقتل ما شافوا له
134
نظير حتى هلكهم بالمرة نظرة
يابدوى ياجايب اليسرة أما كذا
المشاط ياناس فى الحرب ماجرى
لهم منى ياناس وأما سلطانهم
منجاس يشخر فى دمه كالبقرة
نظرة يابدوى ياجايب اليسرة
والوليا ركبوا الزيات وهدموا كل
السحليات وكسروا كل النجفات
خلوا البلد حفره جفرة نظرة
يابدوى ياجايب السرى وأما السيد
دا المفضال دخل على خضرة فى
الحال وقال لها زيلى البلبال أدينى
نجيتك من العثرة نظرة يابدوى
ياجايب اليسرة ونادى للقوم الصلح
هياأركبوا يااهل الصلح أحنا تمينا
الفراح على الكافرين بمتين حصرة
نظرة يابدوى ياجايب اليسرة وبعدها
أسرع بنشاط وطار بخضرة
والمشاط وكانوا قاعدين فوق
البساط وخضرة فيهم كالمرة نظرة
يابدوى ياجايب اليسرة وحطم على
135
المقصورة ودار هلله دى الدورة
ولما جت ناس بتزوره شافوا الجميع
قالوا أسرى نظرة يابدوى ياجايب
اليسرة ونادوا حال للمؤذن فوق
مدنته يطلع يدن وكان كده صوته
أرعن فسمعت الناس جت من بره
نظرة ياسيد ياجايب اليسرة جم
المشايخ والخلفة وجميعهم كل
الشرفه من البلد يابن الطرفة وكل
شيخ قام حضرة نظرة ياسيد ياجايب
اليسرة حطوا البساط فى الدار
واسلموا المشاط العبرة وامسكوا
طبلتهم والطار وغنوا بأصوات
معتبرة نظرة ياسيد ياجايب اليسرة
فجت لخضرة كل الناس وعندها فى
دى الحضرة وتعجبوا من صاحب
الكرامات صاحب الكرامات الكبرى
نظرة ياسيد ياجايب اليسرة وبعدها
يانور العين عملت وليمة الست
الزين وسيرها شاع بين الكونين
حتى مل مصر وبصرة نظرة يابدوى
136
ياجايب اليسرة شافوا كرامات السيد
الطاهر القطب الجيد كام جاب
أسير حتى مقيد وكم نجد ناس من
الكفرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة
وكم كرامات ما تتعد وكم مرات ما
تتحد وكم له نجدات ملهاش حد اقرا
الكتب تنبيك خبره نظرة ياسيد
ياجايب اليسرة أما اللى يعفى
ويقول ياسلم يخرج من الدنيا
بسلم دا العفو من طبع الكرام ل
يأت ال من المره نظرة ياسيد
ياجايب اليسرة وأختم كلمى ياخلى
فى مدح طه المتجلى سيد النبيين
والرسل والنس والجن رخرة نظرة
ياسيد ياجايب اليسرة والل مع
الصحاب بتمام يارب وأغفر للنام
وأحسن ختامى على اليمان
فلما فرغ النقيب من كلمه تعجب السادة الرجال
من كلمه ،وتأملوا فى معنى نظامه ،وقالوا
سبحان مسبب السباب ،ثم أقبل من بعيد
القطاب الربعة الكبار وهم سيدى أحمد
137
الرفاعى ،وسيدى ابراهيم الدسوقى ،وسيدى
عبد الرحيم القنائى وسيدى عبد القادر الجيلنى
فسلموا على الرجال ،ووضعت لهم الكراسى
العوال ،فلما استقر بهم الجلوس ،أقبل فحل
الرجال الجواد صاحب العطايا والمداد خادم سيد
العباد وبيده قضيب خيزران مافيه اعوجاج وبين
يديه المادى ينادى ياأبا فراج .فلما سمعت
الرجال النداء وقفوا جميعا تأدبا واحتراما حتى
جلس على الكرسى أمامهم فأخذوا يقبلون يديه
حتى أمرهم بالجلوس فجلسوا ول أحد منهم نطق
أمامه بحرف ،ثم أن الستاذ الكبر قرأ الفاتحة
الى سيد البشر وأمر النقيب بقراءتها جهراعلى
مسمع من الجميع ،ثم قال :كل من كان له كلما
آذنت له فيه بشرط أن يظهر معانيه ومبانيه،
فتقدم أحد القطاب الثلثة وقال ياسلطان
الرجال هذا ابنك وخليلك نور تركته بما فيه
الكفاية فأدع له بالولية .وقام الثانى وقال ألست
أنت من دعوت له بالهداية فأهتدى بأذن الله ؟
وتقدم الثالث فقال :سبق فى علم الله أن كل
شىء بقضاء الله فأطلبوا له من الله أن يكشف
ضره وبله وأسألوا صاحب العطايا أن يزيل عنه
جميع المضرات فما منكم ال وهو مجاب الدعوات
.فقال السيد أحمد البدوى :اعلموا أن هذا ولدى
وقد أخذ عهدى فى حياته وحفظ ودى ،وأنا
138
سألت الله العظيم رب موسى وابراهيم وزمزم
والحطيم أن ينصره ويكون وليا لله بأذنه ويكون
صاحب مقام عال بين الولياء ويقام له مولدا
يحضره جميع النام .فقال الدسوقى :أسأل الله
العظيم رب موسى الكليم أن يلهم زوجته
الصابره أن الله أظلها بليلة القدر التى هى خير
من الف شهر تكريما لها من دون العباد لجل أن
تدعو لزوجها بالولية فيستجاب لها .ثم ان
السلطان نفض المنديل فأنفض المجلس وذهب
كل منهم الى حال سبيله .
