Você está na página 1de 170

‫كيد النسا‬

‫خيرى عبد الجواد‬

‫من مكرهم عدت‬ ‫كيد النسا يشبه الكي‬


‫هارب‬
‫ويتعصبوا‬ ‫بتحزموا بالحنش حي‬
‫بالعقــارب‬

‫ابن عروس‬

‫القسم الول‬

‫‪1‬‬
‫بديعة‬
‫****‬
‫تحايلت بديعة على ملئكة روحها الخيرة‬
‫‪،‬واختارت بإرادتها الحرة مصاحبة هاروت وماروت‬
‫ملكا السحر‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫تعلمت فنونه السوداء على ايدى شياطين‬
‫النس وأرادت تجريب ما تعلمته فى بنى ادم‬
‫فاختارت الشاب الذى سوف يصبح زوجها وأبو‬
‫ابنتها الوحيدة فتحية‪.‬‬
‫اسمه نور‪ ،‬كان يشبه رشدى أباظة بقامته‬
‫الفارعة وبنيانه المتين وشعر رأسه الناعم والذى‬
‫كان يثبته إلى الوراء فاستحال لونه إلى الرمادى‬
‫بفعل الصابون والفزلين‪ ،‬كان عاطل ً عن العمل‬
‫فامتهن البلطجة‪ ،‬وكان دائم الهرب من الشرطة‬
‫فاستحالت سيرته إلى أسطورة بديعة الخاصة‬
‫والسرية فوقعت فى عشقه‪ ،‬ولم يكن هو يشعر‬
‫بها‪ ،‬لكنه جاء إليها "على مل وشه" راكًعا و مدلها‬
‫ومعترفا بحبه لها لما سحرت له عن طريق عبد‬
‫القوى بائع الطماطم فى الظاهر والساحر‬
‫الشرير صاحب العمال السفلية والتى دوخت‬
‫بولق الدكرور كلها‪ ،‬طلب منها " أتر " نور‬
‫فأخذت تتحايل علها تعثر على حته من هدومه‬
‫فيها ريحة عرقه‪ ،‬اتفقت بديعة مع بعض الصيع‬
‫على التحرش بنور والمساك بخناقه وهربدة‬
‫هدومة‪ ،‬قالت من يجيئنى بحته من هدومة له‬
‫عندى مكافأة‪.‬‬
‫وفى صبيحة احد اليام‪ ،‬وبينما كان نور يمشى‬
‫فى حارة على أبو حمد مختال فخورا يقول يا‬
‫ارض أنهدى‪ ،‬هاجمه ثلثة شبان مفتولى العضلت‪،‬‬

‫‪3‬‬
‫لكن نور الذى كان يفوقهم قوة‪ ،‬خلع هدومه‬
‫فأصبح عارًيا إل من الكلوت وطوح بقدمه فى‬
‫الهواء كما كان يفعل بروس لى الذى شاهده فى‬
‫فيلم الرأس الكبير حين عرضته سينما مرمر‬
‫فجاءت فى محاشم الول وسقط على الرض‬
‫فاقد الوعى‪ ،‬والثاني ضربه بقبضة يده فى وجهه‬
‫فأنفجر الدم من انفه‪ ،‬والثالت أعطاه مقص رجل‬
‫أوقعه ووقع فوقه وأخذ يضربه حتى صرخ "‬
‫ت والنبى يا عم " ثم ارتدى هدومه‬‫حرم ّ‬
‫ومضى‪.‬بديعة التى كانت جالسة فى بيتها الكائن‬
‫بحارة على أبو حمد تنتظر أن يأتوا لها بأتر‬
‫نور‪،‬عرفت بالواقعة‪،‬فازداد هيمانها به‪ ،‬وهمست‬
‫لنفسها‪ :‬والله لو كان ضربوه لكرهته‪.‬وفكرت انه‬
‫لن يأتى بأتر نور سواها فكان ان ابتدعت خطة‬
‫وهى ان تتعرف على أخته فهيمة فتعرفت عليها‬
‫وصارت صديقتها الوحيدة‪ ،‬وفى احد اليام‪ ،‬ذهبت‬
‫معها إلى منزلها‪ ،‬لم يكن نور موجودا‪ ،‬أمه كانت‬
‫جالسة بالقرب من شباك يطل على الحارة‬
‫الضيقة‪ ،‬عجوز تعدت الثمانين وفقدت بصرها منذ‬
‫أربعين سنة‪ ،‬قالت ان المليجى رحل ونور فى‬
‫بطنها حتة لحمة لم تتشكل بعد‪ ،‬زينب ابنتها‬
‫البكر‪ ،‬ونور جاء بعد رحيل والده بثمانية‬
‫شهور‪.‬تركتهما زينب وذهبت لشراء باكو شاى من‬
‫محل بقالة على أول الشارع‪.‬قالت بديعة أنها‬

‫‪4‬‬
‫ذاهبة لشرب الماء من المطبخ‪ ،‬وتسللت إلى‬
‫الحمام فعثرت على هدوم وسخة قرب الغسالة‪،‬‬
‫أخذت تقلب فيها حتى عثرت على لباس نور‬
‫فخبأته فى صدرها وعادت إلى أم نور التى عرفت‬
‫ان اسمها تهانى‪.‬‬
‫عادت بديعة إلى بيتها وحين انفردت بنفسها‬
‫أخرجت اللباس من صدرها وأخذت تقلبه فى‬
‫ل‪ ،‬قربته من انفها‬‫يدها‪ ،‬كان ابيض كالحا ومبلو ً‬
‫فشمت رائحة عفنه مع رائحة أخرى نفاذة أدارت‬
‫رأسها وجننتها حتى أنها وضعته بين فخذيها ونامت‬
‫عليه‪.‬‬
‫فى الصباح لم تستطع بديعة الذهاب إلى‬
‫الساحر عبد القوى‪ ،‬كانت تشعر بكسل لذيذ‬
‫فأخذت تتمطع‪.‬تذكرت لباس نور فقامت خبأته‬
‫فى دولبها‪ ،‬وأحست انه كان معها طوال‬
‫الليل‪.‬وقررت إل تعطى عبد القوى أتر نور‪ ،‬فقط‬
‫أعطته اسم أمه حين قابلته فكتب ورقة بدم‬
‫الغزال وطلب منها أذابتها فى الماء ورشها على‬
‫عتبة بيتهم وفى الماكن التى يخطو فيها‪،‬‬
‫فسهرت حتى قرب الفجر وتسللت وهى تحمل‬
‫علبة صفيح ملنه بالماء ورشتها كلها على عتبة‬
‫بيته وفى الطريق التى يمشى فيها‪.‬‬
‫كانت تحلم بنور كل يوم‪ ،‬كان يجيئها فى‬
‫انصاص الليالى ويظل معها حتى الصباح‪ ،‬وكانت‬

‫‪5‬‬
‫تقوم وكل حته فى جسمها تؤلمها وكأنه كان‬
‫ما غريبا لم‬‫يعصرها عصرا‪ ،‬وحلمت بديعة حل ً‬
‫تستطع تفسيره‪ ،‬دخل عليها ذات يوم أخوها‬
‫طا بسلسلة ورائه‪،‬‬ ‫الكبير حفنى يجر كلبا مربو ً‬
‫وأخذ الكلب يزوم ويهوهو ولمحت دموعه تسيل‬
‫على وجهه ونظر إليها باستعطاف وجلس تحت‬
‫قدميها‪ ،‬وهى حالما رأت الكلب شعرت بدقات‬
‫قلبها تتسارع وتعلوا مثل طبل‪ ،‬وأدارت وجهها‬
‫خبأته استحياء‪ ،‬وقالت لخيها حفنى‪:‬هل هان عليك‬
‫أهل بيتك حتى تدخل عليهم شاًبا غريًبا‪ .‬وهتف‬
‫حفنى مستنكًرا‪.‬شاب غريب‪.‬انه كلب وجدته فى‬
‫ى‬
‫الشارع فعجبنى شكله وصعب عل ّ‬
‫فأحضرته‪.‬قالت بديعة‪:‬انه شاب مسحور‪.‬وغابت‬
‫لحظات عادت بعدها بطاسه ملنه بالماء قرأت‬
‫عليها بالسريالية ثم قالت أذا كان الله خلقك كلبا‬
‫فكن كما أنت ‪ ،‬أما أذا كنت مسحورا فأرجع الى‬
‫صورتك التى خلقك الله عليها ‪ .‬ثم رمتها فى وجه‬
‫الكلب فعطس وانقلب شابا جميل كان هو نور‬
‫بعينه الذى ما ان وقع نظره عليها حتى وقع فى‬
‫غرامها وتزوجها ودخل عليها فوجدها درة ما ثقبت‬
‫‪ ،‬ومطية لغيره ماركبت فأطلق مدفعه على‬
‫قلعتها عتيقمها‪.‬كان هذا الحلم هو نفسه الحلقة‬
‫التى سمعتها مساء الجمعة الماضية من ألف ليلة‬
‫وليلة بصوت زوزو نبيل‪ ،‬لكنها لم تتذكر أنها‬

‫‪6‬‬
‫سمعت ذلك من قبل‪ ،‬فقط الحلم وحده شغلها‬
‫دا‬
‫عدة ليال متواصلة‪ ،‬وخافت إن هى أخبرت أح ً‬
‫لشك فى قواها العقلية‪ ،‬وخافت أكثر ان يتحقق‬
‫دا أو كلًبا ول تعرف كيف‬ ‫الحلم فينقلب نور قر ً‬
‫ترجعه إلى صورته الصلية‪ ،‬لذا فقد قررت ملزمة‬
‫عبد القوى الساحر علها تتعلم منه شيًئا يعينها‬
‫على أيامها القادمة‪ ،‬وتعلمت الجلجلوتية "الصغرى‬
‫والكبرى وكيف تربط محلول ً وتحل مربو ً‬
‫طا‬
‫والطوالع وعلوم السيمياء والبواب والعزائم‬
‫والبروج والطبائع والطلسم وأبواب المحبة‬
‫والدخول على الحكام وضرب الرمل وخلخلة‬
‫الهوا الكبرى وتعلمت شبشبة زعزوع وشبشبة‬
‫ناصور وشبشبة أبو الرياح ومندل المرآة ومندل‬
‫طيفور وفتح الكنوز‪ ،‬وفى خلل ستة شهور كانت‬
‫تفوقت على أستاذها حتى أنها سخرته لخدمتها‬
‫هى التى لم تدخل مدارس أو تتعلم القرأة‬
‫والكتابة‪ ،‬لكنها حفظت كل ذلك على السماع‪،‬‬
‫وفى خلل تلك الشهور واليام‪ ،‬كان نور يتمكن‬
‫حبه من قلبها حتى ملك كل حياتها فأقسمت ان‬
‫حضر شيطانها فسوف تأمره أن يأت به مكبل ً‬
‫خا‪ ،‬وسوف يستعطفها فتعطف وتحن‬ ‫وممسو ً‬
‫وتمن وتطلق صراحه بعد أن ترده بشًرا سوًيا‪،‬‬
‫حلمها الذى حلمت به ذات يوم‪ ،‬لكن نور العصى‬
‫على شياطين الجن والمعوز من سحر بديعة‬

‫‪7‬‬
‫هزمها ودخل السجن متهما بالسرقة‪.‬‬
‫بديعة لم تيأس أو تسلو حب نور‪ ،‬وحين علمت‬
‫بالخبر من أخته ضربت كفا بكف وقالت كلمة ل‬
‫يخجل قائلها‪:‬ل حول ول قوة إل بالله‪.‬وأرجعت ما‬
‫حصل لنور إلى العكوسات‪ ،‬واتهمت شيطانها‬
‫بالخيانة‪ ،‬وقررت ان تحارب معركتها حتى النهاية‬
‫فذهبت إليه فى السجن‪ ،‬وهو الذى ل يعرفها ولم‬
‫يرها قط ‪ ،‬سألته سؤال ً وهى تنظر إلى عينيه‬
‫ل؟ نور أخذ يتفحصها من‬ ‫مباشرة‪:‬هل سرقت فع ً‬
‫قدمها حتى رأسها فوجدها طويلة بل داع لذلك‪،‬‬
‫وأكثر نحافة مما تتحمل عينه ووجد ان أنفها‬
‫المدبب يعطى مشروعية لدمامة وجهها‪.‬اسمعى‬
‫يا ست انتى‪ ،‬قال نور مشيًرا بازدراء لحظته‬
‫بديعة‪.‬أنا ل أعرفك‪ ،‬ولكن أقسم بشرف أمى أنى‬
‫لم أسرق‪ ،‬واننى برئ من هذا المر‪.‬‬
‫زاد عجبه حين سمع صوًتا يشبه نقيق ضفدع‬
‫عطشان يقول له‪:‬أنا أصدقك‪ ،‬وسوف أعمل على‬
‫أظهار براءتك‪ ،‬ولكن بشرط‪.‬سكتت وأخذت تنظر‬
‫فى عينيه‪ ،‬وهو أطرق برأسه إلى الرض مفكًرا‬
‫فى شرطها ماذا عساه ان يكون‪ ،‬ومن هى أصل‬
‫حتى تتمكن من إخراجه؟‬
‫ان تتزوجنى‪.‬سمع نور جملتها الخيرة لحظة‬
‫انتهاء موعد الزيارة‪ ،‬وبينما كان يغادرها فكر فى‬
‫جملتها بإمعان وأحس ان هذه المرأة توشك ان‬

‫‪8‬‬
‫تحاصره فغمغم لنفسه‪:‬مش لو خرجت من هنا!‪.‬‬
‫لكن نور لم يمكث فى السجن أكثر من أسبوع‬
‫قا‪ ،‬أكثر من ذلك ان بديعة‬‫خرج بعده حًرا طلي ً‬
‫استطاععت تقديم الجناة الحقيقيين للمحاكمة‪،‬‬
‫أما كيف حدث ذلك‪.‬فهو سرها الذى لم تطلع أحدا‬
‫عليه‪ ،‬حتى أبنتها الوحيدة فتحية لم تعرف عنها‬
‫شيًئا‪ ،‬شئ واحد كانت تعرفه فتحية‪ ،‬حكته أمها‬
‫مئات المرات أمامها‪ ،‬كيف جاء نور صباح يوم أحد‬
‫ليخطبها من أمها وأخيها الكبر حفنى‪ ،‬وكيف‬
‫أستسلم لكل شروطهما‪ ،‬والغرب من ذلك أنه‬
‫تزوجها بعد الخطوبة بعدة أيام‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪2‬‬
‫نور‬

‫أنا ل أعرفه‪ ،‬فكيف أكتب عنه‪ ،‬هل أكذب؟أو‬


‫أتخيل أحداًثا لم أعشها‪ ،‬أؤلف عن شخص عرفته‬
‫وأنا فى السادسة من عمرى وكانت علقتنا انه‬
‫عا من‬‫كلما رآنى ضرب يده فى جيبه وأعطانى نو ً‬
‫البونبون يسمى نادلر فأفرح لذلك وأحبه وأتمنى‬
‫ما‪.‬‬
‫مقابلته دو ً‬
‫أسمى خيرى عبد الجواد‪ ،‬مؤلف قصص‬
‫وروايات‪ ،‬من عرفنى فقد اكتفى‪ ،‬ومن جهلنى‬
‫أقول له إجابة على سؤاله كيف أزج بأسمى فى‬
‫هذه الكتابة هكذا عينى عينك وقد جرى العرف ان‬
‫يكون الكاتب الراوى مخفًيا يحرك أحداثه من‬
‫وراء مكتبه‪ ،‬ل احد يعرف فيما يفكر‪ ،‬أفكاره‬
‫يطرحها على ألسنة شخوصه ‪ ،‬آماله وطموحاته‬
‫وأحلمه يدونها على الورق من وراء حجب‪.‬أنا غير‬
‫هؤلء يا صديقى‪ ،‬أنا أكتب عن نفسى فى كل ما‬
‫كتبت‪ ،‬ليس حًبا فيها إنما نفسى هى الوحيدة التى‬
‫أعرفها وعشت معها وخبرتها فى كل‬
‫أحوالها‪.‬وقديما قال أحد الفلسفة أعرف نفسك‪،‬‬
‫وها أنذا أحاول معرفتها‪.‬وكانت بديعة أقدر منى‬
‫على معرفة نور وكيف ل وهى التى أحبته‬
‫وتزوجته وأنجبت منه ابنة وحيدة اسمها فتحية‬

‫‪10‬‬
‫سوف يأتى الحديث عنها فيما بعد‪ ،‬لذا‪ ،‬فسوف‬
‫أكتفى بما قدمته بديعة عن نور فى الفصل الول‬
‫أما ما لم تعرفه بديعة‪ ،‬فهو ما سوف احكيه‪.‬‬
‫تزوج نور من بديعة بعد خروجه من السجن‬
‫مباشرة‪ ،‬ورفضت أم نور ان يعيشا معها فى‬
‫حجرتها فأخذته بديعة ليسكنا مع أمها وأخوتها‪،‬‬
‫عاشا فى حجرة صغيرة لها باب منفصل عن‬
‫الشقة يفتح علىبئر السلم بينما سكنت أم بديعة‬
‫والتى كانت تسمى أم حفنى على أسمم أبنها‬
‫البكر هى وحفنى ومحاسن وصدّيقة فى الحجرة‬
‫الخرى‪.‬نور ظل عاطل ً عن العمل‪ ،‬وسجائره‬
‫ومصروف جيبه كانت بديعة توفرهما له من‬
‫معاش أبيها‪ ،‬كانت تسرق من بك أمها ما تيسر‬
‫كلما سنحت لها الظروف‪ ،‬وكانت أمها تعرف‬
‫لكنها تغاضت فى أول المر‪ ،‬ثم رأتها تسرق ذات‬
‫يوم فواجهتها‪ ،‬وغضبت بديعة وكرهت أمها فى‬
‫تلك اللحظة وتمنت ان تسخطها قردة‪ ،‬وقالت‬
‫هى فلوس أبى ‪ ،‬ونور ل يشتغل فما حيلتى‪ ،‬تحبى‬
‫أولع فى نفسى فيرتاح الجميع‪.‬وأم حفنى لم تأخذ‬
‫بتهديدات بديعة ول بصوتها العالى وقالت لبد من‬
‫حل‪ ،‬وعل صوت بديعة وأمها‪ ،‬وخرج نور على‬
‫صوتهما ووقف يتفرج‪ ،‬ولم يكن بالمنزل غيرهم‪،‬‬
‫وتجرأت بديعة ومسكت فى خناق أمها وقالت لها‬
‫خنقتينى يا شيخة‪ ،‬ما تموتى وتريحينا من بخلك‬

‫‪11‬‬
‫وقرفك‪.‬وأم بديعة صعبت عليها نفسها فضربت‬
‫بديعة على وجهها بكف يدها‪ ،‬وخرجت عفاريت‬
‫بديعة من عينيها فردت على أمها بقلم مثله‪ ،‬وجاء‬
‫نور فزغدها فى كتفها فصوتت‪ ،‬ودفعتها بنتها‬
‫فوقعت على الرض وقدمها اليمين تحتها‪،‬‬
‫صرخت‪:‬رجلى انكسرت‪.‬ومن شدة اللم أغمى‬
‫عليها‪.‬وحملها نور وجرى وبديعة وراءه إلى‬
‫مستشفى بولق الدكرورالعام‪ ،‬وقرر الحكيم‬
‫جا يزيد عن واحد وعشرين يوما ً وجبست‬ ‫عل ً‬
‫رجلها واتهمت نور وبديعة بالعتداء عليها‪.‬ونور‬
‫الذى له سوابق هتف حسبى الله ونعم الوكيل‬
‫فيكى يا شيخة‪ ،‬ورمى يمين الطلق على بديعة‬
‫التى وقفت مذهولة ل تدرى ماذا تفعل فى‬
‫المصيبة التى حطت على رأسها‪.‬فل هى تقدر‬
‫ترجع لبيت أمها بعد ان طردتها هى وأخوتها‪ ،‬ول‬
‫هى على ذمة نور‪ ،‬ماذا أفعل يا ربى؟ تساءلت‬
‫وأخذت تبكى‪ ،‬ومن بين دموعها تذكرت ان لها‬
‫أقرباء فى نفس الشارع فذهبت إليهم وحكت‬
‫حكايتها كما تخيلتها هى فبدت مظلومة‪ ،‬وتعاطفوا‬
‫معها وبعد إلحاح منهم رضيت بالقامة عندهم‪.‬‬
‫هنا أبدأ الحكاية وأنا على يقين مما حدث فى‬
‫تلك الفترة‪ ،‬فقد كنت طرًفا فيها‪ ،‬ذلك لن العائلة‬
‫التى أقامت عندها بديعة عائلتى‪ ،‬كان أبى عامل‬
‫البناء قد رضى بإقامة بديعة بين السرة كأحد‬

‫‪12‬‬
‫دا‪،‬‬
‫أفرادها الذين تجاوز عددهم أربعة عشر فر ً‬
‫كان لديه ست بنات فلم يضره أن يزدن واحدة‬
‫أخرى‪ ،‬كذلك أمى التى كانت تكبر بديعة بعدة‬
‫سنوات رأت أن تعطف عليها بعد أن سمعت‬
‫حكايتها‪.‬لم تكن بديعة تمت للعائلة بصلة اللهم إل‬
‫صلة الجذور‪ ،‬وذلك أنها من نفس القرية التى تقع‬
‫فى محافظة المنوفية وتسمى" كوم‬
‫الضبع"وكانت تنتمى لحدى العائلت الفقيرة‬
‫والتى لم تكن لها أرض أو زرع بل كانت تؤجر‬
‫بأجر لم يكن يكفى‬ ‫نفسها للعمل لدى الخرين‬
‫للطعام فاعتمدت على ما يمنحه الخر ون مما‬
‫يفيض عن الحاجة‪.‬‬
‫أصبحت أنا أبن السادسة أرى بديعة أمامى فى‬
‫كل لحظة‪ ،‬بل أننى كنت أصحو من نومى فى‬
‫بعض الحيان لجدها نائمة بجوارى على سريرى‬
‫بملبسها الداخلية وقد انحسر اللحاف عن جسدها‬
‫البيض البض بينما كنت أشم رائحة عطرها‬
‫وعرقها وكانت تبدو لى جميلة‪ ،‬وذات مرة‪،‬‬
‫صحوت فوجدتها نائمة بجانبى كعادتها على‬
‫ظهرها شبه عارية‪ ،‬كانت تضع إحدى ذراعيها تحت‬
‫رأسها بينما ذراعها الخرى طوحت بها قريبة منى‬
‫وصدرها بدا مثل ربوة عالية بيضاء ومدكوكة‪ ،‬وقد‬
‫باعدت ما بين ساقيها فانحسر الكلوت على احد‬
‫جانبى فخديها فظهر شعر عانتها كثيفا واسود‬

‫‪13‬‬
‫ما‪ ،‬مددت يدى فأمسكت أصابعى بعض‬ ‫ناع ً‬
‫شعرها وشددته‪ ،‬صرخت وقامت منتورة تتلفت‬
‫حولها فى زعر‪ ،‬وبعد لحظة تنبهت إلى أن الفاعل‬
‫لم يكن سواى فنظرت إلى وتبسمت ولفت‬
‫ساقيها حولى تكاد تعصرنى ونامت مرة أخرى‪.‬‬
‫تعلقت ببديعة وتعلقت أكثر بمداعباتها لى‪.‬كنت‬
‫أنا الوحيد الذى تسمح لى بتقبليها من فمها وكنت‬
‫أحب ذلك لستمتع بطعم احمر الشفايف الذى‬
‫يشبه رائحة القرنفل‪.‬وفى كل يوم‪ ،‬كانت تسخن‬
‫بستلة الماء على الوابور الجاز السكاتى الذى لم‬
‫يكن سوى دانة مدفع عثر عليها أبى بعد الحرب‬
‫دا‪ ،‬وقبل الماء تكون‬
‫فقام بمعالجتها لتصلح موق ً‬
‫قد أتت بكسرونه ووضعت فيها بعض السكر‬
‫والماء وتتركها حتى تغلى ثم تقوم بصبها على‬
‫البلط فتجمد قليل ً حتى تصير حلوة لينة تفركها‬
‫بأصباعها ثم تفردها على مواضع من جسدها تنزع‬
‫الشعر منها‪ ،‬كانت عملية مؤلمة لنى رأيت بديعة‬
‫تصرخ فى كل مرة‪ ،‬وحين تنتهى‪ ،‬يكون الماء قد‬
‫غلى فى البستلة‪.‬‬
‫فتضعها على الرض وتضع الطشت النحاس‬
‫الكبير فى منتصف الحجرة‪ ،‬ثم تخلع ملبسها‬
‫وتجلس فى الطشت وتصب فوق جسدها الماء‬
‫الحار بعد مزجه بالماء البارد‪ ،‬سمحت لى بديعة‬
‫بالستحمام معها مرة‪ ،‬ورأيتها تحك جسدها‬

‫‪14‬‬
‫البيض باللوف بشدة حتى كاد الدم يتفجر منه‪.‬‬
‫بديعة أصبحت ركًنا أساسيا من أركان منزلنا‪،‬‬
‫وبدا أن ل احد يستطيع الستغناء عنها‪ ،‬أنا الذى‬
‫كنت أنتظر مداعباتها لى والتمسح بها فى كل‬
‫وقت فقد أدمنت رائحتها‪.‬وأمى التي حملت عنها‬
‫بديعة بعض أعباء المنزل‪ ،‬وحتى أبى الذى كان‬
‫يصحو مبكًرا للذهاب إلى عمله فيجد بديعة قد‬
‫صحت قبله وجهزت فطوره‪.‬‬
‫ل أحد يدرى ما الذى كان يدور فى ذهن بديعة‬
‫ما‬
‫فى تلك الفترة‪ ،‬لكن أمى المريضة دو ً‬
‫والمجهدة طوال الوقت بدأت تشعر بالخطر من‬
‫بديعة‪ ،‬وأخذت مشاعر الغيرة تعصف بها‪ ،‬لكن ما‬
‫الذى تفعله؟ أخذتنى ذات مساء وذهبنا سوًيا إلى‬
‫منزل نور‪ ،‬قابلنا أمه وسألتها أمى عنه فقالت أنها‬
‫لم تره منذ أشهر ول تعرف عنه شيًئا‪ ،‬ودعت‬
‫على بديعة التى طفشت ابنها وخربت بيته‪.‬لكن‬
‫أخته كانت تعرف فقد سمعت انه يعمل‬
‫عرضحالجى على باب أحد أقسام الشرطة‪ ،‬واحد‬
‫من الجيران شافه مرة هناك‪.‬لكن أين ؟ل تدرى‪.‬‬
‫خرجت أمى من بيتهم وهى مصممة على إيجاد‬
‫نور بأية طريقة‪ ،‬فهذا هو الحل الوحيد‪ .‬بيتى‬
‫هيتخرب‪.‬كانت تغمغم وهى تسحبنى من يدى‬
‫وتهتف قائلة‪:‬المره داخلة على خراب‬
‫البيت‪.‬مستعفية وفاجره ول حد حكمها‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫شعرت بأزمة أمى وكنت أرى دموعها على‬
‫خدها طوال الوقت فى صمت ول أحد يدرى ما‬
‫بها سواى‪ ،‬وفجأة أصبحت ل أطيق بديعة‪ ،‬كرهتها‬
‫وبت ل أطيق رائحتها‪ .‬ورأيتها للمرة الولى إمرأة‬
‫دميمة وأنها لم تكن جميلة فى يوم من اليام‪،‬‬
‫وأخذت اعقد المقارنة طوال الوقت بينها وبين‬
‫أمى فانتصر لمى‪.‬‬
‫بعد عدة أيام عرفت أمى مكان نور وأخذتنى‬
‫وذهبنا إليه‪ ،‬كان يجلس أمام قسم شرطة على‬
‫البحر‪ ،‬أمامه ترابيزة تظلها شمسية وقلم وعدة‬
‫دفاتر وأختام‪ ،‬كان يرتدى جلبية ناصعة البياض‬
‫قا عن ذى‬ ‫فوقها جاكت بدلة أسود وكان أكثر تأن ً‬
‫قبل‪ ،‬وعند رؤيته لى أخرج من جيبه أقراص‬
‫النادلر وناولهالى‪.‬شرحت له أمى كل شئ من‬
‫طقطق للسلم عليكم‪ ،‬وفى النهاية قالت‬
‫له‪:‬تعالى خد مراتك ولمها فى بيتك يا بن‬
‫الناس‪.‬كان نور منفعل ً وظهرت سنته الذهبية‬
‫متألقة بانعكاسات الشمس وقال‪:‬دى عيلة وسخة‬
‫والمره دى خرابة بيوت ابعدينى عنهم الله ل‬
‫يسيئك‪.‬انشغل نور بعض الوقت بكتابة عرض حال‬
‫لواحدة ست وانشغلت أنا بمتابعة الداخلين‬
‫والخارجين من وإلى القسم‪ ،‬وكانت أمى جالسة‬
‫مطرقة فى صمت‪.‬انتهى نور مما فى يده وقال‬
‫لمى وهو يرتب بعض الوراق‪:‬شوفى يأم جمال‬

‫‪16‬‬
‫دا موضوع مالوش حل‪ ،‬وأنا زهقت من الحتة كلها‬
‫وربنا هدانى ولقيت عمل شريف ونسيت شقاوة‬
‫زمان‪ ،‬وأنا لغاية دلوقت عمال أفكر أنا إيه اللى‬
‫رمانى على العيلة الوسخة دى‪.‬أكيد عاملين لى‬
‫عمل‪ ،‬وأنا متأكد‪ ،‬دانا حتى كرهت أمى وأختى‬
‫اللى مالهمش غيرى وما شفتهمش من ساعة ما‬
‫حصل اللى حصل تفتكرى دا طبيعى ؟ قالت أمى‪:‬‬
‫يا نور يا خويا مصارين البطن بتتخانق وبيحصل‬
‫اكتر من كده بين الراجل والست بتاعته‪ ،‬والطلق‬
‫خراب بيوت يا خويا‪ .‬هيه اللى بعتاكى‪.‬قال نور‬
‫فحلفت أمى بأيمانات المسلمين أنها جاءت من‬
‫ورائها وقصدها الخير‪.‬سلم علينا نور وهو يقول‬
‫ربنا يقدم اللى فيه الخير‪ .‬قالت لى أمى أل اخبر‬
‫أحدا بأننا قابلنا نور‪.‬وحين رجعنا إلى البيت وجدت‬
‫أمى بديعة نائمة على سريرها أبو عمدان بقميص‬
‫دا‪ ،‬فغضبت أمى‬ ‫النوم ولم يكن أبى موجو ً‬
‫وشخطت فيها وقالت‪ :‬استرى نفسك يا مره‪،‬‬
‫البيت فيه رجالة فقامت بديعة واتجهت إلى‬
‫حجرتى وأغلقت الباب على نفسها‪.‬‬
‫بديعة اشتغلت لنا فى الزرق فتشاجر أبى مع‬
‫أمى وكاد أن يطلقها‪.‬كانت رائحة البخور تمل‬
‫البيت وكانت بديعة تغمغم طوال الوقت بكلم‬
‫غير مفهوم وكانت ترش عتبة بيتنا بالماء الملون‬
‫ما كان‬
‫فيطأه أبى‪ ،‬وكاد يموت حين أعطته طعا ً‬

‫‪17‬‬
‫معجوًنا بدم العادة فتقيأه‪ ،‬ولمت أمى هدومها‬
‫وسافرت إلى بلدتنا‪ ،‬وقالت أنها لن تعود إل إذا‬
‫مشت بديعة‪ .‬وأبى قال أنا ل اجئ على الوليا‬
‫وانكسف يكلمها‪ ،‬لكنه سلط عليها بناته يضايقنها‪،‬‬
‫غير أنها لم تتضايق‪ ،‬وكشفت أختى حجاًبا مختبًئا‬
‫فى كيس المخدة التى ينام عليها أبى بعد فوات‬
‫الوان‪ ،‬ذلك انه أصيب فى جسده بحساسية‬
‫جعلته ل ينام باليل أو بالنهار‪ ،‬وجلس فى البيت بل‬
‫عمل بينما جسده كان يبدل جلده طوال‬
‫الوقت‪.‬وعلمت أمى بخبر مرض أبى فقالت دا‬
‫ذنبي‪.‬وأسرها أبى فى نفسه التى صعبت عليه‪،‬‬
‫ومع قلة حيلته ومصيبته التى جاءته من حيث ل‬
‫يدرى كان يصرخ من شدة الوجع‪ ،‬وبناته كن‬
‫يتناوبن على تغيير جلبابه وغياراته الداخليه كل‬
‫قا بالجلبيه التى‬‫ساعة‪ ،‬وكان جلده يخرج ملتص ً‬
‫دا وماء‪ .‬بينما كان يلوك المضغ فى‬ ‫كانت تنز صدي ً‬
‫فمه قال أبى جرح السلمة كل يوم له علمة‪،‬‬
‫وجرح الندامة التمس له طبيب‪.‬وجاء الطبيب‬
‫جا وأوصى بعدم القتراب من البيض‬ ‫وكتب له عل ً‬
‫والفراولة‪.‬واتريق أبى بعد ذهاب الدكتور وقال‬
‫لنا ‪ :‬مش لما نلقى الغموس نبقى ناكل فراولة !‬
‫ومد بوزه وقال ‪ :‬هأو‪.‬‬
‫ونور الذى غطس بعد زيارة أمى له‪ ،‬ظهر فجأة‬
‫يحمل فى يده كيس فاكهة‪ .‬قال انه بمجرد‬

‫‪18‬‬
‫سماعه بمرض أبى ترك ما فى يده وجاء فوًرا‪.‬‬
‫سلمتك يا عم محمد يا غالى‪.‬‬
‫وانتهزها أبى فرصة وفاتحه فى أمر بديعة‪ .‬ما‬
‫تردها يا نور وتريح الجميع‪ .‬وبديعة التى ما ان‬
‫علمت بمجئ نور حتى وقفت خلف الباب تتصنت‬
‫وهى على سنجة عشرة فسمعته يقول‪ :‬شوف يا‬
‫عم الحاج هالله هالله على الجد والجد هالله هالله‬
‫عليه‪ .‬اللى ينكسف من بنت عمه ما يجبش منها‬
‫عيال‪ ،‬واللى أوله شرط‪ .‬ما هو أنا جاى أردها بس‬
‫بشرط‪ .‬كانت كل شروط نور عبارة عن شرط‬
‫واحد‪ ،‬ان تتبرأ من عيلتها الوسخة وان كانت‬
‫عيزانى تعتبرنى كل عيلتها‪ ،‬ودا اللى عندى|‪.‬‬
‫تنحنح أبى ونادى على بديعة فجاءت وهى عاملة‬
‫نفسها مكسوفة وقالت‪ :‬ايوة يا حاج‪ .‬مش تجيبى‬
‫حاجة للراجل يشربها‪ .‬قال أبى وأشار لنور فغابت‬
‫بديعة دقائق وعادت بصينيه عليها كوب شاى‬
‫وضعتها أمام نور الذى نظر إليها فرآها زى الفل‬
‫فأعجبه شكلها‪.‬‬
‫نور جاى يردك يا بنت الناس وانتو ما لكوش‬
‫غير بعض‪ ،‬بس له شرط‪ .‬اللى تشوفه يا حاج‪،‬‬
‫وسى نور شروطه كلها على عينى وراسى من‬
‫فوق‪ .‬قالت بديعة ونظرت بدلل لنور الذى ما ان‬
‫سمع كلمها الذى ينحط على الجرح يبرد حتى‬
‫هتف‪ :‬شرطى ان أحنا نبقى فى حالنا ل تقوللى‬

‫‪19‬‬
‫اهلك ول أقولك أهلى‪ ،‬اهلك هما أنا‪ ،‬موافقة يا‬
‫ستى ؟‬
‫أم حفنى بعد ان فكت الجبس عجزت‪ ،‬رجلها‬
‫عقدت على الكسر وأصبحت ل تستطيع المشى‬
‫عليها‪ ،‬وحين عرفت أنها لن تمشى أو تتحرك على‬
‫رجلها مرة أخرى صوتت وبكت ودعت على ابنتها‬
‫ما‬
‫بديعة وزوجها نور أنها تشوف فيها وفيه يو ً‬
‫اسود من قرن الخروب‪ ،‬وحفنى‪ ،‬ابنها البكر‪ ،‬كان‬
‫طويل ً نحيل ً وجهه يشبه قساوة قلب بديعة‪ ،‬كان‬
‫شا باليومية ‪،‬وعلى معاش والده الذى‬ ‫يعمل نقا َ‬
‫كان يعمل عطشجى بالسكة الحديد كان يستر‬
‫أختيه فهيمة وصدّيقة وأمه العاجزة ولم يفكر فى‬
‫الزواج قبل ان يدخل البنات بيت العدل‪ ،‬ورغم‬
‫ذلك‪ ،‬فإن حفنى وقع فى حب "صفاء" ابنة الناس‬
‫الذين كان يبيض شقتهم فى شبرا من أول عينه‬
‫ما وقعت عليها وحكايتهما طويلة ومعروفة ـ ليس‬
‫هذا أوانها ـ ‪.‬‬
‫نور العايق الشاطر ربنا نفخ فى صورته وهداه‪،‬‬
‫استقام فى عمله أمام القسم وحبب فيه خلقه‪،‬‬
‫وبين عشية وضحاها‪ ،‬شوهد يتردد على الجوامع‬
‫ضا ول سنة‪،‬‬ ‫يصلى الوقت بوقته ولم يعد يترك فر ً‬
‫والسبحة استقرت بين أصابعه تعبث بها على‬
‫قا‬
‫ضا وال ً‬‫الدوام‪ ،‬وخلل ستة اشهر أزداد وجهه بيا ً‬
‫بنور اليمان واسودت جبهته من اثر السجود‬

‫‪20‬‬
‫وتمتع بشفافية جعلته يطرح على بديعة فكرة‬
‫مصالحة أهلها وطلب السماح من أمها‪ ،‬إل أنها‬
‫رفضت بشدة وقالت يا نور أنت أهلى وكل ناسى‬
‫وربنا يخليك لى‪.‬‬
‫وأذاقته تلك السنة ما لم يذقه طوال حياته من‬
‫سعادة فاضت على روحه حتى طلعت تقابل ربا‬
‫اسمه الكريم‪.‬أما كيف حدث هذا التحول لنور ؟‬
‫فهو ما تكشف عنه كراسة كتبها بخط يده‬
‫ووضعها فى ظرف وكتب عليه بالخط العريض ل‬
‫يفتح إل بعد موتى وإنا لله وإنا إليه راجعون ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫‪3‬‬
‫منامات نور‬
‫***‬
‫جاءت بديعة بعد موت نور إلى بيتنا‪ ،‬كانت‬
‫ترتدى جلبية قطيفة سوداء وطرحة سوداء‬
‫ضا‪،‬وكانت تبدو على وجهها سمات الحزن على‬ ‫أي ً‬
‫زوجها‪ ،‬أمى قابلتها بالحضان وقبلتها من هنا ومن‬
‫هنا‪،‬وأبى عزاها فى زوجها وأخذ بخاطرها‪،‬وبديعة‬
‫جلست مسهمة ونظراتها زائغة‪ ،‬وكانت تحمل فى‬
‫يدها كيس نايلون ملفوف كذا لفة أخذت تفكه‬
‫ببطء وأخرجت منه كراسة بجلدة خضراء ‪ ،‬وفرت‬
‫الدمعة من عينها وقالت انها كانت تقلب فى‬
‫حاجات نور بعد ما مات – الله يرحمة – فوجدت‬
‫هذه الكراسة وأشياء أخرى ‪ ،‬وانها حين رأت‬
‫خطه عليها انخطف قلبها فهى تعرفه رغم أنها ل‬
‫تقرأ ول تكتب ‪ ،‬وأحست انه ترك هذه الكراسة‬
‫لها وحدها ‪ ،‬فربما أراد أن يقول لها شيًئا انكسف‬
‫يقوله فى حياته ‪ .‬مدت بديعة يدها بالكراسة لى‬
‫كى أقراها لها ‪ ،‬وتنحنح أبى واستأذن من بديعة‬
‫فى النصراف ‪ ،‬كذلك فعلت أمى بذكاء وطيبة ‪،‬‬
‫فربما كانت هناك بعض السرار ل يجب أن‬
‫يعرفاها ‪ ،‬قالت بديعة وأشارت بيدها ‪ :‬تعالى هنا‬
‫جنبى عشان أسمعك كويس ‪ .‬فجلست بجانبها‬
‫ورائحتها القديمة لم أعد أشمها ‪ .‬على الغلف‬

