Você está na página 1de 1008

‫الكتاب ‪ :‬تفسير القرآن العظيم‬

‫المؤلف ‪ :‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي‬


‫الدمشقي ] ‪ 774- 700‬هـ [‬
‫المحقق ‪ :‬سامي بن محمد سلمة‬
‫الناشر ‪ :‬دار طيبة للنشر والتوزيع‬
‫الطبعة ‪ :‬الثانية ‪1420‬هـ ‪ 1999 -‬م‬
‫عدد الجزاء ‪8 :‬‬
‫مصدر الكتاب ‪ :‬موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف‬
‫الشريف‬
‫‪www.qurancomplex.com‬‬
‫] ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ‪ ،‬والصفحات مذيلة بحواشي‬
‫المحقق [‬

‫وِذكر أبي طالب في هذا ‪ ،‬غريب جدا ‪ ،‬بل منكر ؛ لن هذه الية مدنية ‪ ،‬ثم‬
‫إن هذه القصة واجتماع قريش على هذا الئتمار والمشاورة على الثبات أو‬
‫النفي أو القتل ‪ ،‬إنما كان ليلة الهجرة سواء ‪ ،‬وكان ذلك بعد موت أبي طالب‬
‫بنحو من ثلث سنين لما تمكنوا منه واجترءوا عليه بعد موت عمه أبي‬
‫طالب ‪ ،‬الذي كان يحوطه وينصره ويقوم بأعبائه‪ .‬والدليل على صحة ما قلنا ‪:‬‬
‫سار صاحب "المغازي" عن عبد الله بن‬ ‫ما رواه المام محمد بن إسحاق بن ي َ َ‬
‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬وحدثني الكلبي ‪ ،‬عن باذان‬ ‫أبي ن َ ِ‬
‫مولى أم هانئ ‪ ،‬عن ابن عباس ؛ أن نفًرا من قريش من أشراف كل قبيلة ‪،‬‬
‫اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة ‪ ،‬فاعترضهم )‪ (1‬إبليس في صورة شيخ جليل ‪،‬‬
‫فلما رأوه قالوا ‪ :‬من أنت ؟ قال ‪ :‬شيخ من نجد ‪ ،‬سمعت أنكم اجتمعتم ‪،‬‬
‫فأردت أن أحضركم ولن يعدمكم رأيي ونصحي‪ .‬قالوا ‪ :‬أجل ‪ ،‬ادخل فدخل‬
‫معهم فقال ‪ :‬انظروا في شأن هذا الرجل ‪ ،‬والله ليوشكن أن يواثبكم في‬
‫أمركم بأمره‪ .‬قال ‪ :‬فقال قائل منهم ‪ :‬احبسوه في وثاق ‪ ،‬ثم تربصوا به ريب‬
‫المنون ‪ ،‬حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء ‪ :‬زهير والنابغة ‪ ،‬إنما‬
‫هو كأحدهم ‪ ،‬قال ‪ :‬فصرخ عدو الله الشيخ النجدي فقال ‪ :‬والله ما هذا لكم‬
‫برأي ‪ ،‬والله ليخرجنه ربه من محبسه )‪ (2‬إلى أصحابه ‪ ،‬فليوشكن أن يثبوا‬
‫عليه حتى يأخذوه من أيديكم ‪ ،‬فيمنعوه منكم ‪ ،‬فما آمن عليكم أن يخرجوكم‬
‫من بلدكم‪ .‬قال ‪ :‬فانظروا في غير هذا‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فقال قائل منهم ‪ :‬أخرجوه من بين أظهركم تستريحوا منه ‪ ،‬فإنه إذا‬
‫خرج لن يضركم ما صنع وأين وقع ‪ ،‬إذا غاب عنكم أذاه واسترحتم ‪ ،‬وكان‬
‫أمره في غيركم ‪ ،‬فقال الشيخ النجدي ‪ :‬والله ما هذا لكم برأي ‪ ،‬ألم تروا‬
‫حلوة ]قوله[ )‪ (3‬وطلوة لسانه ‪ ،‬وأخذ القلوب ما تسمع )‪ (4‬من حديثه ؟‬
‫والله لئن فعلتم ‪ ،‬ثم استعرض العرب ‪ ،‬ليجتمعن عليكم )‪ (5‬ثم ليأتين إليكم‬
‫حتى يخرجكم من بلدكم ويقتل أشرافكم‪ .‬قالوا ‪ :‬صدق والله ‪ ،‬فانظروا بابا‬
‫غير هذا‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فقال أبو جهل ‪ ،‬لعنه الله ‪ :‬والله لشيرن عليكم برأي ما أراكم‬
‫تصرمونه )‪ (6‬بعد ‪ ،‬ما أرى غيره‪ .‬قالوا ‪ :‬وما هو ؟ قال ‪ :‬نأخذ من كل قبيلة‬
‫دا ‪ ،‬ثم يعطى كل غلم منهم سيفا صارما ‪ ،‬ثم يضربونه‬ ‫غلما شابا وسيطا نه ً‬
‫ضربة رجل واحد ‪ ،‬فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل ]كلها[ )‪ (7‬فل أظن هذا‬
‫الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش كلها‪ .‬فإنهم إذا رأوا ذلك قبلوا‬
‫العقل ‪ ،‬واسترحنا وقطعنا عنا أذاه‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فقال الشيخ النجدي ‪ :‬هذا والله الرأي‪ .‬القول ما قال الفتى ل رأي‬
‫غيره ‪ ،‬قال ‪ :‬فتفرقوا على ذلك وهم مجمعون له )‪(8‬‬
‫فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فأمره أل يبيت في مضجعه الذي‬
‫كان يبيت فيه ‪ ،‬وأخبره بمكر القوم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في د ‪" :‬واعترضهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬من حبسه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬ما نشبع"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪" :‬عليه"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬بصرتموه"‬
‫)‪ (7‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م‪.‬‬

‫) ‪(4/44‬‬

‫فلم يبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته تلك الليلة ‪ ،‬وأذن الله له‬
‫عند ذلك بالخروج ‪ ،‬وأنزل الله عليه بعد قدومه المدينة "النفال" يذكر نعمه )‬
‫ك أ َْو‬‫قت ُُلو َ‬ ‫ك أ َوْ ي َ ْ‬
‫فُروا ل ِي ُث ْب ُِتو َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫مك ُُر ب ِ َ‬ ‫‪ (1‬عليه وبلءه عنده ‪ } :‬وَإ ِذ ْ ي َ ْ‬
‫ن { وأنزل ]الله[ )‪ (2‬في‬ ‫ري َ‬ ‫ماك ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫خي ُْر ال َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ه َوالل ُ‬ ‫مك ُُر الل ّ ُ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫مك ُُرو َ‬ ‫ك وَي َ ْ‬ ‫جو َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫قولهم ‪" :‬تربصوا به ريب المنون ‪ ،‬حتى يهلك كما هلك من كان قبله من‬
‫َ‬
‫ن { ]الطور ‪ [30 :‬وكان‬ ‫مُنو ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ص ب ِهِ َري ْ َ‬ ‫عٌر ن َت ََرب ّ ُ‬ ‫شا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫الشعراء" ‪ } ،‬أ ْ‬
‫ذلك اليوم يسمى "يوم الزحمة" )‪ (3‬للذي اجتمعوا عليه من الرأي )‪(4‬‬
‫سد ّيّ نحو هذا السياق ‪ ،‬وأنزل الله في إرادتهم إخراجه قوله تعالى ‪:‬‬ ‫وعن ال ّ‬
‫َ‬
‫خلفك ِإل‬ ‫َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ْ‬
‫من َْها وَإ ًِذا ل ي َلب َُثو َ‬ ‫جوك ِ‬ ‫َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ض ل ِي ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬
‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫فّزون َك ِ‬ ‫ست َ ِ‬
‫كاُدوا لي َ ْ‬ ‫} وَإ ِ ْ‬
‫قَِليل { ]السراء ‪.[76 :‬‬
‫وفي ‪ ،‬عن ابن عباس‪ .‬وروي عن مجاهد ‪ ،‬وعُْروة بن الزبير ‪،‬‬ ‫وكذا روى العَ ْ‬
‫سم ‪ ،‬وغير واحد ‪ ،‬نحو ذلك‪.‬‬ ‫ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫وقتادة‬ ‫‪،‬‬ ‫بة‬ ‫وموسى بن عُ َ‬
‫ْ‬ ‫ق‬
‫وقال يونس بن ب ُك َْير ‪ ،‬عن ابن إسحاق ‪ :‬فأقام رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ينتظر أمر الله ‪ ،‬حتى إذا اجتمعت قريش فمكرت به ‪ ،‬وأرادوا به ما‬
‫أرادوا ‪ ،‬أتاه جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فأمره أل يبيت في مكانه الذي كان يبيت‬
‫فيه )‪ (5‬فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ‪ ،‬فأمره‬
‫أن يبيت على فراشه وأن يتسجى بُبرد له أخضر ‪ ،‬ففعل‪ .‬ثم خرج رسول الله‬
‫خَرج معه بحفنة من تراب‬ ‫صلى الله عليه وسلم على القوم وهم على بابه ‪ ،‬و َ‬
‫‪ ،‬فجعل يذرها على رؤوسهم ‪ ،‬وأخذ الله بأبصارهم عن نبيه محمد صلى الله‬
‫م‬‫شي َْناهُ ْ‬‫كيم ِ { إلى قوله ‪ } :‬فَأ َغْ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫عليه وسلم وهو يقرأ ‪ } :‬يس َوال ْ ُ‬
‫ن { ]يس ‪.[9 - 1 :‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ل ي ُب ْ ِ‬ ‫فَهُ ْ‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البيهقي ‪ :‬روي عن عكرمة ما يؤكد هذا )‪(6‬‬
‫حّبان في صحيحه ‪ ،‬والحاكم في مستدركه ‪ ،‬من‬ ‫وقد روى ]أبو حاتم[ )‪ (7‬ابن ِ‬
‫جب َْير ‪ ،‬عن ابن عباس‬ ‫خثْيم ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬ ‫َ‬ ‫حديث عبد الله بن عثمان بن ُ‬
‫ة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبكي ‪،‬‬ ‫قال ‪ :‬دخلت فاطم ُ‬
‫فقال ‪" :‬ما يبكيك يا ب ُن َّية ؟" قالت ‪ :‬يا أبت ‪] ،‬و[ )‪ (8‬ما لي ل أبكي ‪ ،‬وهؤلء‬
‫جر يتعاقدون باللت والعُّزى ومناة الثالثة الخرى ‪ ،‬لو‬ ‫المل من قريش في الح ْ‬
‫قد رأوك لقاموا إليك فيقتلونك ‪ ،‬وليس منهم إل من قد عرف نصيبه من‬
‫ضوء"‪ .‬فتوضأ رسول الله صلى الله عليه‬ ‫دمك‪ .‬فقال ‪" :‬يا بنية ‪ ،‬ائتني بوَ ُ‬
‫وسلم ‪ ،‬ثم خرج إلى المسجد‪ .‬فلما رأوه قالوا ‪ :‬إنما هو ذا )‪ (9‬فطأطؤوا‬
‫رؤوسهم ‪ ،‬وسقطت أذقانهم بين أيديهم ‪ ،‬فلم يرفعوا أبصارهم‪ .‬فتناول‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب فحصبهم بها ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫صاة من حصياته إل ُقتل يوم بدر‬ ‫ح َ‬‫"شاهت الوجوه"‪ .‬فما أصاب رجل منهم َ‬
‫كافرا‪.‬‬
‫ثم قال الحاكم ‪ :‬صحيح على شرط مسلم ‪ ،‬ولم يخرجاه ‪ ،‬ول أعرف له علة )‬
‫‪(10‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ك ‪ ،‬م ‪" :‬نعمته"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬الرحمة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه الطبري في تفسيره )‪ (13/494‬من طريق ابن إسحاق به‪.‬‬
‫)‪ (5‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪" :‬به"‪.‬‬
‫)‪ (6‬دلئل النبوة للبيهقي )‪.(470 ، 2/469‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ك ‪ ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من د‪.‬‬
‫)‪ (9‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪" :‬ها هو ذا"‪.‬‬
‫)‪ (10‬صحيح ابن حبان برقم )‪" (1691‬موارد" والمستدرك )‪.(3/157‬‬

‫) ‪(4/45‬‬

‫ذا إ ِّل‬ ‫قل َْنا ِ‬


‫شاُء ل َ ُ‬‫معَْنا ل َوْ ن َ َ‬ ‫وإَذا ت ُت َْلى عَل َي ْه َ‬
‫ن هَ َ‬ ‫ذا إ ِ ْ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م آَيات َُنا َقاُلوا قَد ْ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ََ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مط ِْر‬ ‫عن ْدِك فأ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫ذا هُوَ ال َ‬ ‫ن كا َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ن )‪ (31‬وَإ ِذ ْ قالوا اللهُ ّ‬ ‫طيُر الوِّلي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫عَل َي َْنا ِ‬
‫ت‬‫م وَأن ْ َ‬ ‫ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫ما كا َ‬ ‫ب أِليم ٍ )‪ (32‬وَ َ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ماِء أوِ ائت َِنا ب ِعَ َ‬ ‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫جاَرةً ِ‬ ‫ح َ‬
‫ن )‪(33‬‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫م يَ ْ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫معَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫م وَ َ‬‫ِفيهِ ْ‬

‫جَزري‬ ‫مر ‪ ،‬أخبرني عثمان ال َ‬ ‫معْ َ‬


‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا َ‬
‫مكُرُ‬‫سم مولى ابن عباس أخبره عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬وَإ ِذ ْ ي َ ْ‬ ‫ق َ‬‫م ْ‬
‫‪ ،‬عن ِ‬
‫َ‬
‫فُروا ل ِي ُث ْب ُِتوك { قال ‪ :‬تشاورت قريش ليلة بمكة ‪ ،‬فقال بعضهم ‪:‬‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬‫ك ال ّ ِ‬
‫بِ َ‬
‫إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق ‪ -‬يريدون النبي صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وقال بعضهم‬
‫‪ :‬بل اقتلوه‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬بل أخرجوه‪ .‬فأطلع الله نبيه على ذلك ‪ ،‬فبات‬
‫علي رضي الله عنه على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وخرج‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم )‪ (1‬حتى لحق بالغار ‪ ،‬وبات المشركون‬
‫يحرسون علّيا يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فلما أصبحوا ثاروا إليه ‪،‬‬
‫فلما رأوا علّيا َرد ّ الله تعالى مكرهم ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬أين صاحبك هذا ؟ قال ‪ :‬ل‬
‫أدري‪ .‬فاقتصا )‪ (2‬أثره ‪ ،‬فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم ‪ ،‬فصعدوا في الجبل‬
‫فمّروا بالغار ‪ ،‬فرأوا على بابه نسج العنكبوت ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬لو دخل هاهنا لم يكن‬
‫نسج العنكبوت على بابه ‪ ،‬فمكث فيه ثلث ليال )‪(3‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن محمد بن جعفر بن الزبير ‪ ،‬عن عُْرَوة بن الزبير‬
‫ن { أي ‪ :‬فمكرت بهم‬ ‫ري َ‬ ‫ماك ِ ِ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫مك ُُر الل ّ ُ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫مك ُُرو َ‬ ‫في قوله ‪ } :‬وَي َ ْ‬
‫بكيدي المتين ‪ ،‬حتى خلصتك منهم‪.‬‬
‫ذا ِإل‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫إ‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫م‬
‫َ ِ‬ ‫نا‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ء‬‫شا‬‫َ‬ ‫م آَيات َُنا َقاُلوا قَد ْ َ ِ ْ َ ْ َ‬
‫ن‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫ع‬‫م‬ ‫س‬ ‫} وَإ َِذا ت ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مط ِْر‬ ‫ك فَأ ْ‬ ‫عن ْدِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫ذا هُوَ ال ْ َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ن )‪ (31‬وَإ ِذ ْ َقاُلوا الل ّهُ ّ‬ ‫طيُر الوِّلي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ماِء أ َوِ ائ ْت َِنا ب ِعَ َ‬
‫ت‬‫م وَأن ْ َ‬ ‫ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ب أِليم ٍ )‪ (32‬وَ َ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫جاَرةً ِ‬‫ح َ‬ ‫عَل َي َْنا ِ‬
‫ن )‪{ (33‬‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫م يَ ْ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫معَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ِفيهِ ْ‬
‫وهم وتمّردهم وعنادهم ‪ ،‬ودعواهم الباطل‬ ‫يخبر تعالى عن كفر قريش وعُت ُ ّ‬
‫ْ‬
‫قلَنا‬ ‫َ‬
‫شاُء ل ُ‬ ‫َ‬
‫معَْنا لوْ ن َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫عند سماع آياته حين تتلى عليهم أنهم يقولون ‪ } :‬قَد ْ َ‬
‫ذا { وهذا منهم قول ل فعل ‪ ،‬وإل فقد تحدوا غير ما مرة أن يأتوا‬ ‫ل هَ َ‬ ‫مث ْ َ‬‫ِ‬
‫بسورة من مثله فل يجدون إلى ذلك سبيل‪ .‬وإنما هذا قول منهم ي َغُّرون به‬
‫أنفسهم ومن اتبعهم على باطلهم‪.‬‬
‫وقد قيل ‪ :‬إن القائل لذلك هو النضر بن الحارث ‪ -‬لعنه الله ‪ -‬كما قد نص‬
‫جَريج وغيرهم ؛ فإنه ‪ -‬لعنه الله ‪-‬‬ ‫سد ّيّ ‪ ،‬وابن ُ‬ ‫جب َْير ‪ ،‬وال ّ‬ ‫على ذلك سعيد بن ُ‬
‫ستم واسفنديار ‪،‬‬ ‫كان قد ذهب إلى بلد فارس ‪ ،‬وتعلم من أخبار ملوكهم ُر ْ‬
‫ولما قدم وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه الله ‪ ،‬وهو يتلو على‬
‫الناس القرآن ‪ ،‬فكان إذا قام صلى الله عليه وسلم )‪ (4‬من مجلس ‪ ،‬جلس‬
‫فيه النضر فيحدثهم من أخبار أولئك ‪ ،‬ثم يقول ‪ :‬بالله أيهما أحسن قصصا ؟‬
‫أنا أو محمد ؟ ولهذا لما أمكن الله تعالى منه يوم بدر ووقع في السارى ‪،‬‬
‫فعل‬ ‫أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تضرب رقبته صبرا بين يديه ‪ ،‬ف ُ‬
‫ذلك ‪ ،‬ولله الحمد‪ .‬وكان الذي أسره المقداد بن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ك ‪ ،‬م ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪" :‬فاقتصوا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (1/348‬قال الهيثمي في المجمع )‪" : (7/27‬فيه عثمان بن‬
‫عمرو الجزري وثقه ابن حبان وضعفه غيره ‪ ،‬وبقية رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ك ‪ ،‬د ‪" :‬عليه السلم"‪.‬‬

‫) ‪(4/46‬‬

‫السود ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬كما قال ابن جرير ‪:‬‬


‫شر ‪،‬‬ ‫شعَْبة ‪ ،‬عن أبي ب ِ ْ‬ ‫شار ‪ ،‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا ُ‬ ‫حدثنا محمد بن ب ّ‬
‫ة‬
‫قب َ َ‬‫جب َْير قال ‪ :‬قََتل النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر صبرا عُ ْ‬ ‫عن سعيد بن ُ‬
‫دي ‪ ،‬والنضر بن الحارث‪ .‬وكان المقداد أسر‬ ‫معَْيط وطعَْيمة بن عَ ِ‬ ‫ُ‬ ‫بن أبي ُ‬
‫النضر ‪ ،‬فلما أمر بقتله ‪ ،‬قال المقداد ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أسيري‪ .‬فقال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬إنه كان يقول في كتاب الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ما‬
‫يقول"‪ .‬فأمر رسول الله )‪ (1‬صلى الله عليه وسلم بقتله ‪ ،‬فقال المقداد ‪ :‬يا‬
‫رسول الله ‪ ،‬أسيري‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬اللهم اغن‬
‫المقداد من فضلك"‪ .‬فقال المقداد ‪ :‬هذا الذي أردت‪ .‬قال ‪ :‬وفيه أنزلت هذه‬
‫ذا‬‫ن هَ َ‬ ‫ذا إ ِ ْ‬ ‫قل َْنا ِ‬
‫مث ْ َ‬
‫ل هَ َ‬ ‫شاُء ل َ ُ‬
‫معَْنا ل َوْ ن َ َ‬ ‫م آَيات َُنا َقاُلوا قَد ْ َ‬
‫س ِ‬ ‫الية ‪ } :‬وَإ َِذا ت ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬
‫ن { )‪(2‬‬ ‫َ‬
‫طيُر الوِّلي َ‬ ‫سا ِ‬
‫ِإل أ َ‬
‫جب َْير ؛‬ ‫شّية ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫شْيم ‪ ،‬عن أبي بشر جعفر بن أبي وَ ْ‬ ‫وكذا رواه هُ َ‬
‫أنه قال ‪" :‬المطعم بن عدي" "بدل طعيمة" )‪ (3‬وهو غلط ؛ لن المطعم بن‬
‫عدي لم يكن حيا يوم بدر ؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ‬
‫‪" :‬لو كان المطعم )‪ (4‬حيا ‪ ،‬ثم سألني )‪ (5‬في هؤلء الن ّت َْنى )‪ (6‬لوهبتهم له"‬
‫)‪ - (7‬يعني ‪ :‬السارى ‪ -‬لنه كان قد أجار رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يوم رجع من الطائف‪.‬‬
‫ن { وهو جمع أسطورة ‪ ،‬أي ‪ :‬كتبهم اقتبسها ‪ ،‬فهو‬ ‫َ‬
‫طيُر الوِّلي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ومعنى ‪ } :‬أ َ‬
‫يتعلم منها ويتلوها على الناس‪ .‬وهذا هو الكذب البحت ‪ ،‬كما أخبر الله عنهم‬
‫مَلى عَل َي ْهِ ب ُك َْرةً‬ ‫َ‬
‫ي تُ ْ‬ ‫ن اك ْت َت َب ََها فَهِ َ‬ ‫طيُر الوِّلي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫في الية الخرى ‪ } :‬وََقاُلوا أ َ‬
‫وأ َصيل قُ ْ َ‬
‫فوًرا‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ض إ ِن ّ ُ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫سّر ِفي ال ّ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ذي ي َعْل َ ُ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ل أنزل َ ُ‬ ‫َ ِ‬
‫ما { ]الفرقان ‪.[6 ، 5 :‬أي ‪ :‬لمن تاب إليه وأناب ؛ فإنه يتقبل منه ويصفح‬ ‫حي ً‬ ‫َر ِ‬
‫عنه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫مط ِْر عَلي َْنا‬ ‫عن ْدِك فَأ ْ‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫ذا هُوَ ال َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ن كا َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِذ ْ َقالوا اللهُ ّ‬
‫وهم‬ ‫َ‬ ‫ماِء أ َوِ ائ ْت َِنا ب ِعَ َ‬
‫ب أِليم ٍ { هذا من كثرة جهلهم وعُت ُ ّ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫جاَرةً ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ِ‬
‫عيُبوا به ‪ ،‬وكان الولى لهم أن يقولوا ‪:‬‬ ‫وعنادهم وشدة تكذيبهم ‪ ،‬وهذا مما ِ‬
‫"اللهم ‪ ،‬إن كان هذا هو الحق من عندك ‪ ،‬فاهدنا له ‪ ،‬ووفقنا لتباعه"‪ .‬ولكن‬
‫استفتحوا على أنفسهم ‪ ،‬واستعجلوا العذاب ‪ ،‬وتقديم العقوبة كما قال‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ب وَل َي َأت ِي َن ّهُ ْ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫جاَءهُ ُ‬ ‫مى ل َ َ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ول أ َ‬ ‫ب وَل َ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ك ِبال ْعَ َ‬ ‫جُلون َ َ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَي َ ْ‬
‫ل ل ََنا قِط َّنا قَب ْ َ‬
‫ل‬ ‫ج ْ‬ ‫ع‬
‫َ َّ َ ّ‬ ‫نا‬‫ب‬ ‫ر‬ ‫لوا‬‫ُ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬ ‫‪53‬‬ ‫‪:‬‬ ‫]العنكبوت‬ ‫{‬ ‫ن‬
‫م ل يَ ُ ُ َ‬
‫رو‬ ‫ع‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ة وَهُ ْ‬ ‫ب َغْت َ ً‬
‫َ‬
‫س لَ ُ‬
‫ه‬ ‫ن ل َي ْ َ‬ ‫كاِفري َ‬ ‫ب َواقٍِع ل ِل ْ َ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ل ب ِعَ َ‬ ‫سائ ِ ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫سأ َ‬ ‫ب { ]ص ‪َ } ، [16 :‬‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ي َوْم ِ ال ْ ِ‬
‫مَعارِِج { ]المعارج ‪ ، [3 - 1 :‬وكذلك قال الجهلة من المم‬ ‫ن الل ّهِ ِذي ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫َدافِعٌ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ماِء إ ِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫فا ِ‬ ‫س ً‬‫ط عَل َي َْنا ك ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫س ِ‬ ‫السالفة ‪ ،‬كما قال قوم شعيب له ‪ } :‬فَأ ْ‬
‫ن هَ َ‬
‫ذا‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن { ]الشعراء ‪ ، [187 :‬وقال هؤلء ‪ } :‬اللهُ ّ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ك ُن ْ َ‬
‫َ‬ ‫ماِء أوِ ائ ْت َِنا ب ِعَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عن ْدِ َ‬ ‫ْ‬
‫ب أِليم ٍ {‬ ‫ذا ٍ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫جاَرة ً ِ‬ ‫ح َ‬ ‫مط ِْر عَلي َْنا ِ‬ ‫ك فَأ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫هُوَ ال َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(13/504‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(13/504‬‬
‫)‪ (4‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬المطعم بن عدي"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ك ‪" :‬وسألني"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬السبى"‪.‬‬
‫)‪ (7‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (3139‬من حديث جبير بن مطعم ‪،‬‬
‫رضي الله عنه‪.‬‬

‫) ‪(4/47‬‬

‫شعَْبة ‪ ،‬عن عبد الحميد ‪ ،‬صاحب الزّيادي ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬هو‬ ‫قال ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫عن ْدِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ّ‬
‫مط ِْر عَلي َْنا‬ ‫ك فَأ ْ‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫ق ِ‬
‫ح ّ‬ ‫ن هَ َ‬
‫ذا هُوَ ال َ‬ ‫كا َ‬ ‫م إِ ْ‬‫أبو جهل بن هشام قال ‪ } :‬اللهُ ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ماِء أ َِوائ ْت َِنا ب ِعَ َ‬
‫ت‬‫م وَأن ْ َ‬ ‫ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ‬‫ن الل ُ‬‫ما كا َ‬ ‫ب أِليم ٍ { فنزلت } وَ َ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬
‫جاَرةً ِ‬ ‫ح َ‬
‫ِ‬
‫ن { الية‪.‬‬ ‫فُرو َ‬‫ست َغْ ِ‬
‫م يَ ْ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫معَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫َ‬
‫ما كا َ‬ ‫م وَ َ‬
‫ِفيهِ ْ‬
‫مَعاذ ‪،‬‬
‫رواه البخاري عن أحمد ومحمد بن النضر ‪ ،‬كلهما عن عَُبيد الله بن ُ‬
‫عن أبيه ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬به )‪(1‬‬
‫وأحمد هذا هو ‪ :‬أحمد بن النضر بن عبد الوهاب‪ .‬قاله الحاكم أبو أحمد ‪،‬‬
‫والحاكم أبو عبد الله النيسابوري ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪:‬‬
‫ذا هو ال ْحق من عند َ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫جاَرةً ِ‬ ‫ح َ‬‫مط ِْر عَل َي َْنا ِ‬ ‫ك فَأ ْ‬ ‫ن هَ َ ُ َ َ ّ ِ ْ ِ ْ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫} وَإ ِذ ْ َقاُلوا الل ّهُ ّ‬
‫ب أِليم ٍ { قال ‪ :‬هو النضر بن الحارث بن كلدة ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ماِء أ َوِ ائ ْت َِنا ب ِعَ َ‬
‫ذا ٍ‬ ‫َ‬
‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ه َداِفع { ]المعارج ‪:‬‬ ‫سل ُ‬ ‫َ‬ ‫ن لي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب َواقِعْ ل ِلكافِ ِ‬ ‫َ‬
‫سائ ِل ب ِعَذا ٍ‬‫ٌ‬ ‫سأل َ‬ ‫َ‬ ‫فأنزل الله ‪َ } :‬‬
‫‪ [2 - 1‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬والسدي ‪ :‬إنه النضر بن‬
‫ل ل ََنا قِط َّنا قَب ْ َ‬
‫ل‬ ‫ج ْ‬ ‫الحارث ‪ -‬زاد عطاء ‪ :‬فقال الله تعالى ‪ } :‬وََقاُلوا َرب َّنا عَ ّ‬
‫َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ب { ]ص ‪ [16 :‬وقال } وَل َ َ‬ ‫مال ْ ِ‬
‫ة‬
‫مّر ٍ‬‫ل َ‬ ‫م أوّ َ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫موَنا فَُراَدى ك َ َ‬ ‫جئ ْت ُ ُ‬ ‫قد ْ ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ي َوْ ِ‬
‫ه َدافِعٌ {‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب َواقٍِع ل ِل َ‬ ‫ل ب ِعَ َ‬ ‫سائ ِ ٌ‬ ‫سأ َ‬‫َ‬
‫سل ُ‬ ‫ن لي ْ َ‬ ‫كاِفري َ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫{ ]النعام ‪ [94 :‬وقال } َ‬
‫]المعارج ‪ ، [2 ، 1 :‬قال عطاء ‪ :‬ولقد أنزل فيه بضع عشرة آية من كتاب الله‬
‫‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫مْرد ُوَْيه ‪ :‬حدثنا محمد بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا الحسن بن أحمد بن الليث‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫مْيلة ‪ ،‬حدثنا الحسين ‪ ،‬عن ابن ب َُرْيدة ‪ ،‬عن أبيه‬ ‫‪ ،‬حدثنا أبو غسان حدثنا أبو ت ُ َ‬
‫حد على فرس ‪ ،‬وهو يقول ‪ :‬اللهم ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫قال ‪ :‬رأيت عمرو بن العاص واقفا يوم أ ُ‬
‫إن كان ما يقول محمد حقا ‪ ،‬فاخسف بي وبفرسي"‪.‬‬
‫َ‬
‫عن ْدِك {‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫ْ‬
‫ذا هُوَ ال َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫وقال قتادة في قوله ‪ } :‬وَإ ِذ ْ َقاُلوا الل ّهُ ّ‬
‫الية ‪ ،‬قال ‪ :‬قال ذلك سفهة هذه المة وجهلتها )‪ (2‬فعاد الله بعائدته ورحمته‬
‫على سفهة هذه المة وجهلتها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫م‬
‫ُ ُ َ َُ ْ َ ُ ْ‬‫ه‬‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ما‬ ‫ه َُِ َُ ْ َ ْ َ ِ ِ ْ َ َ‬
‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫في‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ن الل ّ ُ‬‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو حذيفة موسى بن‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫ماك الحنفي ‪ ،‬عن ابن‬ ‫س َ‬ ‫مْيل ِ‬ ‫رمة بن عمار ‪ ،‬عن أبي ُز َ‬ ‫عك ْ ِ‬ ‫مسعود ‪ ،‬حدثنا ِ‬
‫عباس قال ‪ :‬كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون ‪ :‬لبيك اللهم لبيك ‪،‬‬
‫لبيك ل شريك لك )‪ (3‬فيقول النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬قَد ْ قد"!‬
‫ويقولون ‪ :‬ل شريك لك ‪ ،‬إل شريكا هو لك ‪ ،‬تملكه وما ملك‪ .‬ويقولون ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ما كا َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ت ِفيهِ ْ‬ ‫م وَأن ْ َ‬ ‫ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫غفرانك ‪ ،‬غفرانك ‪ ،‬فأنزل الله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { قال ابن عباس ‪ :‬كان فيهم أمانان ‪ :‬النبي‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫معَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬والستغفار ‪ ،‬فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقي‬
‫الستغفار )‪(4‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪.(4649 ، 4648‬‬
‫)‪ (2‬في ك ‪" :‬وجهلها"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬لك لبيك"‪.‬‬
‫)‪ (4‬ورواه الطبري في تفسير )‪ (13/511‬من طريق أبي حذيفة موسى بن‬
‫مسعود به‪.‬‬

‫) ‪(4/48‬‬

‫شر ‪ ،‬عن‬ ‫معْ َ‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني الحارث ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز ‪ ،‬حدثنا أبو َ‬
‫مان ومحمد بن قيس قال قالت قريش بعضها لبعض ‪ :‬محمد‬ ‫يزيد بن ُرو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫مط ِْر عَلي َْنا‬ ‫عن ْدِك فَأ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫حق ّ ِ‬ ‫ن هَ َ‬
‫ذا هُوَ ال َ‬ ‫ن كا َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫أكرمه الله من بيننا ‪ } :‬اللهُ ّ‬
‫ب أِليم ٍ { فلما أمسوا ندموا على ما قالوا ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ماِء أ َوِ ائ ْت َِنا ب ِعَ َ‬
‫ذا ٍ‬ ‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬
‫جاَرةً ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ت‬
‫م وَأن ْ َ‬ ‫ه ]ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫ما كا َ‬ ‫فقالوا ‪ :‬غفرانك اللهم! فأنزل الله ‪ ،‬عز وجل ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ن { )‪ (1‬إلى قوله ‪ } :‬وَلك ِ ّ‬ ‫فُرو َ‬‫ست َغْ ِ‬‫م يَ ْ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫معَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ه[ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬‫كا َ‬ ‫ما َ‬‫م وَ َ‬‫ِفيهِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]النفال ‪.[34 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل ُ‬ ‫أك ْث ََرهُ ْ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫م وَأن ْ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬وَ َ‬
‫م { يقول ‪ :‬ما كان الله ليعذب قوما وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم‬ ‫ِفيهِ ْ‬
‫ن { يقول ‪ :‬وفيهم من قد‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬
‫م يَ ْ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫معَذ ّب َهُ ْ‬‫ه ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫َ‬
‫ما كا َ‬ ‫‪ ،‬ثم قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫سبق له من الله الدخول في اليمان ‪ ،‬وهو الستغفار ‪ -‬يستغفرون ‪ ،‬يعني ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫يصلون ‪ -‬يعني بهذا أهل مكة‪.‬‬
‫ي‬
‫سد ّ ّ‬‫جب َْير ‪ ،‬وال ّ‬ ‫وفي ‪ ،‬وسعيد بن ُ‬ ‫مة ‪ ،‬وعطية العَ ْ‬ ‫عك ْرِ َ‬ ‫مجاهد ‪ ،‬و ِ‬ ‫وروي عن ُ‬
‫نحو ذلك‪.‬‬
‫ن { يعني ‪:‬‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫معَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫وقال الضحاك وأبو مالك ‪ } :‬وَ َ‬
‫المؤمنين الذين كانوا بمكة‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد الغفار بن داود ‪ ،‬حدثنا النضر بن‬
‫عََربي ]قال[ )‪ (2‬قال ابن عباس ‪ :‬إن الله جعل في هذه المة أمانين ل‬
‫يزالون معصومين مجارين من قوارع العذاب ما داما بين أظهرهم ‪ :‬فأمان‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫م وَأن ْ َ‬ ‫ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫قبضه الله إليه ‪ ،‬وأمان بقي فيكم ‪ ،‬قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن{‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫م يَ ْ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫معَذ ّب َهُ ْ‬‫ه ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬‫م وَ َ‬ ‫ِفيهِ ْ‬
‫قال )‪ (3‬أبو صالح عبد الغفار ‪ :‬حدثني بعض أصحابنا ‪ ،‬أن النضر بن عربي‬
‫حدثه هذا الحديث ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس‪.‬‬
‫وا من هذا )‪(4‬‬ ‫مْرد َُويه وابن جرير ‪ ،‬عن أبي موسى الشعري نح ً‬ ‫وروى ابن َ‬
‫وكذا ُروي عن قتادة وأبي العلء النحوي المقرئ‪.‬‬
‫مْير ‪ ،‬عن إسماعيل بن‬ ‫كيع ‪ ،‬حدثنا ابن ن ُ َ‬ ‫وقال الترمذي ‪ :‬حدثنا سفيان بن وَ ِ‬
‫إبراهيم بن مهاجر ‪ ،‬عن عباد بن يوسف ‪ ،‬عن أبي بردة بن أبي موسى ‪ ،‬عن‬
‫ي أمانين‬ ‫أبيه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أنزل الله عل ّ‬
‫َ‬
‫م‬‫م وَهُ ْ‬ ‫معَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ت ِفيهِ ْ‬ ‫م وَأن ْ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫لمتي ‪ } :‬وَ َ‬
‫ت فيهم الستغفار إلى يوم القيامة" )‪(5‬‬ ‫ن { فإذا مضيت ‪ ،‬ترك ُ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬
‫يَ ْ‬
‫ويشهد لهذا )‪ (6‬ما رواه المام أحمد في مسنده ‪ ،‬والحاكم في مستدركه ‪،‬‬
‫من حديث عبد الله بن وهب ‪ :‬أخبرني عمرو بن الحارث ‪ ،‬عن د ََراج ‪ ،‬عن أبي‬
‫الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ك ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(13/513‬‬
‫)‪ (5‬سنن الترمذي برقم )‪ (3082‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث غريب ‪،‬‬
‫وإسماعيل بن مهاجر يضعف في الحديث‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬لصحة هذا"‪.‬‬

‫) ‪(4/49‬‬

‫وي عبادك ما دامت‬ ‫قال ‪" :‬إن الشيطان قال ‪ :‬وعزتك يا رب ‪ ،‬ل أبرح أغْ ِ‬
‫أرواحهم في أجسادهم‪ .‬فقال الرب ‪ :‬وعزتي وجللي ‪ ،‬ل أزال أغفر لهم ما‬
‫استغفروني"‪.‬‬
‫ثم قال الحاكم ‪ :‬صحيح السناد ولم يخرجاه )‪(1‬‬
‫دين ‪ -‬هو ابن سعد ‪-‬‬ ‫ش ِ‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا معاوية بن عمرو ‪ ،‬حدثنا رِ ْ‬
‫حدثني معاوية بن سعد الّتجيبي ‪ ،‬عمن حدثه ‪ ،‬عن فَ َ‬
‫ضالة بن عَُبيد ‪ ،‬عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬العبد آمن من عذاب الله ما استغفر الله ‪،‬‬
‫عز وجل" )‪(2‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (3/29‬والمستدرك )‪ (4/261‬وهذا سياق الحاكم‪ .‬وأما سياق‬
‫أحمد في المسند من طريق ابن لهيعة عن دراج به‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(6/20‬‬

‫) ‪(4/50‬‬

‫َ‬ ‫وما ل َه َ‬
‫ن‬
‫كاُنوا أوْل َِياَءهُ إ ِ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫حَرام ِ وَ َ‬‫جدِ ال ْ َ‬‫س ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬
‫م يَ ُ‬ ‫ه وَهُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫م أّل ي ُعَذ ّب َهُ ُ‬ ‫َ َ ُ ْ‬
‫قون ول َكن أ َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫عن ْد َ ال ْب َي ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه‬‫ُ‬
‫َ ُ ْ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ص‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ما‬
‫َ َ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪34‬‬ ‫)‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫مو‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫م‬
‫َ ْ‬‫ُ‬ ‫ه‬‫ر‬ ‫َ‬ ‫ث‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫أوْل َِياؤُه ُ ِ‬
‫إ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫فُرو َ‬‫م ت َك ْ ُ‬
‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ب بِ َ‬‫ذا َ‬ ‫ذوُقوا ال ْعَ َ‬ ‫ة فَ ُ‬ ‫صدِي َ ً‬ ‫كاًء وَت َ ْ‬ ‫إ ِّل ُ‬
‫م َ‬
‫َ‬ ‫} وما ل َه َ‬
‫كاُنوا أوْل َِياَءهُ‬ ‫ما َ‬ ‫حَرام ِ وَ َ‬ ‫جدِ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ه وَهُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫م أل ي ُعَذ ّب َهُ ُ‬ ‫َ َ ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫قون ول َكن أ َ‬ ‫ْ‬ ‫إ َ‬
‫د‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫ِ‬
‫َ َ ُُ ْ ْ َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫صل‬ ‫ن‬ ‫كا‬ ‫ما‬‫َ َ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪34‬‬ ‫)‬ ‫ن‬
‫َْ ُ َ‬ ‫مو‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ث‬ ‫ك‬ ‫َ َ ِ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬
‫ُ ّ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫إل‬ ‫ن أوْل َِياؤُ ُ ِ‬
‫ه‬ ‫ِ ْ‬
‫ن )‪{ (35‬‬ ‫ُ َ‬ ‫رو‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ما‬‫َ ِ َ‬‫ب‬ ‫ب‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ذو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫د‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ء‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫م‬
‫ِ ُ‬ ‫إل‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ال ْب َ ْ‬
‫ي‬
‫يخبر تعالى أنهم أهل لن يعذبهم ‪ ،‬ولكن لم يوقع ذلك بهم لبركة مقام رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم ؛ ولهذا لما خرج من بين أظهرهم ‪،‬‬
‫سراتهم‪ .‬وأرشدهم‬ ‫قتل صناديدهم وأسرت ُ‬ ‫أوقع الله بهم بأسه يوم بدر ‪ ،‬ف ُ‬
‫تعالى إلى الستغفار من الذنوب ‪ ،‬التي هم متلبسون بها من الشرك‬
‫والفساد‪.‬‬
‫دي وغيرهما ‪ :‬لم يكن القوم يستغفرون ‪ ،‬ولو كانوا‬ ‫س ّ‬ ‫قال قتادة وال ّ‬
‫يستغفرون لما عذبوا‪.‬‬
‫واختاره ابن جرير ‪ ،‬فلول ما كان بين أظهرهم من المستضعفين من‬
‫المؤمنين المستغفرين ‪ ،‬لوقع بهم البأس الذي ل يرد ‪ ،‬ولكن دفع عنهم‬
‫دوك ُْ‬
‫م‬ ‫فُروا وَ َ ّ‬
‫ص‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫بسبب أولئك ‪ ،‬كما قال تعالى في يوم الحديبية ‪ } :‬هُ ُ‬
‫َ‬
‫ساٌء‬ ‫ن وَن ِ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ول رِ َ‬ ‫ه وَل َ ْ‬ ‫حل ّ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ي َب ْل ُغَ َ‬ ‫كوًفا أ ْ‬ ‫معْ ُ‬ ‫حَرام ِ َوال ْهَد ْيَ َ‬ ‫جدِ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫عَ ِ‬
‫َ‬
‫ه‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫عل ْم ٍ ل ِي ُد ْ ِ‬ ‫معَّرةٌ ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صيب َك ُ ْ‬ ‫م فَت ُ ِ‬ ‫ن ت َط َُئوهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫ت لَ ْ‬ ‫مَنا ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ما { ]الفتح ‪:‬‬ ‫لي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫با‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫روا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫نا‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ز‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ء‬‫شا‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫في‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ِ‬
‫‪.[25‬‬
‫ميد ‪ ،‬حدثنا يعقوب ‪ ،‬عن جعفر بن أبي المغيرة ‪،‬‬ ‫ح َ‬ ‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن ُ‬
‫عن ابن أبزى قال ‪ :‬كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ‪ ،‬فأنزل الله ‪:‬‬
‫َ‬
‫م { قال ‪ :‬فخرج النبي صلى الله عليه‬ ‫ت ِفيهِ ْ‬ ‫م وَأن ْ َ‬ ‫ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫} وَ َ‬
‫ن{‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫معَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫ما كا َ‬ ‫َ‬ ‫وسلم إلى المدينة ‪ ،‬فأنزل الله ‪ } :‬وَ َ‬
‫قال ‪ :‬وكان أولئك البقية من المؤمنين )‪ (1‬الذين بقوا فيها يستغفرون ‪ -‬يعني‬
‫بمكة ‪ -‬فلما خرجوا ‪ ،‬أنزل الله ‪ } :‬وما ل َه َ‬
‫ن‬
‫ن عَ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬‫م يَ ُ‬ ‫ه وَهُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫م أل ي ُعَذ ّب َهُ ُ‬ ‫َ َ ُ ْ‬
‫كاُنوا أ َوْل َِياَءهُ { قال ‪ :‬فأذن الله في فتح مكة ‪ ،‬فهو‬ ‫ما َ‬ ‫حَرام ِ وَ َ‬ ‫جدِ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫العذاب الذي وعدهم‪.‬‬
‫وُروي عن ابن عباس ‪ ،‬وأبي مالك والضحاك ‪ ،‬وغير واحد نحو هذا‪.‬‬
‫م‬
‫م وَهُ ْ‬ ‫معَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫وقد قيل ‪ :‬إن هذه الية ناسخة لقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { على أن يكون المراد صدور الستغفار منهم أنفسهم‪.‬‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪" :‬المسلمين"‪.‬‬
‫) ‪(4/50‬‬

‫ميد ‪ ،‬حدثنا يحيى بن واضح ‪ ،‬عن الحسين بن‬ ‫ح َ‬ ‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن ُ‬
‫واقد ‪ ،‬عن يزيد النحوي ‪ ،‬عن عكرمة والحسن البصري قال قال في "النفال"‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫م يَ ْ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫معَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ت ِفيهِ ْ‬ ‫م وَأن ْ َ‬ ‫ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫‪ } :‬وَ َ‬
‫ذوُقوا‬ ‫ه { إلى قوله ‪ } :‬فَ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م الل ُ‬ ‫م أل ي ُعَذ ّب َهُ ُ‬ ‫ما لهُ ْ‬ ‫فنسختها الية التي تليها ‪ } :‬وَ َ‬
‫قوتلوا بمكة ‪ ،‬فأصابهم فيها الجوع والضر‪.‬‬ ‫ن{ف ُ‬ ‫فُرو َ‬ ‫م ت َك ْ ُ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫مْيلة يحيى بن واضح )‪(2‬‬ ‫وكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث أبي )‪ (1‬ت ُ َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ‪ ،‬حدثنا حجاج بن‬
‫ما‬ ‫َ َ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫جَرْيج وعثمان بن عطاء ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس ‪:‬‬ ‫محمد ‪ ،‬عن ابن ُ‬
‫ن { ثم استثنى أهل الشرك فقال ]تعالى[ )‬ ‫فُرو َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫معَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫حَرام ِ {‬ ‫جدِ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ه وَهُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫م أل ي ُعَذ ّب َهُ ُ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬ ‫‪ } (3‬وَ َ‬
‫ما َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كاُنوا‬ ‫حَرام ِ وَ َ‬ ‫جدِ ال َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ه وَهُ ْ‬ ‫م الل ُ‬ ‫م أل ي ُعَذ ّب َهُ ُ‬ ‫ما لهُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫أ َول ِياَءه إ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬وكيف ل‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل ُ‬ ‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫ن وَلك ِ ّ‬ ‫قو َ‬ ‫مت ّ ُ‬ ‫ن أوْل َِياؤُه ُ ِإل ال ُ‬ ‫ْ َ ُ ِ ْ‬
‫يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام أي الذي ببكة ‪ ،‬يصدون‬
‫ما‬‫المؤمنين الذين هم أهله عن الصلة عنده والطواف به ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫كاُنوا أ َوْل َِياَءه ُ { أي ‪ :‬هم ليسوا أهل المسجد الحرام ‪ ،‬وإنما أهله النبي صلى‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫مُروا‬ ‫ن ي َعْ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ل ِل ْ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫الله عليه وسلم وأصحابه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ } :‬‬
‫م وَِفي الّناِر‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فرِ ُأول َئ ِ َ‬ ‫م ِبال ْك ُ ْ‬ ‫ن عََلى أ َن ْ ُ‬ ‫جد َ الل ّهِ َ‬
‫مالهُ ْ‬ ‫ت أعْ َ‬ ‫حب ِط ْ‬ ‫ك َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫دي َ‬ ‫شاهِ ِ‬ ‫سا ِ‬‫م َ‬ ‫َ‬
‫صلةَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫م ال ّ‬ ‫خرِ وَأقا َ‬ ‫ن ِباللهِ َوالي َوْم ِ ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جد َ اللهِ َ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مُر َ‬ ‫ما ي َعْ ُ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫هُ ْ‬
‫ن { ]التوبة‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دي َ‬ ‫مهْت َ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي َكوُنوا ِ‬ ‫سى أولئ ِك أ ْ‬ ‫ه فعَ َ‬ ‫ش ِإل الل َ‬ ‫خ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫َوآَتى الّزكاة َ وَل ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫حَرام ِ‬ ‫جدِ ال َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فٌر ب ِهِ َوال َ‬ ‫ل اللهِ وَك ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬
‫ة أَ‬
‫صد ّ ع َ ْ‬ ‫‪ ، [18 ، 17 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ل[ { )‪ (4‬الية ]البقرة ‪:‬‬ ‫ْ ِ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ ] َ ِ ْ َ ُ َ ُ ِ َ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫ه أ َك ْب َُر ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ج أهْل ِهِ ِ‬
‫خرا َ‬
‫وَإ ِ ْ َ ُ‬
‫‪..[217‬‬
‫مْرد َُويه في تفسير هذه الية ‪ :‬حدثنا سليمان بن‬ ‫وقال الحافظ أبو بكر بن َ‬
‫أحمد ‪ -‬هو الطبراني ‪ -‬حدثنا جعفر بن إلياس بن صدقة المصري ‪ ،‬حدثنا ن ُعَْيم‬
‫بن حماد ‪ ،‬حدثنا نوح بن أبي مريم ‪ ،‬عن يحيى بن سعيد النصاري ‪ ،‬عن أنس‬
‫بن مالك ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من‬
‫ن‬
‫آلك ؟ قال )‪ (5‬كل تقي" ‪ ،‬وتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن { )‪(6‬‬ ‫قو َ‬ ‫مت ّ ُ‬ ‫أوْل َِياؤُه ُ ِإل ال ْ ُ‬
‫وقال الحاكم في مستدركه ‪ :‬حدثنا أبو بكر الشافعي ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن‬
‫خث َْيم )‬ ‫الحسن ‪ ،‬حدثنا أبو حذيفة ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عبد الله بن عثمان بن ُ‬
‫‪ (7‬عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده قال ‪ :‬جمع رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قريشا فقال ‪" :‬هل فيكم من غيركم ؟ " قالوا ‪:‬‬
‫فينا ابن أختنا )‪ (8‬وفينا حليفنا ‪ ،‬وفينا مولنا‪ .‬فقال ‪" :‬حليفنا منا ‪ ،‬وابن أختنا‬
‫منا ‪ ،‬ومولنا منا ‪ ،‬إن أوليائي منكم المتقون"‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬هذا ]حديث[ )‪ (9‬صحيح ‪ ،‬ولم يخرجاه )‪(10‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ك ‪" :‬وضاح"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (6‬رواه الطبراني في المعجم الوسط برقم )‪" (5002‬مجمع البحرين"‬
‫وقال ‪" :‬لم يروه عن يحيى إل نوح تفرد به نعيم"‪ .‬وقال الهيثمي في المجمع‬
‫)‪" : (10/269‬فيه نوح بن أبي مريم وهو ضعيف"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬خيثم"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪" :‬أخينا"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬المستدرك )‪.(2/328‬‬

‫) ‪(4/51‬‬

‫ن أ َوْل َِياؤُه ُ ِإل‬ ‫دي ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق في قوله تعالى ‪ } :‬إ ِ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫وقال عُْرَوة ‪ ،‬وال ّ‬
‫ن { قال ‪ :‬هم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ‪ ،‬رضي الله‬ ‫قو َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مت ّ ُ‬
‫عنهم‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬هم المجاهدون ‪ ،‬من كانوا ‪ ،‬وحيث كانوا‪.‬‬
‫ثم ذكر تعالى ما كانوا يعتمدونه عند المسجد الحرام ‪ ،‬وما كانوا يعاملونه به ‪،‬‬
‫ة { قال عبد الله )‪ (1‬بن‬ ‫صدِي َ ً‬‫كاًء وَت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِإل ُ‬ ‫عن ْد َ ال ْب َي ْ ِ‬‫م ِ‬ ‫صلت ُهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬
‫فقال ‪ } :‬وَ َ‬
‫جب َْير ‪ ،‬وأبو رجاء‬ ‫ُ‬ ‫بن‬ ‫وسعيد‬ ‫‪،‬‬ ‫وعكرمة‬ ‫‪،‬‬ ‫ومجاهد‬ ‫‪،‬‬ ‫عباس‬ ‫عمر ‪ ،‬وابن‬
‫شَرْيط ‪،‬‬ ‫جر بن عَن َْبس ‪ ،‬ون ُب َْيط بن ُ‬ ‫ح ْ‬‫العطاردي ‪ ،‬ومحمد بن كعب القرظي ‪ ،‬و ُ‬
‫وقتادة ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬هو الصفير ‪ -‬وزاد مجاهد ‪ :‬وكانوا‬
‫يدخلون أصابعهم في أفواههم‪.‬‬
‫كاء" ‪،‬‬ ‫م َ‬ ‫كاء ‪ :‬الصفير على نحو طير أبيض يقال له ‪" :‬ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫وقال السدي ‪ :‬ال ُ‬
‫ويكون بأرض الحجاز‪.‬‬
‫والتصدية ‪ :‬التصفيق‪.‬‬
‫خلد سليمان بن خلد ‪ ،‬حدثنا يونس بن محمد‬ ‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو َ‬
‫المؤدب ‪ ،‬حدثنا يعقوب ‪ -‬يعني ابن عبد الله الشعري ‪ -‬حدثنا جعفر بن أبي‬
‫م‬
‫صلت ُهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫المغيرة ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ة { قال ‪ :‬كانت قريش تطوف بالكعبة )‪ (2‬عراة‬ ‫صدِي َ ً‬‫كاًء وَت َ ْ‬ ‫م َ‬‫ت ِإل ُ‬‫عن ْد َ ال ْب َي ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫تصفر وتصفق‪ .‬والمكاء ‪ :‬الصفير ‪ ،‬وإنما شبهوا بصفير الطير وتصدية‬
‫التصفيق‪.‬‬
‫وفي ‪ ،‬عن ابن عباس‪ .‬وكذا روى عن ابن‬ ‫وهكذا روى علي بن أبي طلحة والعَ ْ‬
‫عمر ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬ومحمد بن كعب ‪ ،‬وأبي سلمة بن عبد الرحمن ‪ ،‬والضحاك ‪،‬‬
‫جر بن عَن َْبس ‪ ،‬وابن أبَزى نحو هذا‪.‬‬ ‫ح ْ‬ ‫وقتادة ‪ ،‬وعطية العوفي ‪ ،‬و ُ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن بشار ‪ ،‬حدثنا أبو عمر ‪ ،‬حدثنا قُّرة ‪ ،‬عن عطية ‪،‬‬
‫ة { قال‬ ‫صدِي َ ً‬ ‫كاًء وَت َ ْ‬ ‫م َ‬
‫ت ِإل ُ‬ ‫عن ْد َ ال ْب َي ْ ِ‬
‫م ِ‬ ‫صلت ُهُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫عن ابن عمر في قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫كى لنا عطية فعل ابن‬ ‫ح َ‬ ‫‪ :‬المكاء ‪ :‬الصفير‪ .‬والتصدية ‪ :‬التصفيق‪ .‬قال قرة ‪ :‬و َ‬
‫عمر ‪ ،‬فصفر ابن عمر ‪ ،‬وأمال خده ‪ ،‬وصفق بيديه‪.‬‬
‫قون‬ ‫ف ُ‬ ‫ص ّ‬‫ضا أنه قال ‪ :‬كانوا يضعون خدودهم على الرض وي ُ َ‬ ‫وعن ابن عمر أي ً‬
‫فُرون‪ .‬رواه ابن أبي حاتم في تفسيره بسنده عنه‪.‬‬ ‫ص ّ‬‫وي ُ َ‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬كانوا يطوفون بالبيت على الشمال‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬وإنما كانوا يصنعون ذلك ليخلطوا بذلك على النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم صلته‪.‬‬
‫وقال الزهري ‪ :‬يستهزئون بالمؤمنين‪.‬‬
‫دهم الناس‬ ‫صدَِية { قال ‪ :‬ص ّ‬ ‫جب َْير وعبد الرحمن بن زيد ‪ } :‬وَت َ ْ‬ ‫وعن سعيد بن ُ‬
‫عن سبيل الله ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬عبد الرزاق"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ك ‪" :‬البيت"‪.‬‬

‫) ‪(4/52‬‬

‫قو َ‬
‫ن‬
‫كو ُ‬ ‫م تَ ُ‬
‫قون ََها ث ُ ّ‬ ‫سي ُن ْفِ ُ‬‫ل الل ّهِ فَ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫وال َهُ ْ‬
‫م ل ِي َ ُ‬ ‫م َ‬
‫نأ ْ‬ ‫فُروا ي ُن ْفِ ُ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫هّ‬
‫ميَز الل ُ‬ ‫ن )‪ (36‬ل ِي َ ِ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬‫م يُ ْ‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫َ‬
‫فُروا إ ِلى َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن َوال ِ‬ ‫َ‬
‫م ي ُغْلُبو َ‬ ‫سَرةً ث ُ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫عَلي ْهِ ْ‬
‫هَ‬
‫جعَل ُ‬‫ميًعا فَي َ ْ‬ ‫ج ِ‬‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫ُ‬
‫ض فَي َْرك َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ه عَلى ب َعْ ٍ‬ ‫ض ُ‬
‫ث ب َعْ َ‬‫خِبي َ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ب وَي َ ْ‬ ‫ن الطي ّ ِ‬
‫ُ‬
‫م َ‬‫ث ِ‬ ‫خِبي َ‬
‫ن )‪(37‬‬ ‫سُرو َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫خا ِ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫م أول َئ ِ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ِفي َ‬

‫جَرْيج ‪،‬‬ ‫ن { قال الضحاك ‪ ،‬وابن ُ‬ ‫فُرو َ‬ ‫م ت َك ْ ُ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ذوُقوا ال ْعَ َ‬ ‫قوله ‪ } :‬فَ ُ‬
‫سْبي‪ .‬واختاره ابن‬ ‫در من القتل وال ّ‬ ‫ومحمد بن إسحاق ‪ :‬هو ما أصابهم يوم ب َ ْ‬
‫جرير ‪ ،‬ولم يحك غيره‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن أبي عمر ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن ابن‬
‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد قال ‪ :‬عذاب أهل القرار بالسيف ‪ ،‬وعذاب أهل‬ ‫أبي ن َ ِ‬
‫التكذيب بالصيحة والزلزلة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قون ََها ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫سي ُن ْفِ ُ‬ ‫ل اللهِ فَ َ‬ ‫سِبي ِ‬
‫ن َ‬ ‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫م ل ِي َ ُ‬ ‫والهُ ْ‬ ‫م َ‬‫نأ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫فُروا ي ُن ْفِ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫} إِ ّ‬
‫ميَز‬ ‫ن )‪ (36‬ل ِي َ ِ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬‫م يُ ْ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫َ‬
‫فُروا إ ِلى َ‬ ‫نك َ‬‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن َوال ِ‬ ‫َ‬
‫م ي ُغْلُبو َ‬ ‫سَرةً ث ُ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن عَلي ْهِ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫تَ ُ‬
‫ميًعا‬
‫ج ِ‬‫ه َ‬ ‫م ُ‬‫ض فَي َْرك ُ َ‬ ‫ض ُ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ن الط ّي ّ ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه عَلى ب َعْ ٍ‬ ‫ث ب َعْ َ‬ ‫خِبي َ‬ ‫ب وَي َ ْ‬
‫ُ‬
‫م َ‬ ‫ث ِ‬ ‫خِبي َ‬
‫ن )‪{ (37‬‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫م أول َئ ِ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫جعَل َ ُ‬ ‫فَي َ ْ‬
‫حّبان ‪ ،‬وعاصم‬ ‫قال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني الزهري ‪ ،‬ومحمد بن يحيى بن ِ‬
‫صْين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعيد بن معاذ ‪،‬‬ ‫ح َ‬ ‫بن عمر بن قتادة ‪ ،‬وال ُ‬
‫قالوا ‪ :‬لما أصيبت قريش يوم بدر ‪ ،‬ورجع فَّلهم إلى مكة ‪ ،‬ورجع أبو سفيان‬
‫ره ‪ ،‬مشى عبد الله بن أبي ربيعة ‪ ،‬وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن‬ ‫ب ِِعي ِ‬
‫أمية ‪ ،‬في رجال من قريش أصيب آباؤهم ‪ ،‬وأبناؤهم وإخوانهم ببدر ‪ ،‬فكلموا‬
‫أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك )‪ (1‬العير من قريش تجارة ‪،‬‬
‫فقالوا ‪ :‬يا معشر قريش ‪ ،‬إن محمدا قد وَت ََركم وقتل خياركم ‪ ،‬فأعينونا بهذا‬
‫المال على حربه ‪ ،‬لعلنا أن ندرك منه ثأًرا بمن أصيب منا! ففعلوا‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فُروا‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ففيهم ‪ -‬كما ذكر عن ابن عباس ‪ -‬أنزل الله ‪ ،‬عز وجل ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ّ‬ ‫قو َ‬
‫فُروا‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه[ { )‪ (2‬إلى قوله ‪َ } :‬وال ِ‬ ‫ل الل ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫م ]ل ِي َ ُ‬ ‫وال َهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ي ُن ْفِ ُ َ‬
‫ن { )‪(3‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫إ َِلى َ‬
‫كم بن عتيبة ‪ ،‬وقتادة ‪،‬‬ ‫ح َ‬
‫جب َْير ‪ ،‬وال َ‬ ‫وهكذا روي عن مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن ُ‬
‫حد‬ ‫ُ‬
‫دي ‪ ،‬وابن أبَزى ‪ :‬أنها نزلت )‪ (4‬في أبي سفيان ونفقته الموال في أ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫وال ّ‬
‫لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬نزلت في أهل بدر‪.‬‬
‫وعلى كل تقدير ‪ ،‬فهي عامة‪ .‬وإن كان سبب نزولها خاصا ‪ ،‬فقد أخبر تعالى‬
‫أن الكفار ينفقون أموالهم ليصدوا عن اتباع طريق الحق ‪ ،‬فسيفعلون ذلك ‪،‬‬
‫جد ِ‬‫سَرة ً { أي ‪ :‬ندامة ؛ حيث لم ت ُ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫ثم تذهب أموالهم ‪ } ،‬ث ُ ّ‬
‫شيًئا ؛ لنهم أرادوا إطفاء نور الله وظهور كلمتهم على كلمة الحق ‪ ،‬والله‬
‫معِْلن كلمته ‪ ،‬ومظهر دينه على‬ ‫متم نوره ولو كره الكافرون ‪ ،‬وناصر دينه ‪ ،‬و ُ‬
‫كل دين‪ .‬فهذا الخزي لهم في الدنيا ‪ ،‬ولهم في الخرة عذاب النار ‪ ،‬فمن‬
‫عاش منهم ‪ ،‬رأى بعينه وسمع بأذنه ما يسوءه ‪ ،‬ومن قُِتل منهم أو مات ‪،‬‬
‫ن‬ ‫م تَ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫قون ََها ث ُ ّ‬ ‫مدِيّ ؛ ولهذا قال ‪ } :‬فَ َ‬
‫سي ُن ْفِ ُ‬ ‫سْر َ‬ ‫خْزي البدي والعذاب ال ّ‬ ‫فإلى ال ِ‬
‫ن{‬ ‫َ‬
‫حشُرو َ‬‫م يُ ْ‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫َ‬
‫فُروا إ ِلى َ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن َوال ِ‬ ‫َ‬
‫م ي ُغْلُبو َ‬ ‫ُ‬
‫سَرةً ث ّ‬
‫ح ْ‬‫م َ‬‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬ذلك"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (3‬ورواه الطبري في تفسيره )‪.(13/532‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬أنزلت"‪.‬‬

‫) ‪(4/53‬‬

‫ة‬
‫سن ّ ُ‬
‫ت ُ‬ ‫ض ْ‬ ‫م َ‬‫قد ْ َ‬ ‫ن ي َُعوُدوا فَ َ‬ ‫ف وَإ ِ ْ‬‫سل َ َ‬ ‫ما قَد ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫فْر ل َهُ ْ‬ ‫ن ي َن ْت َُهوا ي ُغْ َ‬
‫فُروا إ ِ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬‫قُ ْ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وا‬ ‫ه ل ِلهِ فَإ ِ ِ‬
‫ن ان ْت َهَ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن كل ُ‬ ‫دي ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ُ‬
‫ة وَي َكو َ‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫ُ‬
‫حّتى ل ت َكو َ‬ ‫م َ‬ ‫ن )‪ (38‬وََقات ِلوهُ ْ‬ ‫اْلوِّلي َ‬
‫َ‬
‫م‬‫م ن ِعْ َ‬‫موَْلك ُ ْ‬ ‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬‫موا أ ّ‬ ‫وا َفاعْل َ ُ‬‫ن ت َوَل ّ ْ‬ ‫صيٌر )‪ (39‬وَإ ِ ْ‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬‫ه بِ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫فَإ ِ ّ‬
‫صيُر )‪(40‬‬ ‫م الن ّ ِ‬ ‫موَْلى وَن ِعْ َ‬ ‫ال ْ َ‬

‫ب { قال علي بن أبي طلحة ‪،‬‬ ‫ن الط ّي ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ث ِ‬ ‫خِبي َ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ميَز الل ّ ُ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬ل ِي َ ِ‬
‫ب { فيميز أهل‬ ‫ّ‬
‫ن الطي ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ث ِ‬ ‫خِبي َ‬ ‫ْ‬
‫ه ال َ‬ ‫ّ‬
‫ميَز الل ُ‬ ‫عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬ل ِي َ ِ‬
‫دي ‪ :‬يميز المؤمن من الكافر‪ .‬وهذا‬ ‫س ّ‬‫السعادة من أهل الشقاء )‪ (1‬وقال ال ّ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ل ل ِل ِ‬‫ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫يحتمل أن يكون هذا التمييز في الخرة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫كانك ُ َ‬ ‫أَ ْ‬
‫م { ]يونس ‪ ، [28 :‬وقال تعالى }‬ ‫م فََزي ّل َْنا ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫كاؤُك ُ ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫م َ َ ْ‬ ‫كوا َ‬ ‫شَر ُ‬
‫ن { ]الروم ‪ ، [14 :‬وقال في الية الخرى ‪:‬‬ ‫فّرُقو َ‬ ‫مئ ِذ ٍ ي َت َ َ‬ ‫ة ي َوْ َ‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫وَي َوْ َ‬
‫َ‬
‫م أي َّها‬ ‫ْ‬
‫مَتاُزوا الي َوْ َ‬ ‫ن { ]الروم ‪ ، [43‬وقال تعالى ‪َ } :‬وا ْ‬ ‫عو َ‬ ‫صد ّ ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ ي َ ّ‬ ‫} ي َوْ َ‬
‫ن { ]يس ‪.[59 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ويحتمل أن يكون هذا التمييز في الدنيا ‪ ،‬بما يظهر من أعمالهم للمؤمنين ‪،‬‬
‫وتكون "اللم" معللة لما جعل الله للكفار من مال ينفقون في الصد عن‬
‫ب{‬ ‫ن الط ّي ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ث ِ‬ ‫خِبي َ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ميَز الل ّ ُ‬ ‫سبيل الله ‪ ،‬أي ‪ :‬إنما أقدرناهم على ذلك ؛ } ل ِي َ ِ‬
‫أي ‪ :‬من يطيعه بقتال أعدائه الكافرين ‪ ،‬أو يعصيه بالنكول عن ذلك كما قال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ن وَل ِي َعْل َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ن الل ّهِ وَل ِي َعْل َ َ‬ ‫ن فَب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫مَعا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫قى ال ْ َ‬ ‫م ال ْت َ َ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫صاب َك ُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ أوِ اد ْفَُعوا َقالوا لوْ ن َعْل ُ‬
‫م‬ ‫سِبي ِ‬ ‫وا َقات ِلوا ِفي َ‬ ‫م ت ََعال ْ‬ ‫ل لهُ ْ‬ ‫قوا وَِقي َ‬ ‫ن َنافَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫م { الية ]آل عمران ‪ ، [167 ، 166 :‬وقال تعالى ‪َ } :‬‬ ‫قَِتال لت ّب َعَْناك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ن الط ّي ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ث ِ‬ ‫خِبي َ‬ ‫ميَز ال ْ َ‬ ‫حّتى ي َ ِ‬ ‫م عَل َي ْهِ َ‬ ‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه ل ِي َذ ََر ال ْ ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫م‬‫ب { الية ]آل عمران ‪ ، [179 :‬وقال تعالى ‪ } :‬أ ْ‬ ‫م عََلى ال ْغَي ْ ِ‬ ‫ه ل ِي ُط ْل ِعَك ُ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫م وَي َعْل َ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫دوا ِ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ما ي َعْل َم ِ الل ّ ُ‬ ‫ة وَل َ ّ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خُلوا ال ْ َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫]آل عمران ‪[142 :‬ونظيرتها في براءة أيضا‪.‬‬
‫فمعنى الية على هذا ‪ :‬إنما ابتليناكم بالكفار يقاتلونكم ‪ ،‬وأقدرناهم على‬
‫إنفاق الموال وبذلها في ذلك ؛ ليتميز )‪ (2‬الخبيث من الطيب ‪ ،‬فيجعل‬
‫ه { أي ‪ :‬يجمعه كله ‪ ،‬وهو جمع الشيء‬ ‫م ُ‬ ‫الخبيث بعضه على بعض ‪ } ،‬فَي َْرك ُ َ‬
‫ما { ]النور ‪:‬‬ ‫كا ً‬ ‫ه ُر َ‬ ‫جعَل ُ ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫بعضه على بعض ‪ ،‬كما قال تعالى في السحاب ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫م ُأول َئ ِ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫جعَل َ ُ‬ ‫‪[43‬أي ‪ :‬متراكما متراكبا ‪ } ،‬فَي َ ْ‬
‫هؤلء هم الخاسرون في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ت‬‫ض ْ‬ ‫م َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ن ي َُعوُدوا فَ َ‬ ‫ف وَإ ِ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫َ‬ ‫ما قَد ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫فْر ل َهُ ْ‬ ‫ن ي َن ْت َُهوا ي ُغْ َ‬ ‫فُروا إ ِ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬ ‫} قُ ْ‬
‫ن‬ ‫ه ل ِلهِ فَإ ِ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ن ك ُل ُ‬ ‫دي ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫كو َ‬ ‫ة وَي َ ُ‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫كو َ‬ ‫حّتى ل ت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ (38‬وََقات ِلوهُ ْ‬ ‫ة الوِّلي َ‬ ‫سن ّ ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ولك ُ ْ‬
‫م ن ِعْ َ‬ ‫م ْ‬
‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫وا َفاعْل َ ُ‬ ‫ن ت َوَل ّ ْ‬
‫صيٌر )‪ (39‬وَإ ِ ْ‬ ‫مُلو َ‬
‫ن بَ ِ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه بِ َ‬ ‫وا فَإ ِ ّ‬‫ان ْت َهَ ْ‬
‫صيُر )‪{ (40‬‬ ‫م الن ّ ِ‬ ‫َ‬
‫موْلى وَن ِعْ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن ي َن ْت َُهوا { أي ‪:‬‬ ‫فُروا إ ِ ْ‬‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ل ل ِل ّ ِ‬‫يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ‪ } :‬قُ ْ‬
‫عما هم فيه من الكفر والمشاقة والعناد ويدخلوا في السلم والطاعة والنابة‬
‫سَلف ‪ ،‬أي ‪ :‬من كفرهم ‪ ،‬وذنوبهم وخطاياهم ‪ ،‬كما جاء في‬ ‫‪ ،‬يغفر لهم ما قد َ‬
‫الصحيح ‪ ،‬من حديث أبي وائل عن ابن مسعود ؛ أن رسول الله صلى الله‬
‫خذ بما عمل في الجاهلية ‪،‬‬ ‫سن في السلم ‪ ،‬لم ُيؤا َ‬ ‫ح َ‬‫عليه وسلم قال ‪" :‬من أ ْ‬
‫ومن أساء في السلم ‪ ،‬أخذ بالول والخر" )‪(3‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬الشقاوة"‬
‫)‪ (2‬في د ‪ ،‬م ‪" :‬ليميز الله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (6921‬وصحيح مسلم برقم )‪.(120‬‬