4
صفاء
139
أبنهانصر يراقب زوجة خاله ويعرف قرارها ،لم
يكذب نصر خبرا وأول ما طلعت من البيت
تسحب ومشى وراءها ،كانت صفاء ترتدى فستانا
قصيرا ومحبوكا على وسطها وردفيها،وراقب
نصر جسد زوجة خاله وهى تمشى أمامه ،كان
ملفوفا ومدملكا ولدنا ،ليس به عضلة واحدة
،وكان ردفاها يترجرجان كلما خطت خطوة
بحذائها ذى الكعب العالى ،وغمغم نصر :حد
يموت ويسيب الفرس ده .تركت صفاء بولق
الدكرور وطلعت كوبرى همفرس ونزلت الناحية
الخرى ،ومشت فى شارع السود ان بأتجاه
شارع جامعة الدول العربية ،وفى أحد السوارع
الجانبية صعدت احدى العمارات ،وكما يحدث فى
الفلم المصرية ،فقد أخرج نصر علبة سجائره
وتقدم من البواب وناوله سيجارة وجلس بجانبه
على الدكة الخشبية ،وسأله عن التى دخلت توا ،
قال البواب أنها تعمل فى الشقة المفروشة
بالدور السابع ،وأنهاست غلبانة و تجرى على
أيتام .نصر قدم لمه تقريرا كامل عن زوجة خاله
مشفوعا بقوله :يامه الولية حلوة وبتشتغل فى
الشقق المفروشة ،وما أدراك باللى بيحصل
فيها .نصر راقب الباب طول الليل حتى ظهرت
زوجة خاله ودخلت حجرتها ،ومن فتحة المفتاح
تفرج عليها وهى تخلع هدومها
140
،وأحس أنها تتطوح وهى واقفة فعرف أنها
سكرانة ،خلعت كل هدومها ووقفت عارية تماما
ثم ارتدت قميص نومها على اللحم ورمت نفسها
على السرير ،نصر أنجن من منظرها فدفع الباب
برجله ،ولدهشته أنفتح فرده وراءه وطوح
بجسده فوقها ،كانت راقدة على بطنها وأحست
بجسده يضغط على مؤخرتها ولم تكن تعرف أنه
نصر فأعتدلت وقاومت قليل ،ولما كانت متعبه
وشبه نائمة وغائبة عن الوعى ،فقد استسلمت
لهجومه الملح وتركته يفعل بها ما يشاء .
5
141
وواحد منهم قال لها على الفولة وقشرتها ،أبنك
عايش مع مرات خاله فى شقة واحدة .صديقة
عقلها طار فذهبت الى عمتها بديعة :المرة
خطفت الوادوبينام معاها كل يوم الهايجة ،أعمل
ايه ياختى شورى عليا.بديعة قالت :كل فرج
مكتوب عليه أسم ناكحه ،داوعد ومكتوب ياختى
وابنك راجل مش ها يخسر حاجة .مصمصت
صديقة شفتيها :من ناحية هايخسر هايخسر
صحته وعافيته وشبابه ،داجوزها الله يرحمه
ماخدش فى ايدها غلوة .صديقة سلمت أمرها لله
وقالت عليه العوض فيك يانصر ،وانتى ياصفاء
يابنت حوا وآ دم الهى ماتكسبى ول تربحى
ويورينى فيكى يوم قادر ياكريم .ونصر قال
لصفاء بلش الشقق المفروشة دى بقى وأنا مش
هااخليكى تحتاجى حاجة خالص .قالت صفاء
أسمع ياروح أمك أنت مش جوزى تتحكم فيا ،ثم
انت قاعد نايم واكل شارب منين ماهو من شغلى
،ولما بتعوز تركب بتركب ،بقولك ل ؟ يعنى مش
حرماك من حاجة ،يبقى عاوز أيه تانى .نصر
اطرق برأسه الى الرض وسرح قليل ثم نظر
اليها وقال :يعنى لو أتجوزتك تقعدى من شغلك ؟
طب وناكل منين ،قالت وأخذت فى أرتداء هدوم
الخروج .سيبينى أدبرها بمعرفتى .وصفاء فى
طريقها لمحل عملها أخذت تفكرفى عرض
142
الزواج بجدية وتأخذ وتعطى مع نفسها ،خاصة بعد
ما حدث معها بالمس ،الشقة التى تعمل بها
تؤجر مفروشة للعرب ،خاصة السعوديون وهم
يؤجرونها بخادمتها ،شرط أساسى ،وهى خادمة
بالسم فقط ،أما مهنتها الحقيقية فهى الدعارة ،
عرفت ذلك من أول ليلة قضتها فى الشقة ،
وأكتشفت أن قضاء ليلة فى حضن أحدهم يؤمن
لها قدرا من النقود ل بأس به ،ثم أنه أسهل من
أى عمل آخر علوة على مابه من متعة ،مؤجر
الشقة سعودى يدعى عتيق ،أمس جاء معه
بشابين سعوديين وأرادوا تمضية السهرة فى
الشقة ،أتصل عتيق بفتاتين يعرفهما أحداهما
تعمل راقصة فى ملهى ليلى بوسط البلد
والخرى ممرضة فى مستشفى فجاءتا وأصبحن
ثلثة ،أحضر عتيق كباب وكفتة وصندوق بيرة
وبعض زجاجات الويسكى الفاخر لزوم السهرة ،
وكان مع احدى الفتاتين قطعة حشيش أخرجتها
وصارت تلفها فى السجائر وتعطينا ،وأختار كل
واحد واحدة منهن وبدأت السهرة ،وكانوا فى عز
المعمعة حين سمعوا خبطا ورزعا على الباب
شديدين ،أرتعبت البنات وانكمشت كل واحدة
منهن فى بعضها وقد أيقن بالهلك ،فهذه اليدى
الثقيلة من المؤكد انها أيدى رجال الشرطة ،
والنتيجة معروفة لهن ،قضية آداب لهن ،بينما
143
الرجال يصبحون شهودا عليهن ،المهم بعد أن
أفقن من صدمة المفاجأة الولى جرين عرايا
وأختبأن بجوار السلم الخلفى للعمارة والمسمى
بسلم الخدم وأغلقن بابه وأنتظرن ما سوف