‫‪22‬‬
‫الخضر الخارجى كان هناك مربًعا كتب فيه ‪:‬‬
‫السم ‪ ،‬الفصل الدراسى ‪ ،‬العام ‪ ،‬تحت بعضه ‪،‬‬
‫وفى الخلف كان جدول الضرب من واحد لمائة ‪،‬‬
‫وفى أول صفحة كتب بالخط الجميل ‪ :‬منامات‬
‫نور ابن عبد الرحمن لما تاب الله عليه ‪ ،‬وأخذت‬
‫أقرأ بصوت عال وبديعة تسمع ‪ :‬أنا – وأعوذب‬
‫بالله من كلمة أنا – نور ابن عبد الرحمن‬
‫العرضحالجى بمحل عمله الكائن أمام قسم‬
‫شرطة الجيزة على البحر ‪ ،‬أقول قولى هذا وأنا‬
‫فى دار الحق ‪ ،‬وانتم فى دار الفناء ‪ ،‬عشت‬
‫ضا ‪ ،‬بحلوها ومرها ‪ ،‬سرقت‬ ‫الحياة طول ً وعر ً‬
‫وكذبت وعصيت فما الذى سوف آخذه فى النهاية‬
‫سوى حفرة متر فى متر وقطعة قماش تستر‬
‫عورتى أمام خالقى ‪ ،‬أقول لكم ما قاله شيخى‬
‫ابن عروس لما تاب الله عليه ‪:‬‬
‫حرامى وعاصى وكذاب‬
‫عاجز هزيل العطايا‬
‫وتبت ورجعت للباب‬
‫حيا جزيل العطايا‬
‫باب الحرام واسع ل أخر له ‪ ،‬وأنا مشيت فيه‬
‫وتوغلت وما عدت اعرف كيف أرجع ‪ ،‬حتى أننى‬
‫نسيت البواب الخرى ‪ ،‬لكن لما ربك يريد يقول‬
‫للشئ كن فيكون ‪ ،‬ورحمته واسعة ‪ ،‬فلما أراد لى‬
‫الهداية ‪ ،‬أرسل لى علمات على هيئة منامات ‪،‬‬

‫‪23‬‬
‫وأنا الذى كنت أفهمها وهى طائرة ‪ ،‬فهمت‬
‫ووعيت الرسالة ‪ ،‬ومن يقرأ كتابى هذا فليتعظ ‪،‬‬
‫وليأت بورقة وقلم ويكتب ‪ :‬سبحان الله وبحمده‬
‫عشرة آلف مرة ويوزعها على أمة المسلمين ‪،‬‬
‫فإنه ناجح بإذن الله ‪.‬‬
‫• منام ‪1‬‬
‫فرأيت اننى داخل قاعة مظلمة ‪ ،‬فل لها ضبة ‪،‬‬
‫ول مفتاح وكأنى فى بركة ماء لونها أسود ‪ ،‬من‬
‫وقع فيها أكله تمساح ورأيت جمل المنايا نخ‬
‫قدام بابنا وأخذنى على ظهره المشوم وراح‬
‫***‬
‫• منام ‪2‬‬
‫سا فى مكان واسع رحيب ‪،‬و‬ ‫رأيت نفسى جال ً‬
‫إذا بكراسى صفت وجلس عليها أصحابها ‪،‬‬
‫وقال كبيرهم ‪ :‬إهدموا هذا البيت ‪ .‬وأشار إلى‬
‫بيتى ‪ .‬فرفع أحدهم النبوت وأراد وضعه تحت‬
‫أساس البيت ‪ ،‬فتعلقت بنبوته وصرخت ‪ :‬لى‬
‫شئ تريد هدم بيتى ‪ .‬فلما رآنى تعلقت بنبوته‬
‫هتف ‪ :‬يا دايم ‪ .‬ودفعنى بنبوته فغبت عن‬
‫الوجود مدة ساعة ‪ .‬وحين افقت ‪ ،‬وجدت‬
‫نفسى فى واد ليس به صريخ ابن يومين ‪،‬‬
‫فمشيت فيه حتى انتهيت إلى شجرة عالية‬
‫خضراء مورقة ‪ ،‬فصعدت فوقها وجلست‬
‫مستخبى بين الفروع ‪ ،‬وإذا بى اجد رجل ً ل‬

‫‪24‬‬
‫أدرى من أين جاء ‪ ،‬وأخذ يكنس تحت الشجرة‬
‫ويرش الماء ‪ ،‬ثم اخذ بعد ذلك أحجاًرا من‬
‫الرض وصار يصفهم على هيئة كراسى‬
‫فصارت مثل الديوان ‪ ،‬ثم نادى قائل ً ‪ :‬بسم‬
‫الله تفضلوا ‪ ،‬فالمكان خال ‪ .‬وما ان انتهى من‬
‫كلمه حتى أقبلت رجال كثيرون ‪ ،‬وجلس كل‬
‫واحد منهم على حجر من تلك الحجار ‪ ،‬ثم بعد‬
‫ذلك جاء رجل جليل القدر والمقام وعليه مهابة‬
‫‪ ،‬فنهضوا جميًعا وسلموا عليه بأدب ‪ ،‬وعرفت‬
‫أن هؤلء الرجال جميًعا من أولياء الله ‪ ،‬وذلك‬
‫من أسمائهم التى ناداهم بها الشيخ الجليل‬
‫والذى لم يكن سوى القطب الكبير سيدى‬
‫أحمد البدوى رضوان الله عليه ‪ ،‬كان بينه وبينى‬
‫عمار فى الله ‪ ،‬وكنت كلما ضاقت بى الحال‬
‫وانغمست فى الشقاوة والحرام أذهب إليه فى‬
‫مقامة المعروف بطنطا ‪ ،‬فكنت فى اليوم الذى‬
‫أريد الذهاب إليه ‪ ،‬أصحو مبكًرا على غير‬
‫ما حتى أصبح فى حضرته‬ ‫عادتى ‪ ،‬وأخذ حما ً‬
‫طاهًرا ‪ ،‬وحين أصل المدينة ‪ ،‬أتجه مباشرة إلى‬
‫ساحة مسجده فأجلس على قهوة فى مواجهة‬
‫المسجد ‪ ،‬أشق ريقى وأشرب الشاى مع‬
‫شيشة تفاحة ‪ ،‬حتى إذا ما انتهيت من كل ذلك‬
‫أخش المسجد وأتوجه مباشرة إلى ضريح‬
‫مولنا حيث أجلس بالقرب منه وأبدأ بقراءة‬

‫‪25‬‬
‫الفاتحة لمواتنا وأموات المسلمين ثم آخذ فى‬
‫مناجا ة القطب الغوث ‪ ،‬فل أشعر إل ونفسى‬
‫المكروش هدأ ونفسى تنزاح عنها الهموم‬
‫والغموم وكأنى اغتسلت فى بحر حنانه وعطفه‬
‫‪ ،‬تلك كانت علقتى به ‪ ،‬فلما رأيته فرحت‬
‫واستبشرت خيًرا ‪ ،‬وجلس على أكبر الحجارة‬
‫والتفت إلى أحد الواقفين وقال له ‪ :‬يا جوهرى‬
‫سمعنا الفاتحة فى صحايفنا وصحايف أولدنا‬
‫واخواننا واعمامنا وتوابعنا والخذين عنهم وعنا‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم ‪.‬ثم قرأ الفاتحة‬
‫وقرأها جميع الحاضرين بصحبته ‪ .‬وبعد ذلك‬
‫قال ‪ :‬يا جوهرى مد قدامنا بساط الطريق ‪.‬‬
‫فقال له سمًعا وطاعة ‪ .‬ثم ان النقيب قام على‬
‫قدميه وقرأ الفاتحة وقال الحمد لله رب‬
‫العالمين والصلة والسلم على سيدنا محمد‬
‫سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ‪،‬‬
‫اعلموا أيها الحاضرين الناظرين السامعين أن‬
‫هذا القطب الذى قربه الله واصطفاه هو‬
‫سيدى أحمد البدوى أمرنى بفتح بساط الطريق‬
‫بين أيدكم ‪ ،‬وها هو مفتوح وعليه النوار تلوح‬
‫لمن يأت ولمن يروح ‪ ،‬لمن له حق ول يصل‬
‫إليه ‪ ،‬أو له جار وجار عليه ‪ ،‬فاسمعوا ما أقوله‬
‫من الخطاب ‪ ،‬من كان له خطاب فليحضر إلى‬
‫هذا الباب أمام سيدى أحمد وبحضرة جميع‬

‫‪26‬‬
‫القطاب ليأخذ له حقه من خصمه بالعدل‬
‫والنصاف ‪ ،‬ل ظلم اليوم ‪ ،‬فل أفلح من ظلم ا‬
‫ن الله سريع الحساب ‪ .‬فما ان اتم النقيب‬
‫كلمه ‪ ،‬وإذا بيد أمتدت فكأنها رقبة جمل‬
‫وأمسكتنى من وسطى ورفعتنى من على‬
‫الشجرة ‪ ،‬وقدام سيدى أحمد البدوى‬
‫وضعتنى ‪ ،‬وكانت هذه اليد للنقيب المسمى‬
‫بالجوهرى الذى قرأ الفاتحة وقال ‪ :‬أنا مدحت‬
‫النبى والصحاب وفتحت بساط الطريق ‪،‬‬
‫وناديت على من كان صاحب دعوة أو له حق‬
‫فظهر لى هذا الرجل فوق الشجرة فما تقول‬
‫فيه ‪.‬‬
‫فقال شيخ العرب ‪ :‬هاته عندى ‪ .‬فلما وقفت‬
‫بين يديه كنت أرتعد خوًفا ومهابة لهؤلء الرجال‬
‫‪ .‬فتبسم لى سيدى أحمد البدوى وطبطب على‬
‫ظهرى فسكنت الرعدة وثبت فؤادى فى التو‬
‫واللحظة ثم قال لى ‪ :‬كفاك شقاوة يا نور ‪،‬‬
‫أنت من الن محسوبنا بأذن الله ‪ .‬والتفت إلى‬
‫رجاله وهتف ‪ :‬إقرأوا الفاتحة لخيكم بالهداية ‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬يا جوهرى خذ بيده وادخله البستان‬
‫المعلوم ‪ .‬فأخذنى من يدى وسار بى قليل‬
‫فإذا بنا على باب بستان فدخلنا فوالله ما ان‬
‫ولجنا من الباب حتى شممت رائحة من أجمل‬
‫ما يكون ورأيت منظًرا كأنه الجنة فوقف بى‬

‫‪27‬‬
‫عند شجرة نبق وقال لى ‪ :‬مد يدك خذ ما هو‬
‫مقسوم لك ‪ .‬فمددت يدى وقطفت سبع حبات‬
‫فكان طعمهم أمر من الصبر ‪ ،‬وقطفت سبع‬
‫حبات أخرى فكان طعمهم أشد مرارة من‬
‫الحبات الولى ‪ ،‬وصرت أقطف وآكل والمرارة‬
‫تزداد ونفسى اشمأذت والنقيب يرقبنى ويحثنى‬
‫على قطف المزيد حتى قطفت سبعة‬
‫وعشرين حبة دون أن أجد حبة واحدة حلوة ‪،‬‬
‫فنظرت إليه وقلت كفى فقد عافت نفسى هذا‬
‫النبق ‪ ،‬فتبسم فى وجهى وقال ‪ :‬خذ ما قسم‬
‫لك ‪ ،‬فمددت يدى وقطفت واحدة كانت‬
‫القرب إلى أصابعى فكانت رائحتها كالعنبر ولم‬
‫أزق فى حياتى أحلى ول أشهى منها ‪ .‬عند ذلك‬
‫أخذنى من يدى ورجع إلى سيدى أحمد البدوى‬
‫الذى قال لى ‪ :‬هل أكلت من الشجرة ؟ قلت ‪:‬‬
‫نعم قال صف لى ما أكلته فوصفت له طعم‬
‫السبعة والعشرين حبه ‪ ،‬والحبة الخيرة التى‬
‫كانت حلوتها زائدة ‪ .‬فقال سوف أنبئك بتأويل‬
‫ما أكلت ‪ :‬فأما الحبات السبعة والعشرين التى‬
‫أمر من الصبر فهى سنين حياتك الماضية ‪،‬‬
‫وأما الحبة التى حلوتها زائدة فهى أيامك‬
‫القادمة ‪ ،‬ثم انه ضمنى إلى صدره وتركنى‬
‫فصحوت من النوم ‪.‬‬
‫يقول الراجى عفو ربه نور ابن عبد الرحمن ‪:‬‬

‫‪28‬‬
‫هذا ما رأيته فى مناماتى وأنا أعلم تأويله ‪،‬‬
‫فهو ليس كما قال شيخى ومولى سيدى أحمد‬
‫البدوى ‪ ،‬إنما الحبة زائدة الحلوة هى ما تبقى‬
‫لى من الدنيا ‪ ،‬والموت قادم ل محالة ‪ ،‬هو‬
‫أقرب إلى من لحظة نفس خارجة أو داخلة ‪،‬‬
‫لذا فقد اخذت سكة السلمة بعد سكة الحسرة‬
‫والندامة لعلى أفوز برضا المولى عز وجل ‪،‬‬
‫أقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم ‪،‬‬
‫وعزائى أن كل حى إلى زوال وموت ‪ ،‬إل ّ الحى‬
‫الذى ل يموت ‪ ،‬صاحب الملك والملكوت ‪.‬‬
‫***‬

‫‪29‬‬
‫‪4‬‬
‫حفنى‬
‫***‬
‫جمع حفنى القرش فوق القرش ليبنى شقة‬
‫لنفسه فى البيت الذى تركه الب والمكون من‬
‫دور واحد‪ ،‬وحين انتهى انتقلت أمه والبنتان إلى‬
‫الدور الثانى وتركا له الدور الول حيث كانت‬
‫الشقة عبارة عن حجرتين وصالة وعفشة مياة‪،‬‬
‫كان حبه لصفاء قد زاده نحول من كثرة السهر‬
‫والتفكير فيها حتى ملت عليه أحلمه وخيالته‪ ،‬لم‬
‫يكن يدرى ان حبه كان من طرف واحد فقط ـ‬
‫طرفه هو ـ ولم يكن مؤهل ً بطبيعته السمحة‬
‫الطيبة بل شخصية حقيقية أو إرادة‪ ،‬لقيادة هذا‬
‫الفرس الجامح المسمى صفاء‪ ،‬كانت اصغر منه‬
‫بعشر سنوات‪ ،‬وبينما كان هو طويل ً مفرطا فى‬
‫الطول كانت هى متوسطة القامة تكاد تصبح‬
‫دا‬
‫قصيرة‪ ،‬ومع نحوله الشديد كانت تملك جس ً‬
‫رائًعا كل ما فيه مدوًرا‪ :‬الوجه‪ ،‬العينان‪ ،‬الصدر‪،‬‬
‫الخصر النحيل الملفوف‪ ،‬الرداف الممتلئة‬
‫المستديرة بنعومة وليونة‪ .‬ولم يكن فارسها على‬
‫أية حال‪ .‬وما تملكه فى تلك اليام لم يكن حًبا‪،‬‬
‫كان شيًئا يتجاوز الحب‪ ،‬لقد أراد امتلك هذا‬
‫الجسد الجميل بأى ثمن‪ ،‬ولم يكن يفكر فى‬
‫إحساسها نحوه‪ ،‬وهل تبادله حبا بحب‪ ،‬واشتهاء‬

‫‪30‬‬
‫ورغبة‪ ،‬لم يكن يعنيه ذلك‪ ،‬فقط أن يمتلكها‪ ،‬أن‬
‫كا له وحده‪ ،‬ووحده تقع عينه عليها‪ ،‬على‬ ‫تصبح مل ً‬
‫هذا الجسد الرائع بتكوينه المثير وتلك البشرة‬
‫التى فى لون القشدة شديدة البياض والنعومة‪.‬‬
‫دا‬
‫كانت مشكلته ان له أختان لم يتقدم أح ً‬
‫لخطبتهما بعد‪ ،‬كانت أخته الكبرىفهيمة والتى‬
‫تكبره بخمس سنوات هى المشكلة الحقيقية ولم‬
‫تكن تتمتع بأى قدر من الجمال‪ ،‬قامة قصيرة‬
‫وجسد ضامر هزيل‪ ،‬علوة على وجه له تقاطيع‬
‫منفرة‪ ،‬كانت فهيمة تشعر أنها لن تتزوج أبدا‪،‬‬
‫فها هى تعدت الثلثين دون أن تتاح لها فرصة‬
‫للمس رجل‪ ،‬ولم تكن فى حياتها السابقة ‪ ،‬أى‬
‫حين بلغت وأصبحت الدورة الشهرية تأتيها‬
‫بانتظام‪ ،‬لم تكن لها تجارب من أى نوع مع‬
‫أقرانها من شباب الحى‪ ،‬على العكس من أختها‬
‫الصغرى صدّيقة التى مشت مع طوب الرض‬
‫وكانت تحكى لها عن مغامراتها البريئة مع‬
‫الشباب‪ ،‬كانت تشعر بالغيرة من حكايات أختها‪،‬‬
‫لكنها فى نهاية المر كانت تقول لنفسها أنها لو‬
‫أرادت ان تكون مثل صدّيقة لفعلت لكنها ل تشعر‬
‫بالحنين إلى الرجال فإنهم مقرفون ‪ ،‬كانت فهيمة‬
‫ترى فى تجربة أختها الكبرى بديعة مع نور ما‬
‫يجعلها تزداد كرها لتلك الفئة من البشر الذين‬
‫ينحصر كل تفكيرهم فى تلك القطعة من الجلد‬

‫‪31‬‬
‫بين أفخاذهم وكيف يشبعونها‪.‬وحين جاء محمد‬
‫عبدون‪ ،‬الشاب الذى يعمل سواًقا على عربة نقل‬
‫لخطبة صدّيقة أعلنت فهيمة أنها موافقة على‬
‫زواج أختها الصغرى قبلها‪ ،‬وقالت أنها حتى ل‬
‫تفكر فى الزواج أصل‪ .‬وانحلت إحدى العقبات‬
‫التى كانت تقف فى طريق حفنى‪ ،‬فها هى إحدى‬
‫أختيه سينزاح همها‪ ،‬وبناء على ذلك فقد فاتح أهل‬
‫صفاء فى الكتفاء حتى بخطبة فى الوقت‬
‫الراهن‪ ،‬ولدهشته‪ ،‬فقد تمت الموافقة ومن ثم‬
‫الخطبة التى رفضتها صفاء أول المر‪ .‬كانت‬
‫تشعر ان لديها فرصة فى الزواج أفضل من‬
‫الرتباط بهذا النقاش الهزيل‪ ،‬كانت تدرك ما يتمتع‬
‫به جسدها من جمال‪ ،‬وحين كانت تمشى فى‬
‫الشارع كانت تحس بوخزات العيون فى جسدها‬
‫ضا و من خلل عيون الرجال‬ ‫لكنها كانت تدرك اي ً‬
‫ما لهذا الجسد من سطوة على العقول والقلوب‪.‬‬
‫تزوجت صدّيقة من محمد عبدون‪ ،‬وانتقل‬
‫للقامة معهم فى شقة الدور الثانى‪ ،‬كانت الم‬
‫العاجزة قد استقرت هى وابنتهافهيمة فى حجرة‪،‬‬
‫الحجرة الخرى أقام فيها محمد عبدون وزوجته‬
‫صدّيقة التى لم تكن تعرف ان القدر يعمل‬
‫جا شاًبا‬‫لصالحها مثلما يفعل الن‪ ،‬فقد اختارلها زو ً‬
‫ما له جسد رائع متناسق كان يحلو له طوال‬ ‫ووسي ً‬
‫الوقت استعراضه أمامها‪ ،‬لم يكن يتجول فى‬

‫‪32‬‬
‫ضا‬
‫حجرتهما الضيقة إل بالكلوت فقط مستعر ً‬
‫عضلت ذراعيه المفتولة وخصره النحيل‪ ،‬فإن‬
‫مهنته الشاقة فى السواقة والعتالة أكسبته بنية‬
‫قوية‪ ،‬كانت نظراتها تلحقه أينما ذهب وهى تشعر‬
‫بسعادة غامرة ان رضى عنها زمانها أخيرا‪ ،‬وهى‬
‫دا جميلة‪ ،‬كادت أن تصبح جميلة‬ ‫التى لم تكن أب ً‬
‫يوم عرسها فى عين زوجها الوسيم المستعرض‬
‫ما‪ ،‬ولم تكن تمل من التحرش به وملمسة‬ ‫دائ ً‬
‫جسده طوال الوقت حتى يستجيب لمداعبتها‪،‬‬
‫على انه لم تمر بضعة أشهر حتى انتفخت بطنها‬
‫وسمنت وترهل جسدها‪ ،‬كما ان ملمح وجهها غير‬
‫المتناسقة إذدادت تنافًرا مع مرور الوقت‪ ،‬وكان‬
‫محمد عبدون يتأمل زوجته وقد أصبحت حركتها‬
‫بطيئة من اثر الحمل ويتساءل‪ :‬كيف تزوج هذه‬
‫المرأة ؟ هل هو الحب بمراياه العمياء ؟ أم أنه‬
‫شئ أخر ل دخل له فيه انه القدر الغاشم الذى‬
‫أوقعه فى هذه الورطة‪.‬‬
‫بعد زواج صدّيقة‪ ،‬عمل حفنى بكل طاقته حتى‬
‫يستطيع تجهيز شقته‪ ،‬وعمل على إصلح العلقة‬
‫بين بديعة وأمه وأختيه‪ ،‬فحين مات نور فجأة‪ ،‬لم‬
‫تخبره أخته‪ ،‬بل عرف من بره وذهب هو وحده‬
‫للعزاء‪ ،‬ذلك ان أمه والبنتين رفضن الذهاب معه‪،‬‬
‫بل ان أمه اعتبرت موت نور جزاء عادل ً لما فعله‬
‫معها هو وأبنتها‪ ،‬فبسببهما أصبحت عاجزة مدى‬

‫‪33‬‬
‫الحياة‪.‬‬
‫ذهب هو وحده‪ ،‬واخذ بخاطر أخته التى أصبحت‬
‫وحيدة‪ ،‬وعرف ان نور ترك فى بطنها طفل ً عمره‬
‫ستة شهور‪ ،‬عرض عليها العيش معهم فى بيت‬
‫السرة‪ ،‬لكنها رفضت بشدة وقالت ان أمها‬
‫طردتها ولم تكن تطيقها ل هى ول زوجها الله‬
‫يرحمه‪ .‬أحس حفنى انه عمل ما عليه‪ ،‬وقال ان‬
‫اليام قادرة على محو العداوة وان مصارين‬
‫البطن بتتعارك وان الضفر ما يطلع من اللحم‬
‫وتركها ومضى‪ ،‬وحين تزوجت صدّيقة‪ ،‬لم تحضر‬
‫بديعة عرس أختها ولم يدعها احد أصل ً فقالت‬
‫بركة اللى جت منك يا جامع‪ ،‬لكنها أخذت على‬
‫خاطرها وصعبت عليها نفسها‪ ،‬ولما اقترب موعد‬
‫زواج حفنى ذهب إليها مرة أخرى وقال لها‪ :‬المّرة‬
‫دى مالكيش حجة‪ ،‬أنا جيت يا اختى اعمل اللى‬
‫عليا ولبد من حضورك وهى فرصة يتلم الشمل‬
‫مرة تانية‪ .‬وقررت بديعة حضور فرح أخوها‬
‫وقالت له‪ :‬سمعت ان عروستك حلوة‪ .‬تساءل‬
‫حفنى بدهشة وعرفتى منين‪ ،‬هى فعل جميلة وها‬
‫تحبيها لما تشوفيها‪.‬‬
‫وفى حارة على أبو حمد الضيقة عمل حفنى‬
‫فرحه على الضيق‪ ،‬لم يعزم إل قرايبه الذين‬
‫يحبهم‪ ،‬كذلك بعض أصحابه‪ ،‬وجاءت العروسة‬
‫بكل أهلها وهى زى الفل حتى انه ظهر بجانبها‬

‫‪34‬‬
‫مثل الغراب النوحى‪ .‬كانت صفاء رافضة الزواج‬
‫منه‪ ،‬ولم تستطيع ان تحبه‪ ،‬لكن الم والب أصرا‬
‫على إتمامه وقالت أمها ان الحب يأتى بعد الزواج‬
‫وان حفنى شاب طيب وعلى نياته‪ ،‬وأنها تستطيع‬
‫اخذ حباب عينيه وطيه تحت جناحها‪ ،‬وليلة الدخلة‬
‫دخلت معهما أمها وأخذوا شرفها بلدى وعملوا‬
‫زفة بالمحارم المنعاصة بالدم لفت بولق الدكرور‬
‫كلها‪ ،‬وحفنى الذى لم يكن يصدق نفسه اخذ‬
‫يتحسس جسد صفاء وملمس بشرتها الناعمة‬
‫يسرى بين أناملة فيشعر بالعجز عن عمل أى‬
‫شئ‪ ،‬وكانت هى أكثر جرأة منه فخلعت له كل‬
‫ملبسها ووضعت مخدة تحت ردفيها وساعدته‬
‫على النعاظ وهى ترهز من تحته حتى هدم قلعتها‬
‫وخربها ‪ ،‬وانتهت الليلة على خير‪ .‬وفى يوم‬
‫الصباحية جاءت أخته فهيمة بصينية عليها فطير‬
‫مشلتت عملته منذ الفجر عند سيد الفطاطرى‬
‫وعسل نحل‪ .‬وشعر حفنى ان الدنيا تضحك له‬
‫فصار يلقم عروسته الفطير المغموس بالعسل‬
‫وهو ل يشبع من النظر إليها وهى بقميص نومها‬
‫السود المحبك الذى كاد يأكل من جسدها البيض‬
‫ما فى البيت أسبوعا كامل ً ل يفعل‬
‫حته‪ .‬وظل مقي ً‬
‫شيئا ً سوى ان يأكل وينام مع عروسته حتى‬
‫خلصت فلوسه فنزل الشغل بالعافية‪ ،‬وهى ما‬
‫صدقت ان خلصت منه حتى تنهدت راحة‪ ،‬فهذا‬

‫‪35‬‬
‫دا حتى‬‫المخلوق الذى يشبه الصرم ل يشبع أب ً‬
‫أنهكها‪ ،‬وطلعت لول مرة أمام البيت وجلست‬
‫على العتب تتفرج على المارة من جيرانها سكان‬
‫حارة على أبو حمد وتتكلم مع النسوان الرائحة‬
‫والغادية‪ ،‬وجاءت صدّيقة لتجلس بجانبها ويدور‬
‫بينهن الحديث الذى ل ينقطع فى السرار الخاصة‬
‫والعامة‪ ،‬حدثتها صدّيقة عن زوجها محمد عبدون‪،‬‬
‫وكيف يعصر جسدها ويجعل عظامها تطقطق‬
‫على نار جسده‪ ،‬وأنها لم تعد تحتمل ثقل جسده‬
‫وعضلته المفتولة التى ل تترك جسدها إل وهو‬
‫كالعجينة الطرية‪ .‬وصفاء لمعت عينها شهوة‪ ،‬ولم‬
‫تحدثها عن أخيها حفنى العامل مثل خيال المآته‪،‬‬
‫ول عن المجهود الكبير الذى يبذله كلما اقترب‬
‫منها‪ ،‬ول النهجان وانقطاع نفسه وكأنه جرى من‬
‫بولق الدكرور للعتبة‪ ،‬ولم تحدثها صدّيقة عن‬
‫العلقة الساخنة التى تأخذها كل يوم من محمد‬
‫عبدون الذى لم يعد يطيق سماع صوتها‪ ،‬ففى‬
‫خلل ستة شهور زواج طلقها أكثر من إتنين‬
‫وعشرين مرة‪ ،‬كان يرمى عليها يمين الطلق‬
‫حا وهو ذاهب إلى عمله‪ ،‬و حين يعود‪ ،‬يكون‬ ‫صبا ً‬
‫قد نسى كل شئ فيرمى عليها اليمين مرة أخرى‬
‫حين يذهب للنوم‪ ،‬وإذا لسانها طال عليه‪ ،‬فإنه ما‬
‫كان يضربها إل بقبضته فى اى عين يرى أنها‬
‫مناسبة لتحمل غضبه الجنونى‪ ،‬لكن صفاء كانت‬

‫‪36‬‬
‫تلمح آثار تلك المعارك على وجه صدّيقة والتى ما‬
‫كانت أبدا تبدى السبب الحقيقى وراء تلك‬
‫الكدمة‪ ،‬وذلك الورم‪ ،‬أو الخدوش بأسفل الرقبة‪،‬‬
‫ولم تكن تمل من اختلق أسباب وجيهة لذلك‪،‬‬
‫فهذه من أثر وقعة‪ ،‬وتلك خبطة فى بوز الترابيزة‪،‬‬
‫وأخرى خربشة قطة وهكذا‪ .‬كانت صفاء تلتهب‬
‫مشاعرها من رؤيا تلك الكدمات وكانت تحسد‬
‫جا رجل ً‬‫صدّيقة على ذلك‪ ،‬فعلى القل لها زو ً‬
‫وليس كزوجها الذى ل يهش ول ينش‪ ،‬فقط مخه‬
‫ما‪ ،‬وياليته بقوة‬
‫فى بتاعه المرخى دائ ً‬
‫محمدعبدون الذى أصبحت تفكر فيه ليل نهار‬
‫وهى التى لم تره سوى مرات قليلة‪ .‬وقررت ان‬
‫تتحرش به‪ ،‬ففتحت الباب ذات صباح مبكر‪ ،‬وبينما‬
‫كان ينزل السللم مستعجل ً ذاهًبا إلى عمله الذى‬
‫تأخر عليه وجدها أمامه‪ ،‬كانت ترتدى جلباًبا نظيفا‬
‫كا أظهر تفاصيل جسدها‪ ،‬وكان عند صدرها‬ ‫ومحبو ً‬
‫مكشوًفا فأظهر تقاطيع ثدييها النافران بنهر عميق‬
‫كان يتوسطهما‪ .‬وقف وقال صباح الخير فمدت‬
‫يدها تصافحه‪ ،‬وشعر بليونة كفها ودفئها وهى‬
‫تنظر إلى عينيه باغراء جعل جسده ينمل‪ .‬وسحب‬
‫يده وخرج وعيناها لم تفارقا خياله طوال اليوم‪.‬‬
‫ضا قابلته مصادفة مثل الولى‪،‬‬ ‫وفى المساء أي ً‬
‫كانت عند زوجته فى الطابق الثانى حين دخل‬
‫ورآها بنفس الجلبية التى تكشف صدرها والذى‬

‫‪37‬‬
‫يبدو وكأنه مدلوًقا إلى خارج الجلباب‪ :‬أبيضان‬
‫وبضان بنهر عميق يشقهما‪ ،‬وجلس بالقرب منها‬
‫بينما ذهبت زوجته لعداد العشاء وكان جسدها‬
‫يكاد ينفجر من ثنايا الجلباب الضيق ويشع حرارة‬
‫كادت تحرقه‪ ،‬واستقرت عيناها على صدره‬
‫العريض البارز بشعره الكثيف‪ .‬وحين أتت زوجته‬
‫بالطعام كان كل منهما ومن خلل الصمت مغرًقا‬
‫فى خيالته‪ ،‬وتجردا من ملبسهما والتحما والتطما‬
‫مثل جبلين ‪ ،‬وفى تلك الليلة ضرب محمد زوجته‬
‫صدّيقة علقة موت‪ ،‬وأعطت صفاء ظهرها لزوجها‬
‫ولم تعد تطيق رائحته أو رؤية وجهه‪ .‬وأحست‬
‫صدّيقة بأن هناك شيًئا يدور من وراء ظهرها بين‬
‫زوجها وزوجة أخيها‪ ،‬بينما أخيها حفنى لم يحس‬
‫حا ول يعود إل متأخرا منه ً‬
‫كا‬ ‫شيًئا‪ ،‬كان يخرج صبا ً‬
‫ليس له دخل بما يحدث‪ ،‬فقط‪ ،‬كان يطلب رضاء‬
‫زوجته عنه‪ ،‬وكان يتلمس هذا الرضاء بكل‬
‫الطرق‪ .‬وأخذت صدّيقة تنتبه بكل حواسها لما‬
‫يحدث خلف ظهرها‪ ،‬ولمحت نظرات زوجها‬
‫لزوجة أخيها‪ ،‬وكذلك نظراتها إليه‪ ،‬وأرادت تقطع‬
‫الشك باليقين‪ ،‬وفى أحد الصباحات المبكرة‬
‫تنبهت من نومها على صوت زوجها يرتدى ملبسه‬
‫ويهم بالخروج‪ ،‬عملت نفسها نائمة حتى انتهى‬
‫وخرج وأغلق الباب وراء‪ ،‬تسللت وفتحت الباب‬
‫وراقبته وهو ينزل على السللم‪ ،‬وسمعت باب‬

‫‪38‬‬
‫شقة أخيها يفتح ثم يغلق‪ ،‬ولم تعد تسمع شيًئا‪،‬‬
‫نزلت السللم حافيه على أطراف أصابعها‬
‫ووقفت على باب شقة أخيها البرانى ‪ ،‬فالشقة‬
‫كان لها بابان‪ ،‬أحدهما يفضى إلى داخل الشقة‪،‬‬
‫أما الخر فكان بالقرب من مدخل البيت ويفضى‬
‫إلى أحدى الحجرتين بالشقة‪ ،‬تلك الحجرة التى‬
‫كانت تسمى حجرة "الجلوس " والتى جعلتها‬
‫صفاء للنوم بدل ً من الخرى فى الداخل‪ ،‬إنحنت‬
‫ونظرت من خرم المفتاح فوقعت عينها على‬
‫السرير فى المواجهة‪ ،‬ورأت زوجها عارًيا يتمرغ‬
‫ضا‪،‬‬
‫فى أحضان صفاء التى كانت عارية أي ً‬
‫وسمعتها تصرخ من اللذة ‪ ،‬فى خفوت تسحبت‬
‫صدّيقة حتى طلعت شقتها ودخلت حجرتها‬
‫ولطمت على وجهها وصرخت‪ :‬يا مصبتى‪.‬‬
‫وشهقت بالبكاء‪ ،‬لكنها تعمدت ان تفعل ذلك فى‬
‫هدوء حتى ل يسمعها احد‪ ،‬ومن بين دموعها‬
‫همست‪ :‬وحياة مقصوصى لفرج عليك امة ما‬
‫خلق يا محمد ياعبدون أنت وصفاء وأخلى‬
‫فضيحتكم بجلجل‪ .‬على إنها لم تجد ما تفعله‬
‫سوى ان تجلس وتنتظر الفرصة التى طالت وقد‬
‫دا‪ ،‬كانت تعرف الن أنهما‬ ‫بدا لها إنها لن تأت أب ً‬
‫يلتقيان يومًيا ليدنسا سرير أخيها المغفل والذى‬
‫من المؤكد انه لم يعرف شيًئا‪ ،‬ومن ناحيتها فأنها‬
‫وبتلقائية‪ ،‬تجنبت المشاجرة مع زوجها كما كانت‬

‫‪39‬‬
‫تفعل‪ ،‬بل إنها كانت تتحاشى النظر إلى عينيه‪،‬‬
‫وعاملته بود تعمدت ان يبدو طبيعيا‪ ،‬وحتى زوجة‬
‫أخيها صفاء‪ ،‬فأنها عاملتها بنفس الود وكأنها ل‬
‫تعرف ما يدور وراء ظهرها‪ ،‬كانتا تجلسان سوًيا‬
‫كل يوم ساعة العصارى أمام باب المنزل‬
‫تتفرجان على الناس فى الحارة وتدور بينهما‬
‫أحاديث النميمة‪ .‬وكانت صفاء دائما نظيفة‬
‫معطرة بعد استحمامها اليومى‪ .‬ويكاد الدم يبك‬
‫من وجهها‪ .‬كانت صدّيقة تعرف السبب طبًعا‪،‬‬
‫لكنها أبدا ما بدا عليها شئ مما تعرفه‪ .‬وقد جاءتها‬
‫الفرصة أخيًرا بعد طول صبر وعلى غير انتظار‪،‬‬
‫جاءت على طبق من فضة‪ ،‬بعد خروج زوجها‪،‬‬
‫وفى أحد الصباحات‪ ،‬لم تجد ما تفعله سوى ان‬
‫سا على عقب فى محاولة‬ ‫تنكت حجرتها وتقلبها رأ ً‬
‫لتنظيفها‪ ،‬وبالزعافة أخذت تمر على الشياء لتزيح‬
‫التراب العالق بها‪ ،‬وجاءت بكرسى أمام الدولب‬
‫ووضعته وصعدت فوقه‪ ،‬ومرت بالزعافة على‬
‫ظهر الدولب الغاطس‪ ،‬واصطدمت الزعافة‬
‫بشئ اخذ يخروش‪ ،‬شبت على أطرف أصابع‬
‫قدميها ومدت يدها تبحث عن هذا الشئ حتى‬
‫وجدته‪ ،‬شريط تسجيل وضع فى كيس نايلون‬
‫مطوًيا عدة طيات‪ .‬نزلت صدّيقة وأخذت تقلب‬
‫الشريط بين يديها ثم فتحته ووضعته فى جهاز‬
‫تسجيل قديم كان زوجها اشتراه من سوق‬

‫‪40‬‬
‫الجمعة‪ .‬أدارت الجهاز فأصدر أزيًزا وخروشة‬
‫واصواًتا مبهمة استاطعت بالكاد تمييز صوت‬
‫زوجها‪ .‬أغلقت المسجل ووقفت حائرة بعض‬
‫الوقت ثم خرجت إلى البلكونة ونادت على جارتها‬
‫فى البيت المقابل ورجتها ان تعطيها المسجل‬
‫لمدة عشر دقائق‪ ،‬جايلنا يا ختى شريط من واحد‬
‫قريبنا مسافر برة ومش عارفين نسمعه على‬
‫الجهاز بتاعنا‪ .‬كانت تعرف ان مسجل جارتها‬
‫جديد‪ ،‬جاء به زوجها من ليبيا حين كان مسافًرا‬
‫ما وضعه فى البلكونة ويعلى‬ ‫وكان يحلو له دائ ً‬
‫صوته على الخر بأغانى سعدون جابر ومحمد‬
‫عبده‪ .‬وضعت الشريط فى الجهاز وأدارته ‪.‬‬
‫فميزت الصوات بوضوح‪ ،‬كان زوجها فى أحضان‬
‫صفاء‪ ،‬سمعتها تقول له أحبك يا محمد‪.‬وسمعته‬
‫يقول لها أحبك يا صفاء‪ .‬وكانا هما الثنان يقولن‬
‫ما لم تسمعه‬ ‫شا اقشعر منه بدنها‪ ،‬كل ً‬ ‫ما فاح ً‬
‫كل ً‬
‫من قبل حتى وهى بين زراعى زوجها‪ .‬لكنها رغم‬
‫غمها فرحت للمفاجأة فإنها لم تكن تحلم بأكثر‬
‫من ذلك‪ ،‬وخبأت الشريط فى صدرها‪ ،‬وانتظرت‬
‫حتى جاء يوم الجمعة يوم عطلة أخيها وزوجها‬
‫وجاءت بمسجل جارتها الكبير ووضعته فى بئر‬
‫السلم على البسطة وأدارته وفتحت الصوت على‬
‫ما فانتبه وخرج على الصوت‬ ‫آخره‪ .‬كان زوجها نائ ً‬
‫وفتحت شقة أخيها وخرج هو وزوجته‪ ،‬وتجمع‬