‫) ‪(4/54‬‬

‫ضا ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ " :‬السلم‬ ‫وفي الصحيح أي ً‬
‫ب ما قبله )‪ (1‬والتوبة تجب ما كان قبلها"‪.‬‬ ‫ج ّ‬ ‫يَ ُ‬
‫ة‬
‫سن ّ ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫ض ْ‬‫م َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ن ي َُعوُدوا { أي ‪ :‬يستمروا على ما هم فيه ‪ } ،‬فَ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬فقد مضت سنتنا في الولين أنهم إذا كذبوا واستمروا على‬ ‫الوِّلي َ‬
‫عنادهم ‪ ،‬أنا نعاجلهم بالعذاب والعقوبة‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬في قريش يوم بدر وغيرها من‬ ‫ة الوِّلي َ‬ ‫سن ّ ُ‬
‫ت ُ‬ ‫ض ْ‬ ‫م َ‬‫قد ْ َ‬‫وقوله ‪ } :‬فَ َ‬
‫المم‪ .‬وقال السدي ومحمد بن إسحاق ‪ :‬أي ‪ :‬يوم بدر‪.‬‬
‫ه ل ِلهِ { قال البخاري ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ن ك ُل ّ ُ‬‫دي ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ة وَي َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫حّتى ل ت َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫م َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وََقات ُِلوهُ ْ‬
‫شَرْيح‬ ‫وة بن ُ‬ ‫حي ْ َ‬
‫حدثنا الحسن بن عبد العزيز ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن يحيى ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫‪ ،‬عن بكر بن عمرو ‪ ،‬عن ب ُك َْير ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ؛ أن رجل جاءه فقال‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فَتا ِ‬‫طائ ِ َ‬‫ن َ‬ ‫‪ :‬يا أبا عبد الرحمن ‪ ،‬أل تسمع ما ذكر الله في كتابه ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫ن اقْت َت َُلوا { الية ]الحجرات ‪ ، [9 :‬فما يمنعك أل تقاتل كما ذكر الله‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬
‫في كتابه ؟ فقال ‪ :‬يا ابن أخي ‪ ،‬أعَّير بهذه الية ول أقاتل ‪ ،‬أحب إلي من أن‬ ‫ُ‬
‫قت ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫دا { إلى‬ ‫م ً‬ ‫مت َعَ ّ‬‫مًنا ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ل ُ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫م ْ‬
‫أعَّير بالية التي يقول الله ‪ ،‬عز وجل ‪ } : :‬وَ َ‬
‫حّتى‬ ‫م َ‬ ‫آخر )‪ (2‬الية ]النساء ‪ ، [93 :‬قال ‪ :‬فإن الله تعالى يقول ‪ } :‬وََقات ُِلوهُ ْ‬
‫ة { ؟ قال ابن عمر ‪ :‬قد فعلنا على عهد النبي صلى الله عليه‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬‫كو َ‬ ‫ل تَ ُ‬
‫وسلم إذ كان السلم قليل وكان الرجل ُيفتن في دينه ‪ :‬إما أن يقتلوه ‪ ،‬وإما‬
‫أن يوثقوه ‪ ،‬حتى كثر السلم فلم تكن فتنة ‪ ،‬فلما رأى أنه ل يوافقه فيما‬
‫يريد ‪ ،‬قال ‪ :‬فما قولك في علي وعثمان ؟ قال ابن عمر ‪ :‬ما قولي في علي‬
‫وعثمان ؟ أما عثمان فكان الله قد عفا عنه ‪ ،‬وكرهتم أن يعفو عنه ‪ ،‬وأما‬
‫خت َُنه ‪ -‬وأشار بيده ‪ -‬وهذه‬ ‫علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم و َ‬
‫ابنته أو ‪ :‬بنته ‪ -‬حيث ترون‪.‬‬
‫وحدثنا أحمد بن يونس ‪ ،‬حدثنا ُزهَْير ‪ ،‬حدثنا ب ََيان أن وََبرة حدثه قال ‪ :‬حدثني‬
‫جب َْير قال ‪ :‬خرج علينا ‪ -‬أو ‪ :‬إلينا ‪ -‬ابن عمر ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪،‬‬ ‫سعيد بن ُ‬
‫فقال رجل ‪ :‬كيف ترى في قتال الفتنة ؟ فقال ‪ :‬وهل تدري ما الفتنة ؟ كان‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين ‪ ،‬وكان الدخول عليهم فتنة ‪،‬‬
‫وليس بقتالكم على الملك‪.‬‬
‫هذا كله سياق البخاري ‪ ،‬رحمه الله )‪(3‬‬
‫وقال عبيد الله ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ؛ أنه أتاه رجلن في فتنة ابن الزبير‬
‫فقال إن الناس قد صنعوا ما ترى ‪ ،‬وأنت ابن عمر بن الخطاب ‪ ،‬وأنت صاحب‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فما يمنعك أن تخرج ؟ قال ‪ :‬يمنعني أن‬
‫حّتى ل‬ ‫ي دم أخي المسلم‪ .‬قالوا ‪ :‬أو لم يقل الله ‪ } :‬وََقات ُِلوهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫الله حرم عل ّ‬
‫ه ل ِل ّهِ { ؟‬
‫ن ك ُل ّ ُ‬
‫دي ُ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ة وَي َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫تَ ُ‬
‫كو َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ك ‪ ،‬م ‪" :‬ما كان قبله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ك ‪ ،‬م ‪" :‬آخرها"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪.(4651 ، 4650‬‬

‫) ‪(4/55‬‬

‫قال ‪ :‬قد قاتلنا حتى لم تكن فتنة ‪ ،‬وكان الدين كله لله ‪ ،‬وأنتم تريدون أن‬
‫تقاتلوا حتى تكون فتنة ‪ ،‬ويكون الدين لغير الله‪.‬‬
‫ماد بن سلمة ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪ ،‬عن أيوب بن عبد الله اللخمي‬ ‫وكذا رواه ح ّ‬
‫قال ‪ :‬كنت عند عبد الله بن عمر )‪ (1‬رضي الله عنهما ‪ ،‬فأتاه رجل فقال ‪:‬‬
‫ه ل ِل ّهِ { فقال )‬ ‫ن ك ُل ّ ُ‬‫دي ُ‬‫ن ال ّ‬ ‫كو َ‬ ‫ة وَي َ ُ‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫كو َ‬‫حّتى ل ت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫إن الله يقول ‪ } :‬وََقات ُِلوهُ ْ‬
‫‪ (2‬ابن عمر ‪ :‬قاتلت أنا وأصحابي حتى كان الدين كله لله ‪ ،‬وذهب الشرك‬
‫ولم تكن فتنة ‪ ،‬ولكنك وأصحابك تقاتلون حتى تكون فتنة ‪ ،‬ويكون الدين لغير‬
‫مْرد َُويه‪.‬‬‫الله‪ .‬رواهما ابن َ‬
‫مي ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬قال ذو‬ ‫وانة ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن إبراهيم الت ّي ْ ِ‬ ‫وقال أبو عَ َ‬
‫البطين ‪ -‬يعني أسامة بن زيد ‪ -‬ل أقاتل رجل يقول ‪ :‬ل إله إل الله أبدا‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فقال سعد بن مالك ‪ :‬وأنا والله ل أقاتل رجل يقول ‪ :‬ل إله إل الله أبدا‪ .‬فقال‬
‫ن ك ُل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫دي ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫كو َ‬ ‫ة وَي َ ُ‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫كو َ‬ ‫حّتى ل ت َ ُ‬ ‫م َ‬‫رجل ‪ :‬ألم يقل الله ‪ } :‬وََقات ُِلوهُ ْ‬
‫ل ِل ّهِ { ؟ فقال قد قاتلنا حتى لم تكن فتنة ‪ ،‬وكان الدين كله لله‪ .‬رواه ابن‬
‫مردويه‪.‬‬
‫ة { يعني ‪:‬‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫ُ‬
‫حّتى ل ت َكو َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬وََقات ِلوهُ ْ‬
‫]حتى[ )‪ (3‬ل يكون شرك ‪ ،‬وكذا قال أبو العالية ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة‬
‫حّيان ‪ ،‬وزيد بن أسلم‪.‬‬ ‫مقاِتل بن َ‬ ‫‪ ،‬والربيع عن أنس ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬و ُ‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬بلغني عن الزهري ‪ ،‬عن عُْرَوة بن الزبير وغيره من‬
‫ة { حتى ل يفتن مسلم عن دينه‪.‬‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫كو َ‬‫حّتى ل ت َ ُ‬ ‫علمائنا ‪َ } :‬‬
‫ه ل ِل ّهِ { قال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه‬ ‫ن ك ُل ّ ُ‬‫دي ُ‬
‫ن ال ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَي َ ُ‬
‫كو َ‬
‫الية ‪ ،‬قال ‪ :‬يخلص التوحيد لله‪.‬‬
‫ه ل ِلهِ { أن يقال ‪ :‬ل إله‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ن ك ُل ُ‬‫دي ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫كو َ‬ ‫جَرْيج ‪ } :‬وَي َ ُ‬ ‫وقال الحسن وقتادة ‪ ،‬وابن ُ‬
‫إل الله‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬ويكون التوحيد خالصا لله ‪ ،‬ليس فيه شرك ‪ ،‬ويخلع‬
‫ن ك ُل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫دي ُ‬
‫ن ال ّ‬ ‫كو َ‬‫ما دونه من النداد‪ .‬وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ } :‬وَي َ ُ‬
‫ل ِل ّهِ { ل يكون مع دينكم كفر‪.‬‬
‫ويشهد له )‪ (4‬ما ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫أنه قال ‪" :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ‪ :‬ل إله إل الله ‪ ،‬فإذا قالوها ‪،‬‬
‫عصموا مني دماءهم وأموالهم إل بحقها ‪ ،‬وحسابهم على الله ‪ ،‬عز وجل" )‪(5‬‬
‫سِئل رسول الله صلى الله‬ ‫وفي الصحيحين عن أبي موسى الشعري قال ‪ُ :‬‬
‫مّية ‪ ،‬ويقاتل رَِياًء ‪ ،‬أيّ ذلك‬ ‫ح ِ‬ ‫عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل َ‬
‫في سبيل الله ‪ ،‬عز وجل ؟ فقال ‪" :‬من قاتل لتكون‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬عمرو"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬لهذا"‬
‫)‪ (5‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (25‬ومسلم في صحيحه برقم )‪(22‬‬
‫من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي الله عنهما‪.‬‬

‫) ‪(4/56‬‬

‫كلمة الله هي العليا ‪ ،‬فهو في سبيل الله ‪ ،‬عز وجل" )‪(1‬‬


‫وا { أي ‪ :‬بقتالكم عما هم فيه من الكفر ‪ ،‬فكفوا عنه )‪(2‬‬ ‫ن ان ْت َهَ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَإ ِ ِ‬
‫صيٌر { )‪ (4‬كما قال‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫َ‬
‫وإن لم تعلموا )‪ (3‬بواطنهم ‪ } ،‬فإ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فوٌر‬
‫هغ ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫سِبيلهُ ْ‬ ‫خلوا َ‬ ‫وا الّزكاةَ ف َ‬ ‫صلة َ َوآت َ ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ن َتاُبوا وَأَقا ُ‬ ‫تعالى ‪ } :‬فَإ ِ ْ‬
‫ن { ]التوبة ‪:‬‬ ‫دي ِ‬‫م ِفي ال ّ‬ ‫وان ُك ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م { ]التوبة ‪ ، [5 :‬وفي الية الخرى ‪ } :‬فَإ ِ ْ‬ ‫حي ٌ‬
‫َر ِ‬
‫‪.[11‬‬
‫وا َفل عُد َْوا َ‬
‫ن‬ ‫ن ان ْت َهَ ْ‬ ‫ن للهِ فَإ ِ ِ‬ ‫دي ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫كو َ‬ ‫ة وَي َ ُ‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬‫كو َ‬ ‫حّتى ل ت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫وقال ‪ } :‬وََقات ُِلوهُ ْ‬
‫ن { ]البقرة ‪.[193 :‬وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ِإل عََلى ال ّ‬
‫عليه وسلم قال لسامة ‪ -‬لما عل ذلك الرجل بالسيف ‪ ،‬فقال ‪" :‬ل إله إل‬
‫الله" ‪ ،‬فضربه فقتله ‪ ،‬فذكر ذلك لرسول الله ‪ -‬فقال لسامة ‪" :‬أقتلته بعد ما‬
‫قال ‪ :‬ل إله إل الله ؟ وكيف تصنع بل إله إل الله يوم القيامة ؟" قال ‪ :‬يا‬
‫ت عن قلبه ؟" ‪ ،‬وجعل يقول‬ ‫ق َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ش َ‬ ‫رسول الله ‪ ،‬إنما قالها تعوذا‪ .‬قال ‪" :‬هل َ‬
‫ويكرر عليه ‪" :‬من لك بل إله إل الله يوم القيامة ؟" قال أسامة ‪ :‬حتى تمنيت‬
‫أني لم أكن أسلمت إل ذلك اليوم )‪(6) (5‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫صيُر { أي ‪:‬‬ ‫م الن ّ ِ‬ ‫موْلى وَن ِعْ َ‬ ‫م ال َ‬ ‫م ن ِعْ َ‬ ‫ُ‬
‫ولك ْ‬ ‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫وا َفاعْل َ ُ‬ ‫ن ت َوَل ّ ْ‬‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م { سيدكم‬ ‫ولك ْ‬ ‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫وإن استمروا على خلفكم ومحاربتكم ‪َ } ،‬فاعْل ُ‬
‫وناصركم على أعدائكم ‪ ،‬فنعم المولى ونعم النصير‪.‬‬
‫وقال محمد بن جرير ‪ :‬حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا‬
‫أبان العطار ‪ ،‬حدثنا هشام بن عروة ‪ ،‬عن عُْرَوة ‪ :‬أن عبد الملك بن مروان‬
‫كتب إليه يسأله عن أشياء ‪ ،‬فكتب إليه عروة ‪" :‬سلم عليك ‪ ،‬فإني أحمد‬
‫إليك الله الذي ل إله إل هو‪ .‬أما بعد ‪ ،‬فإنك كتبت إلي تسألني عن مخرج‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ‪ ،‬وسأخبرك )‪ (7‬به ‪ ،‬ول حول ول‬
‫قوة إل بالله‪ .‬كان من شأن مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من‬
‫ي ‪ ،‬ونعم السيد ‪ ،‬ونعم العشيرة ‪،‬‬ ‫مكة ‪ ،‬أن الله أعطاه النبوة ‪ ،‬فَن ِْعم الن ّب ِ ّ‬
‫فجزاه الله خيًرا ‪ ،‬وعّرفنا وجهه في الجنة ‪ ،‬وأحيانا على ملته ‪ ،‬وأماتنا عليها ‪،‬‬
‫وبعثنا عليه وإنه لما دعا قومه لما بعثه الله له من الهدى والنور الذي أنزل‬
‫عليه ‪ ،‬لم يبعدوا منه أول ما دعاهم إليه ‪ ،‬وكادوا يسمعون منه ‪ ،‬حتى ذكر‬
‫طواغيتهم ‪ ،‬وقدم ناس من الطائف من قريش ‪ ،‬لهم أموال ‪ ،‬أنكر ذلك عليه‬
‫الناس واشتدوا عليه وكرهوا ما قال ‪ ،‬وأغروا به من أطاعهم ‪ ،‬فانصفق عنه‬
‫عامة الناس ‪ ،‬فتركوه إل من حفظه الله منهم ‪ ،‬وهم قليل‪ .‬فمكث بذلك ما‬
‫قدر الله أن يمكث ‪ ،‬ثم ائتمرت رؤوسهم بأن يفتنوا من اتبعه عن دين الله‬
‫من أبنائهم وإخوانهم ‪ ،‬وقبائلهم ‪ ،‬فكانت فتنة شديدة الزلزال ‪ ،‬فافت ُِتن من‬
‫افتتن ‪ ،‬وعصم الله من شاء منهم ‪ ،‬فلما فُِعل ذلك بالمسلمين ‪ ،‬أمرهم‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى أرض الحبشة‪ .‬وكان‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪ (2810‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1904‬‬
‫)‪ (2‬في ك ‪ ،‬م ‪" :‬عنهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ك ‪ ،‬م ‪" :‬إن كنتم ل تعلمون"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ك ‪ ،‬م ‪" :‬تعملون"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ك ‪ ،‬م ‪" :‬يومئذ"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪ (4269‬وصحيح مسلم برقم )‪.(96‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬وسأحدثك"‪.‬‬

‫) ‪(4/57‬‬

‫بالحبشة ملك صالح يقال له ‪" :‬النجاشي" ‪ ،‬ل يظلم أحد بأرضه ‪ ،‬وكان ي ُث َْنى‬
‫عليه مع ذلك ‪ ،‬وكانت أرض الحبشة متجرا لقريش ‪ ،‬يتجرون فيها ‪ ،‬وكانت‬
‫سك ًَنا لتجارهم ‪ ،‬يجدون فيها رفاغا من الرزق وأمنا ومتجرا حسنا ‪ ،‬فأمرهم‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫بها النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فذهب إليها عامتهم لما قهروا بمكة ‪ ،‬وخاف‬
‫)‪ (1‬عليهم الفتن‪ .‬ومكث هو فلم يبرح‪ .‬فمكث بذلك سنوات يشتدون على‬
‫من أسلم منهم‪ .‬ثم إنه فشا السلم فيها ‪ ،‬ودخل فيه رجال من أشرافهم‬
‫ومنعتهم‪ .‬فلما رأوا ذلك‪ .‬استرخوا استرخاءة عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وعن أصحابه ‪ ،‬وكانت الفتنة الولى هي أخرجت من خرج من أصحاب‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ِقبل أرض الحبشة مخافتها ‪ ،‬وفرارا مما‬
‫كانوا فيه من الفتن والزلزال ‪ ،‬فلما استرخى عنهم ودخل في السلم من‬
‫دخل منهم ‪ ،‬تحدث باسترخائهم عنهم ‪ ،‬فبلغ ذلك من كان بأرض الحبشة من‬
‫أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أنه ‪ :‬قد استرخي عمن كان منهم‬
‫بمكة ‪ ،‬وأنهم ل يفتنون ‪ ،‬فرجعوا إلى مكة ‪ ،‬وكادوا يأمنون بها ‪ ،‬وجعلوا‬
‫يزدادون ويكثرون‪ .‬وأنه أسلم من النصار بالمدينة ناس كثير ‪ ،‬وفشا بالمدينة‬
‫السلم ‪ ،‬وطفق أهل المدينة يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ‪،‬‬
‫فلما رأت قريش ذلك ‪ ،‬تآمرت على أن يفتنوهم ويشتدوا ‪ ،‬فأخذوهم ‪،‬‬
‫فحرصوا على أن يفتنوهم ‪ ،‬فأصابهم جهد شديد ‪ ،‬فكانت )‪ (2‬الفتنة الخيرة ‪،‬‬
‫فكانت فتنتان ‪ :‬فتنة أخرجت من خرج منهم إلى أرض الحبشة ‪ ،‬حين أمرهم‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بها ‪ ،‬وأذن لهم في الخروج إليها ‪ -‬وفتنة لما‬
‫رجعوا ورأوا من يأتيهم من أهل المدينة‪ .‬ثم إنه جاء رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم من المدينة سبعون نقيًبا ‪ ،‬رؤوس الذين أسلموا ‪ ،‬فوافوه بالحج ‪،‬‬
‫فبايعوه بالعقبة ‪ ،‬وأعطوه عهودهم على أنا منك وأنت منا ‪ ،‬وعلى أن )‪ (3‬من‬
‫جاء من أصحابك أو جئتنا ‪ ،‬فإنا )‪ (4‬نمنعك مما نمنع منه أنفسنا ‪ ،‬فاشتدت‬
‫عليهم قريش عند ذلك ‪ ،‬فأمر صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يخرجوا إلى‬
‫المدينة ‪ ،‬وهي الفتنة الخرة التي أخرج فيها رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم أصحابه ‪ ،‬وخرج هو ‪ ،‬وهي التي أنزل الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فيها ‪:‬‬
‫ه ل ِل ّهِ { )‪(5‬‬
‫ن ك ُل ّ ُ‬
‫دي ُ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ة وَي َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫حّتى ل ت َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫} وََقات ُِلوهُ ْ‬
‫م َ‬
‫ثم رواه عن يونس بن عبد العلى ‪ ،‬عن ابن وهب ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي‬
‫الّزَناد ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عروة بن الزبير ‪ :‬أنه كتب إلى الوليد ‪ -‬يعني ابن عبد‬
‫الملك بن مروان ‪ -‬بهذا ‪ ،‬فذكر مثله )‪ (6‬وهذا صحيح إلى عروة ‪ ،‬رحمه الله‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬وخافوا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وكانت"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ك ‪ ،‬م ‪" :‬أنه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬فإنما"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(13/539‬‬
‫)‪ (6‬تفسير الطبري )‪.(13/542‬‬

‫) ‪(4/58‬‬

‫ذي ال ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫قْرَبى‬ ‫ل وَل ِ ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫ه وَِللّر ُ‬ ‫س ُ‬ ‫م َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ل ِل ّهِ ُ‬ ‫يٍء فَأ ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫ما غَن ِ ْ‬ ‫موا أن ّ َ‬ ‫َواعْل َ ُ‬
‫ما أن َْزل َْنا عََلى عَب ْدَِنا‬ ‫َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ َ‬
‫م ِبالل ّهِ وَ َ‬ ‫من ْت ُ ْ‬ ‫مآ َ‬ ‫ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن َواب ْ ِ‬ ‫كي ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مى َوال ْ َ‬ ‫َوال ْي ََتا َ‬
‫ديٌر )‪(41‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫ن َوالل ّ ُ‬ ‫مَعا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫قى ال ْ َ‬ ‫م ال ْت َ َ‬ ‫ن ي َوْ َ‬ ‫فْرَقا ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ي َوْ َ‬

‫ذي ال ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫قْرَبى‬ ‫ل وَل ِ ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫ه وَِللّر ُ‬ ‫س ُ‬ ‫م َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ل ِل ّهِ ُ‬ ‫يٍء فَأ ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫ما غَن ِ ْ‬ ‫موا أن ّ َ‬ ‫} َواعْل َ ُ‬
‫ما َأنزل َْنا عََلى عَب ْدَِنا‬ ‫م ِبالل ّهِ وَ َ‬ ‫من ْت ُ ْ‬ ‫مآ َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن َواب ْ ِ‬ ‫كي ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مى َوال ْ َ‬ ‫َوال ْي ََتا َ‬
‫ديٌر )‪{ (41‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫ن َوالل ّ ُ‬ ‫مَعا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫قى ال ْ َ‬ ‫م ال ْت َ َ‬ ‫ن ي َوْ َ‬ ‫فْرَقا ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫يبين تعالى تفصيل ما شرعه مخصصا لهذه المة الشريفة ‪ ،‬من بين سائر‬
‫المم المتقدمة ‪ ،‬من إحلل المغانم‪ .‬و"الغنيمة" ‪ :‬هي المال المأخوذ من‬
‫الكفار بإيجاف الخيل والركاب‪ .‬و"الفيء" ‪ :‬ما أخذ منهم بغير ذلك ‪ ،‬كالموال‬
‫التي يصالحون عليها ‪ ،‬أو يتوفون عنها ول وارث لهم ‪ ،‬والجزية والخراج ونحو‬
‫ذلك‪ .‬هذا مذهب المام الشافعي في طائفة من علماء السلف )‪ (1‬والخلف‪.‬‬
‫ومن العلماء من يطلق الفيء على ما تطلق )‪ (2‬عليه الغنيمة ‪ ،‬والغنيمة‬
‫على الفيء أيضا ؛ ولهذا ذهب قتادة إلى أن هذه الية ناسخة لية "الحشر" ‪:‬‬
‫ذي ال ْ ُ‬ ‫} ما أ ََفاَء الل ّه عََلى رسول ِه م َ‬
‫قْرَبى‬ ‫ل وَل ِ ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫قَرى فَل ِل ّهِ وَِللّر ُ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫َ ُ ِ ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن { الية ]الحشر ‪ ، [7 :‬قال ‪ :‬فنسخت آية "النفال"‬ ‫كي‬ ‫سا‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫مى‬ ‫َوال ْي َ َ َ‬
‫تا‬
‫َ َ َ ِ ِ‬
‫سا منها لهؤلء‬ ‫تلك ‪ ،‬وجعلت الغنائم ‪ :‬أربعة أخماسها )‪ (3‬للمجاهدين ‪ ،‬وخم ً‬
‫در ‪ ،‬وتلك‬ ‫المذكورين‪ .‬وهذا الذي قاله بعيد ؛ لن هذه الية نزلت بعد وقعة ب َ ْ‬
‫ضير ‪ ،‬ول خلف بين علماء السير والمغازي قاطبة أن بني‬ ‫نزلت في بني الن ّ ِ‬
‫النضير بعد بدر ‪ ،‬هذا أمر ل يشك فيه ول يرتاب ‪ ،‬فمن يفرق بين معنى الفيء‬
‫والغنيمة يقول ‪ :‬تلك نزلت في أموال الفيء وهذه في المغانم‪ .‬ومن يجعل‬
‫أمر المغانم والفيء راجعا )‪ (4‬إلى رأي المام يقول ‪ :‬ل منافاة بين آية‬
‫الحشر وبين التخميس إذا رآه المام ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه { توكيد‬ ‫س ُ‬ ‫م َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ل ِلهِ ُ‬ ‫يٍء فَأ ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫ما غَن ِ ْ‬ ‫موا أن ّ َ‬ ‫وقوله )‪ (5‬تعالى ‪َ } :‬واعْل َ ُ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫لتخميس كل قليل وكثير حتى الخيط )‪ (6‬والمخيط ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫يغل ُ ْ ْ‬
‫ن{‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫ت وَهُ ْ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫م ت ُوَّفى ك ُ ّ‬ ‫مةِ ث ُ ّ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫ل ي َوْ َ‬ ‫ما غَ ّ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ل ي َأ ِ‬ ‫َْ‬
‫]آل عمران ‪.[161 :‬‬
‫َ‬
‫ل { اختلف المفسرون هاهنا ‪ ،‬فقال‬ ‫ن ل ِل ّهِ ُ ُ َ ُ َ ِ ّ ُ ِ‬
‫سو‬ ‫ر‬ ‫لل‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫خ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَأ ّ‬
‫بعضهم ‪ :‬لله نصيب من الخمس يجعل في الكعبة‪.‬‬
‫قال أبو جعفر الرازي ‪ ،‬عن الربيع ‪ ،‬عن أبي العالية الّرَياحي قال ‪ :‬كان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالغنيمة فيقسمها على خمسة ‪ ،‬تكون‬
‫أربعة أخماس لمن شهدها ‪ ،‬ثم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه ‪ ،‬فيأخذ منه‬
‫الذي قبض كفه ‪ ،‬فيجعله للكعبة )‪ (7‬وهو سهم الله‪ .‬ثم يقسم ما بقي على‬
‫خمسة أسهم ‪ ،‬فيكون سهم للرسول ‪ ،‬وسهم لذوي القربى ‪ ،‬وسهم‬
‫لليتامى ‪ ،‬وسهم للمساكين ‪ ،‬وسهم لبن السبيل )‪(8‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬ذكر الله هاهنا استفتاح كلم للتبرك ‪ ،‬وسهم )‪ (9‬لرسوله عليه‬
‫السلم )‪(10‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬علماء من السلف"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في م ‪" :‬ما يطلق"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في د ‪" :‬الربعة الخماس" ‪ ،‬وفي ك ‪" :‬أربعة أخماس"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ك ‪" :‬راجع"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ك ‪" :‬ويقول" ‪ ،‬وفي م ‪" :‬فقوله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ك ‪ ،‬م ‪" :‬الخياط"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في د ‪" :‬في الكعبة"‪.‬‬
‫)‪ (8‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(13/550‬‬
‫)‪ (9‬في م ‪" :‬وسهمه"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬

‫) ‪(4/59‬‬

‫قال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ :‬كان رسول الله صلى الله‬
‫مس الغنيمة ‪ ،‬فضرب ذلك الخمس في‬ ‫خ ّ‬‫سرِّية فغنموا ‪َ ،‬‬ ‫عليه وسلم إذا بعث َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل{‬ ‫سو ِ‬
‫ه وَِللّر ُ‬
‫س ُ‬
‫م َ‬
‫خ ُ‬
‫ن ل ِلهِ ُ‬ ‫يٍء فَأ ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬
‫م ِ‬‫مت ُ ْ‬‫ما غَن ِ ْ‬‫موا أن ّ َ‬ ‫خمسة‪ .‬ثم قرأ ‪َ } :‬واعْل ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه { مفتاح كلم ‪ ،‬لله ما في السموات‬ ‫س ُ‬ ‫م َ‬ ‫خ ُ‬
‫ن ل ِلهِ ُ‬ ‫]قال ‪ :‬وقوله[ )‪ } (1‬فَأ ّ‬
‫دا‪.‬‬‫وما في الرض ‪ ،‬فجعل سهم الله وسهم الرسول واح ً‬
‫خعي ‪ ،‬والحسن بن محمد ابن الحنفية‪ .‬والحسن‬ ‫وهكذا قال إبراهيم الن ّ َ‬
‫عطاء بن أبي رباح ‪ ،‬وعبد الله بن بريدة )‪ (2‬وقتادة ‪،‬‬ ‫البصري ‪ ،‬والشعبي ‪ ،‬و َ‬
‫ومغيرة ‪ ،‬وغير واحد ‪ :‬أن سهم الله ورسوله واحد‪.‬‬
‫ويؤيد هذا ما رواه المام الحافظ أبو بكر البيهقي بإسناد صحيح ‪ ،‬عن عبد الله‬
‫بن شقيق ‪ ،‬عن رجل من بلقين قال ‪ :‬أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫سا ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ما تقول في‬ ‫قرى ‪ ،‬وهو يعرض فر ً‬ ‫وهو بوادي ال ُ‬
‫الغنيمة ؟ فقال ‪" :‬لله خمسها ‪ ،‬وأربعة أخماس للجيش"‪ .‬قلت ‪ :‬فما أحد‬
‫أولى به من أحد ؟ قال ‪ " :‬ل ول السهم تستخرجه من جنبك ‪ ،‬ليس أنت أحق‬
‫به من أخيك المسلم" )‪(3‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا عمران بن موسى ‪ ،‬حدثنا عبد الوارث ‪ ،‬حدثنا أبان ‪،‬‬
‫عن الحسن قال ‪ :‬أوصى أبو بكر بالخمس )‪ (4‬من ماله ‪ ،‬وقال ‪ :‬أل أرضى‬
‫من مالي بما رضي الله لنفسه )‪(5‬‬
‫ثم اختلف قائلو هذا القول ‪ ،‬فروى علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪:‬‬
‫كانت الغنيمة تقسم )‪ (6‬على خمسة أخماس ‪ ،‬فأربعة منها بين من قاتل‬
‫عليها ‪ ،‬وخمس واحد يقسم على أربعة )‪ (7‬فربع لله وللرسول ولذي القربى‬
‫‪ -‬يعني ‪ :‬قرابة النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬فما كان لله وللرسول فهو‬
‫لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ولم يأخذ النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم من الخمس شيًئا ‪] ،‬والربع الثاني لليتامى ‪ ،‬والربع الثالث للمساكين ‪،‬‬
‫والربع الرابع لبن السبيل[‪(8) .‬‬
‫ري ‪ ،‬حدثنا عبد الوارث‬ ‫ق ِ‬‫من ْ َ‬ ‫مر ال ِ‬
‫معْ َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو َ‬
‫دة في قوله ‪َ } :‬واعْل َ ُ‬
‫موا‬ ‫بن سعيد ‪ ،‬عن حسين المعلم ‪ ،‬عن عبد الله بن ب َُري ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل { قال ‪ :‬الذي لله فلنبيه ‪،‬‬ ‫سو ِ‬‫ه وَِللّر ُ‬
‫س ُ‬
‫م َ‬ ‫ن ل ِل ّهِ ُ‬
‫خ ُ‬ ‫يٍء فَأ ّ‬ ‫ن َ‬
‫ش ْ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ما غَن ِ ْ‬
‫مت ُ ْ‬ ‫أن ّ َ‬
‫والذي للرسول لزواجه‪.‬‬
‫وقال عبد الملك بن أبي سليمان ‪ ،‬عن عطاء بن أبي رباح قال ‪ :‬خمس الله‬
‫والرسول )‪ (9‬واحد ‪ ،‬يحمل منه ويصنع فيه ما شاء ‪ -‬يعني ‪ :‬النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من تفسير الطبري‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ك ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬عبد الله بن أبي بريدة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬السنن الكبرى )‪.(6/324‬‬
‫)‪ (4‬في جميع النسخ ‪" :‬أوصى الحسن بالخمس" والمثبت من الطبري‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(13/550‬‬
‫)‪ (6‬في د ‪" :‬تخمس"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬أربعة أخماس"‪.‬‬
‫)‪ (8‬ما بين المعقوفين عن تفسير الطبري‪.‬‬
‫)‪ (9‬في د ‪" :‬خمس الله وخمس الرسول"‪.‬‬

‫) ‪(4/60‬‬

‫وهذا أعم وأشمل ‪ ،‬وهو أن الرسول )‪ (1‬صلى الله عليه وسلم )‪ (2‬يتصرف‬
‫في الخمس الذي جعله الله له بما شاء ‪ ،‬ويرده في أمته كيف شاء ‪ -‬ويشهد‬
‫لهذا ما رواه المام أحمد حيث قال ‪:‬‬
‫حدثنا إسحاق بن عيسى ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن عياش ‪ ،‬عن أبي بكر بن عبد‬
‫الله بن أبي مريم ‪ ،‬عن أبي سلم العرج ‪ ،‬عن المقدام بن معد يكرب‬
‫الكندي ‪ :‬أنه جلس مع عبادة بن الصامت ‪ ،‬وأبي الدرداء ‪ ،‬والحارث بن‬
‫معاوية الكندي ‪ ،‬رضي الله عنهم ‪ ،‬فتذاكروا حديث رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فقال أبو الدرداء لعبادة ‪ :‬يا عبادة ‪ ،‬كلمات رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم في غزوة كذا وكذا في شأن الخماس ؟ فقال عبادة ‪ :‬إن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم في غزوة إلى بعير من المغنم ‪،‬‬
‫فلما سلم قام )‪ (3‬رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناول وََبرة بين أنملتيه‬
‫فقال ‪" :‬إن هذه من غنائمكم ‪ ،‬وإنه ليس لي فيها إل نصيبي معكم إل الخمس‬
‫‪ ،‬والخمس مردود عليكم ‪ ،‬فأدوا الخيط والمخيط ‪ ،‬وأكبر )‪ (4‬من ذلك وأصغر‬
‫‪ ،‬ول تغلوا ‪ ،‬فإن الغلول نار وعار على أصحابه في الدنيا والخرة ‪ ،‬وجاهدوا‬
‫الناس في الله )‪ (5‬القريب والبعيد ‪ ،‬ول تبالوا في الله لومة لئم ‪ ،‬وأقيموا‬
‫حدود الله في الحضر والسفر ‪ ،‬وجاهدوا في ]سبيل[ )‪ (6‬الله ‪ ،‬فإن الجهاد‬
‫باب من أبواب الجنة ]عظيم[ )‪ (7‬ينجي به الله من الهم والغم" )‪(8‬‬
‫هذا حديث حسن عظيم ‪ ،‬ولم أره في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه‪.‬‬
‫ضا ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬من حديث عمرو بن‬ ‫ولكن روى المام أحمد أي ً‬
‫شعيب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده عن عبد الله بن عمرو ‪ ،‬عن )‪ (9‬رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم نحوه في قصة الخمس والنهي عن الغلول )‪(10‬‬
‫وعن عمرو بن عََبسة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم إلى‬
‫بعير من المغنم ‪ ،‬فلما سلم أخذ وبرة )‪ (11‬من ذلك البعير ثم قال ‪" :‬ول‬
‫يحل لي من غنائمكم مثل هذه ‪ ،‬إل الخمس ‪ ،‬والخمس مردود فيكم"‪ .‬رواه‬
‫أبو داود والنسائي )‪(12‬‬
‫وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم من المغانم )‪ (13‬شيء يصطفيه لنفسه‬
‫فا أو نحو ذلك ‪ ،‬كما نص على ذلك محمد بن‬ ‫سا أو سي ً‬‫دا أو أمة أو فر ً‬
‫عب ً‬
‫سيرين وعامر الشعبي ‪ ،‬وتبعهما على ذلك أكثر العلماء‪.‬‬
‫وروى المام أحمد ‪ ،‬والترمذي ‪ -‬وحسنه ‪ -‬عن ابن عباس ‪ :‬أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم تنفل سيفه ذا )‪(14‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في د ‪" :‬وهو أنه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬صلوات الله وسلمه عليه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬وأكثر"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في م ‪" :‬في سبيل الله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ك ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪ ،‬ومسند أحمد‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ك ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪ ،‬ومسند أحمد‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪.(5/316‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬أن"‪.‬‬
‫)‪ (10‬المسند )‪ (2/184‬وسنن أبي داود برقم )‪.(2694‬‬
‫)‪ (11‬في د ‪" :‬أخذ منه وبرة"‪.‬‬
‫)‪ (12‬سنن أبي داود برقم )‪.(2755‬‬
‫)‪ (13‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪" :‬الغنيمة"‪.‬‬
‫)‪ (14‬في أ ‪" :‬ذو"‪.‬‬

‫) ‪(4/61‬‬

‫قار يوم بدر ‪ ،‬وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد )‪(1‬‬ ‫ف َ‬
‫ال َ‬
‫صفي‪ .‬رواه أبو داود‬ ‫وعن عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬كانت صفية من ال ّ‬
‫في سننه )‪(2‬‬
‫مْرَبد‬
‫ضا عن يزيد بن عبد الله قال ‪ :‬كنا بال ِ‬‫ضا بإسناده ‪ ،‬والنسائي أي ً‬
‫وروى أي ً‬
‫إذ دخل رجل معه قطعة أديم ‪ ،‬فقرأناها فإذا فيها ‪" :‬من محمد رسول الله‬
‫دا‬
‫إلى بني زهير بن أقيش ‪ ،‬إنكم إن شهدتم أن ل إله إل الله ‪ ،‬وأن محم ً‬
‫رسول الله ‪ ،‬وأقمتم الصلة ‪ ،‬وآتيتم الزكاة ‪ ،‬وأديتم الخمس من المغنم ‪،‬‬
‫صفي ‪ ،‬أنتم آمنون بأمان الله ورسوله"‪ .‬فقلنا ‪ :‬من‬ ‫وسهم النبي وسهم ال ّ‬
‫كتب لك هذا ؟ فقال ‪ :‬رسول الله صلى الله عليه وسلم )‪(3‬‬
‫فهذه أحاديث جيدة تدل على تقرر هذا وثبوته ؛ ولهذا جعل ذلك كثيرون من‬
‫الخصائص له صلوات الله وسلمه عليه‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬إن الخمس يتصرف فيه المام بالمصلحة للمسلمين ‪ ،‬كما‬
‫يتصرف في مال الفيء‪.‬‬
‫وقال شيخنا المام العلمة ابن تيمية ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬وهذا قول مالك وأكثر‬
‫السلف ‪ ،‬وهو أصح القوال‪.‬‬
‫فإذا ثبت هذا وعلم ‪ ،‬فقد اختلف أيضا في الذي كان يناله عليه السلم )‪(4‬‬
‫من الخمس ‪ ،‬ماذا ُيصنع به من بعده ؟ فقال قائلون ‪ :‬يكون لمن يلي المر‬
‫من بعده‪ .‬روى هذا عن أبي بكر وعلي وقتادة جماعة ‪ ،‬وجاء فيه حديث‬
‫مرفوع )‪(5‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬يصرف في مصالح المسلمين‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬بل هو مردود على بقية الصناف ‪ :‬ذوي القربى ‪ ،‬واليتامى ‪،‬‬
‫والمساكين ‪ ،‬وابن السبيل ‪ ،‬اختاره ابن جرير‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬بل سهم النبي صلى الله عليه وسلم وسهم ذوي القربى‬
‫مردودان على اليتامى والمساكين وابن السبيل‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وذلك قول جماعة من أهل العراق‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬إن الخمس جميعه لذوي القربى كما رواه ابن جرير‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (1/271‬وسنن الترمذي برقم )‪.(1561‬‬
‫)‪ (2‬سنن أبي داود برقم )‪.(2994‬‬
‫)‪ (3‬سنن أبي داود برقم )‪.(2994‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه البيهقي في السنن الكبرى )‪ (6/303‬من طريق الوليد بن جميع عن‬
‫أبي الطفيل ‪ :‬لما سألت فاطمة أبا بكر عن الخمس فقال ‪ :‬إني سمعت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬إذا أطعم الله نبيا طعمة ثم قبضه‬
‫كانت للذي يلي بعده" فلما وليت رأيت أن أرده على المسلمين‪.‬‬

‫) ‪(4/62‬‬

‫من َْهال بن‬‫حدثنا الحارث ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز ‪ ،‬حدثنا عبد الغفار ‪ ،‬حدثنا ال ِ‬
‫عمرو ‪ ،‬وسألت عبد الله بن محمد بن علي ‪ ،‬وعلي بن الحسين ‪ ،‬عن‬
‫ن‬
‫كي َ‬
‫سا ِ‬ ‫مى َوال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫الخمس فقال هو لنا‪ .‬فقلت لعلي ‪ :‬فإن الله يقول ‪َ } :‬وال ْي ََتا َ‬
‫ل { فقال يتامانا ومساكيننا‪.‬‬ ‫سِبي ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫َواب ْ َ‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬وأبو ن ُعَْيم ‪ ،‬وأبو أسامة ‪ ،‬عن قيس بن مسلم ‪ :‬سألت‬
‫الحسن بن محمد ابن الحنفية ‪ ،‬رحمه الله تعالى ‪ ،‬عن قول الله )‪ (1‬تعالى ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل { قال )‪ (2‬هذا‬ ‫سو ِ‬ ‫ه وَِللّر ُ‬
‫س ُ‬
‫م َ‬
‫خ ُ‬‫ن ل ِل ّهِ ُ‬
‫يٍء فَأ ّ‬ ‫ن َ‬
‫ش ْ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ما غَن ِ ْ‬
‫مت ُ ْ‬ ‫موا أن ّ َ‬‫} َواعْل َ ُ‬
‫مفتاح كلم ‪ ،‬لله )‪ (3‬الدنيا والخرة‪ .‬ثم اختلف الناس في هذين السهمين بعد‬
‫وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال قائلون ‪ :‬سهم النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم تسليما للخليفة من بعده‪ .‬وقال قائلون ‪ :‬لقرابة النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ .‬وقال قائلون ‪ :‬سهم القرابة لقرابة الخليفة‪ .‬فاجتمع قولهم )‪(4‬‬
‫على أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والُعدة في سبيل الله ‪ ،‬فكانا على‬
‫ذلك في خلفة أبي بكر وعمر ‪ ،‬رضي الله عنهما )‪(5‬‬
‫قال )‪ (6‬العمش ‪ ،‬عن إبراهيم )‪ (7‬كان أبو بكر وعمر يجعلن سهم النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم في الكراع والسلح ‪ ،‬فقلت لبراهيم ‪ :‬ما كان علي‬
‫يقول فيه ؟ قال ‪ :‬كان ]علي[ )‪ (8‬أشدهم فيه‪.‬‬
‫وهذا قول طائفة كثيرة من العلماء ‪ ،‬رحمهم الله‪.‬‬
‫وأما سهم ذوي القربى فإنه يصرف إلى بني هاشم وبني المطلب ؛ لن بني‬
‫المطلب وازروا بني هاشم في الجاهلية ]وفي أول السلم[ )‪ (9‬ودخلوا‬
‫معهم في الشعب غضبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحماية له ‪:‬‬
‫مّية للعشيرة وأنفة وطاعة لبي‬ ‫ح ِ‬‫مسلمهم طاعة لله ولرسوله ‪ ،‬وكافرهم َ‬
‫طالب عم رسول الله‪ .‬وأما بنو عبد شمس وبنو نوفل ‪ -‬وإن كانوا أبناء عمهم‬
‫‪ -‬فلم يوافقوهم على ذلك ‪ ،‬بل حاربوهم ونابذوهم ‪ ،‬ومالئوا بطون قريش‬
‫م أبي طالب لهم في قصيدته اللمية أشد‬ ‫على حرب الرسول ؛ ولهذا كان ذ َ ّ‬
‫جَزى الله عَّنا‬
‫من غيرهم ‪ ،‬لشدة قربهم‪ .‬ولهذا يقول في أثناء قصيدته )‪َ (10‬‬
‫ل‬
‫قوبة شّر عاجل غير آج ِ‬ ‫عبد َ شمس وَنوفلع ُ ُ‬
‫ل‬
‫فسه غير عائ ِ‬ ‫ن نَ ْ‬‫م ْ‬
‫ه شاهد ٌ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سط ل َيخيس شِعيرةل ُ‬ ‫بميزان ق ْ‬
‫ل‬ ‫ط‬ ‫يا‬
‫َ َ ِ ِ‬ ‫غ‬ ‫وال‬ ‫بنا‬ ‫يضا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫لف‬‫َ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫دلوابني‬ ‫ب‬
‫ََ ّ‬ ‫ت‬ ‫قوم‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫أحل‬ ‫فهت‬ ‫س ُ‬
‫لقد َ‬
‫ل )‪(11‬‬
‫طوب الوائ ِ‬ ‫خ ُ‬‫صى في ال ُ‬ ‫صميم من ذؤابة هاشموآل قُ َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ونح ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في د ‪" :‬عن قوله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في د ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ك ‪" :‬كلم الله"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ك ‪ ،‬م ‪" :‬رأيهم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ك ‪" :‬رضي الله عنهما وأرضاهما"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في م ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في م ‪" :‬إبراهيم قال"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من الطبري‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ك ‪" :‬قصيدته اللمية"‪.‬‬
‫)‪ (11‬البيات في السيرة النبوية لبن هشام )‪.(1/277‬‬

‫) ‪(4/63‬‬

‫وقال جبير بن مطعم بن عدي ]بن نوفل[ )‪ (1‬مشيت أنا وعثمان بن عفان ‪-‬‬
‫يعني ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ‪ -‬إلى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أعطيت بني المطلب من خمس خيبر‬
‫هم منك بمنزلة واحدة ‪ ،‬فقال ‪" :‬إنما بنو هاشم وبنو عبد‬ ‫وتركتنا ‪ ،‬ونحن وَ ُ‬
‫المطلب شيء واحد"‪.‬‬
‫رواه مسلم )‪ (2‬وفي بعض روايات هذا الحديث ‪" :‬إنهم لم يفارقونا في‬
‫جاهلية ول إسلم" )‪(3‬‬
‫وهذا قول جمهور العلماء أنهم بنو هاشم وبنو المطلب‪.‬‬
‫صْيف ‪ ،‬عن‬‫خ َ‬‫قال ابن جرير ‪ :‬وقال آخرون ‪ :‬هم بنو هاشم‪ .‬ثم روى عن ُ‬
‫مجاهد قال ‪ :‬علم الله أن في بني هاشم فقراء ‪ ،‬فجعل لهم الخمس مكان‬
‫الصدقة‪.‬‬
‫وفي رواية عنه قال ‪ :‬هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين ل‬
‫تحل لهم الصدقة‪.‬‬
‫ثم روى عن علي بن الحسين نحو ذلك‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وقال آخرون ‪ :‬بل هم قريش كلها‪.‬‬
‫شر ‪ ،‬عن‬ ‫معْ َ‬
‫حدثني يونس بن عبد العلى ‪ ،‬حدثني عبد الله بن نافع ‪ ،‬عن أبي َ‬
‫دة إلى عبد الله بن عباس يسأله عن "ذي‬ ‫ج َ‬
‫ري قال ‪ :‬كتب ن َ ْ‬ ‫قب ُ ِ‬
‫سعيد الم ْ‬
‫القربى" ‪ ،‬فكتب إليه ابن عباس ‪ :‬كنا نقول ‪ :‬إنا هم فأبى ذلك علينا قومنا ‪،‬‬
‫وقالوا ‪ :‬قريش كلها ذوو قربى )‪(5) (4‬‬
‫وهذا الحديث في صحيح مسلم ‪ ،‬وأبي داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي من‬
‫مز أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله‬ ‫حديث سعيد المقبري عن يزيد بن هر ُ‬
‫عن ذوي القربى فذكره إلى قوله ‪" :‬فأبى ذلك علينا قومنا" )‪ (6‬والزيادة من‬
‫جيح بن عبد الرحمن المدني ‪ ،‬وفيه ضعف‪.‬‬ ‫أفراد أبي معشر ن َ ِ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي ‪ ،‬حدثنا‬
‫رمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال‬ ‫عك ْ ِ‬
‫حَنش ‪ ،‬عن ِ‬ ‫المعتمر بن سليمان ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن َ‬
‫سالة اليدي ؛‬ ‫ُ‬
‫‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬رغبت لكم عن غ َ‬
‫مس الخمس ما يغنيكم أو يكفيكم"‪.‬‬ ‫خ ْ‬
‫لن لكم من ُ‬
‫هذا حديث حسن السناد ‪ ،‬وإبراهيم بن مهدي هذا وَّثقه أبو حاتم ‪ ،‬وقال يحيى‬
‫بن معين )‪(7‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (2‬لم أجده في صحيح مسلم ول عزاه المزي له في تحفة الشراف ‪ ،‬ولم‬
‫أجزم بوهم الحافظ هنا ؛ لن الزيلعي عزاه للصحيحين في تخريج الكشاف )‬
‫‪ ، (2/30‬ورواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (3140‬من طريق سعيد بن‬
‫المسيب عن جبير بن مطعم ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬بنحوه‪.‬‬
‫)‪ (3‬الرواية في سنن النسائي )‪.(7/130‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬قرابة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(13/555‬‬
‫)‪ (6‬صحيح مسلم برقم )‪ (1812‬وسنن أبي داود برقم )‪ (2982‬وسنن‬
‫الترمذي برقم )‪ (1556‬وسنن النسائي )‪ ، (7/128‬وهو عند أبي داود‬
‫والنسائي من حديث الزهري عن يزيد‪.‬‬
‫)‪ (7‬في د ‪" :‬سعيد"‪.‬‬

‫) ‪(4/64‬‬

‫يأتي بمناكير )‪ (1‬والله أعلم‪.‬‬


‫مى { أي ‪ :‬يتامى المسلمين‪ .‬واختلف العلماء هل يختص‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وال ْي ََتا َ‬
‫باليتام الفقراء ‪ ،‬أو يعم الغنياء والفقراء ؟ على قولين‪.‬‬
‫ن { هم المحاويج الذين ل يجدون ما يسد خلتهم ومسكنتهم‪.‬‬ ‫كي ِ‬ ‫سا ِ‬
‫م َ‬‫و } ال ْ َ‬
‫ل { هو المسافر ‪ ،‬أو المريد للسفر ‪ ،‬إلى مسافة تقصر فيها‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫} َواب ْ ِ‬
‫الصلة ‪ ،‬وليس له ما ينفقه في سفره ذلك‪ .‬وسيأتي تفسير ذلك في آية‬
‫الصدقات من سورة "براءة" ‪ ،‬إن شاء الله تعالى ‪ ،‬وبه الثقة ‪ ،‬وعليه التكلن‪.‬‬
‫ما َأنزل َْنا عََلى عَب ْدَِنا { أي ‪ :‬امتثلوا ما شرعنا‬ ‫م ِبالل ّهِ وَ َ‬ ‫من ْت ُ ْ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫مآ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫لكم من الخمس في الغنائم ‪ ،‬إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخر وما أنزل‬
‫على رسوله ؛ ولهذا جاء في الصحيحين ‪ ،‬من حديث عبد الله بن عباس ‪ ،‬في‬
‫حديث وفد عبد القيس ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم ‪:‬‬
‫"وآمركم بأربع وأنهاكم عن أربع ‪ :‬آمركم باليمان بالله ثم قال ‪ :‬هل تدرون ما‬
‫دا رسول الله ‪ ،‬وإقام‬ ‫اليمان بالله ؟ شهادةُ أن ل إله إل الله ‪ ،‬وأن محم ً‬
‫الصلة وإيتاء الزكاة ‪ ،‬وأن تؤدوا الخمس من المغنم‪ "..‬الحديث بطوله )‪(2‬‬
‫وب البخاري على ذلك في‬ ‫فجعل أداء الخمس من جملة اليمان ‪ ،‬وقد ب ّ‬
‫"كتاب اليمان" من صحيحه فقال ‪) :‬باب أداء الخمس من اليمان( ‪ ،‬ثم أورد‬
‫حديث ابن عباس هذا ‪ ،‬وقد بسطنا الكلم عليه في "شرح البخاري" ولله‬
‫الحمد والمنة )‪(3‬‬
‫ن { أي ‪ :‬في‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫فْرقا ِ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ما أنزلَنا عَلى عَب ْدَِنا ي َوْ َ‬ ‫وقال مقاتل بن حيان ‪ } :‬وَ َ‬
‫ديٌر { ينبه‬ ‫َ‬
‫يٍء ق ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ه عَلى كل َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن َوالل ُ‬‫مَعا ِ‬
‫ج ْ‬ ‫ْ‬
‫قى ال َ‬ ‫م ال ْت َ َ‬‫القسمة ‪ ،‬وقوله ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫َ‬
‫تعالى على نعمته )‪ (4‬وإحسانه إلى خلقه بما فَرق به بين الحق والباطل ببدر‬
‫ويسمى "الفرقان" ؛ لن الله تعالى أعلى فيه كلمة اليمان على كلمة الباطل‬
‫‪ ،‬وأظهر دينه ونصر نبيه وحزبه‪.‬‬
‫ن { يوم‬ ‫َ‬
‫فْرقا ِ‬ ‫ْ‬
‫م ال ُ‬‫قال علي بن أبي طالب والعَوِْفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫بدر ‪ ،‬فََرق الله فيه بين الحق والباطل‪ .‬رواه الحاكم‪.‬‬
‫سم وعبيد الله بن عبد الله ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪،‬‬ ‫ق َ‬
‫م ْ‬
‫وكذا قال مجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫قاتل بن حيان ‪ ،‬وغير واحد ‪ :‬أنه يوم بدر‪.‬‬ ‫م َ‬‫و ُ‬
‫مر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عُْرَوة بن الزبير في قوله ‪:‬‬ ‫معْ َ‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬عن َ‬
‫ن { يوم‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫فْرَقا ِ‬ ‫} ي َوْ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬انظر ‪ :‬ميزان العتدال للذهبي )‪.(1/68‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (53‬وصحيح مسلم برقم )‪.(17‬‬
‫)‪ (3‬وانظر كلم الحافظ ابن حجر في ‪ :‬فتح الباري )‪.(135 - 1/129‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬نعمه"‪.‬‬

‫) ‪(4/65‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫م وَل َوْ ت َ َ‬
‫واعَد ْت ُ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ل ِ‬ ‫ف َ‬ ‫س َ‬
‫بأ ْ‬ ‫وى َوالّرك ْ ُ‬ ‫ص َ‬‫ق ْ‬‫م ِبال ْعُد ْوَةِ ال ْ ُ‬ ‫م ِبال ْعُد ْوَةِ الد ّن َْيا وَهُ ْ‬ ‫إ ِذ ْ أن ْت ُ ْ‬
‫ن هَل َ َ‬ ‫فُعوًل ل ِي َهْل ِ َ‬ ‫قضي الل ّ َ‬
‫ن‬‫ك عَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ك َ‬ ‫م ْ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫مًرا َ‬‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن ل ِي َ ْ ِ َ‬ ‫ميَعادِ وَل َك ِ ْ‬ ‫م ِفي ال ْ ِ‬ ‫فت ُ ْ‬ ‫خت َل َ ْ‬‫َل ْ‬
‫م )‪(42‬‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬
‫س ِ‬ ‫ه لَ َ‬‫ن الل ّ َ‬
‫ن ب َي ّن َةٍ وَإ ِ ّ‬
‫ي عَ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫حَيى َ‬ ‫ب َي ّن َةٍ وَي َ ْ‬

‫فرق الله ]فيه[ )‪ (1‬بين الحق والباطل ‪ ،‬وهو يوم بدر ‪ ،‬وهو أول مشهد‬
‫شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬وكان رأس المشركين عتبة بن‬
‫ربيعة ‪ ،‬فالتقوا يوم الجمعة لتسعَ عشرة َ ‪ -‬أو ‪ :‬سبع عشرة ‪ -‬مضت من‬
‫رمضان ‪ ،‬وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ثلثمائة وبضعة‬
‫عشر رجل والمشركون ما بين اللف والتسعمائة‪.‬‬
‫فهزم الله المشركين ‪ ،‬وقتل منهم زيادة على السبعين ‪ ،‬وأسر منهم مثل‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وقد روى الحاكم في مستدركه ‪ ،‬من حديث العمش ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن‬
‫السود ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬قال في ليلة القدر ‪ :‬تحروها لحدى عشرة يبقين )‬
‫‪ (2‬فإن صبيحتها )‪ (3‬يوم بدر‪ .‬وقال ‪ :‬على شرطهما )‪(4‬‬
‫ضا ‪ ،‬من حديث جعفر بن ب ُْرَقان ‪ ،‬عن‬ ‫وروي مثله عن عبد الله بن الزبير أي ً‬
‫رجل ‪ ،‬عنه‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا يحيى بن واضح ‪ ،‬حدثنا يحيى بن‬
‫ون محمد بن عبيد الله الثقفي )‪ (5‬عن أبي عبد‬ ‫يعقوب أبو طالب ‪ ،‬عن ابن عَ ْ‬
‫الرحمن السلمي قال ‪ :‬قال الحسن بن علي ‪ :‬كانت ليلة "الفرقان يوم التقى‬
‫الجمعان" لسبع عشرة من رمضان )‪ (6‬إسناد جيد قوي‪.‬‬
‫مْرد َُويه ‪ ،‬عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب ‪ ،‬عن علي قال ‪:‬‬ ‫ورواه ابن َ‬
‫كانت ليلة الفرقان ‪ ،‬ليلة التقى الجمعان ‪ ،‬في صبيحتها ليلة الجمعة لسبع‬
‫عشر مضت من شهر رمضان‪.‬‬
‫وهو الصحيح عند أهل المغازي والسير‪.‬‬
‫وقال يزيد بن أبي حبيب إمام أهل الديار المصرية في زمانه ‪ :‬كان يوم بدر‬
‫يوم الثنين ولم يتابع على هذا ‪ ،‬وقول الجمهور مقدم عليه ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م وَل َ ْ‬
‫و‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ف َ‬
‫ل ِ‬ ‫س َ‬
‫بأ ْ‬‫وى َوالّرك ْ ُ‬
‫ص َ‬ ‫م ِبال ْعُد ْوَةِ ال ْ ُ‬
‫ق ْ‬ ‫م ِبال ْعُد ْوَةِ الد ّن َْيا وَهُ ْ‬
‫} إ ِذ ْ أن ْت ُ ْ‬
‫قضي الل ّ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ك َ‬ ‫فُعول ل ِي َهْل ِ َ‬
‫م ْ‬
‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫مًرا َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن ل ِي َ ْ ِ َ‬ ‫ميَعاد ِ وَل َك ِ ْ‬ ‫م ِفي ال ْ ِ‬ ‫خت َل َ ْ‬
‫فت ُ ْ‬ ‫مل ْ‬ ‫واعَد ْت ُ ْ‬ ‫تَ َ‬
‫م )‪{ (42‬‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫هل َ‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ن ب َي ّن َةٍ وَإ ِ ّ‬‫ي عَ ْ‬ ‫ح ّ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫حَيا َ‬ ‫ن ب َي ّن َةٍ وَي َ ْ‬‫هَلك عَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫م ِبالعُد ْوَةِ الد ّن َْيا { أي ‪ :‬إذ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫يقول تعالى ]مخبًرا[ )‪ (7‬عن يوم الفرقان ‪ } :‬إ ِذ أن ْت ُ ْ‬
‫م { أي ‪:‬‬ ‫ه‬
‫َ ُ ْ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫أنتم نزول بعدوة الوادي الدنيا القريبة إلى المدينة ‪،‬‬
‫وى { أي ‪ :‬البعيدة التي من ناحية مكة ‪،‬‬ ‫ص َ‬ ‫ق ْ‬ ‫المشركون نزول } ِبال ْعُد ْوَةِ ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ل‬‫ف َ‬‫س َ‬
‫ب { أي ‪ :‬العير الذي فيه أبو سفيان بما معه من التجارة } أ ْ‬ ‫} والّرك ْ ُ‬
‫م { أي ‪ :‬أنتم والمشركون‬ ‫واعَد ْت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬مما يلي سيف البحر } وَلوْ ت َ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ميَعادِ {‬ ‫ْ‬
‫م ِفي ال ِ‬ ‫فت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫خت َل ْ‬‫إلى مكان } ل ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من د ‪ ،‬ك‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ك ‪" :‬بقين"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ك ‪" :‬فإن في صبيحتها"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المستدرك )‪.(3/20‬‬
‫)‪ (5‬في جميع النسخ ‪" :‬عن ابن عون ‪ ،‬عن محمد بن عبد الله الثقفي" ‪،‬‬
‫والمثبت من الطبري‪.‬‬
‫)‪ (6‬تفسير الطبري )‪.(13/562‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(4/66‬‬

‫قال محمد بن إسحاق ‪ :‬وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ‪ ،‬عن‬
‫أبيه في هذه الية قال ‪ :‬ولو كان ذلك عن ميعاد منكم ومنهم ‪ ،‬ثم بلغكم كثرة‬
‫قضي الل ّ َ‬
‫فُعول {‬
‫م ْ‬
‫ن َ‬ ‫مًرا َ‬
‫كا َ‬ ‫هأ ْ‬‫ُ‬ ‫عددهم وقلة عددكم ‪ ،‬ما لقيتموهم ‪ } ،‬وَل َك ِ ْ‬
‫ن ل ِي َ ْ ِ َ‬
‫أي ‪ :‬ليقضي الله ما أراد بقدرته من إعزاز السلم وأهله ‪ ،‬وإذلل الشرك‬
‫وأهله ‪ ،‬عن غير مل منكم ‪ ،‬ففعل ما أراد من ذلك بلطفه‪.‬‬
‫وفي حديث كعب بن مالك قال ‪ :‬إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫عيَر قريش ‪ ،‬حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير‬ ‫والمسلمون يريدون ِ‬
‫ميعاد )‪(1‬‬
‫َ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يعقوب ‪ ،‬حدثني ابن عُلّية ‪ ،‬عن ابن عون ‪ ،‬عن عمير‬
‫بن إسحاق قال ‪ :‬أقبل أبو سفيان في الركب من الشام ‪ ،‬وخرج أبو جهل‬
‫ليمنعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ‪ ،‬فالتقوا ببدر ‪ ،‬ل‬
‫يشعر هؤلء بهؤلء ‪ ،‬ول هؤلء بهؤلء ‪ ،‬حتى التقت السقاة ‪ ،‬ونهد الناس‬
‫بعضهم لبعض )‪(2‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق في السيرة ‪ :‬ومضى رسول الله صلى الله عليه‬
‫سَبس بن‬ ‫وسلم على وجهه ذلك حتى إذا كان قريًبا من "الصفراء" بعث ب َ ْ‬
‫جَهنيين ‪ ،‬يلتمسان الخبر عن أبي سفيان ‪،‬‬ ‫عمرو ‪ ،‬وعدي بن أبي الّزغباء ال ُ‬
‫فانطلقا حتى إذا وردا بدًرا فأناخا بعيريهما إلى تل من البطحاء ‪ ،‬فاستقيا في‬
‫ن لهما من الماء ‪ ،‬فسمعا جاريتين َيختصمان ‪ ،‬تقول إحداهما لصاحبتها ‪:‬‬ ‫ش ّ‬ ‫َ‬
‫اقضيني حقي‪ .‬وتقول الخرى ‪ :‬إنما تأتي العير غدا أو بعد غد ‪ ،‬فأقضيك‬
‫صدقت ‪ ،‬فسمع ذلك )‪(3‬‬ ‫جدي بن عمرو ‪ ،‬وقال ‪َ :‬‬ ‫م ْ‬‫خّلص بينهما َ‬
‫حقك‪ .‬فَ َ‬
‫س وعَدِيّ ‪ ،‬فجلسا على بعيريهما ‪ ،‬حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه‬ ‫سب َ ُ‬
‫بَ ْ‬
‫ذر ‪ ،‬فتقدم أمام عيره‬ ‫ح ِ‬
‫وسلم فأخبراه الخبر‪ .‬وأقبل أبو سفيان حين وليا وقد َ‬
‫وقال لمجدي بن عمرو ‪ :‬هل أحسست على هذا الماء من أحد تنكره ؟‬
‫فقال ‪ :‬ل والله ‪ ،‬إل أني قد رأيت راكبين أناخا إلى هذا التل ‪ ،‬فاستقيا في‬
‫مناخ بعيريهما ‪ ،‬فأخذ من أبعارهما‬ ‫ن لهما ‪ ،‬ثم انطلقا‪ .‬فجاء أبو سفيان إلى ُ‬ ‫ش ّ‬ ‫َ‬
‫فّته ‪ ،‬فإذا فيه النوى ‪ ،‬فقال ‪ :‬هذه والله علئف يثرب‪ .‬ثم رجع سريًعا‬ ‫‪،‬ف َ‬‫َ‬
‫حل حتى إذا رأى أن قد أحرز عيره بعث‬ ‫سا‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫بها‬ ‫فانطلق‬ ‫‪،‬‬ ‫عيره‬ ‫وجه‬ ‫فضرب‬
‫إلى قريش فقال ‪ :‬إن الله قد نجى عيَركم وأموالكم ورجالكم ‪ ،‬فارجعوا‪.‬‬
‫فقال أبو جهل ‪ :‬والله )‪ (4‬ل نرجع حتى نأتي بدرا ‪ -‬وكانت بدُر سوًقا من‬
‫جُزر )‪(5‬‬‫حُر بها ال ُ‬ ‫م بها الطعام ‪ ،‬ونن َ‬ ‫أسواق العرب ‪ -‬فنقيم بها ثلثا ‪ ،‬فَن ُ ْ‬
‫طع ُ‬
‫قى بها الخمر ‪ ،‬وتعزف علينا القيان ‪ ،‬وتسمع بنا العرب وبسيرنا ‪ ،‬فل‬ ‫س َ‬‫ون ُ ْ‬
‫يزالون يهابوننا بعدها أبدا‪.‬‬
‫جى أموالكم ‪،‬‬ ‫هرة ‪ ،‬إن الله قد ن َ ّ‬ ‫شَرْيق ‪ :‬يا معشر بني ُز َ‬ ‫فقال الخنس بن ُ‬
‫جى صاحبكم ‪ ،‬فارجعوا‪ .‬فأطاعوه ‪ ،‬فرجعت بنو زهرة ‪ ،‬فلم يشهدوها ول‬ ‫ون َ ّ‬
‫بنو عدي )‪(6‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪.(3951‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(13/567‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬بذلك"‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬ل والله"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬الجزور"‪.‬‬
‫)‪ (6‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام )‪.(1/617‬‬