يحدث ،كان الظلم شديدا ،والخوف جعل
أجسادهن العارية ترتعد ،وسمعن أصواتا عالية
واقدام تهرول وتوقعن قدومهم ناحيتهن
وأخراجهن وهن على هذه الحال بل ملبس عرايا
كما ولدتهن أمهاتهن ،بعد لحظات هدأ كل شىء
وما عدن يسمعن أى صوت ،ول يدرين ما الذى
حصل بالخارج ،وأخذن يضربن أخماسا فى
أسداس ،فواحدة همست :لعلهم لم يكتشفوا
شيئا فمضوا .وأخرى قالت أو لعلهم أخذوا
الشبان معهم وأكتفوا بذلك .أما هى فقالت كيف
يحدث ذلك وهدومنا مرمية فى كل ركن فى
الشقة وحتى ملبسنا الداخلية ،وزجاجات البيرة
والويسكى وسجائر الحشيش ،كل هذا يدل علينا
ويفضح وجودنا .وصارت كل واحدة تستحضر فى
زهنها ما سوف تقوله اذا ما تم القبض عليها وهو
أمر ل بد منه ،ولكن حدث ما لم يكن فى
الحسبان ،فقد أنفتح باب سلم الخدم وظهر على
عتبته عتيق يمسك فى يده هدومهن فرماها لهن
وأشار بأن يرتدينها دون خوف ،ثم أنه أشار
لهن بالدخول فدخلن ،ورأين ضابطا برتبة نقيب
144
يقف فى وسط الصالة مع الشبان وعلى ما يبدوا
كان يتكلم كلما وديا ويضحك ،تعالوا يابنات
مفيش حد غريب .قال عتيق وأخذ يقدمهن
اليه ،صفاء ،تحية ،سماح ،النقيب عواد ،جاء
للقبض علينا طلعنا أصحاب .النقيب عواد قرر أن
يسهر معنا ،وأختار صفاء لتكون بصحبته طوال
السهرةوعدت الليلة على خير .كانت المرة
الولى التى تواجه فيها بهذا الموقف ،وما رأته
على وجهى الفتاتين من خوف ورعب ،أصابها
هى نفسها بنفس الخوف والرعب ،قالت لها
احداهن :لوكان قبض علينا كنا شفنا الذل ،أنا
ى ذات مرة ،وكانت مرتى الولى قبض عل ّ
،ضبطت فى شقة فى بين السرايات ،وهذه
المنطقة تابعة لقسم بولق الدكرور ،وما أدراك
ما هو قسم بولق الدكرور ،يعنى تتحجزى أسبوع
على القل فى القسم ،ويزفوكى وانتى داخلة
الحجز ،ولو كرمك ربنا ومدخلتيش الحجز
هاتقعدى فى النوباتشية ،ودى أسخم وأدل ،طول
الليل يفعص فى جسمك أى مخبر ول أمين
لحتى ظابط ،كله بيفعص ،وكله عاوز شرطة و ّ
ينام معاكى قبل ما يتم ترحيلك ،واذا نطقت
بكلمة ياويلك وياسواد ليلك ،من ضرب لشتيمة
ياقلبى ل تحزن ،يعنى بهدلة وقلة قيمة وقضية
دعارة تحمليها طول عمرك.فكرت صفاء فى كل
145
ذلك ،وقالت لنفسها مش كل مّرة تسلم الجّرة ،
ويابنت ضل راجل ول ضل حيط .وحين عادت الى
البيت ،قالت لنصر يالله بينا دلوقت على المأزون
لو لسه عاوز تتجوزنى .نصر نظر اليها بحرج
وكسوف :دا يوم المنى ،بس ياريت نأجلها
لبكرة ،أصل معاييش فلوس المأزون .صفاء
أخرجت لفة نقود من حقيبة يدها وضعتها فى يده
و قالت الفلوس أهى ،هو أنا وأنت أيه ،بس
سايقة عليك النبى ما تجيب سيرة لمك دلوقت،
أنا مش ناقصة جرس وفضايح ،مؤقتا يعنى
ومسيرها تعرف .
6
146
والثمانين بعد رحلة مضنية مع المرض حيث
اصيبت بفشل كلوى ،وكان عليها أن تقوم بعمل
غسيل بريتونى مرتان فى السبوع ،لم تغسل
مرة واحدة فقط ولم تتحمل الثانية ،عشت سوى ّ
معاناتها مع المرض بكل آلمه وعذاباته ،كما
عشت لحظات احتضارها وموتها ،كانت المرة
الولى التى اتعرف على الموت عن قرب ،بل
واواجهه وجها لوجه وهو ينتزع من بين يدى
وبشراسة أجمل كائن انسانى أحبه قلبى ،أمينة
مرشد ،أسم لن أنساه ما دام قلبى ينبض بالحياة
،وأذا مد الله فى أجلى ،فسوف أكتب عنها
رواية أسميها هكذا :سيرة أمينة مرشد
،كنت أفكر بعد رحيلها طوال الوقت ،أن أكتب
عنها ،وأحكى قصة موتها كما لم تحكى القصص
من قبل ،كنت أعيش اللحظة أينما كنت أو وليت
وجهى ،وكان التحدى الذى يواجهنى ليس أن
أكتب هذه القصة ،ولكن كيف ؟ كنت أريدها
أجمل وأعظم ما كتب أو سوف يكتب عن الم ،
فى أحد اليام كنت أتجول فى أحد الحقول
المزروعة فى بولق الدكرورقبل أن تداهمها
العشوائيات ،فقد كانت قطعة من الريف داخل
القاهرة ،وبينما أنا سارح فى البرية فوجئت
بنفسى أردد مفتتح القصة التى لم أكتبها بعد حتى
حفظته ،كان يقول :الى أمى الراقدة فى حضن
147
أمها الرض ،مبتسمة كما يبتسم طفل ليس به
ألم ،مستغرقة فى سنة من النوم ،يداها على
صدرها الهادىء تنامان فى دعة وسكون .كان
هذا المفتتح هوبداية ثلثية موت أمى التى ظهرت
ضمن مجموعة حكايات الديب رماح ،وفى كتاب
التوهمات كانت هى البداية المناسبة للكتاب ،
أدركت أن حقبة كاملة كانت قد ولت والى
البد ،وأن هذا الجيل كله يوشك أن يستسلم