‫‪41‬‬
‫بعض الجيران فى مدخل البيت على صوت‬
‫الهات والتنهدات‪ .‬كانت صدّيقة تريد للجميع‬
‫فضيحة بجلجل‪ ،‬وها هى ترى زوجها يعض على‬
‫شفتيه غي ً‬
‫ظا وقد احمر وجهه خجل ورعًبا مما‬
‫سوف يحدث‪ ،‬ولم نفسه على تسجيل الشريط‬
‫سًرا لصفاء وهو معها‪ ،‬كانت غلطة منه ان يفعل‬
‫ذلك‪ ،‬كان غرضه التسلية‪ ،‬وكتذكار ليامهما مًعا‪.‬‬
‫جا من‬ ‫انتظر حتى انفض المولد وتسحب خار ً‬
‫ضا لم‬‫المنزل فى صمت بشنطة هدومه‪ ،‬هى أي ً‬
‫تقل شيًئا اكتفت بما فعلت وراقبته وهو يتسلل‬
‫جا‪ .‬أما أخيها حفنى‪ ،‬ففى اليوم التالى‪ ،‬وعند‬
‫خار ً‬
‫أذان الفجر‪ ،‬جاء بعربة حملت العفش‪ ،‬وخرج هو‬
‫وزوجته تحت غبشة الفجر‪ ،‬ولم يعودا إلى الحارة‬
‫مرة أخرى إل بعد ست سنوات كاملة قضياها فى‬
‫التيه‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫أم حفنى‬
‫***‬
‫دعمت أم حفنى أسطورة حياتها الخاصة بان‬
‫ماتت ست مرات خلل عمرها الذى تجاوز‬
‫التسعين‪ ،‬عاشت منه أربعين سنة عاجزة عن‬
‫الحركة بعد ان أصابتها ابنتها بديعة وزوجها نور‪ .‬أم‬

‫‪42‬‬
‫كا لها ثلث‬ ‫حفنى تخلى عنها زوجها بحبح ومات تار ً‬
‫بنات وولد‪ ،‬وهى التى لم تكن قد تجاوزت الثلثين‬
‫حين رحل ‪ ،‬لم تفكر فى رجل آخر غير زوجها‬
‫وقررت تربية أولدها بمعاش صغير حيث كان‬
‫يعمل فى السكة الحديد عطاشجى ‪ .‬لم يكن‬
‫قريًبا لها أو حتى من قريتها كوم الضبع إنما جاء‬
‫فى زيارة للبلدة مع احد أقربائها ووقع نظره‬
‫عليها فأعجبته وتزوجها وجاء بها إلى بولق‬
‫الدكرور وأقاما فى السكن الخاص للعاملين فى‬
‫السكة الحديد‪ .‬فىهذا الزمن كانت بولق الدكرور‬
‫مستنقعات مائية تنمو فيها نباتات الحلفاء وبعض‬
‫البيوت المتناثرة هنا وهناك‪ ،‬أستطاع بحبح ان‬
‫يكون مما تبقى من راتبه مبلغا اشترى به قطعة‬
‫ارض صغيرة بنى عليها هذا البيت وعاش معها‬
‫عشر سنين أنجبا خللها حفنى وبديعة ومحاسن‬
‫وصدّيقة ثم تركهم فجاءة وأكبرهم حفنى لم‬
‫يتعدى الثمانى سنوات‪ .‬معاشه سترها هى‬
‫شا فتحمل‬ ‫وأولدها إلى ان كبر حفنى وعمل نقا ً‬
‫معها حمل تربية البنات كان حفنى هو راجلهم بعد‬
‫موت الب‪ ،‬ديك البرابر‪ ،‬ولم يكن أبدا مثل أبيه ‪،‬‬
‫ربما هى ساهمت فى هذا‪ ،‬ان تجعل منه رجل ً بل‬
‫شخصية أو أرادة حقيقية حين كانت تنتصر لبناتها‬
‫ما وقنع‬ ‫على حسابه‪ ،‬كانت بديعة هى القوى دائ ً‬
‫حفنى بأن ينطوى تحت جناحها‪ ،‬تماما مثلما فعلت‬

‫‪43‬‬
‫زوجته صفاء‪ ،‬أصبح تحت رجلها‪ ،‬مرمطته وحطت‬
‫رأسه فى الطين‪ ،‬وبدل ً من ان يطلقها أو يقتلها‬
‫كما يفعل الرجال‪ ،‬أخذها ورحل فهو ل يستطيع‬
‫البتعاد عن المره النجسة ومستعد يبوس طيزها‬
‫حتى ترضى عنه ‪.‬‬
‫أحست أم حفنى بالنكسار بعد ضرب بديعة و‬
‫نور لها‪ .‬وحين مات نور رأت ان الله انتقم لها منه‬
‫ل‪ ،‬فسوف تبقى‬ ‫ومن ابنتها وان هذا جزاء عاد ً‬
‫عاجزة برجلها طوال حياتها‪ ،‬وأحست بالنكسار‬
‫يوم سمع كل الخلق الفضيحة التى صورتها‬
‫صدّيقة لزوجها وزوجة أخيها والكلم الفاحش‬
‫الذى سجله محمد عبدون لنفسه ولعشيقته –‬
‫شوفوا الخيبة – كانت صدّيقة مصممة على‬
‫الطلق وخراب بيتها‪ ،‬ولد الحلل توسطوا بينهما‬
‫ورجعت المية لمجاريها وهو على ما يبدو أنصلح‬
‫حاله‪ ،‬فلم تعد صدّيقة تشكو منه‪ ،‬ويطلع لها‬
‫صوت حتى إنها فى ظرف خمس سنوات أنجبت‬
‫منه ولدان وثلث بنات‪ ،‬حفنى اختفى هو و‬
‫الفاجرة ول احد يعرف عنهما شيًئا‪ ،‬أمافهيمة فهى‬
‫التى بقيت لها‪ ،‬لم تتزوج رغم إنها اكبر من‬
‫صدّيقة لكنها قسم ونصيب ان تقعدفهيمة معها‬
‫حتى تخدمها وتقوم على طلباتها‪ ،‬ورغم ان فهيمة‬
‫كانت يديها ورجليها‪ ،‬إل إنها كانت تتمنى زواجها‬
‫مثل أخوتها‪ ،‬كانت ترقبها وماء الشباب يجف من‬

‫‪44‬‬
‫جسدها ببطء حتى ضمر وباتت عجوًزا‪ ،‬رأتها ذات‬
‫مرة تتلصص من خرم الباب على أختها وزوجها‪،‬‬
‫كان ذلك بعد زواجهما مباشرة‪ .‬لم تقل لها شيًئا‪،‬‬
‫لكنها أحست بحسرة ابنتها على نفسها‪ .‬أنقذتها‬
‫من ميتتها الولى حين توقف قلبها ذات مساء عن‬
‫الدق بينما كانتا تجلسان أمام التلفزيون‪ ،‬رأت‬
‫فهيمة أمها تضع يدها على صدرها وتميل برأسها‬
‫وجسدها على الكنبة بل نفس فقط آهة عميقة‬
‫أعقبها سكون الموت‪ .‬فزعت فهيمة وزعقت على‬
‫أختها التى جاءت ورأت أمها مرمية على الكنبة‬
‫فصوتت جاء حفنى مهرول هو وزوجته وحين رآها‬
‫أخذ يبكى وجلس على قرافيصه والتمت الناس‬
‫وأخذ الجميع يصوتون ويلطمون‪ .‬ومحاسن التى‬
‫كانت قريبة من أمها وضعت يدها على صدرها‬
‫بحركة ل إرادية ودلكته‪ ،‬ولدهشتها فقد وجدت‬
‫قلب الم ينبض تحت كفها‪ ،‬وان هى إل دقائق‬
‫حتى كانت أم حفنى جالسة على الكنبة تنظر إلى‬
‫الجمع الملتف حولها بذهول وهى تقول ‪ :‬هو فيه‬
‫أيه‪.‬‬
‫إحترفت أم حفنى الموت كما احترفت ابنتها‬
‫صدّيقة السرقة بالضبط ‪ ،‬توقف قلبها عن الدق‬
‫عدة مرات حين كان يحلو لها ان تفعل ذلك ‪،‬وفى‬
‫إحدى المرات طالت غيبتها عن الدنيا فذهب ابنها‬
‫در‬‫حفنى واشترى لها كفًنا شرعًيا سبع طبقات ق ّ‬

‫‪45‬‬
‫دا ‪ ،‬ذلك انه ظل ملفوفا فى‬ ‫لها أل ّ تكفن فيه أب ً‬
‫دولب ملبسها مدة أربعين سنة ومنسًيا ‪،‬وحين‬
‫ماتت موتتها الخيرة وأرادوا إخراجه ‪ ،‬كانت العتة‬
‫حا مما أضطرهم لشراء‬ ‫قد أتت عليه وما عاد صال ً‬
‫كفن جديد للم الميتة ‪.‬‬
‫قبل عشر سنوات من رحيلها النهائى أصيبت‬
‫بمرض السكر والضغط مًعا‪،‬فهيمة التى راقبت‬
‫أمها عدة ليال متتالية اكتشفت ان شيًئا غير عادى‬
‫يحدث‪ ،‬كانت أمها تطلب منها الذهاب للحمام كل‬
‫نصف ساعة تقريًبا‪ ،‬فإن مثانتى تكاد تنفجر‪ .‬تقول‬
‫لها فتحملهافهيمة على ظهرها حتى أنهد حيلها‪،‬‬
‫مما اضطرها لحضار مبولة بلستك فى الحجرة‪،‬‬
‫وضعتها بجانب أمها وتقوم بإفراغها طوال‬
‫الوقت‪.‬كما لحظت شرب أمها للماء بكثرة‬
‫فتعاونت هى وحفنى وأخذاها إلى مستوصف‬
‫الحاج بكرى القريب من المنزل وطلبت عمل‬
‫تحاليل لها فظهر السكر فى دمها وبولها‪ ،‬لكن‬
‫المرأة ما كنت لتصدق مرضها‪ ،‬وكانت تأخذ حبوب‬
‫السكر والضغط على مضض وبعد نشفان ريق‬
‫فهيمة‪ .‬وقبل يوم من رحيلها البدى فاجأتها غيبوبة‬
‫سكر‪ ،‬كان ذلك فى صباح أحد اليام‪ ،‬وظلت‬
‫مستلقية على سريرها ل تعى شيًئا مما حولها‬
‫حتى منتصف الليل حين قامت فجأة جلست على‬
‫السرير فى كامل وعيها ونظرت حولها‪ ،‬كان‬

‫‪46‬‬
‫حفنى وزوجته يجلسان على الرض وبديعة وابنتها‬
‫الصغيرة فتحية‪ ،‬ومحمدعبدون وصدّيقة وأولدها‪،‬‬
‫ومحاسن كانت جالسة بجانبها على حافة السرير‪،‬‬
‫ابتسمت للجميع وقالت‪ :‬مالكو‪ ..‬هو فيه إيه ؟ ردد‬
‫الجميع فى نفس واحد‪ :‬حمد لله على السلمة‬
‫يامه‪ .‬قالت بدهشة‪ :‬هو أنا كنت مسافرة وما‬
‫اعرفش‪.‬‬
‫قال حفنى‪ :‬ل يامة‪ ..‬كنتى فى غيبوبة من‬
‫صباحية ربنا‪.‬‬
‫غيبوبة ايه وكلم فارغ ايه‪ .‬ما انا قدامكم اهو‬
‫زى الفل‪.‬ونظرت لمحاسن وأكملت‪ :‬طب دا انا‬
‫حاسة انى جعانة أوى‪ ،‬أومى يا بت هاتيلى شوية‬
‫محشى فى طبق‪ .‬اصل انا شامة ريحته‪ .‬والتهمت‬
‫أم حفنى فى تلك الليلة حلة محشى كاملة‪،‬‬
‫وطلبت بعدها كوب شاى تقيل‪ ،‬وظلت ساهرة‬
‫حتى صلت الفجر ونامت‪ ،‬لكنها لم تصح طوال‬
‫يوم كامل ول اليوم الذى تله‪ ،‬وظن الجميع إنها‬
‫إحدى موتاتها‪ ،‬وأنها لن تلبث حتى تعود مرة‬
‫أخرى‪ ،‬لكن رائحة كريهة انبعثت من جسدها الذى‬
‫بدأ يتحلل‪ .‬فى تلك اللحظة فقط‪ ،‬أيقن الجميع‬
‫بموت الم الكبيرة‪.‬‬
‫***‬

‫‪47‬‬
‫القسم الثانى‬

‫‪48‬‬
‫‪1‬‬
‫فتحية‬
‫***‬

‫إقلب القدرة على فمها تطلع البنت لمها‪.‬‬


‫فتحية طلعت مثل بديعة‪ ،‬وما حدث مع أمها‬
‫ما‬
‫سوف يحدث معها‪ ،‬يفصل زمنهما عشرون عا ً‬
‫بالضبط‪.‬‬
‫فتحية ولدت بعد موت أبيها نور بستة شهور‪،‬‬
‫وبديعة التى هدها موت نور أقسمت إل تفرد‬
‫شرها على ظهر رجل آخر‪ ،‬وان تعيش من اجل‬
‫ابنتها اليتيمة فعملت خادمة فى البيوت من اجل‬
‫عيون فتحية التى كلما كبرت شبرا زغردت حتى‬
‫جاوز طولها فى العدادية طول أمها فى‬
‫الخمسين‪ ،‬نجحت فى العدادية بمجموع أهلها‬
‫لدخول مدرسة التمريض فقد أرادت ان تكون‬
‫إحدى ملكات الرحمة‪ ،‬تعلمت ضرب الحقن جنبا‬
‫إلى جنب فنون السحر التى دأبت بديعة على‬
‫تعليمها لبنتها الوحيدة‪ ،‬فى البداية وحين كانت‬
‫فتحية طفلة لم تتجاوز العاشرة بعد‪ ،‬أرادت‬
‫تسليتها‪ ،‬فكانت تجهز قالبان من الطوب وتضعهما‬
‫فى مواجهة بعضهما البعض وفى وضع الواقف ثم‬
‫تتلو بعض عزائمها فيتناطح القالبان فى صراع‬
‫دامى حتى ينكسرا‪ ،‬كانت تحب رؤية الدهشة فى‬

‫‪49‬‬
‫عينى ابنتها التى ما ان وعت ما يدور حولها وما‬
‫تفعله أمها حتى قالت لها‪ :‬علمينى ما تعلمتيه‪.‬‬
‫فتحية تعلمت كل شئ‪ ،‬وتبحرت فى العلوم‬
‫الروحية والسيماء والبواب والعزائم والطوالع‬
‫والبروج والطبائع والطلسم وأبواب المحبين‬
‫والدخول على الحكام وحل المربوط وربط‬
‫المحلول وضرب الرمل وخلخلة الهوى الكبرى‬
‫وشبشبة زعزوع وشبشبة ناصور وشبشبة أبو‬
‫رياح ومندل المرآة ومندل طيفور والجلجلوتية‬
‫الصغرى والكبرى وفتح الكنوز وكلها فوائد على‬
‫الصحة والتجربة‪ .‬هكذا أخبرتها أمها بديعة وقالت‬
‫ضا‪ :‬حين احببت نور – أبيك‪ -‬المرحوم شبشبت‬ ‫أي ً‬
‫له الثلث شبشبات وخلخلة الهوى الكبرى فلم‬
‫يأخذ فى يدى غلوة‪ ،‬ولكن الحذر الحذر من عدم‬
‫معرفة كيفية صرف الخدام‪ ،‬فإنهم ينقلبون ضدك‬
‫ويحرقونك فكونى على بينة من أمرك‪.‬‬
‫وحين تخرجت فتحية من مدرسة التمريض‬
‫أرادت ان تصبح ملك رحمة‪ ،‬لكنها تحولت بقدرة‬
‫قادر إلى ملك جحيم لما رأت " رمضان" فأحبته‬
‫من أول نظرة‪ ،‬وتمكن عشقه من قلبها فما‬
‫عادت تعرف طعم الراحة ول الليل من النهار‪.‬‬
‫ورمضان الذى تخرج من مدرسة الزراعة‬
‫فا وجاء‬‫المتوسطة عمل فى وزارة الزراعة موظ ً‬
‫من بلدته كوم الضبع ليسكن فى بولق الدكرور‪،‬‬

‫‪50‬‬
‫كوم الضبع قرية أمها والتى لم ترها أبدا ً قذفت‬
‫برمضان ليسكن بجانبها وكى تره وتحبه هو الذى‬
‫فا‬
‫دا ونحي ً‬‫دا‪ ،‬كان مثل الصرم‪ ،‬طويل ج ً‬ ‫ل ُيحب أب ً‬
‫دا جعله يرتدى نظارة كعب‬ ‫دا ونظره الضعيف ج ً‬ ‫ج ً‬
‫كباية مع شعره الحمر المفلفل المجعد وانفه‬
‫دا يحبه‪،‬‬ ‫الطويل المعقوف فأن منظره ل يجعل أح ً‬
‫ولكن مرايا الحب عمياء‪ ،‬وكما قرأت فتحية فى‬
‫كتبها الصفراء‪ :‬فإن كل فرج كتب عليه اسم‬
‫قا‬
‫ناكحه‪ .‬فقد آمنت بتلك المقولة إيمانا مطل ً‬
‫جعلها تخلع ملبسها طوال الوقت وتتحسس‬
‫جسدها بأناملها فتجد اسمه محفوًرا هناك بحروف‬
‫بارزة وحادة تكاد تنطق فتشعر بالنشوة وتصبح‬
‫على يقين من انه هو وحده سوف يمتلك جسدها‬
‫ووحده فقط من سيصل إلى مكامنها‪ ،‬أليس‬
‫اسمه مكتوًبا هناك على باب مغارتها‪.‬‬
‫***‬

‫‪51‬‬
‫‪2‬‬
‫فتحية‬
‫***‬
‫فتحية أخذت تترصد حركات رمضان‪ ،‬وعرفت‬
‫انه يحب واحدة أخرى تسكن بعد شارعها بثلث‬
‫شوارع‪ ،‬وانها تنتمى لهم بصلة قرابة من بعيد‪ ،‬من‬
‫البلد يعنى‪ ،‬وفتحية قالت قطيعة كوم الضبع ومن‬
‫يأت منها‪ ،‬وكانت فى حاجة شديدة إلى حتة من‬
‫أتر رمضان‪ .‬وحين علمت أمها بديعة ضحكت‪ ،‬ولم‬
‫تكن فتحية تعلم ان أمها تذكرت نفس ما حصل‬
‫مع نور‪ ،‬وكيف أنها داخت السبع دوخات حتى‬
‫جاءت بأتر نور‪ ،‬لباسه الداخلى والذى ما زالت‬
‫تحتفظ به حتى تلك اللحظة – كأيقونة خاصة بها‬
‫وحدها ‪ -‬فى كيس نايلون مخبأ فى دولبها‪ ،‬حتى‬
‫دا بهذا‬
‫نور ـ الف رحمة ونور عليه ـ لم يعلم أب ً‬
‫المر‪.‬‬
‫وقالت بديعة لنفسها‪ :‬أنا كنت واسعة الحيلة‬
‫فى زمنى‪ ،‬أما ابنتي فلها رًبا اسمه الكريم‪ ،‬ما‬
‫الذى سوف تفعله فى هذا الموضوع !‪.‬‬

‫باب فى تسخير وجلب محبة رمضان‬

‫فى مخمس خالى الوسط كتبت‪ :‬فتحية ـ‬


‫رمضان بماء ورد وزعفران وبخرت بالجاوى‬

‫‪52‬‬
‫والمسك والعنبر وقرأت حسبنا الله ونعم الوكيل‬
‫مرة ثم دعت‪ :‬اللهم إنى أسألك‬ ‫سبعة آلف ّ‬
‫باسمك الذى ل إله إل هو الحنان المنان ان تجعل‬
‫لى رأفة وحناًنا ومحبة فى قلب رمضان ابن حواء‬
‫ومكنى من ناصيته وعقله ومجامع قلبه‪ ،‬وإسقى‬
‫بمحبتى جميع عروقه وإجعله طوع يدى ومنتهى‬
‫أمرى حتى ل يهنأ له أكل ول شرب و يرانى فى‬
‫جميع أحوالى أجيبوا يا خدام هذه السماء اقذفوا‬
‫ها بحق‬‫عا أو كر ً‬
‫بقلب رمضان ابن حواء ائتوا طو ً‬
‫أسماء الله تعالى وبحق هذه السماء الشريفة‬
‫ومالها عليكم من القوة والطاعة الوحا الوحا‬
‫العجل العجل الساعة الساعة‪.‬‬
‫****‬
‫فتحية التى رضعت السحر من بز أمها كفرت‬
‫به بعد أن ظلت طيلة ثلثة شهور وستة أيام تحلم‬
‫ان يأت رمضان على صورته كما خلقه الخالق‬
‫راكًعا متوسل ً ان تحن عليه وتمن بنظرة ولمسة‬
‫ما قالوا ثلثة أشياء هم خير‬ ‫ورشفة ولثمة‪ ،‬وقدي ً‬
‫ما فى الدنيا‪ :‬أكل اللحم‪ ،‬وركوب اللحم‪ ،‬ودخول‬
‫اللحم فى اللحم‪ ،‬وفتحية كانت تحلم بلحم‬
‫رمضان يصل إلى أعمق أعماق مغارتها فيطفئ‬
‫نارها المستعرة دوما والتى كثيًرا ما كانت تؤججها‬
‫وتخمدها بمداعباتها الذاتية متخيلة رمضان فى كل‬
‫سا وراكًبا وراجل ً‬
‫فا وجال ً‬
‫أوضاعه المستحيلة‪ :‬واق ً‬

‫‪53‬‬
‫ثم مستلقًيا‪ .‬ولم تعد تطيق نفسها حتى انها‬
‫اعلنت الحرب على أمها ‪ ،‬واتهمتها بأنها دجالة‬
‫ومشعوزة وانها علمتها ما ل فائدة منه ‪ .‬وبديعة‬
‫التى لم تفهم ما قالته ابنتها ال بالحدس وحده‬
‫قالت ان السحر موجود منذ ان خلق الله الرض‬
‫ومن عليها حتى انه انزل فيه قرأًنا ‪ ،‬فهل تكفرين‬
‫بما أنزل الله ‪ ،‬ثم انه لوله لما جاءت هى اصل ً‬
‫من صلب نورـ الف رحمة ونور عليه ـ وأنما‬
‫علمتك كل شئ ‪ ،‬وانت زاد علمك منى بعلمك‬
‫لنفسك ‪ ،‬شئ واحد لم تتعلميه ‪ ،‬الصبر ‪ ،‬بالصبر‬
‫وحده تنالى ما ترغبين‬
‫فتحية صبرت شهًرا وراء آخر حتى أنها سمعت‬
‫ان كتب كتاب رمضان على عروسته بعد اسبوع ‪،‬‬
‫قادت النار فى جسمها وقلبها وما عادت تعرف‬
‫ما وذبل عودها ‪.‬‬ ‫الليل من النهار ول للنوم طع ً‬
‫رأت بديعة كل ذلك فصرخت ‪ :‬البنت ها تروح‬
‫منى ‪ .‬واستعادت كل ما تعلمته من سحر واقفلت‬
‫على نفسها باب حجرتها مدة ثلثة أيام وهى‬
‫صائمة عن الزاد ‪ ،‬وما ان خرجت فى اليوم الرابع‬
‫حا فى وش ابنتها الوحيدة‬ ‫حتى تهلل وجهها فر ً‬
‫وقالت لها ابشرى ‪ .‬المطلوب حصل ونلنا المراد ‪.‬‬
‫لم تفهم فتحية من كلم أمها شيًئا ‪ ،‬واليوم يوم‬
‫فرح رمضان فانكسر فؤادها وأرادت تمضية اليوم‬
‫خارج بولق كلها فذهبت إلى المستشفى تبات‬

‫‪54‬‬
‫هناك ‪ ،‬وجلست فتحية فى حجرة الممرضات‬
‫وحيدة ‪ ،‬يدها على خدها ‪ ،‬وذهبت بأفكارها هناك ‪،‬‬
‫حيث يجلس رمضان الن بجانب عروسته بينما‬
‫الطبل والزمر يصمان الذان ‪ .‬لكن جلبة شديدة‬
‫أخرجتها من توهماتها ‪ ،‬وسمعت صوًتا آمًرا يصرخ‬
‫‪ :‬جهزوا أودة العمليات بسرعة ‪ ،‬ورأت فتحية‬
‫دا على التروللى بطول وعرض‬ ‫صا ممد ً‬
‫شخ ً‬
‫وملمح رمضان ‪ ،‬لكنه ليس هو بالتأكيد ‪ ،‬هكذا‬
‫قالت لنفسها فرمضان فى الكوشة الن بينما هذا‬
‫الرجل يتلوى من الزائدة الدودية التى قد تنفجر‬
‫فى اية لحظة ‪ .‬وبعد يوم من التأمل الهادئ فى‬
‫دا فوق سريره بعد‬ ‫المريض الذى يرقد الن ممد ً‬
‫عملية استمرت طوال الليل اخذت تقنع نفسها‬
‫بأنه رمضان المدد امامها ‪ ،‬وإن هى إل دقائق‬
‫معدودات حتى تأكدت انه هو حين رأت خطيبته‬
‫وأهلها جاءوا للطمئنان عليه ‪ ،‬وان ما حدث قد‬
‫فابتسمت‬ ‫حدث قبل كتب الكتاب بدقائق‬
‫فتحية وقد أيقنت ان حظها فى صعود منذ الن ‪.‬‬
‫***‬

‫‪55‬‬
‫‪3‬‬
‫بديعة‬
‫***‬
‫سمعت بديعة رواية ابنتها عن احداث تلك الليلة‬
‫فلم تتعجب ‪ ،‬وقالت لها ‪ :‬اذكرك بأنى قلت‬
‫المطلوب حصل ونلنا المراد ‪ ،‬وقديما قالوا ‪ :‬كيد‬
‫النسا غلب كيد الرجال وفى هذا المعنى فإنى‬
‫أروى لك حكاية اعجب من العجب ‪ ،‬وقد رواها‬
‫لى السطى حمامة النجار أبو محمود ‪ ،‬فإنه قال‬

‫*حكاية فى كيد النسا الذى غلب كيد الرجال *‬

‫كنا نسكن فى درب طياب القريب من شارع‬


‫كلوت بيه فى قلب العتبة الخضراء ‪ ،‬وكانت‬
‫الورشة التى اعمل بها تقع أمام المنزل الذى‬
‫اسكن فيه أنا وزوجتى ‪ ،‬كنت أسكن فى الطابق‬
‫الثانى أما الطابق الول فكان يسكن فيه رجل‬
‫وزوجته ‪ ،‬الرجل كان ساحًرا شريًرا يعمل فى‬
‫الخفاء على السحر السود ‪ ،‬وكان يفرض إتاوات‬
‫دا‬
‫على اصحاب البيوت والمحلت المجاورة مهد ً‬
‫كل واحد إذا لم يدفع فسوف يسلط شياطينه‬
‫ها‬‫عليه فتخسف به الرض ‪ ،‬كان عجوًزا ومكرو ً‬
‫بينما زوجته فتاة صغيرة ذات وجه صبوح مليح‬
‫وكانت على عكس زوجها يحبها الجميع لجمال‬

‫‪56‬‬
‫خلقها و خلقتها ‪ ،‬وكان الجميع يتعجب من رضاها‬
‫بالعيش مع هذا العجوز الشرير دميم الخلقة‬
‫والخلق وهم ل يعرفون السر الذى تخفيه الفتاة‬
‫بين صدرها ‪ .‬وفى يوم من ذات اليام طلعت‬
‫الفتاة إلى زوجتى وجلستا تتسامران ‪ ،‬كانت هذه‬
‫عادتها كلما خرج زوجها لزية خلق الله فكانت‬
‫ضا كذلك ‪،‬‬ ‫تأنس لزوجتى وتصاحبها ‪ ،‬زوجتى أي ً‬
‫دا على الكنبة‬ ‫ما فى الحجرة الخلفية ممد ً‬ ‫وكنت نائ ً‬
‫ظا فسمعت زوجتى تقول لها ‪ :‬إل قولى‬ ‫ومستيق ً‬
‫لى يا اختى كيف ترضين بالعيش مع عجوز‬
‫ما قال الشاعر ‪:‬‬
‫النحس هذا ‪ ،‬وقدي ً‬
‫فليس له‬ ‫إذا شاب رأس المرء أو قل ماله‬
‫فى ودهن نصيب ‪.‬‬
‫وحكى والله اعلم ‪ ،‬ان عبد الملك ابن مروان‬
‫سأل ليلى الخيلية ما الذى تشتهى النساء من‬
‫الرجال فقالت من خده كخدنا وشعره كشعرنا‬
‫والشيخ إذا لم يكن سلطانا أو ذى نعمة فليس له‬
‫فى ودهن نصيب ‪.‬‬
‫قال السطى حمامة ‪ :‬كنت انصت لحديث‬
‫شا من سعة معرفتها بأمور الدنيا ‪،‬‬ ‫زوجتى منده ً‬
‫وبعد ان كنت مستلقًيا اتكأت شغوًفا باتمام حديثها‬
‫للبنية فأكملت ‪:‬أقول لك هذا لنى اعلم ان زوجك‬
‫ليس به ما يحبب النساء ‪ ،‬فكيف وقعت تلك‬
‫الوقعة السودا معه اعانك الله على ما بلك ‪ ،‬فما‬

‫‪57‬‬
‫زوجك بالشاب حتى تحبينه ‪ ،‬كما اننى أعلم ان‬
‫البخل والتقتير من طباعة فما حكايتك الله يفتح‬
‫عليك ‪.‬‬
‫قالت زوجة السطى حمامة ‪ :‬ما انتهيت من‬
‫قولى حتى رأيت دموعها سحت على وجهها ‪ .‬ثم‬
‫أنها أجهشت بالبكاء فأخذت أطبطب على ظهرها‬
‫حتى هدأت وقالت‪ :‬أعلمى اننى من عائلة فقيرة‬
‫مكونة من أبى وأمى وأنا وحيدتهما انجبانى على‬
‫كبر ‪ ،‬وكنا نسكن فى درب القطة بحى باب‬
‫الشعرية ‪ ،‬ودخلت المدرسة حتى وصلت إلى‬
‫الثانوية العامة ‪،‬وكان لى جار نشأنا سوًيا وتربينا‬
‫معا وكنا ل نفترق ونحن صغار حتى كبرنا مًعا‬
‫وكان فى مثل سنى فتعلقنا بعضنا ببعض‬
‫وعشقنى وعشقته حتى ابى وامى احبا هذا الفتى‬
‫وكانا يظنان أننا بمجرد انتهائنا من الجامعة سوف‬
‫نتزوج ‪ ،‬ولكن شاءت القدار أل يحدث ذلك ‪ .‬كيف‬
‫؟‬
‫ً‬
‫صلى على الحبيب ‪ ،‬كان أبى يعمل عتال فى‬
‫السوق ‪ ،‬فكان يذهب مبكًرا إلى عمله ول يعود إل‬
‫دا من شدة التعب ‪،‬وفى أحد‬ ‫دا مكدو ً‬
‫مساء مهدو ً‬
‫اليام ‪ ،‬وبينما هو يحمل جوال ً ثقيل ً مليًئا بالبضائع‬
‫فوق ظهره جاءت قدمه على قشرة موز كانت‬
‫مرمية على الرض فتزحلق ووقع ووقع الجوال‬
‫فوق ظهره فقسمه ‪ ،‬ورقد أبى طوال الوقت فى‬

‫‪58‬‬
‫المنزل ل يستطيع الحركة وقد أصبح مشلول ً ‪.‬‬
‫وكان عجوز السوء هذا يعرف أبى منذ زمن فجاء‬
‫ى‬
‫للسؤال عنه ومواساته ‪ ،‬ووقع نظره عل ّ‬
‫فوجدنى جميلة وحسد ابى على امتلك ابنه بهذا‬
‫الجمال ‪ ،‬وهكذا صار يتردد علينا كل يوم ‪ ،‬وكان‬
‫يمد أبى ببعض المال يعينه على مصاعب الحياة‬
‫كما كان يأتى إلينا بالطعام والفاكهة وكل ما‬
‫نحتاجه ‪ ،‬لكن المقدر وقع ‪ ،‬فقد مات أبى بعد‬
‫عدة أشهر من مرضه وتركنا أنا وأمى ول ملجأ لنا‬
‫سوى الله ‪ .‬وعلى جرى عاداته صار العجوز يجئ‬
‫إلينا انا وأمى ويلبى حاجتنا من طعام وشراب‬
‫وغيره مما تلزمه الحياة ‪ ،‬وخطر فى بالى ان‬
‫الرجل عينه على أمى وانه يريدها للزواج فقد‬
‫ضا وتصغره بعشرين سنه ‪ ،‬إل‬ ‫كانت جميلة هى أي ً‬
‫انه فى أحد اليام فاتح أمى فى أمر الزواج منى‬
‫وهى بدورها فاتحتنى فأخبرتها بحكايتى مع الشاب‬
‫جارى وكانت تعرفها وقلت لها اننى احبه كما‬
‫يحبنى وأننا تعاهدنا على الزواج متى تخرجنا من‬
‫الجامعة ‪ ،‬فوافقتنى على رأي وأخبرت العجوز بما‬
‫دار بيننا وارتباطى بذلك الشاب ‪ .‬فما كان منه إل‬
‫أن أضمر الشر فى نفسه وأقسم ان يعمل على‬
‫هلكنا انا وأمى وجارنا الشاب الذى أحبه ويحبنى ‪،‬‬
‫وبالفعل لم تمض إل بضعة أيام إل وأصاب أمى‬
‫داء عجز الطباء عن معالجته فعافت الطعام‬

‫‪59‬‬
‫والشراب حتى ذبل عودها وماتت رحمها الله‬
‫رحمة واسعة ‪.‬‬
‫قال السطى حمامة‪ :‬فلما بلغت الصبية فى‬
‫حكايتها ذكر أمها أخذت فى البكاء وصارت زوجتى‬
‫تواسيها وتطبطب عليها حتى هدأت وسكتت مدة‬
‫ساعة ثم استأنفت قائلة‪ :‬وفى ليلة من ذات‬
‫الليالى ‪ ،‬وبينما كنت نائمة ودمعتى على خدى من‬
‫كثرة تفكيرى فى أبى وأمى وبيتنا الذى خرب وإذا‬
‫ما أطلق فأصاب صدرى ‪ ،‬وشعرت إن‬ ‫بى كأن سه ً‬
‫روحى راحت ‪ ،‬وهاج عقلى وجسدى فلم أعد‬
‫أعرف رأسى من قدمى مدة ساعة زمانية ثم هدأ‬
‫كل شئ وبعد ساعة أخرى حدث نفس الهيجان ‪،‬‬
‫بل زاد حتى أننى خرجت إلى الشارع هائمة على‬
‫وجهى ل أدرى إلى اين أذهب ولما أفقت من هذا‬
‫الهيجان وجدت نفسى هنا فى هذا البيت مع هذا‬
‫الرجل ‪ ،‬وكلما حاولت معرفة حالى معه هل هو‬
‫تزوجنى على سنة الله ورسوله ‪ ،‬أم انه يعيش‬
‫معى فى الحرام فأجده ينظر إلى وتنقلب عيناه‬
‫إلى جمرتين من نار فيهيج عقلى وجسدى مرة‬
‫أخرى ول أعرف رأسى من قدمى وهكذا ‪.‬‬

‫حكاية العجوز والقرد‬

‫قال السطى حمامة ابو محمود ‪ :‬قالت زوجتى‬

‫‪60‬‬
‫أم محمود للصبية ان حكايتك عجيبة قالت الصبية‪:‬‬
‫ليست حكايتى بأعجب من حكاية العجوز مع‬
‫القرد ‪ .‬قالت ‪ :‬وكيف كان ذلك ؟ قالت الصبية ‪:‬‬
‫بينما أنا جالسة ذات يوم فى البيت بمفردى أنعى‬
‫حظى و بختى وأتذكر كيف غدر الزمان بأبى‬
‫وامى وبى فأخذت دموعى تسح على خدودى‬
‫وتذكرت أبياًتا من العديد كانت أمى ترددها ‪:‬‬
‫آه لو كانت قولة آه تبرى علتى وأطيب‬
‫لبات أقول أه يا ريح الحبايب طيب‪.‬‬
‫وأخذت أبكى ول أجد من يمسح دمعتى ‪ ،‬وبينما‬
‫أنا كذلك وإذا بالرجل الذى يزعم انه زوجى وقد‬
‫طا بسلسلة‬ ‫دا مربو ً‬‫ى جاًرا خلفه قر ً‬
‫دخل عل ّ‬
‫وسحبه حتى جاء به أمامى وقال لى ‪ :‬جئت لك‬
‫ى وقال بسخرية ‪:‬‬ ‫بهذا القرد ليسليك ‪ .‬ثم نظر إل ّ‬
‫انظرى إليه ؟ أليس جميل ً مثلك ‪ ،‬أنتما ل تصلحان‬
‫إل لبعضكما البعض ‪ .‬وأخذ يضحك وتركنا أنا‬
‫والقرد ومضى من أمامنا ‪ ،‬كنت خائفة من القرد‬
‫أول المر فابتعدت عنه ‪ ،‬لكنى حينما نظرت إليه‬
‫ى‬
‫وجدت وجهه وكأنه يبتسم لى ‪ ،‬ثم أشار إل ّ‬
‫بأصبعه وجعل يضرب على صدره بقبضة يده‬
‫وأخذت دموعه تبظ من حبابى عينيه وكأنه كان‬
‫يريد أن يقول لى شيًئا ‪ ،‬ولكن لم أفهم ‪ .‬ول بد‬
‫أنه فهم أننى ل أفهم إشارته ول لغته فقد‬
‫استسلم وجلس بالقرب منى ودفن رأسه بين‬

‫‪61‬‬
‫زراعيه ولم يعد يتحرك ‪ ،‬وفى صباح كل يوم كان‬
‫زوجى يجئ بالقرد أمامى ويظل يضربه بكرباج‬
‫مدة ساعة حتى يدمى جسده والقرد يصرخ‬
‫ويبكى حتى إذا ما تعب من ضربه تركه ومضى‬
‫‪،‬والقرد يلوذ بى فيرتمى فى حجرى ويضع رأسه‬
‫على صدرى وينام بعد أن يمشى من يضربه‬
‫ويسقيه العذاب كل يوم‪ ،‬وها أنذا حكيت لك‬
‫حكايتى من طقطق للسلم عليكم ‪.‬‬
‫قالت بديعة لبنتها فتحية ‪ :‬قال راوى هذه‬
‫الحكاية السطى حمامة النجار ‪ ،‬أبو محمود ‪ :‬ما‬
‫ان انتهت الصبية من حكايتها وأم محمود زوجتى‬
‫جالسة أمامها تسمع وتغمغم بكلم المواساة ‪،‬‬
‫وانا جالس فى الحجرة الخلفية أسمع فى غيظ ما‬
‫قالته وأنا أعرف الفولة ولبتها‪ ،‬وأخذت أدور‬
‫كلمها فى عقلى وألخص حديثها فى نقاط سهل‬
‫ى فهمها ‪ ،‬فالساحر دخل على العائلة بالخراب‬ ‫عل ّ‬
‫فمات الب ‪ ،‬ثم بعد ذلك ماتت الم ‪ ،‬والبنت‬
‫تنتابها حالة هيجان فل تعرف ساعتها رأسها من‬
‫قدمها ‪ ،‬وهى ل تعرف كيف جاءت إلى هذا‬
‫المكان وهل هى زوجته أم إنه يعاشرها فى‬
‫ضا ‪ ،‬ولماذا‬
‫الحرام ‪ ،‬ثم ما حكاية القرد هذه أي ً‬
‫يتعمد ضربه أمامها كل يوم ‪ ،‬فما الحكمة من ذلك‬
‫؟‪.‬‬
‫أثارتنى كل تلك السئلة ‪ ،‬وكنت أريد معرفة‬