‫) ‪(4/67‬‬

‫قال محمد بن إسحاق ‪ :‬وحدثني يزيد بن ُرَومان ‪ ،‬عن عروة بن الزبير قال ‪:‬‬
‫ي بن أبي‬ ‫وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬حين دنا من بدر ‪ -‬عل ّ‬
‫طالب ‪ ،‬وسعد َ بن أبي وقاص ‪ ،‬والزبير بن العوام ‪ ،‬في نفر من أصحابه ‪،‬‬
‫قاة ً لقريش ‪ :‬غلما لبني )‪ (1‬سعيد بن‬ ‫س َ‬
‫يتجسسون له الخبر فأصابوا ُ‬
‫العاص ‪ ،‬وغلما لبني الحجاج ‪ ،‬فأتوا بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫فوجدوه يصلي ‪ ،‬فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫سقاة لقريش ‪ ،‬بعثونا نسقيهم‬ ‫يسألونهما ‪ :‬لمن أنتما ؟ )‪ (2‬فيقولن ‪ :‬نحن ُ‬
‫جوا أن يكونا لبي سفيان ‪ ،‬فضربوهما‬ ‫من الماء‪ .‬فكره القوم خبرهما ‪ ،‬ور َ‬
‫فلما ذلقوهما قال نحن لبي سفيان‪ .‬فتركوهما ‪ ،‬وركع رسول الله صلى الله‬
‫دقاكم ضربتموهما ‪ ،‬وإذا‬ ‫عليه وسلم وسجد سجدتين ‪ ،‬ثم سلم وقال ‪" :‬إذا ص َ‬
‫كذباكم تركتموهما‪ .‬صدقا ‪ ،‬والله إنهما لقريش ‪ ،‬أخبراني عن قريش"‪ .‬قال‬
‫قل ‪ -‬فقال‬ ‫قن ْ َ‬‫كثيب الذي ترى بالعدوة القصوى ‪ -‬والكثيب ‪ :‬العَ َ‬ ‫هم وراء هذا ال َ‬
‫لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬كم القوم ؟ " قال كثير‪ .‬قال ‪" :‬ما‬
‫حُرون كل يوم ؟ " قال يوما تسًعا ‪،‬‬ ‫دتهم ؟ " قال ما ندري‪ .‬قال ‪" :‬كم ين َ‬ ‫ع ّ‬
‫ويوما عشًرا ‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬القوم ما بين‬
‫التسعمائة إلى اللف"‪ .‬ثم قال لهما ‪" :‬فمن فيهم من أشراف قريش ؟ " قال‬
‫حَزام ‪،‬‬‫ختري بن هشام ‪ ،‬وحكيم بن ِ‬ ‫عتبة بن ربيعة ‪ ،‬وشيبة بن ربيعة ‪ ،‬وأبو الب ْ‬
‫ُ‬
‫ونوفل بن خويلد ‪ ،‬والحارث بن عامر بن نوفل ‪ ،‬وطَعيمة بن عدي بن ]نوفل ‪،‬‬
‫مَعة بن السود ‪ ،‬وأبو جهل بن هشام ‪ ،‬وأمية[ )‪ (3‬بن‬ ‫والنضر بن الحارث ‪ ،‬وَز َ‬
‫من َّبه ابنا الحجاج ‪ ،‬وسهيل بن عمرو ‪ ،‬وعمرو بن عبد ود‪ .‬فأقبل‬ ‫خلف ‪ ،‬ون ُب َْيه و ُ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال ‪" :‬هذه مكة قد ألقت‬
‫إليكم أفلذ كبدها" )‪(4‬‬
‫قال محمد بن إسحاق ‪ ،‬رحمه الله تعالى ‪ :‬وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن‬
‫حزم ‪ :‬أن سعد بن معاذ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬لما التقى‬
‫شا تكون فيه ‪ ،‬ون ُِنيخ إليك‬ ‫الناس يوم بدر ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أل نبني لك عري ً‬
‫ركائبك ‪ ،‬ونلقى عدونا ‪ ،‬فإن أظفرنا الله عليهم وأعزنا فذاك ما نحب ‪،‬‬
‫س على ركائبك ‪ ،‬وتلحق بمن وراءنا من قومنا ‪،‬‬ ‫فقال ‪ :‬وإن تكن الخرى فَتجل َ‬
‫فقد ‪ -‬والله ‪ -‬تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد ّ لك حبا منهم ‪ ،‬لو علموا أنك‬
‫تلقى حربا ما تخلفوا عنك ‪ ،‬ويوادونك وينصرونك‪ .‬فأثنى عليه رسول الله‬
‫ي له عريش ‪ ،‬فكان فيه رسول‬ ‫صلى الله عليه وسلم خيًرا ‪ ،‬ودعا له به‪ .‬فب ُن ِ َ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ‪ ،‬ما معهما غيرهما )‪(5‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وارتحلت قريش حين أصبحت ‪ ،‬فلما أقبلت ورآها رسول‬
‫قل ‪ -‬وهو الكثيب ‪ -‬الذي جاءوا‬ ‫قن ْ َ‬
‫وب من العَ َ‬ ‫ص ّ‬‫الله صلى الله عليه وسلم ت ُ َ‬
‫منه إلى الوادي قال ‪" :‬اللهم هذه )‪ (6‬قريش قد أقبلت بفخرها وخيلئها‬
‫تحادك وتكذب رسولك ‪ ،‬اللهم أحنهم الغداة" )‪(7‬‬
‫ن ب َي ّن َةٍ { قال محمد بن‬
‫ي عَ ْ‬‫ح ّ‬‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫حَيى َ‬ ‫ن ب َي ّن َةٍ وَي َ ْ‬‫ك عَ ْ‬ ‫ن هَل َ َ‬
‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل ِي َهْل ِ َ‬
‫ك َ‬
‫إسحاق ‪ :‬أي ليكفر من‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬لبي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪" :‬أنتم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪ ،‬وابن هشام‪.‬‬
‫)‪ (4‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام )‪.(1/616‬‬
‫)‪ (5‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام )‪.(1/620‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬اللهم إن هذه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام )‪.(1/621‬‬

‫) ‪(4/68‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫م ِ‬‫م ِفي اْل ْ‬ ‫م وَل َت ََناَزعْت ُ ْ‬‫شل ْت ُ ْ‬‫ف ِ‬ ‫م ك َِثيًرا ل َ َ‬ ‫ك قَِليًل وَل َوْ أَراك َهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مَنا ِ‬‫ه ِفي َ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫ريك َهُ ُ‬ ‫إ ِذ ْ ي ُ ِ‬
‫م ِفي‬ ‫قي ْت ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫م إ ِذِ الت َ َ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫ريك ُ‬‫ُ‬ ‫دورِ )‪َ (43‬وَإ ِذ ْ ي ُ ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬‫سل َ‬‫ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫وَل َك ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جعُ‬‫فُعوًل وَإ َِلى الل ّهِ ت ُْر َ‬ ‫م ْ‬
‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫مًرا َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬‫ق ِ‬ ‫م ل ِي َ ْ‬
‫م ِفي أعْي ُن ِهِ ْ‬ ‫قل ّل ُك ُ ْ‬‫م قَِليًل وَي ُ َ‬ ‫أعْي ُن ِك ُ ْ‬
‫ُ‬
‫موُر )‪(44‬‬ ‫اْل ُ‬

‫كفر بعد الحجة ‪ ،‬لما رأى من الية والعبرة ‪ ،‬ويؤمن من آمن على مثل ذلك‪.‬‬
‫ط ذلك أنه )‪ (1‬تعالى يقول ‪ :‬إنما جمعكم مع عدوكم‬ ‫س ُ‬ ‫وهذا تفسير جيد‪ .‬وب َ ْ‬
‫في مكان واحد على غير ميعاد ‪ ،‬لينصركم عليهم ‪ ،‬ويرفع كلمة الحق على‬
‫الباطل ‪ ،‬ليصير المر ظاهًرا ‪ ،‬والحجة قاطعة ‪ ،‬والبراهين ساطعة ‪ ،‬ول يبقى‬
‫ك { أي ‪ :‬يستمر في الكفر من‬ ‫ن هَل َ َ‬ ‫م ْ‬‫ك َ‬ ‫لحد حجة ول شبهة ‪ ،‬فحينئذ } ي َهْل ِ َ‬
‫حَيى‬‫استمر فيه على بصيرة من أمره أنه مبطل ‪ ،‬لقيام الحجة عليه ‪ } ،‬وَي َ ْ‬
‫ن ب َي ّن َةٍ { أي ‪ :‬حجة وبصيرة‪ .‬واليمان هو‬ ‫ي { أي ‪ :‬يؤمن من آمن } عَ ْ‬ ‫ح ّ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ه ُنوًرا‬ ‫جعَل َْنا ل َُ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ح‬‫َ‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫تا‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫الله‬ ‫قال‬ ‫‪،‬‬ ‫القلوب‬ ‫حياة‬
‫ْ ََْ ُ َ َ‬ ‫َ َ ًْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫ف‬ ‫‪:‬‬ ‫الفك‬ ‫قصة‬ ‫في‬ ‫عائشة‬ ‫وقالت‬ ‫‪،‬‬ ‫س { ]النعام ‪[122 :‬‬ ‫شي ب ِهِ ِفي الّنا ِ‬ ‫م ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫هلك من هلك أي ‪ :‬قال فيها ما قال من الكذب والبهتان والفك‪.‬‬
‫ميعٌ { أي ‪ :‬لدعائكم وتضرعكم واستغاثتكم به‬ ‫ه لَ َ‬
‫س ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِ ّ‬
‫م { أي ‪ :‬بكم وأنكم تستحقون النصر على أعدائكم الكفرة المعاندين‪.‬‬ ‫} عَِلي ٌ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م ِفي‬ ‫م وَلت ََناَزعْت ُ ْ‬ ‫شلت ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م كِثيًرا ل َ‬ ‫مك قِليل وَلوْ أَراكهُ ْ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ريكهُ ُ‬ ‫} إ ِذ ْ ي ُ ِ‬
‫م‬
‫قي ْت ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫م إ ِذِ الت َ َ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ريك ُ‬ ‫ْ‬
‫دورِ )‪ َ (43‬وَإ ِذ ي ُ ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫َ‬
‫م ب ِذا ِ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫َ‬
‫مرِ وَلك ِ ّ‬ ‫ال ْ‬
‫فُعول وَإ َِلى الل ِّ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬ ‫ن‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫را‬ ‫م‬‫أ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ليل‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِفي ْ ُ ِ ْ ِ‬
‫ق‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫أ‬
‫َ َ‬ ‫ُ ْ ً‬ ‫ُِِْ ْ َِ ِ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َُ‬
‫موُر )‪{ (44‬‬ ‫جعُ ال ُ‬ ‫ت ُْر َ‬
‫قال مجاهد ‪ :‬أراه الله إياهم في منامه )‪ (2‬قليل فأخبر النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أصحابه بذلك ‪ ،‬فكان تثبيتا لهم‪.‬‬
‫وكذا قال ابن إسحاق وغير واحد‪ .‬وحكى ابن جرير عن بعضهم أنه رآهم بعينه‬
‫التي ينام بها‪.‬‬
‫وقد روى ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا يوسف بن موسى المدبر ‪ ،‬حدثنا‬
‫ه ِفي‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ريك َهُ ُ‬ ‫أبو قتيبة ‪ ،‬عن سهل السراج ‪ ،‬عن الحسن في قوله ‪ } :‬إ ِذ ْ ي ُ ِ‬
‫ك قَِليل { قال ‪ :‬بعينك‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫مَنا ِ‬‫َ‬
‫وهذا القول غريب ‪ ،‬وقد صرح بالمنام هاهنا ‪ ،‬فل حاجة إلى التأويل الذي ل‬
‫دليل عليه )‪(3‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬لجبنتم عنهم واختلفتم فيما بينكم ‪،‬‬ ‫شلت ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م كِثيًرا ل َ‬ ‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َوْأَراكهُ ْ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م { أي ‪ :‬من ذلك ‪ :‬بأن أراكهم قليل } إ ِن ّ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫} وَل َك ِ ّ‬
‫دورِ { أي ‪ :‬بما تجنه الضمائر ‪ ،‬وتنطوي عليه الحشاء ‪ ،‬فيعلم خائنة‬ ‫ص ُ‬ ‫ال ّ‬
‫العين وما تخفي الصدور‪.‬‬
‫َ‬ ‫م إ ِذِ ال ْت َ َ‬
‫ضا من لطفه‬ ‫م قَِليل { وهذا أي ً‬ ‫م ِفي أعْي ُن ِك ُ ْ‬ ‫قي ْت ُ ْ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫ريك ُ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِذ ْ ي ُ ِ‬
‫تعالى بهم ‪ ،‬إذ أراهم إياهم قليل في رأي العين ‪ ،‬فيجرؤهم عليهم ‪ ،‬ويطمعهم‬
‫فيهم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬أن الله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في جميع النسخ ‪" :‬أراهم الله في منامه" والمثبت من الطبري‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬له"‪.‬‬

‫) ‪(4/69‬‬

‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(45‬‬
‫حو َ‬
‫فل ِ ُ‬ ‫ه ك َِثيًرا ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م تُ ْ‬ ‫ة َفاث ْب ُُتوا َواذ ْك ُُروا الل ّ َ‬
‫م فِئ َ ً‬ ‫مُنوا إ َِذا ل َ ِ‬
‫قيت ُ ْ‬ ‫نآ َ‬‫َيا أي َّها ال ّ ِ َ‬
‫سِبيعي ‪ ،‬عن أبي عبيدة ‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود ‪ ،‬رضي‬ ‫قال أبو إسحاق ال ّ‬
‫الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬لقد قُللوا في أعيننا يوم بدر ‪ ،‬حتى قلت لرجل إلى جانبي ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫تراهم سبعين ؟ قال ‪ :‬ل بل ]هم[ )‪ (1‬مائة ‪ ،‬حتى أخذنا رجل منهم فسألناه ‪،‬‬
‫قال )‪ (2‬كنا ألفا‪ .‬رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬وابن جرير )‪(3‬‬
‫َ‬
‫م { قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا سليمان بن حرب‬ ‫م ِفي أعْي ُن ِهِ ْ‬ ‫قل ّل ُك ُ ْ‬‫وقوله ‪ } :‬وَي ُ َ‬
‫‪ ،‬حدثنا حماد بن زيد ‪ ،‬عن الزبير بن الخّريت )‪ (4‬عن )‪ (5‬عكرمة ‪ } :‬وَإ ِذ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م { قال ‪ :‬حضض‬ ‫م ِفي أعْي ُن ِهِ ْ‬‫قل ّل ُك ُ ْ‬
‫م قَِليل وَي ُ َ‬‫م ِفي أعْي ُن ِك ُ ْ‬ ‫م إ ِذِ ال ْت َ َ‬
‫قي ْت ُ ْ‬ ‫ريك ُ ُ‬
‫موهُ ْ‬ ‫يُ ِ‬
‫بعضهم على بعض‪.‬‬
‫إسناد صحيح‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ‪ ،‬عن‬
‫فُعول { أي ‪ :‬ليلقي بينهم‬ ‫م ْ‬ ‫مًرا َ‬ ‫قضي الل ّ َ‬
‫ن َ‬‫كا َ‬ ‫هأ ْ‬‫ُ‬ ‫أبيه في قوله تعالى ‪ } :‬ل ِي َ ْ ِ َ‬
‫الحرب ‪ ،‬للنقمة ممن أراد النتقام منه ‪ ،‬والنعام على من أراد تمام النعمة‬
‫عليه من أهل وليته‪.‬‬
‫ومعنى هذا أنه تعالى أغرى كل من الفريقين بالخر ‪ ،‬وقّلله في عينه ليطمع‬
‫فيه ‪ ،‬وذلك عند المواجهة‪ .‬فلما التحم القتال وأيد الله المؤمنين بألف من‬
‫الملئكة مردفين ‪ ،‬بقي حزب الكفار يرى حزب اليمان ضعفيه ‪ ،‬كما قال‬
‫خَرى‬ ‫ل الل ّهِ وَأ ُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ل ِفي َ‬ ‫قات ِ ُ‬ ‫قَتا فِئ َ ٌ‬
‫ة تُ َ‬ ‫ن ال ْت َ َ‬ ‫ة ِفي فِئ َت َي ْ ِ‬ ‫م آي َ ٌ‬‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬قَد ْ َ‬
‫ك ل َعِب َْرةً‬ ‫ْ‬
‫في ذ َل ِ َ‬ ‫ن يَ َ‬
‫شاُء إ ِن ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صرِهِ َ‬‫ه ي ُؤَي ّد ُ ب ِن َ ْ‬ ‫ن َوالل ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫م َرأيَ العَي ْ ِ‬ ‫مث ْل َي ْهِ ْ‬
‫م ِ‬ ‫َ‬
‫كافَِرة ٌ ي ََروْن َهُ ْ‬
‫صارِ { ]آل عمران ‪ ، [13 :‬وهذا هو الجمع بين هاتين اليتين ‪ ،‬فإن‬ ‫لوِلي الب ْ َ‬
‫كل منها )‪ (6‬حق وصدق ‪ ،‬ولله الحمد والمنة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬
‫م تُ ْ‬‫ه ك َِثيًرا لعَلك ُ ْ‬ ‫ة َفاث ْب ُُتوا َواذ ْك ُُروا الل َ‬ ‫م فِئ َ ً‬ ‫مُنوا إ َِذا ل َ ِ‬
‫قيت ُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫} َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫‪{ (45‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من د ‪ ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (2‬في د ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(13/572‬‬
‫)‪ (4‬في د ‪" :‬الحارث"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في د ‪" :‬وعن"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في د ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬منهما"‪.‬‬

‫) ‪(4/70‬‬

‫َ‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫صب ُِروا إ ِ ّ‬ ‫حك ُ ْ‬
‫م َوا ْ‬ ‫شُلوا وَت َذ ْهَ َ‬
‫ب ِري ُ‬ ‫ه وََل ت ََناَز ُ‬
‫عوا فَت َ ْ‬
‫ف َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫طيُعوا الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫وَأ ِ‬
‫ن )‪(46‬‬ ‫ري َ‬
‫صاب ِ ِ‬
‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫صب ُِروا إ ِ ّ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫ب ِري ُ‬ ‫شُلوا وَت َذ ْهَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫عوا فَت َ ْ‬ ‫سول َ ُ‬
‫ه َول ت ََناَز ُ‬ ‫طيُعوا الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫} وَأ ِ‬
‫ن )‪{ (46‬‬ ‫ري َ‬
‫صاب ِ ِ‬
‫معَ ال ّ‬
‫َ‬
‫هذا تعليم الله )‪ (1‬عباده المؤمنين آداب اللقاء ‪ ،‬وطريق الشجاعة عند‬
‫َ‬
‫ة َفاث ْب ُُتوا {‬‫م فِئ َ ً‬‫قيت ُ ْ‬‫مُنوا إ َِذا ل َ ِ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫مواجهة العداء ‪] ،‬فقال[ )‪َ } (2‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ثبت في الصحيحين ‪ ،‬عن عبد الله بن أبي أوفى ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أنه انتظر في بعض أيامه التي لقي فيها العدو حتى إذا مالت‬
‫الشمس قام فيهم فقال ‪ " :‬يا أيها الناس ‪ ،‬ل تتمنوا لقاء العدو ‪ ،‬واسألوا الله‬
‫العافية ‪ ،‬فإذا لقيتموهم فاصبروا )‪ (3‬واعلموا أن الجنة تحت ظلل السيوف"‪.‬‬
‫مجري‬ ‫منزل الكتاب ‪ ،‬و ُ‬ ‫ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم وقال ‪ " :‬اللهم ‪ُ ،‬‬
‫السحاب ‪ ،‬وهازم الحزاب ‪ ،‬اهزمهم وانصرنا عليهم" )‪(4‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪" :‬تعليم من الله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من د‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬فاثبتوا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (2818‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1742‬‬

‫) ‪(4/70‬‬

‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬عن سفيان الثوري ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن زياد ‪ ،‬عن عبد‬
‫الله بن يزيد ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬ل تتمنوا لقاء العدو ‪ ،‬واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا‬
‫واذكروا الله فإن أجلبوا )‪ (1‬وضجوا )‪ (2‬فعليكم بالصمت )‪(3‬‬
‫وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي ‪ ،‬حدثنا‬
‫سطام ‪ ،‬حدثنا معتمر بن سليمان ‪ ،‬حدثنا ثابت بن زيد ‪ ،‬عن رجل ‪،‬‬ ‫أمية بن ب ِ ْ‬
‫عن زيد بن أرقم ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن الله يحب‬
‫الصمت عند ثلث ‪ :‬عند تلوة القرآن ‪ ،‬وعند الّزحف ‪ ،‬وعند الجنازة" )‪(4‬‬
‫ل عبدي الذي‬ ‫وفي الحديث الخر المرفوع يقول الله تعالى ‪" :‬إن عبدي ك ّ‬
‫يذكرني وهو مناجز قرنه )‪ (5‬أي ‪ :‬ل يشغله ذلك الحال عن ذكرى ودعائي‬
‫واستعانتي‪.‬‬
‫وقال سعيد بن أبي عَُروبة ‪ ،‬عن قتادة في هذه الية ‪ ،‬قال ‪ :‬افترض )‪ (6‬الله‬
‫ذكره عند أشغل ما تكونون )‪ (7‬عند الضراب بالسيوف‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبدة بن سليمان ‪ ،‬حدثنا ابن‬
‫جريج ‪ ،‬عن عطاء قال ‪ :‬وجب النصات والذكر عند الزحف‬ ‫المبارك ‪ ،‬عن ابن ُ‬
‫‪ ،‬ثم تل هذه الية ‪ ،‬قلت ‪ :‬يجهرون بالذكر ؟ قال ‪ :‬نعم‪.‬‬
‫ضا ‪ُ :‬قرئ علي يونس بن عبد العلى ‪ ،‬أنبأنا ابن وهب ‪ ،‬أخبرني عبد‬ ‫وقال أي ً‬
‫الله بن عياش )‪ (8‬عن يزيد بن قوذر ‪ ،‬عن كعب الحبار قال ‪ :‬ما من شيء‬
‫أحب إلى الله تعالى من قراءة القرآن والذكر ‪ ،‬ولول ذلك ما أمر الناس‬
‫بالصلة والقتال ‪ ،‬أل ترون أنه أمر الناس بالذكر عند القتال ‪ ،‬فقال ‪َ } :‬يا أ َي َّها‬
‫ن{‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م تُ ْ‬‫ه ك َِثيًرا ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ة َفاث ْب ُُتوا َواذ ْك ُُروا الل ّ َ‬‫م فِئ َ ً‬ ‫مُنوا إ َِذا ل َ ِ‬
‫قيت ُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫مُر‬
‫س ْ‬
‫ة ال ّ‬ ‫ف ُ‬‫ق َ‬ ‫مث َ ّ‬‫ت ِفيَنا ال ُ‬ ‫خطى يخطُر ب َي ْن ََناوََقد ن َهَل َ ْ‬ ‫قال الشاعر ‪ :‬ذكرتك وال َ‬
‫ن‬
‫طر م ْ‬ ‫ق ُ‬
‫ض ال ْهِن ْد ِ ت َ ْ‬ ‫جٌرِفيَنا وَِبي ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫ش َ‬‫ح َ‬ ‫ما ُ‬ ‫قد ذ َك َْرُتك والّر َ‬ ‫وقال عنترة ‪ (9) :‬ول َ َ‬
‫مي‬ ‫دَ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في د ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬جلبوا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬وصيحوا"‬
‫)‪ (3‬مصنف عبد الرزاق برقم )‪ (9518‬ورواه البيهقي في السنن الكبرى )‬
‫‪ (9/153‬من طريق ابن وهب ‪ ،‬وابن أبي شيبة في المصنف )‪ (12/463‬من‬
‫طريق عبد بن سليمان ‪ ،‬كلهما عن عبد الرحمن بن زياد به‪.‬‬
‫)‪ (4‬المعجم الكبير )‪ (5/213‬وفيه راو لم يسم‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه الترمذي في السنن برقم )‪ (3580‬من طريق عفير بن معدان عن‬
‫أبي دوس اليحصبي عن ابن عائذ عن عمارة بن زعكرة مرفوعا ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫"هذا حديث غريب ل نعرفه إل من هذا الوجه ‪ ،‬ليس إسناده بالقوي ‪ ،‬ول‬
‫نعرف لعمارة بن زعكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إل هذا الحديث‬
‫الواحد"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في د ‪" :‬فرض"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬ما يكون"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬عباس"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في م ‪" :‬آخر"‪.‬‬

‫) ‪(4/71‬‬

‫َ‬ ‫كال ّ ِ‬‫كوُنوا َ‬ ‫وََل ت َ ُ‬


‫ل‬
‫سِبي ِ‬
‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬
‫س وَي َ ُ‬
‫َ‬ ‫م ب َطًرا وَرَِئاَء الّنا ِ‬ ‫ن دَِيارِهِ ْ‬
‫م ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خَر ُ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬
‫ل َل‬
‫م وََقا َ‬‫مال َهُ ْ‬
‫ن أع ْ َ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬
‫م ال ّ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬‫ط )‪ (47‬وَإ ِذ ْ َزي ّ َ‬ ‫حي ٌ‬ ‫م ِ‬
‫ن ُ‬ ‫مُلو َ‬‫ما ي َعْ َ‬ ‫الل ّهِ َوالل ّ ُ‬
‫ه بِ َ‬
‫ص عََلى‬‫ن ن َك َ َ‬ ‫ت ال ْ ِ‬
‫فئ ََتا ِ‬ ‫م فَل َ ّ‬
‫ما ت ََراَء ِ‬ ‫جاٌر ل َك ُ ْ‬ ‫س وَإ ِّني َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬‫ب ل َك ُ ُ‬ ‫َ‬
‫غال ِ َ‬
‫ديد ُ‬‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬
‫ف الل ّ َ‬ ‫ن إ ِّني أ َ َ‬
‫خا ُ‬ ‫ما َل ت ََروْ َ‬
‫َ‬
‫م إ ِّني أَرى َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ريٌء ِ‬ ‫ل إ ِّني ب َ ِ‬ ‫قب َي ْهِ وََقا َ‬ ‫عَ ِ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ض غّر هَؤُلِء ِدين ُهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن ِفي قلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن َوال ِ‬ ‫قو َ‬‫مَنافِ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫قول ال ُ‬ ‫ب )‪ (48‬إ ِذ ْ ي َ ُ‬ ‫قا ِ‬ ‫ال ْعِ َ‬
‫م )‪(49‬‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬‫زيٌز َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه عَ ِ‬ ‫ل عََلى الل ّهِ فَإ ِ ّ‬ ‫ن ي َت َوَك ّ ْ‬
‫م ْ‬ ‫وَ َ‬

‫]فوددت تقبيل السيوف لنهالمعت كبارق ثغرك المتبسم[ )‪(1‬‬


‫فأمر تعالى بالثبات عند قتال العداء والصبر على مبارزتهم ‪ ،‬فل يفروا ول‬
‫ينكلوا ول يجبنوا ‪ ،‬وأن يذكروا الله في تلك الحال ول ينسوه بل يستعينوا )‪(2‬‬
‫به ويتكلوا عليه ‪ ،‬ويسألوه النصر على أعدائهم ‪ ،‬وأن يطيعوا الله ورسوله في‬
‫حالهم ذلك‪ .‬فما أمرهم الله تعالى به ائتمروا ‪ ،‬وما نهاهم عنه انزجروا ‪ ،‬ول‬
‫يتنازعوا فيما بينهم أيضا فيختلفوا فيكون سببا لتخاذلهم وفشلهم‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬قوتكم وحدتكم وما كنتم فيه من القبال ‪،‬‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫ب ِري ُ‬ ‫} وَت َذ ْهَ َ‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صب ُِروا إ ِ ّ‬ ‫} َوا ْ‬
‫وقد كان للصحابة ‪ -‬رضي الله عنهم ‪ -‬في باب الشجاعة والئتمار بأمر )‪(3‬‬
‫الله ‪ ،‬وامتثال ما أرشدهم إليه ‪ -‬ما لم يكن لحد من المم والقرون قبلهم ‪،‬‬
‫ول يكون لحد ممن بعدهم ؛ فإنهم ببركة الرسول ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه‬
‫‪ ،‬وطاعته فيما أمرهم ‪ ،‬فتحوا القلوب )‪ (4‬والقاليم شرقا وغربا في المدة‬
‫ددهم بالنسبة إلى جيوش سائر القاليم ‪ ،‬من الروم‬ ‫اليسيرة ‪ ،‬مع قلة عَ َ‬
‫والفرس والترك والصقالبة والبربر والحُبوش وأصناف السودان والقْبط ‪،‬‬
‫ت كلمة الله ‪ ،‬وظهر دينه على سائر‬ ‫وطوائف بني آدم ‪ ،‬قهروا الجميع حتى عَل َ ْ‬
‫الديان ‪ ،‬وامتدت )‪ (5‬الممالك السلمية في مشارق الرض ومغاربها ‪ ،‬في‬
‫أقل من ثلثين سنة ‪ ،‬فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين ‪ ،‬وحشرنا في‬
‫زمرتهم ‪ ،‬إنه كريم وهاب‪.‬‬
‫ل‬
‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫س وَي َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كال ّ ِ‬ ‫كوُنوا َ‬ ‫} َول ت َ ُ‬
‫َ‬ ‫م ب َطًرا وَرِئاَء الّنا ِ‬ ‫ن دَِيارِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خَر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬
‫لل‬ ‫م وََقا َ‬ ‫مال َهُ ْ‬ ‫ن أع ْ َ‬ ‫طا ُ‬‫شي ْ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬‫ط )‪ (47‬وَإ ِذ ْ َزي ّ َ‬ ‫حي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫الل ّهِ َوالل ّ ُ‬
‫ص عََلى‬ ‫ن ن َك َ َ‬ ‫ت ال ْ ِ‬
‫فئ ََتا ِ‬ ‫ما ت ََراَء ِ‬ ‫م فَل َ ّ‬ ‫جاٌر ل َك ُ ْ‬ ‫س وَإ ِّني َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬ ‫ب ل َك ُ ُ‬ ‫غال ِ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ديد ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫ف الل ّ َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ن إ ِّني أ َ‬ ‫ما ل ت ََروْ َ‬ ‫م إ ِّني أَرى َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ريٌء ِ‬ ‫ل إ ِّني ب َ ِ‬ ‫قب َي ْهِ وََقا َ‬ ‫عَ ِ‬
‫م‬
‫ؤلِء ِدين ُهُ ْ‬ ‫ض غَّر هَ ُ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫ب )‪ (48‬إ ِذ ْ ي َ ُ‬ ‫قا ِ‬ ‫ال ْعِ َ‬
‫م )‪{ (49‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ّ‬
‫ل عَلى اللهِ فَإ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫ن ي َت َوَك ّ ْ‬‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫يقول تعالى بعد أمره المؤمنين بالخلص في القتال في سبيله وكثرة ذكره ‪،‬‬
‫ناهًيا لهم عن التشبه بالمشركين في خروجهم من ديارهم } ب َط ًَرا { أي ‪:‬‬
‫س { وهو ‪ :‬المفاخرة والتكبر عليهم ‪ ،‬كما قال أبو‬ ‫دفعا للحق ‪ } ،‬وَرَِئاَء الّنا ِ‬
‫جهل ‪ -‬لما قيل له ‪ :‬إن العير قد نجا فارجعوا ‪ -‬فقال ‪ :‬ل والله ل نرجع حتى‬
‫جُزر ‪ ،‬ونشرب الخمر ‪ ،‬وتعزف )‪ (6‬علينا القيان ‪،‬‬ ‫نرد ماء بدر ‪ ،‬وننحر ال ُ‬
‫وتتحدث العرب بمكاننا فيها يومنا أبدا ‪ ،‬فانعكس ذلك عليه أجمع ؛ لنهم لما‬
‫موا في أطواء بدر مهانين أذلء ‪ ،‬صغرة‬ ‫وردوا ماء بدر وردوا به الحمام ‪ ،‬وُر ُ‬
‫حيط {‬ ‫ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ّ‬
‫أشقياء في عذاب سرمدي أبدي ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬والل ُ‬
‫أي ‪ :‬عالم بما جاءوا به وله ‪ ،‬ولهذا جازاهم على ذلك شر الجزاء لهم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (2‬في د ‪" :‬يستغيثوا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪" :‬بأوامر"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في م ‪" :‬الثغور"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في د ‪" :‬واشتهرت"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ك ‪" :‬وتضرب"‪.‬‬
‫) ‪(4/72‬‬

‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والسدي في قوله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬ ‫كال ّ ِ‬ ‫كوُنوا َ‬ ‫} َول ت َ ُ‬
‫س { قالوا ‪ :‬هم‬ ‫م ب َطًرا وَرَِئاَء الّنا ِ‬ ‫ن دَِيارِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خَر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬
‫المشركون ‪ ،‬الذين قاتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر‪.‬‬
‫وقال محمد بن كعب ‪ :‬لما خرجت قريش من مكة إلى بدر ‪ ،‬خرجوا بالقيان‬
‫م ب َط ًَرا وَرَِئاَء‬ ‫ن دَِيارِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خَر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬ ‫كوُنوا َ‬ ‫والدفوف ‪ ،‬فأنزل الله } َول ت َ ُ‬
‫ط{‬ ‫حي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ل الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫سِبي ِ‬‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬‫س وَي َ ُ‬
‫َ‬ ‫الّنا ِ‬
‫س‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫م الي َوْ َ‬ ‫ب لك ُ‬ ‫م وَقال ل غال ِ َ‬ ‫مالهُ ْ‬ ‫ن أعْ َ‬ ‫م الشي ْطا ُ‬ ‫ن لهُ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِذ َزي ّ َ‬
‫سن لهم ‪ -‬لعنه الله ‪ -‬ما جاؤوا له وما هموا به ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ح‬ ‫‪:‬‬ ‫الية‬ ‫م{‬ ‫جاٌر ل َك ُ ْ‬ ‫وَإ ِّني َ‬
‫وأطمعهم أنه ل غالب لهم اليوم من الناس ‪ ،‬ونفى عنهم الخشية من أن يؤتوا‬
‫في ديارهم من عدوهم بني بكر فقال ‪ :‬أنا جار لكم ‪ ،‬وذلك أنه تبدى لهم في‬
‫دلج ‪ ،‬كبير تلك الناحية ‪ ،‬وكل‬ ‫م ْ‬ ‫شم ‪ ،‬سيد بني ُ‬ ‫جعْ ُ‬ ‫سَراقة بن مالك بن ُ‬ ‫صورة ُ‬
‫م‬
‫ما ي َعِد ُهُ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مّنيهِ ْ‬ ‫م وَي ُ َ‬ ‫ذلك منه ‪ ،‬كما قال ]الله[ )‪ (1‬تعالى عنه ‪ } :‬ي َعِد ُهُ ْ‬
‫ن ِإل غُُروًرا { ]النساء ‪.[120 :‬‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬‫ال ّ‬
‫قال ابن جريج )‪ (2‬قال ابن عباس في هذه الية ‪ :‬لما كان يوم بدر سار‬
‫إبليس برايته وجنوده مع المشركين ‪ ،‬وألقى في قلوب المشركين ‪ :‬أن أحدا‬
‫لن يغلبكم ‪ ،‬وإني جار لكم‪ .‬فلما التقوا ‪ ،‬ونظر الشيطان إلى إمداد الملئكة ‪،‬‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫ما ل ت ََروْ َ‬ ‫قب َْيه { قال ‪ :‬رجع مدبرا ‪ ،‬وقال ‪ } :‬إ ِّني أَرى َ‬ ‫ص عََلى عَ ِ‬ ‫} ن َك َ َ‬
‫الية‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬جاء إبليس يوم بدر في جند‬
‫من الشياطين ‪ ،‬معه رايته ‪ ،‬في صورة رجل من بني مدلج ‪ ،‬والشيطان في‬
‫صورة سراقة بن مالك )‪ (3‬بن جعشم ‪ ،‬فقال الشيطان للمشركين ‪ } :‬ل‬
‫م { فلما اصطف الناس أخذ رسول‬ ‫جاٌر ل َك ُ ْ‬ ‫س وَإ ِّني َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬ ‫ب ل َك ُ ُ‬ ‫غال ِ َ‬‫َ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قبضة من التراب فرمى بها في وجوه المشركين ‪،‬‬
‫فولوا مدبرين وأقبل جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬إلى إبليس ‪ ،‬فلما رآه ‪ -‬وكانت‬
‫يده في يد رجل من المشركين ‪ -‬انتزع يده ثم ولى مدبرا هو وشيعته ‪ ،‬فقال‬
‫ن إ ِّني‬ ‫َ‬
‫ما ل ت ََروْ َ‬ ‫الرجل ‪ :‬يا سراقة ‪ ،‬أتزعم أنك لنا جار ؟ فقال ‪ } :‬إ ِّني أَرى َ‬
‫ب { وذلك حين رأى الملئكة‪.‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ديد ُ ال ْعِ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫ف الل ّ َ‬ ‫خا ُ‬ ‫أَ َ‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني الكلبي ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن ابن عباس ؛ أن‬
‫إبليس خرج مع قريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ‪ ،‬فلما حضر‬
‫م{‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ريٌء ِ‬ ‫القتال ورأى الملئكة ‪ ،‬نكص على عقبيه ‪ ،‬وقال ‪ } :‬إ ِّني ب َ ِ‬
‫فتشبث )‪ (4‬الحارث بن هشام فنخر في وجهه ‪ ،‬فخر صعقا ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬ويلك‬
‫م إ ِّني‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ريٌء ِ‬ ‫َيا سراقة ‪ ،‬على هذه َ الحال تخذلنا وتبرأ منا‪ .‬فقال ‪ } :‬إ ِّني ب َ ِ‬
‫ب{‬ ‫قا ِ‬ ‫ديد ُ ال ْعِ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫ف الل ّ َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ن إ ِّني أ َ‬ ‫ما ل ت ََروْ َ‬ ‫أَرى َ‬
‫وقال محمد بن عمر الواقدي ‪ :‬أخبرني عمر بن عقبة ‪ ،‬عن شعبة ‪ -‬مولى ابن‬
‫عباس ‪ -‬عن ابن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ك ‪" :‬جرير"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ك ‪" :‬مالك المدلجي"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ك ‪" :‬فتشبث به"‪.‬‬
‫) ‪(4/73‬‬

‫عباس قال ‪ :‬لما تواقف الناس أغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ساعة ثم كشف عنه ‪ ،‬فبشر الناس بجبريل في جند من الملئكة ميمنة‬
‫الناس ‪ ،‬وميكائيل في جند آخر ميسرة الناس ‪ ،‬وإسرافيل في جند آخر ألف‪.‬‬
‫وإبليس قد تصور في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي ‪ ،‬يدبر‬
‫المشركين ويخبرهم أنه ل غالب لهم )‪ (1‬اليوم من الناس‪ .‬فلما أبصر عدّو‬
‫َ‬
‫ما ل‬ ‫م إ ِّني أَرى َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ريٌء ِ‬ ‫الله الملئكة ‪ ،‬نكص على عقبيه ‪ ،‬وقال ‪ } :‬إ ِّني ب َ ِ‬
‫ن { فتشبث به الحارث بن هشام ‪ ،‬وهو يرى أنه سراقة لما سمع من‬ ‫ت ََروْ َ‬
‫كلمه ‪ ،‬فضرب في صدر الحارث ‪ ،‬فسقط الحارث ‪ ،‬وانطلق إبليس )‪ (2‬ل‬
‫يرى حتى سقط في البحر ‪ ،‬ورفع ثوبه وقال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬موعدك الذي وعدتني‬
‫)‪(3‬‬
‫وفي الطبراني عن رفاعة بن رافع قريب من هذا السياق وأبسط منه )‪(4‬‬
‫ذكرناه في السيرة‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني يزيد بن رومان ‪ ،‬عن عروة بن الزبير قال ‪:‬‬
‫لما أجمعت )‪ (5‬قريش المسير )‪ (6‬ذكرت الذي بينها وبين بني بكر من‬
‫الحرب ‪ ،‬فكاد ذلك أن يثنيهم ‪ ،‬فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك‬
‫بن جعشم المدلجي ‪ -‬وكان من أشراف بني كنانة ‪ -‬فقال ‪ :‬أنا جار لكم أن‬
‫تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه ‪ ،‬فخرجوا سراعا‪.‬‬
‫قال محمد بن إسحاق ‪ :‬فذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة‬
‫سراقة بن مالك )‪ (7‬ل ينكرونه ‪ ،‬حتى إذا كان يوم بدر والتقى الجمعان ‪ ،‬كان‬
‫الذي رآه حين نكص الحارث بن هشام ‪ -‬أو ‪ :‬عمير بن وهب ‪ -‬فقال ‪ :‬أين ‪،‬‬
‫أي سراق ؟ )‪ (8‬ومثل عدو الله فذهب ‪ -‬قال ‪ :‬فأوردهم ثم أسلمهم ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫ونظر عدو الله إلى جنود الله ‪ ،‬قد أيد الله بهم رسوله )‪ (9‬والمؤمنين‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫ما ل ت ََروْ َ‬ ‫م إ ِّني أَرى َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ريٌء ِ‬ ‫فانتكص )‪ (10‬على عقبيه ‪ ،‬وقال َ ‪ } :‬إ ِّني ب َ ِ‬
‫ب { )‪(11‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ديد ُ ال ْعِ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫ف الل ّ َ‬ ‫خا ُ‬ ‫وصدق عدو الله ‪ ،‬وقال ‪ } :‬إ ِّني أ َ‬
‫وهكذا روي عن السدي ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬ومحمد بن كعب‬
‫القرظي ‪ ،‬وغيرهم ‪ ،‬رحمهم الله‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬وذكر لنا أنه رأى جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬تنزل معه )‪(12‬‬
‫ما ل‬ ‫َ‬
‫الملئكة ‪ ،‬فعلم عدو الله أنه ل يدان له بالملئكة فقال ‪ } :‬إ ِّني أَرى َ‬
‫ه { وكذب عدو الله ‪ ،‬والله ما به مخافة الله ‪ ،‬ولكن علم‬ ‫ف الل ّ َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ن إ ِّني أ َ َ‬ ‫ت ََروْ َ‬
‫أنه ل قوة له ول منعة ‪ ،‬وتلك عادة عدو الله لمن أطاعه واستقاد له ‪ ،‬حتى إذا‬
‫التقى الحق والباطل أسلمهم شر مسلم ‪ ،‬وتبرأ منهم عند ذلك‪.‬‬
‫ن إ ِذ ْ َقالَ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫قلت ‪ :‬يعني بعادته لمن أطاعه قوله تعالى ‪ } :‬ك َ َ‬
‫ه { ]الحشر ‪، [16 :‬‬ ‫ف الل ّ َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ك إ ِّني أ َ َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ريٌء ِ‬ ‫ل إ ِّني ب َ ِ‬ ‫فَر َقا َ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫فْر فَل َ ّ‬ ‫ن اك ْ ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫ِللن ْ َ‬
‫ق‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫د‬
‫َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ّ‬‫ع‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫ْ ُ ّ‬ ‫إ‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ي‬
‫ِ َ‬ ‫ض‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ما‬ ‫ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫طا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ش‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫وقوله‬
‫ُ‬ ‫طا ِن إل أ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ج‬
‫ْ َ َ ُْ ْ‬‫ت‬ ‫س‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫م‬
‫ْ َ ُْ ْ‬‫ك‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ن‬
‫ْ ْ ِ ْ ُ‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫لي‬ ‫َ ِ‬ ‫ن‬ ‫كا‬ ‫فت ُك ُ ْ َ َ‬
‫ما‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫وَوَعَد ْت ُك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي إ ِّني‬ ‫خ ّ‬ ‫صرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫خك ُ ْ‬ ‫صرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما أَنا ب ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫موا أن ْ ُ‬ ‫موِني وَُلو ُ‬ ‫ِلي َفل ت َُلو ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م { ]إبراهيم ‪:‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مو ِ‬ ‫شَرك ْت ُ ُ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫فْر ُ‬ ‫كَ َ‬
‫‪.[22‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬لكم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬إبليس هاربا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المغازي للواقدي )‪.(1/70‬‬
‫)‪ (4‬المعجم الكبير )‪ (5/42‬من طريق عبد العزيز بن عمران عن رفاعة بن‬
‫يحيى بن معاذ بن رفاعة عن رفاعة بن رافع ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬وقال الهيثمي‬
‫في المجمع )‪" : (6/82‬وفيه عبد العزيز بن عمران وهو ضعيف"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في د ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬اجتمعت"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في د ‪" :‬للسير"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ك ‪" :‬مالك المدلجي ‪ ،‬وكان من أشراف ركانة"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في د ‪ ،‬أ ‪" :‬إلى أين يا سراقة" ‪ ،‬وفي ك ‪ ،‬م ‪" :‬أين أين سراقة"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬رسله"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬فنكص"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ك ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬إني أخاف عقاب الله" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (12‬في د ‪" :‬نزل مع"‪.‬‬

‫) ‪(4/74‬‬

‫وقال يونس بن ب ُك َْير ‪ ،‬عن محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني عبد الله بن أبي بكر بن‬
‫عمرو بن حزم ‪ ،‬عن بعض بني ساعدة قال ‪ :‬سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة‬
‫بعدما أصيب بصره يقول ‪ :‬لو كنت معكم الن ببدر ومعي بصري ‪ ،‬لخبرتكم‬
‫بالشعب الذي خرجت منه الملئكة ل أشك ول أتمارى )‪(1‬‬
‫فلما نزلت الملئكة ورآها إبليس ‪ ،‬وأوحى الله إليهم ‪ :‬أني معكم فثبتوا الذين‬
‫آمنوا ‪ ،‬وتثبيتهم أن الملئكة كانت تأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه ‪،‬‬
‫فيقول له ‪ :‬أبشر فإنهم ليسوا بشيء ‪ ،‬والله معكم ‪ ،‬كروا عليهم‪ .‬فلما رأى‬
‫َ‬
‫ما ل‬‫م إ ِّني أَرى َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ريٌء ِ‬ ‫إبليس الملئكة نكص على عقبيه ‪ ،‬وقال ‪ } :‬إ ِّني ب َ ِ‬
‫ن { وهو في صورة سراقة ‪ ،‬وأقبل أبو جهل يحضض أصحابه ويقول ‪ :‬ل‬ ‫ت ََروْ َ‬
‫يهولنكم خذلن سراقة إياكم ‪ ،‬فإنه كان على موعد من محمد وأصحابه‪ .‬ثم‬
‫قال ‪ :‬واللت والعزى ل نرجع حتى نقرن محمدا وأصحابه في الحبال ‪ ،‬فل‬
‫ذا‪ .‬وهذا من أبي جهل لعنه الله كقول فرعون للسحرة‬ ‫تقتلوهم وخذوهم أخ ً‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫من َْها أهْلَها {‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن هَ َ‬
‫جوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫دين َةِ ل ِت ُ ْ‬ ‫م ِ‬‫موه ُ ِفي ال َ‬ ‫مكْرت ُ ُ‬ ‫مكٌر َ‬ ‫ذا ل َ‬ ‫لما أسلموا ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫حَر { ]طه ‪[71 :‬‬ ‫س ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ُ‬
‫مك ُ‬ ‫ّ‬
‫ذي عَل َ‬ ‫ّ‬
‫م ال ِ‬ ‫ُ‬
‫ه لكِبيُرك ُ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫]العراف ‪ ، [123 :‬وكقوله } إ ِن ّ ُ‬
‫‪ ،‬وهو من باب البهت والفتراء ‪ ،‬ولهذا كان أبو جهل فرعون هذه المة‪.‬‬
‫وقال مالك بن أنس ‪ ،‬عن إبراهيم بن أبي عبلة )‪ (2‬عن طلحة بن عبيد الله‬
‫ي إبليس في‬ ‫ريز ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ما ُرئ ِ َ‬ ‫بن ك َ ِ‬
‫يوم هو فيه أصغر ول أحقر ول أدحر ول أغيظ منه في يوم عرفة وذلك مما‬
‫يرى من تنزل الرحمة والعفو عن الذنوب إل ما رأى يوم بدر"‪ .‬قالوا ‪ :‬يا‬
‫رسول الله ‪ ،‬وما رأى يوم بدر ؟ قال ‪" :‬أما إنه رأى جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪،‬‬
‫يزغ الملئكة" )‪(3‬‬
‫هذا مرسل من هذا الوجه‪.‬‬
‫م{‬ ‫ض غَّر هَ ُ‬
‫ؤلِء ِدين ُهُ ْ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن ِفي قُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن َوال ِ‬ ‫قو َ‬‫مَنافِ ُ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِذ ْ ي َ ُ‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية قال ‪ :‬لما دنا القوم‬
‫بعضهم من بعض قلل الله المسلمين في أعين المشركين ‪ ،‬وقلل المشركين‬
‫م { وإنما قالوا ذلك‬ ‫ؤلِء ِدين ُهُ ْ‬ ‫في أعين المسلمين فقال المشركون ‪ } :‬غَّر هَ ُ‬
‫من قلتهم في أعينهم ‪ ،‬فظنوا )‪ (4‬أنهم سيهزمونهم ‪ ،‬ل يشكون في ذلك ‪،‬‬
‫م{‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ل عََلى الل ّهِ فَإ ِ ّ‬ ‫ن ي َت َوَك ّ ْ‬
‫م ْ‬ ‫فقال الله ‪ } :‬وَ َ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬رأوا عصابة من المؤمنين تشددت لمر الله ‪ ،‬وذكر لنا أن أبا‬
‫جهل عدو الله لما أشرف على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال ‪:‬‬
‫والله ل يعبدوا الله بعد اليوم ‪ ،‬قسوة وعتوا‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام )‪.(1/633‬‬
‫)‪ (2‬في ك ‪" :‬علية"‪.‬‬
‫)‪ (3‬الموطأ )‪ (1/422‬وانظر كلم المام ابن عبد البر عن هذا الحديث في ‪:‬‬
‫التمهيد )‪.(1/115‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬وظنوا"‪.‬‬

‫) ‪(4/75‬‬

‫َ‬ ‫مَلئ ِك َ ُ‬
‫م وَُذوُقوا‬ ‫م وَأد َْباَرهُ ْ‬ ‫جوهَهُ ْ‬ ‫ن وُ ُ‬ ‫ضرُِبو َ‬‫ة يَ ْ‬ ‫فُروا ال ْ َ‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬ ‫وَل َوْ ت ََرى إ ِذ ْ ي َت َوَّفى ال ّ ِ‬
‫س ب ِظ َّلم ٍ ل ِل ْعَِبيد ِ )‪(51‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ل َي ْ َ‬
‫ن الل ّ َ‬ ‫ديك ُ ْ‬
‫م وَأ ّ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما قَد ّ َ‬
‫ك بِ َ‬‫ق )‪ (50‬ذ َل ِ َ‬ ‫ري ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫عَ َ‬
‫ذا َ‬

‫ض{‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ن َوال ّ ِ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫جَرْيج في قوله ‪ } :‬إ ِذ ْ ي َ ُ‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫هم قوم كانوا من المنافقين بمكة ‪ ،‬قالوه يوم بدر‪.‬‬
‫وقال عامر الشعبي ‪ :‬كان ناس من أهل مكة قد تكلموا بالسلم ‪ ،‬فخرجوا‬
‫م{‬ ‫ؤلِء ِدين ُهُ ْ‬ ‫مع المشركين يوم بدر ‪ ،‬فلما رأوا قلة المسلمين قالوا ‪ } :‬غَّر هَ ُ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ن ِفي قُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬‫ل ال ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫وقال مجاهد في قوله ‪ ،‬عز وجل ‪ } :‬إ ِذ ْ ي َ ُ‬
‫م { قال ‪ :‬فئة من قريش ‪] :‬أبو[ )‪ (1‬قيس بن الوليد بن‬ ‫ؤلِء ِدين ُهُ ْ‬ ‫ض غَّر هَ ُ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫َ‬
‫المغيرة ‪ ،‬وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة ‪ ،‬والحارث بن زمعة بن السود بن‬
‫المطلب ‪ ،‬وعلي بن أمية بن خلف ‪ ،‬والعاص بن منبه بن الحجاج ‪ ،‬خرجوا مع‬
‫قريش من مكة وهم على الرتياب فحبسهم ارتيابهم ‪ ،‬فلما رأوا قلة أصحاب‬
‫م { حتى قدموا‬ ‫ؤلِء ِدين ُهُ ْ‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬قالوا ‪ } :‬غَّر هَ ُ‬
‫على ما قدموا عليه ‪ ،‬مع قلة عددهم وكثرة عدوهم‪.‬‬
‫وهكذا قال محمد بن إسحاق بن يسار ‪ ،‬سواء‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد العلى ‪ ،‬حدثنا محمد بن ثور ‪ ،‬عن‬
‫مر ‪ ،‬عن الحسن في هذه الية ‪ ،‬قال ‪ :‬هم قوم لم يشهدوا القتال يوم‬ ‫معْ َ‬ ‫َ‬
‫بدر ‪ ،‬فسموا منافقين ‪ -‬قال معمر ‪ :‬وقال بعضهم ‪ :‬هم قوم كانوا أقروا‬
‫بالسلم ‪ ،‬وهم بمكة فخرجوا مع المشركين يوم بدر ‪ ،‬فلما رأوا قلة‬
‫م { )‪(2‬‬ ‫ؤلِء ِدين ُهُ ْ‬ ‫المسلمين قالوا ‪ } :‬غَّر هَ ُ‬
‫هّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ل عََلى اللهِ { أي ‪ :‬يعتمد على جنابه ‪ } ،‬فَإ ِ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ن ي َت َوَك ّ ْ‬
‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫زيٌز { أي ‪ :‬ل ُيضام من التجأ إليه ‪ ،‬فإن الله عزيز منيع الجناب ‪ ،‬عظيم‬ ‫عَ ِ‬
‫السلطان ‪ ،‬حكيم في أفعاله ‪ ،‬ل يضعها إل في مواضعها ‪ ،‬فينصر من يستحق‬
‫النصر ‪ ،‬ويخذل من هو أهل لذلك‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ُ‬
‫م وَُذوقوا‬ ‫م وَأد َْباَرهُ ْ‬ ‫جوهَهُ ْ‬ ‫ن وُ ُ‬ ‫ضرُِبو َ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫َ‬
‫ملئ ِك ُ‬ ‫فُروا ال َ‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬ ‫} وَل َوْ ت ََرى إ ِذ ْ ي َت َوَّفى ال ّ ِ‬
‫ظلم ٍ ل ِل ْعَِبيد ِ )‬ ‫س بِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ل َي ْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م وَأ ّ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما قَد ّ َ‬ ‫ك بِ َ‬‫ق )‪ (50‬ذ َل ِ َ‬ ‫ري ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ذا َ‬‫عَ َ‬
‫‪{ (51‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ولو عاينت يا محمد حال توفي الملئكة أرواح الكفار ‪ ،‬لرأيت‬
‫أمرا عظيما هائل فظيعا منكرا ؛ إذ يضربون وجوههم وأدبارهم ‪ ،‬ويقولون لهم‬
‫ق{‬ ‫ري ِ‬ ‫ح ِ‬‫ب ال ْ َ‬ ‫ذا َ‬‫‪ُ } :‬ذوُقوا عَ َ‬
‫قال ابن جريج ‪ ،‬عن مجاهد ‪ } :‬وأدبارهم { استاههم ‪ ،‬قال ‪ :‬يوم بدر‪.‬‬
‫جَرْيج ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬إذا أقبل المشركون )‪ (3‬بوجوههم إلى‬ ‫قال ابن ُ‬
‫المسلمين ‪ ،‬ضربوا وجوههم بالسيوف ‪ ،‬وإذا ولوا أدركتهم الملئكة فضربوا‬
‫أدبارهم‪.‬‬
‫ة‬ ‫فُروا ال َْ‬
‫ملئ ِك َُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي‬
‫ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ّ‬
‫فى‬ ‫و‬ ‫ت‬‫ي‬
‫ِ ََ َ‬‫ْ‬ ‫ذ‬‫إ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫مجاهد‬ ‫عن‬ ‫‪،‬‬ ‫جيح‬‫َ ِ‬ ‫ن‬ ‫أبي‬ ‫قال ابن‬
‫م{‬ ‫َ‬
‫م وَأد َْباَرهُ ْ‬
‫جوهَهُ ْ‬ ‫ن وُ ُ‬
‫ضرُِبو َ‬
‫يَ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬وابن هشام والطبري‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(14/13‬‬
‫)‪ (3‬في ك ‪" :‬المشركين" وهو خطأ‪.‬‬

‫) ‪(4/76‬‬

‫يوم بدر‪.‬‬
‫كيع ‪ ،‬عن سفيان الثوري ‪ ،‬عن أبي هاشم إسماعيل بن كثير ‪ ،‬عن‬ ‫وقال وَ ِ‬
‫ن‬‫ضرُِبو َ‬ ‫جب َْير ‪ } :‬ي َ ْ‬ ‫مجاهد ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن يعلى بن مسلم ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬
‫م { قال ‪ :‬وأستاههم )‪ (1‬ولكن الله ي َك ِْني‪.‬‬ ‫َ‬
‫م وَأد َْباَرهُ ْ‬ ‫جوهَهُ ْ‬ ‫وُ ُ‬
‫فرة )‪(2‬‬ ‫وكذا قال عمر مولى غُ ْ‬
‫وعن الحسن البصري قال ‪ :‬قال رجل ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إني رأيت بظهر أبي‬
‫جهل مثل الشراك )‪ (3‬قال ما ذاك ؟ قال ‪" :‬ضرب الملئكة )‪." (4‬‬
‫رواه ابن جرير )‪ (5‬وهو مرسل‪.‬‬
‫وهذا السياق ‪ -‬وإن كان سببه وقعة بدر ‪ -‬ولكنه عام في حق كل كافر ؛ ولهذا‬
‫ن‬ ‫لم يخصصه تعالى بأهل بدر ‪ ،‬بل قال تعالى ‪ } :‬وَل َوْ ت ََرى إ ِذ ْ ي َت َوَّفى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫م { وفي سورة القتال مثلها )‪(6‬‬ ‫م وَأد َْباَرهُ ْ‬ ‫جوهَهُ ْ‬ ‫ن وُ ُ‬ ‫ضرُِبو َ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫فُروا ال ْ َ‬ ‫كَ َ‬
‫ن ِفي‬ ‫مو َ‬
‫ظال ِ ُ‬‫وتقدم في سورة النعام ]عند[ )‪ (7‬قوله ‪ } :‬وَل َوْ ت ََرى إ ِذِ ال ّ‬
‫م { ]النعام ‪:‬‬ ‫سك ُ ُ‬
‫ف َ‬‫جوا أ َن ْ ُ‬ ‫م أَ ْ‬
‫خرِ ُ‬ ‫ديهِ ْ‬
‫ة باس ُ َ‬
‫طو أي ْ ِ‬ ‫ملئ ِك َ ُ َ ِ‬ ‫ت َوال ْ َ‬ ‫موْ ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫مَرا ِ‬‫غَ َ‬
‫‪[93‬أي ‪ :‬باسطو أيديهم بالضرب فيهم ‪ ،‬يأمرونهم إذ استصعبت أنفسهم ‪،‬‬
‫وامتنعت من الخروج من الجساد أن تخرج قهًرا‪ .‬وذلك إذ بشروهم بالعذاب‬
‫والغضب من الله ‪ ،‬كما ]جاء[ )‪ (8‬في حديث البراء ‪ :‬إن ملك الموت ‪ -‬إذا‬
‫جاء الكافر عند احتضاره في تلك الصورة المنكرة ‪ -‬يقول ‪ :‬اخرجي أيتها‬
‫موم وحميم ‪ ،‬وظل من يحموم ‪ ،‬فتتفرق في بدنه ‪،‬‬ ‫س ُ‬‫النفس الخبيثة إلى َ‬
‫فيستخرجونها من جسده ‪ ،‬كما يخرج السفود من الصوف المبلول فتخرج‬
‫معها العروق والعصب ؛ ولهذا أخبر )‪ (9‬تعالى أن الملئكة تقول لهم ‪:‬‬
‫ق{‬ ‫ري ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫} وَُذوُقوا عَ َ‬
‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬هذا الجزاء بسبب ما عملتم‬ ‫ديك ُ ْ‬‫ت أي ْ ِ‬ ‫م ْ‬‫ما قَد ّ َ‬‫ك بِ َ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } : :‬ذ َل ِ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫من العمال السيئة في حياتكم الدنيا ‪ ،‬جازاكم الله بها هذا الجزاء ‪ } ،‬وَأ ّ‬
‫ظلم ٍ ل ِل ْعَِبيد ِ { أي ‪ :‬ل يظلم أحدا من خلقه ‪ ،‬بل هو الحكم العدل ‪،‬‬ ‫س بِ َ‬ ‫ه ل َي ْ َ‬
‫الل ّ َ‬
‫الذي ل يجور ‪ ،‬تبارك وتعالى وتقدس وتنزه الغني الحميد ؛ ولهذا جاء في‬
‫الحديث الصحيح عند مسلم ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬من رواية أبي ذر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪،‬‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن الله تعالى يقول ‪ :‬يا عبادي إني‬
‫ما فل تظالموا‪ .‬يا عبادي ‪ ،‬إنما‬ ‫حرمت الظلم على نفسي ‪ ،‬وجعلته بينكم محر ً‬
‫هي أعمالكم أحصيها لكم ‪ ،‬فمن وجد خيًرا فليحمد الله ‪ ،‬ومن وجد غير ذلك‬
‫فل يلومن إل نفسه" )‪ (10‬ولهذا قال تعالى ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في د ‪ ،‬ك ‪" :‬وأستاههم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ك ‪" :‬عمرة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في د ‪ ،‬ك ‪" :‬الشوك"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في د ‪ ،‬ك ‪" :‬ذاك ضرب"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(14/16‬‬
‫)‪ (6‬يشير ابن كثير ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬إلى الية ‪ 27 :‬من سورة محمد‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من م‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (10‬صحيح مسلم برقم )‪.(2577‬‬

‫) ‪(4/77‬‬

‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫م إِ ّ‬ ‫ه ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫خذ َهُ ُ‬ ‫ت الل ّهِ فَأ َ‬ ‫فُروا ب ِآ ََيا ِ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬ ‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫َ‬
‫بآ ِ‬ ‫ك َد َأ ِ‬
‫ب )‪(52‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ديد ُ ال ْعِ َ‬ ‫ه قَوِيّ َ‬
‫ش ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫خذ َهُ ُ‬ ‫ت الل ّهِ فَأ َ‬ ‫فُروا ِبآَيا ِ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫ذي َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬ ‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫بآ ِ‬ ‫} ك َد َأ ِ‬
‫ب )‪{ (52‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ديد ُ ال ْعِ َ‬ ‫ش ِ‬‫ه قَوِيّ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬فعل هؤلء المشركون المكذبون )‪ (1‬بما أرسلت به يا محمد ‪،‬‬
‫كما فعل المم المكذبة قبلهم ‪ ،‬ففعلنا بهم ما هو دأبنا ‪ ،‬أي ‪ :‬عادتنا وسنتنا‬
‫في أمثالهم من المكذبين من آل فرعون ومن قبلهم من المم المكذبة‬
‫َ‬
‫م { ]أي ‪ :‬بسبب ذنوبهم‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫خذ َهُ ُ‬ ‫بالرسل ‪ ،‬الكافرين بآيات الله‪ } .‬فَأ َ‬
‫ب { أي ‪:‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ديد ُ ال ْعِ َ‬‫ش ِ‬ ‫ه قَوِيّ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫أهلكهم ‪ ،‬فأخذهم أخذ عزيز مقتدر[ )‪ } (2‬إ ِ ّ‬
‫ل يغلبه غالب ‪ ،‬ول يفوته هارب‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في م ‪" :‬المشركين المكذبين"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م‪.‬‬

‫) ‪(4/78‬‬

‫ن‬ ‫َ‬
‫م وَأ ّ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ب ِأ َن ْ ُ‬
‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬ ‫مَها عََلى قَوْم ٍ َ‬
‫ك مغَيرا ن ِعم ً َ‬
‫ة أن ْعَ َ‬ ‫م يَ ُ ُ ّ ً ْ َ‬ ‫ه لَ ْ‬‫ن الل ّ َ‬
‫ذ َل َ َ‬
‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م‬
‫ت َرب ّهِ ْ‬ ‫م كذ ُّبوا ب ِآَيا ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬‫ذي َ‬‫ن َوال ِ‬ ‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫بآ ِ‬ ‫م )‪ (53‬كد َأ ِ‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫الل َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م وَأغَْرقَْنا آ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شّر‬ ‫ن َ‬ ‫ن )‪ (54‬إ ِ ّ‬ ‫مي َ‬ ‫ل كاُنوا ظال ِ ِ‬ ‫ن وَك ّ‬ ‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫م ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫فَأهْلكَناهُ ْ‬
‫م ثُ ّ‬
‫م‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫عاهَد ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (55‬ال ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م َل ي ُؤْ ِ‬ ‫فُروا فَهُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫عن ْد َ الل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫الد َّوا ّ‬
‫ب‬‫حْر ِ‬ ‫ْ‬
‫م ِفي ال َ‬ ‫فن ّهُ ْ‬‫ق َ‬‫ما ت َث ْ َ‬ ‫ن )‪ (56‬فَإ ِ ّ‬ ‫قو َ‬ ‫َ‬
‫م ل ي َت ّ ُ‬ ‫مّرةٍ وَهُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫م ِفي ك ّ‬ ‫ن عَهْد َهُ ْ‬ ‫ضو َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ي َن ْ ُ‬
‫ن )‪(57‬‬ ‫ّ‬
‫م ي َذ ّكُرو َ‬ ‫ّ‬
‫م لعَلهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫فهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫خل َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫شّرد ْ ب ِهِ ْ‬ ‫فَ َ‬

‫م‬‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ب ِأ َن ْ ُ‬
‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬ ‫مَها عََلى قَوْم ٍ َ‬
‫ك مغَيرا ن ِعم ً َ‬
‫ة أن ْعَ َ‬ ‫م يَ ُ ُ ّ ً ْ َ‬ ‫ه لَ ْ‬‫ن الل ّ َ‬
‫} ذ َل َ َ‬
‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫م كذ ُّبوا ِبآَيا ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ِ‬ ‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫بآ ِ‬ ‫م )‪ (53‬كد َأ ِ‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫وَأ ّ‬
‫كاُنوا َ‬ ‫م وَأ َغَْرقَْنا آ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (54‬‬ ‫مي َ‬‫ظال ِ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ن وَك ُ ّ‬‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫م فَأهْل َك َْناهُ ْ‬
‫م ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫َرب ّهِ ْ‬
‫يخبر تعالى عن تمام عدله ‪ ،‬وقسطه في حكمه ‪ ،‬بأنه تعالى ل يغير نعمة‬
‫هل‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫أنعمها على أحد )‪ (1‬إل بسبب ذنب ارتكبه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ما‬
‫ه وَ َ‬ ‫َ‬
‫مَرد ّ ل ُ‬ ‫سوًءا َفل َ‬ ‫قوْم ٍ ُ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫َ‬
‫م وَإ َِذا أَراد َ الل ّ ُ‬‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ب ِأ َن ْ ُ‬
‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬ ‫قوْم ٍ َ‬ ‫ما ب ِ َ‬ ‫ي ُغَي ُّر َ‬
‫ْ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫بآ ِ‬ ‫ل { ]الرعد ‪ ، [11 :‬وقوله } ك َد َأ ِ‬ ‫وا ٍ‬‫من ْ َ‬
‫ن ُدون ِهِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫كصنعه )‪ (2‬بآل فرعون وأمثالهم حين كذبوا بآياته ‪ ،‬أهلكهم بسبب ذنوبهم ‪،‬‬
‫وسلبهم تلك النعم التي أسداها إليهم من جنات وعيون ‪ ،‬وزروع وكنوز ومقام‬
‫كريم ‪ ،‬ونعمة كانوا فيها فاكهين ‪ ،‬وما ظلمهم الله في ذلك ‪ ،‬بل )‪ (3‬كانوا هم‬
‫الظالمين‪.‬‬
‫ت‬
‫عاهَد ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (55‬ال ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م ل ي ُؤْ ِ‬ ‫فُروا فَهُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫شّر الد َّوا ّ‬ ‫ن َ‬ ‫} إِ ّ‬
‫م ِفي‬ ‫فن ّهُ ْ‬ ‫ما ت َث ْ َ‬
‫ق َ‬ ‫ن )‪ (56‬فَإ ِ ّ‬ ‫قو َ‬ ‫م ل ي َت ّ ُ‬ ‫مّرةٍ وَهُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م ِفي ك ُ ّ‬ ‫ن عَهْد َهُ ْ‬ ‫ضو َ‬ ‫ق ُ‬ ‫م ي َن ْ ُ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪{ (57‬‬ ‫م ي َذ ّك ُّرو َ‬ ‫ّ‬
‫م لعَلهُ ْ‬‫َ‬ ‫فهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫خل َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫شّرد ْ ب ِهِ ْ‬ ‫ب فَ َ‬ ‫حْر ِ‬ ‫ال َ‬‫ْ‬
‫أخبر تعالى أن شر ما دب على وجه الرض هم الذين كفروا فهم ل يؤمنون ‪،‬‬
‫مل‬ ‫الذين كلما عاهدوا عهدا نقضوه ‪ ،‬وكلما أكدوه باليمان نكثوه ‪ } ،‬وَهُ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل يخافون من الله في شيء ارتكبوه من الثام‪.‬‬ ‫قو َ‬ ‫ي َت ّ ُ‬
‫شّرد ْ‬ ‫ب { أي ‪ :‬تغلبهم وتظفر بهم في حرب ‪ } ،‬فَ َ‬ ‫حْر ِ‬ ‫ْ‬
‫م ِفي ال َ‬ ‫فن ّهُ ْ‬‫ق َ‬ ‫ما ت َث ْ َ‬ ‫} فَإ ِ ّ‬
‫م { أي ‪ :‬نكل بهم ‪ ،‬قاله ‪ :‬ابن عباس ‪ ،‬والحسن البصري ‪،‬‬ ‫فهُ ْ‬ ‫ْ‬
‫خل َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِهِ ْ‬
‫والضحاك ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪ ،‬وابن عيينة ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬قوم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في د ‪ ،‬ك ‪" : ،‬كصنيعهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬ولكن"‪.‬‬