لموته مع من مات :نورالذى يريد أن يصبح وليا
دون جدوى ،أم حفنى التى أضحت أسطورة
موتها المتكرر تروى جيل بعد جيل ،حفنى الذى
ناضل نضال معجزا مع مرضه ،محمد عبدون
الذى ترك بصماته على جسد صفاء ومضى
،وحتى أمى التى كانت فى وقت من الوقات
جزءا من هذه الحداث ،أما من بقى منهم ،فقد
دخل القرن الجديد بل هوية ،محاسن توحدت
بعنوستها وبدأ ماء الحياة يجف فى بدنها فتزوى
بل أمل فى النجاة من مصيرها المحتوم ،صفاء
التى رفضت حياة الشرمطة فتزوجت نصر ابن
صديقة ،وصديقة التى أحست أن زواج أبنها
الكبير من لبوة كما كانت تحب أن تطلق عليها
مصيبة وحطت على رأسها ،أما بديعة ،فقد
دخلت فى شرنقتها الخاصة وتوحدت مع نفسها ،
لم أعد أراها ،لكنى كنت أسمع عن أحلمها
148
وهلوسها المتعلقة بنوروأصراره على اقامة
ضريح له بأية طريقة ،وفى تلك المرحلة ،كان
اهتمامى بالموروث الشعبى قد وصل لحد الهوس
المبالغ فيه بعض الشىء ،كنت أحاول فهم كيف
يفكر الناس البسطاء ودراسة معتقداتهم
الشعبية ،وهو ماقادنى لدراسة ظاهرة الولياء
فى مصر ،أو كما أسماهم محمد فهمى عبد
اللطيف دولة الدراويش فى مصر ،وهى ظاهرة
استغرقتنى طوال الصيف كله ،فمصر هى أكبر
بلد فى العالم بها هذا الحشد الهائل من
الولياء ،ساعدنى كثيرا كتاب الدكتور محمد
الجوهرى المسمى علم الفولكلوروخاصة جزئه
الثانى الخاص بدراسة المعتقدات ،أما الكتب
التى تعرض تجليات الظاهرة كتراجم لحياة هؤ لء
الولياء فهى كثيرة أذكرمنها :حلية الولياء لبى
نعيم ،جامع كرامات الولياء للنبهانى ،نزهة
العيون النواظر وتحفة القلوب الحواضر لعفيف
الدين أبى السعادات ،عمدة التحقيق فى بشائر
ديق للشيخ ابراهيم العبيدى ،البريز فى آل الص ّ
مناقب سيدى عبد العزيز ،اللمع للطوسى .ثم
كتب المتصوفة أنفسهم مثل أخبار الحلج
وطواسينه ،مجموعة مصنفات شيخ اشراق
للسهروردى المقتول ،وابن عطاء الله السكندرى
،المكنون فى مناقب ذى النون للسيوطى ،
149
ثم مجموعة منطق الطير لفريد الدين العطار
القصص الشعبى التى تتغنى بحياة وكرامات هؤل
الولياء مثل :قصة سيدى أحمد البدوى ،أيضا
قصته مع فاطمة بنت بّرى ،قصة الميرة خضرة
الشريفة وما جرى لها فى بلد النصارى وكرامة
السيد البدوى حين أتى بها ،قصة سيدى أبراهيم
الدسوقى وما جرى له من العجائب والغرائب
والكرامات نظم ولى الله المجذوب الشيخ طاهر
بن يعقوب .كما أن له قصة أخلرى بعنوان
سيدى ابراهيم الدسوقى وما جرى له مع
العلماء .ومن خلل كل هذه الكتب يمكننى
أستخلص قائمة بأشهر الكرامات التى يقوم بها
الولياء :احياء الموتى ،تجفيف البحر والمشى
على الماء ،القدرة على تحويل الشياء الى
صورة أخرى ،طى المسافات ،الطيران فى كل
الوقات ،مخاطبة الحيوانات والشجار والجماد
وكل عنصر الطبيعة ،شفاء جميع المراض ،
التواجد فى أكثر من مكان فى وقت واحد ،
توقيف الوقت ،التنبؤ بالغيب ،القدرة على
تحويل شكله فى الهيئة التى يختارها .سحرتنى
وبهرتنى تلك المقدرة غير المحدودة التى يتمتع
بها هؤ لء الرجال المؤيدون بعناية الله ،وما
يأتون به من عجائبية وسحرية ،تراث هائل مترع
بالغرائبية ،اليست هذه واقعية سحرية؟
150
7
فى أحد صباحات بولق الدكرور المبكرة ،
فوجىء الناس بنشاط غير عادى يحدث ،مكان
السوق فى شارع ترعة زنين تم تنظيفه وطرد
الباعة القائمين به ،وتم رصف الطريق الرئيسى
فى زمن قياسى ،كما زرعت الشجار على
جانبى الطريق ووضعت أصص الزهور ونباتات
151
الزينة ،قيل أن الموكب الرئاسى سوف يمر من
هذا المكان فى طريقه الى أفتتاح مصنعا للدوية
تابعا للقوات المسلحة ،وقيل أن هذا الطريق
سوف يكون معبرا لطريق مصر السكندرية
الصحراوى أختصارا للمسافة ،لكن الحقيقة التى
عرفت بعد ذلك أنه تقرر أقامة ضريح لولى الله
الشيخ نور الدين فى هذا المكان .كيف حدث
ذلك ؟ ل أحد يعلم ،فقط بديعة كانت تعلم
ماحدث وما سوف يحدث ،أبتسمت وأشارت
بيدها معلقة :بلطجى فى حياته وفى مماته
ويعملها .كان الهتمام على أعلى المستويات ،
من و زير الوقاف الى مشيخة الزهر الى
المحافظ فرئاسة الحى ،المشكلة التى واجهت
الجميع هى عدم وجود مكان يصلح لقامة مثل
هذا المشروع الذى أراد له الجميع ،ولسباب
سياسية ،أن يكون ضخما ودعائيا ،ولم يكن
هناك أصلح من جنينة باسيلى مكانا للمشروع .