‫‪62‬‬
‫جواب كل سؤال ‪ ،‬وخطر لى أن كل تلك اللغاز‬
‫ما فعلها سوى ذلك الساحر العجوز ‪ ،‬وإنها لن‬
‫تحل إل بالحكمة وبعلوم القلم ‪ .‬وكنت أعرف‬
‫صاحًبا لى منذ أكثر من ثلثين سنة كان يشتغل‬
‫بعلوم السحر فكان أشر خلق الله فى زمنه ‪ ،‬ولم‬
‫يسلم أحد من أذيته ‪ ،‬ولكن الله تاب عليه فنذر‬
‫نفسه لعمل الخير ووجه كل علمه لمحاربة‬
‫السحر والفجار ‪ ،‬فقلت أذهب إليه وأعرض عليه‬
‫قضية المرأة ‪ ،‬فلما حكيت له حكايتهاقال لى ‪:‬‬
‫هل بامكانك إحضارها هنا هى والقرد لنظرها‬
‫بنفسى ‪ ،‬فقلت أحاول ‪ ،‬واتفقنا على ان أحضرها‬
‫له هى والقرد فى ظرف هذا السبوع ‪ ،‬ولما كان‬
‫زوج الصبية ل يتركها إل بمقدار تخليص اشغاله‬
‫ويرجع يلزق لها فهى صبية صغيرة وجميلة ول‬
‫يأمن عليها من مكر الماكرين‪ ،‬وانقطعت عن‬
‫زيارة زوجتى عدة ايام ‪ ،‬وبالمر المقدر فقد‬
‫سافر زوجها ذات يوم لقضاء أشغاله فى قرية‬
‫بمحافظة كفر الشيخ على ان يعود فى نفس‬
‫الليلة وبمجرد خروجه طلعت إلى زوجتى كعادتها‬
‫لتتسلى معها ‪ ،‬فدخلت على المرأتين وعلمت ان‬
‫زوجها على سفر فقلت انتهزها فرصة وأعرض‬
‫عليها المر ‪ ،‬فقالت لى أخاف ان يطب علينا‬
‫زوجى فى أية لحظة فأخذت أطمئنها حتى وافقت‬
‫‪ ،‬واتجهنا جميًعا إلى حيث صاحبى وكان يسكن‬

‫‪63‬‬
‫بالقرب منا ولم أنس أن آخذ القرد معنا ‪ ،‬وكان‬
‫عا وقد أدمى المفترى جسده‬ ‫المسكين ينتفض فز ً‬
‫من الضرب ‪.‬‬
‫لما وصلنا‪ ،‬دخلنا على الرجل وكان يدعى‬
‫الشيخ عبد السلم فسلمنا وجلسنا‪ ،‬ثم انه أخذ‬
‫ينظر إلى الفتاة طويل ً ثم قال‪:‬اتروكونا وحدنا ‪.‬‬
‫فخرجت انا وزوجتى وجلسنا ننتظر فى الخارج‬
‫مدة ساعة ‪ ،‬ثم رأينا الفتاة تخرج وبصحبتها القرد‬
‫وكانت تضع يدها فى يده والفرح والسرور جعل‬
‫وجهها مثل البدر المنور‪،‬فأقبلنا عليها نريد أن‬
‫نعرف ماذا حدث بينها وبين الشيخ عبد السلم‬
‫فتبسمت وقالت كل خير إن شاء الله‪ ،‬فهذا‬
‫كا وشفائى قد تم على يديه‪ .‬فهنأناها َ‬ ‫الشيخ مبار ً‬
‫أنا وزوجتى بالسلمة وانصرفنا جميًعا إلى البيت ‪.‬‬
‫قال ابو محمود راوى هذه القصة العجيبة وما‬
‫فيها من حوادث وامور مدهشة غريبة ‪:‬‬
‫شغلتنا الدنيا بحلوها ومرها ‪ ،‬وانشغلت بعملى‬
‫فى الورشة وقد نسيت قصة الصبية ولم اعد أرها‬
‫ما عن زيارتنا رغم‬ ‫أنا وزوجتى فقد انقطعت تما ً‬
‫أننا فى منزل واحد ‪ ،‬حتى عجوز النحس لم أعد‬
‫أره فكأنهما تركا المنزل وغادراه إلى حيث ل‬
‫يعلم أحد ‪،‬‬
‫وفى يوم من ذات اليام ‪ ،‬وبينما أنا أعمل فى‬
‫ورشتى بين عمالى ‪ ،‬إذ سمعنا صرخة عظيمة آتية‬

‫‪64‬‬
‫من ناحية بيتنا المواجه للورشة ثم عاد السكون‬
‫كما كان ‪ ،‬فاندفعت أنا وصبيانى إلى الناحية التى‬
‫جاءت منها الصرخة فتبينا أنها أتية من الدور‬
‫الرضى حيث تسكن الصبية وزوجها الساحر ‪،‬‬
‫حا وموارًبا فدخلنا ورأينا ما‬‫وكان باب شقتها مفتو ً‬
‫وقف له شعر رؤوسنا ‪ ،‬كانت المرأة مستلقية‬
‫على ظهرها ونصفها السفل عارًيا وقد باعدت ما‬
‫بين ساقيها ‪ ،‬وبينهما ‪ ،‬كان يقبع كائًنا صغيًرا‬
‫ومشعًرا يشبه القرد الواقف أمام السرير ينظر‬
‫إليها وقد وضع يده على بطنها ‪ ،‬وكان حبله‬
‫السرى ما زال عالقا بها ‪ ،‬وفى الجهة المقابلة‬
‫للسرير الذى تنام عليه المرأة كان الرجل العجوز‬
‫يفترش الرض وقد فارق الحياة ‪ .‬جاءت زوجتى‬
‫وأخرجتنا جميًعا ‪،‬ثم أخذت فى قطع الحبل‬
‫السرى لذلك الكائن العجيب وساعدتها على إتمام‬
‫ولدتها ‪ ،‬ثم قامت بعمل اللزم من تنظيفها وعمل‬
‫طعام للنفساء وخلفه ‪.‬‬
‫وقمنا نحن بتغسيل الرجل الميت وتكفينه‬
‫ودفنه فى قرافة المام وأقمنا العزاء ‪ ،‬فلم يكن‬
‫له اقرباء ودعونا أن يتغمده الله برحمته الواسعة‬
‫فقد كانت سيرته وحشة وأعماله كلها تغضب‬
‫المولى عز وجل ‪.‬‬
‫وظلت زوجتى تعاودها وتلبى جميع طلباتها‬
‫حتى أتمت أربعين ليلة ‪ ،‬وكان خبر المرأة يتردد‬

‫‪65‬‬
‫على كل لسان فى درب طياب ولم يكن للناس‬
‫دا وكيف‬‫سيرة سوى كيف أنجبت من زوجها قر ً‬
‫علم فطق مات ‪ ،‬وقيل بل انجبت قرًدا لنها كانت‬
‫تعاشر القرد الكبير الذى جلبه زوجها ‪ ،‬وكنت‬
‫ما أردد كلما سألنى أحد صحة خبر المرأة ان‬ ‫دائ ً‬
‫علم ذلك عند ربى ‪ ،‬وعند المرأة ‪ ،‬فهى الوحيدة‬
‫التى تعرف كل شئ ‪ ،‬وفى الليلة الواحدة‬
‫والربعين كانت زوجتى قد ذهبت إلى تلك المرأة‬
‫لتطمئن عليها ‪ ،‬فغابت عندها كثيًرا ‪ ،‬ولما طلعت‬
‫وقابلتنى كان وجهها متغيًرا ولونها مخطوف‬
‫وانفاسها مضطربة فبادرتها قائل ً ‪ :‬ما الذى حدث‬
‫حتى تغير وشك هكذا ؟ فقالت لى وهى تشيح‬
‫بيدها ‪ :‬أسكت يا بو محمود ‪ ،‬ربنا أمر بالستر‪.‬‬
‫قلت على ماذا ؟ قالت ‪ :‬ربنا عاوز كده ‪ ،‬لعنة‬
‫وصابت الجميع ‪ .‬ثم بعد أن أستردت أنفاسها‬
‫جلست تحكى لى ما سمعته من المرأة ‪.‬‬

‫*حكاية المرأة التى أنجبت قرد*‬


‫قالت أم محمود‪:‬‬
‫دا يشبه القرد بل‬ ‫بعد أن وضعت جارتنا مولو ً‬
‫دا حقيقًيا وهو ما تأكدت منه فى اليام‬ ‫كان قر ً‬
‫التى تلت ‪ ،‬حيث كنت فى كل يوم أدخل عليها‬
‫للبى كل طلباتها فلم يكن أحد بجانبها يناولها‬
‫حتى شوية ميه ‪ ،‬لكن الغريب اننى كنت أجد‬

‫‪66‬‬
‫القرد الكبير لزًقا بجانبها طوال الوقت ‪ ،‬فكان‬
‫يجلس معها على السرير ويبتسم فى وشها‬
‫ويلعبها ويعمل مثل البنى آدم بالضبط ؟ وكان‬
‫يأخذ ولدها من بين ذراعيها وهى تأمن عليه منه ‪-‬‬
‫أمر عجيب ‪ -‬ويظل يحادثه بلغة لم أكن أفهم منها‬
‫شيًئا فلبد وان تكون لغة قرود ‪ ،‬المهم ‪ ،‬ظللت‬
‫مواظبة على هذا المر حتى اتمت المرأة أربعين‬
‫ليلة كنت أرى خللها الطفل القرد يكبر ولونه‬
‫ما القرد‬ ‫يتغير حتى أصبحت ملمحه تشبه تما ً‬
‫الكبير وكأنها فوله وانقسمت نصفين فتعجبت ‪،‬‬
‫وزاد عجبى حين كنت أشوفها هى والقرد الكبير‬
‫يعاملن بعضهما معاملة غريبة من ذلك مثل ً أننى‬
‫كنت أجده بجانبها دائما على السرير ‪ ،‬ورأيتها‬
‫تعطيه وجهها فيقوم بلحسه وهى كانت بتبوسه‬
‫وتلعب بأصابعها فى شعره وهكذا ‪ ،‬فلما كانت‬
‫ما‬‫الليلة الواحدة والربعين تعافت المرأة تما ً‬
‫وأصبحت تستطيع الستغناء عنى‪ ،‬قلت لها حمد‬
‫مام وانترى‬ ‫لله على سلمتك قومى خديلك ح ّ‬
‫المرض عن بدنك وها انا قاعدة جنب المولود‬
‫حتى تفرغى من اشغالك ‪ ،‬فلم تكذب خبًرا‬
‫ما وارتدت جلبابا اسود مقصب‬ ‫وقامت أخذت حما ً‬
‫كا على جسدها فكانت زى الفل وجاءت‬ ‫محبو ً‬
‫جلست بجانبى وراق بالها وأخذت ولدها فى‬
‫حضنها ثم جعلت تنظر إليه وساحت دموعها على‬

‫‪67‬‬
‫وجهها وتمتمت تقول ‪ :‬حكمتك يارب ‪ .‬وأنا كدت‬
‫أموت شوًقا لمعرفة حكايتها فانتهزتها فرصة‬
‫وقلت لها ‪ :‬أحلفك بضناك لتحكى لى على سرك‬
‫وهو فى بير ما لوش قرار ‪.‬فنظرت إلى فى‬
‫صمت مدة ّ ثم قالت ‪ :‬وما الذى تريدين معرفته ؟‬
‫دا‬
‫قلت ‪ :‬حكايتك ‪ ،‬وهذا الطفل كيف جاء هكذا قر ً‬
‫يشبه القرد الكبير؟‬
‫فنظرت إلى فى حسره ‪ ،‬وقالت بعد أن تنهدت‬
‫وبظت دموعها ‪ :‬أعلمى ان حكايتى عجيبة ‪ ،‬وهى‬
‫لو كتبت بالبر على آماق البصر ‪ ،‬لصارت عبرة‬
‫لمن اعتبر كما كانت تقول زوزو نبيل فى‬
‫الراديو ‪ ،‬وما سوف أحكيه لك ل يصدقه عاقل‬
‫لكنها الحقيقة التى لو سمعتها انا ما صدقتها ‪،‬‬
‫وهناك شهود على ذلك ‪ ،‬هلى تذكرين الشيخ‬
‫الذى ذهبنا أليه أنا وانت وزوجك أبو محمود ‪ .‬قلت‬
‫نعم ‪ ،‬الشيخ عبد السلم ‪ .‬قالت وهل تذكرين انه‬
‫عندما رأنى أنا والقرد أمركما بالخروج ‪ .‬قلت نعم‬
‫‪ .‬قالت ‪ :‬لما طلب منكم الشيخ عبد السلم‬
‫الخروج ‪ ،‬بقيت انا والقرد والشيخ وحدنا فقال لى‬
‫اقتربى يا بنتى منى فاقتربت فوضع يده على‬
‫رأسى وأخذ يتمتم بكلمات ‪ ،‬وإذا بشئ ينزل من‬
‫سقف الحجرة ويقع على الرض وهو يتلوى فلما‬
‫حققت النظر فيه رأيته قرموط سمك ‪ ،‬تناوله‬
‫الشيخ بيده وأخرج سكينا فصل بها رأس‬

‫‪68‬‬
‫القرموط فهمدت حركته ‪ ،‬وأرانى كتابه كانت‬
‫على جلد القرموط ‪ ،‬قال‪ :‬عمل لك زوجك عمل ً‬
‫بالهياج على جلد هذا القرموط وأطلقه فى‬
‫الماء ‪ ،‬وكلما تحرك القرموط جاءك الهيجان ‪،‬‬
‫والن قد بطل عمله ورجعت كما كنت ‪ .‬ثم قال ‪:‬‬
‫أما هذا القرد فحاله حال ولبد انك تعرفينه حق‬
‫المعرفة ‪ ،‬ثم انه أحضر طاسة ملنه بالماء وقرأ‬
‫عليها ثم رماها فى وجه القرد وهو يقول ‪ :‬إذا‬
‫كنت انسيا فارجع إلى صورتك التى خلقك الله‬
‫عليها وإذا بالقرد ينتفض شاًبا جميل ً ‪ ،‬وكان هو‬
‫الشاب جارى الذى احببته وأحبنى فعانقنى‬
‫وعانقته فى شوق ولهفة وهنأته على السلمة‬
‫وجلسنا نتحادث مدة ساعة ‪ ،‬ثم اننى انتحيت‬
‫بالشيخ ركنا وقلت له ‪ :‬ها أنت ذا ترى كيف فعل‬
‫زوجى الشرير بسحره فسحرنى وسحر من‬
‫أحب ‪ ،‬وكما انه قتل ابى وأمى فلبد انه قاتلى‬
‫فى يوم ما ‪ ،‬وأنا أريد أن أعمل عمل ً يخلصنا من‬
‫شره فهل توافق يا سيدنا ‪ .‬قال الشيخ مرينى يا‬
‫دا بما رأيت وسمعت‬ ‫بنتى فقلت ل تخبر أح ً‬
‫ولتجعل هذا سًرا بيننا ‪ ،‬كما اننى أريد منك أن‬
‫ترجع هذا الشاب إلى صورة القرد مرة أخرى‬
‫حتى ل يعرف زوجى أننا كشفنا سره ‪ ،‬وأريد منك‬
‫ضا أن تعلمنى كلمات إذا قلتها عاد الشاب إلى‬ ‫أي ً‬
‫صورته الولى كما فعلت أنت ‪ ،‬ففعل الشيخ كما‬

‫‪69‬‬
‫أمرت وخرجنا أنا والقرد كما رأيتمونا وذهبنا إلى‬
‫بيتنا ‪ ،‬وأنا أقسمت ان أفضح عجوز السوء هذا‬
‫فضيحة بجلجل ‪ ،‬فكنت فى كل يوم وحين يخرج‬
‫دا ‪،‬‬
‫أقوم انا وأستوثق من خروجه وأغلق الباب جي ً‬
‫ثم أحضر طاسه ملنه بالماء واتلو عليها الكلمات‬
‫التى علمها لى الشيخ عبد السلم ثم أرميها على‬
‫القرد فيعود إلى صورته الصلية ونظل فى‬
‫مهارشة ومداعبة وبوس وعناق حتى نشبع من‬
‫بعضنا ونقضى غرضنا وقبل ان يأتى زوجى أكون‬
‫قد رددت الشاب إلى حالة القرد ‪ ،‬وقد بقينا على‬
‫هذه الحالة مدة من الزمن وطابت لنا الحياة إلى‬
‫ما من أحد اليام كنت نائمة ‪ ،‬وزوجى‬ ‫ان كان يو ً‬
‫فى الخارج لبعض الشغال ‪ ،‬وصاحبى الذى على‬
‫صورة قرد جلس بجانبى على السرير وأخذ يتأمل‬
‫جسدى وأنا نائمة شبه عارية فاشتدت عليه غلمته‬
‫فلم ينتظر حتى أصحو وأرده بشًرا سويا ‪ ،‬بل قام‬
‫ى فلما أحسست به لم أدر‬ ‫على حيله وأولجه ف ّ‬
‫أأنا فى يقظة أم فى منام وصار يرهز حتى أفرغنا‬
‫بلذة عجيبة ‪ ،‬وبالمر المقدر فقد انطبعت صورته‬
‫على ما هو عليه فى رحمى وعلقت منه فى تلك‬
‫اللحظة ‪ ،‬ومرت تسعة شهور من تلك الليلة حتى‬
‫جاءنى الطلق كما يشاء خالق الخلق فولدت‬
‫هذا القرد الذى يشبه أباه تمام الشبه وقديما‬
‫قالوا من شابه أباه فما ظلم ‪ ،‬وحين دخل على‬

‫‪70‬‬
‫زوجى ووجد الطفل القرد بين ساقى ووجد أباه‬
‫بجانبى على السرير عرف ان حيلته انكشفت‬
‫وانه افتضح فلم يتحمل وطق مات ‪ ،‬وهذه هى‬
‫حكايتى دون زيادة أو نقصان ‪.‬‬
‫قالت بديعة لفتحية ‪ :‬حكيت لك هذه الحكاية‬
‫لتعرفى ان كيد النسا غلب كيد الرجال ‪ ،‬ورمضان‬
‫الن بين يديك فافعلى به ما شئت ‪ ،‬وعقلك فى‬
‫راسك تعرفى خلصك ‪.‬‬
‫فتحية فكرت فيما قالته أمها وقالت كنت احتاج‬
‫أتر رمضان ‪ ،‬رمضان جاء كله واصبح فى يدى‬
‫أفعل به ما أشاء ‪ ،‬فتحية أخذت شنطة ملتها من‬
‫هدومها وخرجت من بيتها إلى المستشفى‬
‫وأقامت هناك فى حجرة الممرضات ‪ ،‬وبدأت‬
‫تأخذ نوباتشيات زميلتها وجعلت عينها على‬
‫رمضان أربعة وعشرين ساعة ل تغفل ول تنام‬
‫وكانت تتسحب فى الليل وتمشى بشويش لحد ما‬
‫توصل لسرير رمضان وتقترب منه وهو نائم‬
‫وتشم رائحة جسده الملفوف فى البيجامة‬
‫وحين تغفل عينها غصًبا عنها وهى جالسة على‬
‫الكرسى قرب سريره ‪ ،‬فرائحته تمل منامها فتكاد‬
‫تسورق على نفسها من حب رمضان وحب‬
‫رائحته وعند الصباح الباكر فتحية زغدت رمضان‬
‫فى جنبه بالراحة ففتح عيناه نصف فتحه فقالت‬
‫له وابتسامتها تبلع وجهها صباح الفل قم بسرعة‬

‫‪71‬‬
‫خذلك حمام والجو رايق قبل ميعاد الزيارة ‪،‬‬
‫وفتحت الكومودينو الذى على يمينه وأخرجت‬
‫غياراته الداخليه فانكسف وضحكت وناولتها له ثم‬
‫أعطته بيجامه نظيفة وأسندته حتى باب الحمام‬
‫وقالت له اوعى نقطة ميه تيجى على الجرح ‪.‬‬
‫فا أن يلط‬ ‫استحم رمضان براحته ‪ ،‬وكان خائ ً‬
‫الجرح ‪ ،‬وبعد انتهائه ارتدى هدومه الداخليه ثم‬
‫جاكت البيجامة والبنطلون وهو ل يدرى انه ارتدى‬
‫حجابان واحد للمحبة والتانى للكره والفرقة‬
‫سهرت عليهما فتحية طوال الليل وأخذت بنطلون‬
‫بيجامته فكت التكة وبرمت الورقتان وادخلتهما‬
‫داخل الكمر وخاطت عليها مرة أخرى ‪ .‬وحين‬
‫خرج من الحمام ووقعت عينه عليها نظر إليها‬
‫بعين محب وأحب سماع صوتها وهى تتكلم ورؤية‬
‫جسدها يترجرج أمامه فى غدوها ورواحها ‪ ،‬ولما‬
‫حان موعد الزيارة جاءت خطيبته أحس بنفرة فى‬
‫قلبه وتساءل بينه وبين نفسه هل عميت عيناه‬
‫حتى يقع على جدور رقبته هكذا ‪ ،‬وحمد الله أن‬
‫زائدته الدودية أنقذته فى الوقت المناسب ‪،‬‬
‫وفتحية ‪ ،‬آه يا فتحية شعشع حبها داخله فمل كل‬
‫كيانه ‪ ،‬وكم يتمنى الن أل يشفى من جرحه حتى‬
‫يظل بجانبها فى المستشفى الذى لم تعد تغادره‬
‫لتكون بقربه ‪ ،‬وتشم رائحته ‪ ،‬رائحة رمضان ‪.‬‬
‫***‬ ‫‪4‬‬

‫‪72‬‬
‫حرب السحرة‬
‫***‬
‫عشت تلك اليام العصيبة من عام الف‬
‫وتسعمائة وثلثة وسبعين ‪ ،‬كانت بدايتها ‪ ،‬بالتحديد‬
‫فى شهر يناير ‪ ،‬وبالتحديد أكثر ‪ ،‬فى الثالث عشر‬
‫منه حين أعلنت الحرب الكبرى بين نجية وأم‬
‫وجدى من ناحية وبديعة وفتحية ومن بعد حليفتهما‬
‫أم جمال ‪ -‬أمى ‪ -‬فكيف دخلت امى تلك الحرب ؟‬
‫وهل كان ذلك بارادتها وحدها ؟ أم ذج بها فى‬
‫حرب ل ناقة لها فيها ول جمل ؟ هذا ما‬
‫ستعرفونه إذا ما تبعتمونى فى الصفحات التالية ‪-‬‬
‫فكونوا معى ‪-‬‬
‫ما معافى‬ ‫خرج رمضان من المستشفى سلي ً‬
‫وفى يده فتحية التى اقسم ال يخرج إل وهى فى‬
‫يده وعلى مشهد من الجميع ‪ ،‬وبعد عدة أيام كتب‬
‫كتابه عليها دون شوشرة ‪ ،‬فقد كان يعرف ان‬
‫خطيبته السابقة لن تسكت ول هى ول أهلها وهو‬
‫ما حدث بالفعل حين أعلنت جدتها نجية أن هناك‬
‫ملعوًبا وراء ما حدث وأن البنت معمول لها عمل‬
‫أكيد وفى صباح يوم جمعة أكتشفت أم وجدى‬
‫طا فى خرم فى الجدار ولما فتحته‬ ‫حجاًبا محطو ً‬
‫وجدته مكتوًبا بالسريالية وبالمداد الحمر ‪،‬‬
‫وبالحدس وحده عرفت انه عمل بالكره لبنتها‬
‫منال ‪ ،‬وباستعراض للموقف تم حصر قائمة‬

‫‪73‬‬
‫المشبوه فيهن فى اثنتين ل ثالث لهن ‪ ،‬بديعة ‪،‬‬
‫وأم جمال ‪ -‬أمى ‪ -‬ولما كانت بديعة ل يعرفونها إل‬
‫من بعيد لبعيد ‪ ،‬ولم تكن هناك خصومة بينهن من‬
‫قبل فقد تم استبعادها لتتركز شكوكهن فى أم‬
‫جمال ‪ ،‬فما علقة أمى بالمر ؟ أمى التى جاءت‬
‫من كوم الضبع بالليل سكنت فى حارة على ابو‬
‫حمد ببولق الدكرور التى كانت وقتها عدة بيوت‬
‫متناثرة والباقى غيطان قمح وذرة ‪ ،‬كانت ابنة‬
‫ستة عشر بينما أبى تعدى الربعين وانجب ثمانية‬
‫من عمة أمى قبل أن تموت وتتركهم أطفال ً‬
‫يحتاجون من يربيهم ‪ ،‬وفى زمن الجهل والفقر ‪،‬‬
‫فإن العادة والعرف والتقاليد ‪ ،‬تأخذ صفة القانون‬
‫الملزم لكل الطراف ‪ ،‬وهم أى الهل ‪ ،‬لم يجدوا‬
‫أفضل من أمى كى تربى أبناء عمتها الثمانية‬
‫والذين كان بعضهم فى مثل سنها تقريًبا ‪ ،‬انظر‬
‫على سبيل المثال ل الحصر ‪ :‬نجدى والذى كان‬
‫قا وسوف يتوفى‬ ‫أكبر البناء سنا ً وكان أحسنهم خل ً‬
‫فى عز شبابه فى العام السابع والستين تار ً‬
‫كا ابًنا‬
‫ضا توحيدة ‪ ،‬كذلك نصحى‬ ‫يتكون فى بطن أمه ‪ .‬أي ً‬
‫‪ ،‬الخرون كانوا أطفال ً ‪ ،‬المهم ‪ ،‬أنجبت أمى‬
‫أربعة هم على التوالى ‪ :‬أختى الكبرى نجيبة ‪ ،‬ثم‬
‫انا جمال الملقب بخيرى عبد الجواد ‪ ،‬وبعدى أخى‬
‫سيف السلم ‪ ،‬ثم أختى الصغرى نجوى ‪ ،‬كان‬
‫أبى يسمينا الترقيدة التانية ‪ ،‬وكانت نجيبة متفوقة‬

‫‪74‬‬
‫فى المدرسة إلى درجة أزعجت عمى وأولد‬
‫عمى ‪ ،‬وجاءت الضربة القاضية حين نجحت نجيبة‬
‫فى الثانوية العامة ‪ ،‬لحظتها لم تتمالك أمى‬
‫نفسها فحزمت وسطها ووقفت ترقص وتغنى‬
‫على المل ‪ :‬من الثانوية للكلية ‪ ،‬والمجموع قّرب‬
‫على المية ‪ ،‬اغنية كانت تغنيها ليلى نظمى وقتها ‪،‬‬
‫لم تكتف أمى بذلك ‪ ،‬بل تمادت حتى أنها أشترت‬
‫ساعة"جوفيال" يابانى أصلى وأعطتها هدية‬
‫لبنتها نجيبة ولم تنجح الوساطة بين أبناء العائلة‬
‫الواحدة فى جعل نار الغيرة تخمد ‪ ،‬بل زادتها‬
‫اشتعال ً حتى اندلعت الحرب الخفية بين النسوان‬
‫ذات يوم ‪ ،‬فقد استعان الفريقان بكل من لديه‬
‫خبرة بفنون السحر سواء فى بولق الدكرور أو‬
‫فى كوم الضبع ‪ ،‬وكان من نتائج تلك الحرب ان‬
‫انتهت بكارثة نكسة الخامس من يونية ووفاة أخى‬
‫الكبر ‪ ،‬وان يعيش وجدى ابن عمى عاجًزا إلى‬
‫البد بعد أن طارت رجله بفعل أحد السحرة‬
‫الشرار وليس بفعل "الترام" كما قيل وقتها ‪.‬‬
‫وحين أعلنت الحرب للمرة الثانية ‪ ،‬كان كل‬
‫من الفريقين لديه أسبابه التاريخية لشن حرب‬
‫وبينما الفريقان وقد استعاًنا بكل شياطين الجان‬
‫يتطاحنان ‪ ،‬تزوجت فتحية ورمضان فى هدوء دون‬
‫اللتفات لحرب ل تعنيهما فى شئ ‪ .‬وعندما‬
‫اندلعت حرب السادس من اكتوبر كانت فتحية‬

‫‪75‬‬
‫حامل ً فى شهرين ‪ ،‬والفريقان أصابهما العياء من‬
‫حرب ل طائل من وراءها استنزفت كل مواردهما‬
‫‪ ،‬لذا فقد اتخذا قراًرا بأعلن الهدنة وتوجيه كل‬
‫شياطينهما إلى المجهود الحربى ‪.‬‬
‫***‬ ‫‪5‬‬
‫أولد صدّيقة‬
‫***‬
‫صدّيقة انجبت أربعة صبيان وبنت واحدة ‪،‬‬
‫مت‬‫وابنها البكر نصر طلع فرع وعضلته قس ّ‬
‫جسمه وكان يحب المصاريف ولم ينفع فى‬
‫مدارس فعاش حياة صياعة مع أولد الحوارى‬
‫وبدأ يشرب البانجو سواء فى سجائر أو فى‬
‫حجرالجوزه ‪ ،‬ولما لم يجد ما يشرب به ويشبرق‬
‫على أصحابه اندار على امه صدّيقة وأخذ يسرق‬
‫من وراءها مصروف البيت حتى صرفه كله ثم بدأ‬
‫يسرق من أبيه فعرف وبدأ يراقبه حتى أمسكه‬
‫ذات يوم ومحفظته فى يده‪ ،‬ضربه بالقلم على‬
‫وجهه وطرده من بيته فأقام عند خالته بديعة‬
‫وابنة خالته فتحية وزوجها رمضان الذى تحمله‬
‫عشرة أيام فاتح بعدها حماته فى اليوم الحادى‬
‫عشر ‪ :‬الولد كبير مثل الفلق نايم طول النهار ول‬
‫شغله ول مشغله وبنتك مش عارفة تتحرك‬
‫براحتها فى بيتها ‪ ،‬ودا راجل برضة ويجوزلها ‪،‬‬
‫يعنى كدا عيب ‪ .‬بديعة ردت على رمضان بعد ان‬

‫‪76‬‬
‫صعبت عليها نفسها وقالت اول دا مش غريب يا‬
‫رمضان يا بنى ‪ ،‬ابن اختى هو ابنى ‪ ،‬يعنى عاوزنى‬
‫اطرد لحمى ‪ .‬وبينها وبينه قالت له يا بنى ما‬
‫يرضيش ربنا قاعدتك كدا ل شغلة ول مشغلة أنا‬
‫اشيلك فوق راسى بس قوم اجرى على أكل‬
‫عيشك وربنا يفتحها فى وشك يا نصر يا بن‬
‫صدّيقة ‪.‬‬
‫نصر لم يتعلم أى صنعه تنفعه وانسدت الدنيا‬
‫فى وشه فبدأ يتاجر فى البانجو على الضيق أول‬
‫المر ‪ ،‬عمل لحساب زعبول تاجر الحشيش‬
‫الشهير فى بولق الدكرور والذى قبض عليه‬
‫وحكم عليه بالمؤبد قضى نصفهم فى السجن‬
‫وخرج فى عفو اكتوبر فوجد الحشيش تجارته‬
‫دا بسهولة وإذا وجد‬ ‫راحت عليها ولم يعد موجو ً‬
‫دا وكان البديل أمامه هو البانجو‬ ‫فسعره ارتفع ج ً‬
‫فكان يأخذ العيال الصغيرة يسرحهم لحسابه ومن‬
‫بينهم نصر ابن صدّيقة الذى ضرب عصفورين‬
‫بحجر واحد ‪ :‬يبيع ويكسب ‪ ،‬ويعمر مزاجه بشرب‬
‫البانجو ‪ ،‬ولم تسأل صدّيقة ول زوجها محمد من‬
‫أين يأتى نصر بالفلوس ‪ ،‬كان همها أن يرجع إلى‬
‫البيت طالما الجنيه جرى فى يده ‪ ،‬ورجع نصر‬
‫إلى بيته فى حارة على ابو حمد واصبح رجل ً يقول‬
‫الكلمة بكلمتها والجميع يتمنون رضاه ‪.‬‬
‫ما ‪ ،‬خرج من‬ ‫منصور اخو نصر طلع عكسه تما ً‬

‫‪77‬‬
‫سنة رابعة وهو ل يعرف القراءة والكتابة وكان‬
‫يختفى باليوم واليومين ول يعرف عنه احد شيئاً‬
‫ثم يظهر فجأة فى البيت كأنه ما غاب عنه وإذا‬
‫سأله أبوه أو أمه أين كان ‪ ،‬يشوح بيده ويسب‬
‫لهما الدين ويترك البيت مرة أخرى ‪ .‬وحده كان‬
‫دا فيلتم على أولد الشوارع‬‫يعرف طريقه جي ً‬
‫المجاورة‪ ،‬أصحابه الصيع ‪ ،‬من سنه تقريًبا‬
‫ويذهبون يتسولون بهدومهم المهربدة فى حتت‬
‫بعيدة ل يعرفهم فيها أحد وإذا لم يجدوا من‬
‫يشحتوا منه كانوا يلبدون فى أنصاص الليالى‬
‫ويسرقون أى شئ يجدونه أمامهم ‪ :‬تسجيل عربة‬
‫‪ ،‬فردة كاوتش ‪ ،‬شوال فول حراتى أو مانجة‬
‫يبيعونها ويشترون الكلة والبنزين ليقوموا بشمها ‪،‬‬
‫وأخر مرة سرق فيها أمسكته داورية شرطة‬
‫سا وفى يده تسجيل عربة بعد متصف الليل‬ ‫متلب ً‬
‫بساعة وحولته على شرطة الحداث وطلع بعد‬
‫ثلثة شهور وعلم ابوه فضربه علقة موت وقال‬
‫لصدّيقة زوجته عاجبك كده ‪ ،‬أدى تربيتك ونظرت‬
‫إليه صدّيقة من تحت لتحت وضربت كفوف‬
‫اليادى بعضها فى بعض وطوحتها فى وشه وقالت‬
‫اسم الله على تربيتك يا خويا ‪ ،‬وان كنتوا نسيتوا‬
‫اللى جرى هاتوا الدفاتر تنقرا ‪ .‬سكت‬
‫محمدعبدون وهو يعلم انه لن يسلم من لسانها ‪،‬‬
‫كما انها ما سكة عليه زلة من أيام الشريط‬

‫‪78‬‬
‫المسجل عليه صوته فى حضن صفاء ‪ ،‬لذا فقد‬
‫أخذها من قصيرها وطلع على قهوة فى شارع‬
‫همفرس وطلب واحد شاى سكر زيادة وحجر‬
‫معسل وضيق بين عينيه وعقد جبهته وفكر فى‬
‫حاله وحسبها بالورقة والقلم ‪ :‬عنده ستين سنه‬
‫إل شهرين وعلى وشك المعاش لكن صحته بمب‬
‫ومن يره ل يعطيه أكثر من أربعين سنة ‪ ،‬وليس‬
‫فى شعره السود كله شعرة واحدة بيضاء ‪،‬‬
‫وصدّيقة عجزت قبل منه ووشها كرمش وفضحته‬
‫فى كل حتة‪ ،‬أكثر من واحد قال له مراتك بتسرق‬
‫من الخضارية فى شارع السوق ‪ ،‬داء وتحكم فيها‬
‫هى وبنتها ‪ ،‬ونصر ابنه البكر تاجر بانجو والواد‬
‫منصور احترف الصياعة ويشم كله وبنزين‬
‫وحرامى ‪ ،‬الولدين الباقيين مازالوا صغارا ‪،‬‬
‫يعنى هيطلعوا ايه ‪ ،‬هأو‪.‬‬
‫وفكر فى صفاء ‪ ،‬عمرى ما هاشوف زى أيامك‬
‫يا صفاء ‪ ،‬لو كان حفنى طلقها كنت اتجوزتها‬
‫وطلقت العكرة صدّيقة ‪ ، ،‬وحفنى عجز وشكله‬
‫بقى زى اللى عنده ميت سنه ‪ .‬ياه ‪ ،‬الزمن ما‬
‫سبش حد فى حاله ‪ ،‬ال صفاء ‪ ،‬السنين تزيدها‬
‫جمال‪.‬‬
‫محمد شرب ست حجارة معسل وطلب قهوة‬
‫على الريحة وهفت عليه سيرة الموات فأخذ‬
‫يترحم على نور وحماتة أم حفنى وعلى ابيه وامه‬

‫‪79‬‬
‫ودمعت عيناه فمسحها بكم قميصه وقال اللهم‬
‫اجعله خيًرا ‪ ،‬أنا هاموت ول ايه ‪ ،‬وأحس فى تلك‬
‫اللحظة بأنه أكثر شفافية من أى وقت مضى‬
‫فأحب كل الناس ‪ ،‬حتى الذين أساءوا إليه فى‬
‫يوم ما ‪ ،‬وصعبت عليه نفسه لنه ما عرف يربى ‪،‬‬
‫وفكر انه حين يخرج على المعاش سيأخذ قرشين‬
‫كويسين ممكن يفتح بهم محلت ويتاجر هو‬
‫وأولده فى أى شئ‪ ،‬المهم يلمهم من حياة‬
‫فا ودفع‬ ‫الصياعة والضياع ‪ .‬عند هذا الحد هب واق ً‬
‫سا‬‫الحساب واتجه إلى البيت ‪ ،‬كان حفنى جال ً‬
‫على الباب واضًعا رجل ً على أخرى ويدخن‬
‫سيجارة ‪ ,‬وصفاء كانت جالسة تحت أقدام‬
‫الكرسى الجالس عليه حفنى ‪ ,‬وحفنى بنظارته‬
‫الطبية وشعر رأسه البيض ظهر كأن عنده مائة‬
‫سنة ‪ ،‬وصفاء بدا جسمها المدملك الملفوف فى‬
‫جلبابها السود المحبك يشع بياضا وسحرا فكأنها‬
‫أبنته ‪ .‬واحس محمد عبدون باللم يعتصر قلبه‬
‫عليه وعليها‪ ،‬وتأسف انه أغضب حفنى ذات يوم‬
‫وخانه مع امرأته ‪ ،‬وغمغم لنفسه‪ :‬أنا مالى‬
‫النهاردة ‪ ،‬باينى هاموت ‪ .‬ودخلت صفاء وأحضرت‬
‫له كرسًيا فجلس جنب حفنى الذى عزم عليه‬
‫بسيجارة فأخذها وولعها ‪ ،‬وطلب حفنى من صفاء‬
‫عمل شاى له ومحمد ‪ ،‬وفى تلك اللحظة سمع‬
‫الجميع صوت هيصة آتيه من بعيد ‪ ،‬أصوات صوات‬

‫‪80‬‬
‫وزعيق أخذت تقترب شيًئا فشيًئا حتى أصبحت‬
‫على ناصية حارة على أبو حمد ‪ ،‬وكان الجميع‬
‫يتبين ما يحدث الن أمام أعينهم ‪ ،‬زفة‬
‫جامدة‪،‬رجال ونساء وأطفال تتقدمهم واحدة تبينوا‬
‫أنها صدّيقة التى كانت تتلفت خلفها وتشوح بيدها‬
‫تبعد الناس عنها ‪ ،‬لكن الناس كانوا يمشون‬
‫وراءها وهم يهتفون ويشيرون إليها ‪ :‬الحرامية‬
‫أهى ‪.‬‬