‫) ‪(4/78‬‬

‫ن)‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫خائ ِِني َ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬
‫ح ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫واءٍ إ ِ ّ‬ ‫م عََلى َ‬
‫س َ‬ ‫ة َفان ْب ِذ ْ إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫ن قَوْم ٍ ِ‬
‫خَيان َ ً‬ ‫م ْ‬ ‫خافَ ّ‬
‫ن ِ‬ ‫ما ت َ َ‬
‫وَإ ِ ّ‬
‫‪(58‬‬

‫ومعناه ‪ :‬غَّلظ عقوبتهم وأثخنهم قتل ليخاف من سواهم من العداء ‪ ،‬من‬


‫ن{‬ ‫م ي َذ ّك ُّرو َ‬ ‫العرب وغيرهم ‪ ،‬ويصيروا لهم عبرة } ل َعَل ّهُ ْ‬
‫وقال السدي ‪ :‬يقول ‪ :‬لعلهم يحذرون أن ينكثوا فُيصنع )‪ (1‬بهم مثل ذلك‪.‬‬
‫ن)‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫خائ ِِني َ‬ ‫ح ّ‬‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫واٍء إ ِ ّ‬ ‫س َ‬ ‫م عََلى َ‬ ‫ة َفان ْب ِذ ْ إ ِل َي ْهِ ْ‬‫خَيان َ ً‬‫ن قَوْم ٍ ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫خافَ ّ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫} وَإ ِ ّ‬
‫‪{ (58‬‬
‫ن قَوْم ٍ {‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫خافَ ّ‬
‫ما ت َ َ‬ ‫يقول تعالى لنبيه ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه )‪ } (2‬وَإ ِ ّ‬
‫ضا لما بينك وبينهم من المواثيق والعهود ‪،‬‬ ‫ة { أي ‪ :‬نق ً‬ ‫خَيان َ ً‬‫قد عاهدتهم } ِ‬
‫واٍء { أي ‪ :‬أعلمهم بأنك قد نقضت‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬عهدهم } عَلى َ‬ ‫} َفان ْب ِذ ْ إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫عهدهم حتى يبقى علمك وعلمهم بأنك حرب لهم ‪ ،‬وهم حرب لك ‪ ،‬وأنه ل‬
‫عهد بينك وبينهم على السواء ‪ ،‬أي ‪ :‬تستوي أنت وهم في ذلك ‪ ،‬قال الراجز‪.‬‬
‫عداء[ )‪ (3‬حتى يجيبوك إلى السواء )‪(4‬‬ ‫جوهَ الُغدر ]ال ْ‬ ‫ب وُ ُ‬ ‫ضرِ ْ‬ ‫َفا ْ‬
‫واٍء { أي ‪:‬‬ ‫س َ‬‫م عََلى َ‬ ‫وعن الوليد بن مسلم أنه قال في قوله ‪َ } :‬فان ْب ِذ ْ إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬حتى ولو في حق الكفارين ‪ ،‬ل‬ ‫خائ ِِني َ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫على مهل ‪ } ،‬إ ِ ّ‬
‫ضا‪.‬‬ ‫يحبها أي ً‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة )‪ (5‬عن أبي الفيض ‪،‬‬
‫عن سليم بن عامر ‪ ،‬قال ‪ :‬كان معاوية يسير في أرض الروم ‪ ،‬وكان بينه‬
‫وبينهم أمد ‪ ،‬فأراد أن يدنو منهم ‪ ،‬فإذا انقضى المد غزاهم ‪ ،‬فإذا شيخ على‬
‫دابة يقول ‪ :‬الله أكبر ]الله أكبر[ )‪ (6‬وفاء ل غدرا ‪ ،‬إن رسول الله صلى الله‬
‫ن عقدة ول يشدها‬ ‫عليه وسلم قال ‪" :‬ومن كان بينه وبين قوم عهد فل يحل ّ ّ‬
‫حتى ينقضي أمدها ‪ ،‬أو ينبذ إليهم على سواء" قال ‪ :‬فبلغ ذلك معاوية ‪ ،‬فرجع‬
‫‪ ،‬وإذا الشيخ عمرو بن عبسة ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫وهذا الحديث رواه أبو داود الطيالسي ‪ ،‬عن شعبة وأخرجه أبو داود ‪،‬‬
‫والترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن حبان في صحيحه من طرق عن شعبة ‪ ،‬به )‪(7‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫وقال المام أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الله الزبيري ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪،‬‬
‫عن عطاء بن السائب ‪ ،‬عن أبي البختري عن سلمان ‪ -‬يعني الفارسي ‪-‬‬
‫رضي الله عنه ‪ :‬أنه انتهى إلى حصن ‪ -‬أو ‪ :‬مدينة ‪ -‬فقال لصحابه ‪ :‬دعوني‬
‫أدعوهم كما رأيت رسول الله )‪ (8‬صلى الله عليه وسلم يدعوهم ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫إنما كنت رجل منهم )‪ (9‬فهداني الله عز وجل للسلم ‪ ،‬فإذا أسلمتم فلكم ما‬
‫لنا وعليكم ما علينا ‪ ،‬وإن أبيتم فأدوا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ك ‪" :‬فنصنع"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من د ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (4‬الرجز في تفسير الطبري )‪.(14/27‬‬
‫)‪ (5‬في ك ‪" :‬سعيد"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (7‬مسند أحمد )‪ (4/111‬ومسند الطيالسي برقم )‪ (1155‬وسنن أبي داود‬
‫برقم )‪ (2759‬وسنن الترمذي برقم )‪ (1580‬والنسائي في السنن الكبرى‬
‫برقم )‪.(8732‬‬
‫)‪ (8‬في د ‪ ،‬ك ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪" :‬منكم"‪.‬‬

‫) ‪(4/79‬‬

‫ست َط َعْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ما ا ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ل َهُ ْ‬‫ع ّ‬‫ن )‪ (59‬وَأ َ ِ‬ ‫جُزو َ‬ ‫م َل ي ُعْ ِ‬ ‫قوا إ ِن ّهُ ْ‬ ‫سب َ ُ‬‫فُروا َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫وََل ي َ ْ‬
‫م َل‬ ‫َ‬
‫ن ُدون ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫ري َ‬ ‫خ ِ‬
‫م وَآ َ‬ ‫ن ب ِهِ عَد ُوّ الل ّهِ وَعَد ُوّك ُ ْ‬‫ل ت ُْرهُِبو َ‬ ‫ط ال ْ َ‬
‫خي ْ ِ‬ ‫ن رَِبا ِ‬ ‫م ْ‬‫ن قُوّةٍ وَ ِ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫م لَ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م وَأن ْت ُ ْ‬‫ف إ ِلي ْك ْ‬ ‫ل اللهِ ي ُوَ ّ‬ ‫سِبي ِ‬‫يٍء ِفي َ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ْ‬ ‫قوا ِ‬ ‫ما ت ُن ْفِ ُ‬
‫م وَ َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ه ي َعْل ُ‬‫م الل ُ‬ ‫مون َهُ ُ‬ ‫ت َعْل ُ‬
‫ن )‪(60‬‬ ‫مو َ‬ ‫ت ُظ ْل َ ُ‬

‫ب‬‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫الجزية وأنتم صاغرون ‪ ،‬فإن أبيتم نابذناكم على سواء ‪ } ،‬إ ِ ّ‬
‫ن { يفعل بهم ذلك ثلثة أيام ‪ ،‬فلما كان اليوم الرابع غدا الناس إليها‬ ‫ال ْ َ‬
‫خائ ِِني َ‬
‫ففتحوها بعون الله )‪(1‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫م َ‬ ‫دوا لهُ ْ‬ ‫ع ّ‬‫ن )‪ (59‬وَأ ِ‬ ‫جُزو َ‬‫م ل ي ُعْ ِ‬ ‫قوا إ ِن ّهُ ْ‬ ‫سب َ ُ‬‫فُروا َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫} َول ي َ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫م َوآ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ن ب ِهِ عَد ُوّ اللهِ وَعَد ُوّك ْ‬ ‫ل ت ُْرهُِبو َ‬ ‫خي ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ط ال َ‬ ‫ن رَِبا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن قوّةٍ وَ ِ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬ ‫ا ْ‬
‫ف‬‫ل اللهِ ي ُوَ ّ‬ ‫ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫يٍء ِفي َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫قوا ِ‬ ‫ما ت ُن ْفِ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ه ي َعْل ُ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫مون َهُ ُ‬ ‫َ‬
‫م ل ت َعْل ُ‬ ‫ُدون ِه ْ‬
‫ن )‪{ (60‬‬ ‫مو‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ظ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫إل َيك ُ ِم وأ َ‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ْ ْ َ ُْ ْ‬
‫ن‬
‫ِ َ‬‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫}‬ ‫مد‬ ‫ّ‬ ‫مح‬ ‫يا‬ ‫{‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ح‬
‫َ َ ْ َ َ ّ‬ ‫ت‬ ‫ول‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫صلى‬ ‫لنبيه‬ ‫تعالى‬ ‫يقول‬
‫قوا { أي ‪ :‬فاتونا فل نقدر عليهم ‪ ،‬بل هم تحت قهر قدرتنا وفي‬ ‫سب َ ُ‬‫فُروا َ‬ ‫كَ َ‬
‫َ‬
‫مُلو َ‬
‫ن‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫ذي َ‬‫ب ال ّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫قبضة مشيئتنا فل يعجزوننا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬أ ْ‬
‫َ‬
‫ن { ]العنكبوت ‪[4 :‬أي ‪ :‬يظنون ‪ ،‬وقال‬ ‫مو َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ساَء َ‬ ‫قوَنا َ‬ ‫سب ِ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫تأ ْ‬ ‫سي َّئا ِ‬‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ّ‬
‫م الّناُر وَلب ِئ ْ َ‬
‫س‬ ‫مأَواهُ ُ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬‫معْ ِ‬ ‫فُروا ُ‬ ‫ذي َ‬
‫ن ال ِ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬ل ت َ ْ‬
‫فُروا ِفي‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قل ّ ُ‬ ‫صيُر { ]النور ‪ ، [57 :‬وقال تعالى )‪ } (2‬ل ي َغُّرن ّ َ‬
‫ك تَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ْ‬
‫مَهاد ُ { ]آل عمران ‪.[197 ، 196 :‬‬ ‫س ال ْ ِ‬‫م وَب ِئ ْ َ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مأَواهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ثُ ّ‬ ‫مَتاع ٌ قَِلي ٌ‬‫ال ِْبلد ِ َ‬
‫ثم أمر تعالى بإعداد آلت الحرب لمقاتلتهم حسب الطاقة والمكان‬
‫م { أي ‪ :‬مهما أمكنكم ‪،‬‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬‫ما ا ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ل َهُ ْ‬ ‫ع ّ‬ ‫والستطاعة ‪ ،‬فقال ‪ } :‬وَأ َ ِ‬
‫ل{‬ ‫خي ْ ِ‬ ‫ط ال ْ َ‬ ‫ن رَِبا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن قُوّةٍ وَ ِ‬ ‫م ْ‬‫} ِ‬
‫هب ‪ ،‬أخبرني عمرو‬ ‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا هارون بن معروف ‪ ،‬حدثنا ابن وَ ْ‬
‫ي ‪ ،‬أنه سمع عقبة بن عامر يقول ‪:‬‬ ‫ف ّ‬ ‫ش َ‬‫مامة بن ُ‬ ‫بن الحارث ‪ ،‬عن أبي علي ث ُ َ‬
‫دوا‬ ‫َ‬
‫ع ّ‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر ‪ } :‬وَأ ِ‬
‫ن قُوّةٍ { أل إن القوة الرمي ‪ ،‬أل إن القوة الرمي" )‪(3‬‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬
‫ما ا ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫رواه مسلم ‪ ،‬عن هارون بن معروف ‪ ،‬وأبو داود عن سعيد بن منصور ‪ ،‬وابن‬
‫ماجة عن يونس بن عبد العلى ‪ ،‬ثلثتهم عن عبد الله بن وهب ‪ ،‬به )‪(4‬‬
‫ولهذا الحديث طرق أخر ‪ ،‬عن عقبة بن عامر ‪ ،‬منها ما رواه الترمذي ‪ ،‬من‬
‫حديث صالح بن ك َْيسان ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عنه )‪(5‬‬
‫وروى المام أحمد وأهل السنن ‪ ،‬عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬ارموا واركبوا ‪ ،‬وأن ترموا خير من أن تركبوا" )‪(6‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (5/440‬ورواه الترمذي في السنن برقم )‪ (1548‬من طريق‬
‫أبي عوانة ‪ ،‬عن عطاء بن السائب ‪ ،‬عن أبي البختري به نحوه ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫"حديث سلمان حديث حسن ل نعرفه إل من حديث عطاء بن السائب ‪،‬‬
‫وسمعت محمدا يقول ‪ :‬أبو البختري لم يدرك سلمان ؛ لنه لم يدرك عليا ‪،‬‬
‫وسلمان مات قبل علي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في د ‪" :‬وقوله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في م ذكرت جملة "أل إن القوة الرمي" ثلث مرات‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (4/156‬وصحيح مسلم برقم )‪ (1917‬وسنن أبي داود برقم )‬
‫‪ (2514‬وسنن ابن ماجة برقم )‪.(13/28‬‬
‫)‪ (5‬سنن الترمذي برقم )‪ (3083‬وقال ‪" :‬صالح بن كيسان لم يدرك عقبة بن‬
‫عامر ‪ ،‬وقد أدرك ابن عمر"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪.(4/144‬‬

‫) ‪(4/80‬‬

‫وقال المام مالك ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن أبي صالح السمان ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬الخيل‬
‫جر ‪ ،‬ولرجل ستر ‪ ،‬وعلى رجل وزر ؛ فأما الذي له أجر فرجل‬ ‫لثلثة ‪ :‬لرجل أ ْ‬
‫ربطها في سبيل الله ‪ ،‬فأطال لها في مرج ‪ -‬أو ‪ :‬روضة ‪ -‬فما أصابت في‬
‫طيلها ذلك من المرج ‪ -‬أو ‪ :‬الروضة ‪ -‬كانت له حسنات ‪ ،‬ولو أنها قطعت‬
‫طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له ‪ ،‬ولو أنها‬
‫مرت بنهر فشربت منه ‪ ،‬ولم يرد أن يسقي به ‪ ،‬كان ذلك حسنات له ؛ فهي‬
‫لذلك الرجل أجر‪ .‬ورجل ربطها تغن ًّيا وتعففا ‪ ،‬ولم ينس حق الله في رقابها‬
‫ول ظهورها ‪ ،‬فهي له ستر ‪ ،‬ورجل ربطها فخًرا ورياء ونواء فهي على ذلك‬
‫وزر"‪ .‬وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر فقال ‪" :‬ما أنزل‬
‫قا َ‬
‫ل ذ َّر ٍ‬
‫ة‬ ‫مث ْ َ‬ ‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫الله علي فيها شيئا إل هذه الية الجامعة الفاذة ‪ } :‬فَ َ‬
‫م ْ‬
‫قا َ‬
‫ل ذ َّرةٍ َ‬
‫شّرا ي ََرهُ { ]الزلزلة ‪.[8 ، 7 :‬‬ ‫مث ْ َ‬ ‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫ن ي َعْ َ‬
‫م ْ‬
‫خي ًْرا ي ََره ُ وَ َ‬
‫َ‬
‫رواه البخاري ‪ -‬وهذا لفظه ‪ -‬ومسلم ‪ ،‬كلهما من حديث مالك )‪(1‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حجاج ‪ ،‬أخبرنا شريك ‪ ،‬عن الّرك َْين بن الربيع )‪(2‬‬
‫عن القاسم بن حسان ؛ عن عبد الله بن مسعود ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬الخيل ثلثة ‪ :‬ففرس للرحمن ‪ ،‬وفرس للشيطان ‪ ،‬وفرس‬
‫للنسان ‪ ،‬فأما فرس الرحمن فالذي يربط في سبيل الله ‪ ،‬فعلفه وروثه‬
‫وبوله ‪ ،‬وذكر ما شاء الله‪ .‬وأما فرس الشيطان فالذي يقامر أو يراهن عليه ‪،‬‬
‫وأما فرس النسان فالفرس يرتبطها النسان يلتمس بطنها ‪ ،‬فهي ستر من‬
‫فقر" )‪(3‬‬
‫وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن الرمي أفضل من ركوب الخيل ‪ ،‬وذهب المام‬
‫مالك إلى أن الركوب أفضل من الرمي ‪ ،‬وقول الجمهور أقوى للحديث ‪،‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حجاج وهشام )‪ (4‬قال حدثنا ليث ‪ ،‬حدثني يزيد بن‬
‫أبي حبيب ‪ ،‬عن ابن شماسة ‪ :‬أن معاوية بن حديج )‪ (5‬مر على أبي ذر ‪ ،‬وهو‬
‫قائم عند فرس له ‪ ،‬فسأله ما تعالج من فرسك هذا ؟ فقال ‪ :‬إني أظن أن‬
‫هذا الفرس قد استجيب له دعوته! قال ‪ :‬وما دعاء بهيمة من البهائم ؟ قال ‪:‬‬
‫والذي نفسي بيده ما من فرس إل وهو يدعو كل سحر فيقول ‪ :‬اللهم ‪ ،‬أنت‬
‫خولتني عبدا من عبادك ‪ ،‬وجعلت رزقي بيده ‪ ،‬فاجعلني أحب إليه من أهله‬
‫وماله وولده )‪(6‬‬
‫قال ‪ :‬وحدثنا يحيى بن سعيد ‪ ،‬عن عبد الحميد بن جعفر ؛ حدثني يزيد بن أبي‬
‫سوَْيد بن قيس ؛ عن معاوية بن حديج )‪ (7‬؛ عن أبي ذر ‪ ،‬رضي‬ ‫حبيب ‪ ،‬عن ُ‬
‫الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إنه‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الموطأ )‪ (2/414‬ومن طريقه ‪ ،‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪(2371‬‬
‫وأما مسلم فرواه من طريق حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن أبي‬
‫صالح به برقم )‪.(987‬‬
‫)‪ (2‬في ك ‪" :‬الربيع بن الركين"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(1/395‬‬
‫)‪ (4‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬هاشم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬خديج"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪.(5/162‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬خديج"‪.‬‬

‫) ‪(4/81‬‬

‫ليس من فرس عربي إل يؤذن له مع كل فجر ‪ ،‬يدعو بدعوتين ‪ ،‬يقول ‪ :‬اللهم‬


‫‪ ،‬إنك خولتني من خولتني من بني آدم ‪ ،‬فاجعلني من أحب أهله وماله إليه"‬
‫أو "أحب أهله وماله إليه"‪.‬‬
‫ّ‬
‫رواه النسائي ‪ ،‬عن عمرو بن علي الفلس ‪ ،‬عن يحيى القطان ‪ ،‬به )‪(1‬‬
‫ست ُرِيّ ‪ ،‬حدثنا‬ ‫وقال أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا الحسين بن إسحاق الت ّ ْ‬
‫هشام بن عمار ‪ ،‬حدثنا يحيى بن حمزة ‪ ،‬حدثنا المطعم بن المقدام الصنعاني‬
‫دثنا‬
‫‪ ،‬عن الحسن بن أبي الحسن أنه قال لبن الحنظلية ‪ -‬يعني ‪ :‬سهل ‪ : -‬ح ّ‬
‫حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فقال ‪ :‬سمعت رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم‬
‫سا في سبيل الله كانت النفقة‬ ‫القيامة ‪ ،‬وأهلها معانون عليها ‪ ،‬ومن ربط فر ً‬
‫عليه ‪ ،‬كالماد يده بالصدقة ل يقبضها" )‪(2‬‬
‫والحاديث الواردة في فضل ارتباط الخيل كثيرة ‪ ،‬وفي صحيح البخاري ‪ ،‬عن‬
‫عُْرَوة ابن أبي الجعد البارقي )‪ (3‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ‪ :‬الجر والمغنم" )‪(4‬‬
‫م { أي ‪ :‬من الكفار‬ ‫وقوله ‪" :‬ترهبون" أي ‪ :‬تخوفون } ب ِهِ عَد ُوّ الل ّهِ وَعَد ُوّك ُ ْ‬
‫م { قال مجاهد ‪ :‬يعني ‪ :‬قريظة ‪ ،‬وقال السدي ‪ :‬فارس ‪،‬‬ ‫ن ُدون ِهِ ْ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫ري َ‬
‫خ ِ‬‫} َوآ َ‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ :‬قال ابن يمان ‪ :‬هم الشياطين التي في الدور‪ .‬وقد ورد‬
‫حديث بمثل ذلك ‪ ،‬قال ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫صي ‪ ،‬حدثنا أبو حيوة ‪ -‬يعني ‪ :‬شريح بن‬ ‫م ِ‬ ‫ح ْ‬‫حدثنا أبو عتبة أحمد بن الفرج ال ِ‬
‫يزيد المقرئ ‪ -‬حدثنا سعيد بن سنان ‪ ،‬عن ابن عريب ‪ -‬يعني ‪ :‬يزيد بن عبد‬
‫الله بن عريب ‪ -‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان‬
‫م { قال ‪" :‬هم الجن" )‪(5‬‬ ‫مون َهُ ُ‬‫م ل ت َعْل َ ُ‬‫ن ُدون ِهِ ْ‬‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫ري َ‬
‫خ ِ‬‫يقول في قوله ‪َ } :‬وآ َ‬
‫حْيم ؛ عن أبيه ‪ ،‬عن محمد بن شعيب ؛‬ ‫ورواه الطبراني ‪ ،‬عن إبراهيم بن د ُ َ‬
‫عن سعيد بن سنان )‪ (6‬عن يزيد بن عبد الله بن عريب ‪ ،‬به ‪ ،‬وزاد ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل يخبل بيت فيه عتيق من الخيل" )‪(7‬‬
‫وهذا الحديث منكر ‪ ،‬ل يصح إسناده ول متنه‪.‬‬
‫وقال مقاتل بن حيان ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬هم المنافقون‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (5/170‬وسنن النسائي )‪.(6/223‬‬
‫)‪ (2‬المعجم الكبير )‪.(6/98‬‬
‫)‪ (3‬في م ‪" :‬المبارك"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪.(2850‬‬
‫)‪ (5‬ورواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده برقم )‪" (650‬بغية الباحث"‬
‫حدثنا داود بن رشيد عن أبي حيوة به‪.‬‬
‫)‪ (6‬في جميع النسخ ‪" :‬سنان بن سعيد بن سنان" والتصويب من المعجم‬
‫الكبير‪.‬‬
‫)‪ (7‬المعجم الكبير )‪ (17/188‬ورواه أبو الشيخ في العظمة برقم )‪: (1089‬‬
‫حدثنا ابن أبي عاصم عن دحيم به نحوه‪.‬‬

‫) ‪(4/82‬‬

‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬
‫م )‪(61‬‬ ‫س ِ‬ ‫ل عََلى الل ّهِ إ ِن ّ ُ‬
‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫ح ل ََها وَت َوَك ّ ْ‬ ‫سل ْم ِ َفا ْ‬
‫جن َ ْ‬ ‫حوا ِلل ّ‬
‫جن َ ُ‬
‫ن َ‬
‫وَإ ِ ْ‬

‫ن‬‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن العَْرا ِ‬ ‫م َ‬


‫م ِ‬ ‫حوْل َك ُ ْ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬‫وهذا أشبه القوال ‪ ،‬ويشهد له قوله ‪ } :‬وَ ِ‬
‫َ‬ ‫وم َ‬
‫م { ]التوبة ‪:‬‬ ‫مهُ ْ‬‫ن ن َعْل ُ‬ ‫ح ُ‬‫م نَ ْ‬‫مهُ ْ‬ ‫ق ل ت َعْل َ ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫مَرُدوا عََلى الن ّ َ‬ ‫دين َةِ َ‬ ‫م ِ‬‫ل ال ْ َ‬‫ن أهْ ِ‬ ‫َ ِ ْ‬
‫‪.[101‬‬
‫ن{‬ ‫مو‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ظ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫ف إل َيك ُم وأ َ‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ل‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫في‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬‫ي‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ن‬‫ت‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقوله‬
‫ُ َ‬ ‫ِ ُ َ ّ ِ ْ ْ َ ُْ ْ ُ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ َ ُْ ِ‬
‫أي ‪ :‬مهما أنفقتم في الجهاد ‪ ،‬فإنه يوفى إليكم على التمام )‪ (1‬والكمال ‪،‬‬
‫ولهذا جاء في حديث )‪ (2‬رواه أبو داود ‪ :‬أن الدرهم يضاعف ثوابه في سبيل‬
‫ن‬
‫قو َ‬ ‫ن ي ُن ْفِ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬‫مث َ ُ‬ ‫الله إلى سبعمائة ضعف )‪ (3‬كما تقدم في قوله تعالى ‪َ } :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫حب ّ ٍ‬‫ة َ‬ ‫مائ َ ُ‬ ‫سن ْب ُلةٍ ِ‬
‫ل ُ‬ ‫ل ِفي ك ُ ّ‬ ‫سَناب ِ َ‬‫سب ْعَ َ‬ ‫ت َ‬ ‫حب ّةٍ أن ْب َت َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ل الل ّهِ ك َ َ‬
‫مث َ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫وال َهُ ْ‬ ‫م َ‬
‫أ ْ‬
‫م { ]البقرة ‪.[261 :‬‬ ‫سعٌ عَِلي ٌ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫شاُء َوالل ّ ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف لِ َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ضا ِ‬‫ه يُ َ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية ‪ ،‬حدثنا أحمد بن عبد‬
‫الرحمن الدشتكي ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬حدثنا الشعث بن إسحاق ‪ ،‬عن‬
‫جعفر ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫قوا ِ‬‫ما ت ُن ْفِ ُ‬ ‫أنه كان يأمر أل يتصدق إل على أهل السلم ‪ ،‬حتى نزلت ‪ } :‬وَ َ‬
‫م { فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك‬ ‫ف إ ِل َي ْك ُ ْ‬‫ل الل ّهِ ي ُوَ ّ‬‫سِبي ِ‬
‫يٍء ِفي َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ضا غريب‪.‬‬ ‫من كل دين‪ .‬وهذا أي ً‬
‫م )‪{ (61‬‬ ‫ْ‬
‫ميعُ العَِلي ُ‬ ‫س ِ‬
‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ح لَها وَت َوَك ّ ْ‬
‫ل عَلى اللهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫سل ْم ِ َفا ْ‬
‫جن َ ْ‬ ‫حوا ِلل ّ‬‫جن َ ُ‬
‫ن َ‬‫} وَإ ِ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ك ‪" :‬إليكم وأنتم ل تظلمون على التمام"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في د ‪" :‬في الحديث الذي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬سنن أبي داود برقم )‪ (2498‬ولفظه ‪" :‬إن الصلة والصيام والذكر‬
‫تضاعف على النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف" وقد تقدم نحو هذا‬
‫اللفظ عند تفسير الية ‪ 261 :‬من سورة البقرة من حديث عمران بن‬
‫حصين‪.‬‬

‫) ‪(4/83‬‬

‫ن)‬‫مِني َ‬ ‫صرِهِ وَِبال ْ ُ‬


‫مؤ ْ ِ‬ ‫ذي أ َي ّد َ َ‬
‫ك ب ِن َ ْ‬ ‫ه هُوَ ال ّ ِ‬
‫ك الل ّ ُ‬
‫سب َ َ‬
‫ح ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ك فَإ ِ ّ‬‫عو َ‬ ‫خد َ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫َ‬
‫دوا أ ْ‬ ‫ري ُ‬ ‫ن يُ ِ‬‫وَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫ت ب َي ْ َ‬
‫ف َ‬‫ما أل ّ ْ‬ ‫ميًعا َ‬ ‫ج ِ‬
‫ض َ‬ ‫ْ‬
‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ق َ‬ ‫م ل َوْ أن ْ َ‬
‫ف ْ‬ ‫ن قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫‪ (62‬وَأل ّ َ‬
‫ف ب َي ْ َ‬
‫ه أل ّ َ‬‫َ‬
‫م )‪(63‬‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬‫ف ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وَل َك ِ ّ‬
‫ن‬
‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫صرِهِ وَِبال ْ ُ‬ ‫ك ب ِن َ ْ‬‫ذي أ َي ّد َ َ‬ ‫ه هُوَ ال ّ ِ‬ ‫ك الل ّ ُ‬
‫سب َ َ‬
‫ح ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ك فَإ ِ ّ‬ ‫عو َ‬ ‫خد َ ُ‬‫ن يَ ْ‬ ‫َ‬
‫دوا أ ْ‬ ‫ري ُ‬ ‫ن يَُ ِ‬‫} وَإ ِ ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ن قلوب ِهِ ْ‬ ‫ت ب َي ْ َ‬
‫ف َ‬‫ما أل ْ‬ ‫ميًعا َ‬ ‫ج ِ‬‫ض َ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ق َ‬ ‫ف ْ‬
‫م لوْ أن ْ َ‬ ‫ن قلوب ِهِ ْ‬ ‫ف ب َي ْ َ‬ ‫)‪ (62‬وَأل َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫م )‪{ (63‬‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬
‫ف ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ه أل َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وَل َك ِ ّ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬إذا خفت من قوم خيانة فانبذ إليهم عهدهم على سواء ‪ ،‬فإن‬
‫حوا { أي ‪ :‬مالوا‬ ‫جن َ ُ‬‫ن َ‬ ‫استمروا على حربك ومنابذتك فقاتلهم ‪ } ،‬وَإ ِ ْ‬
‫ح ل ََها { أي ‪ :‬فمل‬ ‫جن َ ْ‬‫سل ْم ِ { أي ‪ :‬المسالمة والمصالحة والمهادنة ‪َ } ،‬فا ْ‬ ‫} ِلل ّ‬
‫إليها ‪ ،‬واقبل منهم ذلك ؛ ولهذا لما طلب المشركون عام الحديبية الصلح‬
‫ووضع الحرب بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين ؛‬
‫أجابهم إلى ذلك مع ما اشترطوا من الشروط الخر‪.‬‬
‫وقال عبد الله بن المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ‪ ،‬حدثنا‬
‫فضيل بن سليمان ‪ -‬يعني ‪ :‬النميري ‪ -‬حدثنا محمد بن أبي يحيى ‪ ،‬عن إياس‬
‫بن عمرو السلمي ‪ ،‬عن علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إنه سيكون بعدى اختلف ‪ -‬أو ‪ :‬أمر ‪-‬‬
‫فإن استطعت أن يكون السلم ‪ ،‬فافعل" )‪(1‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬نزلت في بني قريظة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زوائد المسند )‪ (1/90‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (7/234‬رجاله‬
‫ثقات"‪.‬‬

‫) ‪(4/83‬‬
‫وهذا فيه نظر ؛ لن السياق كله في وقعة بدر ‪ ،‬وذكرها مكتنف لهذا كله‪.‬‬
‫وقول ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وزيد بن أسلم ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪ ،‬وعكرمة ‪،‬‬
‫والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬إن هذه الية منسوخة بآية السيف في "براءة" ‪َ } :‬قات ُِلوا‬
‫ضا ؛‬ ‫خرِ { الية ]التوبة ‪ [29 :‬فيه نظر أي ً‬ ‫ن ِبالل ّهِ َول ِبال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫فا ‪،‬‬ ‫لن آية براءة فيها المر بقتالهم إذا أمكن ذلك ‪ ،‬فأما إذا كان العدو كثي ً‬
‫فإنه تجوز مهادنتهم ‪ ،‬كما دلت عليه هذه الية الكريمة ‪ ،‬وكما فعل النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ‪ ،‬فل منافاة ول نسخ ول تخصيص ‪ ،‬والله‬
‫أعلم‪.‬‬
‫ل عَلى اللهِ { أي ‪ :‬صالحهم وتوكل على الله ‪ ،‬فإن الله‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَت َوَك ّ ْ‬
‫كافيك وناصرك ‪ ،‬ولو كانوا يريدون بالصلح خديعة ليتقووا ويستعدوا ‪ } ،‬فَإ ِ ّ‬
‫ن‬
‫ه { أي ‪ :‬كافيك وحده‪.‬‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫سب َ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫َ‬
‫ثم ذكر نعمته عليه بما أيده به من المؤمنين المهاجرين والنصار ؛ فقال ‪:‬‬
‫م { أي ‪ :‬جمعها على‬ ‫ن قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ف ب َي ْ َ‬ ‫ن وَأ َل ّ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫صرِهِ وَِبال ْ ُ‬ ‫ك ب ِن َ ْ‬ ‫ذي أ َي ّد َ َ‬ ‫} هُوَ ال ّ ِ‬
‫ض‬ ‫َ‬
‫اليمان بك ‪ ،‬وعلى طاعتك ومناصرتك وموازرتك } ل َوْ أن ْ َ‬
‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ق َ‬ ‫ف ْ‬
‫م { أي ‪ :‬لما كان بينهم من العداوة والبغضاء فإن‬ ‫ن قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ت ب َي ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ما أ َل ّ ْ‬ ‫ميًعا َ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫النصار كانت بينهم حروب كثيرة في الجاهلية ‪ ،‬بين الوس والخزرج ‪ ،‬وأمور‬
‫يلزم منها التسلسل في الشر ‪ ،‬حتى قطع الله ذلك بنور اليمان ‪ ،‬كما قال‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ة الل ّه عَل َيك ُم إذ ْ ك ُنت َ‬
‫م‬‫حت ُ ْ‬‫صب َ ْ‬‫م فَأ ْ‬ ‫ن قُُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ف ب َي ْ َ‬ ‫داًء فَأل ّ َ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫ُْ ْ‬ ‫ْ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫م َ‬ ‫تعالى ‪َ } :‬واذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬
‫َ‬
‫ن الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫من َْها ك َذ َل ِ َ‬
‫ك ي ُب َي ّ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫قذ َك ُ ْ‬ ‫ن الّنارِ فَأن ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫فَرةٍ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫فا ُ‬ ‫ش َ‬ ‫م عََلى َ‬ ‫واًنا وَك ُن ْت ُ ْ‬ ‫خ َ‬‫مت ِهِ إ ِ ْ‬
‫ب ِن ِعْ َ‬
‫ن { ]آل عمران ‪.[103 :‬‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َهْت َ ُ‬ ‫م آَيات ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطب النصار في‬
‫شأن غنائم حنين قال لهم ‪" :‬يا معشر النصار ‪ ،‬ألم أجدكم ضلل فهداكم الله‬
‫بي ‪ ،‬وعالة فأغناكم الله بي ‪ ،‬وكنتم متفرقين فألفكم الله بي" كلما قال شيئا‬
‫ن‪(1) .‬‬ ‫َ‬
‫م ّ‬ ‫قالوا ‪ :‬الله ورسوله أ َ‬
‫م { أي ‪ :‬عزيز‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ف ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ه أ َل ّ َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ولهذا قال تعالى ‪ } :‬وَل َك ِ ّ‬
‫الجناب ‪ ،‬فل يخيب رجاء من توكل عليه ‪ ،‬حكيم في أفعاله وأحكامه‪.‬‬
‫قال الحافظ أبو بكر البيهقي ‪ :‬أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ‪ ،‬أنبأنا علي بن‬
‫بشر الصيرفي القزويني في منزلنا ‪ ،‬أنبأنا أبو عبد الله محمد بن الحسن )‪(2‬‬
‫القنديلي الستراباذي ‪ ،‬حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن النعمان الصفار‬
‫‪ ،‬حدثنا ميمون بن الحكم ‪ ،‬حدثنا بكر بن الشرود ‪ ،‬عن محمد بن مسلم‬
‫الطائفي ‪ ،‬عن إبراهيم بن ميسرة ‪ ،‬عن طاوس ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قرابة‬
‫الرحم تقطع ‪ ،‬ومنة النعمة تكفر ‪ ،‬ولم ير مثل تقارب القلوب ؛ يقول الله‬
‫م { وذلك موجود‬ ‫ن قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ت ب َي ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ما أ َل ّ ْ‬ ‫ميًعا َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ق َ‬ ‫ف ْ‬ ‫تعالى ‪ } :‬ل َوْ أ َن ْ َ‬
‫شك واست َْغنى فليس بذي رحم‬ ‫فغَ ّ‬ ‫ت ذو القربى إليك برحمه َ‬ ‫م ّ‬ ‫في الشعر ‪ :‬إذا َ‬
‫ولكن ذا القربى الذي إن دعوتهأجاب ومن يرمي العدو الذي ترمي‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪ (4330‬وصحيح مسلم برقم )‪ (1061‬من حديث‬
‫عبد الله بن يزيد بن عاصم ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (2‬في جميع النسخ "الحسين" والتصويب من الشعب والميزان‪.‬‬

‫) ‪(4/84‬‬
‫قال ‪ :‬ومن ذلك قول القائل ‪ :‬ولقد صحبت الناس ثم سبرتهموبلوت ما وصلوا‬
‫من السباب‬
‫سَباب‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب ال ْ‬ ‫قّرب قاطعاوإذا المودة أقَر ُ‬ ‫فإذا القرابة ل ت ُ َ‬
‫قال البيهقي ‪ :‬ل أدري هذا موصول بكلم ابن عباس ‪ ،‬أو هو من قول من‬
‫دونه من الرواة ؟ )‪(1‬‬
‫وقال أبو إسحاق السبيعي ‪ ،‬عن أبي الحوص ‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود ‪،‬‬
‫ت‬‫ف َ‬ ‫ما أ َل ّ ْ‬ ‫ميًعا َ‬‫ج ِ‬‫ض َ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ق َ‬ ‫ف ْ‬ ‫رضي الله عنه ‪ ،‬سمعته يقول ‪ } :‬ل َوْ أ َن ْ َ‬
‫م { الية ‪ ،‬قال ‪ :‬هم المتحابون في الله ‪ ،‬وفي رواية ‪ :‬نزلت في‬ ‫ن قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫المتحابين في الله‪.‬‬
‫رواه النسائي والحاكم في مستدركه ‪ ،‬وقال ‪ :‬صحيح )‪(2‬‬
‫مر ‪ ،‬عن ابن طاوس ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ابن عباس‬ ‫معْ َ‬‫وقال عبد الرازق ‪ :‬أخبرنا َ‬
‫قال ‪ :‬إن الرحم لتقطع ‪ ،‬وإن النعمة لتكفر ‪ ،‬وإن الله إذا قارب بين القلوب‬
‫ن‬‫ت ب َي ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ما أ َل ّ ْ‬
‫ميًعا َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ق َ‬ ‫ف ْ‬ ‫لم يزحزحها شيء ‪ ،‬ثم قرأ ‪ } :‬ل َوْ أ َن ْ َ‬
‫م{‬ ‫قُُلوب ِهِ ْ‬
‫ضا‪.‬‬‫رواه الحاكم أي ً‬
‫ُ‬
‫وقال أبو عمرو الوزاعي ‪ :‬حدثني عبدة بن أبي لَبابة ‪ ،‬عن مجاهد ‪ -‬ولقيته‬
‫فأخذ بيدي فقال ‪ :‬إذا تراءى المتحابان في الله ‪ ،‬فأخذ أحدهما بيد صاحبه ‪،‬‬
‫وضحك إليه ‪ ،‬تحاتت خطاياهما كما يتحات ورق الشجر‪ .‬قال عبدة ‪ :‬فقلت‬
‫ت‬‫ق َ‬ ‫ف ْ‬‫له ‪ :‬إن هذا ليسير! فقال ‪ :‬ل تقل ذلك ؛ فإن الله تعالى يقول ‪ } :‬ل َوْ أ َن ْ َ‬
‫م { !‪ .‬قال عبدة ‪ :‬فعرفت أنه أفقه‬ ‫ن قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ت ب َي ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ما أ َل ّ ْ‬ ‫ميًعا َ‬ ‫ج ِ‬‫ض َ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫َ‬
‫مني )‪(3‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو كريب ‪ ،‬حدثنا ابن يمان )‪ (4‬عن إبراهيم الخوزي )‬
‫‪ (5‬عن الوليد بن أبي مغيث ‪ ،‬عن مجاهد قال ‪ :‬إذا التقى المسلمان فتصافحا‬
‫غفر لهما ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت لمجاهد ‪ :‬بمصافحة يغفر لهما ؟ فقال مجاهد ‪ :‬أما‬
‫م وَل َك ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ن قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ت ب َي ْ َ‬ ‫ف َ‬‫ما أ َل ّ ْ‬
‫ميًعا َ‬
‫ج ِ‬‫ض َ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ق َ‬ ‫سمعته يقول ‪ } :‬ل َوْ أ َن ْ َ‬
‫ف ْ‬
‫م { ؟ فقال الوليد لمجاهد ‪ :‬أنت أعلم مني‪.‬‬ ‫ف ب َي ْن َهُ ْ‬‫ه أ َل ّ َ‬
‫الل ّ َ‬
‫صّرف ‪ ،‬عن مجاهد‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫وكذا روى طلحة بن ُ‬
‫وقال ابن عون ‪ ،‬عن عمير بن إسحاق قال ‪ :‬كنا نحدث )‪ (6‬أن أول ما يرفع‬
‫من الناس ‪] -‬أو قال ‪ :‬عن الناس[ )‪ - (7‬اللفة‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬حدثنا‬
‫الحسين بن إسحاق‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬شعب اليمان للبيهقي برقم )‪.(9034‬‬
‫)‪ (2‬النسائي في السنن الكبرى برقم )‪ (11210‬والمستدرك )‪.(2/329‬‬
‫)‪ (3‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(14/46‬‬
‫)‪ (4‬في هـ ‪" :‬حدثنا أبو يمان" والتصويب من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (5‬في د ‪ ،‬ك ‪" :‬الجزري"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في د ‪ ،‬ك ‪" :‬نتحدث"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من الطبري‪.‬‬

‫) ‪(4/85‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫حّر ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ن )‪َ (64‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬‫ك ِ‬ ‫ن ات ّب َعَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫سب ُ َ‬ ‫ح ْ‬‫ي َ‬ ‫َيا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫ن ي َك ُ ْ‬
‫ن‬ ‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫مائ َت َي ْ ِ‬‫ن ي َغْل ُِبوا ِ‬ ‫صاب ُِرو َ‬ ‫ن َ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ع ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ن ِ‬ ‫ن ي َك ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫قَتا ِ‬‫ن عََلى ال ْ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬‫ف َ‬ ‫خ ّ‬
‫ن َ‬ ‫ن )‪ (65‬اْل َ َ‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬‫م َل ي َ ْ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫فُروا ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫فا ِ‬‫ة ي َغْل ُِبوا أل ْ ً‬ ‫مئ َ ٌ‬‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫إ‬‫و‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ئ‬ ‫ما‬ ‫بوا‬ ‫ل‬ ‫غ‬‫ي‬ ‫ة‬ ‫ر‬‫ب‬ ‫صا‬ ‫ة‬‫َ‬ ‫ئ‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫فا‬‫ً‬ ‫ع‬ ‫ض‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬
‫ِ َْ ِ َِ ْ‬ ‫ِ ْ َ ْ ِ ْ ْ ِ ٌ َ َِ ٌ َْ ُِ‬ ‫ُ َْ ْ َ َِ َ ّ ِ ْ َ ْ‬
‫ن )‪(66‬‬ ‫ري‬
‫ّ ِ ِ َ‬ ‫ب‬ ‫صا‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ِ َ ُ َ َ‬‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ْ‬
‫ن بِ ِ ِ‬
‫ذ‬ ‫إ‬ ‫ف ي َغْل ُِبوا أ َل ْ َ‬
‫في ْ ِ‬ ‫م أ َل ْ ٌ‬
‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ي َك ُ ْ‬
‫التستري ‪ ،‬حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري ‪ ،‬حدثنا سالم بن غيلن ‪،‬‬
‫سمعت جعدا أبا عثمان ‪ ،‬حدثني أبو عثمان النهدي ‪ ،‬عن سلمان الفارسي ‪:‬‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن المسلم إذا لقي أخاه‬
‫المسلم ‪ ،‬فأخذ بيده ‪ ،‬تحاتت عنهما ذنوبهما ‪ ،‬كما يتحات الورق عن الشجرة‬
‫اليابسة في يوم ريح عاصف ‪ ،‬وإل غفر لهما ولو كانت ذنوبهما مثل زبد البحار‬
‫)‪(2) (1‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫حّر ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ن )‪َ (64‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ات ّب َعَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫سب ُ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ي َ‬ ‫} َيا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫ن ي َك ُ ْ‬
‫ن‬ ‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫مائ َت َي ْ ِ‬
‫ن ي َغْل ُِبوا ِ‬ ‫صاب ُِرو َ‬ ‫ن َ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ع ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ن ِ‬ ‫ن ي َك ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫قَتا ِ‬ ‫ن عََلى ال ْ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ف‬‫ف َ‬ ‫خ ّ‬‫ن َ‬ ‫ن )‪ (65‬ال َ‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬‫م ل يَ ْ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫فُروا ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ة ي َغْل ُِبوا أل ً‬ ‫مائ َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫مائ َت َي ْ ِ‬‫صاب َِرة ٌ ي َغْل ُِبوا ِ‬ ‫ة َ‬ ‫مائ َ ٌ‬
‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ن ِ‬ ‫ن ي َك ُ ْ‬ ‫فا فَإ ِ ْ‬ ‫ضعْ ً‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفيك ُ ْ‬ ‫مأ ّ‬ ‫م وَعَل ِ َ‬ ‫ه عَن ْك ُ ْ‬ ‫الل ُ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪{ (66‬‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن اللهِ َوالل ُ‬ ‫ن ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫في ْ ِ‬‫ف ي َغْل ُِبوا أل َ‬ ‫م أل ٌ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ي َك ُ ْ‬
‫يحرض تعالى نبيه ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ ،‬والمؤمنين على القتال‬
‫ومناجزة العداء ومبارزة القران ‪ ،‬ويخبرهم أنه حسبهم ‪ ،‬أي ‪ :‬كافيهم‬
‫وناصرهم ومؤيدهم على عدوهم ‪ ،‬وإن كثرت أعدادهم وترادفت أمدادهم ‪،‬‬
‫ولو قل عدد المؤمنين‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم ‪ ،‬حدثنا عبيد الله بن‬
‫موسى ‪ ،‬أنبأنا سفيان ‪ ،‬عن شوذب )‪ (3‬عن الشعبي في قوله ‪َ } :‬يا أ َي َّها‬
‫ن { قال ‪ :‬حسبك الله ‪ ،‬وحسب من‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ات ّب َعَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫سب ُ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ي َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫شهد معك‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وروي عن عطاء الخراساني ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد ]بن أسلم[ )‪(4‬‬
‫مثله‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل { أي ‪ :‬حثهم وذمر )‬ ‫قَتا ِ‬ ‫ن عَلى ال ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ض ال ُ‬ ‫حّر ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ولهذا قال ‪َ } :‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫‪ (5‬عليه ‪ ،‬ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرض على القتال‬
‫عند صفهم ومواجهة العدو ‪ ،‬كما قال لصحابه يوم بدر ‪ ،‬حين أقبل‬
‫ددهم ‪" :‬قوموا إلى جنة عرضها السموات‬ ‫ددهم وعُ َ‬ ‫المشركون في عَ َ‬
‫حمام ‪ :‬عرضها السموات والرض ؟! فقال رسول‬ ‫والرض"‪ .‬فقال عمير بن ال ُ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬نعم" فقال ‪ :‬بخ بخ ‪ ،‬فقال ‪" :‬ما يحملك على‬
‫قولك بخ بخ ؟ " قال )‪ (6‬رجاء أن أكون من أهلها! قال ‪" :‬فإنك من أهلها"‬
‫فتقدم الرجل فكسر جفن سيفه ‪ ،‬وأخرج تمرات فجعل يأكل منهن ‪ ،‬ثم ألقى‬
‫بقيتهن من يده ‪ ،‬وقال ‪ :‬لئن أنا حييت حتى آكلهن إنها لحياة طويلة! ثم تقدم‬
‫فقاتل حتى قتل ‪ ،‬رضي الله عنه )‪(7‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬البحر"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المعجم الكبير )‪ (6/256‬وفيه ‪" :‬مثل زبد البحر" وقال الهيثمي في‬
‫المجمع )‪" : (8/37‬رجاله رجال الصحيح غير سالم بن غيلن وهو ثقة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في هـ ‪ ،‬ك ‪" :‬عن ابن شوذب" والمثبت من م ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬وذمرهم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ك ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (7‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (1901‬من حديث أنس ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬

‫) ‪(4/86‬‬

‫وقد روي عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ :‬أن هذه الية نزلت حين‬
‫أسلم عمر بن الخطاب ‪ ،‬وكمل به الربعون‪.‬‬
‫وفي هذا نظر ؛ لن هذه الية مدنية ‪ ،‬وإسلم عمر كان بمكة بعد الهجرة إلى‬
‫أرض الحبشة وقبل الهجرة إلى المدينة ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫ن‬
‫صاب ُِرو َ‬ ‫ن َ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ع ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫من ْك ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن ي َك ُ ْ‬ ‫شًرا للمؤمنين وآمرا ‪ } :‬إ ِ ْ‬ ‫مب َ ّ‬‫ثم قال تعالى ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫مائ َ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فُروا { كل واحد‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ة ي َغْل ُِبوا أل ً‬ ‫م ِ‬‫من ْك ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن ي َك ْ‬ ‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫مائ َت َي ْ ِ‬ ‫ي َغْل ُِبوا ِ‬
‫بعشرة )‪ (1‬ثم نسخ هذا المر وبقيت البشارة‪.‬‬
‫خّريت )‬ ‫قال عبد الله بن المبارك ‪ :‬حدثنا جرير بن حازم ‪ ،‬حدثني الزبير بن ال ِ‬
‫ن‬
‫شُرو َ‬ ‫ع ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ن ي َك ُ ْ‬ ‫‪ (2‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬لما نزلت ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫ن { شق ذلك على المسلمين حين فرض الله عليهم أل‬ ‫مائ َت َي ْ ِ‬ ‫ن ي َغْل ُِبوا ِ‬ ‫صاب ُِرو َ‬ ‫َ‬
‫م{‬ ‫ُ‬
‫ه عَن ْك ْ‬ ‫ّ‬
‫ف الل ُ‬ ‫ف َ‬ ‫خ ّ‬
‫ن َ‬ ‫يفر واحد من عشرة ‪ ،‬ثم جاء التخفيف ‪ ،‬فقال ‪ } :‬ال َ‬
‫ن { قال ‪ :‬خفف الله عنهم من العدة ‪ ،‬ونقص من‬ ‫مائ َت َي ْ ِ‬ ‫إلى قوله ‪ } :‬ي َغْل ُِبوا ِ‬
‫الصبر بقدر ما خفف عنهم‪.‬‬
‫وروى البخاري من حديث ابن المبارك ‪ ،‬نحوه )‪(3‬‬
‫وقال سعيد بن منصور ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫في هذه الية قال ‪ :‬كتب عليهم أل يفر عشرون من مائتين ‪ ،‬ثم خفف الله‬
‫ف الل ّه عَنك ُم وعَل ِ َ‬
‫فا { فل ينبغي‬ ‫ضعْ ً‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفيك ُ ْ‬ ‫مأ ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫خ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫عنهم ‪ ،‬فقال ‪ } :‬ال َ‬
‫لمائة أن يفروا من مائتين‪.‬‬
‫وروى البخاري ‪ ،‬عن علي بن عبد الله ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬به ونحوه )‪(4‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني ابن أبي نجيح ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬لما نزلت هذه الية ثقلت على المسلمين ‪ ،‬وأعظموا أن يقاتل عشرون‬
‫ن‬‫فا ‪ ،‬فخفف الله عنهم فنسخها بالية الخرى فقال ‪ } :‬ال َ‬ ‫مائتين ‪ ،‬ومائة أل ً‬
‫َ‬
‫فا { الية ‪ ،‬فكانوا إذا كانوا على الشطر‬ ‫ضعْ ً‬‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن ِفيك ْ‬ ‫مأ ّ‬ ‫م وَعَل ِ َ‬ ‫ه عَن ْك ُ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬‫ف َ‬ ‫خ ّ‬ ‫َ‬
‫من عدو لهم )‪ (5‬لم ينبغ لهم أن يفروا من عدوهم ‪ ،‬وإذا كانوا دون ذلك ‪ ،‬لم‬
‫يجب عليهم قتالهم ‪ ،‬وجاز لهم أن يتحوزوا عنهم‪.‬‬
‫وروى علي بن أبي طلحة والعوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬نحو ذلك‪ .‬قال ابن أبي‬
‫حاتم ‪ :‬وروي عن مجاهد ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وزيد بن أسلم ‪،‬‬
‫وعطاء الخراساني ‪ ،‬والضحاك نحو ذلك‪.‬‬
‫وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه ‪ ،‬من حديث المسيب بن شريك ‪ ،‬عن ابن‬
‫ن‬‫شُرو َ‬ ‫ع ْ‬ ‫م ِ‬‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬‫ن ي َك ُ ْ‬ ‫عون ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫ن { قال ‪ :‬نزلت فينا أصحاب محمد صلى الله عليه‬ ‫مائ َت َي ْ ِ‬ ‫ن ي َغْل ُِبوا ِ‬ ‫صاب ُِرو َ‬ ‫َ‬
‫وسلم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ك ‪" :‬لعشرة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في هـ ‪" :‬الزبير بن الحارث" والمثبت من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م الطبري‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪.(4653‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪.(4652‬‬
‫)‪ (5‬في د ‪ ،‬ك ‪" :‬عدوهم"‪.‬‬
‫) ‪(4/87‬‬

‫َْ‬ ‫كون ل َ َ‬ ‫َ‬


‫ض الد ّن َْيا‬ ‫ن عََر َ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ض تُ ِ‬‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫حّتى ي ُث ْ ِ‬
‫خ َ‬ ‫سَرى َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ن يَ ُ َ ُ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ن ل ِن َب ِ ّ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫َ‬
‫سك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م ّ‬ ‫سب َقَ ل َ َ‬‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ب‬
‫ٌ‬ ‫تا‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫(‬ ‫‪67‬‬ ‫)‬ ‫م‬
‫ٌ‬ ‫كي‬
‫ِ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ز‬
‫ٌ‬ ‫زي‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫ه ي ُريد ُ اْل َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ه إِ ّ‬‫قوا الل ّ َ‬ ‫حَلًل ط َي ًّبا َوات ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما غَن ِ ْ‬
‫مت ُ ْ‬ ‫م ّ‬‫م )‪ (68‬فَك ُُلوا ِ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ِفي َ‬
‫م )‪(69‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫غَ ُ‬

‫‪ ،‬عن‬ ‫وروى الحاكم في مستدركه ‪ ،‬من حديث أبي عمرو بن العلء ‪ ،‬عن نافع‬
‫عَن ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ف الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ف َ‬ ‫خ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ابن عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ‪ } :‬ال َ‬
‫وعَل ِ َ‬
‫فا { رفع ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬صحيح السناد ولم يخرجاه )‪(1‬‬ ‫ضعْ ً‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفيك ُ ْ‬ ‫مأ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض الد ّن َْيا‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫ري‬ ‫ت‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫ي‬ ‫تى‬ ‫ح‬ ‫رى‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫كو‬‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫}‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ْ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م ّ‬ ‫سب َقَ ل َ َ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ب‬
‫ٌ‬ ‫تا‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ول‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫(‬ ‫‪67‬‬ ‫)‬ ‫م‬
‫ٌ‬ ‫كي‬
‫ِ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ز‬
‫ٌ‬ ‫زي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫ري‬‫َوالل َ ِ‬
‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫هّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫ّ‬
‫قوا الل َ‬ ‫َ‬
‫حلل طي ًّبا َوات ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ما غن ِ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م )‪ (68‬فَكلوا ِ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ِفي َ‬
‫م )‪{ (69‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫غَ ُ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا علي بن عاصم ‪ ،‬عن حميد ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في السارى‬
‫يوم بدر ‪ ،‬فقال ‪" :‬إن الله قد أمكنكم منهم" فقام عمر بن الخطاب فقال ‪ :‬يا‬
‫رسول الله ‪ ،‬اضرب أعناقهم‪ .‬فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ثم‬
‫عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪" :‬يا أيها الناس ‪ ،‬إن الله قد‬
‫أمكنكم منهم ‪ ،‬وإنما هم إخوانكم بالمس"‪ .‬فقام عمر فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪،‬‬
‫اضرب أعناقهم‪ .‬فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ثم عاد النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال للناس مثل ذلك ‪ ،‬فقام أبو بكر الصديق ‪ ،‬رضي‬
‫الله عنه ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬نرى أن تعفو عنهم ‪ ،‬وأن تقبل منهم الفداء‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من‬
‫ول‬ ‫َ‬
‫الغم ‪ ،‬فعفا عنهم ‪ ،‬وقبل منهم الفداء‪ .‬قال ‪ :‬وأنزل الله ‪ ،‬عز وجل ‪ } :‬ل ْ‬
‫سب َقَ { الية )‪(2‬‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ك َِتا ٌ‬
‫وقد سبق في أول السورة حديث ابن عباس في صحيح مسلم بنحو ذلك‪.‬‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن عمرو بن مرة ‪ ،‬عن أبي عبيدة ‪ ،‬عن عبد الله قال ‪ :‬لما‬
‫كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما تقولون في هؤلء )‬
‫‪ (3‬السارى ؟ " قال ‪ :‬فقال أبو بكر ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬قومك وأهلك ‪،‬‬
‫استبقهم واستتبهم ‪ ،‬لعل الله أن يتوب عليهم‪ .‬قال ‪ :‬وقال عمر ‪ :‬يا رسول‬
‫الله ‪ ،‬أخرجوك ‪ ،‬وكذبوك ‪ ،‬فقدمهم فاضرب أعناقهم‪ .‬قال ‪ :‬وقال عبد الله‬
‫بن رواحة ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أنت في واد كثير الحطب ‪ ،‬فأضرم الوادي عليهم‬
‫ناًرا ‪ ،‬ثم ألقهم فيه‪] .‬قال ‪ :‬فقال العباس ‪ :‬قطعت رحمك[ )‪ (4‬قال ‪ :‬فسكت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم شيًئا ‪ ،‬ثم قام فدخل فقال‬
‫ناس ‪ :‬يأخذ بقول أبي بكر‪ .‬وقال ناس ‪ :‬يأخذ بقول عمر‪ .‬وقال ناس ‪ :‬يأخذ‬
‫بقول عبد الله بن رواحة‪ .‬ثم خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فقال ‪" :‬إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن ‪ ،‬وإن الله‬
‫ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة ‪ ،‬وإن مثلك يا أبا بكر‬
‫صاِني‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مّني وَ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن ت َب ِعَِني فَإ ِن ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫كمثل إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬قال ‪ } :‬فَ َ‬
‫م { ]إبراهيم ‪ ، [36 :‬وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى ‪ ،‬عليه‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌرَر ِ‬ ‫ك غَ ُ‬ ‫فَإ ِن ّ َ‬
‫َ‬
‫زيُز‬ ‫ت ال ْعَ ِ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫م فَإ ِن ّ َ‬ ‫فْر ل َهُ ْ‬ ‫ن ت َغْ ِ‬ ‫ك وَإ ِ ْ‬ ‫عَباد ُ َ‬ ‫م ِ‬ ‫م فَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن ت ُعَذ ّب ْهُ ْ‬ ‫السلم ‪ ،‬قال ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫م { ]المائدة ‪ ، [118 :‬وإن مثلك يا عمر مثل موسى‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المستدرك )‪.(2/239‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(3/243‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬هذه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬والمسند والطبري‪.‬‬

‫) ‪(4/88‬‬

‫َ‬
‫م َفل‬ ‫شد ُد ْ عََلى قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫س عََلى أ ْ‬
‫م َ‬ ‫م ْ‬ ‫عليه السلم ‪ ،‬قال ‪َ } :‬رب َّنا اط ْ ِ‬
‫م { ]يونس ‪ ، [88 :‬وإن مثلك يا عمر كمثل نوح‬ ‫ب الِلي َ‬ ‫حّتى ي ََرُوا ال ْعَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫مُنوا َ‬‫ي ُؤْ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن د َّياًرا { ]نوح ‪:‬‬ ‫ري َ‬
‫ن الكافِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ب ل ت َذ َْر عَلى الْر ِ‬ ‫عليه السلم ‪ ،‬قال ‪َ } :‬ر ّ‬
‫‪ ، [26‬أنتم عالة فل ينفلتن أحد منهم إل بفداء أو ضربة عنق"‪ .‬قال ابن‬
‫مسعود ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إل سهيل بن بيضاء ‪ ،‬فإنه يذكر السلم ‪،‬‬
‫فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع‬
‫ي حجارة من السماء مني في ذلك اليوم ‪ ،‬حتى قال رسول الله صلى الله‬ ‫عل ّ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يأ ْ‬ ‫ن ل ِن َب ِ ّ‬
‫ما كا َ‬
‫عليه وسلم ‪" :‬إل سهيل بن بيضاء" فأنزل الله تعالى ‪َ } :‬‬
‫كون ل َ َ‬
‫سَرى { إلى آخر الية‪.‬‬ ‫هأ ْ‬ ‫يَ ُ َ ُ‬
‫رواه المام أحمد والترمذي ‪ ،‬من حديث أبي معاوية ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬والحاكم‬
‫في مستدركه ‪ ،‬وقال ‪ :‬صحيح السناد ولم يخرجاه )‪ (1‬وروى الحافظ أبو بكر‬
‫بن مردويه ‪ ،‬عن عبد الله بن عمر ‪ ،‬وأبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم نحوه )‪ (2‬وفي الباب عن أبي أيوب النصاري‪.‬‬
‫وروى ابن مردويه أيضا ‪ -‬واللفظ له ‪ -‬والحاكم في مستدركه ‪ ،‬من حديث‬
‫عبيد الله بن موسى ‪ :‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن إبراهيم بن مهاجر ‪ ،‬عن مجاهد ‪،‬‬
‫عن ابن عمر قال ‪ :‬لما أسر السارى يوم بدر ‪ ،‬أسر العباس فيمن أسر ‪،‬‬
‫أسره رجل من النصار ‪ ،‬قال ‪ :‬وقد أوعدته النصار أن يقتلوه‪ .‬فبلغ ذلك‬
‫للنبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إني‬
‫لم أنم الليلة من أجل عمي العباس ‪ ،‬وقد زعمت النصار أنهم قاتلوه" فقال‬
‫له عمر ‪ :‬فآتهم ؟ قال ‪" :‬نعم" فأتى عمر النصار فقال لهم ‪ :‬أرسلوا العباس‬
‫فقالوا ‪ :‬ل والله ل نرسله‪ .‬فقال لهم عمر ‪ :‬فإن كان لرسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم رضى ؟ قالوا ‪ :‬فإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم رضى‬
‫فخذه‪ .‬فأخذه عمر فلما صار في يده قال له ‪ :‬يا عباس ‪ ،‬أسلم ‪ ،‬فوالله لن‬
‫تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب ‪ ،‬وما ذاك إل لما رأيت رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يعجبه إسلمك ‪ ،‬قال ‪ :‬فاستشار رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أبا بكر ‪ ،‬فقال أبو بكر ‪ :‬عشيرتك‪ .‬فأرسلهم ‪ ،‬فاستشار عمر ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬اقتلهم ‪ ،‬ففاداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فأنزل الله ‪:‬‬
‫كون ل َ َ‬ ‫َ‬
‫ض { )‪ (3‬الية‪.‬‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫خ َ‬ ‫حّتى ي ُث ْ ِ‬ ‫سَرى َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ن يَ ُ َ ُ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ن ل ِن َب ِ ّ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫} َ‬
‫قال الحاكم ‪ :‬صحيح السناد ‪ ،‬ولم يخرجاه )‪(4‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن هشام ‪ -‬هو ابن حسان ‪ -‬عن محمد بن سيرين ‪،‬‬
‫عن عبيدة ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬جاء جبريل إلى النبي صلى‬
‫خّير أصحابك في السارى ‪ :‬إن شاءوا‬ ‫الله عليه وسلم يوم بدر فقال ‪َ :‬‬
‫الفداء ‪ ،‬وإن شاؤوا القتل على أن يقتل منهم مقبل مثلهم‪ .‬قالوا ‪ :‬الفداء‬
‫ويقتل منا‪.‬‬
‫رواه الترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن حبان في صحيحه من حديث الثوري ‪ ،‬به )‬
‫‪ (5‬وهذا حديث غريب‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (1/383‬وسنن الترمذي برقم )‪ (3084‬والمستدرك )‪(3/21‬‬
‫وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن وأبو عبيدة بن عبد الله لم يسمع من‬
‫أبيه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬ذكرهما السيوطي في الدر المنثور )‪.(107 ، 4/104‬‬
‫)‪ (3‬في ك ‪" :‬تكون"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المستدرك )‪ (2/329‬وقال الذهبي ‪" :‬على شرط مسلم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬سنن الترمذي برقم )‪ (1567‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪(8662‬‬
‫وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث غريب من حديث الثوري ل نعرفه إل من حديث‬
‫ابن أبي زائدة"‪.‬‬