152
الدكرور ،وهى ذات شوا رع رئيسية ثلث :أول
هذه الشوارع وأقدمها هو شارع همفرس ،بناه
الخواجا همفرس مهندس الرى فى عهد الملك
فاروق ،وبنى فى نهايته جنينة شهيرة والتى
سميت بأسمه ،وفى الجنينة بنى قصرا سمى
بقصر الملذات كان الملك يزوره متخفيا كى
يحظى بأفتراع العذارى اللتى كان يجلبهن من
شتى أنحاء المعمورة مّعرسه الشهر أنطوان
بوللى ،ظل القصر والجنينة قائمين مكانهما بعد
قيام الثورة الى أن قدمت الى الدنيا فقدر لى
رؤيتهما من الداخل ،وتلك حكاية تروى بأختصار ،
ذات مرة كان أبى البناء يبنى سورا فى منطقة
النزهة والتى تقع فى زمام جنينة همفرس ،
وكعادته كان يأخذنى معه فى المسامحة أى
الجازة المدرسية كى أتعلم الصنعة لنفع نفسى
مثل جميع أخوتى ،لكنى كنت أفضل اللعب على
أى شىء آخر ،والموضع الذى كان أبى يبنى فيه
يقابله أحد أجزاء سور الجنينة ،كان متهدما ووضع
بدل منه سور من السلك الشائك ،كنت أسّهى
أبى وأعمل بيدى فى هذا السور حتى نجحت فى
فتح ثغرة تكفى لمرور جسدى الضئيل منها ،
وتسللت الى داخل الجنينة فى غفلة من الحراس
والكلب وحتى الجن والعفاريت التى أعلم علم
اليقين أن الجنينة مسكونة بهم ،ورأيت أمامى
153
فاكهة الحلم ،فكثيرا ما كنت أحلم بثمرة مانجة
ى
بطول بيتنا وعرضه ،أجلس فوقها وأدلدل ساق ّ
ومعى سكين أقطع بها لحم المانجة وآكل ول
تنتهى ،أو أصابع موز الواحد منها طولى ،رأيت
فاكهة من نوع آخر ،ليست كتلك التى تشتريها
أمى من المرأة العجوز التى تجلس على ناصية
حارتنا ،ولننى كنت خائفا جدا ومرعوبا ،فقد
ى وأخذت أقطف أمتدت يدى الى أقرب الثمار ال ّ
من على الشجرة وأعبىء جيوبى وعبى ،كانت
ثمار كوكا غير ناضجة ،ومضيت بسرعة مغادرا
الجنينة على أمل الرجوع اليها مرة أخرى ،لكن
هذا ما لم يحدث على الطلق .شارع همفرس
يقع فى المنتصف تماما من بولق الدكرور ،وهو
يمتد طوليا من أول شارع السودان حتى طابق
الديابة ليتقاطع مع شارع ترعة زنين الذى يلف
بولق من الناحية الجنوبيةحتى يصل الى شارع
التحرير ،أمتداده الطبيعى يفصلهما كوبرى
يسمى كوبرى الخشب ،وهوثانى الشوارع الثلث
،أما الثالث فهو شارع ناهيا والذى يمتد من شارع
السودان وجامعة الدول العربية حتى قرية ناهيا
وكرداسة ويلف بولق من الناحية الشمالية ،تقع
جنينة باسيلى فى الناحية الجنوبية من أول شارع
ترعة زنين ،من هو باسيلى ؟ ومن أين جاء ؟ ل
أحد يعلم ،قيل أنه الجندى الوحيد الذى نجا من
154
مذبحة القلعة ،وأنه هرب الى احراش بولق
ليختبىءفى الزراعة ،وبعد موت محمد على
أبتنى لنفسه قصرا والحق به جنينة وأحاطهما
بسور عال ل يكشف ما خلفه ،وقيل أنه تزوج
من بولق بأربعة فتيات أبكار أفترعهن فى ليلة
واحدة ،وأن زوجاته ما كن يحبلن ال توائم فكن
ينجبن فى البطن الواحدة ثمانية أطفال ،قيل أن
عدد أبنائه تجاوز المائة ،وقيل أن جائحة الكوليرا
حصدتهم جميعا وبقى القصر والجنينة مهجوران
يسمع فيهما عزيف الجن والعفاريت حتى
تسلمتهما وزارة الوقاف بعد الثورة .وفى رواية
أخرى أن باسيلى باشا الكبير التركى الصل ،كان
متزوجا بأمرأة حلبية لم يخلق الله أجمل منها ،
كانت تصغره بعشر سنوات ،كان يعشق التراب
تحت قدميها ويغير عليها من الهواء الطائر ،
وحدث أن كان لهذه المرأة أخا من الم ترك بلده
وحاله ومحتاله وجاء للقامة مع أخته ،كان
يعشقها ول يصبر على فراقها ،وكانت هى أيضا
كذلك ،فقد نشئا معا وتمكنت المحبة فى قلب
كل منهما ،وكان باسيلى باشا ل يجد غضاضة من
ان يعيش هذا الشاب مع أخته ،على الرغم من
أتيانهما أفعال ل تحدث بين الخ وأخته كأن يقبلها
فى فمها أو يتحسس جسدها أو ينظر اليها نظرة
رجل لمرأة ،ولسلمة نيته كان يستبعد حدوث
155
الفاحشة بينهما ،وفى أحد المرات كان مسافرا
الى الشام لعمل يتغيب فيه بضعة أيام ،وفى
منتصف الطريق تذكر أنه نسى أوراقا هامة لبد
من وجودها معه لتمام عمله فرجع للتيان بها ،
ودخل قصره وأتجه الى حجرة مكتبه ،وكانت
حجرة نومة مجاورة لها فسمع أصواتا وأنينا
مكتوما آتيا من حجرة نومه ،فتسحب شاهرا
مسدسه ودفع الباب فوجد زوجته فى حضن أخيها
على فراشه عاريين ،فما كان منه ال أن أفرغ
رصاص مسدسه فى قلبيهما فماتا فى التو
واللحظة .وحدث بعد ذلك أن الناس كانوا
يسمعون صراخا وهلوسة طوال الليل آتية من
ناحية القصر ،فقيل أن شبح المرأة وأخيها
القتيلين كانا يظهران للرجل كل يوم ويفعل أمامه
ما كانا يفعلنه فى حياتهما ،فكان يصرخ كلما
رأى ذلك حتى أنخبل عقله وصار مجنونا الى أن
مات ،وبقى القصر مهجوراحتى وضعت وزارة
الوقاف يدها عليه .