‫***‬

‫القسم الثالث‬

‫‪1‬‬

‫‪81‬‬
‫‪،‬محمد عبدون مات قبل ان يطلع على المعاش‬
‫بشهر واحد وتحقق لصديقة حلم حياتها فى ان‬
‫تصبح ارملة – تصدقوا – كانت فعل تحلم بحياة ما‬
‫بعد محمد عبدون ‪،‬من اين اتاها هذا اليقين ؟ هى‬
‫ل تدرى فقد كان من الممكن ان تموت قبله لكن‬
‫هذا ما لم يتحقق وجاءت اللحظة التى تعيش فيها‬
‫حياتها كأرملة متحققة ‪ .‬قبل موته تخيلت اللحظة‬
‫وعاشت احاسيس ارملة توفى زوجها فجأة وترك‬
‫لها اولده‪ ,‬تخيلت انها سوف تحس بالحزن وفى‬
‫جنازته تشيل النيلةوتشلشل بمنديل اسود ويمكن‬
‫تشق جلبيتها ايضا ‪ ,‬وربما يبح صوتها من العويل‬
‫والصوات ‪ ,‬والغريب انها استعدت لهذه اللحظة‬
‫بأكثر مما كانت تظن ‪ ،‬فقد تعلمت العديد على‬
‫ايدى امرأة محترفة كانت تؤجر فى مثل هذه‬
‫المناسبات ‪ ،‬وكان كل تركيزها على عديد من‬

‫‪82‬‬
‫مات زوجها وترك لها اطفال ‪ ،‬مع التركيز ان‬
‫تستقبل لحظة موته بطريقتين ‪ ،‬الطريقة الولى ‪:‬‬
‫اذا كانت نائمة ويجىء من يخبرها بنبأ موته ‪ ،‬فانها‬
‫سوف تهب فزعةمن نومها وتكون فى حالة‬
‫زهول حين تسمع الخبر‪ ،‬لكنها ما كانت تعرف‬
‫كيف تنهى هذه الحالة ‪ ،‬لذا فقد كانت الطريقة‬
‫الثانية هى القرب للحظة الستعراض الكبرى ‪:‬‬
‫اذا مات خارج المنزل وجاء محمول على اليدى‬
‫فسوف تستقبل الخبر مبلمة ل تنطق ‪ ،‬وتبدو‬
‫ملمح وجهها جامدة بينما عيناها محملقتان فى‬
‫الجثة الممددة امامها والناس يلتفون حولها وكأن‬
‫المر ل يعنيها بتاتا ‪ ،‬وسوف ينتبه من حولها‬
‫لحالتها ويرجعونها لتأثير الصدمة فيحثونها على‬
‫البكاء خوفا عليها من هذا الصمت المميت ‪ ،‬وربما‬
‫ضربها احدهم بكف يده على صدغها كى يساعدها‬
‫على البكاء ‪ 0‬وهذه الحالة ايضا ل تعرف كيف‬
‫تنهيها ال بتعديل بسيط وهو انها حين تهم بايقاظه‬
‫فى الصباح تجده ميتا ‪ ،‬عندئذ تجأر بالصوت‬
‫العالى فيلتم الهل والجيران وتظل هى تلطم‬
‫الخدين حتى تقع مسورقة على نفسها ‪ ،‬وهو ما‬
‫حدث بالفعل ‪ .‬كان قبل موته بيوم يجلس على‬
‫مقهى فى شارع همفرس ‪ ،‬ثم رأته جالسا مع‬
‫اخيهاحفنى ومراته العاهرة أم عين باكسة‬
‫يشربون الشاى حين كانت راجعة من شارع‬

‫‪83‬‬
‫همفرس والعيال ملمومين حواليها يجرسونها ‪ ،‬هو‬
‫الذى طردهم وطيب خاطرها وطلع وراءها ‪ ،‬كان‬
‫وجهه مزرد ولونه مخطوف‪ .‬جلس على الكنبة‬
‫واخذها من يدها اجلسها بجانبه‪ ،‬لم يتكلم معها‬
‫فى الفضيحة امام الخلق وجرسة العيال لها ‪ ،‬ل ‪،‬‬
‫ولم يقل لها أى شيىء ‪ ،‬فقط نظر اليها وعيناه‬
‫مندتان بالدموع‪ .‬تطلعت اليه وتساءلت ‪ :‬فيه ايه‬
‫ياراجل ‪ ،‬مالك ؟ هز كتفيه‪ ،‬مش عارف ‪ ،‬النهارده‬
‫أنا مش عارف مالى ‪ ،‬زى اللى بيودع من الدنيا ‪،‬‬
‫ثم تهدج صوته‪ :‬فريده ‪ ،‬عاوزك تسامحينى على‬
‫أى حاجة غلط عملتها معاكى‪ .‬همت بالوقوف‬
‫فأمسك زراعها يشدها ناحيته ‪ ،‬وتصورته يغازلها‬
‫فنترت يدها وقالت بدلل‪ :‬فيه ايه ياراجل ‪،‬انت‬
‫جرالك ايه النهارده ‪ ،‬العيال بره صاحيين ‪ .‬تركته‬
‫ودخلت المطبخ جهزت له العشاء‪ ،‬تعشى وحده‬
‫وطلع على السرير ومدد بدنه واتكأ بكوعه على‬
‫المخده‪ ،‬انتظر عياله ان يأتوا من الخارج ‪ ،‬لكنه‬
‫نام حتى ظهر اليوم التالى على غير عادته ‪،‬‬
‫وظنت هى أنه اخذ اجازة من شغله‪ ،‬واقتربت منه‬
‫تنغزه فى جنبه ليصحو ‪ ،‬ولم تكن ادركت بعد أنه‬
‫خانها للمرة الثانية ومات ‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫‪2‬‬

‫بعد الجنازة‪ ،‬كان عليها عبء ترتيب البيت من‬


‫الداخل ‪ ،‬لكن الشىء الذى وقفت عنده كثيرا‬
‫وحيرها فى نفس الوقت ‪ ،‬هو كيف كانت جنازة‬
‫زوجها مهيبة ذات جلل ورهبة تليق بواحد تقى‬
‫ميت‪ ،‬حتى انها ‪ ،‬وهى التى لم تتأثر بموته كثيرا ‪،‬‬
‫تأثرت بجنازته الى حد البكاء ‪ ،‬كانت تعلم انه –‬
‫رحمة الله عليه – زيله نجس ‪ .‬هى على يقين من‬
‫ذلك وعن تجربة ‪،‬فحين تعرف عليها ‪ ،‬كان يتحين‬
‫الفرص للختل بها فيظل يقبلها ‪ ،‬وبأصابعه يفرك‬
‫حلمتيها المنتصبتان ويمتصهما حتى يشبع ‪ ،‬وما كا‬
‫ن ليشبع أبدا ‪ ،‬ففى احدى المرات تمادى وخلع‬
‫لباسها لما رأى انها ساحت بين يديه وما عادت‬
‫تعرف رأسها من رجلها ‪ ،‬فصرخت متوسلة أن‬

‫‪85‬‬
‫يريحها ‪،‬لكنه أبدا ما سمح لنفسه ان يفض بكارتها‬
‫وكانت له اسبابه الوجيهة ‪ ،‬اننا سوف نتزوج –‬
‫كان يقول – فلنترك شيئا لليلة الدخلة ‪ ،‬شيئا‬
‫جديدا نتشوق لن نفعله ويكون تذكارا لتلك‬
‫الليلة ‪ .‬كانت تعرف انه يلعب بزيله برا البيت‬
‫وجواه ‪ ،‬وحين ضبطته مع زوجة أخيها ‪ ،‬كانت‬
‫على يقين من أنها لم تكن المرة الولى ‪ ،‬كان‬
‫عزاءها الن أنه لن يفعل هذا الشىء بعد ذلك‬
‫أبدا ‪ ،‬فالموات ل يخونون ‪ .‬أربكها هذا الحشد من‬
‫المشيعين ‪ ،‬كل زملئه أتوا‪ ،‬زملء العمل ‪،‬‬
‫وزملءالمقهى الذى كان يجلس عليه ‪،‬ومن الحتة‬
‫والحارة ‪ ،‬كذلك أقرباء له لم ترهم من قبل ‪،‬‬
‫ناس جاءت تسد عين الشمس‪ ،‬حزانى على موته‬
‫‪ ،‬وسبحان الله ‪ ،‬كانت خرجته سهلة ميسرة‪،‬‬
‫تصريح الدفن جاء فى التاسعة صباحا ‪ ،‬أول ما‬
‫فتحت الوحدة الصحية فى شارع السوق ‪ ،‬من‬
‫جاء به؟ هى ل تدرى ‪ ،‬أصل حبايبه كانوا أكثر من‬
‫ان الواحد يعدهم ‪ ،‬كان الكل يجرى ويتسابق فى‬
‫تجهيز الميت ‪،‬التصريح طلع ‪ ،‬والكفن الشرعى‬
‫جاء ‪ ،‬المغسل أحضرمعه النعش وخشبة الغسل‬
‫والحنوط‪ ،‬الكراسى رصت فى الشارع وأمام‬
‫البيت ‪ ،‬كانت تجلس مع النسوان فى الداخل حين‬
‫سمعت من يسأل عنها فخرجت ‪ ،‬تقدم منها رجل‬
‫لم تره من قبل ‪ ،‬دس فى يدها مظروفا وقال‬

‫‪86‬‬
‫لها شدى حيلك ‪ ،‬دى خرجة المرحوم ‪ ،‬الشغل‬
‫صرفها له وكمان فيه اتوبيس للى عاوز يمشى‬
‫ورا المرحوم ‪ .‬طلع المرحوم محمول على أعناق‬
‫الرجال من بيته‪ ،‬وصار النعش ومن خلفه الرجال‬
‫ثم النساءفى صمت مهيب بعد أن نهيت النساء‬
‫عن الصوات أو العديد‪ ،‬ولم يعد يسمع سوى‬
‫صوت ‪ :‬وحدوه بين لحظة واخرى ‪ ،‬وتحدد مسار‬
‫الجنازة تلقائيا بالمرور على أقرب مسجد فى‬
‫الطريق فخرجوا من الحارة الى شارع الفرن‬
‫مرورا بشارع همفرس ‪ ،‬صلوا عليه صلة الجنازة‬
‫بعد أداء صلة الظهر وخرج الجميع فى طريقهم‬
‫الى قرافة المام حيث مدافن العائلة ‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫خيم مساء كئيب على منزل محمد عبدون‬


‫الميت ‪ ،‬ووقف ابنه الكبيرنصر فى الشارع‬
‫يشرف على عمال الفراشة وهم ينصبون‬
‫الصيوان ويعلقون عناقيد الضاءة‪ ،‬وجاء بثلثة‬
‫مقرئين تناوبوا قراءة القرآن حتى ساعة متأخرة‬
‫من الليل ‪ ،‬وطلت صديقة من البلكونة فرأت‬
‫الناس تدخل الصيوان ضفف ضفف ‪ ،‬معلمين كبار‬
‫بشنبات أصحاب نصر ‪ ،‬وشباب صّيع أصحاب‬
‫أولدها ‪ ،‬ونصر لبس جلبية ابيه الصوف وعباءته‬

‫‪87‬‬
‫وكبر فجأة ووقف فى أول الصف يأخذ العزاء‪،‬‬
‫وكل ربع ساعة يترك مكانه ويدخل الصيوان يلف‬
‫على الناس رافعا يده بالتحية ومناديا فى صوت‬
‫تعمد ان يكون قويا غليظا ‪ :‬شكر الله سعيكم‪،‬‬
‫وعازما عليهم بكل أنواع السجائر المستورد‬
‫والمحلى ‪ ،‬ولول كسوفه لعزم عليهم ايضا بالبانجو‬
‫‪ ،‬وفى آخر الليل ‪ ،‬وبينما عمال الفراشة يلمون‬
‫حاجاتهم ‪ ،‬جلس هو وأصحابه على جنب يدخنون‬
‫البانجو فى السجائر بأطمئنان ‪.‬‬
‫كانت الحجرة الضيقة مكتظة بالنساء يجلسن‬
‫متشحات بلون الحزن حول صديقة ‪ ،‬ولم يكن‬
‫بينهن سوى رجل واحد ‪،‬حفنى ‪،‬وقد التصقت به‬
‫زوجته صفاء ‪ ،‬وانزوت بديعة فى ركن الحجرة‬
‫هى وابنتهافتحية‪ ،‬بينما كانت محاسن تحملق فى‬
‫الجميع ‪،‬الرض مازالت مبلولة والجدران‬
‫بطرطشات ماء الغسل ‪،‬ورائحة حنوط المتوفى‬
‫لم تغادر المكان بعد ‪،‬نظرت محاسن الى صفاء‬
‫التى بدا على وجهها الحزن وتساءلت ‪ :‬فيم تفكر‬
‫الن ياترى؟ وتبسمت وهمست ‪ :‬تلقى القحبة‬
‫تفكر فيما كان يفعله معها الله يجحمه مطرح‬
‫ماراح ‪ .‬ثم نظرت الى اخيها الذى بدا حزينا ايضا‬
‫وسألت نفسها‪ :‬هل كان حفنى يتمنى موت محمد‬
‫عبدون بعد ان داس على عرضه ومرمغ اسمه‬
‫فى الوحل ؟‬

‫‪88‬‬
‫فى الصباح الباكر ‪ ،‬صحا جميع من فى البيت ‪،‬‬
‫وأخذت صديقة تعطى تعليمات للجميع بخصوص‬
‫عزاء النسوان فى الشارع فيجب أن يتم كنسه‬
‫ورشه ‪ ،‬ثم يأتى بعد ذلك فرش الملءات والكلمة‬
‫والحصر ‪،‬ووضع كنبة ملصقة لحائط البيت‬
‫لتجلس عليها المقرئة الشيخة رشيدة التى يجب‬
‫أن يذهب أحدهم لحضارها من بيتها لنها كفيفة‪،‬‬
‫والى محل الفراشة يذهب نصر لحضار ماكينة‬
‫الصوت والميكروفون ‪ ،‬وفورفرش الملءات بدأت‬
‫النساء فى الحضور وحدانا وجماعات وهن يرتدين‬
‫السواد ويعلن عن حضورهن بأطلق أصواتهن فور‬
‫دخولهن من الحارة ‪ ،‬وتولت الرد عليهن محاسن‬
‫بأطلق اصوات مماثلة ‪ ،‬وحين اطمأنت صفاء أن‬
‫عدد النساء يكفى لبدء الحتفال ‪ ،‬أخذها الوجد‬
‫فأخذت تولول وتغنى عديدا حزينا بين دهشة‬
‫سرك‬‫جميع من كانوا يعرفون حكايتها ‪:‬سّرى و ّ‬
‫ياخويا فى طبق صينى …‪ ..‬والطبق انكسر ياأعز‬
‫سرك ياخويا فى طبق فخار‬ ‫سرى و ّ‬
‫من عينى ‪ّ .‬‬
‫…‪ ..‬والطبق انكسر واتفرقت لسرار ‪ .‬كان‬
‫العويل والصوات يعلوان بين مقطع وآخر مما‬
‫شجع صفاء على الستمرار ‪ :‬باب اللحود مش‬

‫‪89‬‬
‫زى باب البيت ‪ ..‬كتفك عريض وازاى خشيت ‪.‬‬
‫هم يضحك وهم يبكى ‪ .‬قالت صديقة لنفسها وهى‬
‫توشك على الضحك وتحوش نفسها بالعافية‬
‫وهمست لنفسها ‪ :‬يامرة يالبوة المفروض تقولى‬
‫رحت القرافة ياختى لقيت حجر مبروم ‪ ،‬فكر عليا‬
‫ياختى بتاع المرحوم ‪ .‬وانفلتت ضحكة أحست ان‬
‫الجميع سمعها فتلفتت حولها لكن أحدا لم يأخذ‬
‫باله ‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫بديعة طلع لها نور فى المنام ‪ ،‬وعلى مدى ثلثة‬


‫ليال متصلة ‪ ،‬كان يظهر لبسا أبيض فى أبيض‬
‫ووشه يكاد يبك منه الدم والنور يسطع منه‬
‫وحواليه ‪ ،‬لم يقل سوى كلمة واحدة ‪:‬انقلينى من‬
‫تربتى يابديعة ‪.‬لكن كيف واين ولماذا ؟ ل تدرى ‪،‬‬
‫وهى التى دفنته بيديها فى قرافة أهله فى المام‬
‫الشافعى حارت فى أمرها ‪ ،‬هل تخبرهم برغبة‬
‫ابنهم فى نقل رفاته؟ سوف يتهمونها بالخرف‬
‫‪،‬فما الداعى لنقله وقد مر على رحيله كل تلك‬
‫السنوات ‪ ،‬ثم اصل هل بقى منه شيئا لم يأكله‬
‫الدود ‪.‬‬
‫بديعة أخبرت ابنتها بزيارة ابيها لها فى المنام‬
‫‪،‬فتحية تعجبت وقالت ‪ :‬طب ماقالش على سبب‬

‫‪90‬‬
‫نقله ؟ هزت بديعة رأسها فأكملت فتحية طب‬
‫وننقله فين ؟ ماسألتهوش يامة‪ ،‬يابنتى نور أبوكى‬
‫ها يتحكم فينا فى حياته ومماته ‪ ،‬يعنى الموات‬
‫مش سايبينا فى حالنا ‪ ،‬وبينها وبين نفسها‬
‫غمغمت ‪ :‬رحمة ونور ‪ ،‬باينك فى الجنة ونعيمها‪،‬‬
‫ول على بالك غلب الدنيا وقرفها‪ ،‬محمد عبدون‬
‫جالك ‪ ،‬شفته ؟ طب وهاتشوفه فين ‪ ،‬انت فى‬
‫وا فى النار وبئس القرار بعد‬ ‫الجنة ونعيمها ‪ ،‬وه ّ‬
‫ّ‬
‫عاملته السودا مع صفاء المنيوكة اللى خلت‬
‫رقابينا زى السمسمة فى الحتة ‪.‬ثم انها خطر لها‬
‫خاطر فجرت الى الدولب فتحته واخرجت علبة‬
‫من الخشب المطعم بالصدف مقفولة بقفل‬
‫صغير فتحته وأخرجت منها قطعة قماش مطوية‬
‫ومعطرة ومربوطة بشريط أسود وقد حال لونها ‪،‬‬
‫لم تكن سوى لباس نور الذى سرقته من بيته لما‬
‫أرادت أن تسحر له ‪ ،‬فردته أمامها ومالت برأسها‬
‫عليه وأخذت تتشممه ‪،‬وتذكرت اليام الخوالى ‪،‬‬
‫وحنت الى التراب الذى كان يمشى عليه نور‬
‫ورائحة جسمه ‪ ،‬وشمخته حين كان يهل عليها‬
‫‪.‬ولنها كانت تعرف كيف تستدعيه ‪ ،‬حتى ولو‬
‫كان ميتا ‪،‬فقد استحمت وتوضأت وفرشت قطعته‬
‫الخيرة تحتها ونامت وهى على يقين من أنه‬
‫سوف يحضر لتعرف منه بالضبط الحكاية ‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫‪5‬‬

‫عشرون عاما مرت على موت نور ‪ ،‬وأنا كبرت‬


‫وبدات أكتب قصصا قصيرة نشرت معظمها فى‬
‫الصحف والمجلت ‪ ،‬حتى تشكلت مجموعتى‬
‫الولى ‪ ،‬وظللت أنا وأستاذى الكاتب الكبير ادوار‬
‫الخراط فى حيرة من اختيار السم ‪ ،‬كنت قد‬
‫عرضتها عليه على أمل أن تعجبه فيكتب لها‬
‫مقدمة ‪ ،‬وبعد أقل من اسبوعين فوجئت به يتصل‬
‫ى خبر انتهائه من دراسة مطولة عن‬ ‫بى ويزف ال ّ‬
‫قصص المجموعة التى بل عنوان حتى الن ‪ ،‬ولن‬
‫المجموعة يغلب عليها الحس الشعبى ‪ ،‬فقد‬
‫وضعنا عدة عناوين مستوحاة من هذا الجو منها‬
‫على سبيل المثال ‪ ،‬حكايات من زماننا ‪ .‬وأيضا‬
‫حكاية الجمل والغزالة ‪،‬لكنى اخترت احد عناوين‬
‫القصص وأضفت اليه كلمة حكايات ليصبح عنوان‬
‫المجموعة هكذا ‪ :‬حكايات الديب رماح ‪.‬‬
‫كان عّلى التفكير فى كتابة روايتى الولى ولم‬
‫أجد أفضل من كتابة حكاية نور وبديعة‬
‫ومحمدعبدون وصديقة و محاسن‬
‫وفتحيةورمضان واولدهما ‪ ،‬القصة الحقيقية التى‬
‫عشتها بكل حزافيرها وشكلت طفولتى وصباى ‪،‬‬
‫كانت بديعة قد انقطعت عن زيارتنا ‪ ،‬لكنى كنت‬
‫أتسمع أخبارها واتابعها من بعيد لبعيد ‪ ،‬وعلمت‬

‫‪92‬‬
‫أن نور يأتى يوميا لبديعة فى نومها ليخبرها أنه‬
‫يريد أن يصبح وليا‪ ،‬وبديعة انهوست بمنامات نور‬
‫فبدأت تقص رؤاها على كل عابر سبيل ‪ ،‬تقول‬
‫بديعة أنه يزورها فى المنام كل يوم ‪ ،‬فى‬
‫البداية ‪ ،‬كانت هناك مواعيد محددة لهذه الزيارات‬
‫‪ ،‬على سبيل المثال ‪،‬فى اليوم الذى يزورها فيه‬
‫يقول لها أنه سوف يأتى غدا فى الساعة‬
‫الفلنية ‪ ،‬فكانت هى تعمل حسابها وتتهيأ للنوم‬
‫استعدادا للزيارة ‪ ،‬أما فيما بعد ‪ ،‬وقد تكررت‬
‫زياراته ‪ ،‬أصبح يأتى فى أى وقت وعلى غير ميعاد‬
‫‪ ،‬زيارات مباغتة لتنتظر ان كانت نائمة أم‬
‫مستيقظة ‪.‬فتحية ابنتها الوحيدة من ريحة‬
‫المرحوم ‪ ،‬كانت تقول لكل من تقابله أن أمها‬
‫وت ‪ ،‬مسكينة ‪ ،‬نور أبى كان يأخذ‬ ‫عقلها ف ّ‬
‫بحسها ‪ ،‬أما بعد رحيله ‪،‬وزواجى ‪ ،‬أصبحت‬
‫وحيدة ‪ ،‬تغلق بابها على نفسها طوال الوقت‬
‫وتحدث نفسها بصوت عالى ‪ .‬كانت تدير حوارا‬
‫طوال الوقت مع نور ‪ ،‬واحيانا كانت تغضب‬
‫وتتعارك معه وتخاصمه ثم تتصالح معه‪.‬بررت‬
‫بديعة تعلق نور بها حتى بعد موته بأنه كان يحبها‬
‫بجنون ‪ ،‬وأنه خير فى الجنة بين الحور العين‬
‫وبينها ‪ ،‬اختارها هى دون خلق الله ‪ ،‬كانت تقول‬
‫نور الف رحمة ونور عليه اختاره الله وليا من‬
‫أوليائه ‪ ،‬وسوف يظهر أمره على العالمين ‪ ،‬لم‬

‫‪93‬‬
‫تترك مسئول فى البلد ‪ ،‬ذهبت اليهم جميعا ‪،‬‬
‫أسمعتهم حكايتها ‪ ،‬وفى النهاية ترجوهم تخصيص‬
‫قطعة أرض لقامة ضريح الولى ‪ ،‬ولما كانت‬
‫تعرف أن أحدا ليصدقها ‪ ،‬فقد جاءت الى بيتنا‬
‫ذات صباح بعد فترة انقطاع كبيرة ‪ ،‬وأمام الجميع‬
‫سحبتنى من يدى بعيدا وهمست فى أذنى ‪ :‬أقول‬
‫لك على سر وتصدقنى ؟ أومأت لها بهزة من‬
‫رأسى فأطمأنت وجلست فجلست بجانبها ‪ ،‬كنت‬
‫أنظر اليها فى دهشة من ل يعرفها ‪ ،‬لم تكن‬
‫بديعة التى فتنت بها وأنا صغير ‪ ،‬بديعة التى‬
‫أمامى ترك الزمن أثاره على وجهها وجسدها ‪،‬‬
‫انكمش عودها الفارع فبانت أقصر من الول‬
‫‪،‬وتغضن وجهها وامتل بالتجاعيد‪ ،‬كما أن أسنانها‬
‫المامية وقعت فتركت تجويفا معتما ‪ ،‬عمك نور‬
‫زارنى امبارح وعوزك تيجى معايا نزورة أنا وانت‬
‫وحدنا ‪ ،‬وقال هايورينا معجزة ‪.‬كنت أتفرس فى‬
‫ملمح وجهها ‪ ،‬كان حديثا جاداومفعما باليمان ‪،‬‬
‫رأيت ذلك فى عينيها ‪ .‬قلت أننى لن أخسر شيئا‬
‫اذا ما جاريتها ‪ ،‬ثم ان زيارة الميت واجبة وعم‬
‫نور كان كلما رآنى مل جيبى بالحلوى الله‬
‫يرحمه ‪.‬‬
‫فى تمام الساعة السابعة ال ربعا كانت بديعة‬
‫تنتظرنى أمام البيت بفستانها السود القطيفة‬
‫وطرحتها الحرير السوداء ‪ ،‬ما أن رأتنى حتى‬

‫‪94‬‬
‫قالت ‪ :‬صباح الخير ياأستاذ ‪ ،‬باين على وشك قلة‬
‫النوم زى خالتك بديعة ‪ ،‬أصل نور وحشنى قوى ‪،‬‬
‫م فى المشى لحسن نعوأ‬ ‫وا منتظرنا دلوقت ه ّ‬
‫وه ّ‬
‫عليه ‪ .‬انطلقنا الى حيث يرقد نور رقدته الخيرة ‪،‬‬
‫كانت مدينة الموتى تقع فى أقصى المدينة‬
‫‪،‬واستغرقت الرحلة بالتوبيس الذى أضطررنا‬
‫لتغييره عدة مرات ساعتان ونصف ‪ ،‬كان الوقت‬
‫صيفا وبدأت الشمس ترسل نارها الموقدة فوق‬
‫ادمغتنا بل رحمة‪ ،‬بديعة كانت تعرف الطريق جيدا‬
‫فوفرت علينا السؤال واللف والدوران ‪ ،‬لما‬
‫وصلنا الحوش ‪ ،‬كان مغلقا بباب ضخم من الحديد‬
‫المشغول والمطلى بالسود ‪ ،‬خبطت بديعة على‬
‫الباب ضربات سريعة ومتتالية فتردد صدى‬
‫الصوت فى فضاء المدينة الصامتة ‪ ،‬انفتح الباب‬
‫بعد عدة محاولت من الدق ‪ ،‬وظهر على عتبته‬
‫رجل عجوز تخطى السبعين ويرتدى جلبية‬
‫خضراء بخطوط طولية زرقاء ‪ ،‬عيناه شبه‬
‫مغلقتان من أثر النوم ‪ ،‬فتحهما بصعوبة نصف‬
‫فتحة ‪ :‬مين ؟ ست بديعة ‪ .‬أيوه ياعم عبده ‪ ،‬انت‬
‫لسه نايم لحد دلوقت ‪ .‬ردت بديعة وتزحزح‬
‫الرجل عن فتحة الباب فدخلنا ‪ ،‬كان الحوش كبيرا‬
‫وواسعا ‪،‬واجهتنا ثلثة صفوف من المقابر تفصل‬
‫بينها مماشى وطرقات على جانبى الحوش وفى‬
‫المنتصف ‪ ،‬قالت بديعة انها ملك ثلث عائلت من‬

‫‪95‬‬
‫نفس البلد ويربط بينهم النسب والقرابة‪ ،‬قادتنى‬
‫وسط الطرقات وشواهد القبور حتى توقفت امام‬
‫مقبرة بل شاهد وأشارت ‪:‬عمك نور نايم هنا ‪.‬‬
‫للموت رهبوته ولى معه وقفة ‪،‬فى التوهمات ‪،‬‬
‫توغلت الى أبعد حدود التوهم ‪ ،‬ودخلت فى سكة‬
‫اللى يروح ما يرجعش ‪ ،‬وصّعبت الحياة على‬
‫نفسى ‪ ،‬وعشت فى نكد ما بعده نكد‬
‫‪،‬وكدت أفارق من شدة توغلى فى تصور‬
‫لحظات المغادرة ‪ ،‬هل أطلعكم على نتف‬
‫مما كتبته فى تلك الفترة المحنة ؟ وهل‬
‫يسمح المجال بذلك ؟ ولم ل ‪،‬واذا كانت‬
‫هناك قواعد للكتابة فالتمرد عليها أولى ‪،‬‬
‫أنظروا لهذا التوهم ‪ :‬توهمت أن‬
‫روحى راحت ‪ ،‬وأنا الن داخل قاعة‬
‫مظلمة ليس لها ضبة ول مفتاح ‪،‬‬
‫فعلمت أن هذا قبرى ‪ ،‬ورأيت‬
‫نفسى داخل كفنى بين أربعة جدران‬
‫ومن حولى ظلمة ووحشة ‪ ،‬فبكيت‬
‫على حالى ‪ ،‬وقلت أين منى أمسى‬
‫وغدى ‪ ،‬وتأسفت على مسعاى‬
‫وحّلى وترحالى فى أرض الله‬
‫الواسعة ساعيا سواحا فى بلد‬

‫‪96‬‬
‫تشيلنى وأخرى تحطنى بحثا عن‬
‫يقين عله يدركنى بنفحة ‪،‬وبينما أنا‬
‫كذلك أتفكر فى الملك والملكوت ‪،‬‬
‫وان لله فى خلقه شؤونا ‪ ،‬وقد ردت‬
‫ى وانحدر من‬‫روحى ‪ ،‬اذ هبط ال ّ‬
‫طاقة مدورة فى سقف قبرى لم‬
‫أرها قبل ذلك الحين وفى دائرها‬
‫صفة نور ‪ ،‬هبط ملكان طولهما ل‬
‫يحده بصر ‪ ،‬وعرضهما مثل ذلك ‪،‬‬
‫فى يد كل منهما مرّزبة لو نزلت‬
‫على جبل لدكته دكا وجعلته هباء‬
‫منثورا ‪ ،‬فعرفتهما ‪ ،‬وعلمت أن‬
‫الساعة ساعة امتحان ‪ ،‬فقلت‬
‫ياساتر أستر من الفضائح ‪ ،‬وألقى‬
‫فى قلبى أن بصرك اليوم حديد ‪،‬‬
‫ونظرت فى جهة ثعبانا كأنه الفيل‬
‫ى لمت ألف مّرة‬ ‫العظيم لو نظر ال ّ‬
‫من عظيم خلقته ‪ ،‬ونظرت فى جهة‬
‫بعض من جهنم – اللهم احفظنا‬
‫واياكم – وفى جهة بعض من جنة ‪،‬‬
‫فرق خاطرى ‪ ،‬وبين يدى وضع‬

‫‪97‬‬
‫سجلى ‪ ،‬وتصبب العرق منى ‪،‬‬
‫وسمعت فرقعة عظامى ووجيف‬
‫قلبى من شدة الوقفة والمسألة ‪ .‬أو‬
‫هذا التوهم الذى أسميته " توهم نوحى" ‪:‬‬
‫توهمت نفسى كما الغراب النوحى ‪،‬‬
‫وقلت الحال من بعضه ‪ ،‬فكما ينوح‬
‫الغراب ‪ ،‬هكذا أنا نياح على موتاى ‪،‬‬
‫وكأن الدنيا عدمت ناسها ‪ ،‬وكأن‬
‫همى وغمى ل ينتهيان ‪ ،‬سلواى فى‬
‫التذكرة ‪ ،‬وسياحتى وتفريج كربى‬
‫عند أهل الخرة ‪ ،‬زمنى غريب ‪،‬‬
‫وخطبى عظيم ‪ ،‬ودوما دوما فى‬
‫توهم دائم ‪ ،‬كأنى ل أعيش دونه‬
‫‪،‬وكأنه يتنفس دمى ‪ ،‬حتى صرت أنا‬
‫والتوهم اثنين فى واحد ‪ ،‬وحتى‬
‫صرت أتوهمنى فى كل أحوالى ‪،‬‬
‫فى غدوى ورواحى ‪ ،‬فى صحوى‬
‫ونومى ‪ ،‬سرائى وضرائى ‪ ،‬محياى‬
‫ومماتى ‪ ،‬فيانكدى على دنياى‪ ،‬كر‬
‫وفر ‪ ،‬اقبال وادبار ‪ ،‬هكذا فى كل‬
‫الحوال ‪ ،‬ما نقص شىء ال ليكتمل ‪،‬‬

‫‪98‬‬
‫وما اكتمل ال لينقص – فسبحان‬
‫مغير الحوال – المهم أننى أمسكت‬
‫ربابتى فى يدى ‪ ،‬وعلى جسدى‬
‫ارتديت كفنى ‪ ،‬ثم أننى رميت‬
‫نفسى فى توهم صعب أعرف‬
‫حدوثه مهما بعدت المسافة وطال‬
‫النأى ‪ ،‬فهذا أمر مكتوب وليس منه‬
‫مهروب ‪ ،‬وما خشيت ال شيئين ‪:‬‬
‫موت الفجأة ‪ ،‬وموتى وأنا ل أباشر‬
‫صنعتى ‪ ،‬وكنت أظن أنه ل يوجد فى‬
‫زمنى أصبر منى على مواجهة‬
‫الموت ‪،‬لما أعرفه وخبرته ‪ ،‬ولى فى‬
‫هذا الباب مباحث كثيرة ‪ ،‬ولما‬
‫وطنت النفس عليه منذ النشأة‬
‫الولى ‪ ،‬وصرفها عن اللهو ومتع‬
‫الدنيا لعلمى بوقوعه ل محالة ‪،‬‬
‫ولدمانى النظر فى الكتب القديمة ‪،‬‬
‫فقد اطلعت على نصيب وافر من‬
‫كتب المم السابقة ‪،‬فكدت أحفر‬
‫لنفسى قبرا فى محل سكنى ‪،‬‬
‫فأمكث فيه الى ما شاء الله ‪ ،‬وقد‬

‫‪99‬‬
‫رأيت فى هذا الباب مالعين رأت ‪،‬‬
‫وسمعت مالأذن سمعت ‪ ،‬ول خطر‬
‫على قلب بشرقط ‪ ،‬وقد انقسمت‬
‫على نفسى الى قسمين ‪ :‬قسم‬
‫يعيش عيشة أهل الدنيا ‪ ،‬وآخر‬
‫يعيش حياة أهل الخرة ‪ ،‬فكنت‬
‫كالمعلق بين السماء والرض ‪،‬‬
‫فصرفت النفس عن الخوض فى‬
‫ذلك التوهم ‪ ،‬وعلى أل ّ أعود الى‬
‫هذه المسألة بعد اليوم ‪ ،‬وليقض‬
‫الله أمرا كان مفعول ‪ ،‬فل أدرى ماذا‬
‫أكسب غدا ‪ ،‬ول أدرى بأى أرض‬
‫تكون قيامتى ‪ ،‬فقد شاب شعرى من‬
‫التفكر فيها ‪ ،‬وانهد حيلى وعدمت‬
‫عافيتى فى انتظارها وترقبها ‪،‬‬
‫المهم ‪ ،‬بينما أنا هكذا أتفكر ‪ ،‬واذا‬
‫بربابتى تأخذ وضعها الصحيح فى‬
‫يدى ‪ ،‬واذا بها تعزف لحنا دار فى‬
‫خاطرى وكنت أظننى تركته‬
‫واسترحت ‪ ،‬وبدأ صوتى ينوح‬
‫ولسانى ينطق غصبا بهذين البيتين ‪:‬‬

‫‪100‬‬
‫خلقت من التراب فصرت شخصا ‪،‬‬
‫فصيحا فى السؤال وفى الجواب ‪،‬‬
‫وعدت الى التراب فصرت فيه ‪،‬‬
‫كأنى ما برحت من التراب ‪ .‬كنت أقف‬
‫ى أمامى أقرأ الفاتحة على‬ ‫أمام قبر نور فاردا كف ّ‬
‫روحه وارواح المسلمين ‪ ،‬ثم تلفت حولى ‪ ،‬كانت‬
‫بديعة واقفة مع عم عبدة التربى تحت ظل شجرة‬
‫بعيدة ‪،‬وكنت أرقبها تتحدث اليه حديثا لبد أنه‬
‫أغضبه ‪ ،‬فقد ارتفع صوته قائل ‪ :‬كلم ايه دا‬
‫ياست بديعة ‪ ،‬صاحب العقل يميز ‪ .‬ثم أشار لى‬
‫بالقتراب فاتجهت ناحيتهما ‪ ،‬احضرنا ياأستاذ ‪،‬‬
‫الست عاوزه تودينى فى داهية ‪ ،‬وأنا راجل كبير‬
‫وصاحب عيال ياست ‪ .‬فيه ايه بس ياعم عبده ‪،‬‬
‫مزعل الست بديعة ليه ‪ ،‬قلت وانا أحاول تلطيف‬
‫الموقف وعلى وشى وضعت ابتسامة ‪ .‬فيه ان‬
‫الست طلبت منى أفتح التربةوأخّرج جثة جوزها‬
‫اللى ميت من عشرين سنة ‪ ،‬بقى ده كلم يعقل‬
‫ياعالم‪ ،‬ثم أن التربة ما تتفتحش ال بتصريح من‬
‫المن ‪ ،‬آه دى مسئولية وفيها سين وجيم وخراب‬
‫بيوت ‪ .‬بديعة كانت واقفة فى ثبات وفى عينيها‬
‫نظرات تحدى ‪ ،‬هو أنا بأطلب منك تصحيه ؟ أنا‬
‫طالبة أشوف جوزى ودا حقى ‪.‬ل مش من حقك ‪،‬‬
‫دة ‪ ،‬ماعدش جوز حضرتك من‬ ‫قال عم عبده بح ّ‬

‫‪101‬‬
‫ساعة ما مات ‪ ،‬القرآن والسنة بيقولوا كدة ‪ ،‬هو‬
‫وزه أحسن مّنك ‪ ،‬حور‬ ‫دلوقت بين ايدين ربنا ‪ ،‬وج ّ‬
‫عين لم يمسسهن انس ول جان ‪ ،‬اعترضى بقى‬
‫على كلم ربنا ‪.‬لم تيأس بديعة ‪ ،‬وبدت لها محاولة‬
‫اقناعه مسألة حياه أو موت ‪ ،‬وبدأت أشك فى‬
‫أنها سوف تقنع الرجل العجوز ‪ ،‬لكن بديعة‬
‫حسمت الموضوع حسما نهائيا ‪ ،‬فقد أخذت عم‬
‫عبده من يده ‪ ،‬وجرته بعيدا عنى ‪ ،‬ولمحتها تدس‬
‫يدها فى صدرها وتخرج شيئا تضعه فى جيب‬
‫جلبيته العلوى ‪ ،‬تركها الرجل وغاب لحظات ثم‬
‫عاد يحمل فى يده سلسلة مفاتيح كبيرة ‪ ،‬فى‬
‫صمت تقدمنا ونحن سرنا خلفه حتى وقف أمام‬
‫مقبرة نور ‪ ،‬تخير مفتاحا وضعه فى قفل الباب‬
‫الصغير وأداره فأنفتح ‪ ،‬تعجبت من موقف الرجل‬
‫العجوز وقلت هو المال سيد هذا العالم والعصا‬
‫السحرية التى تفتح كل مغلق ‪،‬راقبته وهو ينزل‬
‫السللم الحجرية الصغيرة حتى غاب عن أنظارنا ‪،‬‬
‫عاد بعد دقائق ووقف على السلم فى المنتصف‬
‫وزعق ‪ :‬الرمم كتير وانا ماأعرفش رمة جوزك‬
‫من غيره ‪ ،‬قالت بديعة بلهفة أنا أعرفها ‪ ،‬واتجهت‬
‫مهرولة نحو فتحة المقبرة فأوقفها الرجل‬
‫بأشارة من يده ‪ :‬حرام ياست تنزلى عين الرجالة‬
‫‪.‬أسرعت بديعة وأزاحته عن طريقها بزراعها‬
‫فتنحى وسمح لها بالمرور ونزل خلفها وجلست‬