‫) ‪(4/89‬‬

‫جدا‪.‬‬
‫وقال ابن عون ]عن محمد بن سيرين[ )‪ (1‬عن عبيدة ‪ ،‬عن علي قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسارى يوم بدر ‪" :‬إن شئتم قتلتموهم ‪،‬‬
‫وإن شئتم فاديتموهم واستمتعتم بالفداء ‪ ،‬واستشهد منكم بعدتهم"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فكان آخر السبعين ثابت بن قيس ‪ ،‬قتل يوم اليمامة ‪ ،‬رضي الله عنه )‪(2‬‬
‫ومنهم من روى هذا الحديث عن عبيدة مرسل )‪ (3‬فالله أعلم‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن ابن أبي نجيح ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس ‪:‬‬
‫كون ل َ َ‬ ‫َ‬
‫م { قال ‪:‬‬ ‫ظي ٌ‬
‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫سَرى { فقرأ حتى بلغ ‪ } :‬عَ َ‬ ‫هأ ْ‬‫ن يَ ُ َ ُ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ن ل ِن َب ِ ّ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫} َ‬
‫غنائم بدر ‪ ،‬قبل أن يحلها لهم ‪ ،‬يقول ‪ :‬لول أني ل أعذب من عصاني حتى‬
‫أتقدم إليه ‪ ،‬لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم‪.‬‬
‫وكذا روى ابن أبي نجيح ‪ ،‬عن مجاهد‪.‬‬
‫وقال العمش ‪ :‬سبق منه أل يعذب أحدا شهد بدرا‪ .‬وروى نحوه عن سعد بن‬
‫أبي وقاص ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وعطاء‪.‬‬
‫سب َقَ {‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ول ك َِتا ٌ‬ ‫َ‬
‫وقال شعبة ‪ ،‬عن أبي هاشم )‪ (4‬عن مجاهد ‪ } :‬ل ْ‬
‫أي ‪ :‬لهم بالمغفرة ونحوه عن سفيان الثوري ‪ ،‬رحمه الله‪.‬‬
‫هّ‬
‫ن الل ِ‬‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ول ك َِتا ٌ‬ ‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬ل َ ْ‬
‫سب َقَ { يعني ‪ :‬في أم الكتاب الول أن المغانم والسارى حلل لكم ‪،‬‬ ‫َ‬
‫م { قال الله تعالى ‪:‬‬ ‫ظي‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫}‬ ‫السارى‬ ‫من‬ ‫{‬ ‫م‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫} ل َمسك ُم فيما أ َ‬
‫ِ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ ّ ْ ِ َ‬
‫م { الية‪ .‬وكذا روى العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس‪ .‬وروي مثله‬ ‫ْ ُ ْ‬‫ت‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫غ‬ ‫ما‬ ‫م ّ‬ ‫} فَك ُُلوا ِ‬
‫عن أبي هريرة ‪ ،‬وابن مسعود ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬والحسن‬
‫سب َقَ {‬‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬‫ب ِ‬ ‫ول ك َِتا ٌ‬ ‫البصري ‪ ،‬وقتادة والعمش أيضا ‪ :‬أن المراد } ل َ ْ‬
‫لهذه المة بإحلل الغنائم وهو اختيار ابن جرير ‪ ،‬رحمه الله‪.‬‬
‫ويستشهد لهذا القول بما أخرجاه في الصحيحين ‪ ،‬عن جابر بن عبد الله ‪،‬‬
‫رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أعطيت‬
‫خمسا ‪ ،‬لم يعطهن أحد من النبياء قبلي ‪ :‬نصرت بالرعب مسيرة شهر ‪،‬‬
‫وجعلت لي الرض مسجدا وطهورا ‪ ،‬وأحلت لي الغنائم ولم تحل لحد قبلي ‪،‬‬
‫وأعطيت الشفاعة ‪ ،‬وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة" )‬
‫‪(5‬‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لم تحل‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من المستدرك ودلئل النبوة‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه الحاكم في المستدرك )‪ (2/140‬والبيهقي في دلئل النبوة )‬
‫‪ (3/139‬من طريق إبراهيم بن عرعرة قال ‪ :‬أخبرنا أزهر ‪ ،‬عن ابن عون ‪،‬‬
‫عن محمد عن عبيدة ‪ ،‬عن علي به ‪ ،‬وقال ابن عرعرة ‪" :‬رددت هذا على‬
‫أزهر فأبى إل أن يقول ‪ :‬عبيدة عن علي" وصححه الحاكم وقال ‪" :‬على‬
‫شرط الشيخين"‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه الطبري في تفسيره )‪ (14/67‬من طريق ابن علية عن ابن عون‬
‫عن ابن سيرين عن عبيدة به مرسل‪.‬‬
‫)‪ (4‬في د ‪" :‬هشام"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪ (335‬وصحيح مسلم برقم )‪.(521‬‬

‫) ‪(4/90‬‬

‫الغنائم لسود الرؤوس غيرنا" )‪(1‬‬


‫فوٌر‬ ‫ن الل َّ‬
‫ه غَ ُ‬ ‫إ‬
‫َ ِ ّ‬‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫قواال‬
‫ُ‬ ‫ت‬ ‫وا‬
‫ًّ َ ّ‬‫با‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ط‬ ‫حلل‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫م‬
‫ِ ْ ُ ْ َ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫غ‬ ‫ما‬ ‫ولهذا قال الله تعالى ‪ } :‬فَك ُُلوا ِ‬
‫م ّ‬
‫م { فعند ذلك أخذوا من السارى الفداء‪.‬‬ ‫حي ٌ‬
‫َر ِ‬
‫وقد روى المام أبو داود في سننه ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن المبارك العيشي ‪،‬‬
‫حدثنا سفيان بن حبيب ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن أبي العنبس ‪ ،‬عن أبي الشعثاء ‪،‬‬
‫عن ابن عباس ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل فداء أهل‬
‫الجاهلية يوم بدر أربعمائة )‪(2‬‬
‫وقد استقر الحكم في السرى )‪ (3‬عند جمهور العلماء ‪ :‬أن المام مخير فيهم‬
‫‪ :‬إن شاء قتل ‪ -‬كما فعل ببني قريظة ‪ -‬وإن شاء فادى بمال ‪ -‬كما فعل‬
‫بأسرى بدر ‪ -‬أو بمن أسر من المسلمين ‪ -‬كما فعل رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم في تلك الجارية وابنتها اللتين كانتا في سبي سلمة بن الكوع ‪،‬‬
‫حيث ردهما وأخذ في مقابلتهما من المسلمين الذين كانوا عند المشركين ‪،‬‬
‫وإن شاء استرق من أسر‪ .‬هذا مذهب المام الشافعي وطائفة من العلماء ‪،‬‬
‫وفي المسألة خلف آخر بين الئمة مقرر في موضعه من كتب الفقه‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه الترمذي في السنن برقم )‪ (3085‬من طريق معاوية بن عمرو عن‬
‫زائدة ‪ ،‬عن العمش به نحوه ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن صحيح‬
‫غريب من حديث العمش"‪.‬‬
‫)‪ (2‬سنن أبي داود برقم )‪.(2691‬‬
‫)‪ (3‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬السارى"‬

‫) ‪(4/91‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫خي ًْرا‬‫م َ‬ ‫ه ِفي قُُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ن ي َعْل َم ِ الل ّ ُ‬ ‫سَرى إ ِ ْ‬ ‫ن اْل ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬‫ديك ُ ْ‬ ‫ن ِفي أي ْ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ل لِ َ‬ ‫ي قُ ْ‬‫َيا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫دوا‬‫ري ُ‬‫ن يُ ِ‬‫م )‪ (70‬وَإ ِ ْ‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬‫م َوالل ّ ُ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬‫م وَي َغْ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫خذ َ ِ‬ ‫ما أ ُ ِ‬
‫م ّ‬‫خي ًْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ي ُؤْت ِك ُ ْ‬
‫َ‬
‫م )‪(71‬‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬‫من ْهُ ْ‬‫ن ِ‬ ‫مك َ َ‬ ‫ل فَأ ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫خاُنوا الل ّ َ‬ ‫ك فَ َ‬
‫قد ْ َ‬ ‫خَيان َت َ َ‬‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خي ًْرا‬
‫م َ‬ ‫ه ِفي قُُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ن ي َعْل َم ِ الل ّ ُ‬
‫سَرى إ ِ ْ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ديك ُ ْ‬
‫ن ِفي أي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل لِ َ‬‫ي قُ ْ‬ ‫} َيا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫دوا‬ ‫ري ُ‬‫ن يُ ِ‬
‫م )‪ (70‬وَإ ِ ْ‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬‫م َوالل ّ ُ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م وَي َغْ ِ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫ما أ ُ ِ‬
‫م ّ‬ ‫خي ًْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ي ُؤْت ِك ُ ْ‬
‫َ‬
‫م )‪{ (71‬‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬
‫من ْهُ ْ‬‫ن ِ‬ ‫مك َ َ‬ ‫ل فَأ ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫خاُنوا الل ّ َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ك فَ َ‬‫خَيان َت َ َ‬ ‫ِ‬
‫قال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني العباس بن عبد الله بن مغفل ‪ ،‬عن بعض‬
‫أهله ‪ ،‬عن عبد الله بن عباس ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ ،‬أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال يوم بدر ‪" :‬إني قد عرفت أن أناسا من بني هاشم وغيرهم ‪،‬‬
‫قد أخرجوا كرها ‪ ،‬ل حاجة لهم بقتالنا ‪ ،‬فمن لقي )‪ (1‬منكم أحدا منهم ‪ -‬أي ‪:‬‬
‫من بني هاشم ‪ -‬فل يقتله ‪ ،‬ومن لقي أبا البختري بن هشام فل يقتله ‪ ،‬ومن‬
‫لقي العباس بن عبد المطلب فل يقتله ‪ ،‬فإنه إنما أخرج مستكرها"‪ .‬فقال أبو‬
‫حذيفة بن عتبة ‪ :‬أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشائرنا ونترك العباس ؟ !‬
‫والله لئن لقيته للجمنه بالسيف ؟ فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫فقال لعمر بن الخطاب ‪" :‬يا أبا حفص" ‪ -‬قال عمر ‪ :‬والله إنه لول يوم كناني‬
‫فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" -‬أيضرب وجه عم رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم بالسيف ؟ " فقال عمر ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ائذن لي فأضرب‬
‫عنقه ‪ ،‬فوالله لقد نافق‪ .‬فكان أبو حذيفة يقول بعد ذلك ‪ :‬والله ما آمن من‬
‫تلك الكلمة التي قلت ‪ ،‬ول أزال منها خائفا ‪ ،‬إل أن يكفرها الله عني بشهادة‪.‬‬
‫فقتل يوم اليمامة شهيدا ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬شهد"‪.‬‬

‫) ‪(4/91‬‬

‫وبه ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬لما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم‬
‫بدر ‪ ،‬والسارى محبوسون بالوثاق ‪ ،‬بات رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ساهرا أول الليل ‪ ،‬فقال له أصحابه ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ما لك ل تنام ؟ ‪ -‬وقد‬
‫أسر العباس رجل من النصار ‪ -‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫"سمعت أنين عمي العباس في وثاقه" فأطلقوه ‪ ،‬فسكت ‪ ،‬فنام رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫قال محمد بن إسحاق ‪ :‬وكان أكثر السارى يوم بدر فداء العباس بن عبد‬
‫موسرا فافتدى نفسه بمائة أوقية ذهبا )‪(1‬‬ ‫المطلب ‪ ،‬وذلك أنه كان رجل ُ‬
‫وفي صحيح البخاري ‪ ،‬من حديث موسى بن عقبة ‪ ،‬قال ابن شهاب ‪ :‬حدثني‬
‫أنس بن مالك أن رجال من النصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه‬
‫ك لبن أختنا عباس فداءه‪ .‬قال )‪ (2‬ل والله ل‬ ‫ن لنا فَل ْن َت ُْر ْ‬
‫وسلم فقالوا ‪ :‬ائذ َ ْ‬
‫ذرون منه درهما" )‪(3‬‬ ‫تَ َ‬
‫وقال يونس بن ب ُك َْير ‪ ،‬عن محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن يزيد بن ُرومان ‪ ،‬عن عُْرَوة‬
‫‪ -‬وعن الزهري ‪ ،‬عن جماعة سماهم قالوا ‪ :‬بعثت قريش إلى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم في فداء أسراهم ‪ ،‬ففدى )‪ (4‬كل قوم أسيرهم بما‬
‫رضوا ‪ ،‬وقال العباس ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬قد كنت مسلما! فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬الله أعلم بإسلمك ‪ ،‬فإن يكن كما تقول فإن الله‬
‫ي أخيك ‪ :‬نوفل بن‬ ‫يجزيك ‪ ،‬وأما ظاهرك فقد كان علينا ‪ ،‬فافتد نفسك وابن ْ‬
‫عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب ‪ ،‬وحليفك‬ ‫الحارث بن عبد المطلب ‪ ،‬و َ‬
‫عتبة بن عمرو أخي بني الحارث بن فهر" قال ‪ :‬ما ذاك عندي يا رسول الله!‬
‫ت‬‫قال ‪" :‬فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل ؟ فقلت )‪ (5‬لها ‪ :‬إن أصب ُ‬
‫في سفري هذا ‪ ،‬فهذا المال الذي دفنته لَبني ‪ :‬الفضل ‪ ،‬وعبد الله ‪ ،‬وُقثم"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬والله يا رسول الله ‪ ،‬إني لعلم أنك رسول الله ‪ ،‬إن هذا لشيء ما‬
‫علمه أحد )‪ (6‬غيري وغيُر أم الفضل ‪ ،‬فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم‬
‫مني ‪ :‬عشرين أوقية من مال كان معي فقال ؟ رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬ل ذاك شيء أعطانا الله تعالى منك"‪ .‬ففدى نفسه وابني أخويه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ن ِفي أي ْ ِ‬ ‫م ْ‬‫ل لِ َ‬ ‫ي قُ ْ‬
‫وحليفه ‪ ،‬وأنزل الله ‪ ،‬عز وجل فيه ‪َ } :‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫فْر ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م وَي َغْ ِ‬‫من ْك ُ ْ‬
‫خذ َ ِ‬‫ما أ ُ ِ‬
‫م ّ‬
‫خي ًْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫خي ًْرا ي ُؤْت ِك ُ ْ‬
‫م َ‬‫ه ِفي قُُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ن ي َعْل َم ِ الل ّ ُ‬
‫سَرى إ ِ ْ‬ ‫ال ْ‬
‫م { )‪ (7‬قال العباس ‪ :‬فأعطاني الله مكان العشرين الوقية‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ه غَ ُ‬
‫في السلم عشرين عبدا ‪ ،‬كلهم في يده مال يضرب به ‪ ،‬مع ما أرجو من‬
‫مغفرة الله ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫جيح ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس‬ ‫وقد روى ابن إسحاق أيضا ‪ ،‬عن ابن أبي ن َ ِ‬
‫في هذه الية بنحو مما تقدم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في د ‪ ،‬ك ‪" :‬ذهب"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ك ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪.(4026‬‬
‫)‪ (4‬في ك ‪" :‬يفادى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في د ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬بشر"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في د ‪" :‬السرى"‪.‬‬

‫) ‪(4/92‬‬

‫كيع ‪ ،‬حدثنا ابن إدريس ]عن ابن‬ ‫وقال )‪ (1‬أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثنا ابن وَ ِ‬
‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال‬ ‫إسحاق [ )‪ (2‬عن ابن أبي ن َ ِ‬
‫ن ِفي‬ ‫حّتى ي ُث ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬
‫خ َ‬ ‫سَرى َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫نل ُ‬ ‫ن ي َكو َ‬ ‫يأ ْ‬‫ن ل ِن َب ِ ّ‬
‫كا َ‬ ‫العباس ‪ :‬في نزلت ‪َ } :‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم بإسلمي ‪ ،‬وسألته أن يحاسبني‬ ‫ض { فأخبرت النب ّ‬ ‫الْر ِ‬
‫بالعشرين الوقية التي أخذ )‪ (3‬مني ‪ ،‬فأبى ‪ ،‬فأبدلني الله بها عشرين عبدا ‪،‬‬
‫كلهم تاجر ‪ ،‬مالي في يده‪.‬‬
‫وقال ابن إسحاق أيضا ‪ :‬حدثني الكلبي ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن‬
‫ي‬
‫جابر بن عبد الله ابن رئاب قال ‪ :‬كان العباس بن عبد المطلب يقول ‪ :‬ف ّ‬
‫نزلت ‪ -‬والله ‪ -‬حين ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إسلمي ‪ -‬ثم‬
‫ذكر نحو الحديث الذي قبله‪.‬‬
‫ل‬‫ي قُ ْ‬ ‫َ‬
‫جريج ‪ ،‬عن عطاء الخراساني ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ } :‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫َ‬
‫سَرى { عباس وأصحابه‪ .‬قال ‪ :‬قالوا للنبي صلى الله‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫ديك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ن ِفي أي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫لِ َ‬
‫عليه وسلم ‪ :‬آمنا بما جئت به ‪ ،‬ونشهد أنك رسول الله ‪ ،‬لننصحن لك على‬
‫خذ َ‬ ‫ما أ ُ ِ‬‫م ّ‬‫خي ًْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫خي ًْرا ي ُؤْت ِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ه ِفي قُُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ن ي َعْل َم ِ الل ّ ُ‬
‫قومنا‪ .‬فأنزل الله ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫م{‬ ‫ُ‬
‫فْر لك ْ‬‫َ‬ ‫م { إيمانا وتصديقا ‪ ،‬يخلف )‪ (4‬لكم خيرا مما أخذ منكم } وَي َغْ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ِ‬
‫الشرك الذي كنتم عليه‪ .‬قال ‪ :‬فكان العباس يقول ‪ :‬ما أحب أن هذه الية لم‬
‫م { فقد‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫ما أ ُ ِ‬ ‫م ّ‬‫خي ًْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫تنزل فينا ‪ ،‬وأن لي الدنيا ‪ ،‬لقد قال ‪ } :‬ي ُؤْت ِك ُ ْ‬
‫م { وأرجو أن‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫أعطاني خيرا مما أخذ مني مائة ضعف ‪ ،‬وقال ‪ } :‬وَي َغْ ِ‬
‫غفر لي‪.‬‬ ‫يكون )‪ُ (5‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية ‪ :‬كان العباس أسر‬
‫يوم بدر ‪ ،‬فافتدى نفسه بأربعين أوقية من ذهب ‪ ،‬فقال العباس حين قرئت‬
‫خصلتين ‪ ،‬ما أحب أن لي بهما‬ ‫هذه الية ‪ :‬لقد أعطانا )‪ (6‬الله ‪ ،‬عز وجل ‪َ ،‬‬
‫ديت نفسي بأربعين أوقية‪ .‬فآتاني أربعين‬ ‫الدنيا ‪ :‬إني أسرت يوم بدر فَ َ‬
‫ف َ‬
‫عبدا ‪ ،‬وأنا أرجو المغفرة التي وعدنا الله ‪ ،‬جل ثناؤه‪.‬‬
‫وقال قتادة في تفسير هذه الية ‪ُ :‬ذكر لنا أن رسول )‪ (7‬الله صلى الله عليه‬
‫وسلم لما قدم عليه مال البحرين ثمانون ألفا ‪ ،‬وقد توضأ لصلة الظهر ‪ ،‬فما‬
‫أعطى يومئذ ساكًتا ول حرم سائل وما صلى يومئذ حتى فرقه ‪ ،‬فأمر العباس‬
‫أن يأخذ منه ويحتثي ‪ ،‬فأخذ‪ .‬قال ‪ :‬فكان العباس يقول ‪ :‬هذا خير مما أخذ منا‬
‫‪ ،‬وأرجو المغفرة‪.‬‬
‫وقال يعقوب بن سفيان ‪ :‬حدثنا عمرو بن عاصم ‪ ،‬حدثنا سليمان بن المغيرة ‪،‬‬
‫عن حميد بن هلل قال ‪ :‬بعث ابن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫د‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫وسلم من البحرين ثمانين ألفا ‪ ،‬ما أتاه مال أكثر منه ل َقب ُ‬
‫ل ول َبع ُ‬
‫فنثرت على حصير ونودي بالصلة‪ .‬قال ‪ :‬وجاء رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فمثل قائما على المال ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ك ‪" :‬وقال أيضا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬أخذت"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ك ‪ : :‬نخلف"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬يكون قد"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬أعطاه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ك ‪" :‬نبي"‪.‬‬

‫) ‪(4/93‬‬

‫ضا ‪] ،‬قال[ )‪(1‬‬ ‫ن ‪ ،‬ما كان إل قَب ْ ً‬ ‫وجاء أهل المسجد فما كان يومئذ عدد ٌ ول وز ٌ‬
‫خميصة عليه ‪ ،‬وذهب يقوم فلم‬ ‫وجاء العباس بن عبد المطلب يحثى في َ‬
‫يستطع ‪ ،‬قال ‪ :‬فرفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬يا‬
‫رسول الله ‪ ،‬ارفع علي‪ .‬قال ‪ :‬فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى‬
‫خرج ضاحكه ‪ -‬أو ‪ :‬نابه ‪ -‬وقال له ‪" :‬أعد ْ من المال طائفة ‪ ،‬وقم بما تطيق"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ففعل ‪ ،‬وجعل العباس يقول ‪ -‬وهو منطلق ‪ : -‬أما إحدى اللتين وعدنا‬
‫ن ِفي‬ ‫ي قُ ْ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬
‫ل لِ َ‬ ‫الله فقد أنجزنا ‪ ،‬وما ندري ما يصنع في الخرى ‪َ } :‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫َ‬
‫سَرى { )‪ (2‬الية ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬هذا خير مما أخذ منا ‪ ،‬ول أدري ما‬ ‫ن ال ْ‬
‫م َ‬ ‫ديك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫أي ْ ِ‬
‫يصنع الله في الخرى )‪ (3‬فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم مائل‬
‫على ذلك المال ‪ ،‬حتى ما بقي منه درهم ‪ ،‬وما بعث إلى أهله بدرهم ‪ ،‬ثم أتى‬
‫الصلة فصلى )‪(4‬‬
‫حديث آخر في ذلك ‪ :‬قال الحافظ أبو بكر البيهقي ‪ :‬أنبأنا أبو عبد الله‬
‫الحافظ ‪ ،‬أخبرني أبو الطيب محمد بن محمد بن عبد الله السعيدي ‪ ،‬حدثنا‬
‫مان ‪ ،‬عن‬ ‫مش بن عصام ‪ ،‬حدثنا حفص بن عبد الله ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن ط َهْ َ‬ ‫ح َ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫عبد العزيز بن صهيب ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬أتي رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم بمال من البحرين ‪ ،‬فقال ‪" :‬انثروه في المسجد"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وكان أكثر مال أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فخرج إلى‬
‫الصلة ولم يلتفت إليه ‪ ،‬فلما قضى الصلة جاء فجلس إليه‪ .‬فما كان يرى‬
‫أحدا إل أعطاه ‪ ،‬إذ جاء العباس فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أعطني فإني فاديت‬
‫عقيل‪ .‬فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬خذ"‪.‬‬ ‫نفسي ‪ ،‬وفاديت َ‬
‫ي‪.‬‬
‫مْر بعضهم يرفعه إل ّ‬ ‫قله فلم يستطع ‪ ،‬فقال ‪ُ :‬‬ ‫ّ‬ ‫فحثا في ثوبه ‪ ،‬ثم ذهب ي ُ ِ‬
‫ي‪ .‬قال ‪" :‬ل" فنثر منه ثم احتمله على‬ ‫ّ‬ ‫عل‬ ‫أنت‬ ‫قال ‪" :‬ل"‪ .‬قال ‪ :‬فارفعه‬
‫كاهله ‪ ،‬ثم انطلق ‪ ،‬فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعه بصره‬
‫حْرصه ‪ ،‬فما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫جًبا من ِ‬ ‫ي عنه ‪ ،‬عَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫خ ِ‬
‫حتى َ‬
‫م منها درهم )‪(5‬‬ ‫وث َ ّ‬
‫وقد رواه البخاري في مواضع من صحيحه تعليقا بصيغة الجزم ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫"وقال إبراهيم بن طهمان" ويسوقه ‪ ،‬وفي بعض السياقات أتم من هذا )‪(6‬‬
‫قد ْ‬‫ك { أي ‪ :‬فيما أظهروا لك من القوال ‪ } ،‬فَ َ‬ ‫خَيان َت َ َ‬ ‫دوا ِ‬‫ري ُ‬ ‫ن يُ ِ‬‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫م { أي ‪:‬‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫َ‬
‫مك َ‬‫ل { أي ‪ :‬من قبل بدر بالكفر به ‪ } ،‬فَأ ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫خاُنوا الل ّ َ‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬عليم بما يفعله ‪ ،‬حكيم فيه‪.‬‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬‫م َ‬‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ّ‬
‫بالسار يوم بدر ‪َ } ،‬والل ُ‬
‫سْرح الكاتب حين ارتد ‪،‬‬ ‫قال قتادة ‪ :‬نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي َ‬
‫ولحق بالمشركين‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في د ‪" :‬السرى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ك ‪" :‬الخرة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬ورواه الحاكم في المستدرك )‪ (3/329‬من طريق هاشم بن القاسم عن‬
‫سليمان بن المغيرة به نحوه ‪ ،‬وقال ‪" :‬هذا حديث صحيح على شرط مسلم‬
‫ولم يخرجاه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬السنن الكبرى )‪ (6/356‬ووقع فيه "محمد بن محمد بن عبد الله‬
‫الشعيري"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪.(3165 ، 3049 ، 421‬‬

‫) ‪(4/94‬‬

‫م وَأ َن ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬


‫ن‬‫ذي َ‬‫ل الل ّهِ َوال ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬‫م ِفي َ‬ ‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬ ‫وال ِهِ ْ‬‫م َ‬
‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫جُروا وَ َ‬ ‫ها َ‬ ‫مُنوا وَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ن ال ّ ِ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما لك ْ‬ ‫جُروا َ‬ ‫م ي َُها ِ‬‫مُنوا وَل ْ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ض َوال ِ‬ ‫م أوْل َِياُء ب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬‫صُروا أولئ ِك ب َعْ ُ‬ ‫آوَْوا وَن َ َ‬
‫صُر إ ِّل‬
‫م الن ّ ْ‬ ‫ن فَعَل َي ْك ُ ُ‬ ‫دي ِ‬‫م ِفي ال ّ‬ ‫صُروك ُ ْ‬ ‫ست َن ْ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫جُروا وَإ ِ ِ‬ ‫حّتى ي َُها ِ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫وََلي َت ِهِ ْ‬
‫صيٌر )‪(72‬‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ميَثاقٌ َوالل ّ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫م وَب َي ْن َهُ ْ‬ ‫عََلى قَوْم ٍ ب َي ْن َك ُ ْ‬

‫جَرْيج ‪ ،‬عن عطاء الخراساني ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬نزلت في عباس‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫وأصحابه ‪ ،‬حين قالوا ‪ :‬لننصحن لك على قومنا‪.‬‬
‫سد ّيّ على العموم ‪ ،‬وهو أشمل وأظهر ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬ ‫وفسرها ال ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ل اللهِ َوال ِ‬ ‫سِبي ِ‬‫م ِفي َ‬ ‫سهِ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫م وَأن ْ ُ‬ ‫وال ِهِ ْ‬‫م َ‬
‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫جُروا وَ َ‬‫ها َ‬ ‫مُنوا وَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫} إِ ّ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما لك ْ‬ ‫جُروا َ‬ ‫م ي َُها ِ‬
‫مُنوا وَل ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ض َوال ِ‬ ‫م أوْل َِياُء ب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬
‫صُروا أولئ ِك ب َعْ ُ‬ ‫آوَْوا وَن َ َ‬
‫صُر ِإل‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫م‬
‫ّ ِ َ ْ ُ ّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫دي‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ْ ِ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫رو‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫س‬
‫َِ ِ ْ َْ َ ُ‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫روا‬ ‫ج‬ ‫ها‬‫ي‬ ‫تى‬
‫ْ َ ّ َُ ِ ُ‬ ‫ح‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬‫ي‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫م ِ ْ‬
‫م‬ ‫َولي َت ِهِ ْ‬
‫صيٌر )‪{ (72‬‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ميَثاقٌ َوالل ّ ُ‬
‫ه بِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫م وَب َي ْن َهُ ْ‬ ‫عََلى قَوْم ٍ ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫ذكر تعالى أصناف المؤمنين ‪ ،‬وقسمهم إلى مهاجرين ‪ ،‬خرجوا من ديارهم‬
‫وأموالهم ‪ ،‬وجاؤوا لنصر الله ورسوله ‪ ،‬وإقامة دينه ‪ ،‬وبذلوا أموالهم وأنفسهم‬
‫في ذلك‪ .‬وإلى أنصار ‪ ،‬وهم ‪ :‬المسلمون من أهل المدينة إذ ذاك ‪ ،‬آووا‬
‫إخوانهم المهاجرين في منازلهم ‪ ،‬وواسوهم في أموالهم ‪ ،‬ونصروا الله‬
‫ورسوله بالقتال معهم ‪ ،‬فهؤلء بعضهم أولى ببعض )‪ (1‬أي ‪ :‬كل منهم أحق‬
‫بالخر من كل أحد ؛ ولهذا آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين‬
‫ما على‬‫وان ‪ ،‬فكانوا يتوارثون بذلك إرًثا مقد ً‬ ‫خ َ‬‫المهاجرين والنصار ‪ ،‬كل اثنين أ َ‬
‫القرابة ‪ ،‬حتى نسخ الله تعالى ذلك بالمواريث ‪ ،‬ثبت ذلك في صحيح‬
‫وفي ‪ ،‬وعلي بن أبي طلحة ‪ ،‬عنه )‪(3‬‬ ‫البخاري ‪ ،‬عن ابن عباس )‪ (2‬ورواه العَ ْ‬
‫وقال )‪ (4‬مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫كيع ‪ ،‬عن شريك ‪ ،‬عن عاصم ‪ ،‬عن أبي وائل ‪ ،‬عن‬ ‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا وَ ِ‬
‫جرير ‪ -‬هو ابن عبد الله البجلي ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول الله‬ ‫َ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬المهاجرون والنصار أولياء بعضهم لبعض ‪ ،‬والطلقاء‬
‫من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض إلى يوم القيامة" تفرد به‬
‫أحمد )‪(5‬‬
‫رمة ‪ -‬يعني ابن إبراهيم‬ ‫ْ‬
‫عك ِ‬‫وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا شيبان )‪ (6‬حدثنا ِ‬
‫قيق ‪ ،‬عن ابن مسعود قال ‪ :‬سمعت رسول‬ ‫الزدي ‪ -‬حدثنا عاصم ‪ ،‬عن َ‬
‫ش ِ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬المهاجرون والنصار ‪ ،‬والطلقاء من‬
‫قريش والعتقاء من ثقيف ‪ ،‬بعضهم أولياء بعض في الدنيا والخرة"‪ .‬هكذا‬
‫رواه في مسند عبد الله بن مسعود )‪(7‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬بعضهم أولياء بعض"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪.(6747‬‬
‫)‪ (3‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(14/78‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬وقاله"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪.(4/363‬‬
‫)‪ (6‬في د ‪" :‬سفيان"‪.‬‬
‫)‪ (7‬مسند أبي يعلى )‪ (8/446‬وفيه عكرمة بن إبراهيم ‪ ،‬ضعيف‪.‬‬

‫) ‪(4/95‬‬

‫وقد أثنى الله ورسوله على المهاجرين والنصار في غير ما آية في )‪(1‬‬
‫م‬‫ن ات ّب َُعوهُ ْ‬ ‫ذي َ‬‫صارِ َوال ّ ِ‬ ‫ن َوالن ْ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مَها ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن الوُّلو َ‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫كتابه ‪ ،‬فقال ‪َ } :‬وال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حت ََها الن َْهاُر {‬ ‫ري ت َ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ه وَأعَد ّ لهُ ْ‬ ‫ضوا عَن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَن ْهُ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ب ِإ ِ ْ‬
‫صاِر‬ ‫ن‬ ‫وال‬ ‫ن‬ ‫ري‬ ‫ج‬
‫ِّ ّ َ ُ َ ِ ِ َ َ ْ َ‬ ‫ها‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫ي‬ ‫ب‬‫ن‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫ُ َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ب‬ ‫ْ َ َ‬ ‫تا‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقال‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬ ‫‪100‬‬ ‫‪:‬‬ ‫]التوبة‬ ‫الية‬
‫سَرةِ { الية‪] .‬التوبة ‪ ، [117 :‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫ساعَةِ ال ْعُ ْ‬ ‫ن ات ّب َُعوه ُ ِفي َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ضل ِ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ي َب ْت َُغو َ‬ ‫وال ِهِ ْ‬
‫م َ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫ن ِديارِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مَها ِ‬ ‫قَراِء ال ْ ُ‬ ‫ف َ‬‫} ل ِل ْ ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫داَر‬ ‫ن ت َب َوُّءوا ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ِ‬ ‫صادُِقو َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه أولئ ِ َ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫صُرو َ‬ ‫واًنا وَي َن ْ ُ‬ ‫ض َ‬‫الل ّهِ وَرِ ْ‬
‫ما‬ ‫م ّ‬ ‫ة ِ‬ ‫ج ً‬
‫حا َ‬‫م َ‬ ‫دورِهِ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن ِفي ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م َول ي َ ِ‬ ‫جَر إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫ما َ‬ ‫َوالي َ‬
‫َ‬
‫م وَلوْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ة { الية ]الحشر ‪.[9 ، 8 :‬‬ ‫ص ٌ‬ ‫صا َ‬ ‫خ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب ِهِ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن عَلى أن ْ ُ‬ ‫أوُتوا وَي ُؤْث ُِرو َ‬
‫ما ُأوُتوا { أي ‪:‬‬ ‫م ّ‬ ‫ة ِ‬ ‫ج ً‬ ‫حا َ‬ ‫م َ‬ ‫دورِهِ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن ِفي ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫وأحسن ما قيل في قوله ‪َ } :‬ول ي َ ِ‬
‫ل يحسدونهم على فضل ما أعطاهم الله على هجرتهم ‪ ،‬فإن ظاهر اليات‬
‫تقديم المهاجرين على النصار ‪ ،‬وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء ‪ ،‬ل‬
‫يختلفون في ذلك ‪ ،‬ولهذا قال المام أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق‬
‫مر ‪ ،‬حدثنا مسلم بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا‬ ‫معْ َ‬ ‫البزار في مسنده ‪ :‬حدثنا محمد بن َ‬
‫حماد بن سلمة ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن حذيفة قال ‪:‬‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم بين الهجرة والنصرة ‪ ،‬فاخترت‬ ‫خّيرني رسو ُ‬ ‫َ‬
‫الهجرة )‪(2‬‬
‫ثم قال ‪ :‬ل نعرفه إل من هذا الوجه‪.‬‬
‫م { ]قرأ حمزة ‪:‬‬ ‫ن َولي َت ِهِ ْ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما لك ْ‬
‫جُروا َ‬ ‫مُنوا وَل َ ْ‬
‫م ي َُها ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫دللة[ )‪ِ } (3‬‬ ‫دللة وال ّ‬ ‫"وليتهم" بالكسر ‪ ،‬والباقون بالفتح ‪ ،‬وهما واحد كال ّ‬
‫جُروا { هذا هو الصنف الثالث من المؤمنين ‪ ،‬وهم الذين آمنوا‬ ‫حّتى ي َُها ِ‬‫يٍء َ‬‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫واديهم ‪ ،‬فهؤلء ليس لهم في المغانم نصيب ‪،‬‬ ‫ولم يهاجروا ‪ ،‬بل أقاموا في ب َ َ‬
‫خمسها إل ما حضروا فيه القتال ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬ ‫ول في ُ‬
‫مْرَثد ‪ ،‬عن سليمان بن ب َُرْيدة ‪ ،‬عن‬ ‫حدثنا َوكيع ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن علقمة بن َ‬
‫صيب السلمي ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬كان رسول الله‬ ‫ح َ‬‫أبيه ‪ :‬ب َُرْيدة بن ال ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرا على سرية أو جيش ‪ ،‬أوصاه في خاصة‬
‫نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيًرا ‪ ،‬وقال ‪" :‬اغزوا باسم الله‬
‫في سبيل الله ‪ ،‬قاتلوا من كفر بالله ‪ ،‬إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم‬
‫إلى إحدى ثلث خصال ‪ -‬أو ‪ :‬خلل ‪ -‬فأيتهن ما أجابوك )‪ (4‬إليها فاقبل منهم ‪،‬‬
‫ف عنهم ‪ :‬ادعهم إلى السلم ‪ ،‬فإن أجابوك فاقبل منهم ‪ ،‬وكف عنهم ‪ ،‬ثم‬ ‫وك ُ ّ‬
‫ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين ‪ ،‬وأعلمهم إن فعلوا ذلك أن‬
‫لهم ما للمهاجرين ‪ ،‬وأن عليهم ما على المهاجرين‪ .‬فإن أبوا واختاروا دارهم‬
‫فأعلمهم أنهم يكونون كأعراب‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في د ‪ ،‬أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫)‪ (2‬مسند البزار برقم )‪" (2718‬كشف الستار" وفيه علي بن زيد ‪ ،‬ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من د ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬ما أجابوا"‪.‬‬

‫) ‪(4/96‬‬

‫َْ‬ ‫فروا بعضه َ‬


‫ساد ٌ ك َِبيٌر‬
‫ض وَفَ َ‬
‫ة ِفي الْر ِ‬ ‫فعَُلوه ُ ت َك ُ ْ‬
‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫ض إ ِّل ت َ ْ‬
‫م أوْل َِياءُ ب َعْ ٍ‬
‫َْ ُ ُ ْ‬ ‫ن كَ َ ُ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫)‪(73‬‬

‫المسلمين ‪ ،‬يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ‪ ،‬ول يكون‬
‫لهم في الفيء والغنيمة نصيب ‪ ،‬إل أن يجاهدوا مع المسلمين ‪ ،‬فإن هم أبوا‬
‫فادعهم إلى إعطاء الجزية‪ .‬فإن أجابوا فاقبل منهم وكف عنهم ‪ ،‬فإن أبوا‬
‫فاستعن بالله ثم قاتلهم"‪.‬‬
‫انفرد به )‪ (1‬مسلم ‪ ،‬وعنده زيادات أخر )‪(2‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫صُر ِإل عَلى قَوْم ٍ ب َي ْن َك ْ‬
‫م‬ ‫م الن ّ ْ‬ ‫ن فَعَل َي ْك ُ ُ‬ ‫صُروك ُ ْ‬
‫دي ِ‬‫م ِفي ال ّ‬ ‫ست َن ْ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِ ِ‬
‫صيٌر { يقول تعالى ‪ :‬وإن استنصروكم هؤلء‬ ‫ن بَ ِ‬‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ّ‬
‫ميَثاقٌ َوالل ُ‬ ‫م ِ‬‫وَب َي ْن َهُ ْ‬
‫العراب ‪ ،‬الذين لم يهاجروا في قتال ديني ‪ ،‬على عدو لهم فانصروهم ‪ ،‬فإنه‬
‫واجب عليكم نصرهم ؛ لنهم إخوانكم في الدين ‪ ،‬إل أن يستنصروكم على‬
‫ميَثاقٌ { أي ‪ :‬مهادنة إلى مدة ‪ ،‬فل تخفروا‬ ‫م ِ‬‫م وَب َي ْن َهُ ْ‬ ‫قوم من الكفار } ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫ذمتكم ‪ ،‬ول تنقضوا أيمانكم مع الذين عاهدتم‪ .‬وهذا مروي عن ابن عباس ‪،‬‬
‫رضي الله عنه‪.‬‬
‫َ‬
‫ض وَفَ َ‬
‫ساد ٌ‬ ‫ة ِفي الْر ِ‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬‫فعَُلوه ُ ت َك ُ ْ‬ ‫ض ِإل ت َ ْ‬
‫م أوْل َِياُء ب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫فُروا ب َعْ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫} َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ك َِبيٌر )‪{ (73‬‬
‫ضهم أولياء بعض ‪ ،‬قطع الموالة بينهم وبين‬ ‫لما ذكر تعالى أن المؤمنين بع ُ‬
‫الكفار ‪ ،‬كما قال الحاكم في مستدركه ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن صالح بن هانئ ‪ ،‬حدثنا أبو سعد )‪ (3‬يحيى بن منصور‬
‫الهروي ‪ ،‬حدثنا محمد بن أبان ‪ ،‬حدثنا محمد بن يزيد وسفيان بن حسين ‪ ،‬عن‬
‫الزهري ‪ ،‬عن علي بن الحسين ‪ ،‬عن عمرو بن عثمان ‪ ،‬عن أسامة ‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ل يتوارث أهل ملتين ‪ ،‬ول يرث مسلم‬
‫فروا بعضه َ‬
‫ض ِإل‬
‫م أوْل َِياُء ب َعْ ٍ‬
‫َْ ُ ُ ْ‬ ‫ن كَ َ ُ‬ ‫كافًرا ‪ ،‬ول كافر مسلما" ‪ ،‬ثم قرأ ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ساد ٌ ك َِبيٌر { ثم قال الحاكم ‪ :‬صحيح السناد‬ ‫ض وَفَ َ‬
‫ة ِفي الْر ِ‬ ‫فعَُلوه ُ ت َك ُ ْ‬
‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫تَ ْ‬
‫ولم يخرجاه )‪(4‬‬
‫قلت ‪ :‬الحديث في الصحيحين من رواية أسامة بن زيد قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل يرث المسلم الكافر ول الكافر المسلم" )‪ (5‬وفي‬
‫المسند والسنن ‪ ،‬من حديث عمرو بن شعيب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل يتوارث أهل ملتين شتى" )‪ (6‬وقال‬
‫الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫وقال أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثنا محمد ‪] ،‬عن محمد بن ثور[ )‪ (7‬عن معمر ‪،‬‬
‫عن الزهري ‪ :‬أن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬انفرد بإخراجه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (5/352‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1731‬‬
‫)‪ (3‬في جميع النسخ ‪" :‬أبو سعيد" والتصويب من كتب الرجال‪.‬‬
‫)‪ (4‬المستدرك )‪.(2/240‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪ (6764‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1614‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (2/195‬وسنن أبي داود برقم )‪ (2911‬ولم أقع عليه في سنن‬
‫الترمذي ‪ ،‬وإنما أشار إليه عند حديث أسامة بن زيد ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من م ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬

‫) ‪(4/97‬‬

‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ على رجل دخل في السلم فقال ‪:‬‬
‫"تقيم الصلة ‪ ،‬وتؤتي الزكاة ‪ ،‬وتحج البيت ‪ ،‬وتصوم رمضان ‪ ،‬وأنك ل ترى نار‬
‫مشرك إل وأنت له حرب" )‪(1‬‬
‫وهذا مرسل من هذا الوجه ‪ ،‬وقد روي متصل من وجه آخر ‪ ،‬عن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أنه قال ‪" :‬أنا بريء من كل مسلم بين ظهراني‬
‫المشركين" ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬ل يتراءى ناراهما" )‪(2‬‬
‫وقال أبو داود في آخر كتاب الجهاد ‪ :‬حدثنا محمد بن داود بن سفيان ‪،‬‬
‫أخبرني يحيى بن حسان ‪ ،‬أنبأنا سليمان بن موسى أبو داود ‪ ،‬حدثنا جعفر بن‬
‫دب ]حدثني خبيب بن سليمان ‪ ،‬عن أبيه سليمان بن‬ ‫جن ْ ُ‬
‫مَرة بن ُ‬
‫س ُ‬
‫سعد بن َ‬
‫سمرة[ )‪ (3‬عن سمرة بن جندب ‪ :‬أما بعد ‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله" )‪(4‬‬
‫مْرد َُويه ‪ ،‬من حديث حاتم بن إسماعيل ‪ ،‬عن عبد‬ ‫وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن َ‬
‫الله بن هرمز ‪ ،‬عن محمد وسعيد ابنى عبيد ‪ ،‬عن أبي حاتم )‪ (5‬المزني‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إذا أتاكم من ت َْرضون دينه‬
‫وخلقه فأنكحوه إل تفعلوا )‪ (6‬تكن فتنة في الرض وفساد عريض"‪ .‬قالوا ‪ :‬يا‬
‫رسول الله ‪ ،‬وإن كان ؟ قال ‪" :‬إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه"‬
‫ثلث مرات‪.‬‬
‫وأخرجه أبو داود والترمذي ‪ ،‬من حديث حاتم بن إسماعيل ‪ ،‬به بنحوه )‪(7‬‬
‫جلن ‪ ،‬عن ابن‬ ‫ثم ُرويَ من حديث عبد الحميد بن سليمان ‪ ،‬عن ابن )‪ (8‬عَ ْ‬
‫صري )‪ (9‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله‬ ‫ة الن ّ ْ‬
‫َوثيم َ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ‪ ،‬إل‬
‫تفعلوا )‪ (10‬تكن فتنة في الرض وفساد عريض" )‪(11‬‬
‫ساد ٌ ك َِبيٌر { أي ‪ :‬إن‬‫ض وَفَ َ‬
‫ة ِفي الْر ِ‬ ‫فعَُلوه ُ ت َك ُ ْ‬
‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫ومعنى قوله تعالى ‪ِ } :‬إل ت َ ْ‬
‫لم تجانبوا المشركين وتوالوا المؤمنين ‪ ،‬وإل وقعت الفتنة في الناس ‪ ،‬وهو‬
‫التباس المر ‪ ،‬واختلط المؤمن بالكافر ‪ ،‬فيقع بين الناس فساد منتشر طويل‬
‫عريض‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(14/82‬‬
‫)‪ (2‬رواه أبو داود في السنن برقم )‪ (2645‬والترمذي في السنن برقم )‬
‫‪ (1604‬والنسائي في السنن )‪ (8/36‬من حديث جرير بن عبد الله ‪ ،‬رضي‬
‫الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬م ‪ ،‬وأبي داود‪.‬‬
‫)‪ (4‬سنن أبي داود برقم )‪.(2787‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬حازم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ك ‪" :‬تفعلوه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬رواه أبو داود في المراسيل برقم )‪ (224‬والترمذي في السنن برقم )‬
‫‪.(1085‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬أبي"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬ابن أبي وثيمة النصري"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ك ‪" :‬تفعلوه"‪.‬‬
‫)‪ (11‬ورواه الترمذي في السنن برقم )‪ (1084‬من طريق عبد الحميد بن‬
‫سليمان به ‪ ،‬وقال ‪" :‬حديث أبي هريرة قد خولف عبد الحميد ابن سليمان‬
‫في هذا الحديث ‪ ،‬ورواه الليث بن سعد عن ابن عجلن عن أبي هريرة عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم مرسل ثم قال ‪ :‬وحديث الليث أشبه ‪ ،‬ولم يعد‬
‫حديث عبد الحميد محفوظا"‪.‬‬

‫) ‪(4/98‬‬

‫م‬ ‫ك هُ ُ‬‫صُروا ُأول َئ ِ َ‬ ‫ذي َ‬


‫ن آوَْوا وَن َ َ‬ ‫ل الل ّهِ َوال ّ ِ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫دوا ِفي َ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫جُروا وَ َ‬ ‫ها َ‬ ‫مُنوا وَ َ‬ ‫ذي َ‬
‫نآ َ‬ ‫َوال ّ ِ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫جُروا‬ ‫ها َ‬ ‫ن ب َعْد ُ وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫م )‪َ (74‬وال ِ‬ ‫ري ٌ‬‫ِ‬ ‫فَرةٌ وَرِْزقٌ ك َ‬ ‫مغْ ِ‬
‫م َ‬ ‫قا لهُ ْ‬ ‫ح ّ‬
‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫ب الل ّهِ‬‫ض ِفي ك َِتا ِ‬ ‫ضهُ ْ َ َ‬
‫م أوْلى ب ِب َعْ ٍ‬ ‫حام ِ ب َعْ ُ‬
‫ُ‬
‫م وَأوُلو اْل َْر َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ك ِ‬ ‫م فَُأول َئ ِ َ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫م )‪(75‬‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫إِ ّ‬
‫صُروا ُأول َئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫ن آوَْوا وَن َ َ‬ ‫ذي َ‬‫ل الل ّهِ َوال ّ ِ‬
‫سِبي ِ‬‫دوا ِفي َ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫جُروا وَ َ‬ ‫ها َ‬ ‫مُنوا وَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َوال ّ ِ‬
‫ن ب َعْد ُ‬
‫م ْ‬‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫م )‪َ (74‬وال ّ ِ‬ ‫ري ٌ‬ ‫فَرةٌ وَرِْزقٌ ك َ ِ‬ ‫مغْ ِ‬‫م َ‬ ‫قا ل َهُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫هُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ض ِفي‬ ‫م أوْلى ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬
‫حام ِ ب َعْ ُ‬ ‫م وَأوُلو الْر َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ك ِ‬ ‫م فَأول َئ ِ َ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫جُروا وَ َ‬ ‫ها َ‬ ‫وَ َ‬
‫م )‪{ (75‬‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ب الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫ك َِتا ِ‬
‫لما ذكر تعالى حكم المؤمنين في الدنيا ‪ ،‬عطف بذكر ما لهم في الخرة ‪،‬‬
‫فأخبر عنهم بحقيقة اليمان ‪ ،‬كما تقدم في أول السورة ‪ ،‬وأنه سيجازيهم‬
‫بالمغفرة والصفح عن ذنوب إن كانت ‪ ،‬وبالرزق الكريم ‪ ،‬وهو الحسن الكثير‬
‫الطيب الشريف ‪ ،‬دائم مستمر أبدا ل ينقطع ول ينقضي ‪ ،‬ول يسأم ول يمل‬
‫لحسنه وتنوعه‪.‬‬
‫ثم ذكر أن التباع لهم في الدنيا على ما كانوا عليه من اليمان والعمل‬
‫ن‬‫ري َ‬‫ج ِ‬‫مَها ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬‫ن الوُّلو َ‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬‫الصالح فهم معهم في الخرة كما قال ‪َ } :‬وال ّ‬
‫َ‬
‫ت‬
‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ه وَأعَد ّ ل َهُ ْ‬ ‫ضوا عَن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَن ْهُ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬‫ن َر ِ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م ب ِإ ِ ْ‬ ‫ن ات ّب َُعوهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫صارِ َوال ّ ِ‬ ‫َوالن ْ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫جاُءوا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫حت ََها الن َْهاُر { الية ]التوبة ‪ ، [100 :‬وقال ‪َ } :‬وال ِ‬ ‫ري ت َ ْ‬ ‫ج ِ‬
‫تَ ْ‬
‫ل ِفي‬ ‫جعَ ْ‬‫ن َول ت َ ْ‬ ‫ما ِ‬‫قوَنا ِبالي َ‬ ‫سب َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وان َِنا ال ِ‬
‫خ َ‬ ‫فْر لَنا َول ْ‬‫َ‬ ‫ن َرب َّنااغْ ِ‬ ‫قولو َ‬ ‫ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ب َعْدِهِ ْ‬
‫م { ]الحشر ‪[10 :‬وفي الحديث‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫ك َرُءو ٌ‬ ‫مُنوا َرب َّنا إ ِن ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قُُلوب َِنا ِغل ل ِل ِ‬
‫ّ‬
‫المتفق عليه ‪ ،‬بل المتواتر من طرق صحيحة ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أنه قال ‪" :‬المرء مع من أحب" ‪ ،‬وفي الحديث الخر ‪" :‬من أحب‬
‫حشر معُهم" )‪(1‬‬ ‫قوما ُ‬
‫كيع ‪ ،‬عن شريك ‪ ،‬عن عاصم ‪ ،‬عن أبي وائل ‪ ،‬عن‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا وَ ِ‬
‫جرير قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬المهاجرون والنصار‬
‫أولياء بعضهم لبعض ‪ ،‬والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء‬
‫بعض إلى يوم القيامة"‪ .‬قال شريك ‪ :‬فحدثنا العمش ‪ ،‬عن تميم بن سلمة ‪،‬‬
‫عن عبد الرحمن بن هلل ‪ ،‬عن جرير ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله‪.‬‬
‫تفرد به أحمد من هذين الوجهين )‪(2‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب اللهِ { أي ‪:‬‬ ‫ض ِفي ك َِتا ِ‬ ‫م أوْلى ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫حام ِ ب َعْ ُ‬ ‫وأما قوله تعالى ‪ } :‬وَأوُْلوا الْر َ‬
‫ُ‬
‫حام ِ { خصوصية ما يطلقه‬ ‫في حكم الله ‪ ،‬وليس المراد بقوله ‪ } :‬وَأوُْلوا الْر َ‬
‫دلون‬ ‫علماء الفرائض على القرابة ‪ ،‬الذين ل فرض لهم ول هم عصبة ‪ ،‬بل ي ُ ْ‬
‫بوارث ‪ ،‬كالخالة ‪ ،‬والخال ‪ ،‬والعمة ‪ ،‬وأولد البنات ‪ ،‬وأولد الخوات ‪،‬‬
‫ونحوهم ‪ ،‬كما قد يزعمه بعضهم ويحتج بالية ‪ ،‬ويعتقد ذلك صريحا في‬
‫المسألة ‪ ،‬بل الحق أن الية‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬جاء من حديث أبي قرصافة وجابر ‪ ،‬أما حديث جابر فرواه الطبراني في‬
‫المعجم الكبير )‪ (3/19‬من طريق زياد عن عزة بنت عياض عن أبي قرصافة‬
‫مرفوعا بلفظ ‪" :‬من أحب قوما حشره الله في زمرتهم" ‪ ،‬وفي إسناده من‬
‫ل يعرف‪ .‬رواه الخطيب في تاريخه )‪ (5/196‬من طريق إسماعيل بن يحيى‬
‫عن سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر مرفوعا بلفظ ‪" :‬من‬
‫أحب قوما على أعمالهم‪ .‬حشر يوم القيامة في زمرتهم ‪ ،‬فحوسب بحسابهم‬
‫وإن لم يعمل أعمالهم" وإسماعيل بن يحيى ‪ ،‬ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(4/343‬‬

‫) ‪(4/99‬‬

‫عامة تشمل جميع القرابات‪ .‬كما نص ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪،‬‬
‫والحسن ‪ ،‬وقتادة وغير واحد ‪ :‬على أنها ناسخة للرث بالحلف والخاء اللذين‬
‫كانوا يتوارثون بهما أو ل وعلى هذا فتشمل ذوي الرحام بالسم الخاص‪ .‬ومن‬
‫لم يورثهم يحتج بأدلة من أقواها حديث ‪" :‬إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه‬
‫صّية لوارث" ‪ ،‬قالوا ‪ :‬فلو كان ذا حق لكان له فرض في كتاب الله‬ ‫‪ ،‬فل و ِ‬
‫مسمى ‪ ،‬فلما لم يكن كذلك لم يكن وارثا ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫آخر ]تفسير[ )‪ (1‬سورة "النفال" ‪ ،‬ولله الحمد والمنة ‪ ،‬وعليه )‪] (2‬الثقة و[‬
‫)‪ (3‬التكلن وهو حسبنا ونعم الوكيل‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬وبه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(4/100‬‬

‫حوا ِفي‬ ‫ن )‪ (1‬فَ ِ‬


‫سي ُ‬ ‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬
‫م ِ‬ ‫عاهَد ْت ُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سول ِهِ إ َِلى ال ّ ِ‬
‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب ََراَءة ٌ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ن)‬
‫ري َ‬
‫زي الكافِ ِ‬ ‫خ ِ‬
‫م ْ‬
‫ه ُ‬
‫ن الل َ‬ ‫زي اللهِ وَأ ّ‬ ‫ج ِ‬
‫معْ ِ‬ ‫م غَي ُْر ُ‬
‫موا أن ّك ْ‬ ‫شهُرٍ َواعْل ُ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ض أْرب َعَ َ‬ ‫الْر ِ‬
‫‪(2‬‬

‫]بسم الله الرحمن الرحيم ‪ ،‬وبه أستعين وهو حسبي ونعم الوكيل[ )‪(1‬‬
‫تفسير سورة التوبة )‪(2‬‬
‫مدنية )‪(3‬‬
‫حوا ِفي‬ ‫سي ُ‬ ‫ن )‪ (1‬فَ ِ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫عاهَد ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫سول ِهِ إ ِلى ال ِ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫} ب ََراَءة ٌ ِ‬
‫ْ‬
‫زي ال َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ض أ َْرب َعَ َ‬
‫ن)‬‫ري َ‬‫كافِ ِ‬ ‫خ ِ‬
‫م ْ‬‫ه ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫زي اللهِ وَأ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫معْ ِ‬ ‫م غَي ُْر ُ‬ ‫موا أن ّك ُ ْ‬ ‫ةأ ْ‬
‫شهُرٍ َواعْل ُ‬ ‫الْر ِ‬
‫‪{ (2‬‬
‫هذه السورة الكريمة من أواخر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬كما قال البخاري‪.‬‬
‫حدثنا ]أبو[ )‪ (4‬الوليد ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن أبي إسحاق قال ‪ :‬سمعت البراء‬
‫كلل َةِ { ]النساء ‪:‬‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫فِتيك ُ ْ‬ ‫ه يُ ْ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫ك قُ ِ‬ ‫فُتون َ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫يقول ‪ :‬آخر آية نزلت ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫‪ [176‬وآخر سورة نزلت براءة )‪.(5‬‬
‫وإنما ل يبسمل )‪ (6‬في أولها لن الصحابة لم يكتبوا البسملة في أولها في‬
‫المصحف المام ‪ ،‬والقتداء في ذلك بأمير المؤمنين عثمان بن عفان ‪ ،‬رضي‬
‫الله عنه وأرضاه ‪ ،‬كما قال الترمذي ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا يحيى بن سعد ‪ ،‬ومحمد بن جعفر )‪ (7‬وابن أبي‬
‫جميلة )‪ (8‬أخبرني يزيد‬ ‫سْهل بن يوسف قالوا ‪ :‬حدثنا عوف بن أبي َ‬ ‫عَدِيّ ‪ ،‬و َ‬
‫الفارسي ‪ ،‬أخبرني ابن عباس قال ‪ :‬قلت لعثمان بن عفان ‪ :‬ما حملكم أن‬
‫عمدتم إلى النفال ‪ ،‬وهي من المثاني ‪ ،‬وإلى براءة وهي من المئين ‪ ،‬فقرنتم‬
‫حيم ِ {‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫م ِ‬
‫ح َ‬ ‫سم ِ الل ّهِ الّر ْ‬ ‫)‪ (9‬بينهما ‪ ،‬ولم تكتبوا بينهما سطر } ب ِ ْ‬
‫ول ‪ ،‬ما حملكم على ذلك ؟ فقال عثمان ‪:‬‬ ‫ووضعتموها )‪ (10‬في السبع الط ّ ّ‬
‫كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان وهو ُينزل )‪(11‬‬
‫عليه السور ذوات العدد ‪ ،‬فكان إذا نزل عليه الشيُء دعا بعض من كان يكتب‬
‫ذكر فيها كذا وكذا ‪ ،‬فإذا نزلت‬ ‫‪ ،‬فيقول ‪ :‬ضعوا هذه اليات في السورة التي ي ُ ْ‬
‫)‪ (12‬عليه الية فيقول ‪" :‬ضعوا هذه )‪ (13‬في السورة التي يذكر فيها كذا‬
‫وكذا" ‪ ،‬وكانت النفال من أول ما نزل )‪ (14‬بالمدينة ‪ ،‬وكانت براءة من آخر‬
‫ت أنها منها ‪ ،‬وقبض رسول‬ ‫حسب ْ ُ‬ ‫القرآن ‪ ،‬وكانت قصتها شبيهة بقصتها )‪ (15‬و َ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها ‪ ،‬فمن أجل ذلك قرنت بينهما‬
‫حيم ِ { فوضعتها في السبع‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫سم ِ الل ّهِ الّر ْ‬ ‫‪ ،‬ولم أكتب بينهما سطر } ب ِ ْ‬
‫الطول )‪.(16‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ك‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ك ‪" :‬براءة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ك‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من د ‪ ،‬ك ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحح البخاري برقم )‪.(4645‬‬
‫)‪ (6‬في ك ‪" :‬ل تبسمل"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في د ‪ ،‬ك ‪" :‬محمد بن أبي جعفر"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬حملة"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في د ‪" :‬وقرنتم"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في د ‪" :‬ووضعتموهما"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪" :‬تنزل"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪" :‬أنزلت"‪.‬‬
‫)‪ (13‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬هذه الية"‪.‬‬
‫)‪ (14‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬نزلت"‪.‬‬
‫)‪ (15‬في ت ‪" :‬بعضها"‪.‬‬
‫)‪ (16‬سنن الترمذي برقم )‪.(3086‬‬

‫) ‪(4/101‬‬

‫وكذا رواه أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن حّبان في صحيحه ‪ ،‬والحاكم‬
‫في مستدركه ‪ ،‬من طرق أخر ‪ ،‬عن عوف العرابي ‪ ،‬به )‪ (1‬وقال الحاكم ‪:‬‬
‫صحيح السناد ولم يخرجاه‪.‬‬
‫وأول هذه السورة الكريمة نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬لما‬
‫رجع من غزوة تبوك وهم بالحج ‪ ،‬ثم ُذكر أن المشركين يحضرون عامهم هذا‬
‫الموسم على عادتهم في ذلك ‪ ،‬وأنهم يطوفون بالبيت عراة فكره مخالطتهم‬
‫‪ ،‬فبعث أبا بكر الصديق ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أميًرا على الحج هذه السنة ‪ ،‬ليقيم‬
‫للناس مناسكهم ‪ ،‬ويعلم المشركين أل يحجوا بعد عامهم هذا ‪ ،‬وأن ينادي في‬
‫الناس ببراءة ‪ ،‬فلما قفل أتبعه بعلي بن أبي طالب ليكون مبلًغا عن رسول‬
‫صَبة له ‪ ،‬كما سيأتي بيانه‪.‬‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬لكونه عَ َ‬
‫سول ِهِ { أي ‪ :‬هذه براءة ‪ ،‬أي ‪ :‬تبرؤ من الله‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫فقوله ‪ } :‬ب ََراَءة ٌ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ة‬‫ض أْرب َعَ َ‬ ‫حوا ِفي الْر ِ‬ ‫سي ُ‬ ‫َ‬
‫نف ِ‬ ‫كي َ‬‫مشرِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬
‫م ِ‬ ‫عاهَد ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ورسوله } إ َِلى ال ّ ِ‬
‫شهُرٍ {‬‫أَ ْ‬
‫اختلف المفسرون ها هنا اختلفا كثيرا ‪ ،‬فقال قائلون ‪ :‬هذه الية لذوي العهود‬
‫المطلقة غير المؤقتة ‪ ،‬أو من له عهد دون أربعة أشهر ‪ ،‬فيكمل له أربعة‬
‫أشهر ‪ ،‬فأما من كان له عهد مؤّقت فأجله إلى مدته ‪ ،‬مهما كان ؛ لقوله‬
‫َ‬
‫ن { ]التوبة ‪:‬‬ ‫قي َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫مد ّت ِهِ ْ‬‫م إ َِلى ُ‬ ‫م عَهْد َهُ ْ‬ ‫موا إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫تعالى ‪ } :‬فَأت ِ ّ‬
‫‪ [4‬ولما سيأتي في الحديث ‪" :‬ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم عهد فعهده إلى مدته"‪ .‬وهذا أحسن القوال وأقواها ‪ ،‬وقد اختاره ابن‬
‫ي ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬ ‫قَرظ ِ ّ‬ ‫جرير ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬وُروي عن الكلبي ومحمد بن كعب ال ُ‬
‫هّ‬
‫ن الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬ب ََراَءةٌ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شهُرٍ {‬‫ةأ ْ‬ ‫ض أْرب َعَ َ‬ ‫حوا ِفي الْر ِ‬ ‫سي ُ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫عاهَد ْت ُ ْ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سول ِهِ إ َِلى ال ّ ِ‬
‫وََر ُ‬
‫قال ‪ :‬حد الله للذين عاهدوا رسوله أربعة أشهر ‪ ،‬يسيحون في الرض حيثما‬
‫خ الشهر الحرم ‪] ،‬من يوم النحر‬ ‫شاءوا ‪ ،‬وأجل أجل من ليس له عهد ‪ ،‬انسل َ‬
‫إلى انسلخ المحرم ‪ ،‬فذلك خمسون ليلة ‪ ،‬فإذا انسلخ الشهر الحرم [ )‪(2‬‬
‫أمره بأن يضع السيف فيمن ل عهد له‪.‬‬
‫وكذا رواه العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس‪.‬‬
‫وقال ]الضحاك[ )‪ (3‬بعد قوله ‪ :‬فذلك خمسون ليلة ‪ :‬فأمر الله نبيه إذا‬
‫انسلخ المحرم أن يضع السيف فيمن لم يكن بينه وبينه عهد ‪ ،‬يقتلهم حتى‬
‫يدخلوا في السلم‪ .‬وأمر ممن كان له عهد إذا انسلخ أربعة أشهر من يوم‬
‫النحر إلى عشر خلون من ربيع الخر ‪ ،‬أن يضع فيهم السيف )‪ (4‬حتى يدخلوا‬
‫في السلم‪.‬‬
‫وقال أبو معشر المدني ‪ :‬حدثنا محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا ‪ :‬بعث‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الموسم سنة تسع ‪،‬‬
‫وبعث علي بن أبي طالب بثلثين آية أو أربعين آية من "براءة" فقرأها‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (1/57‬وسنن أبي داود برقم )‪ (786‬والنسائي في السنن‬
‫الكبرى برقم )‪ (8007‬والمستدرك )‪.(2/330‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (4‬من ت ‪" :‬السيف أيضا"‪.‬‬

‫) ‪(4/102‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ريٌء ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه بَ‬ ‫ج اْل َك ْب َرِ أ ّ‬
‫ن الل ّ َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫س ي َوْ َ‬‫ِ‬ ‫سول ِهِ إ َِلى الّنا‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫وَأَذا ٌ‬
‫َ‬
‫م غَي ُْر‬‫موا أن ّك ُ ْ‬‫م َفاعْل َ ُ‬ ‫ن ت َوَل ّي ْت ُ ْ‬
‫م وَإ ِ ْ‬‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬‫م فَهُوَ َ‬ ‫ه فَإ ِ ْ‬
‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬ ‫سول ُ ُ‬‫ن وََر ُ‬ ‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫ب أ َِليم ٍ )‪(3‬‬ ‫ذا ٍ‬ ‫فُروا ب ِعَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫شرِ ال ّ ِ‬ ‫زي الل ّهِ وَب َ ّ‬ ‫ج ِ‬‫معْ ِ‬ ‫ُ‬

‫على الناس ‪ ،‬يؤجل المشركين أربعة أشهر يسيحون في الرض ‪ ،‬فقرأها‬


‫جل المشركين عشرين من ذي الحجة ‪ ،‬والمحرم ‪ ،‬وصفر‬ ‫عليهم يوم عرفة ‪ ،‬أ ّ‬
‫‪ ،‬وشهر ربيع الول ‪ ،‬وعشرا من ربيع الخر ‪ ،‬وقرأها عليهم في منازلهم ‪،‬‬
‫وقال ‪ :‬ل يحجن بعد عامنا هذا مشرك ‪ ،‬ول يطوفن بالبيت عريان‪.‬‬
‫سول ِهِ { إلى أهل العهد‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ } :‬ب ََراَءة ٌ ِ‬ ‫وقال ابن أبي ن َ ِ‬
‫مد ِْلج ‪ ،‬ومن كان له عهد أو غيرهم‪ .‬أقبل )‪ (1‬رسول الله صلى‬ ‫‪ :‬خزاعة ‪ ،‬و ُ‬
‫الله عليه وسلم من تبوك حين فرغ ‪ ،‬فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫الحج ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬إنما يحضر المشركون فيطوفون عَُراة ‪ ،‬فل أحب أن أحج‬
‫حتى ل يكون ذلك"‪ .‬فأرسل أبا بكر وعلًيا ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ ،‬فطافا بالناس‬
‫جاز وبأمكنتهم التي كانوا يتبايعون بها بالمواسم كلها ‪ ،‬فآذنوا‬ ‫في ذي الم َ‬
‫أصحاب العهد بأن يأمنوا أربعة أشهر ‪ ،‬فهي الشهر المتواليات ‪ :‬عشرون من‬
‫ذي الحجة إلى عشر يخلون من ربيع الخر ‪ ،‬ثم ل عهد لهم ‪ ،‬وآذن الناس‬
‫كّلهم بالقتال إل أن يؤمنوا‪.‬‬
‫وهكذا روي عن السدي ‪ :‬وقتادة‪.‬‬
‫وقال الزهري ‪ :‬كان ابتداء التأجيل من شوال وآخره سلخ المحرم‪.‬‬
‫وهذا القول غريب ‪ ،‬وكيف يحاسبون بمدة لم يبلغهم حكمها ‪ ،‬وإنما ظهر لهم‬
‫أمرها يوم النحر ‪ ،‬حين نادى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫بذلك ‪ ،‬ولهذا قال تعالى ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ريٌء ِ‬ ‫ه ب َ َِ‬
‫ن الل َ‬ ‫ج الك ْب َرِ أ ّ‬ ‫ح ّ‬‫م ال َ‬ ‫س ي َوْ َ‬
‫سول ِهِ إ ِلى الّنا ِ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬‫} وَأَذا ٌ‬
‫م غَي ُْر‬‫موا أن ّك ُ ْ‬ ‫م َفاعْل َ ُ‬ ‫ن ت َوَل ّي ْت ُ ْ‬
‫م وَإ ِ ْ‬‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬
‫م فَهُوَ َ‬ ‫ه فَإ ِ ْ‬
‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬ ‫سول ُ ُ‬‫ن وََر ُ‬‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫ب أ َِليم ٍ )‪{ (3‬‬ ‫ذا ٍ‬ ‫فُروا ب ِعَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫شرِ ال ّ ِ‬ ‫زي الل ّهِ وَب َ ّ‬ ‫ج ِ‬‫معْ ِ‬ ‫ُ‬
‫م‬
‫دم وإنذار إلى الناس ‪ } ،‬ي َوْ َ‬ ‫ق ّ‬
‫سول ِهِ { وت َ َ‬ ‫ن اللهِ وََر ُ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬‫يقول تعالى ‪ :‬وإعلم } ِ‬
‫ج الك ْب َرِ { وهو يوم النحر الذي هو أفضل أيام المناسك وأظهرها وأكثرها‬ ‫ح ّ‬‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ه { أي ‪ :‬بريء منهم أيضا‪.‬‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ن وََر ُ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ريٌء ِ‬ ‫ه بَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫جمعا )‪ } (2‬أ ّ‬
‫م { أي ‪ :‬مما أنتم فيه من الشرك‬ ‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬ ‫ثم دعاهم إلى التوبة إليه فقال ‪ } :‬فَإ ِ ْ‬
‫م { أي ‪ :‬استمررتم على ما أنتم عليه‬ ‫ن ت َوَل ّي ْت ُ ْ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬ ‫والضلل } فَهُوَ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫زي اللهِ { بل هو قادر ‪ ،‬وأنتم في قبضته ‪ ،‬وتحت‬ ‫ِ‬ ‫ج‬
‫معْ ِ‬ ‫م غَي ُْر ُ‬ ‫موا أن ّك ُ ْ‬‫} َفاعْل َ ُ‬
‫ب أ َِليم ٍ { أي ‪ :‬في الدنيا بالخزي‬ ‫ذا ٍ‬ ‫فُروا ب ِعَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫شرِ ال ّ ِ‬ ‫قهره ومشيئته ‪ } ،‬وَب َ ّ‬
‫والّنكال ‪ ،‬وفي الخرة بالمقامع والغلل‪.‬‬
‫قال البخاري ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬حدثنا عبد الله بن يوسف ‪ ،‬حدثنا الليث ‪ ،‬حدثني‬
‫ميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال‬ ‫ح َ‬
‫عقيل ‪ ،‬عن ابن شهاب قال ‪ :‬أخبرني ُ‬ ‫َ‬
‫‪ :‬بعثني أبو بكر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬في‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬إقبال" ‪ ،‬وفي د ‪" :‬فقدم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في د ‪" :‬وأكبرها جميعا"‪.‬‬