* المقام *
156
المهندس الذى وقع الختيار عليه لقامة
البناء أختير على الفّرازة ،كان الول فى مسابقة
حضرها الف ومائتي متسابق ،قدم ماكيت بالبناء
كامل ،شرح فيه التكلفة والدوات والخامات
المستخدمة ،قال أنه أطلع على جامع الملك
الحسن الثانى بالدار البيضاء ،تحفة معمارية
حديثة ،وعلى مقام المام البخارى بسمرقند ،
أيضا قبر المير تيمور لنك ،ومسجد آياصوفيا
بأسطنبول ،وعلى الجامع الموى بدمشق ،
قال أنه سوف يبنى المسجد الجامع وبين عينيه
هذه النماذج الرائدة ،قال أنه سيختار من كل
نموذج أفضل ما فيه ،ويضيف عليه أفضل ما عنده
،سوف أترك المهندس يتم بنائه على راحته،
والى أن يتمه سأحدثكم عن أغرب ما يمكن أن
يحدث لنسان ،تزييف تاريخه ،نعم ،فقد تمت
أغرب عملية تزييف لتاريخ أنسان على مرأى
ومسمع من الجميع ،بل أن الجميع شاركوا
بشكل أو بأخر فى هذه العملية ،أنا وأنتم نعلم
تاريخ نور وأصله وفصله من منشأه حتى وفاته
حتى أنه أعترف بلسانه فى الورقات التى تركها
بأنه ) حرامى وعاصى وكداب ( لكن ا السيد نور
الدين أصبح بين يوم وليلة هو قطب القطاب
وعمدة العمد والنجاب ،صاحب الرشاد والجود ،
وقطب دائرة الشهود أبو الكرامات السيد نور
157
الدين الدكرورى – نسبة الى بولق الدكرور التى
نشأ بها – أبن السيد عبد الرحمن أبن السيد على
قريش بن السيد محمد الشهير بأبى النجا ر بن
السيد زين العابدين بن السيد عبد الخالق بن
السيد محمد الشهير بأبى العينين بن السيد أبى
الطيب بن السيد محمد الكاتم بن السيد محمد
عبد الجواد بن السيد موسى الكاظم بن السيد
جعفر الصادق بن السيد محمد الباقر بن السيد
على الزاهر بن السيد على زين العابدين بن
المام السيد الحسين بن المام على بن أبى
طالب كرم الله وجهه بن السيدةفاطمة الزهراء
رضى الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه
وسلم .وهى الورقة التى علقت فيما بعد فوق
ضريحه تعريفا بنسبه الشريف ،كذلك فقد أصبح
صاحب اللقاب الشهيرة :العارف بالله ،الصامت
،الباكى ،قاضى المظالم ،حامى حمى بولق ،
ولى الله ،كعبة الزوار ،دليل الحيران ،وندهة
المنضام ،أبو الرايات .الغرب من كل ذلك ،
فأن نتفا وعناصر من القصص الشعبى الذى يدور
حول مولده الشريف وكراماته بدأت تتجمع لتكون
ما يشبه السيرة الشعبية ،وقد وقع بيدى نصان
يتحدثان عن سيرة نور الدين أحدهما شعرى
والخر نثرى ،النص الشعرى بعنوان :نزهة
المشتاقين فى قصة سيدى نور الدين ،والخر
158
النثرى بعنوان :قصة سيدى نور الدين الدكرورى ،
البحر العجاج المتلطم بالمواج دليل الحيران
سيدى نور الدين الدكرورى ،وهى تشتمل على
ولدته الشريفة وما أظهر فيها من الكرامات
الباهرة ،بالتمام والكمال والحمد لله على كل
حال .النصان الشعرى والنثرى ليس بينهما
اختلفا كبيرا ،بل أنهما يكادا يتطابقان ،والرواية
الشعبية لكل منهما تتجاوز اللف صفحة ،لذلك
فهى تعد من أكبر سير الولياء ،على أننى سوف
الخص الخطوط العريضة للنص النثرى حيث يقول
أن أمه وقت مولده كانت فى الستين من
عمرها ،وقد أظهر بعض كراماته قبل أن يولد
بزمن ،أذ ظهر لمه فى صورة صقر وحماها من
الغتصاب وهى فتاة قبل أن تتزوج ،وكان مولده
فى شهر رمضان ،ولم يكن يرضع ال بعد آذان
المغرب ،وقد عرف هذه الحكاية أهل المنطقة ،
فكانوا أذا شق عليهم معرفة وقت آذان المغرب
يلجأون الى أمه وينتظرون حتى يبدأ الطفل الوليد
فى الرضاعة ،وبعد أن كبر قليل كانت الرواح
تحرسه فى غدوه ورواحه وأينما توجه ،وحدث له