‫‪102‬‬
‫أمام التربة وفوهتها المفتوحة على الظلم‬
‫جعلتنى أسرح قليل متأمل المصير النسانى ‪،‬‬
‫يقول شيخى محى الدين ابن عربى ‪ :‬الموت‬
‫وب اليك لحظة مولدك ‪ ،‬وحياتك بقدر‬ ‫سهم ص ّ‬
‫وصول السهم اليك ‪.‬قضى المر وطويت الصحف‬
‫ول راد لقضائه ‪ ،‬فالسهم انطلق ‪ ،‬وهو آت‬
‫لمحالة ‪ ،‬مسألة وقت ليس ال فصلت ذلك فى‬
‫توهماتى لمن أراد المزيد من النكد أما أنا فأرد‬
‫نفسى عن شرودها وأعود الى روايتى ‪ ،‬خرجت‬
‫بديعة وقد تهلل وجهها بالفرح ‪ ،‬وخرج وراءها عم‬
‫عبده يحمل فوق كتفه جثة ملفوفة فى كفنها ‪،‬‬
‫ى بديعة‬
‫وضعها أمامنا على الرض ‪ ،‬نظرت ال ّ‬
‫وهى تشير بأصبعها ‪ :‬عمك نور قدامك أهو ‪.‬كانت‬
‫أولى معجزات نور وكراماته أن الكفن ظل على‬
‫حاله متماسكا وصلبا كما كان منذ عشرين سنة‬
‫هى عمره ميتا ‪ ،‬وبدا لى أن بديعة تنظر الينا بزهو‬
‫وخيلء وكأنها فخورة بما أرتنا اياه ‪ ،‬تقدمت‬
‫بديعة وركعت على ركبتيها أمام الجسد العصى‬
‫على التحلل وانحنت تفك أربطة الكفن ‪ ،‬ثم انها‬
‫أزاحت طيات القماش عن الجسد دفعة واحدة ‪،‬‬
‫وبدا وجهه فى ضوء الشمس التى انعكست فوقه‬
‫نابضا بالحياة ‪ ،‬بل أكثر من ذلك كانت تظلله شبه‬
‫ابتسامة مطمئنة ‪ ،‬وخيل لى أنه فى غفوة قد‬
‫يصحو منها فى أية لحظة ‪ ،‬حملقنا غير مصدقين‬

‫‪103‬‬
‫ما نراه أمام أعيننا ‪ ،‬والرجل العجوز رفع اصبع‬
‫السبابة امام الجسدمتمتما بآيات من القرآن‬
‫وناطقا بالشهادتين ‪ .‬وأنا أردت التأكد فأقتربت‬
‫من الجسد ولمسته بأصابعى لمسا خفيفا فسرت‬
‫رعدة فى جسدى ‪ ،‬كان غضا ودافئا ‪ ،‬والماء الذى‬
‫سل به مازالت نداوته يحملها اللحم الطرى‬ ‫غ ّ‬
‫الذى تفوح منه رائحة ماء الورد ‪ ،‬تذكرت قصة‬
‫عزير ‪ ،‬أحد أنبياء بنى اسرائيل الذى مر على‬
‫ى الله هدة الرض بعد‬ ‫قرية خربة فقال أّنى يح ّ‬
‫موتها ‪ ،‬فّرد عليه صوت من السماء ‪ :‬يحييها الذى‬
‫أنشأها أول مّرة ‪ .‬ثم ان الله اماته مائة عام ثم‬
‫بعثه من جديدليكون شاهدا على معجزة الله ‪،‬‬
‫كنت مهيئا الن لتقبل معجزة الحياء مرة أخرى‬
‫فهل تحدث ؟‬

‫‪6‬‬

‫فى طريق العودة ‪ ،‬كنت أجلس أنا وبديعة‬


‫متلصقين فى الميكروباص المزدحم باليشر ‪،‬‬
‫كان الجو حارا خانقا مع لزوجة بفعل رطوبة الجو‬
‫وروائح بدائية تنبعث من الجساد جعلتنى أشعر‬
‫بالختناق ‪ ،‬بديعة دخلت فى الصمت دون‬
‫مقدمات وتوحدت مع نفسها ‪،‬وقطعا للوقت‬
‫أخذت أفكر فى تلك الشياء الخارقة للمألوف‬

‫‪104‬‬
‫والتى ل دخل للعقل أو المنطق فى تعليلها ‪ ،‬وما‬
‫علينا سوى أن نأخذها هكذا دون اعمال العقل‬
‫كأمر مسلم به ‪ ،‬وتبلورت فى ذهنى فكرة مقال‬
‫عن تلك الشياء التى هى دون معجزات الرسل ‪،‬‬
‫لكنها خارقة لناموس الطبيعة المعروف ‪ ،‬كأمتلك‬
‫بعض الشخاص لقدرات غير طبيعية ‪ ،‬كنت قرأت‬
‫وسمعت كثيرا عن رجال يأكلون الزجاج ‪ ،‬أو‬
‫يجرون عربة نقل بشعر الرؤوس واللحى ‪،‬أو‬
‫يقفزون من أعالى البنايات ‪،‬وهناك من يملكون‬
‫قدرات سحرية ‪ ،‬أو أولئك الذين يتخاطرون عن‬
‫بعد ‪ ،‬وفى تراثنا الصوفى حدث ول حرج ‪ ،‬رجال‬
‫يطوون الرض طيا ‪ ،،‬وآخرون يطيرون فى‬
‫الفضاء ‪ ،‬ومن يعبر الزمان والمكان ‪ ،‬أو من‬
‫يمشى على الماء ‪ ،‬وهناك حكاية مشهورة فى‬
‫التراث العربى الصوفى هى من عيون هذا التراث‬
‫‪ ،‬ولكن مع السف وجد من نقلها بحزافيرها مع‬
‫تعديل بسيط هو نسبتها للتراث التبشيرى‬
‫المسيحى ‪ ،‬ومن لم يصدق فليقرأ رواية باولو‬
‫كويلهو "بالقرب من نهر بيدرا" ‪ ،‬الحكاية تحكى‬
‫عن رجل فلح يعيش على فطرته الولى ‪ ،‬وايمانه‬
‫بالله ل تشوبه شائبة ‪ ،‬يعمل فى حقله بالقرب‬
‫من نهر ‪ ،‬وكان يصلى صلته حين مر عليه جماعة‬
‫من كبار المشايخ ‪ ،‬فوجدوا الرجل يصلى خطأ‬
‫فأنتظروه حتى أنتهى من صلته وبدأوا يعلمونه‬

‫‪105‬‬
‫الطريقة الصحيحة للصلة‪ ،‬ثم أنهم تركوه‬
‫وواصلوا رحلتهم بالمركب فى مياه النهر ‪ ،‬وحدث‬
‫أن الرجل نسى بعض ماقاله المشايخ له فجرى‬
‫على الماء ليلحق بهم فنظروا من المركب وجدوا‬
‫الرجل يجرى فوق الماء حتى وصل اليهم‬
‫ليسألهم عن الطريقة المثلى للصلة ‪ ،‬فأذ بهم‬
‫يقولون له فى نفس واحد ‪ :‬أبق على صلتك‬
‫وعباداتك كما تعرفها ‪ ،‬فقد أوصلتك الى ما ل‬
‫نستطيع الوصول اليه بعلمنا ‪.‬‬
‫حين وصلنا ‪ ،‬ودعتنى بديعة بأشارة من يدها‬
‫ومضت دون أن تتكلم ‪،‬أخذت أرقبها حتى غابت‬
‫عن ناظرىّ ‪ ،‬ثم صعدت من فورى الى غرفتى‬
‫وبدأت فى كتابة المقال الذى استغرق الوقت ‪،‬‬
‫ولم أدر ال والمساء قد حل ‪ ،‬أرتديت ملبسى‬
‫وركبت التوبيس المتجه الى بين السرايات حيث‬
‫مكاتب الكمبيوتر الكثيرة والمنتشرة هناك ‪،‬‬
‫صورت من المقال عدة نسخ وزعتها على عدة‬
‫جرائد واحتفظت بنسخة ‪ ،‬بعد مرور أكثر من‬
‫شهر ‪ ،‬كنت أتصفح الجرائد مصادفة فى صالة‬
‫النتظار بمطار القاهرة الدولى ‪ ،‬كنت أنا وأخوتى‬
‫فى أنتظار أبى العائد من الحج ‪ ،‬وكنت أشعر‬
‫بالملل فأخذت أقرأ العناوين الرئيسية ‪ :‬الرئيس‬
‫جاء ‪ ،‬الرئيس ذهب ‪ ،‬الرئيس استقبل ‪ ،‬صورة‬
‫لعاطف عبيد رئيس الوزراء وقد بدا للوهلة الولى‬

‫‪106‬‬
‫أنه لم ينم منذ سنة ‪ ،‬هالت سوداء وأنتفاخات‬
‫الكياس الدهنية حول عينية تجعل صورته بشعة ‪،‬‬
‫وعلى لسانه تصريحات حول السلع الساسية‬
‫التى سوف تنخفض حفاظا على محدودى‬
‫الدخل ‪ ،‬مقتل اثنى عشر جنديا أمريكيا فى‬
‫الفلوجة والقوات السرائيلية تجتاح مدينة غزة‬
‫وتهدم عشرات البيوت ‪،‬الى آخر العناوين‬
‫المكررة والمعادة ‪ ،‬وفى احدى الجرائد وقعت‬
‫عينى على عنوان بدا لى للوهلة الولى أنى‬
‫أعرفه ‪ :‬الولى الذى تم اكتشافه فى بولق‬
‫الدكرور ‪ .‬وتحت هذا العنوان وببنط أصغر ‪:‬دفن‬
‫حيا وبعد خمسة وعشرين عاما يخرج من قبره‬
‫ليظهر كراماته ‪ .‬كان المقال يحتل النصف العلى‬
‫من الجريدة‪ ،‬بينما النصف السفل امتل بصور‬
‫فاضحة لحد القساوسة وهو يمارس الجنس مع‬
‫بعض النساء ‪ ،‬وقد قدر لهذا العدد من الجريدة أن‬
‫يتخطفه القراء ‪ ،‬وأصبح ل حديث للناس فى‬
‫بولق الدكرور ال ّ عن ولى الله الشيخ نور الدين‬
‫وكراماته ‪ ،‬بل صار الناس ينسبون اليه بعض‬
‫الحكايات والكرامات ‪ ،‬من ذلك مثل ما رواه رفيق‬
‫طفولته الحاج سيد دعبس الذى يقسم بأيمانات‬
‫المسلمين أن ما سوف يرويه شاهده بعينيه‬
‫دث فقال ‪ :‬كنا‬‫اللتان سوف يأكلهما الدود ‪ ،‬ح ّ‬
‫نلعب ذات مّرة فى الحارة ‪،‬كنت وقتها ابن عشر‬

‫‪107‬‬
‫سنين ‪ ،‬ونور فى مثل سنى تقريبا ‪ ،‬وكانت بولق‬
‫الدكرور عبارة عن غيطان ترمح فيها الخيالة ما‬
‫تجيبش آخرها ‪ ،‬والضفا دع أكتر من البنى آدمين ‪،‬‬
‫نور جاب ضفدعة كبيرة ‪ ،‬وجاب حتة أبلكاش‬
‫وصلب الضفدعة من رجولها الربعة على الخشبة‬
‫بمسامير سنارة تلتة سنتى ‪ ،‬ما كناش واخدين‬
‫بالنا فى الول من اللى بيعمله ‪ ،‬ولما انتبهنا ‪،‬‬
‫اتلمينا حواليه وبدأنا نراقبه ‪ ،‬بعد كدة جاب نملة‬
‫كبيرة من النوع الفارسى وصلبها جنب الضفدعة‪،‬‬
‫وحاول صلب النملة زى ما عمل مع الضفدعة‬
‫ففشل ‪ ،‬فما كان منه الأن جاب كلة اللى بنلزق‬
‫بيها الكورة الشراب ولزق النملة فى الخشبة‬
‫جنب أختها ‪ ،‬بعد كده جاب موس حلقة وشق‬
‫صدر الضفدعة ‪ ،‬وعمل نفس الشىء مع النملة ‪،‬‬
‫وحط قلب النملة مكان قلب الضفدعة وقلب‬
‫الضفدعة مكان قلب النملة‪ ،‬وشاور بصباعه مكان‬
‫الجرحين فرجع كما كان ‪،‬بعد كدة فك التنين من‬
‫الصلب فنطوا يجرو كما الرهوان وكل واحد عاش‬
‫بقلب التانى سبحان الله ‪ .‬واقعة أخرى رواها أحد‬
‫رفقاء شبابه ‪،‬ويدعى زعبول ‪ ،‬كان أحد تجار‬
‫البانجو المعروفين فى المنطقة فقال ‪:‬صاحبت‬
‫الشيخ نور فترة من فترات الشقاوة‪ ،‬كنا نتقاسم‬
‫فيها كل شىء ‪ ،‬الحشيش ‪ ،‬الفيون ‪ ،‬السجائر ‪،‬‬
‫البانجو ‪ ،‬وحتى النسوان والنومة ‪ ،‬وكنت لما الدنيا‬

‫‪108‬‬
‫تضيق بى ‪ ،‬أروح عندة فيأوينى فى بيت أمه ‪ ،‬آكل‬
‫وأدخن وأشرب ول أحمل أى هم ‪ ،‬يعنى بأختصار‬
‫كان صاحب صاحبه ‪،‬فلما قبض علينا أنا وهو ذات‬
‫مّرة ‪ ،‬قعدنا فى قسم الشرطة عشرة أيام دون‬
‫طعام أو شراب ‪ ،‬ولم يسأل فينا أحدا ‪ ،‬ورأيته‬
‫متضايقا يجلس وحيدا بعيدا عن الجميع متكوما‬
‫على نفسه فى ركن الزنزانة الضيقة ‪ ،‬وكان‬
‫يدفس رأسه بين ركبتيه بالساعات دون أن يتكلم‬
‫مع أحد ‪،‬تركته أول المر وقلت لبد أنه تضايق‬
‫لن ل أمه ول أخته عبروه بالزيارة ‪ ،‬بعد فترة‬
‫قلت مابدهاش وياواد روح شوف صاحبك ماله‬
‫‪،‬فأقتربت منه وطبطبت على ظهره وقلت‬
‫لتزعل ياصاحبى ‪ ،‬فرجه قريب ‪.‬فرفع رأسه‬
‫ى فى حسرة ‪ ،‬وشفت عينه مرغرغة‬ ‫ونظر ال ّ‬
‫بالدموع وتنهد وقال ‪ :‬تعرف يابول ـ كان ينادينى‬
‫هكذا ـ حاسس أن حياتنا عايشينها غلط فى غلط‪،‬‬
‫وماشيين فى طريق آخره حيطة سد‪ ،‬ثم غمغم‬
‫لنفسه ‪ :‬انك لتهدى من أحببت ‪ ،‬ولكن الله يهدى‬
‫من يشاء ‪ .‬ثم أننى تركته ونمت ‪ ،‬لكنى قلقت‬
‫قرب الفجر فصحوت على صوت خروشة ‪،‬‬
‫ونظرت ناحية نور فرأيت ما تعجبت له ‪ ،‬كانت‬
‫طاقة من النور على هيئة دائرة تقف فوق رأس‬
‫نور وتضىء المكان حوله ‪ ،‬ورأيته يخط على جدار‬
‫الزنزانة بأصبعه ‪ ،‬فلما اقتربت منه شاهدته يرسم‬

‫‪109‬‬
‫مركبا كبيرا بصارى وقلع ومجاديف وناس تطل‬
‫من داخل المركب ‪ ،‬فلما اكتمل الرسم كاد ت‬
‫المركب أن تكون حقيقية ‪ ،‬ووجدنى أقف خلف‬
‫ظهره أتأمل ما فعل وعلى وشى علمات دهشة‬
‫ابتسم واشار الى المركب ‪:‬هل تريد ركوب هذه‬
‫والخروج من سجنك الصغير ؟ فضحكت وقلت ‪:‬‬
‫ياريت ياخويا ‪ ،‬بس فين البحر الى تمشى فيه‬
‫المركب ! فنظر لى وابتسم قائل‪ :‬لو أراد شيئا‬
‫يقول للشىء كن فيكون‪ .‬وبينما أنا وهو كذلك ‪،‬‬
‫صحا جميع من فى السجن ووقفوا يتفرجون علينا‬
‫وعلى المركب ‪ ،‬فالتفت اليهم وقال ‪ :‬ياجماعة‬
‫الخير ‪ ،‬انما العمال بالنيات ولكل امرىء ما‬
‫نوى ‪ ،‬من أراد منكم التوبة فليتب بنية صادقة‬
‫فأنه يركب هاهنا ‪ ،‬وأشار الى الحائط ‪ ،‬فباسم‬
‫الله مجريها ومرساها ‪ .‬وما نشعر ال ونحن جميعا‬
‫محشورون فى المركب ‪ ،‬وهى تتحرك بنا وتعبر‬
‫المسافات حتى انحدفت بنا فى عرض البحر ال‬
‫هو ‪ ،‬فقد آثر المكوث فى سجنه حتى يقضى الله‬
‫فى أمره‪ ،‬فسبحان الذى هدانا وما كنا لنهتدى لول‬
‫أن هدانا الله ‪ ،‬وهاأنا ذا أحكى عما رأيته وسمعته‬
‫بالتمام والكمال والحمد لله على كل حال ‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫القسم الرابع‬

‫‪1‬‬
‫حفنى‬
‫رأى حفنى نفسه فيما يرى النائم وكأن حجرا ثقيل‬
‫وضع على صدره فل يستطيع التنفس ‪ ،‬ورأى‬
‫نفسه يصعد جبل يجد فى نهايته أسدا ضخما يأخذ‬
‫فى التهامه حتى ل يتبق منه شيئا ‪ ،‬ورأى محمد‬

‫‪111‬‬
‫عبدون يرتدى رداء سجين بوجه أسود كظيم‬
‫ويبكى بدل الدموع دما ‪ ،‬ورأى نفسه فى حضن‬
‫زوجنه وهى تئن من اللذة وينزل ماءه صديدا له‬
‫رائحة كريهةفيغرقها ‪ ،‬ورأى بطنها ل تتوقف عن‬
‫النتفاخ حتى تنفجر بدوىّ رهيب ‪.‬‬
‫قص حفنى رؤياه على صفاء فعوجت بوزها يمينا‬
‫قت قائلة بنبرة استهزاء ‪ :‬يمكن يس‬ ‫وشمال وعل ّ‬
‫ما تغطيتش كويس وطيزك اتعرت واتملت هوا‬
‫‪.‬لكن قلبها اتعصر شفقة عليه ‪،‬له ثلثة شهور‬
‫وجسمه فى النازل ويشتكى من وجع فى كل‬
‫جتته‪ ،‬وآخر مّرة نام معها كان مثل الصبى‬
‫الملبوخ الذى يفعلها لول مّرة‪،‬تذكرت كيف كانت‬
‫تصرخ وتتلوى من تحته وهو ل حياة لمن تنادى ‪،‬‬
‫كانت زلومته مكموشة فى بعضها ومتهدلة كما‬
‫الخرقة القديمة ‪ ،‬فرجته أن يعبث بأصابعه حتى‬
‫كرت فى تلك اللحظة محمد‬ ‫تستريح وتهدأ‪ ،‬تذ ّ‬
‫عبدون ‪ -‬يبشبش الطوبه اللى تحت دماغه ‪ -‬كان‬
‫يعصر جسدها عصرا ‪ ،‬ودائما ما كان منتصبا مثل‬
‫وتد ناشف ‪ ،‬قالت ‪ :‬القوالب نامت والنصاص‬
‫قامت ‪ ،‬ربما كانت تعرف السبب الحقيقى‬
‫لرتخائه‪ ،‬ففى احدى المرات وبينما كانت بين‬
‫زراعيه ‪ ،‬لم تره متهيجا مثل هذة المّرة ‪ ،‬وكانت‬
‫فحولته تؤلمها فكادت يغمى عليها من شدة‬
‫النشوة ‪ ،‬فى تلك اللحظة فلتت من لسانها‬

‫‪112‬‬
‫كلمة ‪ :‬بحبك يامحمد‪ .‬فكأنها رمت عليه جردل‬
‫ماء بارد ‪ ،‬همد فجأة وانكمش فى بعضه ونظر‬
‫الى عريها الكامل ممددا على السرير ولم ينطق‬
‫بحرف ‪ ،‬فقط اكتفى بأدارة ظهره لها متصنعا‬
‫النوم ‪،‬من يومها ‪ ،‬أقسم أل يقترب منها أبدا‬
‫‪،‬ولكن كلما طال الوقت ‪ ،‬كان جوعه لجسدها‬
‫ينهشه ‪ ،‬كانت لها عاداتها فى النوم ‪ ،‬ترتدى‬
‫قميص نوم على اللحم ‪ ،‬وحين تنام ينحصر الى ما‬
‫فوق بطنهافيظهر عريها كامل أمام عينيه‪ ،‬كان‬
‫يجلس بالساعات فى العتمة الخفيفة أمام الجسد‬
‫البيض المشع ‪ ،‬يتأملها من كعبى رجليها حتى‬
‫أعلى نقطة فى رأسها ‪ ،‬استدارة ربلتى ساقيها‬
‫والتفاف فخذيها وبضاضتهما ‪ ،‬كبرحجم هنها‬
‫والشعر السود الناعم فوق عانتها ومن حوله‬
‫فكأنه السد فى عرينه‪،‬طيات بطنها و السرة‬
‫الغائرة ‪ ،‬الصدرالبض المدملج الصلب يكاد يفر‬
‫من مخابئه‪،‬الوجه بملحته التى دوخته حين رآها‬
‫أول مرة ‪،‬فى بعض الحيان كان يشتاق للمس‬
‫جسدها فيتأكد من نومها ‪ ،‬ثم يمرر كف يده على‬
‫كل مغاورها بخفة لص ورعشة عاشق ‪ ،‬ربما‬
‫كانت تحس بلمساته ‪ ،‬فقد أنت ذات مرة تحت‬
‫وقع تلك اللمسات ‪،‬واستدارت لتنام على ظهرها‬
‫لتمكنه من نفسها ‪ ،‬لكنه انسحب بعيدا عنها‬

‫‪113‬‬
‫متأرجحا بين لواعج الشوق للجسد المشتهى ‪،‬‬
‫وكرامة أريقت دون أدنى شفقة‪.‬‬
‫أحس حفنى بوادر تعب كانت أهم تجلياتها شعوره‬
‫بالوهن طوال الوقت ‪ ،‬وشكشكة كانت خفيفة‬
‫أول المر مصدرها خصيتيه كان يستطيع احتمالها‬
‫مرجعا ذلك اللم الذى أصبح عميقا بعد ذلك‬
‫للفحات الهواء التى كان معرضا لها بأستمراربعد‬
‫يوم عمل شاق ‪ ،‬ومع مرور الوقت بدأ اللم يصبح‬
‫أكثر عمقا وضراوة ‪ ،‬كان المرض يمتصه ببطء‬
‫يوما بعد يوم ‪ ،‬حتى أصبح مثل عود حطب‬
‫جاف ‪،‬أرجعت صديقة حالة ضعفه الى كثرة‬
‫نشاطه الجنسى ‪ ،‬أصل اللبوة مراتة رافعة رجليها‬
‫طول الوقت ‪ ،‬ولو ما عملش كدا هاترفعهم لى‬
‫واحد ماشى فى الحارة ‪ ،‬لكن بديعة كان لها رأيا‬
‫آخر حين رأته ونظرت الى عينيه ‪ ،‬فقد غمغمت‬
‫لنفسها ‪:‬حنفى بيعيش محنة موته ‪ ،‬وبدأ يمشى‬
‫فى سكة اللى يروح ما يرجعش ‪.‬كانت على يقين‬
‫من موت أخيها ‪ ،‬من أين أتاها ؟ لتعرف ‪،‬لكنها‬
‫فى الونة الخيرة أصبحت تنبؤاتها أكثر صدقا‬
‫وشفافية من تنبؤات نوستراداموس نفسه ‪ ،‬فهى‬
‫التى تنبأت بزلزال شق أرض مصر عام ‪ ، 92‬كما‬
‫تنبأت قبل ذلك بمقتل السادات فى حادث‬
‫المنصة الشهير وأدلت بأوصاف من سيخلفه على‬
‫عرش البلد‪ ،‬حدث ذلك بعد أن أعيتها الحيل فى‬

‫‪114‬‬
‫تنصيب زوجها نور وليا على بولق الدكرور‬
‫وضواحيها ‪،‬كم كانت تحلم بمثل هذا اليوم ‪،‬ضريح‬
‫بقبة خضراء ‪ ،‬وسياج من الحديد السود الناعم‬
‫يلف المقام ‪ ،‬والنور الخضر يسطع حوله وفوقه‬
‫وتحته ‪ ،‬والناس تجىء من كل الجهات لزيارته‬
‫والتبرك به ‪ ،‬يقيمون له مولدا كل سنة فى يوم‬
‫وساعة يعرفهما الجميع‪ ،‬وتذكرت فى تلك اللحظة‬
‫أنها لتعرف متى ولد نور وفى أى ساعة قدم الى‬
‫الدنيا‪ ،‬قالت ‪ :‬ليكن تاريخ وفاته هو الذى يحتفل‬
‫به‪ ،‬فأنا أعرفه جيدا ‪.‬‬
‫كان الوقت ليل ‪ ،‬وبولق الدكرور التى لتهدأ ول‬
‫تنام ‪ ،‬كانت نائمة وهادئة ‪ ،‬وسمعت صفاء صوته‬
‫يجأر جااااااااااى الحقينى يابت ياصفاء ‪ ،‬هبت‬
‫فزعة ‪ :‬فيه ايه مالك ‪ .‬قال من بين أسنانه ‪:‬‬
‫محاشمى هاتموتنى ‪.‬كان يقبض عليهما بكلتا يديه‬
‫مائل ناحيتهما بجزعه ‪ ،‬ورينى كدة ‪.‬قالت وأخذت‬
‫فى خلع سرواله ولباسه‪ ،‬وأمسكت بخصيتيه بين‬
‫أصابعها وأخذت تمرسهما بالراحة ‪ ،‬وهالها ما‬
‫أصبح عليه جهازه ‪ ،‬كان ضئيل ومنكمشا مثل‬
‫قطعة من الجلد الميت بل نبض ول حياة ‪ ،‬لكن‬
‫اللم از داد ‪ ،‬ولم تفلح محاولتها فى هدهدة‬
‫خصيتيه ‪ ،‬وأضطرت لخذه الى مستشفى القصر‬
‫العينى عند الفجر ‪ ،‬وفى الستقبال كشفوا عليه ‪،‬‬
‫وتم حجزه خمسة عشر يوما لعمل تحاليل وأشعة‬

‫‪115‬‬
‫على خصيتيه اللتين تضاعف حجمهمابين فخذيه‬
‫حتى أنه لم يعد يستطيع المشى ‪ ،‬لزمته صفاء‬
‫طوال المدة ‪ ،‬كانت تذهب اليه صباحا حاملة معها‬
‫ما أستطاعت تدبيره من طعام أو فاكهة ‪ ،‬وتظل‬
‫معه حتى المساء ‪ ،‬حطت نفسها تحت رجليه ربما‬
‫لحساسها بالذنب تجاهه ‪ ،‬اكتشفت صفاء أن‬
‫زوجها رجل طيب ما كان يستحق مافعلته معه‬
‫فأحست بالندم ‪ ،‬ونوت بينها وبين نفسها اذا ربنا‬
‫كرمه واخذ بيده‪ ،‬فستجعل خدها مداسا له ‪ ،‬لكن‬
‫حظها عاندها ‪ ،‬فقد جاءت كل التقارير والشعة‬
‫لتؤكد حقيقة واحدة لشك فيها ‪ :‬أن سرطانه قد‬
‫تمكن وانتصر ‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫بديعة‬

‫بعد موت أخيهاحفنى المأساوى ‪ ،‬أقفلت بديعة‬


‫بابها على نفسها ولم تعد تر أحدا أو يراها أحد ‪،‬‬
‫كرهت الدنيا وكرهت نفسها بعد ما رأته من‬
‫عذابات موت حفنى ‪ ،‬فقد ظل يحتضر ستة شهور‬
‫كاملة ‪،‬وأصبح من يحبه يتمنى له الموت ‪ ،‬رأته‬
‫يتلشى شيئا فشيئا حتى أصبح مثل خيال المآتة ‪،‬‬
‫جلد على عظم ‪،‬وكانت عظامه تشوى على نار‬

‫‪116‬‬
‫هادئة ‪،‬صرخ مّرة فيها ‪ :‬انتى مش اختى وبتقولى‬
‫ان جوزك ولى ‪ ،‬قولى له يرحمنى ‪ ،‬النار بتاكل‬
‫فى جتتى ياناس ‪ .‬لحظتها تغرغرت عيناها‬
‫بالدموع ومالت على أذنه حتى ليسمعها غيره‬
‫وهمست ‪ :‬ماتكفرش وانت هاتقابل ربك بعد‬
‫ساعات ‪ ،‬أطلب الرحمة منه ‪.‬بعد ساعات تقابل‬
‫ربا أسمه الكريم ‪ ،‬وتدفن فى ظلم القبور ويجىء‬
‫اليك ملكان يسألنك عن ربك ودينك وملتك فقل‬
‫معى ‪ :‬الله ربى حقا ‪،‬والسلم دينى ‪ ،‬والكعبة‬
‫ى‪،‬‬‫قبلتى ‪ ،‬والقرآن امامى ومحمد ابن عبد الله نب ّ‬
‫قل آمنت بالله تعالى وما أنزل على النبياء ‪ ،‬قل‬
‫ورائى خلق النسان فى كبد وما الحياة الدنيا ال‬
‫متاع الغرور ‪.‬اذا سألك فقل لهما بلسان عربى‬
‫فصيح ‪:‬الجنة حق ‪ ،‬والنار حق ‪ ،‬والحياة الخرة‬
‫حق وهى خير وأبقى ‪ .‬كانت تلقنه آخر تعليمات‬
‫سفره الخير ‪،‬وكان مختنقا بسرطانه فأشاح بيده‬
‫كى تبتعد عنه ‪ ،‬تركته ومشت وهى على يقين من‬
‫أن هذا هو يومه الخير على الدنيا ‪ ،‬لكنه عاند‬
‫ملئكة روحه وصرخ بت ياصفاء ‪ ،‬شيلينى طلعينى‬
‫بره فى الشارع‪ ،‬عاوز أشوف الناس ‪.‬وضعوا له‬
‫كرسيا جنب حائط البيت جلس عليه ملموما فى‬
‫بعضه ‪ ،‬كانت الناس فى غدوها ورواحها ترمى‬
‫عليه السلم وتسأل عن صحته ‪ ،‬وكان يقول‬
‫الحمد لله على كل حال ‪ ،‬كان الوقت صباحا ‪،‬‬

‫‪117‬‬
‫وشمس الشتاء ترسل أشعة دافئة ‪ ،‬واليوم هو‬
‫أول رمضان ‪ ،‬أصر على صومه ‪،‬ونظرحفنى الى‬
‫السماء وهى تتلون أمام عينيه بألوان الطيف ‪،‬‬
‫وكرات بلورية تتراقص فى الهواء لها لون‬
‫الزيت ‪،‬وشعر فى تلك اللحظة أن الحياة جميلة ‪،‬‬
‫وتمنى لو كان فى العمر بقية ‪ ،‬لكنه سقط من‬
‫فوق الكرسى ومات ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫بديعة‬
‫رأت بديعة فيما يرى النائم ‪،‬وكأن أبواب السماء‬
‫قد فتحت بقدرة الله وقدره ‪ ،‬وظهرت أمام عينيها‬
‫طاقة قدر القبة وهى صافية البياض وفى‬
‫دايرهااختضار كهيئة الفجر عند لياحه ‪ ،‬ورأت كل‬
‫شىء على الرض ساجد ‪،‬الناس ‪ ،‬والوحش ‪،‬‬
‫صبح ‪ ،‬ول كلب ينبح ‪ ،‬حتى‬
‫والطير ‪،‬فل ديك ي ّ‬
‫الشجار كانت راقدة ‪ ،‬واذاهى فى مكان واسع‬
‫رحيب ‪ ،‬واذا بنور عظيم يأخذ البصر السليم‬
‫يضىء المكان وفى عقب ذلك النور رجل عابد‬
‫زاهد ‪ ،‬فلما أقبل صاح بسم الله المكان خالى‬
‫ياعباد الله ‪ .‬فعند ذلك النداء أقبل بعض الرجال‬
‫وأخذوا يصفون الكراسى فى الجهتين ‪ ،‬ثم أتوا‬
‫بكرسى كبير وضعوه فى صدر المجلس ‪ ،‬وصاح‬
‫أحد الرجال وهو نقيبهم ياسادة الرض ذات‬

‫‪118‬‬
‫الطول والعرض أحضروا ذلك المحضر كما أمر‬
‫قطب القطاب الكبر سيدى احمد البدوى‬
‫والشريف العلوى صاحب المداد النبوى‪ .‬فعند‬
‫ذلك أقبلت الرجال كأنهم القمار ‪ ،‬وجلسوا ذات‬
‫اليمين وذات اليسار ووقف النقيب بين أيديهم‬
‫وقال ‪ :‬أبدأ مديحى فى جمال محمد ‪ ،‬نبىعربى‬
‫أجار الغزالة وأطلقها من أسر صاحبها اليهودى‬
‫اللئيم ‪،‬وبعد ‪ ،‬هذه يااخوان قصة سيدى أحمد‬
‫البدوى البحر العجاج المتلطم بالمواج القطب‬
‫النبوى الشريف العلوى باب النبى ودليل الحج أبا‬
‫الفتيان سيدى أحمد البدوى رضى الله عنه‬
‫وأرضاه‪ ،‬وهى تشتمل على قصة الميرة خضرة‬
‫الشريفة وما جرى لها فى بلد النصارى ‪ ،‬وكرامة‬
‫السيد البدوى حين اتى بها وكرامات القطاب‬
‫المذكورين رضى الله عنهم بالتمام والكمال‬
‫والحمد لله على كل حال ‪.‬قال الرجال ‪ :‬وكيف‬
‫كان ذلك يانقيب السادة المجاد ؟ قال ‪:‬الحمد‬
‫لله الحنان ورازق النس والجان كذا‬
‫الطيور مع الحيتان والدود فى قلب‬
‫الصخرة نظرة يابدوى ياجايب‬
‫اليسرة وبعدها صلى على الزين‬
‫نبينا مكحول العين اللى القمر له‬
‫انشق اتنين وجت اليه ساجدة‬

‫‪119‬‬
‫الشجرة نظرة يابدوى ياجايب‬
‫اليسره كذا صلتى ع الصحاب‬
‫والتابعين ثم النجاب والولياء ثم‬
‫القطاب والصالحين أعلى العشرة‬
‫نظرة يابدوى ياجايب اليسره وبعد‬
‫هذا ياشاطر اسمع كلم كله جواهر‬
‫صنعته وكان عقلى حاضر وفكرى‬
‫كان مثل الدرة نظرة يابدوى وجايب‬
‫اليسرة لو كان كذا عندى مليون من‬
‫الهموم ول ّ محزون وتقرا فيه مرة‬
‫بالنون تزول همومك بالمرة نظرة‬
‫يابدوى ياجايب اليسرة أقول كلمى‬
‫وتفنينى قبل الزمان ما يفنينى فى‬
‫نظم قصة متقونة تنبيك عن سيرة‬
‫خضرة نظرة ياسيد ياجايب اليسرة‬
‫كان يوم من أيام الجمعة نزلت ببابها‬
‫دى الشمعة لمعها نصرانى لمعة‬
‫عقله انخطف كله مرة نظرة يابدوى‬
‫ياجايب اليسرة وقال مين حايجيبها‬
‫لى دا كنت أغنيه بالمال فقالت امه‬
‫اصفالى نادى العجايز من بره نظرة‬

‫‪120‬‬
‫يابدوى ياجايب اليسرة حضروا‬
‫العجايز دول تسعين من مكرهم‬
‫غلبت شياطين فقالوا ايش انتم‬
‫طالبين فقال لهم عايز خضرة نظرة‬
‫ياسيد ياجايب اليسرة قالت عجوز‬
‫ملعونة البوز وأنفها يشبه الكوز دا‬
‫ايه دنا عندى مربوز حال يجيبهالك‬
‫بكرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة‬
‫راحت لدارها وهى تجرى وشبشبت‬
‫يعنى بسحرى وجت لخضرة من‬
‫بدرى منزيرة ولبسة حبرة نظرة‬
‫يابدوى ياجايب اليسرة وجت اليها‬
‫المشوبة والسبحة فى أيدها‬
‫مقلوبة بقيت ولية ومجذوبه تذكر‬
‫كأولد الفقرة نظرة ياسيد ياجايب‬
‫اليسرة طلعت لها القصر العالى‬
‫توحد المولى العالى لقت جبينها‬
‫بيللى فاتحة الكتاب كله وتقرا‬
‫نظرة يابدوى ياجايب اليسرة قالت‬
‫لها صباح الخير ياطاهرة ياوجه الخير‬
‫ياحلوة السيرة والسير ياحسن‬

‫‪121‬‬
‫يوسف ياقمرة نظرة يابدوى ياجايب‬
‫اليسرة قالت لها الفين صباح عليك‬
‫ياست الصلح والكل جاها والفراح‬
‫كلت وشربت دى العرة نظرة‬
‫يابدوى ياجايب اليسرة ولما طفحت‬
‫دى البومة قالت لها ياميمونة تنك‬
‫لمته محزونة ما بتخرجيش دوما بّرة‬
‫نظرة يابدوى ياجايب اليسرة يل بينا‬
‫هناك نتفسح ونشوف كدا البحر‬
‫بيمرح والموج دا فيه عمال يرمح‬
‫لكده السماك رخرة نظره يابدوى‬ ‫و ّ‬
‫ياجايب اليسرة وّلت وراها كالنجفة‬
‫وياها أولدها الشرفه مشت أمامهم‬
‫دى العكفة طيطة وتجرى كالبقرة‬
‫نظرة يابدوى ياجايب اليسرة خضرا‬
‫كدا بصت بالعين وشافت الغليون‬
‫يارزين يجرى كدا بين البرين قالت‬
‫عليه بتاع كفرة نظرة يابدوى ياجايب‬
‫اليسرة فحلفت لها الف يمين بأنه‬
‫بتاع ناس مسلمين يوحدوا رب‬
‫العالمين وكلهم أبطال أمرا نظرة‬

‫‪122‬‬
‫يابدوى ياجايب اليسرة يعنى كدا‬
‫شوفى الريس واقف محندق كويس‬
‫شاطر لبيب عقله كويس واقفين‬
‫وراه كل الغفرة نظرة يابدوى‬
‫ياجايب اليسرة والصارى عمال‬
‫بيللى ذهب ولكن م الغالى والدفة‬
‫فضة كهللى منورة مثل القمرة‬
‫نظرة ياسيد ياجايب اليسرة ولما‬
‫وصلم الغليون ونادت الريس أنطون‬
‫ساعت ما شافها الملعون قال‬
‫للعجوز الفين شاطرة نظرة يابدوى‬
‫ياجايب اليسرة ثم زعق على النواتية‬
‫حطوا السقالة الذهبية والقصة‬
‫رخره المجلية لزينة الدنيا خضرة‬
‫نظرة يابدوى ياجايب اليسرة مافيش‬
‫أحد يطلع عندى ال ّ الشريفة دى‬
‫ووحدى أما العجوزة دى بعدى تفرح‬
‫الست الحرة نظرة يابدوى ياجايب‬
‫اليسرة وبعد ما دخل جوه عان‬
‫السقالة بمروة وجرى غليونه بقوة‬
‫على بلده ابن الكفرة نظره ياسيد‬