‫) ‪(4/103‬‬

‫مؤّذنين ‪ ،‬بعثهم يوم )‪ (1‬النحر ‪ُ ،‬يؤّذنون بمنى ‪ :‬أل يحج بعد‬ ‫جة في ال ُ‬ ‫ح ّ‬
‫تلك ال َ‬
‫ي‬
‫العام مشرك ‪ ،‬ول يطوف )‪ (2‬بالبيت عريان‪ .‬قال حميد ‪ :‬ثم أردف النب ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب ‪ ،‬فأمره أن ي ُؤَّذن ببراءة‪ .‬قال أبو‬
‫ي في أهل منى يوم النحر ببراءة وأل يحج بعد العام‬ ‫ن معنا عل ّ‬‫هريرة ‪ :‬فأذ ّ َ‬
‫مشرك ‪ ،‬ول يطوف بالبيت عريان )‪(3‬‬
‫شَعيب ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬أخبرني‬ ‫ورواه البخاري أيضا ‪ :‬حدثنا أبو اليمان ‪ ،‬أخبرنا ُ‬
‫حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال ‪ :‬بعثني أبو بكر فيمن ُيؤّذن يوم النحر‬
‫عريان ‪ ،‬ويوم الحج‬ ‫بمنى ‪ :‬ل يحج بعد العام مشرك ‪ ،‬ول يطوف )‪ (4‬بالبيت ُ‬
‫الكبر يوم النحر ‪ ،‬وإنما قيل ‪" :‬الكبر" ‪ ،‬من أجل قول الناس ‪" :‬الحج‬
‫الصغر" ‪ ،‬فَن َب َذ َ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام ‪ ،‬فلم يحج عام حجة الوداع‬
‫الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مشرك‪.‬‬
‫وهذا لفظ البخاري في كتاب "الجهاد" )‪(5‬‬
‫مر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن ابن المسيب ‪ ،‬عن أبي‬ ‫معْ َ‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬عن َ‬
‫سول ِهِ { قال ‪ :‬لما‬‫ن الل ّهِ وََر ُ‬‫م َ‬‫هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬في قوله ‪ } :‬ب ََراَءة ٌ ِ‬
‫جعِّرانة ‪ ،‬ثم أمَر أبا‬
‫كان النبي صلى الله عليه وسلم زمن حنين ‪ ،‬اعتمر من ال ِ‬
‫دث أن‬ ‫بكر على تلك الحجة ‪ -‬قال معمر ‪ :‬قال الزهري ‪ :‬وكان أبو هريرة يح ّ‬
‫أبا بكر أمَر أبا هريرة أن يؤذن ببراءة في حجة أبي بكر )‪ (6‬قال أبو هريرة ‪:‬‬
‫ثم أتبعنا النبي صلى الله عليه وسلم عليا ‪ ،‬وأمره أن يؤذن ببراءة ‪ ،‬وأبو بكر‬
‫على الموسم كما هو ‪ ،‬أو قال ‪ :‬على هيئته )‪(7‬‬
‫جعّرانة‬ ‫وهذا السياق فيه غرابة ‪ ،‬من جهة أن أمير )‪ (8‬الحج كان سنة عمرة ال ِ‬
‫إنما هو عَّتاب بن أسيد ‪ ،‬فأما أبو بكر إنما كان أميًرا سنة تسع‪.‬‬
‫وقال أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن مغيرة ‪ ،‬عن الشعبي ‪،‬‬
‫محّرر بن أبي هريرة ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬كنت مع علي بن أبي طالب ‪ ،‬حين‬ ‫عن ُ‬
‫بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة "ببراءة" ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما‬
‫كنتم تنادون ؟ قال ‪ :‬كنا ننادي ‪ :‬أل يدخل الجنة إل مؤمن ‪ ،‬ول يطوف بالبيت‬
‫عريان ‪ ،‬ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فإن أجله‬
‫ده ‪ -‬إلى أربعة أشهر ‪ ،‬فإذا مضت الربعة الشهر فإن الله بريء‬‫م َ‬
‫)‪ - (9‬أو أ َ‬
‫من المشركين ورسوله ‪ ،‬ول يحج هذا البيت بعد العام مشرك‪ .‬قال ‪ :‬فكنت )‬
‫صحل صوتي )‪(11‬‬ ‫‪ (10‬أنادي حتى َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ك ‪" :‬بعثهم في يوم "‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬يطوفن"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪.(4655‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬ول يطوفن"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪.(3177‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬في حجة أبي بكر بمكة"‪.‬‬
‫)‪ (7‬الذي في تفسير عبد الرزاق هو ما جاء في الصحيح ولعله رواه في‬
‫المصنف‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬أمر"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬فأجله"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬وكنت"‪.‬‬
‫)‪ (11‬المسند )‪.(2/299‬‬

‫) ‪(4/104‬‬

‫حرر بن أبي هريرة ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬كنت مع ابن أبي‬ ‫م َ‬


‫وقال الشعبي ‪ :‬حدثني ُ‬
‫طالب )‪ (1‬رضي الله عنه ‪ ،‬حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي‬
‫ت‪ .‬قلت ‪ :‬بأي شيء كنتم تنادون ؟ قال ‪ :‬بأربع ‪ :‬ل‬ ‫صحل نادي ُ‬
‫‪ ،‬فكان إذا َ‬
‫يطوف )‪ (2‬بالكعبة عريان ‪ ،‬ومن كان له عهد مع رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فعهده إلى مدته ‪ ،‬ول يدخل الجنة إل نفس مؤمنة ‪ ،‬ول يحج بعد عامنا‬
‫مشرك‪.‬‬
‫رواه ابن جرير من غير ما وجه ‪ ،‬عن الشعبي‪ .‬ورواه شعبة ‪ ،‬عن مغيرة ‪ ،‬عن‬
‫الشعبي ‪ ،‬به إل أنه قال ‪ :‬ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم عهد ‪ ،‬فعهده إلى أربعة أشهر‪ .‬وذكر تمام الحديث )‪(4) (3‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وأخشى أن يكون وهما من بعض نقلته ؛ لن الخبار متظاهرة‬
‫في الجل بخلفه )‪(5‬‬
‫سماك ‪ ،‬عن أنس بن‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬عن ِ‬
‫مالك ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ب"براءة"‬
‫مع أبي بكر ‪ ،‬فلما بلغ ذا الحليفة قال ‪" :‬ل يبلغها إل أنا أو رجل من أهل‬
‫بيتي"‪ .‬فبعث بها مع علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي الله عنه )‪(6‬‬
‫ورواه الترمذي في التفسير ‪ ،‬عن بندار ‪ ،‬عن عفان وعبد الصمد ‪ ،‬كلهما عن‬
‫حماد بن سلمة به )‪ (7‬ثم قال ‪ :‬حسن غريب من حديث أنس ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫وين )‪- (8‬‬ ‫ُ‬
‫وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل ‪ :‬حدثنا محمد بن سليمان ‪ -‬ل َ‬
‫حَنش ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي الله عنه ‪،‬‬ ‫حدثنا محمد بن جابر ‪ ،‬عن سماك ‪ ،‬عن َ‬
‫قال ‪ :‬لما نزلت عشر آيات من "براءة" على النبي صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫دعا النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر ‪ ،‬فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة ‪ ،‬ثم‬
‫دعاني فقال )‪ (9‬أدرك أبا بكر ‪ ،‬فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه ‪ ،‬فاذهب إلى‬
‫حفة ‪ ،‬فأخذت الكتاب منه ‪ ،‬ورجع أبو‬‫ج ْ‬
‫أهل مكة فاقرأه عليهم"‪ .‬فلحقته بال ُ‬
‫بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬نزل في‬
‫شيء ؟ فقال ‪" :‬ل ولكن جبريل جاءني فقال ‪ :‬لن يؤدي عنك إل أنت أو رجل‬
‫منك" )‪(10‬‬
‫هذا إسناد فيه ضعف‪.‬‬
‫وليس المراد أن أبا بكر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬رجع من فوره ‪ ،‬بل بعد قضائه‬
‫للمناسك التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬كما جاء مبينا‬
‫في الرواية الخرى‪.‬‬
‫وقال عبد الله أيضا ‪ :‬حدثني أبو بكر ‪ ،‬حدثنا عمرو بن حماد ‪ ،‬عن أسباط بن‬
‫نصر ‪ ،‬عن سماك ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬كنت مع علي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬ل يطف"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬تمامه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(105 - 14/103‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(14/105‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪.(3/283‬‬
‫)‪ (7‬سنن الترمذي برقم )‪.(3090‬‬
‫)‪ (8‬في ك ‪" :‬ابن لوين"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬فقلت"‪.‬‬
‫)‪ (10‬زوائد المسند )‪.(1/151‬‬

‫) ‪(4/105‬‬

‫عن حنش ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫حين بعثه ب"براءة" قال ‪ :‬يا نبي الله ‪ ،‬إني لست باللسن ول بالخطيب ‪ ،‬قال‬
‫‪" :‬ما ب ُد ّ لي أن أذهب بها أنا أو تذهب بها أنت"‪ .‬قال ‪ :‬فإن كان ول بد ّ‬
‫فسأذهب أنا‪ .‬قال ‪" :‬انطلق )‪ (1‬فإن الله يثبت لسانك ويهدي قلبك"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ثم وضع يده على فيه )‪(2‬‬
‫َ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن زيد بن ي ُثيع ‪ -‬رجل‬
‫مدان ‪ : -‬سألنا عليا ‪ :‬بأي شيء بعثت ؟ يعني ‪ :‬يوم بعثه النبي صلى‬ ‫من هَ ْ‬
‫الله عليه وسلم مع أبي بكر في الحجة ‪ ،‬قال ‪ :‬بعثت بأربع ‪ :‬ل يدخل الجنة إل‬
‫نفس مؤمنة ‪ ،‬ول يطوف بالبيت عريان ‪ ،‬ومن كان بينه وبين النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم عهد فعهده )‪ (3‬إلى مدته ‪ ،‬ول يحج المشركون والمسلمون بعد‬
‫عامهم هذا‪.‬‬
‫ورواه الترمذي عن قلبة ‪ ،‬عن سفيان بن عيينة ‪ ،‬به )‪ (4‬وقال ‪ :‬حسن‬
‫صحيح‪.‬‬
‫كذا قال ‪ ،‬ورواه شعبة ‪ ،‬عن أبي إسحاق فقال ‪ :‬عن زيد بن ي َُثيع )‪ (5‬وهم‬
‫فيه‪ .‬ورواه الثوري ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن بعض أصحابه ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي‬
‫الله عنه‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن وكيع ‪ ،‬حدثنا أبو أسامة ‪ ،‬عن زكريا ‪ ،‬عن أبي‬
‫إسحاق ‪ ،‬عن زيد بن ي َُثيع ‪ ،‬عن علي قال ‪ :‬بعثني رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم حين أنزلت "براءة" بأربع ‪ :‬أل يطوف بالبيت عريان ‪ ،‬ول يقرب‬
‫المسجد الحرام مشرك بعد عامهم هذا ‪ ،‬ومن كان بينه وبين رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم عهد فهو إلى مدته ‪ ،‬ول يدخل الجنة إل نفس مؤمنة )‬
‫‪(6‬‬
‫ثم رواه ابن جرير ‪ ،‬عن محمد بن عبد العلى ‪ ،‬عن ابن ثور ‪ ،‬عن معمر ‪ ،‬عن‬
‫أبي إسحاق ‪ ،‬عن الحارث ‪ ،‬عن علي قال ‪ :‬أمرت بأربع‪ .‬فذكره )‪(7‬‬
‫وقال إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن زيد بن ي َُثيع قال ‪ :‬نزلت براءة فبعث‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر ‪ ،‬ثم أرسل علًيا ‪ ،‬فأخذها منه ‪ ،‬فلما‬
‫رجع أبو بكر قال ‪ :‬نزل )‪ (8‬في شيء ؟ قال ‪ " :‬ل ولكن أمرت أن أبلغها أنا‬
‫أو رجل من أهل بيتي"‪ .‬فانطلق إلى أهل مكة ‪ ،‬فقام فيهم بأربع ‪ :‬ل يدخل‬
‫مكة مشرك بعد عامه هذا ‪ ،‬ول يطوف بالبيت عريان ‪ ،‬ول يدخل الجنة إل‬
‫نفس مسلمة ‪ ،‬ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد ‪،‬‬
‫فعهده إلى مدته )‪(10) (9‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬فانطلق"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زوائد المسند )‪ (1/150‬وفي إسناده أسباط بن نصر وحنش بن المعتمر‬
‫متكلم فيهما‪.‬‬
‫)‪ (3‬في د ‪" :‬فعهدته"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (1/79‬وسنن الترمذي برقم )‪.(3092‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬أثيل"‪.‬‬
‫)‪ (6‬تفسير الطبري )‪.(14/106‬‬
‫)‪ (7‬تفسير الطبري )‪.(14/105‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬هل نزل"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ك ‪" :‬إلى مدته هنا"‪.‬‬
‫)‪ (10‬رواه الطبري في تفسيره )‪ (14/107‬من طريق إسرائيل به‪.‬‬

‫) ‪(4/106‬‬

‫حن َْيف ‪ ،‬عن أبي‬


‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن حكيم )‪ (1‬بن حكيم بن عباد بن ُ‬
‫جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي قال ‪ :‬لما نزلت "براءة" على‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وقد كان )‪ (2‬بعث أبا بكر ليقيم الحج‬
‫للناس ‪ ،‬فقيل ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬لو بعثت إلى أبي بكر‪ .‬فقال ‪" :‬ل يؤدي عني‬
‫إل رجل من أهل بيتي"‪ .‬ثم دعا عليا فقال ‪" :‬اخرج بهذه القصة )‪ (3‬من صدر‬
‫براءة ‪ ،‬وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى ‪ :‬أنه ل يدخل الجنة كافر‬
‫طف )‪ (4‬بالبيت عريان ‪ ،‬ومن كان له عند‬ ‫‪ ،‬ول يحج بعد العام مشرك ‪ ،‬ول ي َ ُ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته"‪.‬‬
‫فخرج علي )‪ (5‬رضي الله عنه ‪ ،‬على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫العضباء ‪ ،‬حتى أدرك أبا بكر في الطريق )‪ (6‬فلما رآه أبو بكر قال ‪ :‬أمير أو‬
‫مأمور ؟ قال )‪ (7‬بل مأمور ‪ ،‬ثم مضيا )‪ (8‬فأقام أبو بكر للناس الحج ‪،‬‬
‫]والعرب[ )‪ (9‬إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحج التي كانوا عليها‬
‫في الجاهلية حتى إذا كان يوم النحر ‪ ،‬قام علي بن أبي طالب فأذن في‬
‫الناس بالذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أيها الناس ‪،‬‬
‫إنه ل يدخل الجنة كافر ‪ ،‬ول يحج بعد العام ‪ ،‬ول يطف )‪ (10‬بالبيت عريان ‪،‬‬
‫ومن كان له عهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو إلى مدته‪ .‬فلم‬
‫يحج بعد ذلك العام مشرك ‪ ،‬ولم يطف بالبيت عريان ‪ ،‬ثم قدما على رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فكان هذا من "براءة" فيمن كان من أهل الشرك‬
‫من أهل العهد العام ‪ ،‬وأهل المدة إلى الجل المسمى‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ‪ ،‬أخبرنا أبو ُزْرعة‬
‫شريح ‪ :‬أخبرنا أبو )‪ (11‬صخر ‪ :‬أنه‬ ‫وة بن ُ‬ ‫حي ْ َ‬
‫وهب الله بن راشد ‪ ،‬أخبرنا َ‬
‫سمع أبا معاوية البجلي من أهل الكوفة يقول ‪ :‬سمعت أبا الصهباء البكري‬
‫وهو يقول ‪ :‬سألت علي بن أبي طالب )‪ (12‬عن "يوم الحج الكبر" فقال ‪:‬‬
‫حافة يقيم للناس‬ ‫إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر بن أبي قُ َ‬
‫الحج ‪ ،‬وبعثني معه بأربعين آية من " براءة" ‪ ،‬حتى أتى عرفة فخطب الناس‬
‫ي فقال ‪ :‬قم ‪ ،‬يا علي ‪ ،‬فأد ّ رسالة‬ ‫يوم عرفة ‪ ،‬فلما قضى خطبته التفت إل ّ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقمت فقرأت عليهم أربعين آية من‬
‫ت البدنة ‪ ،‬ثم حلقت‬ ‫درنا فأتينا منى ‪ ،‬فرميت الجمرة ونحر ُ‬ ‫ص َ‬
‫"براءة" ‪ ،‬ثم َ‬
‫رأسي ‪ ،‬وعلمت أن أهل الجمع لم يكونوا حضروا كلهم خطبة أبي بكر يوم‬
‫عرفة ‪ ،‬فطفت أتتبع بها الفساطيط أقرؤها عليهم ‪ ،‬فمن ثم إخال حسبتم أنه‬
‫يوم النحر ]أل وهو يوم النحر[ )‪ (13‬أل وهو )‪ (14‬يوم عرفة )‪(15‬‬
‫حيفة عن يوم‬ ‫ج َ‬
‫مر ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ :‬سألت أبا ُ‬ ‫معْ َ‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬عن َ‬
‫الحج الكبر ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ك ‪" :‬حكم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وكان قد"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬اخرج من هذه القصة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في د ‪ ،‬ك ‪" :‬يطوف"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬علي بن أبي طالب"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬بالطريق"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬مضينا"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من الطبري‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ك ‪" :‬يطوف"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في أ ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في د ‪" :‬سألت عليا"‪.‬‬
‫)‪ (13‬زيادة من د‪.‬‬
‫)‪ (14‬في ك ‪" :‬أهو"‪.‬‬
‫)‪ (15‬تفسير الطبري )‪.(14/113‬‬

‫) ‪(4/107‬‬

‫ن عندك أم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ؟‬ ‫م ْ‬


‫يوم عرفة‪ .‬فقلت ‪ :‬أ ِ‬
‫قال ‪ :‬كل في ذلك )‪(1‬‬
‫جَرْيج ‪ ،‬عن عطاء قال ‪ :‬يوم الحج الكبر ‪ ،‬يوم‬
‫وقال عبد الرزاق أيضا ‪ ،‬عن ُ‬
‫عرفة‪.‬‬
‫صريّ ‪ ،‬عن أبيه قال ‪:‬‬ ‫مر بن الوليد ال ّ‬
‫شّني ‪ :‬حدثنا شهاب بن عباد العَ َ‬ ‫وقال عُ َ‬
‫سمعت عمر بن الخطاب يقول ‪ :‬هذا يوم عرفة ‪ ،‬هذا يوم الحج الكبر ‪ ،‬فل‬
‫يصومنه أحد‪ .‬قال ‪ :‬فحججت بعد أبي فأتيت المدينة ‪ ،‬فسألت عن أفضل‬
‫أهلها ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬سعيد بن المسيب ‪ ،‬فأتيته فقلت ‪ :‬إني سألت عن أفضل أهل‬
‫المدينة فقالوا ‪ :‬سعيد بن المسيب ‪ ،‬فأخبرني عن صوم يوم عرفة ؟ فقال ‪:‬‬
‫أخبرك عمن هو أفضل مني مائة ضعف عمر ‪ -‬أو ‪ :‬ابن عمر ‪ -‬كان ينهى عن‬
‫صومه ‪ ،‬ويقول )‪ (2‬هو يوم الحج الكبر‪.‬‬
‫رواه ابن جرير وابن أبي حاتم )‪ (3‬وهكذا روي عن ابن عباس ‪ ،‬وعبد الله بن‬
‫رمة ‪ ،‬وطاوس ‪ :‬أنهم قالوا ‪ :‬يوم عرفة هو يوم الحج‬ ‫عك ْ ِ‬‫الزبير ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫الكبر‪.‬‬
‫جَرْيج ‪ :‬أخبرت عن محمد بن قيس بن‬ ‫وقد ورد فيه حديث مرسل رواه ابن ُ‬
‫خَرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم عرفة ‪ ،‬فقال ‪" :‬هذا‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫يوم الحج الكبر" )‪(4‬‬
‫ور بن‬‫س َ‬
‫م ْ‬
‫وروي من وجه آخر عن ابن جريج ‪ ،‬عن محمد بن قيس ‪ ،‬عن ال ِ‬
‫مخرمة ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬أنه خطبهم بعرفات فحمد‬
‫الله وأثنى عليه ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬أما بعد ‪ ،‬فإن هذا يوم الحج الكبر"‪.‬‬
‫والقول الثاني ‪ :‬أنه يوم النحر‪.‬‬
‫شْيم ‪ ،‬عن إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي الله‬ ‫قال هُ َ‬
‫عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬يوم الحج الكبر يوم النحر‪.‬‬
‫سِبيعي ‪ ،‬عن الحارث العور ‪ ،‬سألت علًيا ‪ ،‬رضي الله عنه‬ ‫وقال أبو إسحاق ال ّ‬
‫‪ ،‬عن يوم الحج الكبر ‪ ،‬فقال ‪] :‬هو[ )‪ (5‬يوم النحر‪.‬‬
‫وقال شعبة ‪ ،‬عن الحكم ‪ :‬سمعت يحيى بن الجزار يحدث عن علي ‪ ،‬رضي‬
‫الله عنه ‪ ،‬أنه خرج يوم النحر على بغلة بيضاء يريد الجبانة ‪ ،‬فجاء رجل فأخذ‬
‫خل سبيلها‪.‬‬ ‫بلجام دابته ‪ ،‬فسأله عن الحج الكبر ‪ ،‬فقال ‪ :‬هو يومك هذا ‪َ ،‬‬
‫وقال عبد الرازق ‪ ،‬عن سفيان عن شعبة )‪ (6‬عن عبد الملك بن عمير ‪ ،‬عن‬
‫عبد الله بن أبي أوفى أنه قال ‪ :‬يوم الحج الكبر يوم النحر‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير عبد الرزاق )‪.(1/241‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬وهو يقول"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(14/114‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(14/116‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (6‬في د ‪" :‬عن شعبة"‪.‬‬

‫) ‪(4/108‬‬

‫وروى شعبة وغيره ‪ ،‬عن عبد الملك بن عمير ‪ ،‬به نحوه‪ .‬وهكذا )‪ (1‬رواه‬
‫هشيم وغيره ‪ ،‬عن الشيباني عن عبد الله بن أبي أوفى‪.‬‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن عبد الله بن سنان قال ‪ :‬خطبنا المغيرة بن شعبة يوم‬
‫الضحى على بعير فقال ‪ :‬هذا يوم الضحى ‪ ،‬وهذا يوم النحر ‪ ،‬وهذا يوم الحج‬
‫الكبر‪.‬‬
‫رمة ‪ ،‬عن ابن عباس أنه قال ‪:‬‬ ‫ْ‬
‫عك ِ‬‫ماك ‪ ،‬عن ِ‬‫س َ‬
‫وقال حماد بن سلمة ‪ ،‬عن ِ‬
‫الحج الكبر ‪ ،‬يوم النحر‪.‬‬
‫جَبير ‪ ،‬وعبد الله بن شداد بن الهاد ‪،‬‬ ‫حْيفة ‪ ،‬وسعيد بن ُ‬
‫ج َ‬
‫وكذا روي عن أبي ُ‬
‫رمة ‪،‬‬ ‫ْ‬
‫عك ِ‬‫خِعي ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫جَبير بن مطعم ‪ ،‬والشعبي ‪ ،‬وإبراهيم الن ّ َ‬ ‫ونافع بن ُ‬
‫وأبي جعفر الباقر ‪ ،‬والزهري ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنهم قالوا ‪:‬‬
‫يوم الحج الكبر هو يوم النحر‪ .‬واختاره ابن جرير‪ .‬وقد تقدم الحديث عن أبي‬
‫هريرة في صحيح البخاري ‪ :‬أن أبا بكر بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى ‪ ،‬وقد‬
‫ورد في ذلك أحاديث أخر ‪ ،‬كما قال المام أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثني سهل‬
‫بن محمد السجستاني ‪ ،‬حدثنا أبو جابر الحرمي ‪ ،‬حدثنا هشام بن الغاز‬
‫الجرشي ‪ -‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬وقف رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع ‪ ،‬فقال ‪" :‬هذا يوم الحج‬
‫الكبر" )‪(2‬‬
‫مْرُدويه من حديث أبي جابر ‪ -‬واسمه محمد‬ ‫وهكذا رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬وابن َ‬
‫بن عبد الملك ‪ ،‬به ‪ ،‬ورواه ابن مردويه أيضا من حديث الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن‬
‫هشام بن الغاز ‪ ،‬به‪ .‬ثم رواه من حديث سعيد بن عبد العزيز ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬به‪.‬‬
‫مداني ‪ ،‬عن رجل من أصحاب‬ ‫مّرة عن مرة الهَ ْ‬
‫وقال شعبة ‪ ،‬عن عمرو بن ُ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫على ناقة حمراء مخضرمة ‪ ،‬فقال ‪" :‬أتدرون أي يوم يومكم هذا ؟" قالوا ‪:‬‬
‫يوم النحر‪ .‬قال ‪" :‬صدقتم ‪ ،‬يوم الحج الكبر" )‪(3‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أحمد بن المقدام ‪ ،‬حدثنا يزيد بن ُزَريع ‪ ،‬حدثنا ابن‬
‫عون ‪ ،‬عن محمد بن سيرين ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ‪ ،‬عن أبيه قال ‪:‬‬
‫لما كان ذلك اليوم ‪ ،‬قعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعير له ‪،‬‬
‫وأخذ الناس بخطامه ‪ -‬أو ‪ :‬زمامه ‪ -‬فقال ‪" :‬أي يوم هذا ؟" قال ‪ :‬فسكتنا‬
‫حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه ‪ ،‬فقال ‪" :‬أليس هذا يوم الحج الكبر" )‬
‫‪(4‬‬
‫وهذا إسناد صحيح ‪ ،‬وأصله مخرج في الصحيح‪.‬‬
‫وقال أبو الحوص ‪ ،‬عن شبيب بن غرقدة ‪ ،‬عن سليمان بن عمرو بن الحوص‬
‫‪ ،‬عن أبيه قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬وكذا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(14/124‬‬
‫)‪ (3‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(14/125‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪ (14/123‬وأصله في صحيح البخاري برقم )‪(4406‬‬
‫وصحيح مسلم برقم )‪.(1679‬‬

‫) ‪(4/109‬‬

‫ظاهُِروا عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م يُ َ‬ ‫شي ًْئا وَل َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫صوك ُ ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫م ي َن ْ ُ‬‫م لَ ْ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬‫م ِ‬ ‫عاهَد ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ َ‬ ‫إ ِّل ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خ‬‫سل َ‬ ‫ن )‪ (4‬فَإ َِذا ان ْ َ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫مد ّت ِهِ ْ‬‫م إ ِلى ُ‬ ‫م عَهْد َهُ ْ‬ ‫موا إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫دا فَأت ِ ّ‬ ‫ح ً‬‫أ َ‬
‫م‬
‫صُروهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫م َوا ْ‬‫ذوهُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫جد ْت ُ ُ‬ ‫ث وَ َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َفاقْت ُُلوا ال ْ ُ‬ ‫حُر ُ‬ ‫شهُُر ال ْ ُ‬ ‫اْل َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سِبيل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫خّلوا َ‬ ‫وا الّز َ‬
‫كاةَ فَ َ‬ ‫صَلة َ وَآت َ ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ن َتاُبوا وَأَقا ُ‬ ‫صد ٍ فَإ ِ ْ‬ ‫مْر َ‬ ‫ل َ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫دوا ل َهُ ْ‬ ‫َواقْعُ ُ‬
‫م )‪(5‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫إِ ّ‬

‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ‪ ،‬فقال ‪" :‬أي يوم‬
‫هذا ؟" فقالوا ‪ :‬اليوم الحج الكبر )‪(1‬‬
‫وعن سعيد بن المسيب أنه قال ‪ :‬يوم الحج الكبر اليوم الثاني من يوم النحر‪.‬‬
‫رواه ابن أبي حاتم‪ .‬وقال مجاهد أيضا ‪ :‬يوم الحج الكبر أيام الحج كلها‪.‬‬
‫وكذا قال أبو عبيد ‪ ،‬قال سفيان ‪" :‬يوم الحج" ‪ ،‬و"يوم الجمل" ‪ ،‬و"يوم‬
‫صفين" أي ‪ :‬أيامه كلها‪.‬‬
‫وقال سهل السراج ‪ :‬سئل الحسن البصري عن يوم الحج الكبر ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما‬
‫لكم وللحج الكبر ‪ ،‬ذاك عام حج فيه أبو بكر ‪ ،‬الذي استخلفه رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فحج بالناس‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫كيع ‪ ،‬حدثنا أبو أسامة ‪ ،‬عن ابن عون ‪ :‬سألت‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن وَ ِ‬
‫محمدا ‪ -‬يعني ابن سيرين ‪ -‬عن يوم الحج الكبر فقال ‪ :‬كان يوما وافق فيه‬
‫حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حج أهل الوبر )‪(2‬‬
‫م‬ ‫َ‬
‫م ي ُظاهُِروا عَلي ْك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شي ًْئا وَل ْ‬ ‫م َ‬ ‫صوك ُ ْ‬ ‫ق ُ‬‫م ي َن ْ ُ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫عاهَد ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} ِإل ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (4‬‬ ‫قي َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫مد ّت ِهِ ْ‬ ‫م إ َِلى ُ‬ ‫م عَهْد َهُ ْ‬ ‫موا إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫دا فَأت ِ ّ‬ ‫ح ً‬‫أ َ‬
‫هذا استثناء من ضرب مدة التأجيل بأربعة أشهر ‪ ،‬لمن له عهد مطلق ليس‬
‫بمؤقت ‪ ،‬فأجله ‪ ،‬أربعة أشهر ‪ ،‬يسيح في الرض ‪ ،‬يذهب فيها لينجو بنفسه‬
‫حيث شاء ‪ ،‬إل من له عهد مؤقت ‪ ،‬فأجله إلى مدته المضروبة التي عوهد‬
‫عليها ‪ ،‬وقد تقدمت الحاديث ‪" :‬ومن كان له عهد مع رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فعهده إلى مدته" وذلك بشرط أل ينقض المعاهد عهده ‪ ،‬ولم‬
‫يظاهر على المسلمين أحدا ‪ ،‬أي ‪ :‬يمالئ عليهم من سواهم ‪ ،‬فهذا الذي‬
‫يوفى له بذمته وعهده )‪ (3‬إلى مدته ؛ ولهذا حرض )‪ (4‬الله تعالى على‬
‫ن { أي ‪ :‬الموفين بعهدهم‪.‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫الوفاء بذلك فقال ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫م‬‫ذوهُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫جد ْت ُ ُ‬‫ث وَ َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َفاقْت ُُلوا ال ْ ُ‬ ‫حُر ُ‬ ‫شهُُر ال ْ ُ‬ ‫خ ال ْ‬ ‫سل َ َ‬‫} فَإ َِذا ان ْ َ‬
‫َ‬
‫كاةَ‬‫وا الّز َ‬ ‫صلة َ َوآت َ ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ن َتاُبوا وَأَقا ُ‬ ‫صدٍ فَإ ِ ْ‬ ‫مْر َ‬ ‫ل َ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫دوا ل َهُ ْ‬ ‫م َواقْعُ ُ‬ ‫صُروهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫َوا ْ‬
‫م )‪{ (5‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫سِبيل َهُ ْ‬ ‫خّلوا َ‬ ‫فَ َ‬
‫اختلف المفسرون في المراد بالشهر الحرم هاهنا ‪ ،‬ما هي ؟ فذهب ابن‬
‫م‬‫حُر ٌ‬ ‫ة ُ‬ ‫من َْها أ َْرب َعَ ٌ‬
‫جرير إلى أنها ]الربعة[ )‪ (5‬المذكورة في قوله تعالى ‪ِ } :‬‬
‫م { الية ]التوبة ‪ ، [36 :‬قاله أبو‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬ ‫موا ِفيهِ ّ‬ ‫م َفل ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫قي ّ ُ‬ ‫دي ُ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫جعفر الباقر ‪ ،‬لكن قال ابن جرير ‪ :‬آخر الشهر الحرم في حقهم المحرم‬
‫وهذا الذي ذهب إليه حكاه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ‪ ،‬وإليه ذهب‬
‫ضا ‪ ،‬وفيه نظر ‪،‬‬ ‫الضحاك أي ً‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه الترمذي في السنن برقم )‪ (2159‬عن هناد عن أبي الحوص به‬
‫بأطول منه ‪ ،‬وقال ‪" :‬هذا حديث حسن صحيح"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(14/121‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬بعهده وذمته"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬فرض"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/110‬‬

‫والذي يظهر من حيث السياق ما ذهب إليه ابن عباس في رواية العوفي‬
‫عنه ‪ ،‬وبه قال مجاهد ‪ ،‬وعمرو بن شعيب ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق ‪ ،‬وقتادة ‪،‬‬
‫والسدي ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬أن المراد بها أشهر التسيير‬
‫ة أَ ْ‬
‫شهُرٍ {‬ ‫ض أ َْرب َعَ َ‬
‫حوا ِفي الْر ِ‬ ‫الربعة المنصوص عليها في قوله ‪ } :‬فَ ِ‬
‫سي ُ‬
‫م { أي ‪ :‬إذا انقضت الشهر‬ ‫حُر ُ‬ ‫ْ‬ ‫سل َ َ‬
‫خ ال ْ‬
‫شهُُر ال ُ‬ ‫ل } فَإ َِذا ان ْ َ‬
‫م َقا َ‬
‫]التوبة ‪ [2 :‬ث ُ ّ‬
‫الربعة التي حرمنا عليكم فيها قتالهم ‪ ،‬وأجلناهم فيها ‪ ،‬فحيثما وجدتموهم‬
‫فاقتلوهم ؛ لن عود العهد على مذكور أولى من مقدر ؛ ثم إن الشهر الربعة‬
‫المحرمة سيأتي بيان حكمها في آية أخرى بعد في هذه السورة الكريمة‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬من الرض‪ .‬وهذا عام ‪،‬‬ ‫موهُ ْ‬‫جد ْت ُ ُ‬ ‫ث وَ َ‬ ‫حي ْ ُ‬
‫ن َ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬فاقْت ُُلوا ال ْ ُ‬
‫عن ْد َ‬
‫م ِ‬ ‫قات ُِلوهُ ْ‬
‫والمشهور تخصيصه بتحريم القتال في الحرم بقوله ‪َ } :‬ول ت ُ َ‬
‫م { ]البقرة ‪[191 :‬‬ ‫م َفاقْت ُُلوهُ ْ‬‫ن َقات َُلوك ُ ْ‬ ‫م ِفيهِ فَإ ِ ْ‬ ‫قات ُِلوك ُ ْ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬ ‫حَرام ِ َ‬ ‫جدِ ال ْ َ‬‫س ِ‬ ‫م ْ‬‫ال ْ َ‬
‫م { أي ‪ :‬وأسروهم ‪ ،‬إن شئتم قتل وإن شئتم أسرا‪.‬‬ ‫ذوهُ ْ‬ ‫خ ُ‬‫وقوله ‪ } :‬وَ ُ‬
‫صد ٍ { أي ‪ :‬ل تكتفوا بمجرد‬ ‫مْر َ‬ ‫ل َ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫دوا ل َهُ ْ‬ ‫م َواقْعُ ُ‬ ‫صُروهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وا ْ‬
‫وجدانكم لهم ‪ ،‬بل اقصدوهم بالحصار في معاقلهم وحصونهم ‪ ،‬والرصد في‬
‫طرقهم ومسالكهم حتى تضيقوا عليهم الواسع ‪ ،‬وتضطروهم إلى القتل أو‬
‫َ‬
‫سِبيل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫خّلوا َ‬ ‫كاة َ فَ َ‬ ‫وا الّز َ‬
‫صلة َ َوآت َ ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ن َتاُبوا وَأَقا ُ‬ ‫السلم ؛ ولهذا قال ‪ } :‬فَإ ِ ْ‬
‫م{‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه غَ ُ‬ ‫إِ ّ‬
‫ولهذا اعتمد الصديق ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬في قتال مانعي الزكاة على هذه الية‬
‫الكريمة وأمثالها ‪ ،‬حيث حرمت قتالهم بشرط هذه الفعال ‪ ،‬وهي الدخول‬
‫في السلم ‪ ،‬والقيام بأداء واجباته‪ .‬ونبه بأعلها على أدناها ‪ ،‬فإن أشرف‬
‫الركان بعد الشهادة الصلة ‪ ،‬التي هي حق الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬وبعدها أداء‬
‫الزكاة التي هي نفع متعد إلى الفقراء والمحاويج ‪ ،‬وهي أشرف الفعال‬
‫المتعلقة بالمخلوقين ؛ ولهذا كثيرا ما يقرن الله بين الصلة والزكاة ‪ ،‬وقد جاء‬
‫في الصحيحين )‪ (1‬عن ابن عمر ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ ،‬عن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا )‪ (2‬أن ل إله‬
‫دا رسول الله ‪ ،‬ويقيموا الصلة ‪ ،‬ويؤتوا الزكاة" الحديث‪.‬‬ ‫إل الله وأن محم ً‬
‫وقال أبو إسحاق ‪ ،‬عن أبي عبيدة ‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬أمرتم بإقام الصلة وإيتاء الزكاة ‪ ،‬ومن لم يزك فل صلة له‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬أبى الله أن يقبل الصلة إل بالزكاة ‪،‬‬
‫وقال ‪ :‬يرحم الله أبا بكر ‪ ،‬ما كان أفقهه‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا علي بن إسحاق ‪ ،‬أنبأنا عبد الله بن المبارك ‪ ،‬أنبأنا‬
‫حميد الطويل ‪ ،‬عن أنس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل الله وأن محمدا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الصحيح"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬يقولوا"‬

‫) ‪(4/111‬‬

‫رسول الله ‪ ،‬فإذا شهدوا أن ل إله إل الله وأن محمدا رسول الله ‪ ،‬واستقبلوا‬
‫قبلتنا ‪ ،‬وأكلوا ذبيحتنا ‪ ،‬وصلوا صلتنا ‪ ،‬فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إل‬
‫بحقها ‪ ،‬لهم ما للمسلمين ‪ ،‬وعليهم ما عليهم"‪.‬‬
‫ورواه البخاري في صحيحه وأهل السنن إل ابن ماجه ‪ ،‬من حديث عبد الله‬
‫بن المبارك ‪ ،‬به )‪(1‬‬
‫وقال المام أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثنا عبد العلى بن واصل السدي ‪ ،‬حدثنا‬
‫عبيد الله بن موسى ‪ ،‬أخبرنا أبو جعفر الرازي ‪ ،‬عن الربيع بن أنس ]عن‬
‫أنس[ )‪ (2‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من فارق الدنيا‬
‫على الخلص لله وحده ‪ ،‬وعبادته ل يشرك به شيئا ‪ ،‬فارقها والله عنه راض"‬
‫‪ -‬قال ‪ :‬وقال أنس ‪ :‬هو دين الله الذي جاءت به الرسل وبلغوه عن ربهم ‪،‬‬
‫قبل هرج الحاديث ‪ ،‬واختلف الهواء ‪ ،‬وتصديق ذلك في كتاب الله في آخر‬
‫خّلوا‬ ‫وا الّز َ‬
‫كاةَ فَ َ‬ ‫َ‬
‫صلة َ َوآت َ ُ‬
‫موا ال ّ‬ ‫ن َتاُبوا وَأَقا ُ‬‫ما أنزل ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ } :‬فَإ ِ ْ‬
‫م { ‪ -‬قال ‪ :‬توبتهم خلع الوثان ‪ ،‬وعبادة ربهم ‪ ،‬وإقام الصلة ‪ ،‬وإيتاء‬ ‫سِبيل َهُ ْ‬‫َ‬
‫َ‬
‫وا الّزكاةَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صلة َ َوآت َ ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ن َتاُبوا وَأقا ُ‬
‫الزكاة ‪ ،‬ثم قال في آية أخرى ‪ } :‬فإ ِ ْ‬
‫ن { )‪] (3‬التوبة ‪[11 :‬‬ ‫دي ِ‬‫م ِفي ال ّ‬ ‫وان ُك ُ ْ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫خ َ‬
‫ورواه ابن مردويه‪.‬‬
‫ورواه محمد بن نصر المروزي في كتاب "الصلة" له ‪ :‬حدثنا إسحاق بن‬
‫سْلم )‪ (4‬حدثنا أبو جعفر الرازي ‪ ،‬به سواء )‪(5‬‬ ‫كام بن ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫إبراهيم ‪ ،‬أنبأنا َ‬
‫وهذه الية الكريمة هي آية السيف التي قال فيها الضحاك بن مزاحم ‪ :‬إنها‬
‫نسخت كل عهد بين النبي )‪ (6‬صلى الله عليه وسلم وبين أحد من المشركين‬
‫‪ ،‬وكل عهد ‪ ،‬وكل مدة‪.‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية ‪ :‬لم يبق لحد من المشركين‬
‫عهد ول ذمة ‪ ،‬منذ نزلت براءة وانسلخ الشهر الحرم ‪ ،‬ومدة من كان له عهد‬
‫من المشركين قبل أن تنزل )‪ (7‬أربعة أشهر ‪ ،‬من يوم أذن ببراءة إلى عشر‬
‫من أول شهر ربيع الخر‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية ‪ ،‬قال ‪ :‬أمره الله‬
‫تعالى أن يضع السيف فيمن عاهد إن لم يدخلوا في السلم ‪ ،‬ونقض ما كان‬
‫سمي لهم من العقد والميثاق ‪ ،‬وأذهب الشرط الول‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن موسى النصاري قال ‪:‬‬
‫قال سفيان )‪ (8‬قال‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (3/199‬وصحيح البخاري برقم )‪ (392‬وسنن أبي داود برقم )‬
‫‪ (2641‬وسنن الترمذي برقم )‪ (2608‬وسنن النسائي )‪.(8/109‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪ (14/135‬ورواه ابن ماجة في السنن برقم )‪ (70‬من‬
‫طريق عبيد الله بن موسى بنحوه ‪ ،‬وقال البوصيري في الزوائد )‪: (1/56‬‬
‫"هذا إسناد ضعيف ‪ ،‬الربيع بن أنس ضعيف هنا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ك ‪" :‬سلمة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تعظيم قدر الصلة برقم )‪.(1‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬رسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬تنزل براءة"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬سفيان بن عيينة"‪.‬‬

‫) ‪(4/112‬‬

‫ك فَأ َجره حتى يسمع ك ََلم الل ّه ث ُم أ َبلغه ْ‬ ‫وإ َ‬


‫ه‬
‫من َ ُ‬
‫مأ َ‬
‫ِ ّ ِْ ْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ ُ َ ّ َ ْ َ َ‬ ‫جاَر َ‬
‫ست َ َ‬
‫نا ْ‬‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬
‫حد ٌ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫َِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ن )‪(6‬‬ ‫مو َ‬‫م ل ي َعْل ُ‬ ‫م قَوْ ٌ‬
‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬

‫علي بن أبي طالب ‪ :‬بعث النبي صلى الله عليه وسلم بأربعة أسياف ‪ :‬سيف‬
‫ث‬
‫حي ْ ُ‬‫ن َ‬‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫في المشركين من العرب )‪ (1‬قال الله ‪َ } :‬فاقْت ُُلوا ال ْ ُ‬
‫م [ { )‪(2‬‬ ‫ذوهُ ْ‬ ‫خ ُ‬
‫م ]وَ ُ‬ ‫موهُ ْ‬‫جد ْت ُ ُ‬
‫وَ َ‬
‫هكذا رواه مختصرا ‪ ،‬وأظن أن السيف الثاني هو قتال أهل الكتاب في قوله ‪:‬‬
‫ه‬‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬
‫ما َ‬‫ن َ‬ ‫مو َ‬‫حّر ُ‬ ‫خرِ َول ي ُ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َول ِبال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫مُنو َ‬‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫} َقات ُِلوا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ورسول ُه ول يدينون دين ال ْحق من ال ّذي ُ‬
‫ن‬
‫ة عَ ْ‬
‫جْزي َ َ‬ ‫طوا ال ْ ِ‬‫حّتى ي ُعْ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ّ ِ َ‬ ‫ََ ُ ُ َ َ ِ ُ َ ِ َ‬
‫ن { ]التوبة ‪ [29 :‬والسيف الثالث ‪ :‬قتال المنافقين في‬ ‫صاِغُرو َ‬ ‫م َ‬ ‫ي َد ٍ وَهُ ْ‬
‫م[ { ]التوبة ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ]َواغلظ عَلي ْهِ ْ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫فاَر َوال ُ‬ ‫جاهِدِ الك ّ‬ ‫ي َ‬ ‫قوله ‪َ } :‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫ن‬
‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫فَتا ِ‬ ‫َ‬
‫ن طائ ِ َ‬ ‫‪ ، 73‬والتحريم ‪ (3) [9 :‬والرابع ‪ :‬قتال الباغين في قوله ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫قات ُِلوا ال ِّتي‬ ‫َ‬
‫خَرى فَ َ‬ ‫ما عََلى ال ْ‬ ‫داهُ َ‬
‫ح َ‬ ‫ت إِ ْ‬ ‫ن ب َغَ ْ‬ ‫ما فَإ ِ ْ‬ ‫حوا ب َي ْن َهُ َ‬ ‫صل ِ ُ‬‫ن اقْت َت َُلوا فَأ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مرِ الل ّهِ { ]الحجرات ‪[9 :‬‬ ‫َ‬
‫فيَء إ َِلى أ ْ‬ ‫حّتى ت َ ِ‬ ‫ت َب ِْغي َ‬
‫ثم اختلف المفسرون في آية السيف هذه ‪ ،‬فقال الضحاك والسدي ‪ :‬هي‬
‫داًء { ]محمد ‪ [4 :‬وقال قتادة‬ ‫ما فِ َ‬ ‫مّنا ب َعْد ُ وَإ ِ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫منسوخة بقوله تعالى ‪ } :‬فَإ ِ ّ‬
‫بالعكس‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫مع َ َ‬ ‫َ‬ ‫جاَر َ‬ ‫ْ‬ ‫} وإ َ‬
‫ه‬
‫م أب ْل ِغْ ُ‬ ‫م اللهِ ث ُ ّ‬ ‫كل َ‬ ‫س َ‬ ‫حّتى ي َ ْ‬ ‫جْرهُ َ‬ ‫ك فَأ ِ‬ ‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫مَ َ‬ ‫حد ٌ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫َِ ْ‬
‫َ‬ ‫ه ذ َل ِ َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪{ (6‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل ُ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫من َ ُ‬
‫مأ َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫كي‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫يقول تعالى لنبيه ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ } :‬وإن أ َ‬
‫ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َِ‬
‫الذين أمرتك بقتالهم ‪ ،‬وأحللت لك استباحة نفوسهم وأموالهم ‪،‬‬
‫م الل ّهِ { أي‬ ‫كل َ‬ ‫مع َ َ‬ ‫س َ‬ ‫حّتى ي َ ْ‬ ‫ك { أي ‪ :‬استأمنك ‪ ،‬فأجبه إلى طلبته } َ‬ ‫جاَر َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫}ا ْ‬
‫‪] :‬القرآن[ )‪ (4‬تقرؤه عليه وتذكر له شيئا من ]أمر[ )‪ (5‬الدين تقيم عليه به‬ ‫ً‬
‫ه { أي ‪ :‬وهو آمن مستمر المان حتى يرجع إلى‬ ‫حجة الله ‪ } ،‬ث ُم أ َبلغه ْ‬
‫من َ ُ‬‫مأ َ‬ ‫ّ ِْ ْ ُ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬إنما شرعنا أمان‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل ُ‬ ‫م قو ْ ٌ‬ ‫بلده وداره ومأمنه ‪ } ،‬ذل ِك ب ِأن ّهُ ْ‬
‫مثل هؤلء ليعلموا دين الله ‪ ،‬وتنتشر دعوة الله في عباده‪.‬‬
‫وقال ابن أبي نجيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬في تفسير هذه الية ‪ ،‬قال ‪ :‬إنسان يأتيك‬
‫يسمع ما تقول وما أنزل عليك ‪ ،‬فهو آمن حتى يأتيك فيسمع كلم الله ‪ ،‬وحتى‬
‫يبلغ مأمنه ‪ ،‬حيث جاء‪.‬‬
‫ومن هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي المان لمن جاءه ‪،‬‬
‫دا أو في رسالة ‪ ،‬كما جاءه يوم الحديبية جماعة من الرسل من‬ ‫مسترش ً‬
‫مكَرز بن حفص ‪ ،‬وسهيل بن عمرو ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫قريش ‪ ،‬منهم ‪ :‬عروة بن مسعود ‪ ،‬و ِ‬
‫دا بعد واحد ‪ ،‬يترددون في القضية بينه وبين المشركين ‪ ،‬فرأوا‬ ‫وغيرهم واح ً‬
‫من إعظام المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بهرهم وما لم‬
‫يشاهدوه عند ملك ول قيصر ‪ ،‬فرجعوا إلى قومهم فأخبروهم بذلك ‪ ،‬وكان‬
‫ذلك وأمثاله من أكبر أسباب هداية أكثرهم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬د ‪" :‬سيف في المشركين وسيف في العرب"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/113‬‬

‫ولهذا أيضا لما قدم رسول مسيلمة الكذاب على رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال له ‪" :‬أتشهد )‪ (1‬أن مسيلمة رسول الله ؟" قال ‪ :‬نعم‪ .‬فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لول أن الرسل ل تقتل لضربت عنقك" )‬
‫‪ (2‬وقد قيض الله له ضرب العنق في إمارة ابن مسعود على الكوفة ‪ ،‬وكان‬
‫يقال له ‪ :‬ابن النواحة ‪ ،‬ظهر عنه في زمان ابن مسعود أنه يشهد لمسيلمة‬
‫بالرسالة ‪ ،‬فأرسل إليه ابن مسعود فقال له ‪ :‬إنك الن لست في رسالة ‪،‬‬
‫وأمر به فضربت عنقه ‪ ،‬ل رحمه الله ولعنه‪.‬‬
‫والغرض أن من قدم من دار الحرب إلى دار السلم في أداء رسالة أو تجارة‬
‫‪ ،‬أو طلب صلح أو مهادنة أو حمل جزية ‪ ،‬أو نحو ذلك من السباب ‪ ،‬فطلب‬
‫من المام أو نائبه أماًنا ‪ ،‬أعطي أماًنا ما دام متردًدا في دار السلم ‪ ،‬وحتى‬
‫يرجع إلى مأمنه ووطنه‪ .‬لكن قال العلماء ‪ :‬ل يجوز أن يمكن من القامة في‬
‫دار السلم سنة ‪ ،‬ويجوز أن يمكن من إقامة أربعة أشهر ‪ ،‬وفيما بين ذلك‬
‫فيما )‪ (3‬زاد على أربعة أشهر ونقص عن سنة قولن ‪ ،‬عن المام الشافعي‬
‫وغيره من العلماء ‪ ،‬رحمهم الله‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ك ‪" :‬أما تشهد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه أحمد في المسند )‪ (3/487‬وأبو داود في السنن برقم )‪ (2761‬من‬
‫طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن سعد بن طارق عن سلمة‬
‫بن نعيم عن أبيه قال ‪ :‬كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه رسل‬
‫مسيلمة ‪ ،‬فذكر نحوه‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬ما"‪.‬‬

‫) ‪(4/114‬‬

‫عن ْد َ‬‫م ِ‬ ‫عاهَد ْت ُ ْ‬


‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سول ِهِ إ ِّل ال ّ ِ‬‫عن ْد َ َر ُ‬‫عن ْد َ الل ّهِ وَ ِ‬
‫ن عَهْد ٌ ِ‬ ‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ل ِل ْ ُ‬ ‫كو ُ‬‫ف يَ ُ‬
‫ك َي ْ َ‬
‫ن )‪(7‬‬
‫قي َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫ح ّ‬
‫ه يُ ِ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫موا ل َهُ ْ‬
‫قي ُ‬ ‫ست َ ِ‬‫م َفا ْ‬ ‫موا ل َك ُ ْ‬‫قا ُ‬
‫ست َ َ‬
‫ما ا ْ‬‫حَرام ِ فَ َ‬ ‫جدِ ال ْ َ‬‫س ِ‬
‫م ْ‬‫ال ْ َ‬

‫عن ْد َ‬‫م ِ‬ ‫عاهَد ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سول ِهِ ِإل ال ّ ِ‬ ‫عن ْد َ َر ُ‬‫عن ْد َ الل ّهِ وَ ِ‬ ‫ن عَهْد ٌ ِ‬ ‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ل ِل ْ ُ‬‫كو ُ‬ ‫ف يَ ُ‬ ‫} ك َي ْ َ‬
‫ن)‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫موا ل َهُ ْ‬ ‫قي ُ‬ ‫م َفا ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫موا ل َك ُ ْ‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬‫ما ا ْ‬ ‫حَرام ِ فَ َ‬ ‫جدِ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫‪{ (7‬‬
‫يبين تعالى )‪ (1‬حكمته في البراءة من المشركين ونظرته إياهم أربعة أشهر ‪،‬‬
‫ن‬
‫كو ُ‬ ‫ف يَ ُ‬ ‫ثم بعد ذلك السيف المرهف أين ثقفوا ‪ ،‬فقال تعالى ‪ } :‬ك َي ْ َ‬
‫ن عَهْد ٌ { وأمان ويتركون فيما هم فيه وهم مشركون بالله كافرون )‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫حَرام ِ { يعني يوم‬ ‫جدِ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬‫م ْ‬‫عن ْد َ ال ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫عاهَد ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ (2‬به وبرسوله ‪ِ } ،‬إل ال ّ ِ‬
‫حَرام ِ‬ ‫جدِ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫دوك ُ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫فُروا وَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫م ال ّ ِ‬ ‫الحديبية ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬هُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫موا لك ُ ْ‬
‫م‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ه { الية ]الفتح ‪ } ، [25 :‬فَ َ‬ ‫حل ّ ُ‬‫م ِ‬ ‫ن ي َب ْل ُغَ َ‬‫كوًفا أ ْ‬ ‫معْ ُ‬ ‫َوال ْهَد ْيَ َ‬
‫م { أي ‪ :‬مهما )‪ (3‬تمسكوا بما عاقدتموهم عليه وعاهدتموهم‬ ‫موا ل َهُ ْ‬ ‫قي ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫َفا ْ‬
‫ب‬‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫َ‬
‫موا لهُ ْ‬ ‫قي ُ‬‫ست َ ِ‬‫من ترك الحرب بينكم وبينهم عشر سنين } َفا ْ‬
‫ن { وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك والمسلمون ‪،‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫استمر العقد والهدنة مع أهل مكة من ذي القعدة في سنة ست ‪ ،‬إلى أن‬
‫نقضت قريش العهد ومالئوا حلفاءهم بني بكر على خزاعة أحلف رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقتلوهم معهم في الحرم أيضا ‪ ،‬فعند ذلك غزاهم‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان سنة ثمان ‪ ،‬ففتح الله عليه‬
‫البلد الحرام ‪ ،‬ومكنه من نواصيهم ‪ ،‬ولله الحمد والمنة ‪ ،‬فأطلق من أسلم‬
‫منهم بعد القهر والغلبة عليهم ‪ ،‬فسموا الطلقاء ‪ ،‬وكانوا قريبا من ألفين ‪،‬‬
‫ومن استمر على كفره وفر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليه‬
‫بالمان والتسيير في الرض أربعة أشهر ‪ ،‬يذهب حيث شاء ‪ :‬منهم صفوان بن‬
‫رمة بن أبي جهل وغيرهما ‪ ،‬ثم هداهم الله بعد ذلك إلى السلم‬ ‫عك ْ ِ‬ ‫أمية ‪ ،‬و ِ‬
‫التام ‪ ،‬والله المحمود على جميع ما يقدره ويفعله‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬يبين تعالى أن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬ك ‪" : ،‬كافرين" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في د ‪" :‬فمهما"‪.‬‬

‫) ‪(4/114‬‬

‫م وَت َأ َْبى‬‫واهِهِ ْ‬
‫َ‬
‫م ب ِأفْ َ‬ ‫ضون َك ُ ْ‬ ‫ة ي ُْر ُ‬ ‫م ً‬‫م إ ِّل وََل ذِ ّ‬ ‫م َل ي َْرقُُبوا ِفيك ُ ْ‬ ‫ن ي َظ ْهَُروا عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ف وَإ ِ ْ‬ ‫ك َي ْ َ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫سِبيل ِ ِ‬‫ن َ‬ ‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫مًنا قَِليل فَ َ‬ ‫ت اللهِ ث َ َ‬ ‫ن )‪ (8‬ا ْ‬
‫شت ََرْوا ب ِآَيا ِ‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫م وَأك ْث َُرهُ ْ‬ ‫قُُلوب ُهُ ْ‬
‫م‬
‫ك هُ ُ‬ ‫ة وَُأول َئ ِ َ‬ ‫م ً‬ ‫ن إ ِّل وََل ذِ ّ‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ِفي ُ‬ ‫ن )‪َ (9‬ل ي َْرقُُبو َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ساَء َ‬ ‫م َ‬ ‫إ ِن ّهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫دي ِ‬
‫م ِفي ال ّ‬ ‫ُ‬
‫وان ُك ْ‬ ‫خ َ‬ ‫َ‬
‫وا الّزكاة َ فَإ ِ ْ‬ ‫صلة َ وَآت َ ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ن َتاُبوا وَأَقا ُ‬ ‫ن )‪ (10‬فَإ ِ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫معْت َ ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن )‪(11‬‬ ‫مو َ‬‫قوْم ٍ ي َعْل َ ُ‬ ‫ت لِ َ‬‫ل اْل ََيا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫وَن ُ َ‬
‫َ‬
‫م‬‫واهِهِ ْ‬ ‫م ب ِأفْ َ‬ ‫ضون َك ُ ْ‬
‫ة ي ُْر ُ‬ ‫م ً‬‫م ِإل َول ذِ ّ‬ ‫م ل ي َْرقُُبوا ِفيك ُ ْ‬ ‫ن ي َظ ْهَُروا عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ف وَإ ِ ْ‬ ‫} ك َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪{ (8‬‬ ‫قو َ‬ ‫م َفا ِ‬
‫س ُ‬ ‫م وَأك ْث َُرهُ ْ‬ ‫وَت َأَبى قُُلوب ُهُ ْ‬
‫يقول تعالى محرضا للمؤمنين على معاداة المشركين والتبري منهم ‪ ،‬ومبينا‬
‫أنهم ل يستحقون أن يكون لهم عهد لشركهم بالله وكفرهم برسول الله )‪(1‬‬
‫ولو أنهم إذ ظهروا )‪ (2‬على المسلمين وأِديلوا عليهم ‪ ،‬لم يبقوا ولم يذروا ‪،‬‬
‫ول راقبوا فيهم إل ول ذمة‪.‬‬
‫رمة ‪ ،‬والعوفي عن ابن عباس ‪" :‬الل" ‪:‬‬ ‫عك ِ‬‫ْ‬ ‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬و ِ‬
‫القرابة ‪" ،‬والذمة" ‪ :‬العهد‪ .‬وكذا قال الضحاك والسدي ‪ ،‬كما قال تميم بن‬
‫قِبل ‪:‬‬ ‫م ْ‬‫ُ‬
‫ل وأعراقَ الرحم )‪(3‬‬ ‫ف خلفوا‪ ...‬قطعوا ال ّ‬ ‫خلو ٌ‬ ‫أفسد الناس ُ‬
‫وقال حسان بن ثابت ‪ ،‬رضي الله عنه ‪:‬‬
‫ل والعهد ل يكذب )‪(4‬‬ ‫م‪ ...‬وذو ال ّ‬ ‫م كاذًبا إ ِل ّهُ ْ‬ ‫وجدناهُ ُ‬
‫ن ِإل { قال ‪ :‬الله‪.‬‬ ‫ُ ِ ٍ‬‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫في‬ ‫ن‬
‫َْ ُ َ ِ‬‫بو‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫مجاهد‬ ‫عن‬ ‫‪،‬‬ ‫نجيح‬ ‫أبي‬ ‫ابن‬ ‫وقال‬
‫وفي رواية ‪ :‬ل يرقبون الله ول غيره‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يعقوب ‪ ،‬حدثنا ابن علية ‪ ،‬عن سليمان ‪ ،‬عن أبي‬
‫ة { مثل قوله ‪:‬‬ ‫م ً‬ ‫ن ِإل َول ذِ ّ‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ِفي ُ‬ ‫مجلز في قوله تعالى ‪ } :‬ل ي َْرقُُبو َ‬
‫"جبرائيل" ‪" ،‬ميكائيل" ‪" ،‬إسرافيل" ‪] ،‬كأنه يقول ‪ :‬يضيف "جبر" ‪ ،‬و"ميكا" ‪،‬‬
‫ن ِإل { [ )‪(5‬‬ ‫م ٍ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ِفي ُ‬ ‫و"إسراف" ‪ ،‬إلى "إيل" ‪ ،‬يقول عبد الله ‪ } :‬ل ي َْرقُُبو َ‬
‫كأنه يقول ‪ :‬ل يرقبون الله‪.‬‬
‫والقول الول أشهر وأظهر ‪ ،‬وعليه الكثر‪.‬‬
‫وعن مجاهد أيضا ‪" :‬الل" ‪ :‬العهد‪ .‬وقال قتادة ‪" :‬الل" ‪ :‬الحلف‪.‬‬
‫ن)‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ساَء َ‬ ‫م َ‬ ‫سِبيل ِهِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬‫مًنا قَِليل فَ َ‬ ‫ت الل ّهِ ث َ َ‬ ‫شت ََرْوا ِبآَيا ِ‬ ‫}ا ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن َتاُبوا‬ ‫ن )‪ (10‬فإ ِ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫معْت َ ُ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ة وَأولئ ِك هُ ُ‬ ‫م ً‬‫ن ِإل َول ذِ ّ‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ِفي ُ‬ ‫‪ (9‬ل ي َْرقُبو َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْل ُ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫صل الَيا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫ن وَن ُ َ‬ ‫دي ِ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫وان ُك ْ‬ ‫خ َ‬ ‫وا الّزكاةَ فإ ِ ْ‬ ‫صلة َ َوآت َ ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫وَأَقا ُ‬
‫)‪{ (11‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في د ‪" :‬برسوله صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬ظاهروا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬البيت في تفسير الطبري )‪.(14/148‬‬
‫)‪ (4‬قال المعلق على طبعة الشعب ‪ :‬هكذا نسبه ابن كثير إلى حسان بن‬
‫ثابت ‪ ،‬ولم نجده في ديوانه‪ .‬والبيت في تفسير الطبري غير منسوب‬
‫‪ 15/148‬وأما بيت حسان الذي استشهد به الطبري فهو لعمرك إن إلك من‬
‫قريش‪ ...‬كإل الشقب من رأل النعام‬
‫وهذا البيت في ديوان حسان ص ‪ ، 336‬واللسان ‪ ،‬مادة "ألل"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من الطبري )‪.(14/146‬‬

‫) ‪(4/115‬‬

‫ة ال ْك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫فرِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫قات ُِلوا أئ ِ ّ‬
‫م َ‬ ‫م وَط َعَُنوا ِفي ِدين ِك ُ ْ‬
‫م فَ َ‬ ‫ن ب َعْد ِ عَهْدِهِ ْ‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مان َهُ ْ‬‫ن ن َك َُثوا أي ْ َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(12‬‬ ‫م ي َن ْت َُهو َ‬‫م لعَلهُ ْ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫َل أي ْ َ‬

‫ت الل ّهِ‬ ‫شت ََرْوا ِبآَيا ِ‬ ‫يقول تعالى ذما للمشركين وحثا للمؤمنين على قتالهم ‪ } :‬ا ْ‬
‫مًنا قَِليل { يعني ‪ :‬أنهم اعتاضوا عن اتباع آيات الله بما التهوا به من أمور‬ ‫ثَ َ‬
‫سِبيل ِهِ { أي ‪ :‬منعوا المؤمنين من اتباع‬ ‫ن َ‬ ‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫الدنيا الخسيسة ‪ } ،‬فَ َ‬
‫ة { تقدم‬ ‫م ً‬ ‫ن ِإل َول ذِ ّ‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن ِفي ُ‬ ‫ن ل ي َْرقُُبو َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ساَء َ‬ ‫م َ‬ ‫الحق ‪ } ،‬إ ِن ّهُ ْ‬
‫َ‬
‫صلة َ { إلى آخرها ‪،‬‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ن َتاُبوا وَأَقا ُ‬ ‫تفسيره ‪ ،‬وكذا الية التي بعدها ‪ } :‬فَإ ِ ْ‬
‫تقدمت‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا محمد بن المثنى ‪ ،‬حدثنا يحيى بن أبي‬
‫بكر ‪ ،‬حدثنا أبو جعفر الرازي ‪ ،‬حدثنا الربيع بن أنس قال ‪ :‬سمعت أنس بن‬
‫مالك يقول ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من فارق الدنيا على‬
‫الخلص لله وعبادته ‪ ،‬ل يشرك )‪ (1‬به ‪ ،‬وأقام الصلة ‪ ،‬وآتى الزكاة ‪ ،‬فارقها‬
‫والله عنه راض ‪ ،‬وهو دين الله الذي جاءت به الرسل وبلغوه عن ربهم ‪ ،‬قبل‬
‫ن َتاُبوا {‬ ‫هَْرج الحاديث واختلف الهواء"‪ .‬وتصديق ذلك في كتاب الله ‪ } :‬فَإ ِ ْ‬
‫خّلوا‬ ‫كاةَ فَ َ‬ ‫وا الّز َ‬ ‫َ‬
‫صلة َ َوآت َ ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫يقول ‪ :‬فإن خلعوا الوثان وعبادتها } وَأَقا ُ‬
‫َ‬
‫كاةَ‬ ‫وا الّز َ‬ ‫صلة َ َوآت َ ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ن َتاُبوا وَأَقا ُ‬ ‫م { وقال في آية أخرى ‪ } :‬فَإ ِ ْ‬ ‫سِبيل َهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫ّ ِ‬‫دي‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫فَ ِ ْ َ ُ ْ ِ‬
‫ك‬ ‫ن‬‫وا‬ ‫خ‬ ‫إ‬
‫ثم قال البزار ‪ :‬آخر الحديث عندي والله أعلم ‪" :‬فارقها وهو عنه راض" ‪،‬‬
‫وباقيه عندي من كلم الربيع بن أنس )‪(2‬‬
‫ة ال ْك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫ف ِ‬ ‫م َ‬‫قات ُِلوا أئ ِ ّ‬ ‫م فَ َ‬ ‫م وَط َعَُنوا ِفي ِدين ِك ُ ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ عَهْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مان َهُ ْ‬ ‫ن ن َك َُثوا أي ْ َ‬ ‫} وَإ ِ ْ‬
‫ن )‪{ (12‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ي َن ْت َُهو َ‬ ‫م لعَلهُ ْ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م ل أي ْ َ‬ ‫إ ِن ّهُ ْ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬وإن نكث هؤلء المشركون الذين عاهدتموهم على مدة معينة‬
‫م { أي ‪ :‬عابوه‬ ‫أيمانهم ‪ ،‬أي ‪ :‬عهودهم ومواثيقهم ‪ } ،‬وَط َعَُنوا ِفي ِدين ِك ُ ْ‬
‫وانتقصوه‪ .‬ومن هاهنا أخذ قتل من سب الرسول ‪ ،‬صلوات الله وسلمه‬
‫ُ‬
‫قات ِلوا‬ ‫عليه ‪ ،‬أو من طعن في دين السلم أو ذكره بتنقص ؛ ولهذا قال ‪ } :‬فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬يرجعون عما هم فيه من‬ ‫م ي َن ْت َُهو َ‬ ‫م ل َعَل ّهُ ْ‬‫ن ل َهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م ل أي ْ َ‬ ‫فرِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ة ال ْك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫أئ ِ ّ‬
‫الكفر والعناد والضلل‪.‬‬
‫وقد قال قتادة وغيره ‪ :‬أئمة الكفر كأبي جهل ‪ ،‬وعتبة ‪ ،‬وشيبة ‪ ،‬وأمية بن‬
‫خلف ‪ ،‬وعدد رجال‪.‬‬
‫وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال ‪ :‬مر سعد برجل من الخوارج ‪،‬‬
‫فقال الخارجي ‪ :‬هذا من أئمة الكفر‪ .‬فقال سعد ‪ :‬كذبت ‪ ،‬بل أنا قاتلت أئمة‬
‫الكفر‪ .‬رواه ابن مردويه‪.‬‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن زيد بن وهب ‪ ،‬عن حذيفة أنه قال ‪ :‬ما قوتل أهل هذه‬
‫الية بعد‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬ل شريك"‪.‬‬
‫)‪ (2‬ورواه الحاكم في المستدرك )‪ (2/331‬من طريق أحمد بن مهران عن‬
‫عبيد الله بن موسى بنحوه ‪ ،‬ولم يفرق بين المرفوع والموقوف ‪ ،‬وقال‬
‫الحاكم ‪" :‬صحيح السناد" وتعقبه الذهبي قلت ‪" :‬صدر الحديث مرفوع‬
‫وسائره مدرج فيما أرى"‪.‬‬