وهو فى السابعة عشرة من عمره أن تحدث مع
ثور _ فقد أوتى القدرة على مخاطبة الحيوانات _
وعلم من الثور أنه ليس عاديا كسائر الناس ،
فجرى الى البيت وهو شديد الضطراب
159
والخوف ،وشاهد فى تلك اللحظة جبل عرفات
والحجاج يقفون عليه .فى الثامنة عشرة من
عمره رحل من مسقط رأسه بولق الدكرور
سواحا فى بلد الله ،وقبل رحيله وعد أمه أنه لن
يكذب أبدا مهما حصل ،وقصد الى بغداد ،وفى
الطريق تعرضت العربة التى يستقلها الى بعض
قطاع الطرق ،وأخبر نور الدين رئيس العصابة
أن معه نقودا كثيرة مخبأة فى ملبسه ،وكان من
أثر هذا الصدق أن ندم رئيس العصابة ومن معه
وتابوا على يديه ،عاش نور الدين حياته متصوفا
زاهدا متعبدا ،لم يكن يشرب الماء أبدا – وهى
أحدى كراماته – ولم يأكل لحم الطير أو
الحيوانات ،وقبل موته بوقت قصير عينه الخضر
عليه السلم قطبا ،أما حكايته مع العلماء
فمعروفة ،ذلك أن بعض زملئه من العلماء
حسدوه على المكانة الرفيعة التى وصل اليها
فأرادوا أمتحانه ،لكنهم ما أن ظهروا أمامه حتى
شلت السنتهم وعجزوا عن الكلم .لكن نور
الدين أظهر كرامة أخرى فى نفس الوقت ،أذ
أستطاع أن يقرأ أفكارهم ويعرف السئلة التى
كانوا ينوون توجيهها اليه ،علوة على ذلك فقد
أجاب عليها جميعا فبهت القوم .ومن كراماته أن
الشياء كانت تتحول فى يده ،ومن ذلك أن
أحدهم أهداه ذات مرة تفاحة فنظر اليها فتحولت
160
فى يده الى عفن ودم ،ومرة أخرى تحول الذهب
فى يده الى دم عندما ضغط عليه بشدة ،ومما
يروى فى السيرة أنه لم ينم الليل أبدا وأنه كى ل
ينام كان يقف طوال الليل على رجل واحدة ،
وكان يشكل جسمه كيفما شاء فيطول ويقصر
ويختفى وهو بين الناس فل يراه أحد ،كما كان
يطير الى الكعبة أثناء الليل ،حيث يصلى ويطوف
ثم يعود فى نفس اللحظة ،كما أنه أظهر كرامة
التواجد فى أكثر من مكان فى نفس الوقت .
تنتهى سيرة ولى الله الشيخ نور الدين عند وفاته
فتقول أنه لقى ربه فى ليلة السابع والعشرين
من شهر رمضان المبارك ،وأن الملئكة نزلت
فى ليلة القدر الى السماء الدنيا لتزفه الى بارئه .
* * *
161
فأن للمصريين طريقتهم الخاصة فى الحياة
وأستيعابهم للوافد والجديد والتعامل معه ،وهو
ما جعلهم يستمرون كأقدم شعوب الرض حضارة
وتاريخ ،وقال أبى نقل عن غيره :لو أستعقدتم –
يقصد أعتقدتم – فى حجر لفاد ،وروى حكاية
تدلل على صحة كلمه فقال :أصيب رجل بمرض
ل شفاء منه ،وظل يتألم مدة من الزمن ،وفى
أحد اليام ،وبينما كان مسافرا ،مّر على مكان
قفر ،فوجد رجل جالسا مقرفصا يقضى حاجة ،
فوقف بعيدا عنه بحيث ل يراه ،فلما أنتهى الرجل
من قضاء حاجته ،أستبرأ بقطعة حجرثم طوح بها
بعيدا ،فقال الرجل المريض أن قطعة الحجر
هذه فيها شفائى ،وجرى على قطعة الحجر
وامسك بها ووضعها على مكان اللم فزال مرضه
فى الحال .وهى أشارة واضحة لصحة العتقاد ،
حتى ولو كان هذا العتقاد فى حجر ،فما بالك
بالولياء ؟
لم أجد أشارة واحدة فى سيرة نور الدين عن
زوجته بديعة ،وربما كان هذا مثيرا للدهشة ،فقد
كانت هى أول من أكتشف وليته ،وهى أول من
صدقه ،كما أنها ظلت طوال سنوات طويلة تلح
على المسئولين وكل ذى شأن من أجل أقامة
ضريح له ،فكيف حدث ذلك ! لست أدرى ،وفى
تصورى أن هذه المرأة بأيمانها بزوجها ،وكل هذا
162
الصبر والتحمل ،ودعوتها لزوجها ،وتجاهل
الخرين لها وأتهامهم أياها بالخرف ،كل هذا
أدعى لن تكون أحق بالولية من زوجها ،وقد
عاشت حتى رأت بعينيها وضع حجر الساس
للجامع والمقام ،وكانت آخر كلماتها :ل تدفنونى
بعيدا عن شيخى نور الدين .