‫‪123‬‬
‫ياجايب اليسرة أما كدا الشراف‬
‫يااسياد بكوا بكا يقطع الكباد‬
‫والوجه صار منهم كرماد وروحوا‬
‫وحالهم عبرة نظرة يابدوى ياجايب‬
‫اليسرة رجع كلمنا ياصناديد لما‬
‫جرى الغليون بعيد قيد رجولها بقيد‬
‫حديد وايديها واكتافها رخرة نظره‬
‫يابدوى ياجايب اليسرة وخضرة‬
‫تزعق ياشيطان ما تخفش من رب‬
‫الديان اللى يعذب بالنيران يوم‬
‫القيامة فى الخرة نظره ياسيد‬
‫ياجايب اليسرة يارب ياعالم بالحال‬
‫انجدنى من هذى الحوال ياسيدى‬
‫ياعبد العال أنظر لمحبوبتك نظرة‬
‫نظرة يابدوى ياجايب اليسرة قام‬
‫قال الملعون يازين ياقرة الحاجب‬
‫والعين حا تبقى سلطانة البرين‬
‫جوزك ملك الكفرة نظرة يابدوى‬
‫ياجايب اليسرة أما العجوز تقول‬
‫سيرى مين يمكنه يجيبك غيرى دا‬
‫لما ينظرنى أميرى يهدينى أنواع‬

‫‪124‬‬
‫البشرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة‬
‫وتنهم يعنى مسافرين تسعين ليلة‬
‫بالتمكين ل نوم يناموا بل صاحيين‬
‫يدادوا ويرضوا خضرة نظرة يابدوى‬
‫ياجايب اليسرة ولما رسيم بالغليون‬
‫والعجوز نادت أنطون خليك هنا‬
‫وركبت فيتون علشان تبشر دى‬
‫العاهرة نظرة يابدوى ياجايب‬
‫اليسرة طلعت على قصر السلطان‬
‫وقالت أفرح ياسمعان واعطنى‬
‫محرمة المان جبتلك خضرة القمرة‬
‫نظرة يابدوى ياجايب اليسرة فقال‬
‫لها الفين دينار يرضوك ياست‬
‫الشطار والبعدية والدوار وخمسين‬
‫نعجة وميت بقرة نظرة يابدوى‬
‫ياجايب اليسرة ردت قالت له الله‬
‫يعطيك زدنى كمان أردب فريك قال‬
‫لها والف وماية ديك أعطوها حال يا‬
‫وزرا نظرة يابدوى ياجايب اليسرة‬
‫وبعدها نادى الخدام وقال لهم‬
‫تسعولى قوام وتحضروا المركب‬

‫‪125‬‬
‫بتمام وتقابلوا خضرة الفخرة نظرة‬
‫ياسيد ياجايب اليسرة راحوا قوام‬
‫جابوا المزمار كذا الطبول مع الوتار‬
‫وجابوا خضرة بالمشوار وكل دا‬
‫وهى صايرة نظرة يابدوى ياجايب‬
‫اليسرة دا بعد ما حّلوا اكتافها‬
‫ولبسوها ثياب خفة ودخلوها بالدفة‬
‫بقيت منيرة كالدرة نظرة يابدوى‬
‫ياجايب اليسرة طلعت على ملك‬
‫الكفار فقال ايا ست الشطار القصر‬
‫كله زاد أنوار لما هليتى ياقمرة‬
‫نظرة يابدوى ياجايب اليسرة وقام‬
‫بنالها فى الحال قصر كبير عالى‬
‫وغالى طوبه دهب كله يللى وأرضه‬
‫فضة معتبرة نظرة ياسيد ياجايب‬
‫اليسرة وسكنوها فى أوضة من‬
‫جوه أوضة مرصودة لحسن كدا‬
‫واحدة حسودة تشوفها تحسدها‬
‫بنظرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة‬
‫وجاب لها الصيارف فى الحال‬
‫وشغلهم تنه عمال تسعين صياغ فى‬

‫‪126‬‬
‫دى الشغال وكل ده علشان خضرة‬
‫نظرة يابدوى ياجايب اليسرة دقوا‬
‫لها الحلقان المظ أما الشعير كله‬
‫مألوظ شغل الخواجة بك المظ اللى‬
‫انشهر فى بلد برة نظرة يابدوى‬
‫ياجايب اليسرة أما الحرام من كلم‬
‫مفيش كدا أبدا ياسلم شغل‬
‫الخواجه أبو عرام اللى نقش فيه‬
‫الشجرة نظرة يابدوى ياجايب‬
‫اليسرة أما الذى دق الكردان اللى ما‬
‫شاف زيه انسان شغل الخواجه أبو‬
‫قردان اللى مل صيته الكفرة نظرة‬
‫يابدوى ياجايب اليسرة أما الذى دق‬
‫الخلخيل من الذهب خالص ياجميل‬
‫أسمه الخواجه مسيو خليل اللى‬
‫بقت له بره الشهرة نظرة يابدوى‬
‫ياجايب اليسرة أما الداسى‬
‫ياأسياسى من فضه شوشة أساسى‬
‫شغل المعلم ملسى شيخ الخواجات‬
‫الكبرى نظرة يابدوى ياجايب اليسرة‬
‫والمشط راخر من لولى اسمع‬

‫‪127‬‬
‫كلمى ومنقولى حسك تقول غير‬
‫معقول لنه عن ناس معتبرة نظرة‬
‫يابدوى ياجايب اليسرة طفت‬
‫الصعيد الجوانى وتنى أبحث بالتانى‬
‫لما التقيتها يااخوانى مع ناس كدا‬
‫كلك امرة نظرة يابدوى ياجايب‬
‫اليسرة يرجع كلمنا للسلطان اللى‬
‫عوج عقله الشيطان وبده يرميه دا‬
‫الغفلن حال‪‬ويفتح له حفرة نظرة‬
‫يابدوى ياجايب اليسرة أما الحاجات‬
‫البطال تمموله كل الشغال راحوا‬
‫عليه كالملك فى الحال شاف‬
‫شغلهم صار فى جمرة نظرة‬
‫يابدوى ياجايب اليسرة ونادى خدامه‬
‫يارجال الخياطين تموا الشغال‬
‫قالوا له الخدام امال خلصم‬
‫وطالبين الجرة نظرة يابدوى‬
‫ياجايب اليسرة اداهم الجرة‬
‫الملعون وقال لخدامه سيحون انده‬
‫لفراشنا الميمون يعمل لى زينة‬
‫معتبرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة‬

‫‪128‬‬
‫وقتها الفراش ياناس جاب الحرير‬
‫كله أجناس فضل يفصل بالمقاس‬
‫رايات كده حمرة وخضرة نظرة‬
‫يابدوى ياجايب اليسرة جاب المزارع‬
‫ما تنعد أصناف كتيرة مالهاش حد‬
‫خصوصا الياسمين والورد والس دا‬
‫جاب منه بكترة نظرة يابدوى‬
‫ياجايب اليسرة بعدين فرش كل‬
‫البساطات على الدكك جوه‬
‫السرايات أما النجف جنب الرايات‬
‫خل كدا الدنيا قمرة نظرة يابدوى‬
‫ياجايب اليسرة وكل دا وخضرة‬
‫تنادى خدوا بيدى يااسيادى بحق طه‬
‫دا الهادى اللى خفض دين الكفرة‬
‫نظرة يابدوى ياجايب اليسرة ياسيد‬
‫ياسيد وقتك انظر لمحسوبتك وقتك‬
‫لحسن تسبوا خدامتك تبقى فضيحة‬
‫ومعرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة‬
‫فى وقتها السيد يارجال نادى وقال‬
‫ياعبد العال طير كالحمامة ورح فى‬
‫الحال حال وطمن لى الخضرة نظرة‬

‫‪129‬‬
‫يابدوى ياجايب اليسرة وقل لها ما‬
‫تخافيشى من دى الهموم ما‬
‫تخافيشى بكره أنا أنده دراويشى‬
‫يجولك فى بلد الكفرة نظرة يابدوى‬
‫ياجايب اليسرة ساعت ما شافت عبد‬
‫العال فوق راسها ضحكت فى الحال‬
‫من شدة الفراح يارجال فتعجبوا‬
‫من فى الحضرة نظرة ياسيد ياجايب‬
‫اليسرة وقالوا ياست النسوان ياعود‬
‫قرنفل فى البستان بتضحكى‬
‫علشان ايه بان لن دى أول مرة‬
‫نظرة يابدوى ياجايب اليسرة قالت‬
‫لهم فرحى علشان زينة قصر‬
‫السلطان سمعان أقعد كدا فى‬
‫وسط الديوان ويسمونى الملكة‬
‫خضرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة‬
‫سمعوا كلمها يااخوانى فرحوا‬
‫وقالوا سعدنا بان ما يعلموا اللى‬
‫فى الغيب كان واللى ح يجرى لهم‬
‫بكرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة‬
‫يرجع كلمنا لعبد العال ونادى‬

‫‪130‬‬
‫درويش البطال راح دوغرى للسيد‬
‫فى الحال وقال له طمنت الحرة‬
‫نظرة يابدوى ياجايب اليسرة فقال‬
‫له روح ياعبد العال نادى المشايخ‬
‫والبطال وقل لهم هيا يارجال أنتم‬
‫ودراويشكم رخرة نظرة يابدوى‬
‫ياجايب اليسرة وانت المجاهد فى‬
‫الحال نادى المشايخ والبطال ومن‬
‫لهم فى الحرب مجال ليحرقوا بلد‬
‫الكفرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة‬
‫نادى الجميع حال جاوبوه عدد ما‬
‫يمكنكوا تعدوه وجم على طنطا‬
‫وقادوه جبنا لكم كل العترة نظرة‬
‫يابدوى ياجايب اليسرة وبعدها السيد‬
‫يارجال نادى وقال ياعبد العال أعمل‬
‫لى قهوة لليطال واسقى جميع من‬
‫فى الحضرة نظرة يابدوى ياجايب‬
‫اليسرة فقال له ياسيدى انه نهور‬
‫تقضى الجميع أو انه بحور دول‬
‫كالمطر فوق الجسور اسقيهم انت‬
‫بالمرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة‬

‫‪131‬‬
‫فقام عمل من توفيقه قهوة ملها‬
‫فى ابريقه سقى الجميع من ابريقه‬
‫كل المشايخ والفقرة نظرة يابدوى‬
‫ياجايب اليسرة وبعدها نادى القوام‬
‫هيا بنا نروح للقوام ونجيب اسيرتنا‬
‫بقوام احسن ما تجرى لها مجرى‬
‫نظرة يابدوى ياجايب اليسرة وكل‬
‫شيخ لم جيوشه واخوانه مع‬
‫دراويشه وكل واحد شال شيله‬
‫قاصدين كده حرق الكفرة نظرة‬
‫يابدوى ياجايب اليسرة ويرجع كلمنا‬
‫بالتانى لخضرة من دا السلطانى وما‬
‫جرى لها يااخوانى وما فعل ابن‬
‫العاهرة نظرة يابدوى ياجايب‬
‫اليسرة فلما جهز دى الفراح‬
‫سمعان وقومه الكفرة اللى ح‬
‫يخزيهم الفتاح ويخلى وقعتهم‬
‫غابرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة‬
‫بعت نده للجزارين وقال لهم ياابن‬
‫العارفين عايز لحوم من كل سمين‬
‫من جنس خنزير أو بقرة نظرة‬

‫‪132‬‬
‫يابدوى ياجايب السرة وركبوا حال يا‬
‫فضال جابوا بهائم عال العال من‬
‫كل ما يشجى الكال لحوم عظيمة‬
‫معتبرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة‬
‫وذبحوا منهم فى آن وبعدها نادى‬
‫السلطان بالطباخين تسعوا فى الن‬
‫وتطبخوا لنا ميت بقرة نظرة ياسيد‬
‫ياجايب اليسرة أما الخنازير دول‬
‫تمانين عشان كدا أكل السلطين‬
‫والوز ياحافظ ياأمين خلوا طبيخه‬
‫للفقرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة‬
‫عزم كذا كل السلطين وبعدها‬
‫البشوات بأمين كذا الخواجات‬
‫الرزلين من كل برنيطة كبرى نظرة‬
‫ياسيد ياجايب اليسرة نادى المشاط‬
‫يارجال ومشطوا خضرة فى الحال‬
‫وزينوها زينة عال حتى بقت مثل‬
‫القمرة نظرة يابدوى ياجايب‬
‫اليسرة وبعد ما تم قوله غير هدومه‬
‫ومنديله وبدو يفعل مفعوله وينصب‬
‫الفعال رخرة نظرة يابدوى ياجايب‬

‫‪133‬‬
‫اليسرة فى وقتها السيد ياأمير كان‬
‫حط فى بلد الخنازير وقال لعبد‬
‫العال قم سير شوف جرى ايه فى‬
‫الخضرة نظرة يابدوى ياجايب‬
‫اليسرة فى وقتها راح عبد العال‬
‫رأى الجميع تموا الشغال وخضرة‬
‫بتنادى يارجال هيا انجدونى من‬
‫العثرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة‬
‫ساعت ما شافها جه ياكرام زعق‬
‫بحق قوام هيا اسرعوا اللوم بقوام‬
‫أحسن ح يسبولنا خضرة نظرة‬
‫يابدوى ياجايب اليسرة فى وقتها‬
‫السيد ياناس رصص جيوشه‬
‫كالبرجاس وزعق وقال ولله حاس‬
‫لبد من حرق الكفرة نظرة يابدوى‬
‫ياجايب اليسرة هجم بجيشه على‬
‫العداء بالليل وكان دا الوقت عشاء‬
‫لوقعتهم غبرة‬‫مل أراضيهم دماء وخ ّ‬
‫نظرة يابدوى يا جايب اليسرة ياما‬
‫لها تطير وجتت بقت‬ ‫رؤوس خ ّ‬
‫تأكلها الطير يقتل ما شافوا له‬

‫‪134‬‬
‫نظير حتى هلكهم بالمرة نظرة‬
‫يابدوى ياجايب اليسرة أما كذا‬
‫المشاط ياناس فى الحرب ماجرى‬
‫لهم منى ياناس وأما سلطانهم‬
‫منجاس يشخر فى دمه كالبقرة‬
‫نظرة يابدوى ياجايب اليسرة‬
‫والوليا ركبوا الزيات وهدموا كل‬
‫السحليات وكسروا كل النجفات‬
‫خلوا البلد حفره جفرة نظرة‬
‫يابدوى ياجايب السرى وأما السيد‬
‫دا المفضال دخل على خضرة فى‬
‫الحال وقال لها زيلى البلبال أدينى‬
‫نجيتك من العثرة نظرة يابدوى‬
‫ياجايب اليسرة ونادى للقوم الصلح‬
‫هياأركبوا يااهل الصلح أحنا تمينا‬
‫الفراح على الكافرين بمتين حصرة‬
‫نظرة يابدوى ياجايب اليسرة وبعدها‬
‫أسرع بنشاط وطار بخضرة‬
‫والمشاط وكانوا قاعدين فوق‬
‫البساط وخضرة فيهم كالمرة نظرة‬
‫يابدوى ياجايب اليسرة وحطم على‬

‫‪135‬‬
‫المقصورة ودار هلله دى الدورة‬
‫ولما جت ناس بتزوره شافوا الجميع‬
‫قالوا أسرى نظرة يابدوى ياجايب‬
‫اليسرة ونادوا حال للمؤذن فوق‬
‫مدنته يطلع يدن وكان كده صوته‬
‫أرعن فسمعت الناس جت من بره‬
‫نظرة ياسيد ياجايب اليسرة جم‬
‫المشايخ والخلفة وجميعهم كل‬
‫الشرفه من البلد يابن الطرفة وكل‬
‫شيخ قام حضرة نظرة ياسيد ياجايب‬
‫اليسرة حطوا البساط فى الدار‬
‫واسلموا المشاط العبرة وامسكوا‬
‫طبلتهم والطار وغنوا بأصوات‬
‫معتبرة نظرة ياسيد ياجايب اليسرة‬
‫فجت لخضرة كل الناس وعندها فى‬
‫دى الحضرة وتعجبوا من صاحب‬
‫الكرامات صاحب الكرامات الكبرى‬
‫نظرة ياسيد ياجايب اليسرة وبعدها‬
‫يانور العين عملت وليمة الست‬
‫الزين وسيرها شاع بين الكونين‬
‫حتى مل مصر وبصرة نظرة يابدوى‬

‫‪136‬‬
‫ياجايب اليسرة شافوا كرامات السيد‬
‫الطاهر القطب الجيد كام جاب‬
‫أسير حتى مقيد وكم نجد ناس من‬
‫الكفرة نظرة يابدوى ياجايب اليسرة‬
‫وكم كرامات ما تتعد وكم مرات ما‬
‫تتحد وكم له نجدات ملهاش حد اقرا‬
‫الكتب تنبيك خبره نظرة ياسيد‬
‫ياجايب اليسرة أما اللى يعفى‬
‫ويقول ياسلم يخرج من الدنيا‬
‫بسلم دا العفو من طبع الكرام ل‬
‫يأت ال من المره نظرة ياسيد‬
‫ياجايب اليسرة وأختم كلمى ياخلى‬
‫فى مدح طه المتجلى سيد النبيين‬
‫والرسل والنس والجن رخرة نظرة‬
‫ياسيد ياجايب اليسرة والل مع‬
‫الصحاب بتمام يارب وأغفر للنام‬
‫وأحسن ختامى على اليمان‬
‫فلما فرغ النقيب من كلمه تعجب السادة الرجال‬
‫من كلمه ‪ ،‬وتأملوا فى معنى نظامه ‪ ،‬وقالوا‬
‫سبحان مسبب السباب ‪ ،‬ثم أقبل من بعيد‬
‫القطاب الربعة الكبار وهم سيدى أحمد‬

‫‪137‬‬
‫الرفاعى ‪ ،‬وسيدى ابراهيم الدسوقى ‪ ،‬وسيدى‬
‫عبد الرحيم القنائى وسيدى عبد القادر الجيلنى‬
‫فسلموا على الرجال ‪ ،‬ووضعت لهم الكراسى‬
‫العوال ‪ ،‬فلما استقر بهم الجلوس ‪ ،‬أقبل فحل‬
‫الرجال الجواد صاحب العطايا والمداد خادم سيد‬
‫العباد وبيده قضيب خيزران مافيه اعوجاج وبين‬
‫يديه المادى ينادى ياأبا فراج ‪ .‬فلما سمعت‬
‫الرجال النداء وقفوا جميعا تأدبا واحتراما حتى‬
‫جلس على الكرسى أمامهم فأخذوا يقبلون يديه‬
‫حتى أمرهم بالجلوس فجلسوا ول أحد منهم نطق‬
‫أمامه بحرف ‪ ،‬ثم أن الستاذ الكبر قرأ الفاتحة‬
‫الى سيد البشر وأمر النقيب بقراءتها جهراعلى‬
‫مسمع من الجميع ‪،‬ثم قال ‪ :‬كل من كان له كلما‬
‫آذنت له فيه بشرط أن يظهر معانيه ومبانيه‪،‬‬
‫فتقدم أحد القطاب الثلثة وقال ياسلطان‬
‫الرجال هذا ابنك وخليلك نور تركته بما فيه‬
‫الكفاية فأدع له بالولية ‪ .‬وقام الثانى وقال ألست‬
‫أنت من دعوت له بالهداية فأهتدى بأذن الله ؟‬
‫وتقدم الثالث فقال ‪ :‬سبق فى علم الله أن كل‬
‫شىء بقضاء الله فأطلبوا له من الله أن يكشف‬
‫ضره وبله وأسألوا صاحب العطايا أن يزيل عنه‬
‫جميع المضرات فما منكم ال وهو مجاب الدعوات‬
‫‪ .‬فقال السيد أحمد البدوى ‪ :‬اعلموا أن هذا ولدى‬
‫وقد أخذ عهدى فى حياته وحفظ ودى ‪ ،‬وأنا‬

‫‪138‬‬
‫سألت الله العظيم رب موسى وابراهيم وزمزم‬
‫والحطيم أن ينصره ويكون وليا لله بأذنه ويكون‬
‫صاحب مقام عال بين الولياء ويقام له مولدا‬
‫يحضره جميع النام ‪ .‬فقال الدسوقى ‪ :‬أسأل الله‬
‫العظيم رب موسى الكليم أن يلهم زوجته‬
‫الصابره أن الله أظلها بليلة القدر التى هى خير‬
‫من الف شهر تكريما لها من دون العباد لجل أن‬
‫تدعو لزوجها بالولية فيستجاب لها ‪ .‬ثم ان‬
‫السلطان نفض المنديل فأنفض المجلس وذهب‬
‫كل منهم الى حال سبيله ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫صفاء‬

‫بعد ستة شهور من رحيل حفنى ‪ ،‬صفاء حالها‬


‫انقلب ‪،‬أحست بذلك صديقة و محاسن وصارتا‬
‫ترقبانها ‪ ،‬فجأة خلعت السود ولبست الملون‬
‫المحزق‪ ،‬وحطت فى وشها الحمر والزرق‬
‫والخضر ونزلت الشارع ‪ ،‬كانت تغيب بالساعات‬
‫وأذا سألها أين كانت كان مردها وحش ‪،‬أنتوا‬
‫مالكوا خليكو فى حالكم ‪.‬سلطت صديقة‬

‫‪139‬‬
‫أبنهانصر يراقب زوجة خاله ويعرف قرارها ‪،‬لم‬
‫يكذب نصر خبرا وأول ما طلعت من البيت‬
‫تسحب ومشى وراءها‪ ،‬كانت صفاء ترتدى فستانا‬
‫قصيرا ومحبوكا على وسطها وردفيها‪،‬وراقب‬
‫نصر جسد زوجة خاله وهى تمشى أمامه ‪،‬كان‬
‫ملفوفا ومدملكا ولدنا‪ ،‬ليس به عضلة واحدة‬
‫‪،‬وكان ردفاها يترجرجان كلما خطت خطوة‬
‫بحذائها ذى الكعب العالى‪ ،‬وغمغم نصر ‪:‬حد‬
‫يموت ويسيب الفرس ده ‪.‬تركت صفاء بولق‬
‫الدكرور وطلعت كوبرى همفرس ونزلت الناحية‬
‫الخرى ‪ ،‬ومشت فى شارع السود ان بأتجاه‬
‫شارع جامعة الدول العربية‪ ،‬وفى أحد السوارع‬
‫الجانبية صعدت احدى العمارات ‪،‬وكما يحدث فى‬
‫الفلم المصرية ‪ ،‬فقد أخرج نصر علبة سجائره‬
‫وتقدم من البواب وناوله سيجارة وجلس بجانبه‬
‫على الدكة الخشبية ‪ ،‬وسأله عن التى دخلت توا ‪،‬‬
‫قال البواب أنها تعمل فى الشقة المفروشة‬
‫بالدور السابع ‪ ،‬وأنهاست غلبانة و تجرى على‬
‫أيتام ‪.‬نصر قدم لمه تقريرا كامل عن زوجة خاله‬
‫مشفوعا بقوله ‪ :‬يامه الولية حلوة وبتشتغل فى‬
‫الشقق المفروشة‪ ،‬وما أدراك باللى بيحصل‬
‫فيها ‪.‬نصر راقب الباب طول الليل حتى ظهرت‬
‫زوجة خاله ودخلت حجرتها ‪ ،‬ومن فتحة المفتاح‬
‫تفرج عليها وهى تخلع هدومها‬

‫‪140‬‬
‫‪ ،‬وأحس أنها تتطوح وهى واقفة فعرف أنها‬
‫سكرانة ‪،‬خلعت كل هدومها ووقفت عارية تماما‬
‫ثم ارتدت قميص نومها على اللحم ورمت نفسها‬
‫على السرير ‪،‬نصر أنجن من منظرها فدفع الباب‬
‫برجله ‪ ،‬ولدهشته أنفتح فرده وراءه وطوح‬
‫بجسده فوقها ‪ ،‬كانت راقدة على بطنها وأحست‬
‫بجسده يضغط على مؤخرتها ولم تكن تعرف أنه‬
‫نصر فأعتدلت وقاومت قليل ‪ ،‬ولما كانت متعبه‬
‫وشبه نائمة وغائبة عن الوعى‪ ،‬فقد استسلمت‬
‫لهجومه الملح وتركته يفعل بها ما يشاء ‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫صفاء دبت خناقة مع صديقة دون سبب ‪ ،‬ولمت‬


‫هدومها وتركت البيت ‪ ،‬وصديقة كسرت وراءها‬
‫قله وقالت خالتى وخالتك واتفرقوا الخالت‪،‬‬
‫واللى كان لينا عندك أفتكره الله وخد ه من‬
‫وشك ‪ ،‬جبتى له العار فى حياته ومماته ‪.‬ونصر‬
‫قال لمه لو مشت مرات خالى ها أسيبلك البيت‬
‫أنا راخر ‪ .‬قالت فريده ليه ياواد هى كانت من‬
‫بقية عيلتك ول تكونوش رفق ‪ ،‬ماهى لبوه‬
‫وتعملها ‪.‬نصر لم يكذب خبرا وترك البيت ‪ ،‬وأمه‬
‫قالت له الداهية اللى تودى ‪.‬وغاب شهرا ول حس‬
‫ول خبر ‪ ،‬وقلبها أكلها عليه فسألت أصحابه عنه‬

‫‪141‬‬
‫وواحد منهم قال لها على الفولة وقشرتها ‪،‬أبنك‬
‫عايش مع مرات خاله فى شقة واحدة ‪.‬صديقة‬
‫عقلها طار فذهبت الى عمتها بديعة ‪:‬المرة‬
‫خطفت الوادوبينام معاها كل يوم الهايجة ‪ ،‬أعمل‬
‫ايه ياختى شورى عليا‪.‬بديعة قالت ‪ :‬كل فرج‬
‫مكتوب عليه أسم ناكحه ‪،‬داوعد ومكتوب ياختى‬
‫وابنك راجل مش ها يخسر حاجة ‪.‬مصمصت‬
‫صديقة شفتيها ‪ :‬من ناحية هايخسر هايخسر‬
‫صحته وعافيته وشبابه ‪ ،‬داجوزها الله يرحمه‬
‫ماخدش فى ايدها غلوة ‪.‬صديقة سلمت أمرها لله‬
‫وقالت عليه العوض فيك يانصر‪ ،‬وانتى ياصفاء‬
‫يابنت حوا وآ دم الهى ماتكسبى ول تربحى‬
‫ويورينى فيكى يوم قادر ياكريم ‪ .‬ونصر قال‬
‫لصفاء بلش الشقق المفروشة دى بقى وأنا مش‬
‫هااخليكى تحتاجى حاجة خالص ‪ .‬قالت صفاء‬
‫أسمع ياروح أمك أنت مش جوزى تتحكم فيا ‪،‬ثم‬
‫انت قاعد نايم واكل شارب منين ماهو من شغلى‬
‫‪ ،‬ولما بتعوز تركب بتركب ‪ ،‬بقولك ل ؟ يعنى مش‬
‫حرماك من حاجة ‪ ،‬يبقى عاوز أيه تانى ‪.‬نصر‬
‫اطرق برأسه الى الرض وسرح قليل ثم نظر‬
‫اليها وقال ‪ :‬يعنى لو أتجوزتك تقعدى من شغلك ؟‬
‫طب وناكل منين ‪ ،‬قالت وأخذت فى أرتداء هدوم‬
‫الخروج‪ .‬سيبينى أدبرها بمعرفتى ‪.‬وصفاء فى‬
‫طريقها لمحل عملها أخذت تفكرفى عرض‬

‫‪142‬‬
‫الزواج بجدية وتأخذ وتعطى مع نفسها ‪،‬خاصة بعد‬
‫ما حدث معها بالمس ‪ ،‬الشقة التى تعمل بها‬
‫تؤجر مفروشة للعرب ‪ ،‬خاصة السعوديون وهم‬
‫يؤجرونها بخادمتها ‪ ،‬شرط أساسى ‪،‬وهى خادمة‬
‫بالسم فقط ‪ ،‬أما مهنتها الحقيقية فهى الدعارة ‪،‬‬
‫عرفت ذلك من أول ليلة قضتها فى الشقة ‪،‬‬
‫وأكتشفت أن قضاء ليلة فى حضن أحدهم يؤمن‬
‫لها قدرا من النقود ل بأس به ‪،‬ثم أنه أسهل من‬
‫أى عمل آخر علوة على مابه من متعة ‪ ،‬مؤجر‬
‫الشقة سعودى يدعى عتيق ‪،‬أمس جاء معه‬
‫بشابين سعوديين وأرادوا تمضية السهرة فى‬
‫الشقة ‪،‬أتصل عتيق بفتاتين يعرفهما أحداهما‬
‫تعمل راقصة فى ملهى ليلى بوسط البلد‬
‫والخرى ممرضة فى مستشفى فجاءتا وأصبحن‬
‫ثلثة ‪ ،‬أحضر عتيق كباب وكفتة وصندوق بيرة‬
‫وبعض زجاجات الويسكى الفاخر لزوم السهرة ‪،‬‬
‫وكان مع احدى الفتاتين قطعة حشيش أخرجتها‬
‫وصارت تلفها فى السجائر وتعطينا‪ ،‬وأختار كل‬
‫واحد واحدة منهن وبدأت السهرة ‪ ،‬وكانوا فى عز‬
‫المعمعة حين سمعوا خبطا ورزعا على الباب‬
‫شديدين ‪ ،‬أرتعبت البنات وانكمشت كل واحدة‬
‫منهن فى بعضها وقد أيقن بالهلك ‪ ،‬فهذه اليدى‬
‫الثقيلة من المؤكد انها أيدى رجال الشرطة ‪،‬‬
‫والنتيجة معروفة لهن ‪ ،‬قضية آداب لهن ‪،‬بينما‬

‫‪143‬‬
‫الرجال يصبحون شهودا عليهن ‪،‬المهم بعد أن‬
‫أفقن من صدمة المفاجأة الولى جرين عرايا‬
‫وأختبأن بجوار السلم الخلفى للعمارة والمسمى‬
‫بسلم الخدم وأغلقن بابه وأنتظرن ما سوف‬
‫يحدث ‪،‬كان الظلم شديدا ‪،‬والخوف جعل‬
‫أجسادهن العارية ترتعد‪ ،‬وسمعن أصواتا عالية‬
‫واقدام تهرول وتوقعن قدومهم ناحيتهن‬
‫وأخراجهن وهن على هذه الحال بل ملبس عرايا‬
‫كما ولدتهن أمهاتهن ‪،‬بعد لحظات هدأ كل شىء‬
‫وما عدن يسمعن أى صوت ‪ ،‬ول يدرين ما الذى‬
‫حصل بالخارج ‪،‬وأخذن يضربن أخماسا فى‬
‫أسداس ‪ ،‬فواحدة همست ‪ :‬لعلهم لم يكتشفوا‬
‫شيئا فمضوا ‪ .‬وأخرى قالت أو لعلهم أخذوا‬
‫الشبان معهم وأكتفوا بذلك ‪.‬أما هى فقالت كيف‬
‫يحدث ذلك وهدومنا مرمية فى كل ركن فى‬
‫الشقة وحتى ملبسنا الداخلية ‪ ،‬وزجاجات البيرة‬
‫والويسكى وسجائر الحشيش ‪،‬كل هذا يدل علينا‬
‫ويفضح وجودنا ‪.‬وصارت كل واحدة تستحضر فى‬
‫زهنها ما سوف تقوله اذا ما تم القبض عليها وهو‬
‫أمر ل بد منه‪ ،‬ولكن حدث ما لم يكن فى‬
‫الحسبان ‪،‬فقد أنفتح باب سلم الخدم وظهر على‬
‫عتبته عتيق يمسك فى يده هدومهن فرماها لهن‬
‫وأشار بأن يرتدينها دون خوف ‪ ،‬ثم أنه أشار‬
‫لهن بالدخول فدخلن ‪ ،‬ورأين ضابطا برتبة نقيب‬

‫‪144‬‬
‫يقف فى وسط الصالة مع الشبان وعلى ما يبدوا‬
‫كان يتكلم كلما وديا ويضحك ‪ ،‬تعالوا يابنات‬
‫مفيش حد غريب ‪ .‬قال عتيق وأخذ يقدمهن‬
‫اليه ‪،‬صفاء ‪ ،‬تحية ‪ ،‬سماح ‪ ،‬النقيب عواد ‪ ،‬جاء‬
‫للقبض علينا طلعنا أصحاب‪ .‬النقيب عواد قرر أن‬
‫يسهر معنا ‪ ،‬وأختار صفاء لتكون بصحبته طوال‬
‫السهرةوعدت الليلة على خير ‪.‬كانت المرة‬
‫الولى التى تواجه فيها بهذا الموقف ‪ ،‬وما رأته‬
‫على وجهى الفتاتين من خوف ورعب ‪ ،‬أصابها‬
‫هى نفسها بنفس الخوف والرعب ‪ ،‬قالت لها‬
‫احداهن ‪:‬لوكان قبض علينا كنا شفنا الذل ‪ ،‬أنا‬
‫ى ذات مرة ‪ ،‬وكانت مرتى الولى‬ ‫قبض عل ّ‬
‫‪،‬ضبطت فى شقة فى بين السرايات ‪،‬وهذه‬
‫المنطقة تابعة لقسم بولق الدكرور ‪ ،‬وما أدراك‬
‫ما هو قسم بولق الدكرور‪ ،‬يعنى تتحجزى أسبوع‬
‫على القل فى القسم ‪ ،‬ويزفوكى وانتى داخلة‬
‫الحجز ‪،‬ولو كرمك ربنا ومدخلتيش الحجز‬
‫هاتقعدى فى النوباتشية ‪،‬ودى أسخم وأدل ‪ ،‬طول‬
‫الليل يفعص فى جسمك أى مخبر ول أمين‬
‫لحتى ظابط‪ ،‬كله بيفعص ‪ ،‬وكله عاوز‬ ‫شرطة و ّ‬
‫ينام معاكى قبل ما يتم ترحيلك ‪،‬واذا نطقت‬
‫بكلمة ياويلك وياسواد ليلك ‪،‬من ضرب لشتيمة‬
‫ياقلبى ل تحزن ‪ ،‬يعنى بهدلة وقلة قيمة وقضية‬
‫دعارة تحمليها طول عمرك‪.‬فكرت صفاء فى كل‬

‫‪145‬‬
‫ذلك ‪ ،‬وقالت لنفسها مش كل مّرة تسلم الجّرة ‪،‬‬
‫ويابنت ضل راجل ول ضل حيط ‪.‬وحين عادت الى‬
‫البيت ‪ ،‬قالت لنصر يالله بينا دلوقت على المأزون‬
‫لو لسه عاوز تتجوزنى ‪.‬نصر نظر اليها بحرج‬
‫وكسوف ‪ :‬دا يوم المنى ‪ ،‬بس ياريت نأجلها‬
‫لبكرة‪ ،‬أصل معاييش فلوس المأزون ‪.‬صفاء‬
‫أخرجت لفة نقود من حقيبة يدها وضعتها فى يده‬
‫و قالت الفلوس أهى‪ ،‬هو أنا وأنت أيه ‪ ،‬بس‬
‫سايقة عليك النبى ما تجيب سيرة لمك دلوقت‪،‬‬
‫أنا مش ناقصة جرس وفضايح ‪ ،‬مؤقتا يعنى‬
‫ومسيرها تعرف ‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫لقت روايتى الولى )كتاب التوهمات ( نجاحا‬


‫ملحوظا ‪ ،‬واستقبلها الوسط الدبى بترحاب‬
‫وحفاوة كبيرين ‪ ،‬حتى أن البعض كتب عنها‬
‫بأعتبارها كتاب الموتى الحديث ‪ ،‬مقارنا بينها‬
‫وكتاب الموتى الفرعونى ‪،‬ولهذه الرواية حكاية ‪،‬‬
‫كانت أمى قد توفيت فى خريف العام الثانى‬

‫‪146‬‬
‫والثمانين بعد رحلة مضنية مع المرض حيث‬
‫اصيبت بفشل كلوى ‪ ،‬وكان عليها أن تقوم بعمل‬
‫غسيل بريتونى مرتان فى السبوع ‪ ،‬لم تغسل‬
‫مرة واحدة فقط ولم تتحمل الثانية ‪،‬عشت‬ ‫سوى ّ‬
‫معاناتها مع المرض بكل آلمه وعذاباته ‪ ،‬كما‬
‫عشت لحظات احتضارها وموتها ‪ ،‬كانت المرة‬
‫الولى التى اتعرف على الموت عن قرب ‪ ،‬بل‬
‫واواجهه وجها لوجه وهو ينتزع من بين يدى‬
‫وبشراسة أجمل كائن انسانى أحبه قلبى ‪ ،‬أمينة‬
‫مرشد ‪ ،‬أسم لن أنساه ما دام قلبى ينبض بالحياة‬
‫‪ ،‬وأذا مد الله فى أجلى ‪ ،‬فسوف أكتب عنها‬
‫رواية أسميها هكذا ‪ :‬سيرة أمينة مرشد‬
‫‪،‬كنت أفكر بعد رحيلها طوال الوقت ‪ ،‬أن أكتب‬
‫عنها ‪ ،‬وأحكى قصة موتها كما لم تحكى القصص‬
‫من قبل ‪ ،‬كنت أعيش اللحظة أينما كنت أو وليت‬
‫وجهى ‪ ،‬وكان التحدى الذى يواجهنى ليس أن‬
‫أكتب هذه القصة ‪ ،‬ولكن كيف ؟ كنت أريدها‬
‫أجمل وأعظم ما كتب أو سوف يكتب عن الم ‪،‬‬
‫فى أحد اليام كنت أتجول فى أحد الحقول‬
‫المزروعة فى بولق الدكرورقبل أن تداهمها‬
‫العشوائيات ‪ ،‬فقد كانت قطعة من الريف داخل‬
‫القاهرة ‪،‬وبينما أنا سارح فى البرية فوجئت‬
‫بنفسى أردد مفتتح القصة التى لم أكتبها بعد حتى‬
‫حفظته ‪ ،‬كان يقول ‪ :‬الى أمى الراقدة فى حضن‬

‫‪147‬‬
‫أمها الرض ‪،‬مبتسمة كما يبتسم طفل ليس به‬
‫ألم ‪ ،‬مستغرقة فى سنة من النوم ‪ ،‬يداها على‬
‫صدرها الهادىء تنامان فى دعة وسكون ‪ .‬كان‬
‫هذا المفتتح هوبداية ثلثية موت أمى التى ظهرت‬
‫ضمن مجموعة حكايات الديب رماح ‪ ،‬وفى كتاب‬
‫التوهمات كانت هى البداية المناسبة للكتاب ‪،‬‬
‫أدركت أن حقبة كاملة كانت قد ولت والى‬
‫البد ‪،‬وأن هذا الجيل كله يوشك أن يستسلم‬
‫لموته مع من مات ‪ :‬نورالذى يريد أن يصبح وليا‬
‫دون جدوى ‪ ،‬أم حفنى التى أضحت أسطورة‬
‫موتها المتكرر تروى جيل بعد جيل ‪ ،‬حفنى الذى‬
‫ناضل نضال معجزا مع مرضه ‪ ،‬محمد عبدون‬
‫الذى ترك بصماته على جسد صفاء ومضى‬
‫‪،‬وحتى أمى التى كانت فى وقت من الوقات‬
‫جزءا من هذه الحداث ‪،‬أما من بقى منهم ‪ ،‬فقد‬
‫دخل القرن الجديد بل هوية ‪،‬محاسن توحدت‬
‫بعنوستها وبدأ ماء الحياة يجف فى بدنها فتزوى‬
‫بل أمل فى النجاة من مصيرها المحتوم ‪ ،‬صفاء‬
‫التى رفضت حياة الشرمطة فتزوجت نصر ابن‬
‫صديقة ‪ ،‬وصديقة التى أحست أن زواج أبنها‬
‫الكبير من لبوة كما كانت تحب أن تطلق عليها‬
‫مصيبة وحطت على رأسها ‪ ،‬أما بديعة ‪ ،‬فقد‬
‫دخلت فى شرنقتها الخاصة وتوحدت مع نفسها ‪،‬‬
‫لم أعد أراها ‪ ،‬لكنى كنت أسمع عن أحلمها‬