‫) ‪(4/116‬‬

‫ة‬
‫مّر ٍ‬ ‫م أ َوّ َ‬
‫ل َ‬ ‫م ب َد َُءوك ُ ْ‬
‫ل وَهُ ْ‬
‫سو ِ‬
‫خَراِج الّر ُ‬ ‫موا ب ِإ ِ ْ‬‫م وَهَ ّ‬ ‫مان َهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن َك َُثوا أي ْ َ‬ ‫ن قَوْ ً‬
‫ما‬ ‫قات ُِلو َ‬‫أ ََل ت ُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ َت َ ْ‬
‫ن )‪(13‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫خ َ‬
‫شوْه ُ إ ِ ْ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫حق ّ أ ْ‬ ‫أ َ‬ ‫م َفالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫شوْن َهُ ْ‬‫خ َ‬

‫وروى عن علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬مثله‪.‬‬


‫والصحيح أن الية عامة ‪ ،‬وإن كان سبب نزولها مشركي قريش فهي عامة‬
‫لهم ولغيرهم ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫جَبير‬‫وقال الوليد بن مسلم ‪ :‬حدثنا صفوان بن عمرو ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن ُ‬
‫بن نفير ‪ :‬أنه كان في عهد أبي بكر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬إلى الناس حين وجههم‬
‫إلى الشام ‪ ،‬قال ‪ :‬إنكم ستجدون قوما محوقة رءوسهم ‪ ،‬فاضربوا معاقد‬
‫الشيطان منهم بالسيوف ‪ ،‬فوالله لن أقتل رجل منهم أحب إلي من أن أقتل‬
‫ة ال ْك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫فرِ { رواه ابن‬ ‫قات ُِلوا أئ ِ ّ‬
‫م َ‬ ‫سبعين من غيرهم ‪ ،‬وذلك بأن الله يقول ‪ } :‬فَ َ‬
‫أبي حاتم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫} َأل ت ُ َ‬
‫ل‬‫م أوّ َ‬
‫م ب َد َُءوك ْ‬ ‫ل وَهُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫خَراِج الّر ُ‬ ‫موا ب ِإ ِ ْ‬ ‫م وَهَ ّ‬
‫مان َهُ ْ‬ ‫ن قَوْ ً‬
‫ما ن َكُثوا أي ْ َ‬ ‫قات ِلو َ‬
‫َ‬ ‫شونهم َفالل ّ َ‬ ‫مّرةٍ أ َت َ ْ‬
‫ن )‪{ (13‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫شوْه ُ إ ِ ْ‬‫خ َ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫حق ّ أ ْ‬ ‫هأ َ‬ ‫ُ‬ ‫خ َ َُْ ْ‬ ‫َ‬

‫) ‪(4/117‬‬

‫َقاتُلوهم يعذ ّبهم الل ّ َ‬


‫دوَر قَوْم ٍ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫م عَل َي ْهِ ْ‬
‫م وَي َ ْ‬ ‫صْرك ُ ْ‬ ‫م وَي َن ْ ُ‬‫خزِهِ ْ‬
‫م وَي ُ ْ‬ ‫ديك ُ ْ‬‫ه ب ِأي ْ ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ ُ ْ َُ ُْ ُ‬
‫م‬ ‫لي‬ ‫َ‬
‫َ ُ ِ ٌ‬‫ع‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫َ‬
‫شا‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫َ ْ َ‬ ‫م‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫تو‬ ‫ي‬
‫ِِ ْ ََُ ُ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫َ‬
‫ظ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪ْ ْ ِ ُ َ (14‬‬
‫ي‬ ‫غ‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ذ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ُ‬
‫م )‪(15‬‬ ‫كي‬
‫َ ِ ٌ‬ ‫ح‬
‫} َقاتُلوهم يعذ ّبهم الل ّ َ‬
‫دوَر قَوْم ٍ‬ ‫ص ُ‬‫ف ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫م عَل َي ْهِ ْ‬ ‫صْرك ُ ْ‬ ‫م وَي َن ْ ُ‬ ‫خزِهِ ْ‬ ‫م وَي ُ ْ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ه ب ِأي ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ُ ْ َُ ُْ ُ‬
‫م‬‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ّ‬
‫شاُء َوالل ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه عَلى َ‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ب الل ُ‬ ‫م وَي َُتو ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ب غي ْظ قلوب ِهِ ْ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن )‪ (14‬وَي ُذ ْهِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫م )‪{ (15‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫وهذا أيضا تهييج وتحضيض وإغراء على قتال المشركين الناكثين ليمانهم ‪،‬‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ك ال ّ ِ‬ ‫مك ُُر ب ِ َ‬ ‫الذين هموا بإخراج الرسول من مكة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَإ ِذ ْ ي َ ْ‬
‫خي ُْر‬ ‫ه َ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫مك ُُر الل ّ ُ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫مك ُُرو َ‬ ‫ك وَي َ ْ‬ ‫جو َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ك أ َوْ ي ُ ْ‬ ‫قت ُُلو َ‬ ‫ك أ َوْ ي َ ْ‬‫فُروا ل ِي ُث ْب ُِتو َ‬ ‫كَ َ‬
‫ن { ]النفال ‪.[30 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫ماك ِ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫م ]إ ِ ْ‬ ‫مُنوا ِباللهِ َرب ّك ُ ْ‬ ‫ن ت ُؤْ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ل وَإ ِّياك ُ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫جو َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬ي ُ ْ‬
‫ضاِتي[ { )‪ (1‬الية ]الممتحنة ‪ [1 :‬وقال‬ ‫مْر َ‬ ‫سِبيِلي َواب ْت َِغاَء َ‬ ‫جَهاًدا ِفي َ‬ ‫م ِ‬ ‫جت ُ ْ‬‫خَر ْ‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫من َْها وَإ ًِذا ل ي َلب َُثو َ‬
‫ن‬ ‫ك ِ‬ ‫جو َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ض ل ِي ُ ْ‬ ‫فّزون َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬‫ك ِ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن كاُدوا لي َ ْ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫مّرةٍ { قيل ‪:‬‬ ‫ل َ‬ ‫م أوّ َ‬ ‫ُ‬
‫م ب َد َُءوك ْ‬ ‫ك ِإل قَِليل { ]السراء ‪[76 :‬وقوله } وَهُ ْ‬ ‫خلفَ َ‬ ‫ِ‬
‫المراد بذلك يوم بدر ‪ ،‬حين خرجوا لنصر عيرهم )‪ (2‬فلما نجت وعلموا بذلك‬
‫استمروا على وجوههم )‪ (3‬طلبا للقتال ‪ ،‬بغيا وتكبرا ‪ ،‬كما تقدم بسط ذلك‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد نقضهم العهد وقتالهم )‪ (4‬مع حلفائهم بني بكر لخزاعة أحلف‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬حتى )‪ (5‬سار إليهم رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم عام الفتح ‪ ،‬وكان ما كان ‪ ،‬ولله الحمد‪.‬‬
‫َ‬ ‫شونهم َفالل ّ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أ َت َ ْ‬
‫ن { )‪ (6‬يقول‬
‫مِني َ‬ ‫ْ‬
‫مؤ ِ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫خ َ‬
‫شوْه ُ إ ِ ْ‬ ‫ن تَ ْ‬
‫حق ّ أ ْ‬
‫هأ َ‬‫ُ‬ ‫خ َ َُْ ْ‬
‫تعالى ‪ :‬ل تخشوهم واخشون ‪ ،‬فأنا أهل أن يخشى العباد من سطوتي‬
‫وعقوبتي ‪ ،‬فبيدي المر ‪ ،‬وما شئت كان ‪ ،‬وما لم أشأ لم يكن‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في د ‪" :‬خرجوا لعيرهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬وجههم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬بقتالهم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬حين"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ك ‪" :‬أتخشوهم" وهو خطأ‪.‬‬

‫) ‪(4/117‬‬

‫أ َم حسبت َ‬
‫ن‬
‫ن ُدو ِ‬
‫م ْ‬ ‫خ ُ‬
‫ذوا ِ‬ ‫م وَل َ ْ‬
‫م ي َت ّ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫دوا ِ‬‫جاهَ ُ‬
‫ن َ‬‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ما ي َعْل َم ِ الل ّ ُ‬‫كوا وَل َ ّ‬ ‫ن ت ُت َْر ُ‬
‫مأ ْ‬‫ْ َ ِ ُْ ْ‬
‫ن )‪(16‬‬ ‫َ‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫ر‬‫بي‬ ‫خ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫ة‬
‫ُ ِ ِ َ َِ َ ً َ ُ َ ِ ٌ ِ َ َْ َ‬ ‫ج‬ ‫لي‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ني‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫الل ّهِ وََل َر ُ ِ ِ َ‬
‫و‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫سو‬

‫ثم قال تعالى عزيمة على المؤمنين ‪ ،‬وبيانا لحكمته فيما شرع لهم من الجهاد‬
‫مع قدرته على إهلك العداء بأمر من عنده ‪َ } :‬قاتُلوهم يعذ ّبهم الل ّ َ‬
‫ديك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ه ب ِأي ْ ِ‬‫ُ‬ ‫ِ ُ ْ َُ ُْ ُ‬
‫ن { وهذا عام في‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫دوَر قَوْم ٍ ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫م عَل َي ْهِ ْ‬ ‫صْرك ُ ْ‬ ‫م وَي َن ْ ُ‬ ‫خزِهِ ْ‬ ‫وَي ُ ْ‬
‫المؤمنين كلهم‪.‬‬
‫َ‬
‫دوَر قوْم ٍ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫رمة ‪ ،‬والسدي في هذه الية ‪ } :‬وَي َ ْ‬ ‫ْ‬
‫عك ِ‬ ‫وقال مجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫ن { يعني ‪ :‬خزاعة‪.‬‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫م { عليهم أيضا‪.‬‬ ‫ه‬
‫ِِ ْ‬ ‫ب‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫َ‬
‫ظ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫غ‬
‫َُ ِ ْ ْ‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫في‬ ‫الضمير‬ ‫(‬‫‪1‬‬ ‫)‬ ‫وأعاد‬
‫ن لعمر بن عبد العزيز ‪ ،‬رضي الله عنه ‪،‬‬ ‫وقد ذكر ابن عساكر في ترجمة مؤذ ٍ‬
‫عن مسلم بن يسار ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم كان إذا غضبت أخذ بأنفها ‪ ،‬وقال ‪" :‬يا عويش ‪ ،‬قولي ‪ :‬اللهم ‪،‬‬
‫رب النبي محمد )‪ (2‬اغفر ذنبي ‪ ،‬وأذهب غيظ قلبي ‪ ،‬وأجرني من مضلت‬
‫الفتن"‪.‬‬
‫ساقه من طريق أبي أحمد الحاكم ‪ ،‬عن الباغندي ‪ ،‬عن هشام بن عمار ‪،‬‬
‫حدثنا عبد الرحمن بن أبي الجون ‪ ،‬عنه )‪(3‬‬
‫م { أي ‪ :‬بما‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ّ‬
‫شاُء { أي ‪ :‬من عباده ‪َ } ،‬والل ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه عََلى َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫} وَي َُتو ُ‬
‫م { في أفعاله وأقواله الكونية والشرعية ‪ ،‬فيفعل ما‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫يصلح عباده ‪َ } ،‬‬
‫يشاء ‪ ،‬ويحكم ما يريد ‪ ،‬وهو العادل الحاكم الذي ل يجور أبدا ‪ ،‬ول يضيع‬
‫مثقال ذرة من خير وشر ‪ ،‬بل يجازي عليه في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫} أ َم حسبت َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ي َت ّ ِ‬ ‫م وَل َ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫دوا ِ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫ما ي َعْل َم ِ الل ّ ُ‬ ‫كوا وَل َ ّ‬ ‫ن ت ُت َْر ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ َ ِ ُْ ْ‬
‫ن )‪{ (16‬‬ ‫َ‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫بي‬ ‫خ‬ ‫ه‬
‫ُ ِ ِ َ َِ َ ً َ ُ َ ِ ٌ ِ َ َْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫ة‬ ‫ج‬ ‫لي‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ني‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ول‬ ‫ن الل ّهِ َول َ ُ ِ ِ َ‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫ُدو ِ‬
‫م { أيها المؤمنون أن نترككم مهملين ‪ ،‬ل نختبركم‬ ‫َ‬
‫سب ْت ُ ْ‬‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬أ ْ‬
‫َ‬ ‫بأمور يظهر فيها أهل العزم الصادق من الكاذب ؟ ولهذا قال ‪ } :‬وَل َ ّ‬
‫ما ي َعْلم ِ‬
‫ن‬‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫سول ِهِ َول ال ْ ُ‬ ‫ن الل ّهِ َول َر ُ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬‫م ي َت ّ ِ‬ ‫م وَل َ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫دوا ِ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ة { أي ‪ :‬بطانة ودخيلة )‪ (4‬بل هم في الظاهر والباطن على النصح لله‬ ‫ج ً‬
‫وَِلي َ‬
‫ولرسوله ‪ ،‬فاكتفى بأحد القسمين عن الخر ‪ ،‬كما قال الشاعر ‪:‬‬
‫وما أدري إذا يممت أرضا‪ ...‬أريد الخير أيهما يليني‪...‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ي ُت َْركوا أ ْ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ب الّنا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬‫وقد قال الله تعالى في الية الخرى ‪] } :‬الم[ أ َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬‫م فَل َي َعْل َ َ‬‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫ذي َ‬ ‫قد ْ فَت َّنا ال ّ ِ‬ ‫ن وَل َ َ‬ ‫فت َُنو َ‬
‫م ل يُ ْ‬ ‫مّنا وَهُ ْ‬ ‫قوُلوا آ َ‬ ‫يَ ُ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫وقال‬ ‫[‬ ‫‪3‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪:‬‬ ‫]العنكبوت‬ ‫(‬‫‪5‬‬ ‫)‬ ‫{‬ ‫ن‬ ‫بي‬ ‫ذ‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫قوا‬‫ُ‬ ‫د‬ ‫ص‬
‫ْ‬ ‫ِِ َ‬ ‫َ َْ َ ّ‬ ‫َ َ‬
‫ن{‬ ‫ري‬ ‫ب‬ ‫صا‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬‫ي‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫دوا‬ ‫ه‬ ‫جا‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫لوا‬‫ُ‬ ‫خ‬ ‫َ‬
‫ّ ِ ِ َ‬ ‫ِ ْ ْ ََْ َ‬ ‫ُ ِ َ َ َ ُ‬ ‫َ ّ َ َ ّ َْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ح ِ ُْ ْ ْ َ ْ‬
‫د‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫َ‬
‫]آل عمران ‪[142 :‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪" :‬وأعادوا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ك ‪" :‬محمدا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تاريخ دمشق )‪" (19/335‬المخطوط"( ورواه ابن السني في عمل اليوم‬
‫والليلة من طريق أبي العميس عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة‬
‫ومن طريق سلمة بن علي عن هشام بن عروة عن عائشة‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬دخلة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/118‬‬

‫ر‬ ‫م ِبال ْك ُ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫سهِ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫ن عََلى أ َن ْ ُ‬ ‫دي َ‬‫شاهِ ِ‬ ‫جد َ الل ّهِ َ‬‫سا ِ‬‫م َ‬ ‫مُروا َ‬ ‫ن ي َعْ ُ‬
‫شركي َ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ ِ ِ َ‬ ‫ن ل ِل ْ ُ‬
‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫سا‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫(‬ ‫‪17‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫ل‬‫خا‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬‫نا‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ما‬ ‫ْ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ب‬ ‫ح‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ُ ِ‬
‫ئ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫أو‬
‫ِ َ ْ‬ ‫ِّ َ َ ْ ُ ُ َ َ ِ َ‬ ‫ِ ُ َ‬ ‫ّ ِ ُ ْ‬ ‫َ ُ ْ َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِ‬
‫صَلة َ وَآ ََتى الّز َ‬ ‫َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل َ ِ‬ ‫َ‬
‫سى‬ ‫ه فَعَ َ‬ ‫ش إ ِّل الل ّ َ‬‫خ َ‬ ‫كاةَ وَل َ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫خرِ وَأَقا َ‬ ‫م َ‬ ‫آ َ‬
‫ُأول َئ ِ َ َ‬
‫ن )‪(18‬‬ ‫دي َ‬‫مهْت َ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫كوُنوا ِ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫كأ ْ‬
‫َ‬
‫ميَز‬‫حّتى ي َ ِ‬ ‫م عَل َي ْهِ َ‬ ‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه ل ِي َذ ََر ال ْ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫وقال تعالى ‪َ } :‬‬
‫ب { ]آل عمران ‪[179 :‬‬ ‫ْ‬
‫م عَلى الغَي ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ه ل ِي ُطل ِعَك ْ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫ما كا َ‬‫َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ن الط ّي ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ث ِ‬ ‫خِبي َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫والحاصل أنه تعالى لما شرع الجهاد لعباده ‪ ،‬بين أن له فيه حكمة ‪ ،‬وهو‬
‫اختبار )‪ (1‬عبيده ‪ :‬من يطيعه ممن يعصيه ‪ ،‬وهو تعالى العالم بما كان وما‬
‫يكون ‪ ،‬وما لم يكن لو كان كيف كان يكون ؟ فيعلم الشيء قبل كونه ‪ ،‬ومع‬
‫كونه على ما هو عليه ‪ ،‬ل إله إل هو ‪ ،‬ول رب سواه ‪ ،‬ول راد لما قدره‬
‫وأمضاه‪.‬‬
‫ر‬ ‫ْ‬
‫م ِبالك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫جد َ اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫ما َ‬
‫ف ِ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن عَلى أن ْ ُ‬ ‫دي َ‬ ‫شاهِ ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مُروا َ‬ ‫ن ي َعْ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬
‫َ‬
‫ن ل ِل ُ‬ ‫كا َ‬ ‫} َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫جد َ اللهِ َ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مُر َ‬ ‫ما ي َعْ ُ‬ ‫ن )‪ (17‬إ ِن ّ َ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م وَِفي الّنارِ هُ ْ‬ ‫مالهُ ْ‬‫ُ‬ ‫ت أعْ َ‬ ‫َ‬
‫حب ِط ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫َ‬
‫سى‬ ‫ه فَعَ َ‬ ‫ش ِإل الل ّ َ‬ ‫خ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫كاةَ وَل َ ْ‬ ‫صلة َ َوآَتى الّز َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫خرِ وَأَقا َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫آ َ‬
‫ن )‪{ (18‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫دي َ‬ ‫مهْت َ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي َكوُنوا ِ‬ ‫أولئ ِك أ ْ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ما ينبغي للمشركين بالله أن يعمروا مساجد الله التي بنيت‬
‫على اسمه وحده ل شريك له‪ .‬ومن قرأ ‪" :‬مسجد الله" فأراد به المسجد‬
‫الحرام ‪ ،‬أشرف المساجد في الرض ‪ ،‬الذي بني من أول يوم على عبادة الله‬
‫وحده ل شريك له‪ .‬وأسسه خليل الرحمن هذا ‪ ،‬وهم شاهدون على أنفسهم‬
‫دي ‪ :‬لو سألت النصراني ‪ :‬ما‬ ‫س ّ‬ ‫بالكفر ‪ ،‬أي ‪ :‬بحالهم وقالهم ‪ ،‬كما قال ال ّ‬
‫دينك ؟ لقال ‪ :‬نصراني ‪ ،‬واليهودي ‪ :‬ما دينك ؟ لقال يهودي ‪ ،‬والصابئي ‪ ،‬لقال‬
‫‪ :‬صابئي ‪ ،‬والمشرك ‪ ،‬لقال ‪ :‬مشرك‪.‬‬
‫َ‬ ‫} ُأول َئ ِ َ‬
‫ن { كما‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م { أي ‪ :‬بشركهم ‪ } ،‬وَِفي الّنارِ هُ ْ‬ ‫مال ُهُ ْ‬ ‫ت أعْ َ‬ ‫حب ِط َ ْ‬ ‫ك َ‬
‫قال تعالى ‪ } :‬وما ل َه َ‬
‫ما‬‫حَرام ِ وَ َ‬ ‫جدِ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ه وَهُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫م أل ي ُعَذ ّب َهُ ُ‬ ‫َ َ ُ ْ‬
‫م ل ي َعْل َُ‬ ‫ْ‬ ‫قون ول َكن أ َ‬ ‫ْ‬ ‫كانوا أ َول ِياَءه إ َ‬
‫ن { ]النفال ‪[34 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫َ ْ‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬‫م‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫إل‬ ‫ن أوْل َِياؤُ ُ ِ‬
‫ه‬ ‫ْ َ ُ ِ ْ‬ ‫َ ُ‬
‫خرِ { فشهد‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬‫م َ‬‫نآ َ‬‫م ْ‬‫جد َ الل ّهِ َ‬‫سا ِ‬ ‫م َ‬
‫مُر َ‬
‫ما ي َعْ ُ‬
‫؛ ولهذا قال ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫تعالى باليمان لعمار المساجد ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا سريج )‪ (2‬حدثنا ابن وهب ‪ ،‬عن عمرو بن الحارث ؛ أن دراجا أبا‬
‫السمح حدثه ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ؛ أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قال ‪" :‬إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد )‪ (3‬فاشهدوا له‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫جد َ الل ّهِ َ‬
‫ن ِباللهِ َوالي َوْم ِ‬
‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سا ِ‬
‫م َ‬ ‫مُر َ‬‫ما ي َعْ ُ‬
‫باليمان ؛ قال الله تعالى ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫خرِ {‬‫ال ِ‬
‫ورواه الترمذي ‪ ،‬وابن مردويه ‪ ،‬والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله‬
‫بن وهب ‪ ،‬به )‪(4‬‬
‫وقال )‪ (5‬عبد بن حميد في مسنده ‪ :‬حدثنا يونس بن محمد ‪ ،‬حدثنا صالح‬
‫المري ‪ ،‬عن ثابت البناني ‪ ،‬عن ميمون بن سياه ‪ ،‬وجعفر بن زيد ‪ ،‬عن أنس‬
‫بن مالك قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إنما عمار المساجد‬
‫هم أهل الله" )‪(6‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬إخبار"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬شريح"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬المساجد"‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (3/68‬وسنن الترمذي برقم )‪ (3093‬والمستدرك )‪(2/332‬‬
‫ودراج عن أبي الهيثم ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (5‬في د ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫)‪ (6‬فيه صالح المري وهو ضعيف ‪ ،‬وقد اختلف عليه فيه كما سيأتي في رواية‬
‫البزار‪.‬‬

‫) ‪(4/119‬‬

‫ورواه الحافظ أبو بكر البزار ‪ ،‬عن عبد الواحد بن غياث ‪ ،‬عن صالح بن بشير‬
‫المري ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫"إنما )‪ (1‬عمار المساجد هم أهل الله" ثم قال ‪ :‬ل نعلم رواه عن ثابت غير‬
‫صالح )‪(2‬‬
‫وقد روى الدارقطني في الفراد من طريق حكامة بنت عثمان بن دينار ‪ ،‬عن‬
‫أبيها ‪ ،‬عن أخيه مالك بن دينار ‪ ،‬عن أنس مرفوعا ‪" :‬إذا أراد الله بقوم عاهة ‪،‬‬
‫نظر إلى أهل المساجد ‪ ،‬فصرف عنهم"‪ .‬ثم قال ‪ :‬غريب )‪(3‬‬
‫وروى الحافظ البهاء في المستقصى ‪ ،‬عن أبيه بسنده إلى أبي أمية‬
‫الطرسوسي ‪ :‬حدثنا منصور بن صقير ‪ ،‬حدثنا صالح المرى ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن‬
‫أنس مرفوعا ‪" :‬يقول الله ‪ :‬وعزتي وجللي ‪ ،‬إني لهم بأهل الرض عذابا ‪،‬‬
‫فإذا نظرت إلى عمار بيوتي وإلى المتحابين في ‪ ،‬وإلى المستغفرين بالسحار‬
‫‪ ،‬صرفت ذلك عنهم"‪ .‬ثم قال ابن عساكر ‪ :‬حديث غريب )‪(4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا روح ‪ ،‬حدثنا سعيد ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬حدثنا العلء بن زياد‬
‫‪ ،‬عن معاذ بن جبل ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن الشيطان‬
‫ذئب النسان ‪ ،‬كذئب الغنم يأخذ الشاة القاصية والناحية ‪ ،‬فإياكم والشعاب ‪،‬‬
‫وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد" )‪(5‬‬
‫مر ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عمرو بن ميمون الودي‬ ‫معْ َ‬
‫وقال عبد الرازق ‪ ،‬عن َ‬
‫قال ‪ :‬أدركت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم يقولون ‪ :‬إن المساجد‬
‫بيوت الله في الرض ‪ ،‬وإنه حق على الله أن يكرم من زاره فيها )‪(6‬‬
‫وقال المسعودي ‪ ،‬عن حبيب بن أبي ثابت وعدي بن ثابت ‪ ،‬عن سعيد بن‬
‫جَبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬من سمع النداء بالصلة ثم‬ ‫ُ‬
‫لم يجب ويأتي المسجد ويصلي ‪ ،‬فل صلة له ‪ ،‬وقد عصى الله ورسوله ‪ ،‬قال‬
‫خرِ { الية رواه‬‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫م َ‬
‫نآ َ‬ ‫جد َ الل ّهِ َ‬
‫م ْ‬ ‫سا ِ‬
‫م َ‬‫مُر َ‬
‫ما ي َعْ ُ‬
‫الله تعالى ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫ابن مردويه‪.‬‬
‫وقد روي مرفوعا من وجه آخر ‪ ،‬وله شواهد من وجوه أخر ليس هذا موضع‬
‫بسطها‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬إن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬مسند البزار برقم )‪" (433‬كشف الستار" ورواه البيهقي في السنن‬
‫الكبرى )‪ (3/66‬من طريق هاشم بن القاسم عن صالح المري به ‪ ،‬وقال‬
‫الهيثمي في المجمع )‪" : (2/23‬فيه صالح المرى وهو ضعيف"‪.‬‬
‫)‪ (3‬لم أعثر عليه في الطراف لبن القيسراني‪.‬‬
‫)‪ (4‬وفيه منصور بن صقير ‪ ،‬قال أبو حاتم ‪ :‬ليس بالقوي‪ .‬وقال العقيلي ‪ :‬في‬
‫حديثه بعض الوهم ‪ ،‬ورواه ابن عدي في الكامل )‪ (4/61‬من طريق سعيد بن‬
‫أشعث عن صالح المري به نحوه ‪ ،‬ورواه البيهقي في شعب اليمان برقم )‬
‫‪ (9051‬من طريق عبدان عن معاذ بن خالد بن شقيق عن صالح المري به‬
‫نحوه ‪ ،‬وصالح المرى ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (5/232‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (2/23‬العلء بن زياد لم‬
‫يسمع من معاذ"‪.‬‬
‫)‪ (6‬ورواه البيهقي في شعب اليمان برقم )‪ (9052‬من طريق أحمد بن‬
‫منصور عن عبد الرزاق عن معمر عن رجل من قريش رفع الحديث ‪ ،‬فذكر‬
‫نحوه ‪ ،‬وهو معضل‪.‬‬

‫) ‪(4/120‬‬

‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل َ ِ‬ ‫حرام ك َم َ‬ ‫َ‬


‫خرِ‬ ‫م َ‬‫نآ َ‬ ‫جدِ ال ْ َ َ ِ َ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬‫ماَرةَ ال ْ َ‬ ‫ع َ‬
‫ج وَ ِ‬ ‫حا ّ‬‫ة ال ْ َ‬ ‫قاي َ َ‬ ‫س َ‬
‫م ِ‬ ‫جعَل ْت ُ ْ‬‫أ َ‬
‫ن )‪(19‬‬ ‫مي َ‬ ‫م ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫دي ال ْ َ‬
‫قو ْ َ‬ ‫ه َل ي َهْ ِ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ َوالل ّ ُ‬
‫ن ِ‬‫وو َ‬ ‫ست َ ُ‬‫ل الل ّهِ َل ي َ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫جاهَد َ ِفي َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ج ً‬
‫م د ََر َ‬‫م أعْظ ُ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م وَأن ْ ُ‬ ‫وال ِهِ ْ‬
‫م َ‬
‫ل اللهِ ب ِأ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫دوا ِفي َ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫جُروا وَ َ‬ ‫ها َ‬ ‫مُنوا وَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن )‪(20‬‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ُ‬
‫عن ْد َ الل ّهِ وَأول َئ ِ َ‬
‫فائ ُِزو َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫صلة َ { أي ‪ :‬التي هي أكبر عبادات البدن ‪َ } ،‬وآَتى‬ ‫م ال ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأَقا َ‬
‫كاةَ { أي ‪ :‬التي هي أفضل العمال المتعدية إلى بر الخلئق ‪ } ،‬وَل َ ْ‬
‫م‬ ‫الّز َ‬
‫ه { أي ‪ :‬ولم يخف إل من الله تعالى ‪ ،‬ولم يخش سواه ‪،‬‬ ‫ش ِإل الل ّ َ‬ ‫خ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن{‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫دي َ‬ ‫مهْت َ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي َكوُنوا ِ‬ ‫سى أولئ ِك أ ْ‬ ‫} فعَ َ‬
‫هّ‬
‫جد َ الل ِ‬ ‫سا ِ‬‫م َ‬‫مُر َ‬ ‫ما ي َعْ ُ‬ ‫قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫خرِ { يقول ‪ :‬من وحد الله ‪ ،‬وآمن باليوم الخر يقول ‪:‬‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫م َ‬‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫الخمس‬ ‫الصلوات‬ ‫‪:‬‬ ‫يعني‬ ‫{‬ ‫ة‬
‫ّ َ‬‫صل‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫الله‬ ‫أنزل‬ ‫بما‬ ‫آمن‬ ‫من‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك ] أَ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫ل‬‫أو‬ ‫سى‬ ‫َ َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫ثم‬ ‫‪-‬‬ ‫الله‬ ‫إل‬ ‫يعبد‬ ‫ه { يقول ‪ :‬لم‬ ‫ش ِإل الل ّ َ‬ ‫خ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن [ { )‪ (1‬يقول ‪ :‬إن أولئك هم المفلحون ‪ ،‬كقوله لنبيه‬ ‫دي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مهْت َ ِ‬ ‫م َ‬
‫كوُنوا ِ‬ ‫يَ ُ‬
‫موًدا { ]السراء ‪:‬‬ ‫ك َرب ّ َ‬
‫ن ي َب ْعَث َ َ‬ ‫َ‬
‫ح ُ‬‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫قا ً‬
‫م َ‬
‫ك َ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ } :‬عَ َ‬
‫‪ [79‬يقول ‪ :‬إن ربك سيبعثك مقاما محمودا وهي الشفاعة ‪ ،‬وكل "عسى"‬
‫في القرآن فهي واجبة‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق بن يسار ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬و"عسى" من الله حق‪.‬‬
‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫خ ِ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حَرام ِ ك َ َ‬ ‫جدِ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬‫م ْ‬ ‫ماَرةَ ال ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ج وَ ِ‬ ‫حا ّ‬‫ة ال ْ َ‬‫قاي َ َ‬‫س َ‬‫م ِ‬ ‫جعَل ْت ُ ْ‬‫}أ َ‬
‫ن )‪(19‬‬ ‫مي َ‬ ‫م ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫دي ال ْ َ‬
‫قو ْ َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ َوالل ّ ُ‬
‫ن ِ‬ ‫وو َ‬ ‫ست َ ُ‬ ‫ل الل ّهِ ل ي َ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫جاهَد َ ِفي َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬‫ج ً‬
‫م د ََر َ‬‫م أعْظ َ ُ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م وَأن ْ ُ‬ ‫وال ِهِ ْ‬‫م َ‬‫ل الل ّهِ ب ِأ ْ‬ ‫سِبي ِ‬‫دوا ِفي َ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫جُروا وَ َ‬ ‫ها َ‬ ‫مُنوا وَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن )‪{ (20‬‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ُ‬
‫عن ْد َ الل ّهِ وَأول َئ ِ َ‬
‫فائ ُِزو َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من د‪.‬‬

‫) ‪(4/121‬‬

‫ن‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫م )‪َ (21‬‬ ‫قي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫م ِفيَها ن َِعي ٌ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫وا ٍ‬ ‫ض َ‬ ‫ه وَرِ ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫مةٍ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ب َِر ْ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫شُرهُ ْ‬ ‫ي ُب َ ّ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫خ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ذوا آَباَءك ْ‬ ‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م )‪َ (22‬يا أي َّها ال ِ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫جٌر عَ ِ‬ ‫عن ْد َه ُ أ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫دا إ ِ ّ‬ ‫ِفيَها أب َ ً‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م فأولئ ِك هُ ُ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ي َت َوَلهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫لى ا ِ‬ ‫فَر عَ‬ ‫حّبوا الك ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م أوْل َِياَء إ ِ ِ‬ ‫وان َك ْ‬ ‫خ َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫م‬ ‫شيَرت ُك ْ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫جك ْ‬ ‫م وَأْزَوا ُ‬ ‫وان ُك ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫م وَأب َْناؤُك ْ‬ ‫ن آَباؤُك ْ‬ ‫ن كا َ‬ ‫ن )‪ (23‬قل إ ِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫الظال ِ ُ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫خ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ب إ ِلي ْك ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ضوْن ََها أ َ‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫ُ‬
‫الل ّه ورسوله وجهاد في سبيله فَتربصوا حتى يأ ْتي الل ّ َ‬
‫ساك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫ساد َ َ‬ ‫نك َ‬ ‫شو ْ َ‬ ‫جاَرة ٌ ت َ ْ‬ ‫ها وَت ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫وال اقت ََرفت ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫وَأ ْ‬
‫دي‬ ‫ه َل ي َهْ ِ‬ ‫مرِهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ه ب ِأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ّ َ ِ َ‬ ‫َ ِ ِ ِ ََ ّ ُ‬ ‫ِ ََ ُ ِ ِ َ ِ َ ٍ ِ‬
‫ن إ ِذ ْ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫ثي‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ط‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫في‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫(‬ ‫ن )‪24‬‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ َ ِ َ ِ ََ ٍ َ َ ْ َ ُ َ ْ ٍ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ْ َ َ َ ُ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫حب َ ْ‬ ‫ما َر ُ‬ ‫ض بِ َ‬ ‫م اْلْر ُ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫ضاقَ ْ‬ ‫شي ًْئا وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَن ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫م ت ُغْ‬ ‫م فَل َ ْ‬ ‫م ك َث َْرت ُك ُ ْ‬ ‫جب َت ْك ُ ْ‬ ‫أعْ َ‬
‫ل‬ ‫ن وَأ َن َْز َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫سول ِهِ وَعََلى ال ْ ُ‬ ‫ه عََلى َر ُ‬ ‫كين َت َ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫م أ َن َْز َ‬ ‫ن )‪ (25‬ث ُ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫مد ْب ِ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫وَل ّي ْت ُ ْ‬
‫هّ‬
‫ب الل ُ‬ ‫م ي َُتو ُ‬ ‫ن )‪ (26‬ث ُ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫جَزاُء ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ك َ‬ ‫فُروا وَذ َل ِ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫ها وَعَذ ّ َ‬ ‫م ت ََروْ َ‬ ‫جُنوًدا ل ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا إ ِن َّ‬ ‫َ َ‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫يا‬ ‫َ‬ ‫(‬ ‫‪27‬‬ ‫)‬ ‫م‬‫ٌ‬ ‫حي‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ٌ َ‬ ‫ر‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫غ‬ ‫ه‬ ‫َ ُ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ذ‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ن‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ةَ‬
‫م عَي ْل ً‬ ‫فت ُ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذا وَإ ِ ْ‬ ‫م هَ َ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫عا ِ‬ ‫م ب َعْد َ َ‬ ‫حَرا َ‬ ‫جد َ ال َ‬‫ْ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قَرُبوا ال َ‬ ‫ْ‬ ‫س فَل ي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫شرِكو َ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ُ‬ ‫ْ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫م )‪َ (28‬قات ِلوا ال ِ‬ ‫ُ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ّ‬ ‫شاَء إ ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ضل ِهِ إ ِ ْ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ف ي ُغِْنيك ُ‬ ‫ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫فَ َ‬
‫ن‬ ‫ديُنو َ‬ ‫ه وَل ي َ ِ‬ ‫َ‬ ‫سول ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫حّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫حّر ُ‬ ‫خرِ وَل ي ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن ِباللهِ وَل ِبالي َوْم ِ ال ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫َل ي ُؤْ ِ‬
‫ُ‬
‫ن)‬ ‫صاِغُرو َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي َد ٍ وَهُ ْ‬ ‫ة عَ ْ‬ ‫جْزي َ َ‬ ‫طوا ال ْ ِ‬ ‫حّتى ي ُعْ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ِدي َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ن اللهِ ذ َل ِك قَوْلهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ح اب ْ ُ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫صاَرى ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ت الن ّ َ‬ ‫ن اللهِ وََقال ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ت الي َُهود ُ عَُزي ٌْر اب ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫‪ (29‬وََقال ِ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(30‬‬ ‫ه أّنى ي ُؤْفكو َ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ل قات َلهُ ُ‬ ‫ن قب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫ن قوْ َ‬ ‫ضاهِئو َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫ب ِأفْ َ‬
‫مُروا إ ِّل‬ ‫ُ‬ ‫ذوا أ َحبارهُم ورهْبانه َ‬
‫ما أ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح اب ْ َ‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن الل ّهِ َوال ْ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م أْرَباًبا ِ‬ ‫ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ات ّ َ‬
‫فئوا‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ي ُط ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ن )‪ (31‬ي ُ ِ‬ ‫ما ي ُشرِكو َ‬ ‫ه عَ ّ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ه إ ِل هُوَ ُ‬ ‫دا ل إ ِل َ‬ ‫ح ً‬ ‫دوا إ ِلًها َوا ِ‬ ‫ل ِي َعْب ُ ُ‬
‫ذي‬ ‫ن )‪ (32‬هُوَ ال ِّ‬ ‫رو‬ ‫ف‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫نو‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫بى‬ ‫واههم ويأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫نور الل ّه بأ َ‬
‫ِ ُ َ‬ ‫ْ ُِ ّ ُ َ ُ َ ْ ِ َ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ ِ َ ِ ِ ْ ََ َ‬ ‫ُ َ‬
‫ن‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫دي‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ظ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫دي‬ ‫و‬ ‫دى‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫س‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ِْ َ ْ َ ِ َ ُ ِ‬ ‫ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ ُِ ِ َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ ُ ُ ِ ُ َ‬ ‫أْر َ‬
‫َ‬
‫س‬
‫ل الّنا ِ‬ ‫وا َ‬ ‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن ل َي َأك ُُلو َ‬ ‫حَبارِ َوالّرهَْبا ِ‬ ‫ن اْل َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك َِثيًرا ِ‬ ‫مُنوا إ ِ ّ‬ ‫نآ َ‬
‫ذي َ‬
‫)‪َ (33‬يا أي َّها ال ّ ِ َ‬
‫قون ََها‬ ‫ة وََل ي ُن ْفِ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ف ّ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫ن الذ ّهَ َ‬ ‫ن ي َك ْن ُِزو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل الل ّهِ َوال ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ل وَي َ ُ‬ ‫ِبال َْباط ِ ِ‬
‫َ‬
‫م‬‫جهَن ّ َ‬ ‫مى عَل َي َْها ِفي َنارِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ب أِليم ٍ )‪ (34‬ي َوْ َ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫م ب ِعَ َ‬ ‫شْرهُ ْ‬ ‫ل الل ّهِ فَب َ ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ِفي َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ذوُقوا َ‬ ‫م فَ ُ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ِلن ْ ُ‬ ‫ما ك َن َْزت ُ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫م هَ َ‬ ‫م وَظُهوُرهُ ْ‬ ‫جُنوب ُهُ ْ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫جَباهُهُ ْ‬ ‫وى ب َِها ِ‬ ‫فَت ُك ْ َ‬
‫م‬ ‫ب اللهِ ي َوْ َ‬ ‫ّ‬ ‫شهًْرا ِفي ك َِتا ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫عن ْد َ اللهِ اث َْنا عَ َ‬ ‫ّ‬ ‫شُهورِ ِ‬ ‫عد ّةَ ال ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن )‪ (35‬إ ِ ّ‬ ‫ت َك ْن ُِزو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫موا ِفيهِ ّ‬ ‫م فََل ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫قي ّ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫دي ُ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬ ‫حُر ٌ‬ ‫ة ُ‬ ‫من َْها أْرب َعَ ٌ‬ ‫ض ِ‬ ‫ت َواْلْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م كافّ ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن كافّ ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫ة َواعْل ُ‬ ‫قات ِلون َك ْ‬ ‫ما ي ُ َ‬ ‫ةك َ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م وََقات ِلوا ال ُ‬ ‫سك ْ‬ ‫ف َ‬
‫ما‬ ‫عا ً‬ ‫ه َ‬ ‫حّلون َ ُ‬ ‫فُروا ي ُ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ب ِهِ ال ّ ِ‬ ‫ض ّ‬ ‫فرِ ي ُ َ‬ ‫سيُء زَِياد َة ٌ ِفي ال ْك ُ ْ‬ ‫ما الن ّ ِ‬ ‫ن )‪ (36‬إ ِن ّ َ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫سوُء‬ ‫م ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫ه ُزي ّ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫حّلوا َ‬ ‫ه فَي ُ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫عد ّة َ َ‬ ‫واط ُِئوا ِ‬ ‫ما ل ِي ُ َ‬ ‫عا ً‬ ‫ه َ‬ ‫مون َ ُ‬ ‫حّر ُ‬ ‫وَي ُ َ‬
‫م إ َِذا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ما لك ْ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪َ (37‬يا أي َّها ال ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫م الكافِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫دي ال َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫م َوالل ُ‬ ‫مال ِهِ ْ‬ ‫أعْ َ‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا ِ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫ضيت ُ ْ‬ ‫ض أَر ِ‬ ‫م إ ِلى الْر ِ‬
‫ل الل ّهِ اّثاقَل ْت ُ ْ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫فُروا ِفي َ‬ ‫م ان ْ ِ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫ِقي َ‬
‫م‬ ‫فُروا ي ُعَذ ّب ْك ُ ْ‬ ‫ل )‪ (38‬إ ِّل ت َن ْ ِ‬ ‫خَرةِ إ ِّل قَِلي ٌ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا ِفي اْل َ ِ‬ ‫مَتاعُ ال ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫خَرةِ فَ َ‬ ‫اْل َ ِ‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ديٌر )‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫شي ًْئا َوالل ّ ُ‬ ‫ضّروهُ َ‬ ‫م وََل ت َ ُ‬ ‫ما غَي َْرك ُ ْ‬ ‫ل قَوْ ً‬ ‫ست َب ْدِ ْ‬ ‫ما وَي َ ْ‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫عَ َ‬
‫ما ِفي‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن إ ِذ هُ َ‬ ‫ي اثن َي ْ‬ ‫فُروا ثان ِ َ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ َ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫خَر َ‬ ‫ه إ ِذ أ ْ‬ ‫صَرهُ الل ُ‬ ‫قد ْ ن َ َ‬ ‫صُروه ُ ف َ‬ ‫‪ (39‬إ ِل ت َن ْ ُ‬
‫ه‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ل الل ّه سكينته عَِل َيه وأ َ‬ ‫َ‬ ‫ز‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫نا‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ال َْغارِ إ ِذ ْ ي َ ُ‬
‫ْ ِ َ ّ َ ُ‬ ‫ُ َ ِ ََ ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ ْ َ ْ ِ ّ‬ ‫قو ِ َ ِ ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ب‬ ‫ح‬ ‫صا‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫ي ال ْعُل َْيا َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ة الل ّهِ هِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫فَلى وَك َل ِ َ‬ ‫س ْ‬ ‫فُروا ال ّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ك َل ِ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫م ت ََروْ َ‬ ‫جُنود ٍ ل َ ْ‬ ‫بِ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م وَأن ْ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫قاًل وَ َ‬ ‫فاًفا وَث ِ َ‬ ‫خ َ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫م )‪ (40‬ان ْ ِ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫عَ ِ‬
‫دا‬‫ص ً‬ ‫فًرا َقا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ريًبا وَ َ‬ ‫ضا قَ ِ‬ ‫ن عََر ً‬ ‫كا َ‬ ‫ن )‪ (41‬لوْ َ‬ ‫َ‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل ُ‬ ‫َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫خي ٌْر لك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫الل ّهِ ذ َل ِك ُ ْ‬
‫معَك ُ ْ‬
‫م‬ ‫جَنا َ‬ ‫خَر ْ‬ ‫ست َط َعَْنا ل َ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ ل َوِ ا ْ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ش ّ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ُ‬ ‫ن ب َعُد َ ْ‬ ‫ك وَل َك ِ ْ‬ ‫َلت ّب َُعو َ‬
‫ك لِ َ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬
‫م‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫م أذِن ْ َ‬ ‫ه عَن ْ َ َ‬ ‫فا الل ّ ُ‬ ‫ن )‪ (42‬عَ َ‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫م لَ َ‬ ‫م إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫كو َ‬ ‫ي ُهْل ِ ُ‬
‫ّ‬ ‫ست َأذِن ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫نل َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ِ‬ ‫ن )‪ (43‬ل ي َ ْ‬ ‫م الكاذِِبي َ‬ ‫صد َُقوا وَت َعْل َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ِ‬ ‫حّتى ي َت َب َي ّ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(44‬‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫م ِبال ُ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م َوالل ُ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م وَأن ْ ُ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫خرِ أ ْ‬ ‫ِباللهِ َوالي َوْم ِ ال ِ‬
‫م ِفي‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫ت قُلوب ُهُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫خرِ َواْرَتاب َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن ِباللهِ َوالي َوْم ِ ال ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ست َأ ْذِن ُ َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن كرِهَ الل ُ‬ ‫ه عُد ّة ً وَلك ِ ْ‬ ‫دوا ل ُ‬ ‫ج لعَ ّ‬ ‫خُرو َ‬ ‫ن )‪ (45‬وَلوْ أَراُدوا ال ُ‬ ‫م ي َت ََرد ُّدو َ‬ ‫َري ْب ِهِ ْ‬
‫م‬‫ما َزاُدوك ْ‬ ‫ُ‬ ‫م َ‬ ‫جوا ِفيك ْ‬ ‫ُ‬ ‫خَر ُ‬ ‫ن )‪ (46‬لوْ َ‬ ‫َ‬ ‫دي َ‬ ‫ع ِ‬ ‫قا ِ‬ ‫معَ ال َ‬ ‫ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫ل اقعُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫م وَِقي َ‬ ‫م فث َب ّطهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ان ْب َِعاث َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫خَباًل وَلوْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إ ِّل َ‬
‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م َوالل ُ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ة وَِفيك ْ‬ ‫فت ْن َ َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫م ي َب ُْغون َك ُ‬ ‫خللك ْ‬ ‫ضُعوا ِ‬
‫جاَء ال ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫حّتى َ‬ ‫موَر َ‬ ‫ك اْل ُ‬ ‫ل وَقَل ُّبوا ل َ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫فت ْن َ َ‬ ‫وا ال ْ ِ‬ ‫قدِ اب ْت َغَ ُ‬ ‫ن )‪ (47‬ل َ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ِبال ّ‬
‫فت ِّني أَل ِفي‬ ‫َ‬ ‫ن ِلي وََل ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫ل ائ ْذ َ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن )‪ (48‬وَ ِ‬ ‫هو َ‬ ‫كارِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مُر الل ّهِ وَهُ ْ‬ ‫وَظ َهََر أ ْ‬
‫م‬‫سؤْهُ ْ‬ ‫ة تَ ُ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ك َ‬ ‫صب ْ َ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫ن )‪ (49‬إ ِ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ة ِبال ْ َ‬ ‫حيط َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫طوا وَإ ِ ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫س َ‬ ‫فت ْن َةِ َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(50‬‬ ‫حو َ‬ ‫م فَرِ ُ‬ ‫وا وَهُ ْ‬ ‫ل وَي َت َوَل ّ ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مَرَنا ِ‬ ‫خذ َْنا أ ْ‬ ‫قوُلوا قَد ْ أ َ‬ ‫ة يَ ُ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ك ُ‬ ‫صب ْ َ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫ن)‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫موَْلَنا وَعََلى الل ّهِ فَل ْي َت َوَك ّ ِ‬ ‫ه ل ََنا هُوَ َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ما ك َت َ َ‬ ‫صيب ََنا إ ِّل َ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ل لَ ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫م‬‫صيب َك ُ ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ص ب ِك ُ ْ‬ ‫ن ن َت ََرب ّ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن وَن َ ْ‬ ‫سن َي َي ْ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫دى ال ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ب َِنا إ ِل إ ِ ْ‬ ‫صو َ‬ ‫ل ت ََرب ّ ُ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫‪ (51‬قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قوا‬ ‫ل أن ْفِ ُ‬ ‫ن )‪ (52‬قُ ْ‬ ‫صو َ‬ ‫مت ََرب ّ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫صوا إ ِّنا َ‬ ‫ديَنا فَت ََرب ّ ُ‬ ‫عن ْدِهِ أوْ ب ِأي ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ه ب ِعَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ل منك ُم إنك ُم ك ُنتم قَوما َفاسقين )‪ (53‬وما منعه َ‬ ‫عا أ َوْ ك َْر ً‬
‫ن‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ َ َ ََ ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫ِ ِ َ‬ ‫قب ّ َ ِ ْ ْ ِ ّ ْ ْ ُ ْ ْ ً‬ ‫ن ي ُت َ َ‬ ‫ها ل َ ْ‬ ‫ط َوْ ً‬
‫َ‬
‫م‬ ‫صَلة َ إ ِّل وَهُ ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫سول ِهِ وََل ي َأُتو َ‬ ‫فُروا ِبالل ّهِ وَب َِر ُ‬ ‫م كَ َ‬ ‫م إ ِّل أن ّهُ ْ‬ ‫قات ُهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫م نَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫قب َ َ‬ ‫تُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫م إ ِن ّ َ‬ ‫م وَل أوْلد ُهُ ْ‬ ‫والهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫جب ْك أ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن )‪ (54‬فَل ت ُعْ ِ‬ ‫هو َ‬ ‫م كارِ ُ‬ ‫ن إ ِل وَهُ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫سالى وَل ي ُن ْفِ ُ‬ ‫كُ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(55‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م َ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَت َْزهَقَ أن ْ ُ‬ ‫م ب َِها ِفي ال ْ َ‬ ‫ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ريد ُ الل ّ ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫ن‬
‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن )‪ (56‬لوْ ي َ ِ‬ ‫َ‬ ‫فَرقو َ‬ ‫ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م قوْ ٌ‬ ‫َ‬ ‫م وَلك ِن ّهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫ُ‬ ‫مل ِ‬ ‫َ‬ ‫ن ِباللهِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫ن ي َل ِْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫مُزكَ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن )‪ (57‬وَ ِ‬ ‫حو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫وا إ ِلي ْهِ وَهُ ْ‬ ‫خل لوَل ْ‬ ‫مد ّ َ‬ ‫ت أوْ ُ‬ ‫مَغاَرا ٍ‬ ‫جأ أوْ َ‬ ‫مل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫خطو َ‬ ‫س َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫من َْها إ َِذا هُ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫م ي ُعْط ْ‬ ‫نل ْ‬ ‫ضوا وَإ ِ ْ‬ ‫من َْها َر ُ‬ ‫ن أعْطوا ِ‬ ‫ت فإ ِ ْ‬ ‫صد َقا ِ‬ ‫ِفي ال ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ُ ِ ْ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫نا‬ ‫ُ َ ُ ِ َ‬ ‫تي‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫نا‬ ‫َ ْ َُ‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫لوا‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫و‬
‫ُ ََ ُ ُ َ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫َ َ ُ ُ‬ ‫ه‬ ‫تا‬ ‫آ‬ ‫ما‬ ‫ضوا‬ ‫‪ (58‬وَل َ ْ ّ ُ ْ َ ُ‬‫ر‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫و‬
‫ن‬ ‫كي ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫قَراِء َوال ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬ ‫صد ََقا ُ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫ن )‪ (59‬إ ِن ّ َ‬ ‫ه إ ِّنا إ َِلى الل ّهِ َراِغُبو َ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ضل ِهِ وََر ُ‬ ‫فَ ْ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن وَِفي َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب َوال َْغارِ ِ‬ ‫م وَِفي الّرَقا ِ‬ ‫فةِ قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫مؤَل ّ َ‬ ‫ن عَل َي َْها َوال ْ ُ‬ ‫مِلي َ‬ ‫َوال َْعا ِ‬
‫ن‬‫ن ي ُؤُْذو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫من ْهُ ُ‬ ‫م )‪ (60‬وَ ِ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ض ً‬ ‫ري َ‬ ‫ل فَ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫َواب ْ ِ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ة‬‫م ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ن وََر ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ل ِل ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ِباللهِ وَي ُؤْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫م ي ُؤْ ِ‬ ‫خي ْرٍ لك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ل أذ ُ ُ‬ ‫ن قُ ْ‬ ‫ن هُوَ أذ ُ ٌ‬ ‫قولو َ‬ ‫ي وَي َ ُ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫م )‪ (61‬ي َ ْ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ل اللهِ لهُ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ن ي ُؤُْذو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َوال ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫بالل ّه ل َك ُم ل ِيرضوك ُم والل ّه ورسول ُ َ‬
‫ن )‪ (62‬أل َ ْ‬
‫م‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫كاُنوا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ضوه ُ إ ِ ْ‬ ‫ن ي ُْر ُ‬ ‫حق ّ أ ْ‬ ‫هأ َ‬ ‫ْ َ ُ ََ ُ ُ‬ ‫ْ ُْ ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫خْز ُ‬ ‫دا ِفيَها ذ َل ِك ال ِ‬ ‫َ‬ ‫خال ِ ً‬ ‫م َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ه َناَر َ‬ ‫نل ُ‬ ‫ه فَأ ّ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫حادِدِ الل َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫موا أن ّ ُ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫َ‬
‫م‬‫ما ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫سوَرة ٌ ت ُن َب ّئ ُهُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ن ت ُن َّز َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫حذ َُر ال ْ ُ‬ ‫م )‪ (63‬ي َ ْ‬ ‫ظي ُ‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫َ‬
‫ما ك ُّنا‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫قول ُ ّ‬ ‫م ل َي َ ُ‬ ‫سأل ْت َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن )‪ (64‬وَل َئ ِ ْ‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫خرِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ست َهْزُِئوا إ ِ ّ‬ ‫لا ْ‬ ‫قُ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪ (65‬ل ت َعْت َذُِروا قَد ْ‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫سول ِهِ كن ْت ُ ْ‬ ‫ل أِباللهِ وَآَيات ِهِ وََر ُ‬ ‫ب قُ ْ‬ ‫ض وَن َلعَ ُ‬ ‫خو ُ‬ ‫نَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫كَ َ‬
‫م كاُنوا‬ ‫ة ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ف ً‬ ‫ب طائ ِ َ‬ ‫م ن ُعَذ ّ ْ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫فةٍ ِ‬ ‫ن طائ ِ َ‬ ‫ف عَ ْ‬ ‫ن ن َعْ ُ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫مان ِك ْ‬ ‫م ب َعْد َ ِإي َ‬ ‫فْرت ُ ْ‬
‫ْ‬
‫من ْك َ ِ‬
‫ر‬ ‫ن ِبال ْ ُ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ض ي َأ ُ‬ ‫ن ب َعْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ت ب َعْ ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫مَنافِ َ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫ن )‪ (66‬ال ْ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن هُ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫سي َهُ ْ‬ ‫ه فن َ ِ‬ ‫سوا الل َ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫ن أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫ضو َ‬ ‫قب ِ ُ‬ ‫ف وَي َ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫وَي َن ْهَوْ َ‬
‫ن‬ ‫دي‬
‫َ َ َ َ َ ّ َ َ ِ ِ َ‬ ‫ل‬ ‫خا‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫نا‬ ‫ر‬ ‫فا‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ِ َ‬ ‫ت‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫نا‬
‫ُ ُ َ ِ ِ َ َ ُ َ ِ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫قي‬ ‫ف‬ ‫نا‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ َ َ‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪67‬‬ ‫)‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫س‬
‫فا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫كاُنوا‬ ‫م َ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬ ‫م )‪َ (68‬‬ ‫قي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ه وَل َهُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫م وَل َعَن َهُ ُ‬ ‫سب ُهُ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ِفيَها هِ َ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أَ َ‬
‫خلقِك ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫مت َعْت ُ ْ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م فا ْ‬ ‫خلقِهِ ْ‬ ‫مت َُعوا ب ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وال وَأوْلًدا فا ْ‬ ‫م َ‬ ‫م قوّة ً وَأكثَر أ ْ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫شد ّ ِ‬
‫ت‬ ‫حب ِط َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ضوا ُأول َئ ِ َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ضت ُ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫خَلقِهِ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫مت َعَ ال ّ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫كَ َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫م ن َب َأ ال ّ ِ‬ ‫م ي َأت ِهِ ْ‬ ‫ن )‪ (69‬أل َ ْ‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫خَرةِ وَأول َئ ِ َ‬ ‫م ِفي الد ّن َْيا َواْل ِ‬ ‫مال ُهُ ْ‬ ‫أعْ َ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫كا ِ‬ ‫ف َ‬ ‫مؤْت َ ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مد ْي َ َ‬ ‫ب َ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫مود َ وَقَوْم ِ إ ِب َْرا ِ‬ ‫عاد ٍ وَث َ ُ‬ ‫م قَوْم ِ ُنوٍح وَ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن)‬ ‫مو‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ظ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫نوا‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ظ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ ُ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ْ َ ِ ْْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَُْ ْ ُ ُ ُ ْ ِ ََّ ِ‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫‪ (70‬وال ْمؤْمنون وال ْمؤْمنات بعضه َ‬
‫ن‬ ‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ض ي َأ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫م أوْل َِياُء ب َعْ‬ ‫َ ُ ِ ُ َ َ ُ ِ َ ُ َْ ُ ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ك‬ ‫ه أولئ ِ َ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫كاةَ وَي ُ ِ‬ ‫ن الّز َ‬ ‫صَلة َ وَي ُؤُْتو َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مو َ‬ ‫قي ُ‬ ‫من ْك َرِ وَي ُ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫عَ ِ‬
‫ت‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ت َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن َوال ُ‬ ‫ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫م )‪ (71‬وَعَد َ الل ُ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫سي َْر َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫وا ٌ‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫نا‬ ‫ج‬ ‫في‬ ‫ة‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫سا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫دي‬ ‫ل‬ ‫خا‬ ‫ر‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ها‬ ‫ت‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ري‬
‫ٍ َ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫تَ ِ‬ ‫ج‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫فاَر َوال ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫جاهِدِ الك ّ‬ ‫ْ‬ ‫ي َ‬ ‫م )‪َ (72‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬ ‫ظي ُ‬ ‫فوُْز العَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن اللهِ أكب َُر ذ َل ِك هُوَ ال َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫قد ْ‬ ‫ما َقالوا وَل َ‬ ‫ن ِباللهِ َ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫صيُر )‪ (73‬ي َ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫س ال َ‬ ‫م وَب ِئ ْ َ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مأَواهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫َواغْلظ عَلي ْهِ ْ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ة ال ْك ْ‬
‫ن‬ ‫موا إ ِل أ ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫م ي ََنالوا وَ َ‬ ‫ما ل ْ‬ ‫موا ب ِ َ‬ ‫م وَهَ ّ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫سل ِ‬ ‫فُروا ب َعْد َ إ ِ ْ‬ ‫فرِ وَك َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫م َ‬ ‫َقاُلوا ك َل ِ َ‬
‫َ‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫وا ي ُعَذ ّب ْهُ ُ‬ ‫ن ي َت َوَل ّ ْ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫خي ًْرا ل َهُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ي َُتوُبوا ي َ ُ‬ ‫ضل ِهِ فَإ ِ ْ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫أغَْناهُ ُ‬
‫َْ‬ ‫ما ِفي الد ّن َْيا َواْل َ ِ‬ ‫َ‬
‫صيرٍ )‪(74‬‬ ‫ي وََل ن َ ِ‬ ‫ن وَل ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬ ‫خَرةِ وَ َ‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫عَ َ‬
‫ن)‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ن ال َ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن وَلن َكون َ ّ‬ ‫صد ّق ّ‬ ‫ضل ِهِ لن َ ّ‬ ‫نف ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن آَتاَنا ِ‬ ‫ه لئ ِ ْ‬ ‫عاهَد َ الل َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫فاًقا‬ ‫م نِ َ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ع‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬ ‫‪76‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫ضو‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫وا‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫خ‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ض‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫تا‬ ‫َ‬ ‫آ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬ ‫‪75‬‬
‫ْ َُ ْ‬ ‫ِ ِ ََ َ ْ َ ُ ْ ُ ْ ِ ُ َ‬ ‫ْ ِ ِ َ ِ‬ ‫ّ َ ُ ْ ِ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫قونه بما أ َ‬
‫ن )‪(77‬‬ ‫ُ َ ُِ َ‬ ‫بو‬ ‫ذ‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫نوا‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫َ َ َ ُ ُ َِ َ‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫دو‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫فوا‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ْ‬ ‫م إ َِلى ي َوْ ِ َ ْ َ ُ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ب )‪ (78‬ال ّ ِ‬ ‫م ال ْغُُيو ِ‬ ‫ه عَّل ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م وَأ ّ‬ ‫واهُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫م وَن َ ْ‬ ‫سّرهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬ ‫أل َ ْ‬
‫م‬‫جهْد َهُ ْ‬ ‫ن إ ِّل ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن َل ي َ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت َوال ّ ِ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫عي َ‬ ‫مط ّوّ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مُزو َ‬ ‫ي َل ْ ِ‬
‫م أ َوْ لَ‬ ‫فْر لهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م )‪ (79‬ا ْ‬ ‫ب أِلي ٌ‬
‫َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫م وَلهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ّ‬
‫خَر الل ُ‬ ‫س ِ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫خُرو َ‬ ‫س َ‬ ‫فَي َ ْ‬
‫م كَ َ‬ ‫َ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فُروا‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ه لهُ ْ‬ ‫فَر الل ُ‬ ‫ن ي َغْ ِ‬ ‫مّرةً فَل ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سب ِْعي َ‬ ‫م َ‬ ‫فْر لهُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫فْر لهُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫م‬‫قعَدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫فو َ‬ ‫خل ُ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫ح ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن )‪ (80‬فَرِ َ‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫ْ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫دي ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫َ‬ ‫سول ِهِ َوالل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ِباللهِ وََر ُ‬ ‫ّ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م وَأن ْ ُ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫هوا أ ْ‬ ‫ل اللهِ وَكرِ ُ‬ ‫َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ف َر ُ‬ ‫خَل َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حّر قُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(81‬‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬ ‫حّرا لوْ كاُنوا ي َ ْ‬ ‫شد ّ َ‬ ‫مأ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ل َناُر َ‬ ‫فُروا ِفي ال َ‬ ‫وََقالوا ل ت َن ْ ِ‬
‫هّ‬
‫جعَك الل ُ‬ ‫َ‬ ‫ن َر َ‬ ‫ن )‪ (82‬فَإ ِ ْ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ما كاُنوا ي َك ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫جَزاًء ب ِ َ‬ ‫كوا قَِليل وَلي َب ْكوا كِثيًرا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ح ُ‬ ‫ض َ‬ ‫فَل ْي َ ْ‬
‫قات ُِلوا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن تُ َ‬ ‫دا وَل َ ْ‬ ‫ي أب َ ً‬ ‫معِ َ‬ ‫جوا َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ل لَ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫خُروِج فَ ُ‬ ‫ك ل ِل ْ ُ‬ ‫ست َأذ َُنو َ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫فةٍ ِ‬ ‫طائ ِ َ‬ ‫إ َِلى َ‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫ص ّ‬ ‫ن )‪ (83‬وََل ت ُ َ‬ ‫في َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫معَ ال ْ َ‬ ‫دوا َ‬ ‫مّرةٍ َفاقْعُ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫قُعودِ أوّ َ‬ ‫م ِبال ْ ُ‬ ‫ضيت ُ ْ‬ ‫م َر ِ‬ ‫ي عَد ُّوا إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫معِ َ‬ ‫َ‬
‫ماُتوا‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سول ِهِ وَ َ‬ ‫فُروا ِباللهِ وََر ُ‬ ‫مك َ‬ ‫م عَلى قب ْرهِ إن ّهُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫دا وَل ت َ ُ‬ ‫ت أب َ ً‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫حد ٍ ِ‬ ‫عَلى أ َ‬
‫ك أ َموال ُهم وأِ َوَل ِدهُم إنما يريد الل ّه أ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ب َِها‬ ‫ُ ْ َُ َُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ْ َ ُ ْ َ ْ ُ ْ ِّ َ ُ ِ ُ‬ ‫ب‬
‫َ ُْ ِ ْ‬ ‫ج‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪84‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫س‬‫م َفا ِ‬ ‫وَهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫نآ ِ‬ ‫سوَرة ٌ أ ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ن )‪ (85‬وَإ َِذا أن ْزِل َ ْ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م َ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ِفي الد ّن َْيا وَت َْزهَقَ أن ْ ُ‬
‫معَ ال ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ن)‬ ‫دي َ‬ ‫ع ِ‬ ‫قا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م وََقاُلوا ذ َْرَنا ن َك ُ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ك أوُلو الط ّوْ ِ‬ ‫ست َأذ َن َ َ‬ ‫سول ِهِ ا ْ‬ ‫معَ َر ُ‬
‫َ‬
‫دوا َ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(87‬‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬ ‫م َل ي َ ْ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫ف وَط ُب ِعَ عََلى قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫وال ِ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫معَ ال ْ َ‬ ‫كوُنوا َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ضوا ب ِأ ْ‬ ‫‪َ (86‬ر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م‬ ‫ك لهُ ُ‬ ‫م وَأولئ ِ َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م وَأن ْ ُ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل َوال ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل َك ِ‬
‫َ‬ ‫ت وَُأول َئ ِ َ‬
‫حت َِها‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ه ل َهُ ْ‬ ‫ن )‪ (88‬أعَد ّ الل ّ ُ‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫خي َْرا ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫اْل َن َْهاُر َ‬
‫ب‬‫ن اْلعَْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫معَذ ُّرو َ‬ ‫جاَء ال ْ ُ‬ ‫م )‪ (89‬وَ َ‬ ‫ظي ُ‬ ‫فوُْز ال ْعَ ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ن ِفيَها ذ َل ِ َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬
‫ب‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫صي ُ‬ ‫سي ُ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن ك َذ َُبوا الل ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م وَقَعَد َ ال ّ ِ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫ل ِي ُؤْذ َ َ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن ل يَ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ضى وَل عَلى ال ِ‬ ‫مْر َ‬ ‫فاِء وَل عَلى ال َ‬ ‫ضعَ َ‬ ‫س عَلى ال ّ‬ ‫م )‪ (90‬لي ْ َ‬ ‫أِلي ٌ‬
‫فوٌر‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ل َوالل ّ ُ‬ ‫سِبي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما عََلى ال ْ ُ‬ ‫سول ِهِ َ‬ ‫حوا ل ِل ّهِ وََر ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫ج إ َِذا ن َ َ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫قو َ‬ ‫ي ُن ْفِ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫م عَلي ْ ِ‬ ‫مل ك ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫جد ُ َ‬ ‫تلأ ِ‬ ‫م قُل َ‬ ‫ملهُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ما أت َوْك ل ِت َ ْ‬ ‫ن إ َِذا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م )‪ (91‬وَل عَلى ال ِ‬ ‫حي ٌ‬ ‫َر ِ‬
‫ل‬ ‫سِبي ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ما ال ّ‬ ‫ن )‪ (92‬إ ِن ّ َ‬ ‫قو َ‬ ‫ما ي ُن ْفِ ُ‬ ‫دوا َ‬ ‫ج ُ‬ ‫حَزًنا أل ي َ ِ‬ ‫مِع َ‬ ‫ن الد ّ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ض ِ‬ ‫في ُ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫وا وَأعْي ُن ُهُ ْ‬ ‫ت َوَل ْ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ف وَطب َعَ الل ُ‬ ‫وال ِ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫معَ ال َ‬ ‫ن ي َكوُنوا َ‬ ‫ُ‬ ‫ضوا ب ِأ ْ‬ ‫م أغن َِياُء َر ُ‬ ‫ْ‬ ‫ست َأذُِنون َك وَهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫عََلى ال ِ‬ ‫ّ‬
‫ل َل‬ ‫م قُ ْ‬ ‫م إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫جعْت ُ ْ‬ ‫م إ َِذا َر َ‬ ‫ن إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫ن )‪ (93‬ي َعْت َذُِرو َ‬ ‫مو َ‬ ‫م َل ي َعْل َ ُ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫عََلى قُُلوب ِهِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سول ُ ُ‬
‫ه‬ ‫م وََر ُ‬ ‫مل َك ُ ْ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫سي ََرى الل ّ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫خَبارِك ُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م قَد ْ ن َب ّأَنا الل ّ ُ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ن ُؤْ ِ‬ ‫ت َعْت َذُِروا ل َ ْ‬
‫ن )‪(94‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫شَهاد َةِ فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫عال ِم ِ ال ْغَي ْ ِ‬ ‫ن إ َِلى َ‬ ‫م ت َُرّدو َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م إ َِذا ان ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ضوا عَن ْهُ ْ‬ ‫م فأعْرِ ُ‬ ‫ضوا عَن ْهُ ْ‬ ‫م ل ِت ُعْرِ ُ‬ ‫م إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫قلب ْت ُ ْ‬ ‫ن ِباللهِ لك ْ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫َ‬
‫وا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ض ْ‬ ‫م ل ِت َْر َ‬ ‫ن لك ْ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫ن )‪ (95‬ي َ ْ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ما كاُنوا ي َك ِ‬ ‫جَزاًء ب ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مأَواهُ ْ‬ ‫س وَ َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫رِ ْ‬
‫ب‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫را‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ا‬ ‫(‬ ‫‪96‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫قي‬ ‫س‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ضى‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫عَن ْ ُ ْ ِ ْ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ ِ ّ‬
‫إ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫وا‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ِ ِ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ََ ِ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ه عَِلي ٌ‬ ‫سول ِهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ه عََلى َر ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أن َْز َ‬ ‫دود َ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫موا ُ‬ ‫جد َُر أّل ي َعْل َ ُ‬ ‫فاًقا وَأ ْ‬ ‫فًرا وَن ِ َ‬ ‫شد ّ ك ُ ْ‬ ‫أَ َ‬
‫َ‬
‫م الد َّوائ َِر‬ ‫ص ب ِك ُ ُ‬ ‫ما وَي َت ََرب ّ ُ‬ ‫مغَْر ً‬ ‫فق ُ َ‬ ‫ما ي ُن ْ ِ‬ ‫خذ ُ َ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ن اْلعَْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م )‪ (97‬وَ ِ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫هّ‬
‫ن ِبالل ِ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫ي‬
‫َ ِ َ ْ ُ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫را‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪98‬‬ ‫)‬ ‫م‬ ‫لي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ع‬
‫ّ ْ َ ُ َ ٌ‬ ‫مي‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫دا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ِْ ْ َ َ‬
‫ل أ ََل إ ِن َّها قُْرب َ ٌ‬
‫ة‬ ‫ّ ُ ِ‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫وا‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ٍ‬ ‫با‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ق‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َوال ْي َوْم ِ اْل ِ َ‬
‫و‬ ‫ر‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ن اْل َوُّلو َ‬
‫ن‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫م )‪َ (99‬وال ّ‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مت ِهِ إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ه ِفي َر ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫خل ُهُ ُ‬ ‫سي ُد ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ضوا عَن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَن ْهُ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م ب ِإ ِ ْ‬ ‫ن ات ّب َُعوهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫صارِ َوال ّ ِ‬ ‫ن َواْلن ْ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مَها ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫م)‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫دا ذ َل ِك ال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ظي ُ‬ ‫فوُْز العَ ِ‬ ‫ن ِفيَها أب َ ً‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫حت ََها الن َْهاُر َ‬ ‫ري ت َ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫وَأعَد ّ لهُ ْ‬
‫مَرُدوا عَلى‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫دين َةِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَ ِ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن العَْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫حوْلك ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫‪ (100‬وَ ِ‬
‫ظيم ٍ )‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ن إ ِلى عَ َ‬ ‫َ‬ ‫م ي َُرّدو َ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫سن ُعَذ ّب ُهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ق َل ت َعْل ُ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫مّرت َي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ن ن َعْل ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫فا ِ‬ ‫الن ّ َ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫هأ ْ‬ ‫سى الل ُ‬ ‫سي ّئا عَ َ‬ ‫خَر َ‬ ‫حا وَآ َ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫مل َ‬ ‫خلطوا عَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن اعْت ََرفوا ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫خُرو َ‬ ‫‪ (101‬وَآ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م‬ ‫ة ت ُطهُّرهُ ْ‬ ‫صد َق ً‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خذ ْ ِ‬ ‫م )‪ُ (102‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫هغ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ب عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ي َُتو َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫م )‪ (103‬أل ْ‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م َوالل ُ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫سك‬ ‫ن صلت َك َ‬ ‫مإ ّ‬ ‫صل عَلي ْهِ ْ‬ ‫م ب َِها وَ َ‬ ‫وَت َُزكيهِ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ل الت ِوبة َعن عباده ٌويأ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫َ ُ َ ّ ّ ُ‬ ‫وا‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ّ َ ِ َ ّ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ص‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫ّ َْ َ َ ْ ِ َ ِ ِ ََ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬
‫َ ُ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫موا أ ّ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫ن‬
‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه َوال ْ ُ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫مل َك ُ ْ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫سي ََرى الل ّ ُ‬ ‫مُلوا فَ َ‬ ‫ل اعْ َ‬ ‫م )‪ (104‬وَقُ ِ‬ ‫حي ُ‬ ‫الّر ِ‬
‫ن )‪(105‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫شَهاد َةِ فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫عال ِم ِ ال ْغَي ْ ِ‬ ‫ن إ َِلى َ‬ ‫ست َُرّدو َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫وَآ َ َ‬
‫م)‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫ب عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ما ي َُتو ُ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫ما ي ُعَذ ّب ُهُ ْ‬ ‫مرِ الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫ن ِل ْ‬ ‫جو ْ َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ن ُ‬ ‫خُرو َ‬
‫صاًدا‬ ‫ن وَإ ِْر َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫قا ب َي ْ َ‬ ‫ري ً‬ ‫ف َِ‬ ‫فًرا وَت َ ْ‬ ‫ضَراًرا وَك ُ ْ‬ ‫دا ِ‬ ‫ج ً‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذوا َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪َ (106‬وال ّ ِ‬
‫شهَد ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫سَنى َوالل ّ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن أَرد َْنا إ ِّل ال ْ ُ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ف ّ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫ل وَل َي َ ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ب الل ّ َ‬ ‫حاَر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫لِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ي َوْم ٍ‬ ‫ن أوّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وى ِ‬ ‫ق َ‬ ‫س عَلى الت ّ ْ‬ ‫س َ‬ ‫جد ٌ أ ّ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫دا ل َ‬
‫َ‬
‫م ِفيهِ أب َ ً‬ ‫ق ْ‬ ‫ن )‪ (107‬ل ت َ ُ‬ ‫م لكاذُِبو َ‬
‫َ‬
‫إ ِن ّهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(108‬‬ ‫ري َ‬ ‫مطهّ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن ي َت َطهُّروا َوالل ُ‬ ‫َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫حّبو َ‬ ‫ل يُ ِ‬ ‫جا ٌ‬ ‫م ِفيهِ ِفيهِ رِ َ‬ ‫قو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫حق ّ أ ْ‬ ‫أ َ‬
‫ه عََلى‬ ‫خير أ َم م َ‬ ‫أ َفَم َ‬
‫س ب ُن َْيان َ ُ‬ ‫س َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ن َ ٌْ ْ َ ْ‬ ‫وا ٍ‬ ‫ض َ‬ ‫ن الل ّهِ وَرِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وى ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ه عََلى ت َ ْ‬ ‫س ب ُن َْيان َ ُ‬ ‫س َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫َ ْ‬
‫ن )‪(109‬‬ ‫مي َ‬ ‫م الظال ِ ِ‬ ‫ّ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫دي ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫َ‬ ‫م َوالل ُ‬ ‫ّ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫هارٍ َفان َْهاَر ب ِهِ ِفي َنارِ َ‬ ‫ف َ‬ ‫جُر ٍ‬ ‫فا ُ‬ ‫ش َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َل ي ََزا ُ‬
‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م َوالل ُ‬ ‫قطعَ قلوب ُهُ ْ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م إ ِل أ ْ‬ ‫ة ِفي قلوب ِهِ ْ‬ ‫وا ِريب َ ً‬ ‫ذي ب َن َ ْ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ل ب ُن َْيان ُهُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫جن ّ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫م ب ِأ ّ‬ ‫وال َهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أن ْ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫شت ََرى ِ‬ ‫ها ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م )‪ (110‬إ ِ ّ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫جي ِ‬ ‫ْ‬
‫قا ِفي الت ّوَْراةِ َوال ِن ْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫دا عَلي ْهِ َ‬ ‫َ‬ ‫ن وَعْ ً‬ ‫قت َلو َ‬ ‫ُ‬ ‫ن وَي ُ ْ‬ ‫قت ُلو َ‬ ‫ُ‬ ‫ل اللهِ في َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫قات ِلو َ‬ ‫ُ‬ ‫يُ َ‬
‫ك‬ ‫م ب ِهِ وَذ َل ِ َ‬ ‫ت‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫با‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫روا‬ ‫ش‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫فى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ َ َُْ ْ‬ ‫َِِْ ُ‬ ‫ْ َْ ِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َِ ْ ِ ِ ِ َ‬ ‫َوا ْ ِ َ َ ْ ْ‬
‫و‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫آ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ل‬
‫ن‬‫ن الّراك ُِعو َ‬ ‫حو َ‬ ‫سائ ِ ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫دو َ‬ ‫م ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ن ال َْعاب ِ ُ‬ ‫م )‪ (111‬الّتائ ُِبو َ‬ ‫ظي ُ‬ ‫فوُْز ال ْعَ ِ‬ ‫هُوَ ال ْ َ‬
‫دودِ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ح ُ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫ظو َ‬ ‫حافِ ُ‬ ‫من ْك َرِ َوال ْ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫ن اْل ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫هو َ‬ ‫ف َوالّنا ُ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مُرو َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ل ِل ْ ُ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي َوال ّ ِ‬ ‫ن ِللن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن )‪َ (112‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫شرِ ال ْ ُ‬ ‫وَب َ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وَل َوْ َ‬
‫ما‬ ‫حيم ِ )‪ (113‬وَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ب ال َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م أن ّهُ ْ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫كاُنوا أوِلي قُْرَبى ِ‬
‫ها إياه فَل َما تبين ل َ َ‬ ‫َ‬
‫ه عَد ُوّ ل ِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ه أن ّ ُ‬ ‫ّ ََّ َ ُ‬ ‫عد َةٍ وَعَد َ َ ِ ّ ُ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ِلِبيهِ إ ِّل عَ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫فاُر إ ِب َْرا ِ‬ ‫ست ِغْ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫داهُ ْ‬ ‫ما ب َعْد َ إ ِذ ْ هَ َ‬ ‫ل قَوْ ً‬ ‫ض ّ‬ ‫ه ل ِي ُ ِ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫ما كا َ‬ ‫م )‪ (114‬وَ َ‬ ‫حِلي ٌ‬ ‫م لّواه ٌ َ‬ ‫هي َ‬ ‫ن إ ِب َْرا ِ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ت َب َّرأ ِ‬
‫مل ْكُ‬ ‫ه ُ‬ ‫هل ُ‬ ‫َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ّ‬ ‫م )‪ (115‬إ ِ ّ‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ّ‬ ‫ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ّ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫قو َ‬ ‫ما ي َت ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫حّتى ي ُب َي ّ َ‬ ‫َ‬
‫صيرٍ )‬ ‫ي وَل ن َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن وَل ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن اللهِ ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما لك ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫مي ُ‬ ‫حِيي وَي ُ ِ‬ ‫ض يُ ْ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ة‬
‫ساعَ ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن ات ّب َُعوه ُ ِفي َ‬ ‫ذي َ‬ ‫صارِ ال ِ‬ ‫ن َوالن ْ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مَها ِ‬ ‫ي َوال ُ‬ ‫ه عَلى الن ّب ِ ّ‬ ‫ب الل ُ‬ ‫قد ْ َتا َ‬ ‫‪ (116‬ل َ‬
‫ف‬‫م َرُءو ٌ‬ ‫ه ب ِهِ ْ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ب عَلي ْهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫م َتا َ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫ب فَ ِ‬ ‫زيغُ قُلو ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ال ْعُ ْ‬
‫َ‬ ‫ري ٍ‬ ‫ما كاد َ ي َ ِ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سَرةِ ِ‬
‫ما‬ ‫ض بِ َ‬ ‫م اْلْر ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ُ‬ ‫ضاقَ ْ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬
‫َ‬
‫فوا َ‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م )‪ (117‬وَعََلى الث َّلث َةِ ال ّ ِ‬ ‫حي ٌ‬ ‫َر ِ‬
‫ب‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َتا َ‬ ‫ن اللهِ إ ِل إ ِلي ْهِ ث ّ‬ ‫م َ‬ ‫جأ ِ‬ ‫مل َ‬ ‫نل َ‬ ‫م وَظّنوا أ ْ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫م أن ْ ُ‬ ‫ت عَلي ْهِ ْ‬ ‫ضاق ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫حب َ ْ‬ ‫َر ُ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م )‪َ (118‬يا أي َّها ال ِ‬ ‫حي ُ‬ ‫ب الّر ِ‬ ‫وا ُ‬ ‫ه هُوَ الت ّ ّ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م ل ِي َُتوُبوا إ ِ ّ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫بأ ْ‬ ‫ن اْلعَْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫حوْل َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫دين َةِ وَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ن ِلهْ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن )‪َ (119‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫كوُنوا َ‬ ‫وَ ُ‬
‫فسه ذ َل َ َ‬ ‫ل الل ّهِ وََل ي َْرغَُبوا ب ِأ َن ْ ُ‬
‫م‬‫صيب ُهُ ْ‬ ‫م َل ي ُ ِ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ن نَ ْ ِ ِ ِ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫فوا عَ ْ‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫فاَر وَلَ‬ ‫ظ ال ْك ُّ‬ ‫موْط ًِئا ي َِغي ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ن َ‬ ‫ُ‬
‫ل اللهِ وَل ي َطئو َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ة ِفي َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫م َ‬ ‫خ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب وَل َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫مأ وَل ن َ َ‬ ‫ظَ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جَر ال ْ ُ‬ ‫ضيعُ أ ْ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ح إِ ّ‬ ‫صال ِ ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫م ٌ‬ ‫م ب ِهِ عَ َ‬ ‫ب ل َهُ ْ‬ ‫ن عَد ُوّ ن َي ًْل إ ِّل ك ُت ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ي ََناُلو َ‬
‫ب ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ن َوادًِيا إ ِّل ك ُت ِ َ‬ ‫قط َُعو َ‬ ‫صِغيَرةً وََل ك َِبيَرةً وََل ي َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫ق ً‬‫ف َ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫قو َ‬ ‫)‪ (120‬وََل ي ُن ْفِ ُ‬
‫ل ِيجزيهم الل ّ َ‬
‫ة‬‫كافّ ً‬ ‫فُروا َ‬ ‫ن ل ِي َن ْ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن )‪ (121‬وَ َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َُِ ُ‬
‫م إ َِذا‬ ‫ْ َ ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫روا‬ ‫ذ‬ ‫ن‬
‫ّ ِ َ ُْ ُِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫دي‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫هوا‬ ‫ََ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫طا‬‫َ‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ِ ْ ٍ ِ ُْ ْ‬‫ن‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ف َ ِ ْ‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫فَل َوَْل ن َ َ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ي َلون َك ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫مُنوا َقات ِلوا ال ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪َ (122‬يا أي َّها ال ِ‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م لعَلهُ ْ‬ ‫جُعوا إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫َر َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ال ْك ُ ّ‬
‫ت‬‫ما أن ْزِل ْ‬ ‫ن )‪ (123‬وَإ َِذا َ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫معَ ال ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫ة َواعْل ُ‬ ‫م ِغلظ ً‬ ‫دوا ِفيك ُ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫فارِ وَلي َ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫َ‬ ‫قو ُ َ‬
‫ماًنا‬ ‫م ِإي َ‬ ‫مُنوا فََزاد َت ْهُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ما ال ّ ِ َ‬ ‫ماًنا فَأ ّ‬ ‫ه هَذِهِ ِإي َ‬ ‫م َزاد َت ْ ُ‬ ‫ل أي ّك ُ ْ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫سوَرة ٌ فَ ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫سا إ ِلى‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ج ً‬ ‫م رِ ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫زا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ض‬
‫ِِ ْ َ َ ٌ‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫لو‬ ‫ق‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ذي‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ما‬ ‫َ ّ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪124‬‬ ‫)‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫رو‬ ‫ُ‬ ‫ش‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬‫وَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫مّرةً‬ ‫ُ‬
‫ن ِفي ك ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عام ٍ َ‬ ‫ل َ‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫ن )‪ (125‬أوَل ي ََروْ َ‬ ‫م كافُِرو َ‬ ‫ماُتوا وَهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫رِ ْ‬
‫سوَرة ٌ ن َظَرَ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ُ‬ ‫ما أن ْزِل ْ‬ ‫ن )‪ (126‬وَإ َِذا َ‬ ‫م ي َذ ّكُرو َ‬ ‫ن وَل هُ ْ‬ ‫م ل ي َُتوُبو َ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫ِ‬ ‫مّرت َي ْ‬ ‫أوْ َ‬
‫َ‬ ‫ل يراك ُم م َ‬
‫م‬ ‫م ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ه قُُلوب َهُ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫صَر َ‬ ‫صَرُفوا َ‬ ‫م ان ْ َ‬ ‫حد ٍ ث ُ ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫ض هَ ْ َ َ ْ ِ ْ‬ ‫م إ ِلى ب َعْ ٍ‬
‫ضهُ ْ َ‬ ‫ب َعْ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ما عَن ِت ّ ْ‬ ‫زيٌز عَلي ْهِ َ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫سك ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن أن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاَءك ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ن )‪ (127‬ل َ‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫قَوْ ٌ‬
‫ه َل‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫سب ِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫وا فَ ُ‬ ‫ن ت َوَل ّ ْ‬ ‫م )‪ (128‬فَإ ِ ْ‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫ن َرُءو ٌ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ِبال ْ ُ‬ ‫ص عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ظيم ِ )‪(129‬‬ ‫ش العَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ب العَْر ِ‬ ‫ت وَهُوَ َر ّ‬ ‫ه إ ِل هُوَ عَلي ْهِ ت َوَكل ُ‬ ‫إ ِل َ‬