* * *
8
163
سباع تخرج من أفواهها مياه تصب فى فسقية
أمامها ،ثلث سللم رخامية معشقة بألوان
الفسيفساء تفضى الى بهو أعمدة الجامع الشاسع
المسافات ،السقف ذى القباب الثلث شاهقة
الرتفاع بزجاجها المعشق بالوانه المبهجة لحظة
سطوع الشمس وأنعكاسها بالوان الطيف ،
العمدة الرخامية السامقة التى تحمل القباب ،
ثلث مآذن سامقة شاهقة الرتفاع ل يرى نهايتها
المتماهية فى السحاب ،بنيت على غرار مآذن
العصر الفاطمى ،المنبر المعمول من خشب
البنوس المطعم بالصدف والعاج على هيئة
أرابيسك دقيق الصنعة ،ثم القبلة ذات النقوش
البديعة والخطوط الهندسية وتماهيها مع الفراغ
فى صراع مع الكتلة ،وعلى الجانب اليمن من
الباب الرئيسى للجامع ،الحجرة التى بها الضريح
المحاط بسياج من النحاس الصفر المنقوش
فوقه اسماء الله الحسنى ،وعلى الجدران كتب
بالخط الكوفى أسماء آل بيت النبوة والحضرة
الزكية ثم نسب صاحب الضريح وشجرته العترة ،
أرض حجرة الضريح صنعت من زجاج سميك
شفاف ،والماء يجرى من تحته ،والضريح رابض
فوق الماء وفوقه قبة وعمامة الشيخ الخضراء
وسبحة وعباءة وشعرة من ذقنه وضعوا فى طاقة
للتبرك ،الحجرة تسبح فى نور سماوى يميل الى
164
الخضرار ل يعرف من أين يأتى ،المهندس الذى
بنى الجامع والضريح أراد أن يشيد ما لم يشيد
من قبل ،وحين أقترح على المسئولين ما ينتوى
فعله أعتبروه مجنونا ،كان الطلب غريبا ،أن
يحول مجرى النيل ليمر من تحت الضريح ،حتى
المحافظ هز رأسه وكتفيه فى أسف :هذا الطلب
فوق مستوى قدراتى وسلطاتى ،يحتاج موافقة
أعلى سلطة سياسية فى البلد .الغريب أن طلب
المهندس نفذ وبأسرع مما تخيل الجميع ،كيف
حدث ذلك ؟ ل أحد يعرف ،وتم تحويل مجرى نهر
النيل للمرة الثانية فى تاريخ البلد وعدت من
كرامات الولى .الشوارع والحوارى والزقة التى
تفضى وتلتف حول الجامع والضريح تم تنظيفها
ورصفها وتشجيرها والعشوائيات أزيلت وحلت
محلها دكاكين لبيع الحلوى والمأكولت السريعة
والهدايا التذكارية ،وخيم شعور بالطمأنينة على
الناس فى بولق الدكرور ،ورموا حمولهم
وأوجاعهم ومتاعبهم على ولى الله الشيخ نور
الدين الدكرورى ،الذى ما أن يذكر أسمه حتى
يقرن بشى الله ياسيدى ،وسره الباتع مل البيوت
والقلوب غبطة .
9
165
ودائما ما تتحكم العادة فى الناس ،وأصبحت
العادة هى أقامة مولدا للشيخ فى العشر الواخر
من شهررمضان ،تتجلى فيه النوار القدسية على
الناس والدور والزقة والحوارى فيطعم الهاجع
والناجع والنائم على الطوى ،ويجىء أصحاب
الطرق الصوفية ،كل شيخ وله طريقته وأعلمه
وبيارقه وأناشيده وكراماته ،وتمر اليام ،وما
كثرة مرورها ودورانها ،ويصبح للشيخ طريقة
تعرف بالطريقة الدكرورية ،وتقام لها زاوية
بالقرب من الجامع ،ويدخلها أتباع ل حصر لهم ،
166
لتقيم طوال الوقت بجانب أبيها وأمها مرتدية
جلبية بيضاء والمسبحة ل تغادر أصابعها وقد
أنحفرت فوق جبينها علمة داكنة من أثر
السجود ،أمارمضان زوجها ففوض أمره الى الله
معتبرا زوجته ماتت فعكف على تربية عياله بهمة
ل تعرف الكلل ،محاسن أصابها الخرف بعد أن
تخطت الثمانين فأخذت تهذى فى آخر أيامها
وتنادى على كل الميتين حتى لحقت بهم ،ولم
تمرسنة حتى لحقت صديقة بأختها من أثر أصابتها
بداء السل ،أمانصر وصفاء فعاشا عمرا مديدا
أنجبا خلله أربعة أولد وثلث بنات ،وكانت له
مثال الزوجة الصالحة حتى أتاهم هادم اللذات ،
ومفرق الجماعات ،فسبحان الحى الذى ل يموت
،صاحب الملك والملكوت .
167
صدر للكاتب
***
• قصص *
– 1حكايات الديب رماح طبعة أولى – الهيئة
المصرية العامة للكتاب 1987
طبعة ثانية – مركز
الحضارة العربية 1995
طبعة أولى -الهيئة – 2حرب أطاليا
المصرية العامة للكتاب 1988
طبعة ثانية – مركز
الحضارة العربية 1998
طبعة أولى – مركز – 3حرب بلد نمنم
الحضارة العربية 1997
طبعة أولى دار – 4قرن غزال
سندباد 2002
طبعة ثانية -الهيئة
168
المصرية العامة للكتاب
السرة ( ) مكتبة
2004
• رويات *
طبعة أولى -الهيئة – 5كتاب التوهمات
المصرية العامة للكتاب 1992
طبعة أولى – دار – 6العاشق والمعشوق
شرقيات 1995
طبعة ثانية -الهيئة
المصرية العامة للكتاب ) مكتبة السرة 1996
طبعة ثالثة – مركز الحضارة العربية 1998
ترجمت إلى الفرنسية
لدار النشر جاليمار 1998
قررت على طلبة كلية دراسات عربية فرع
الفيوم – الفصل الدراسى 1997 / 96
طبعة أولى – مركز 7مسالك الحبة
الحضارة العربية 1997
قررت على طلبة السنة الرابعة – كلية التربية
الفنية – الفصل الدراسى 1998/1999
– 8الجنى طبعة أولى -الهيئة المصرية العامة
للكتاب 1999
– 9يومية هروب جزء أول – طبعة أولى مركز
الحضارة العربية 1999
طبعة ثانية – دار النتشار العربى –
169
بيروت 2000
• كتب أخرى *
– مقدمة ودراسة – 10سيرة على الزيبق
للنص الصلى -الهيئة المصرية العامة للكتاب
2003
– 11طقاطيق الست توحيدة – دراسة
ونصوص – قيد النشر
– 12القصص الشعبى الدينى فى مصر
– دراسة ومختارات – قيد النشر
– 13سيرة أبى على ابن سينا – دراسة مع
النص الصلى – قيد النشر
– رواية – قيد – 14شق القمر
النشر
170