‫‪148‬‬
‫وهلوسها المتعلقة بنوروأصراره على اقامة‬
‫ضريح له بأية طريقة ‪ ،‬وفى تلك المرحلة ‪ ،‬كان‬
‫اهتمامى بالموروث الشعبى قد وصل لحد الهوس‬
‫المبالغ فيه بعض الشىء ‪ ،‬كنت أحاول فهم كيف‬
‫يفكر الناس البسطاء ودراسة معتقداتهم‬
‫الشعبية ‪ ،‬وهو ماقادنى لدراسة ظاهرة الولياء‬
‫فى مصر ‪ ،‬أو كما أسماهم محمد فهمى عبد‬
‫اللطيف دولة الدراويش فى مصر‪ ،‬وهى ظاهرة‬
‫استغرقتنى طوال الصيف كله ‪ ،‬فمصر هى أكبر‬
‫بلد فى العالم بها هذا الحشد الهائل من‬
‫الولياء ‪،‬ساعدنى كثيرا كتاب الدكتور محمد‬
‫الجوهرى المسمى علم الفولكلوروخاصة جزئه‬
‫الثانى الخاص بدراسة المعتقدات ‪ ،‬أما الكتب‬
‫التى تعرض تجليات الظاهرة كتراجم لحياة هؤ لء‬
‫الولياء فهى كثيرة أذكرمنها ‪ :‬حلية الولياء لبى‬
‫نعيم ‪،‬جامع كرامات الولياء للنبهانى ‪ ،‬نزهة‬
‫العيون النواظر وتحفة القلوب الحواضر لعفيف‬
‫الدين أبى السعادات ‪،‬عمدة التحقيق فى بشائر‬
‫ديق للشيخ ابراهيم العبيدى ‪ ،‬البريز فى‬ ‫آل الص ّ‬
‫مناقب سيدى عبد العزيز‪ ،‬اللمع للطوسى ‪.‬ثم‬
‫كتب المتصوفة أنفسهم مثل أخبار الحلج‬
‫وطواسينه ‪ ،‬مجموعة مصنفات شيخ اشراق‬
‫للسهروردى المقتول ‪ ،‬وابن عطاء الله السكندرى‬
‫‪ ،‬المكنون فى مناقب ذى النون للسيوطى ‪،‬‬

‫‪149‬‬
‫ثم مجموعة‬ ‫منطق الطير لفريد الدين العطار‬
‫القصص الشعبى التى تتغنى بحياة وكرامات هؤل‬
‫الولياء مثل ‪ :‬قصة سيدى أحمد البدوى ‪ ،‬أيضا‬
‫قصته مع فاطمة بنت بّرى ‪،‬قصة الميرة خضرة‬
‫الشريفة وما جرى لها فى بلد النصارى وكرامة‬
‫السيد البدوى حين أتى بها ‪ ،‬قصة سيدى أبراهيم‬
‫الدسوقى وما جرى له من العجائب والغرائب‬
‫والكرامات نظم ولى الله المجذوب الشيخ طاهر‬
‫بن يعقوب ‪ .‬كما أن له قصة أخلرى بعنوان‬
‫سيدى ابراهيم الدسوقى وما جرى له مع‬
‫العلماء ‪.‬ومن خلل كل هذه الكتب يمكننى‬
‫أستخلص قائمة بأشهر الكرامات التى يقوم بها‬
‫الولياء ‪ :‬احياء الموتى ‪ ،‬تجفيف البحر والمشى‬
‫على الماء ‪ ،‬القدرة على تحويل الشياء الى‬
‫صورة أخرى ‪ ،‬طى المسافات ‪ ،‬الطيران فى كل‬
‫الوقات ‪ ،‬مخاطبة الحيوانات والشجار والجماد‬
‫وكل عنصر الطبيعة ‪ ،‬شفاء جميع المراض ‪،‬‬
‫التواجد فى أكثر من مكان فى وقت واحد ‪،‬‬
‫توقيف الوقت ‪ ،‬التنبؤ بالغيب ‪ ،‬القدرة على‬
‫تحويل شكله فى الهيئة التى يختارها ‪ .‬سحرتنى‬
‫وبهرتنى تلك المقدرة غير المحدودة التى يتمتع‬
‫بها هؤ لء الرجال المؤيدون بعناية الله ‪ ،‬وما‬
‫يأتون به من عجائبية وسحرية ‪ ،‬تراث هائل مترع‬
‫بالغرائبية ‪ ،‬اليست هذه واقعية سحرية؟‬

‫‪150‬‬
‫‪7‬‬
‫فى أحد صباحات بولق الدكرور المبكرة ‪،‬‬
‫فوجىء الناس بنشاط غير عادى يحدث ‪ ،‬مكان‬
‫السوق فى شارع ترعة زنين تم تنظيفه وطرد‬
‫الباعة القائمين به ‪ ،‬وتم رصف الطريق الرئيسى‬
‫فى زمن قياسى ‪ ،‬كما زرعت الشجار على‬
‫جانبى الطريق ووضعت أصص الزهور ونباتات‬

‫‪151‬‬
‫الزينة ‪ ،‬قيل أن الموكب الرئاسى سوف يمر من‬
‫هذا المكان فى طريقه الى أفتتاح مصنعا للدوية‬
‫تابعا للقوات المسلحة ‪ ،‬وقيل أن هذا الطريق‬
‫سوف يكون معبرا لطريق مصر السكندرية‬
‫الصحراوى أختصارا للمسافة ‪ ،‬لكن الحقيقة التى‬
‫عرفت بعد ذلك أنه تقرر أقامة ضريح لولى الله‬
‫الشيخ نور الدين فى هذا المكان ‪ .‬كيف حدث‬
‫ذلك ؟ ل أحد يعلم ‪ ،‬فقط بديعة كانت تعلم‬
‫ماحدث وما سوف يحدث ‪ ،‬أبتسمت وأشارت‬
‫بيدها معلقة ‪ :‬بلطجى فى حياته وفى مماته‬
‫ويعملها ‪ .‬كان الهتمام على أعلى المستويات ‪،‬‬
‫من و زير الوقاف الى مشيخة الزهر الى‬
‫المحافظ فرئاسة الحى‪ ،‬المشكلة التى واجهت‬
‫الجميع هى عدم وجود مكان يصلح لقامة مثل‬
‫هذا المشروع الذى أراد له الجميع ‪ ،‬ولسباب‬
‫سياسية ‪ ،‬أن يكون ضخما ودعائيا ‪ ،‬ولم يكن‬
‫هناك أصلح من جنينة باسيلى مكانا للمشروع ‪.‬‬

‫جنينة باسيلى *‬ ‫•‬

‫اذا قسمنا بولق الدكرور كلها الى‬


‫ثلثة أقسام رئيسية حسب الخريطة الجوية التى‬
‫اعتمدها الفرنسيون ‪ ،‬فأن جميع المنطقة وما يقع‬
‫فى زمامها تندرج تحت ما يسمى بمشيخة بولق‬

‫‪152‬‬
‫الدكرور‪ ،‬وهى ذات شوا رع رئيسية ثلث ‪ :‬أول‬
‫هذه الشوارع وأقدمها هو شارع همفرس ‪ ،‬بناه‬
‫الخواجا همفرس مهندس الرى فى عهد الملك‬
‫فاروق ‪ ،‬وبنى فى نهايته جنينة شهيرة والتى‬
‫سميت بأسمه ‪ ،‬وفى الجنينة بنى قصرا سمى‬
‫بقصر الملذات كان الملك يزوره متخفيا كى‬
‫يحظى بأفتراع العذارى اللتى كان يجلبهن من‬
‫شتى أنحاء المعمورة مّعرسه الشهر أنطوان‬
‫بوللى ‪ ،‬ظل القصر والجنينة قائمين مكانهما بعد‬
‫قيام الثورة الى أن قدمت الى الدنيا فقدر لى‬
‫رؤيتهما من الداخل ‪ ،‬وتلك حكاية تروى بأختصار ‪،‬‬
‫ذات مرة كان أبى البناء يبنى سورا فى منطقة‬
‫النزهة والتى تقع فى زمام جنينة همفرس ‪،‬‬
‫وكعادته كان يأخذنى معه فى المسامحة أى‬
‫الجازة المدرسية كى أتعلم الصنعة لنفع نفسى‬
‫مثل جميع أخوتى ‪ ،‬لكنى كنت أفضل اللعب على‬
‫أى شىء آخر ‪ ،‬والموضع الذى كان أبى يبنى فيه‬
‫يقابله أحد أجزاء سور الجنينة ‪ ،‬كان متهدما ووضع‬
‫بدل منه سور من السلك الشائك ‪ ،‬كنت أسّهى‬
‫أبى وأعمل بيدى فى هذا السور حتى نجحت فى‬
‫فتح ثغرة تكفى لمرور جسدى الضئيل منها ‪،‬‬
‫وتسللت الى داخل الجنينة فى غفلة من الحراس‬
‫والكلب وحتى الجن والعفاريت التى أعلم علم‬
‫اليقين أن الجنينة مسكونة بهم ‪ ،‬ورأيت أمامى‬

‫‪153‬‬
‫فاكهة الحلم ‪ ،‬فكثيرا ما كنت أحلم بثمرة مانجة‬
‫ى‬
‫بطول بيتنا وعرضه ‪ ،‬أجلس فوقها وأدلدل ساق ّ‬
‫ومعى سكين أقطع بها لحم المانجة وآكل ول‬
‫تنتهى ‪ ،‬أو أصابع موز الواحد منها طولى ‪ ،‬رأيت‬
‫فاكهة من نوع آخر ‪ ،‬ليست كتلك التى تشتريها‬
‫أمى من المرأة العجوز التى تجلس على ناصية‬
‫حارتنا ‪ ،‬ولننى كنت خائفا جدا ومرعوبا ‪ ،‬فقد‬
‫ى وأخذت أقطف‬ ‫أمتدت يدى الى أقرب الثمار ال ّ‬
‫من على الشجرة وأعبىء جيوبى وعبى ‪ ،‬كانت‬
‫ثمار كوكا غير ناضجة ‪ ،‬ومضيت بسرعة مغادرا‬
‫الجنينة على أمل الرجوع اليها مرة أخرى‪ ،‬لكن‬
‫هذا ما لم يحدث على الطلق ‪ .‬شارع همفرس‬
‫يقع فى المنتصف تماما من بولق الدكرور‪ ،‬وهو‬
‫يمتد طوليا من أول شارع السودان حتى طابق‬
‫الديابة ليتقاطع مع شارع ترعة زنين الذى يلف‬
‫بولق من الناحية الجنوبيةحتى يصل الى شارع‬
‫التحرير ‪ ،‬أمتداده الطبيعى يفصلهما كوبرى‬
‫يسمى كوبرى الخشب ‪ ،‬وهوثانى الشوارع الثلث‬
‫‪ ،‬أما الثالث فهو شارع ناهيا والذى يمتد من شارع‬
‫السودان وجامعة الدول العربية حتى قرية ناهيا‬
‫وكرداسة ويلف بولق من الناحية الشمالية ‪ ،‬تقع‬
‫جنينة باسيلى فى الناحية الجنوبية من أول شارع‬
‫ترعة زنين ‪ ،‬من هو باسيلى ؟ ومن أين جاء ؟ ل‬
‫أحد يعلم ‪،‬قيل أنه الجندى الوحيد الذى نجا من‬

‫‪154‬‬
‫مذبحة القلعة ‪ ،‬وأنه هرب الى احراش بولق‬
‫ليختبىءفى الزراعة ‪ ،‬وبعد موت محمد على‬
‫أبتنى لنفسه قصرا والحق به جنينة وأحاطهما‬
‫بسور عال ل يكشف ما خلفه ‪ ،‬وقيل أنه تزوج‬
‫من بولق بأربعة فتيات أبكار أفترعهن فى ليلة‬
‫واحدة ‪ ،‬وأن زوجاته ما كن يحبلن ال توائم فكن‬
‫ينجبن فى البطن الواحدة ثمانية أطفال ‪ ،‬قيل أن‬
‫عدد أبنائه تجاوز المائة ‪،‬وقيل أن جائحة الكوليرا‬
‫حصدتهم جميعا وبقى القصر والجنينة مهجوران‬
‫يسمع فيهما عزيف الجن والعفاريت حتى‬
‫تسلمتهما وزارة الوقاف بعد الثورة ‪ .‬وفى رواية‬
‫أخرى أن باسيلى باشا الكبير التركى الصل ‪ ،‬كان‬
‫متزوجا بأمرأة حلبية لم يخلق الله أجمل منها ‪،‬‬
‫كانت تصغره بعشر سنوات ‪ ،‬كان يعشق التراب‬
‫تحت قدميها ويغير عليها من الهواء الطائر ‪،‬‬
‫وحدث أن كان لهذه المرأة أخا من الم ترك بلده‬
‫وحاله ومحتاله وجاء للقامة مع أخته ‪ ،‬كان‬
‫يعشقها ول يصبر على فراقها ‪ ،‬وكانت هى أيضا‬
‫كذلك ‪ ،‬فقد نشئا معا وتمكنت المحبة فى قلب‬
‫كل منهما ‪ ،‬وكان باسيلى باشا ل يجد غضاضة من‬
‫ان يعيش هذا الشاب مع أخته‪ ،‬على الرغم من‬
‫أتيانهما أفعال ل تحدث بين الخ وأخته كأن يقبلها‬
‫فى فمها أو يتحسس جسدها أو ينظر اليها نظرة‬
‫رجل لمرأة ‪ ،‬ولسلمة نيته كان يستبعد حدوث‬

‫‪155‬‬
‫الفاحشة بينهما ‪ ،‬وفى أحد المرات كان مسافرا‬
‫الى الشام لعمل يتغيب فيه بضعة أيام ‪ ،‬وفى‬
‫منتصف الطريق تذكر أنه نسى أوراقا هامة لبد‬
‫من وجودها معه لتمام عمله فرجع للتيان بها ‪،‬‬
‫ودخل قصره وأتجه الى حجرة مكتبه ‪ ،‬وكانت‬
‫حجرة نومة مجاورة لها فسمع أصواتا وأنينا‬
‫مكتوما آتيا من حجرة نومه ‪ ،‬فتسحب شاهرا‬
‫مسدسه ودفع الباب فوجد زوجته فى حضن أخيها‬
‫على فراشه عاريين ‪ ،‬فما كان منه ال أن أفرغ‬
‫رصاص مسدسه فى قلبيهما فماتا فى التو‬
‫واللحظة ‪ .‬وحدث بعد ذلك أن الناس كانوا‬
‫يسمعون صراخا وهلوسة طوال الليل آتية من‬
‫ناحية القصر‪ ،‬فقيل أن شبح المرأة وأخيها‬
‫القتيلين كانا يظهران للرجل كل يوم ويفعل أمامه‬
‫ما كانا يفعلنه فى حياتهما ‪ ،‬فكان يصرخ كلما‬
‫رأى ذلك حتى أنخبل عقله وصار مجنونا الى أن‬
‫مات ‪ ،‬وبقى القصر مهجوراحتى وضعت وزارة‬
‫الوقاف يدها عليه ‪.‬‬

‫* المقام *‬

‫‪156‬‬
‫المهندس الذى وقع الختيار عليه لقامة‬
‫البناء أختير على الفّرازة ‪ ،‬كان الول فى مسابقة‬
‫حضرها الف ومائتي متسابق ‪ ،‬قدم ماكيت بالبناء‬
‫كامل ‪ ،‬شرح فيه التكلفة والدوات والخامات‬
‫المستخدمة ‪ ،‬قال أنه أطلع على جامع الملك‬
‫الحسن الثانى بالدار البيضاء ‪ ،‬تحفة معمارية‬
‫حديثة ‪ ،‬وعلى مقام المام البخارى بسمرقند ‪،‬‬
‫أيضا قبر المير تيمور لنك ‪ ،‬ومسجد آياصوفيا‬
‫بأسطنبول ‪ ،‬وعلى الجامع الموى بدمشق ‪،‬‬
‫قال أنه سوف يبنى المسجد الجامع وبين عينيه‬
‫هذه النماذج الرائدة ‪،‬قال أنه سيختار من كل‬
‫نموذج أفضل ما فيه ‪،‬ويضيف عليه أفضل ما عنده‬
‫‪ ،‬سوف أترك المهندس يتم بنائه على راحته‪،‬‬
‫والى أن يتمه سأحدثكم عن أغرب ما يمكن أن‬
‫يحدث لنسان ‪ ،‬تزييف تاريخه ‪ ،‬نعم ‪ ،‬فقد تمت‬
‫أغرب عملية تزييف لتاريخ أنسان على مرأى‬
‫ومسمع من الجميع ‪ ،‬بل أن الجميع شاركوا‬
‫بشكل أو بأخر فى هذه العملية ‪ ،‬أنا وأنتم نعلم‬
‫تاريخ نور وأصله وفصله من منشأه حتى وفاته‬
‫حتى أنه أعترف بلسانه فى الورقات التى تركها‬
‫بأنه ) حرامى وعاصى وكداب ( لكن ا السيد نور‬
‫الدين أصبح بين يوم وليلة هو قطب القطاب‬
‫وعمدة العمد والنجاب ‪ ،‬صاحب الرشاد والجود ‪،‬‬
‫وقطب دائرة الشهود أبو الكرامات السيد نور‬

‫‪157‬‬
‫الدين الدكرورى – نسبة الى بولق الدكرور التى‬
‫نشأ بها – أبن السيد عبد الرحمن أبن السيد على‬
‫قريش بن السيد محمد الشهير بأبى النجا ر بن‬
‫السيد زين العابدين بن السيد عبد الخالق بن‬
‫السيد محمد الشهير بأبى العينين بن السيد أبى‬
‫الطيب بن السيد محمد الكاتم بن السيد محمد‬
‫عبد الجواد بن السيد موسى الكاظم بن السيد‬
‫جعفر الصادق بن السيد محمد الباقر بن السيد‬
‫على الزاهر بن السيد على زين العابدين بن‬
‫المام السيد الحسين بن المام على بن أبى‬
‫طالب كرم الله وجهه بن السيدةفاطمة الزهراء‬
‫رضى الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ .‬وهى الورقة التى علقت فيما بعد فوق‬
‫ضريحه تعريفا بنسبه الشريف ‪ ،‬كذلك فقد أصبح‬
‫صاحب اللقاب الشهيرة ‪ :‬العارف بالله ‪ ،‬الصامت‬
‫‪ ،‬الباكى ‪ ،‬قاضى المظالم ‪،‬حامى حمى بولق ‪،‬‬
‫ولى الله ‪ ،‬كعبة الزوار‪ ،‬دليل الحيران ‪ ،‬وندهة‬
‫المنضام ‪ ،‬أبو الرايات ‪ .‬الغرب من كل ذلك ‪،‬‬
‫فأن نتفا وعناصر من القصص الشعبى الذى يدور‬
‫حول مولده الشريف وكراماته بدأت تتجمع لتكون‬
‫ما يشبه السيرة الشعبية ‪ ،‬وقد وقع بيدى نصان‬
‫يتحدثان عن سيرة نور الدين أحدهما شعرى‬
‫والخر نثرى ‪ ،‬النص الشعرى بعنوان ‪ :‬نزهة‬
‫المشتاقين فى قصة سيدى نور الدين ‪ ،‬والخر‬

‫‪158‬‬
‫النثرى بعنوان ‪:‬قصة سيدى نور الدين الدكرورى ‪،‬‬
‫البحر العجاج المتلطم بالمواج دليل الحيران‬
‫سيدى نور الدين الدكرورى ‪ ،‬وهى تشتمل على‬
‫ولدته الشريفة وما أظهر فيها من الكرامات‬
‫الباهرة ‪ ،‬بالتمام والكمال والحمد لله على كل‬
‫حال ‪ .‬النصان الشعرى والنثرى ليس بينهما‬
‫اختلفا كبيرا ‪ ،‬بل أنهما يكادا يتطابقان ‪ ،‬والرواية‬
‫الشعبية لكل منهما تتجاوز اللف صفحة ‪ ،‬لذلك‬
‫فهى تعد من أكبر سير الولياء‪ ،‬على أننى سوف‬
‫الخص الخطوط العريضة للنص النثرى حيث يقول‬
‫أن أمه وقت مولده كانت فى الستين من‬
‫عمرها ‪ ،‬وقد أظهر بعض كراماته قبل أن يولد‬
‫بزمن ‪ ،‬أذ ظهر لمه فى صورة صقر وحماها من‬
‫الغتصاب وهى فتاة قبل أن تتزوج ‪ ،‬وكان مولده‬
‫فى شهر رمضان ‪ ،‬ولم يكن يرضع ال بعد آذان‬
‫المغرب ‪ ،‬وقد عرف هذه الحكاية أهل المنطقة ‪،‬‬
‫فكانوا أذا شق عليهم معرفة وقت آذان المغرب‬
‫يلجأون الى أمه وينتظرون حتى يبدأ الطفل الوليد‬
‫فى الرضاعة ‪ ،‬وبعد أن كبر قليل كانت الرواح‬
‫تحرسه فى غدوه ورواحه وأينما توجه ‪ ،‬وحدث له‬
‫وهو فى السابعة عشرة من عمره أن تحدث مع‬
‫ثور _ فقد أوتى القدرة على مخاطبة الحيوانات _‬
‫وعلم من الثور أنه ليس عاديا كسائر الناس ‪،‬‬
‫فجرى الى البيت وهو شديد الضطراب‬

‫‪159‬‬
‫والخوف ‪ ،‬وشاهد فى تلك اللحظة جبل عرفات‬
‫والحجاج يقفون عليه ‪ .‬فى الثامنة عشرة من‬
‫عمره رحل من مسقط رأسه بولق الدكرور‬
‫سواحا فى بلد الله ‪ ،‬وقبل رحيله وعد أمه أنه لن‬
‫يكذب أبدا مهما حصل ‪ ،‬وقصد الى بغداد ‪ ،‬وفى‬
‫الطريق تعرضت العربة التى يستقلها الى بعض‬
‫قطاع الطرق ‪ ،‬وأخبر نور الدين رئيس العصابة‬
‫أن معه نقودا كثيرة مخبأة فى ملبسه ‪ ،‬وكان من‬
‫أثر هذا الصدق أن ندم رئيس العصابة ومن معه‬
‫وتابوا على يديه‪ ،‬عاش نور الدين حياته متصوفا‬
‫زاهدا متعبدا ‪ ،‬لم يكن يشرب الماء أبدا – وهى‬
‫أحدى كراماته – ولم يأكل لحم الطير أو‬
‫الحيوانات ‪ ،‬وقبل موته بوقت قصير عينه الخضر‬
‫عليه السلم قطبا ‪ ،‬أما حكايته مع العلماء‬
‫فمعروفة ‪ ،‬ذلك أن بعض زملئه من العلماء‬
‫حسدوه على المكانة الرفيعة التى وصل اليها‬
‫فأرادوا أمتحانه ‪ ،‬لكنهم ما أن ظهروا أمامه حتى‬
‫شلت السنتهم وعجزوا عن الكلم ‪ .‬لكن نور‬
‫الدين أظهر كرامة أخرى فى نفس الوقت ‪ ،‬أذ‬
‫أستطاع أن يقرأ أفكارهم ويعرف السئلة التى‬
‫كانوا ينوون توجيهها اليه ‪ ،‬علوة على ذلك فقد‬
‫أجاب عليها جميعا فبهت القوم ‪ .‬ومن كراماته أن‬
‫الشياء كانت تتحول فى يده ‪ ،‬ومن ذلك أن‬
‫أحدهم أهداه ذات مرة تفاحة فنظر اليها فتحولت‬

‫‪160‬‬
‫فى يده الى عفن ودم ‪ ،‬ومرة أخرى تحول الذهب‬
‫فى يده الى دم عندما ضغط عليه بشدة ‪ ،‬ومما‬
‫يروى فى السيرة أنه لم ينم الليل أبدا وأنه كى ل‬
‫ينام كان يقف طوال الليل على رجل واحدة ‪،‬‬
‫وكان يشكل جسمه كيفما شاء فيطول ويقصر‬
‫ويختفى وهو بين الناس فل يراه أحد ‪ ،‬كما كان‬
‫يطير الى الكعبة أثناء الليل ‪ ،‬حيث يصلى ويطوف‬
‫ثم يعود فى نفس اللحظة ‪ ،‬كما أنه أظهر كرامة‬
‫التواجد فى أكثر من مكان فى نفس الوقت ‪.‬‬
‫تنتهى سيرة ولى الله الشيخ نور الدين عند وفاته‬
‫فتقول أنه لقى ربه فى ليلة السابع والعشرين‬
‫من شهر رمضان المبارك ‪ ،‬وأن الملئكة نزلت‬
‫فى ليلة القدر الى السماء الدنيا لتزفه الى بارئه ‪.‬‬
‫* * *‬

‫قرأت مرة لحد الباحثين أن أولياء الله‬


‫الصالحين فى مصر ‪ ،‬ماهم ال آلهة مصر‬
‫القديمة ‪ ،‬وأن المصريين أحفاد الفراعنة مازالوا‬
‫يمارسون طقوسهم الفرعونية تجاه اللهة‬
‫القديمة المتمثلة فى أضرحة الولياء ومقاماتهم ‪،‬‬
‫وقال آخر أن الكثرة الهائلة من أضرحة لولياء‬
‫ينتشرون فى كل شبر على أرض مصر ‪ ،‬هى‬
‫أشارة الى جسد أوزوريس الذى تفرق أشلء فى‬
‫كل الربوع ‪ ،‬وأيا كان هذا الكلم صحيحا أم خطأ ‪،‬‬

‫‪161‬‬
‫فأن للمصريين طريقتهم الخاصة فى الحياة‬
‫وأستيعابهم للوافد والجديد والتعامل معه ‪ ،‬وهو‬
‫ما جعلهم يستمرون كأقدم شعوب الرض حضارة‬
‫وتاريخ ‪ ،‬وقال أبى نقل عن غيره ‪ :‬لو أستعقدتم –‬
‫يقصد أعتقدتم – فى حجر لفاد ‪،‬وروى حكاية‬
‫تدلل على صحة كلمه فقال ‪ :‬أصيب رجل بمرض‬
‫ل شفاء منه ‪ ،‬وظل يتألم مدة من الزمن ‪ ،‬وفى‬
‫أحد اليام ‪ ،‬وبينما كان مسافرا ‪ ،‬مّر على مكان‬
‫قفر ‪ ،‬فوجد رجل جالسا مقرفصا يقضى حاجة ‪،‬‬
‫فوقف بعيدا عنه بحيث ل يراه ‪ ،‬فلما أنتهى الرجل‬
‫من قضاء حاجته ‪ ،‬أستبرأ بقطعة حجرثم طوح بها‬
‫بعيدا ‪ ،‬فقال الرجل المريض أن قطعة الحجر‬
‫هذه فيها شفائى ‪ ،‬وجرى على قطعة الحجر‬
‫وامسك بها ووضعها على مكان اللم فزال مرضه‬
‫فى الحال ‪ .‬وهى أشارة واضحة لصحة العتقاد ‪،‬‬
‫حتى ولو كان هذا العتقاد فى حجر ‪ ،‬فما بالك‬
‫بالولياء ؟‬
‫لم أجد أشارة واحدة فى سيرة نور الدين عن‬
‫زوجته بديعة ‪ ،‬وربما كان هذا مثيرا للدهشة ‪ ،‬فقد‬
‫كانت هى أول من أكتشف وليته ‪ ،‬وهى أول من‬
‫صدقه ‪ ،‬كما أنها ظلت طوال سنوات طويلة تلح‬
‫على المسئولين وكل ذى شأن من أجل أقامة‬
‫ضريح له ‪ ،‬فكيف حدث ذلك ! لست أدرى ‪،‬وفى‬
‫تصورى أن هذه المرأة بأيمانها بزوجها ‪ ،‬وكل هذا‬

‫‪162‬‬
‫الصبر والتحمل ‪ ،‬ودعوتها لزوجها ‪ ،‬وتجاهل‬
‫الخرين لها وأتهامهم أياها بالخرف ‪ ،‬كل هذا‬
‫أدعى لن تكون أحق بالولية من زوجها ‪ ،‬وقد‬
‫عاشت حتى رأت بعينيها وضع حجر الساس‬
‫للجامع والمقام ‪ ،‬وكانت آخر كلماتها ‪ :‬ل تدفنونى‬
‫بعيدا عن شيخى نور الدين ‪.‬‬

‫* * *‬

‫‪8‬‬

‫عاشت بولق الدكرور أزهى عصورها‬


‫فى كنف الجامع الكبير بمقامه الفاخر وأضواءه‬
‫المتللئة التى أضفت على المكان أنواراوفيوضات‬
‫‪ ،‬كان الجامع الذى أكتمل بنائة قد أصبح تحفة‬
‫معمارية تحققت فيها الصالة والمعاصرة بأفضل‬
‫تجلياتها ‪ ،‬فالسور الخارجى المفضى الى الجنينة‬
‫لفه سياج من الشجار المتماثلة فى الحجم‬
‫والطول والكثافةأخذت أشكال هندسية مختلفة ‪،‬‬
‫والجنينة المامية بنباتاتها العطرية الكثيفة‬
‫وأزهارها الملونة وشذى رحيقها المسكركانت جنة‬
‫للبصار‪ ،‬والتى تتوسطها نافورة مياه على هيئة‬

‫‪163‬‬
‫سباع تخرج من أفواهها مياه تصب فى فسقية‬
‫أمامها ‪،‬ثلث سللم رخامية معشقة بألوان‬
‫الفسيفساء تفضى الى بهو أعمدة الجامع الشاسع‬
‫المسافات ‪ ،‬السقف ذى القباب الثلث شاهقة‬
‫الرتفاع بزجاجها المعشق بالوانه المبهجة لحظة‬
‫سطوع الشمس وأنعكاسها بالوان الطيف ‪،‬‬
‫العمدة الرخامية السامقة التى تحمل القباب ‪،‬‬
‫ثلث مآذن سامقة شاهقة الرتفاع ل يرى نهايتها‬
‫المتماهية فى السحاب ‪ ،‬بنيت على غرار مآذن‬
‫العصر الفاطمى ‪ ،‬المنبر المعمول من خشب‬
‫البنوس المطعم بالصدف والعاج على هيئة‬
‫أرابيسك دقيق الصنعة ‪ ،‬ثم القبلة ذات النقوش‬
‫البديعة والخطوط الهندسية وتماهيها مع الفراغ‬
‫فى صراع مع الكتلة ‪ ،‬وعلى الجانب اليمن من‬
‫الباب الرئيسى للجامع ‪ ،‬الحجرة التى بها الضريح‬
‫المحاط بسياج من النحاس الصفر المنقوش‬
‫فوقه اسماء الله الحسنى ‪ ،‬وعلى الجدران كتب‬
‫بالخط الكوفى أسماء آل بيت النبوة والحضرة‬
‫الزكية ثم نسب صاحب الضريح وشجرته العترة ‪،‬‬
‫أرض حجرة الضريح صنعت من زجاج سميك‬
‫شفاف ‪ ،‬والماء يجرى من تحته ‪ ،‬والضريح رابض‬
‫فوق الماء وفوقه قبة وعمامة الشيخ الخضراء‬
‫وسبحة وعباءة وشعرة من ذقنه وضعوا فى طاقة‬
‫للتبرك‪ ،‬الحجرة تسبح فى نور سماوى يميل الى‬

‫‪164‬‬
‫الخضرار ل يعرف من أين يأتى ‪ ،‬المهندس الذى‬
‫بنى الجامع والضريح أراد أن يشيد ما لم يشيد‬
‫من قبل ‪ ،‬وحين أقترح على المسئولين ما ينتوى‬
‫فعله أعتبروه مجنونا ‪ ،‬كان الطلب غريبا ‪ ،‬أن‬
‫يحول مجرى النيل ليمر من تحت الضريح ‪ ،‬حتى‬
‫المحافظ هز رأسه وكتفيه فى أسف ‪ :‬هذا الطلب‬
‫فوق مستوى قدراتى وسلطاتى ‪ ،‬يحتاج موافقة‬
‫أعلى سلطة سياسية فى البلد ‪ .‬الغريب أن طلب‬
‫المهندس نفذ وبأسرع مما تخيل الجميع ‪ ،‬كيف‬
‫حدث ذلك ؟ ل أحد يعرف ‪ ،‬وتم تحويل مجرى نهر‬
‫النيل للمرة الثانية فى تاريخ البلد وعدت من‬
‫كرامات الولى ‪ .‬الشوارع والحوارى والزقة التى‬
‫تفضى وتلتف حول الجامع والضريح تم تنظيفها‬
‫ورصفها وتشجيرها والعشوائيات أزيلت وحلت‬
‫محلها دكاكين لبيع الحلوى والمأكولت السريعة‬
‫والهدايا التذكارية ‪ ،‬وخيم شعور بالطمأنينة على‬
‫الناس فى بولق الدكرور ‪ ،‬ورموا حمولهم‬
‫وأوجاعهم ومتاعبهم على ولى الله الشيخ نور‬
‫الدين الدكرورى ‪ ،‬الذى ما أن يذكر أسمه حتى‬
‫يقرن بشى الله ياسيدى ‪ ،‬وسره الباتع مل البيوت‬
‫والقلوب غبطة ‪.‬‬

‫‪9‬‬

‫‪165‬‬
‫ودائما ما تتحكم العادة فى الناس ‪ ،‬وأصبحت‬
‫العادة هى أقامة مولدا للشيخ فى العشر الواخر‬
‫من شهررمضان ‪،‬تتجلى فيه النوار القدسية على‬
‫الناس والدور والزقة والحوارى فيطعم الهاجع‬
‫والناجع والنائم على الطوى ‪ ،‬ويجىء أصحاب‬
‫الطرق الصوفية ‪ ،‬كل شيخ وله طريقته وأعلمه‬
‫وبيارقه وأناشيده وكراماته ‪ ،‬وتمر اليام ‪ ،‬وما‬
‫كثرة مرورها ودورانها ‪ ،‬ويصبح للشيخ طريقة‬
‫تعرف بالطريقة الدكرورية ‪ ،‬وتقام لها زاوية‬
‫بالقرب من الجامع ‪ ،‬ويدخلها أتباع ل حصر لهم ‪،‬‬

‫وحلت بركته على الجميع بما فيهم أهل بيته ‪،‬‬


‫بديعة تم نقل رفاتها لتدفن بالقرب منه ‪ ،‬وقبل أن‬
‫يمر وقت كثير يحدث معها مثل ما حدث مع‬
‫زوجها ويتم تعميدها ولية وشهيدة عشق زوجها‬
‫الولى الصالح ‪ ،‬وينسب الناس لها الكرامات‬
‫وشجرة نسب تنتمى للعترة المحمدية ‪ ،‬ومع‬
‫مرور الزمن ينسى الناس كعادتهم كل ما هو‬
‫حقيقى وأرضى ليتعلقوا بالساطير‪ ،‬وفى أوقات‬
‫الشدة والملمات تترائى بديعة للناس على هيئة‬
‫قرص من النور المضىء فوق أحدى مآذن الجامع‬
‫الكبير ‪ ،‬فتنفرج كرباتهم برؤية الكرامة ‪ ،‬هكذا‬
‫جرى العرف ‪ ،‬فآفة البشر النسيان ‪ ،‬وأبنتها فتحية‬
‫التى أقتربت من الستين ذهبت الى الحج وعادت‬

‫‪166‬‬
‫لتقيم طوال الوقت بجانب أبيها وأمها مرتدية‬
‫جلبية بيضاء والمسبحة ل تغادر أصابعها وقد‬
‫أنحفرت فوق جبينها علمة داكنة من أثر‬
‫السجود ‪ ،‬أمارمضان زوجها ففوض أمره الى الله‬
‫معتبرا زوجته ماتت فعكف على تربية عياله بهمة‬
‫ل تعرف الكلل ‪،‬محاسن أصابها الخرف بعد أن‬
‫تخطت الثمانين فأخذت تهذى فى آخر أيامها‬
‫وتنادى على كل الميتين حتى لحقت بهم‪ ،‬ولم‬
‫تمرسنة حتى لحقت صديقة بأختها من أثر أصابتها‬
‫بداء السل ‪ ،‬أمانصر وصفاء فعاشا عمرا مديدا‬
‫أنجبا خلله أربعة أولد وثلث بنات ‪ ،‬وكانت له‬
‫مثال الزوجة الصالحة حتى أتاهم هادم اللذات ‪،‬‬
‫ومفرق الجماعات ‪ ،‬فسبحان الحى الذى ل يموت‬
‫‪ ،‬صاحب الملك والملكوت ‪.‬‬

‫خيرى عبد الجواد‬


‫بولق الدكرور‬
‫فى ‪9‬رمضان ‪1424‬‬
‫‪3‬نوفمبر ‪2003‬‬
‫‪17‬رمضان ‪1425‬‬
‫‪3‬نوفمبر ‪2004‬‬

‫‪167‬‬
‫صدر للكاتب‬
‫***‬
‫• قصص *‬
‫‪ – 1‬حكايات الديب رماح طبعة أولى – الهيئة‬
‫المصرية العامة للكتاب ‪1987‬‬
‫طبعة ثانية – مركز‬
‫الحضارة العربية ‪1995‬‬
‫طبعة أولى ‪ -‬الهيئة‬ ‫‪ – 2‬حرب أطاليا‬
‫المصرية العامة للكتاب ‪1988‬‬
‫طبعة ثانية – مركز‬
‫الحضارة العربية ‪1998‬‬
‫طبعة أولى – مركز‬ ‫‪ – 3‬حرب بلد نمنم‬
‫الحضارة العربية ‪1997‬‬
‫طبعة أولى دار‬ ‫‪ – 4‬قرن غزال‬
‫سندباد ‪2002‬‬
‫طبعة ثانية ‪ -‬الهيئة‬

‫‪168‬‬
‫المصرية العامة للكتاب‬
‫السرة (‬ ‫) مكتبة‬
‫‪2004‬‬
‫• رويات *‬
‫طبعة أولى ‪ -‬الهيئة‬ ‫‪ – 5‬كتاب التوهمات‬
‫المصرية العامة للكتاب ‪1992‬‬
‫طبعة أولى – دار‬ ‫‪ – 6‬العاشق والمعشوق‬
‫شرقيات ‪1995‬‬
‫طبعة ثانية ‪ -‬الهيئة‬
‫المصرية العامة للكتاب ) مكتبة السرة ‪1996‬‬
‫طبعة ثالثة – مركز الحضارة العربية ‪1998‬‬
‫ترجمت إلى الفرنسية‬
‫لدار النشر جاليمار ‪1998‬‬
‫قررت على طلبة كلية دراسات عربية فرع‬
‫الفيوم – الفصل الدراسى ‪1997 / 96‬‬
‫طبعة أولى – مركز‬ ‫‪ 7‬مسالك الحبة‬
‫الحضارة العربية ‪1997‬‬
‫قررت على طلبة السنة الرابعة – كلية التربية‬
‫الفنية – الفصل الدراسى ‪1998/1999‬‬
‫‪ – 8‬الجنى طبعة أولى ‪ -‬الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتاب ‪1999‬‬
‫‪ – 9‬يومية هروب جزء أول – طبعة أولى مركز‬
‫الحضارة العربية ‪1999‬‬
‫طبعة ثانية – دار النتشار العربى –‬

‫‪169‬‬
‫بيروت ‪2000‬‬
‫• كتب أخرى *‬
‫– مقدمة ودراسة‬ ‫‪ – 10‬سيرة على الزيبق‬
‫للنص الصلى ‪ -‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‬
‫‪2003‬‬
‫‪ – 11‬طقاطيق الست توحيدة – دراسة‬
‫ونصوص – قيد النشر‬
‫‪ – 12‬القصص الشعبى الدينى فى مصر‬
‫– دراسة ومختارات – قيد النشر‬
‫‪ – 13‬سيرة أبى على ابن سينا – دراسة مع‬
‫النص الصلى – قيد النشر‬
‫– رواية – قيد‬ ‫‪ – 14‬شق القمر‬
‫النشر‬

‫‪170‬‬

Você também pode gostar