‫م )‪(21‬‬ ‫قي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫م ِفيَها ن َِعي ٌ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫وا ٍ‬‫ض َ‬ ‫ه وَرِ ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫مةٍ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ب َِر ْ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫شُرهُ ْ‬ ‫} ي ُب َ ّ‬
‫ذوا‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م )‪َ (22‬يا أي َّها ال ِ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫جٌر عَ ِ‬ ‫عن ْد َه ُ أ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫دا إ ِ ّ‬ ‫ن ِفيَها أب َ ً‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫من ْك ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ي َت َوَلهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫فَر عَلى ا َ ِ‬ ‫حّبوا الك ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م أوْل َِياَء إ ِ ِ‬ ‫وان َك ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫آَباَءك ْ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫جك ْ‬ ‫م وَأْزَوا ُ‬ ‫ُ‬
‫وان ُك ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫ُ‬
‫م وَأب َْناؤُك ْ‬ ‫ُ‬
‫ن آَباؤُك ْ‬ ‫ن كا َ‬ ‫َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫ن )‪ (23‬قُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫م الظال ِ ُ‬ ‫فَأول َئ ِك هُ ُ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ضوْن ََها‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫ُ‬ ‫ساك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫ساد َ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬‫جاَرة ٌ ت َ ْ‬ ‫ها وَت ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل اقْت ََرفْت ُ ُ‬ ‫وا ٌ‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫شيَرت ُك ُ ْ‬ ‫وَعَ ِ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مرِ ِ‬ ‫ه ب ِأ ْ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫حّتى ي َأت ِ َ‬ ‫صوا َ‬ ‫سِبيل ِهِ فت ََرب ّ ُ‬ ‫جَهادٍ ِفي َ‬ ‫سول ِهِ وَ ِ‬ ‫ن اللهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ب إ ِلي ْك ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫أ َ‬
‫ن )‪{(24‬‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫أمر الله تعالى بمباينة الكفار به ‪ ،‬وإن كانوا آباء أو أبناء ‪ ،‬ونهى عن موالتهم‬
‫حّبوا ( أي ‪ :‬اختاروا الكفر على اليمان ‪ ،‬وتوعد على ذلك كما قال‬ ‫ست َ َ‬
‫إذا ) ا ْ‬
‫سول َ ُ‬
‫ه‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫حاد ّ الل ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫واّدو َ‬ ‫خرِ ي ُ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ما ي ُؤْ ِ‬ ‫جد ُ قَوْ ً‬ ‫تعالى ‪ } :‬ل ت َ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وَل َوْ َ‬
‫ب ِفي قُلوب ِهِ ُ‬
‫م‬ ‫ك ك َت َ َ‬ ‫م أولئ ِ َ‬ ‫شيَرت َهُ ْ‬ ‫م أوْ عَ ِ‬ ‫وان َهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م أوْ إ ِ ْ‬ ‫م أوْ أب َْناَءهُ ْ‬ ‫كاُنوا آَباَءهُ ْ‬
‫حت َِها ال َن َْهاُر { الية‬ ‫َ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خل ُهُ ْ‬ ‫ه وَي ُد ْ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ب ُِروٍح ِ‬ ‫ن وَأي ّد َهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫لي َ‬
‫ا ِ‬
‫]المجادلة ‪.[22 :‬‬
‫وروى الحافظ ]أبو بكر[ )‪ (1‬البيهقي من حديث عبد الله بن شوذب قال ‪:‬‬
‫جعل أبو أبي عبيدة بن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/121‬‬

‫ه وَل َوْ َ‬
‫كاُنوا‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫حاد ّ الل ّ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن َ‬ ‫واّدو َ‬ ‫خرِ ي ُ َ‬‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل َ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ما ي ُؤْ ِ‬ ‫جد ُ قَوْ ً‬ ‫َل ت َ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ما َ‬ ‫ماِْ‬
‫لي َ‬ ‫ب ِفي قُُلوب ِهِ ُ‬ ‫م أول َئ ِ َ‬
‫ك ك َت َ َ‬ ‫شيَرت َهُ ْ‬ ‫م أوْ عَ ِ‬ ‫وان َهُ ْ‬‫خ َ‬‫م أوْ إ ِ ْ‬ ‫م أوْ أب َْناَءهُ ْ‬ ‫آَباَءهُ ْ‬
‫َ‬
‫ي‬
‫ض َ‬‫ن ِفيَها َر ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫حت َِها اْل َن َْهاُر َ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬‫ري ِ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خل ُهُ ْ‬ ‫ه وَي ُد ْ ِ‬‫من ْ ُ‬‫م ب ُِروٍح ِ‬ ‫وَأي ّد َهُ ْ‬
‫َ‬ ‫ه ُأول َئ ِ َ‬
‫ن )‪(22‬‬ ‫حو َ‬‫فل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ب الل ّهِ هُ ُ‬ ‫حْز َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ب الل ّهِ أَل إ ِ ّ‬ ‫حْز ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫ضوا عَن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَن ْهُ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫الجراح ينعت له اللهة يوم بدر ‪ ،‬وجعل أبو عبيدة يحيد عنه ‪ ،‬فلما أكثر الجراح‬
‫ن‬
‫مُنو َ‬‫ما ي ُؤْ ِ‬ ‫جد ُ قَوْ ً‬ ‫قصده ابنه أبو عبيدة فقتله ‪ ،‬فأنزل الله فيه هذه الية ‪ } :‬ل ت َ ِ‬
‫خرِ { الية ]المجادلة ‪(1) [22 :‬‬ ‫ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫ثم أمر تعالى رسوله أن يتوعد من آثر )‪ (2‬أهله وقرابته وعشيرته على الله‬
‫َ‬
‫م وَأب َْناؤُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن آَباؤُك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫وعلى رسوله وجهاد في سبيله ‪ ،‬فقال ‪ ) :‬قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ها ( أي ‪ :‬اكتسبتموها‬ ‫مو َ‬ ‫ل اقْت ََرفْت ُ ُ‬‫وا ٌ‬ ‫م َ‬‫م وَأ ْ‬ ‫شيَرت ُك ُ ْ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫جك ُ ْ‬‫م وَأْزَوا ُ‬‫وان ُك ُ ْ‬‫خ َ‬
‫وَإ ِ ْ‬
‫ضوْن ََها ( أي ‪ :‬تحبونها‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫ساك ِ ُ‬‫م َ‬‫ها وَ َ‬‫ساد َ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬‫جاَرة ٌ ت َ ْ‬ ‫وحصلتموها ) وَت ِ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫سول ِ ِ‬ ‫ن اللهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ب إ ِلي ْك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫لطيبها وحسنها ‪ ،‬أي ‪ :‬إن كانت هذه الشياء ) أ َ‬
‫صوا ( أي ‪ :‬فانتظروا ماذا يحل بكم من عقابه ونكاله‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫سِبيل ِهِ فَت ََرب ّ ُ‬‫جَهادٍ ِفي َ‬ ‫وَ ِ‬
‫ن(‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬
‫فا ِ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ْ‬
‫دي ال َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫ّ‬
‫مرِهِ َوالل ُ‬‫ه ب ِأ ْ‬ ‫ّ‬
‫ي الل ُ‬ ‫حّتى ي َأت ِ َ‬ ‫بكم ؛ ولهذا قال ‪َ ) :‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا قتيبة بن سعيد ‪ ،‬حدثنا ابن لهيعة ‪ ،‬عن زهرة بن‬
‫معبد ‪ ،‬عن جده قال ‪ :‬كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وهو آخذ بيد‬
‫عمر بن الخطاب ‪ ،‬فقال ‪ :‬والله لنت يا رسول الله أحب إلي من كل شيء‬
‫إل من نفسي فقال رسول الله )‪ (3‬صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل يؤمن أحدكم‬
‫حتى أكون أحب إليه من نفسه"‪ .‬فقال عمر ‪ :‬فأنت الن والله أحب إلي من‬
‫نفسي‪ .‬فقال رسول الله ‪" :‬الن يا عمر" )‪(4‬‬
‫انفرد بإخراجه )‪ (5‬البخاري ‪ ،‬فرواه عن يحيى بن سليمان ‪ ،‬عن ابن وهب ‪،‬‬
‫عن حيوة بن شريح ‪ ،‬عن أبي عقيل زهرة بن معبد ‪ ،‬أنه سمع جده عبد الله‬
‫بن هشام ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا )‪(6‬‬
‫وقد ثبت في الصحيح عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬والذي‬
‫نفسي بيده ‪ ،‬ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس‬
‫أجمعين" )‪(7‬‬
‫وروى المام أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪ -‬واللفظ له ‪ -‬من حديث أبي عبد الرحمن‬
‫الخراساني ‪ ،‬عن عطاء الخراساني ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬سمعت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬إذا تبايعتم بالعينة ‪ ،‬وأخذتم بأذناب‬
‫البقر ‪ ،‬ورضيتم بالزرع ‪ ،‬وتركتم الجهاد ‪ ،‬سلط الله عليكم ذل ل ينزعه حتى‬
‫ترجعوا إلى دينكم" )‪(8‬‬
‫وروى المام أحمد أيضا عن يزيد بن هارون ‪ ،‬عن أبي جناب ‪ ،‬عن شهر بن‬
‫حوشب أنه سمع عبد الله ابن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫بنحو ذلك )‪ (9‬وهذا شاهد للذي قبله ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن البيهقي الكبرى )‪ (9/27‬من طريق الربيع بن سليمان عن أسد بن‬
‫موسى عن ضمرة بن ربيعة عن عبد الله بن شوذب ‪ ،‬وقال البيهقي ‪" :‬هذا‬
‫منقطع"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬د ‪" :‬أحب"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(4/336‬‬
‫)‪ (5‬في د ‪" :‬انفرد به"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪.(6632‬‬
‫)‪ (7‬صحيح البخاري برقم )‪ (14‬من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪ (2/42‬وسنن أبي داود برقم )‪.(3462‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪.(2/84‬‬

‫) ‪(4/124‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ت ُ َغْ ِ‬ ‫م فَل َ ْ‬
‫م ك َث َْرت ُك ُ ْ‬ ‫جب َت ْك ُ ْ‬‫ن إ ِذ ْ أعْ َ‬ ‫حن َي ْ ٍ‬
‫م ُ‬ ‫ن ك َِثيَرةٍ وَي َوْ َ‬‫واط ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫صَرك ُ ُ‬ ‫قد ْ ن َ َ‬‫لَ َ‬
‫َ‬
‫م أن َْز َ‬
‫ل‬ ‫ن )‪ (25‬ث ُ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫مد ْب ِ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫م وَل ّي ْت ُ ْ‬‫ت ثُ ّ‬ ‫حب َ ْ‬
‫ما َر ُ‬ ‫ض بِ َ‬ ‫م اْلْر ُ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫ضاقَ ْ‬ ‫شي ًْئا وَ َ‬ ‫م َ‬‫عَن ْك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ب ال ّ ِ‬ ‫ها وَعَذ ّ َ‬ ‫م ت ََروْ َ‬ ‫جُنوًدا ل َ ْ‬ ‫ل ُ‬‫ن وَأن َْز َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫سول ِهِ وَعََلى ال ْ ُ‬ ‫ه عََلى َر ُ‬ ‫كين َت َ ُ‬
‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ن )‪(26‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫جَزاُء ال ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫فُروا وَذ َل ِ َ‬ ‫كَ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫م ت ُغْ ِ‬ ‫م فَل َ ْ‬ ‫م ك َث َْرت ُك ُ ْ‬‫جب َت ْك ُ ْ‬‫ن إ ِذ ْ أعْ َ‬ ‫حن َي ْ ٍ‬
‫م ُ‬ ‫ن ك َِثيَرةٍ وَي َوْ َ‬
‫واط ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫صَرك ُ ُ‬ ‫قد ْ ن َ َ‬‫} لَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫م أن َْز َ‬ ‫ن )‪ (25‬ث ُ ّ‬ ‫ري َ‬‫مد ْب ِ ِ‬ ‫م ُ‬‫م وَل ّي ْت ُ ْ‬‫ت ثُ ّ‬ ‫حب َ ْ‬
‫ما َر ُ‬ ‫ض بِ َ‬ ‫م الْر ُ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫ضاقَ ْ‬ ‫شي ًْئا وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫عَن ْك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫ها وَعَذ ّ َ‬ ‫م ت ََروْ َ‬ ‫جُنوًدا ل َ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن وَأن َْز َ‬ ‫مِني َ‬ ‫سول ِهِ وَعََلى ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه عََلى َر ُ‬ ‫كين َت َ ُ‬
‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ن )‪{(26‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫جَزاُء ال ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫فُروا وَذ َل ِ َ‬ ‫كَ َ‬
‫جَرْيج ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬هذه أول آية نزلت من ]سورة[ )‪" (1‬براءة"‪.‬‬ ‫قال ابن ُ‬
‫يذكر تعالى للمؤمنين فضله عليهم وإحسانه لديهم في نصره إياهم في‬
‫مواطن كثيرة من غزواتهم مع رسوله )‪ (2‬وأن ذلك من عنده تعالى ‪ ،‬وبتأييده‬
‫وتقديره ‪ ،‬ل بَعددهم ول بُعددهم ونبههم على أن النصر من عنده ‪ ،‬سواء قل‬
‫حنين أعجبتهم كثرتهم ‪ ،‬ومع هذا ما أجدى ذلك عنهم‬ ‫الجمع أو كثر ‪ ،‬فإن يوم ُ‬
‫شيئا فولوا مدبرين إل القليل منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬ثم‬
‫أنزل ]الله[ )‪ (3‬نصره وتأييده على رسوله وعلى المؤمنين الذين معه ‪ ،‬كما‬
‫سنبينه إن شاء الله تعالى مفصل ليعلمهم )‪ (4‬أن النصر من عنده تعالى‬
‫وحده وبإمداده وإن قل الجمع ‪ ،‬فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله‬
‫‪ ،‬والله مع الصابرين‪.‬‬
‫وقد قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا وهب بن جرير ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬سمعت يونس‬
‫يحدث عن الزهري ‪ ،‬عن عبيد الله ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬خير الصحابة أربعة ‪ ،‬وخير السرايا أربعمائة ‪ ،‬وخير‬
‫الجيوش أربعة آلف ‪ ،‬ولن تغلب اثنا عشر ألفا من قلة"‪.‬‬
‫وهكذا رواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي )‪ (5‬ثم قال ‪ (6) :‬هذا حديث حسن غريب ‪،‬‬
‫ل يسنده كبير أحد غير جرير بن حازم ‪ ،‬وإنما روي عن الزهري ‪ ،‬عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم مرسل‪.‬‬
‫وقد رواه ابن ماجه والبيهقي وغيره ‪ ،‬عن أكثم بن الجون ‪ ،‬عن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬بنحوه )‪ (7‬والله أعلم‪.‬‬
‫حنين" بعد فتح مكة في شوال سنة ثمان من الهجرة ‪،‬‬ ‫وقد كانت وقعة ‪ُ " :‬‬
‫وذلك لما فرغ عليه السلم )‪ (8‬من فتح مكة ‪ ،‬وتمهدت أمورها ‪ ،‬وأسلم عامة‬
‫أهلها ‪ ،‬وأطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فبلغه أن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬رسول الله صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في د ‪" :‬ليعلم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (1/294‬وسنن أبي داود برقم )‪ (2611‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪.(1555‬‬
‫)‪ (6‬في د ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (7‬سنن ابن ماجه برقم )‪ (2827‬وسنن البيهقي الكبرى )‪ (9/263‬من‬
‫طريق أبي سلمة العاملي عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال لكثم بن الجون ‪ ،‬فذكر نحو حديث ابن عباس‪ .‬وقال‬
‫البوصيري في الزوائد )‪" : (2/412‬هذا إسناد ضعيف ؛ لضعف أبي سلمة‬
‫العاملي الزدي وعبد الملك بن محمد الصنعاني"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬رسوله الله صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬

‫) ‪(4/125‬‬

‫ضري ‪ ،‬ومعه ثقيف‬ ‫هوازن جمعوا له ليقاتلوه ‪ ،‬وأن أميرهم مالك بن عوف الن ّ ْ‬
‫جشم وبنو سعد بن بكر ‪ ،‬وأوزاع من بني هلل ‪ ،‬وهم قليل ‪،‬‬ ‫بكمالها ‪ ،‬وبنو ُ‬
‫وناس من بني عمرو بن عامر ‪ ،‬وعوف بن عامر ‪ ،‬وقد أقبلوا معهم النساء‬
‫ضيضهم فخرج إليهم رسول الله‬ ‫ضهم وقَ ِ‬‫ق ّ‬
‫والولدان والشاء والّنعم ‪ ،‬وجاءوا ب َ‬
‫صلى الله عليه وسلم في جيشه الذي جاء )‪ (1‬معه للفتح ‪ ،‬وهو عشرة آلف‬
‫من المهاجرين والنصار وقبائل العرب ‪ ،‬ومعه الذين أسلموا من أهل مكة ‪،‬‬
‫وهم الطلقاء في ألفين أيضا ‪ ،‬فسار بهم إلى العدو ‪ ،‬فالتقوا بواد بين مكة‬
‫والطائف يقال له "حنين" ‪ ،‬فكانت فيه الوقعة في أول النهار في غلس‬
‫الصبح ‪ ،‬انحدروا في الوادي وقد كمنت فيه هوازن ‪ ،‬فلما تواجهوا لم يشعر‬
‫المسلمون إل بهم قد ثاوروهم )‪ (2‬ورشقوا بالنبال ‪ ،‬وأصلتوا السيوف ‪،‬‬
‫وحملوا حملة رجل واحد ‪ ،‬كما أمرهم ملكهم‪ .‬فعند ذلك ولى المسلمون‬
‫مدبرين ‪ ،‬كما قال الله ‪ ،‬عز وجل )‪ (3‬وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ ،‬وهو راكب يومئذ بغلته الشهباء يسوقها إلى نحر العدو ‪ ،‬والعباس عمه آخذ‬
‫بركابها اليمن ‪ ،‬وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بركابها اليسر ‪،‬‬
‫يثقلنها لئل تسرع السير ‪ ،‬وهو ينوه باسمه ‪ ،‬عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ويدعو‬
‫ي أنا رسول‬ ‫المسلمين إلى الرجعة ]ويقول[ )‪ " : (4‬أين يا عباد الله ؟ إل ّ‬
‫الله" ‪ ،‬ويقول في تلك الحال ‪:‬‬
‫أنا النبي ل كذب‪ ...‬أنا ابن عبد المطلب‪...‬‬
‫وثبت معه من أصحابه قريب من مائة ‪ ،‬ومنهم من قال ‪ :‬ثمانون ‪ ،‬فمنهم ‪:‬‬
‫أبو بكر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ ،‬والعباس وعلي ‪ ،‬والفضل بن عباس ‪،‬‬
‫وأبو سفيان بن الحارث ‪ ،‬وأيمن بن أم أيمن ‪ ،‬وأسامة بن زيد ‪ ،‬وغيرهم ‪،‬‬
‫رضي الله عنهم ثم أمر صلى الله عليه وسلم عمه العباس ‪ -‬وكان جهير‬
‫الصوت ‪ -‬أن ينادي بأعلى صوته ‪ :‬يا أصحاب الشجرة ‪ -‬يعني شجرة بيعة‬
‫الرضوان ‪ ،‬التي بايعه المسلمون من المهاجرين والنصار تحتها ‪ ،‬على أل‬
‫يفروا عنه ‪ -‬فجعل ينادي بهم ‪ :‬يا أصحاب السمرة )‪ (5‬ويقول تارة ‪ :‬يا‬
‫أصحاب سورة البقرة ‪ ،‬فجعلوا يقولون ‪ :‬يا لبيك ‪ ،‬يا لبيك ‪ ،‬وانعطف الناس‬
‫فجعلوا يتراجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬حتى إن الرجل منهم‬
‫إذا لم يطاوعه بعيره على الرجوع ‪ ،‬لبس درعه ‪ ،‬ثم انحدر عنه ‪ ،‬وأرسله ‪،‬‬
‫ورجع بنفسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فلما رجعت )‪ (6‬شرذمة‬
‫منهم ‪ ،‬أمرهم عليه السلم )‪ (7‬أن يصدقوا الحملة ‪ ،‬وأخذ قبضة من التراب‬
‫بعدما دعا ربه واستنصره ‪ ،‬وقال ‪" :‬اللهم أنجز لي ما وعدتني" ثم رمى القوم‬
‫بها ‪ ،‬فما بقي إنسان منهم إل أصابه منها في عينيه وفمه ما شغله عن القتال‬
‫‪ ،‬ثم انهزموا ‪ ،‬فاتبع )‪ (8‬المسلمون أقفاءهم يقتلون ويأسرون ‪ ،‬وما تراجع‬
‫بقية الناس إل والسارى مجدلة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬أخبرنا يعلى بن‬
‫عطاء ‪ ،‬عن عبد الله بن يسار أبي همام ‪ ،‬عن أبي عبد الرحمن الفهري ‪-‬‬
‫واسمه يزيد بن أسيد ‪ ،‬ويقال ‪ :‬يزيد بن أنيس ‪،‬‬
‫__________‬
‫في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الذي جاءوا" ‪ ،‬وفي د ‪" :‬الذين جاءوا"‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫في ت ‪" :‬بادروهم"‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫في ت ‪" :‬الله تعالى"‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫في ت ‪" :‬الشجرة"‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫في د ‪" :‬اجتمعت"‪.‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫في أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬ ‫)‪(7‬‬
‫في ت ‪ ،‬د ‪" :‬واتبع"‪.‬‬ ‫)‪(8‬‬

‫) ‪(4/126‬‬

‫ويقال ‪ :‬ك ُْرز ‪ -‬قال ‪ :‬كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة‬
‫حنين ‪ ،‬فسرنا في يوم قائظ شديد الحر ‪ ،‬فنزلنا تحت ظلل الشجر ‪ ،‬فلما‬
‫زالت الشمس لبست لمتي وركبت فرسي ‪ ،‬فانطلقت إلى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وهو في فسطاطه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬السلم عليك يا رسول الله‬
‫ورحمة الله ‪ ،‬حان الرواح ؟ فقال ‪" :‬أجل"‪ .‬فقال ‪" :‬يا بلل" فثار من تحت‬
‫سمرة )‪ (1‬كأن ظله ظل طائر ‪ ،‬فقال ‪ :‬لبيك وسعديك ‪ ،‬وأنا فداؤك )‪(2‬‬
‫فقال ‪" :‬أسرج لي فرسي"‪ .‬فأخرج سرجا دفتاه من ليف ‪ ،‬ليس فيهما أشٌر‬
‫ول ب َ َ‬
‫طر‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فأسرج ‪ ،‬فركب وركبنا ‪ ،‬فصاففناهم عشيتنا وليلتنا ‪ ،‬فتشامت الخيلن ‪،‬‬
‫ن(‬‫ري َ‬‫مد ْب ِ ِ‬
‫م ُ‬ ‫م وَل ّي ْت ُ ْ‬
‫فولى المسلمون مدبرين ‪ ،‬كما قال الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ) :‬ث ُ ّ‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يا عباد الله ‪ ،‬أنا عبد الله ورسوله"‬
‫‪ ،‬ثم قال ‪ " :‬يا معشر المهاجرين ‪ ،‬أنا عبد الله ورسوله"‪ .‬قال ‪ :‬ثم اقتحم‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرسه )‪ (3‬فأخذ كفا من تراب ‪،‬‬
‫فأخبرني الذي كان أدنى إليه مني ‪ :‬أنه ضرب به وجوههم ‪ ،‬وقال ‪" :‬شاهت‬
‫الوجوه"‪ .‬فهزمهم الله عز وجل‪ .‬قال يعلى بن عطاء ‪ :‬فحدثني أبناؤهم ‪ ،‬عن‬
‫آبائهم ‪ ،‬أنهم قالوا ‪ :‬لم يبق منا أحد إل امتلت عيناه وفمه ترابا ‪ ،‬وسمعنا‬
‫صلصلة بين السماء والرض ‪ ،‬كإمرار الحديد على الطست )‪ (4‬الجديد‪.‬‬
‫وهكذا رواه الحافظ البيهقي في "دلئل النبوة" من حديث أبي داود‬
‫الطيالسي ‪ ،‬عن حماد بن سلمة به )‪(5‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ‪ ،‬عن عبد الرحمن‬
‫بن جابر ‪ ،‬عن أبيه جابر عن عبد الله قال ‪ :‬فخرج مالك بن عوف بمن معه‬
‫إلى حنين ‪ ،‬فسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ‪ ،‬فأعدوا وتهيئوا في‬
‫مضايق الوادي وأحنائه ‪ ،‬وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ‪،‬‬
‫حتى انحط بهم الوادي في عماية الصبح ‪ ،‬فلما انحط الناس ثارت في‬
‫قِبل أحد عن‬ ‫وجوههم الخيل ‪ ،‬فاشتدت عليهم ‪ ،‬وانكفأ الناس منهزمين ‪ ،‬ل ي ُ ْ‬
‫أحد ‪ ،‬وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين يقول ‪" :‬أيها‬
‫ي أنا رسول الله ‪ ،‬أنا رسول الله ‪ ،‬أنا محمد بن عبد الله"‬ ‫الناس )‪ (6‬هلموا إل ّ‬
‫فل شيء ‪ ،‬وركبت البل بعضها بعضا )‪ (7‬فلما رأى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أمر الناس قال ‪" :‬يا عباس ‪ ،‬اصرخ ‪ :‬يا معشر النصار ‪ ،‬يا‬
‫أصحاب السمرة"‪ .‬فأجابوه ‪ :‬لبيك ‪ ،‬لبيك ‪ ،‬فجعل الرجل يذهب ليعطف بعيره‬
‫‪ ،‬فل يقدر على ذلك ‪ ،‬فيقذف درعه في عنقه ‪ ،‬ويأخذ سيفه وقوسه ‪ ،‬ثم ي َؤُ ّ‬
‫م‬
‫الصوت ‪ ،‬حتى اجتمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة ‪،‬‬
‫س فاقتتلوا ‪ ،‬وكانت الدعوة أول ما كانت بالنصار ‪ ،‬ثم جعلت‬ ‫فاستعرض النا ُ‬
‫صب ًُرا عند الحرب ‪ ،‬وأشرف رسول الله صلى الله‬‫آخًرا بالخزرج )‪ (8‬وكانوا ُ‬
‫َ‬
‫مجت َلد القوم ‪ ،‬فقال ‪" :‬الن حمي‬
‫عليه وسلم في ركائبه )‪ (9‬فنظر إلى ُ‬
‫وطيس" ‪ :‬قال ‪ :‬فوالله ما راجعه الناس إل والسارى عند رسول الله صلى‬ ‫ال َ‬
‫قون ‪ ،‬فقتل الله منهم من قتل ‪،‬‬ ‫الله عليه وسلم مل َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬شجرة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ك ‪" :‬فداك"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬قرب"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬الطشت"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (5/286‬ودلئل النبوة )‪.(5/141‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬يأيها الناس"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ك ‪" :‬بعض"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬بالخروج"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬ركابه"‪.‬‬

‫) ‪(4/127‬‬

‫وانهزم منهم من انهزم ‪ ،‬وأفاء الله على رسوله أموالهم وأبناءهم‪.‬‬


‫وفي الصحيحين من حديث شعبة ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن البراء بن عازب ‪،‬‬
‫رضي الله عنهما ‪ ،‬أنه قال له رجل ‪ :‬يا أبا عمارة ‪ ،‬أفررتم عن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يوم حنين ‪ ،‬فقال ‪ :‬لكن رسول الله صلى الله عليه‬
‫ملنا عليهم‬ ‫ح َ‬
‫ماة ‪ ،‬فلما لقيناهم و َ‬ ‫وسلم لم يفّر ‪ ،‬إن هوازن كانوا قوما ُر َ‬
‫انهزموا ‪ ،‬فأقبل الناس على الغنائم ‪ ،‬فاستقبلونا بالسهام ‪ ،‬فانهزم الناس ‪،‬‬
‫فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان بن الحارث آخذ‬
‫بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء ‪ ،‬وهو يقول ‪:‬‬
‫أنا النبي ل كذب‪ ...‬أنا ابن عبد المطلب )‪(1‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا في غاية ما يكون من الشجاعة التامة ‪ ،‬إنه في مثل هذا اليوم‬
‫غى ‪ ،‬وقد انكشف عنه جيشه ‪ ،‬هو مع ذلك )‪ (2‬على بغلة‬ ‫حومة الوَ َ‬‫في َ‬
‫وليست سريعة الجري ‪ ،‬ول تصلح لكّر ول لفّر ول لهرب ‪ ،‬وهو مع هذا )‪(3‬‬
‫وه باسمه ليعرفه من لم يعرفه ‪ ،‬صلوات الله‬ ‫ضا يركضها إلى وجوههم وين ّ‬ ‫أي ً‬
‫ما إلى يوم الدين ‪ ،‬وما هذا كله إل ثقة بالله ‪ ،‬وتوكل عليه ‪،‬‬ ‫وسلمه عليه دائ ً‬
‫ما منه بأنه سينصره ‪ ،‬ويتم ما أرسله به ‪ ،‬ويظهر دينه على سائر الديان ؛‬ ‫وعل ً‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م أنز َ‬
‫سول ِهِ ( أي ‪ :‬طمأنينته وثباته‬ ‫ه عَلى َر ُ‬
‫كين َت َ ُ‬
‫س ِ‬
‫ه َ‬
‫ل الل ُ‬ ‫ولهذا قال تعالى ‪ ) :‬ث ُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ها (‬‫م ت ََروْ َ‬
‫جُنوًدا ل ْ‬
‫ل ُ‬ ‫ن ( أي ‪ :‬الذين معه ‪ ) ،‬وَأنز َ‬ ‫مِني َ‬ ‫على رسوله ‪ ) ،‬وَعََلى ال ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫وهم الملئكة ‪ ،‬كما قال المام أبو جعفر بن جرير ‪:‬‬
‫]حدثنا القاسم قال[ )‪ (4‬حدثني الحسن بن عرفة قال ‪ :‬حدثني المعتمر بن‬
‫سليمان ‪ ،‬عن عوف ‪ -‬هو ابن أبي جميلة العرابي ‪ -‬قال ‪ :‬سمعت عبد‬
‫الرحمن مولى ابن ب ُْرُثن ‪ ،‬حدثني رجل كان مع المشركين يوم حنين قال ‪:‬‬
‫لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين )‪ (5‬لم‬
‫حَلب شاة ‪ -‬قال ‪ :‬فلما كشفناهم جعلنا نسوقهم في آثارهم ‪ ،‬حتى‬ ‫يقوموا لنا َ‬
‫انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء ‪ ،‬فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫قال ‪ :‬فتلقانا عنده رجال بيض حسان الوجوه ‪ ،‬فقالوا لنا ‪ :‬شاهت الوجوه ‪،‬‬
‫ارجعوا‪ .‬قال ‪ :‬فانهزمنا ‪ ،‬وركبوا أكتافنا ‪ ،‬فكانت إياها‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البيهقي ‪ :‬أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ‪ ،‬حدثني محمد بن‬
‫أحمد بن َباُلوَيه ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي )‪ (6‬حدثنا عفان بن مسلم‬
‫صيرة ‪ ،‬حدثنا القاسم بن عبد‬ ‫ح ِ‬‫‪ ،‬حدثنا عبد الواحد بن زياد ‪ ،‬حدثنا الحارث بن َ‬
‫الرحمن ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬قال ابن مسعود ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬كنت مع رسول‬
‫ت معه في‬ ‫حنين ‪ ،‬فولى عنه الناس ‪ ،‬وبقي ُ‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم يوم ُ‬
‫ثمانين رجل من المهاجرين والنصار ‪ ،‬قدمنا ولم نولهم الدبر ‪ ،‬وهم الذين‬
‫أنزل الله عليهم السكينة‪ .‬قال ‪ :‬ورسول الله صلى الله عليه وسلم على‬
‫دما ‪ ،‬فحاَدت بغلته ‪ ،‬فمال عن السرج ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ارتفع رفعك‬ ‫بغلته يمضي قُ ُ‬
‫فا من التراب"‪ .‬فناولته ‪ ،‬قال ‪ :‬فضرب به وجوههم ‪،‬‬ ‫الله‪ .‬قال ‪" :‬ناولني ك ً‬
‫فامتلت أعينهم تراًبا ‪ ،‬قال ‪" :‬أين‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪ ، (2864‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1776‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪" :‬وهو مع هذا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪" :‬ذلك"‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬يوم حنين في آثارهم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ك ‪" :‬الجرمي"‪.‬‬

‫) ‪(4/128‬‬

‫المهاجرون )‪ (1‬والنصار ؟" قلت ‪ :‬هم هناك‪ .‬قال ‪" :‬اهتف بهم"‪ .‬فهتفت بهم‬
‫‪ ،‬فجاءوا وسيوفهم بأيمانهم ‪ ،‬كأنها )‪ (2‬الشهب ‪ ،‬وولى المشركون أدبارهم‪.‬‬
‫ورواه المام أحمد في مسنده عن عفان ‪ ،‬به نحوه )‪(3‬‬
‫وقال الوليد بن مسلم ‪ :‬حدثني عبد الله بن المبارك ‪ ،‬عن أبي بكر الُهذلي ‪،‬‬
‫رمة مولى ابن عباس ‪ ،‬عن شيبة بن عثمان قال ‪ :‬لما رأيت رسول‬ ‫عك ْ ِ‬
‫عن ِ‬
‫عرى ‪ ،‬ذكرت أبي وعمي وقتل علي‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قد َ‬
‫وحمزة إياهما ‪ ،‬فقلت ‪ :‬اليوم أدرك ثأري منه ‪ -‬قال ‪ :‬فذهبت لجيئه عن يمينه‬
‫ما ‪ ،‬عليه درع بيضاء كأنها فضة ‪،‬‬ ‫‪ ،‬فإذا أنا بالعباس بن عبد المطلب قائ ً‬
‫مه ولن يخذله ‪ -‬قال ‪ :‬فجئته )‪ (4‬عن يساره ‪،‬‬ ‫يكشف عنها العجاج ‪ ،‬فقلت ‪ :‬عَ ّ‬
‫فإذا أنا بأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ابن عمه ولن‬
‫وره سورة بالسيف ‪ ،‬إذ رفع لي‬ ‫س ّ‬
‫يخذله‪ .‬فجئته من خلفه ‪ ،‬فلم يبق إل أن أ َ‬
‫شني ‪ ،‬فوضعت يدي‬ ‫ح َ‬
‫م َ‬
‫واظ من نار بيني وبينه ‪ ،‬كأنه برق ‪ ،‬فخفت أن ت َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ش َ‬
‫على بصري ومشيت القهقري ‪ ،‬فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ب ‪ ،‬يا شيب )‪ (5‬ادن مني )‪ (6‬اللهم أذهب عنه الشيطان"‪.‬‬ ‫وقال ‪" :‬يا شي َ‬
‫قال ‪ :‬فرفعت إليه بصري ‪ ،‬ولهو أحب إلي من سمعي وبصري ‪ ،‬فقال ‪" :‬يا‬
‫شيب )‪ (7‬قاتل الكفار"‪.‬‬
‫رواه البيهقي من حديث الوليد ‪ ،‬فذكره )‪ (8‬ثم روى من حديث أيوب بن جابر‬
‫‪ ،‬عن صدقة بن سعيد ‪ ،‬عن مصعب بن شيبة عن أبيه قال ‪ :‬خرجت مع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ‪ ،‬والله ما أخرجني إسلم ول‬
‫معرفة به ‪ ،‬ولكني أبيت أن تظهر هوازن على قريش ‪ ،‬فقلت وأنا واقف‬
‫معه ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إني أرى خيل ُبلقا ‪ ،‬فقال ‪" :‬يا شيبة ‪ ،‬إنه ل يراها إل‬
‫كافر"‪ .‬فضرب بيده في )‪ (9‬صدري ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬اللهم ‪ ،‬اهد شيبة" ‪ ،‬ثم‬
‫ضربها الثانية ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬اللهم ‪ ،‬اهد شيبة" ‪ ،‬ثم ضربها الثالثة ثم قال ‪:‬‬
‫"اللهم اهد شيبة"‪ .‬قال ‪ :‬فوالله ما رفع يده عن صدري في الثالثة حتى ما‬
‫ي منه ‪ ،‬وذكر تمام الحديث ‪ ،‬في التقاء الناس‬ ‫كان أحد من خلق الله أحب إل ّ‬
‫وانهزام المسلمين ونداء العباس واستنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫حتى هزم الله المشركين )‪(10‬‬
‫سار ‪ ،‬عمن حدثه ‪ ،‬عن‬ ‫قال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني والدي إسحاق بن ي َ َ‬
‫جَبير بن مطعم ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬إنا لمع رسول الله صلى الله عليه‬ ‫ُ‬
‫جاد السود يهوي‬ ‫وسلم يوم حنين ‪ ،‬والناس يقتتلون ‪ ،‬إذ نظرت إلى مثل الب ِ َ‬
‫من السماء ‪ ،‬حتى وقع بيننا وبين القوم ‪ ،‬فإذا نمل منثور قد مل الوادي ‪ ،‬فلم‬
‫يكن إل هزيمة القوم ‪ ،‬فما كنا نشك أنها الملئكة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬المهاجرين" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬كأنهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬دلئل النبوة )‪ (5/142‬والمسند )‪.(1/454‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬ثم جئته"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬يا شبيب يا شبيب"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في د ‪" :‬ادن مني يا شيب"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬يا شبيب"‪.‬‬
‫)‪ (8‬دلئل النبوة للبيهقي )‪.(5/145‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬يده على"‪.‬‬
‫)‪ (10‬دلئل النبوة للبيهقي )‪.(5/146‬‬

‫) ‪(4/129‬‬

‫وقال سعيد بن السائب بن يسار ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬سمعت يزيد بن عامر‬
‫وائي ‪ -‬وكان شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم بعد ‪ -‬فكنا نسأله عن‬ ‫س َ‬
‫ال ّ‬
‫الرعب الذي ألقى الله في قلوب المشركين يوم حنين ‪ ،‬فكان يأخذ الحصاة‬
‫ن ‪ ،‬فيقول )‪ (2‬كنا نجد في أجوافنا مثل هذا‪.‬‬ ‫ست )‪ (1‬فيط ّ‬ ‫فيرمي بها في الط ّ ْ‬
‫وقد تقدم له شاهد من حديث يزيد بن أبي أسيد )‪ (3‬فالله أعلم‪.‬‬
‫مر ‪ ،‬عن‬ ‫معْ َ‬ ‫وفي صحيح مسلم ‪ ،‬عن محمد بن رافع ‪ ،‬عن عبد الرزاق أنبأنا َ‬
‫مام قال ‪ :‬هذا ما حدثنا أبو هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬ ‫هَ ّ‬
‫وسلم ‪" :‬نصرت بالرعب ‪ ،‬وأوتيت جوامع الكلم" )‪(4‬‬
‫َ‬ ‫م َأنز َ‬
‫ل‬‫ن وَأنز َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫سول ِهِ وَعََلى ال ْ ُ‬‫ه عََلى َر ُ‬‫كين َت َ ُ‬
‫س ِ‬
‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ولهذا قال تعالى ‪ ) :‬ث ُ ّ‬
‫ن ( )‪(5‬‬ ‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫ْ‬
‫جَزاُء ال َ‬ ‫فُروا وَذ َل ِ َ‬
‫ك َ‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ب ال ِ‬ ‫ها وَعَذ ّ َ‬ ‫جُنوًدا ل َ ْ‬
‫م ت ََروْ َ‬ ‫ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬الطشت"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬ثم يقول"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬أسد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم برقم )‪.(523‬‬
‫)‪ (5‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬فأنزل" وهو خطأ‪.‬‬

‫) ‪(4/130‬‬
‫م )‪(27‬‬
‫حي ٌ‬
‫فوٌر َر ِ‬ ‫شاُء َوالل ّ ُ‬
‫ه غَ ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ك عََلى َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ ذ َل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ب الل ّ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ثُ ّ‬
‫م ي َُتو ُ‬

‫م )‪{ (27‬‬
‫حي ٌ‬
‫فوٌر َر ِ‬ ‫شاُء َوالل ّ ُ‬
‫ه غَ ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ك عََلى َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ ذ َل ِ َ‬
‫م ْ‬
‫ه ِ‬‫ب الل ّ ُ‬ ‫} ثُ ّ‬
‫م ي َُتو ُ‬
‫جَرْيج ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬هذه أول آية نزلت من ]سورة[ )‪" (1‬براءة"‪.‬‬ ‫قال ابن ُ‬
‫يذكر تعالى للمؤمنين فضله عليهم وإحسانه لديهم في نصره إياهم في‬
‫مواطن كثيرة من غزواتهم مع رسوله )‪ (2‬وأن ذلك من عنده تعالى ‪ ،‬وبتأييده‬
‫وتقديره ‪ ،‬ل بَعددهم ول بُعددهم ونبههم على أن النصر من عنده ‪ ،‬سواء قل‬
‫حنين أعجبتهم كثرتهم ‪ ،‬ومع هذا ما أجدى ذلك عنهم‬ ‫الجمع أو كثر ‪ ،‬فإن يوم ُ‬
‫شيئا فولوا مدبرين إل القليل منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬ثم‬
‫أنزل ]الله[ )‪ (3‬نصره وتأييده على رسوله وعلى المؤمنين الذين معه ‪ ،‬كما‬
‫سنبينه إن شاء الله تعالى مفصل ليعلمهم )‪ (4‬أن النصر من عنده تعالى‬
‫وحده وبإمداده وإن قل الجمع ‪ ،‬فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله‬
‫‪ ،‬والله مع الصابرين‪.‬‬
‫وقد قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا وهب بن جرير ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬سمعت يونس‬
‫يحدث عن الزهري ‪ ،‬عن عبيد الله ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬خير الصحابة أربعة ‪ ،‬وخير السرايا أربعمائة ‪ ،‬وخير‬
‫الجيوش أربعة آلف ‪ ،‬ولن تغلب اثنا عشر ألفا من قلة"‪.‬‬
‫وهكذا رواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي )‪ (5‬ثم قال ‪ (6) :‬هذا حديث حسن غريب ‪،‬‬
‫ل يسنده كبير أحد غير جرير بن حازم ‪ ،‬وإنما روي عن الزهري ‪ ،‬عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم مرسل‪.‬‬
‫وقد رواه ابن ماجه والبيهقي وغيره ‪ ،‬عن أكثم بن الجون ‪ ،‬عن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬بنحوه )‪ (7‬والله أعلم‪.‬‬
‫حنين" بعد فتح مكة في شوال سنة ثمان من الهجرة ‪،‬‬ ‫وقد كانت وقعة ‪ُ " :‬‬
‫وذلك لما فرغ عليه السلم )‪ (8‬من فتح مكة ‪ ،‬وتمهدت أمورها ‪ ،‬وأسلم عامة‬
‫أهلها ‪ ،‬وأطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فبلغه أن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬رسول الله صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في د ‪" :‬ليعلم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (1/294‬وسنن أبي داود برقم )‪ (2611‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪.(1555‬‬
‫)‪ (6‬في د ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (7‬سنن ابن ماجه برقم )‪ (2827‬وسنن البيهقي الكبرى )‪ (9/263‬من‬
‫طريق أبي سلمة العاملي عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال لكثم بن الجون ‪ ،‬فذكر نحو حديث ابن عباس‪ .‬وقال‬
‫البوصيري في الزوائد )‪" : (2/412‬هذا إسناد ضعيف ؛ لضعف أبي سلمة‬
‫العاملي الزدي وعبد الملك بن محمد الصنعاني"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬رسوله الله صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬

‫) ‪(4/130‬‬
‫ضري ‪ ،‬ومعه ثقيف‬ ‫هوازن جمعوا له ليقاتلوه ‪ ،‬وأن أميرهم مالك بن عوف الن ّ ْ‬
‫جشم وبنو سعد بن بكر ‪ ،‬وأوزاع من بني هلل ‪ ،‬وهم قليل ‪،‬‬ ‫بكمالها ‪ ،‬وبنو ُ‬
‫وناس من بني عمرو بن عامر ‪ ،‬وعوف بن عامر ‪ ،‬وقد أقبلوا معهم النساء‬
‫ضيضهم فخرج إليهم رسول الله‬ ‫ضهم وقَ ِ‬‫ق ّ‬
‫والولدان والشاء والّنعم ‪ ،‬وجاءوا ب َ‬
‫صلى الله عليه وسلم في جيشه الذي جاء )‪ (1‬معه للفتح ‪ ،‬وهو عشرة آلف‬
‫من المهاجرين والنصار وقبائل العرب ‪ ،‬ومعه الذين أسلموا من أهل مكة ‪،‬‬
‫وهم الطلقاء في ألفين أيضا ‪ ،‬فسار بهم إلى العدو ‪ ،‬فالتقوا بواد بين مكة‬
‫والطائف يقال له "حنين" ‪ ،‬فكانت فيه الوقعة في أول النهار في غلس‬
‫الصبح ‪ ،‬انحدروا في الوادي وقد كمنت فيه هوازن ‪ ،‬فلما تواجهوا لم يشعر‬
‫المسلمون إل بهم قد ثاوروهم )‪ (2‬ورشقوا بالنبال ‪ ،‬وأصلتوا السيوف ‪،‬‬
‫وحملوا حملة رجل واحد ‪ ،‬كما أمرهم ملكهم‪ .‬فعند ذلك ولى المسلمون‬
‫مدبرين ‪ ،‬كما قال الله ‪ ،‬عز وجل )‪ (3‬وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ ،‬وهو راكب يومئذ بغلته الشهباء يسوقها إلى نحر العدو ‪ ،‬والعباس عمه آخذ‬
‫بركابها اليمن ‪ ،‬وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بركابها اليسر ‪،‬‬
‫يثقلنها لئل تسرع السير ‪ ،‬وهو ينوه باسمه ‪ ،‬عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ويدعو‬
‫ي أنا رسول الله" ‪،‬‬ ‫المسلمين إلى الرجعة ]ويقول[ )‪ (4‬أين يا عباد الله ؟ إل ّ‬
‫ويقول في تلك الحال ‪:‬‬
‫أنا النبي ل كذب‪ ...‬أنا ابن عبد المطلب‪...‬‬
‫وثبت معه من أصحابه قريب من مائة ‪ ،‬ومنهم من قال ‪ :‬ثمانون ‪ ،‬فمنهم ‪:‬‬
‫أبو بكر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ ،‬والعباس وعلي ‪ ،‬والفضل بن عباس ‪،‬‬
‫وأبو سفيان بن الحارث ‪ ،‬وأيمن بن أم أيمن ‪ ،‬وأسامة بن زيد ‪ ،‬وغيرهم ‪،‬‬
‫رضي الله عنهم ثم أمر صلى الله عليه وسلم عمه العباس ‪ -‬وكان جهير‬
‫الصوت ‪ -‬أن ينادي بأعلى صوته ‪ :‬يا أصحاب الشجرة ‪ -‬يعني شجرة بيعة‬
‫الرضوان ‪ ،‬التي بايعه المسلمون من المهاجرين والنصار تحتها ‪ ،‬على أل‬
‫يفروا عنه ‪ -‬فجعل ينادي بهم ‪ :‬يا أصحاب السمرة )‪ (5‬ويقول تارة ‪ :‬يا‬
‫أصحاب سورة البقرة ‪ ،‬فجعلوا يقولون ‪ :‬يا لبيك ‪ ،‬يا لبيك ‪ ،‬وانعطف الناس‬
‫فجعلوا يتراجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬حتى إن الرجل منهم‬
‫إذا لم يطاوعه بعيره على الرجوع ‪ ،‬لبس درعه ‪ ،‬ثم انحدر عنه ‪ ،‬وأرسله ‪،‬‬
‫ورجع بنفسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فلما رجعت )‪ (6‬شرذمة‬
‫منهم ‪ ،‬أمرهم عليه السلم )‪ (7‬أن يصدقوا الحملة ‪ ،‬وأخذ قبضة من التراب‬
‫بعدما دعا ربه واستنصره ‪ ،‬وقال ‪" :‬اللهم أنجز لي ما وعدتني" ثم رمى القوم‬
‫بها ‪ ،‬فما بقي إنسان منهم إل أصابه منها في عينيه وفمه ما شغله عن القتال‬
‫‪ ،‬ثم انهزموا ‪ ،‬فاتبع )‪ (8‬المسلمون أقفاءهم يقتلون ويأسرون ‪ ،‬وما تراجع‬
‫بقية الناس إل والسارى مجدلة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬أخبرنا يعلى بن‬
‫عطاء ‪ ،‬عن عبد الله بن يسار أبي همام ‪ ،‬عن أبي عبد الرحمن الفهري ‪-‬‬
‫واسمه يزيد بن أسيد ‪ ،‬ويقال ‪ :‬يزيد بن أنيس ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الذي جاءوا" ‪ ،‬وفي د ‪" :‬الذين جاءوا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬بادروهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬الله تعالى"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬الشجرة"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في د ‪" :‬اجتمعت"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬د ‪" :‬واتبع"‪.‬‬

‫) ‪(4/126‬‬

‫ويقال ‪ :‬ك ُْرز ‪ -‬قال ‪ :‬كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة‬
‫حنين ‪ ،‬فسرنا في يوم قائظ شديد الحر ‪ ،‬فنزلنا تحت ظلل الشجر ‪ ،‬فلما‬
‫زالت الشمس لبست لمتي وركبت فرسي ‪ ،‬فانطلقت إلى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وهو في فسطاطه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬السلم عليك يا رسول الله‬
‫ورحمة الله ‪ ،‬حان الرواح ؟ فقال ‪" :‬أجل"‪ .‬فقال ‪" :‬يا بلل" فثار من تحت‬
‫سمرة )‪ (1‬كأن ظله ظل طائر ‪ ،‬فقال ‪ :‬لبيك وسعديك ‪ ،‬وأنا فداؤك )‪(2‬‬
‫فقال ‪" :‬أسرج لي فرسي"‪ .‬فأخرج سرجا دفتاه من ليف ‪ ،‬ليس فيهما أشٌر‬
‫ول ب َ َ‬
‫طر‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فأسرج ‪ ،‬فركب وركبنا ‪ ،‬فصاففناهم عشيتنا وليلتنا ‪ ،‬فتشامت الخيلن ‪،‬‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬‫مد ْب ِ ِ‬
‫م ُ‬‫م وَل ّي ْت ُ ْ‬
‫فولى المسلمون مدبرين ‪ ،‬كما قال الله ‪ ،‬عز وجل ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يا عباد الله ‪ ،‬أنا عبد الله ورسوله"‬
‫‪ ،‬ثم قال ‪ " :‬يا معشر المهاجرين ‪ ،‬أنا عبد الله ورسوله"‪ .‬قال ‪ :‬ثم اقتحم‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرسه )‪ (3‬فأخذ كفا من تراب ‪،‬‬
‫فأخبرني الذي كان أدنى إليه مني ‪ :‬أنه ضرب به وجوههم ‪ ،‬وقال ‪" :‬شاهت‬
‫الوجوه"‪ .‬فهزمهم الله عز وجل‪ .‬قال يعلى بن عطاء ‪ :‬فحدثني أبناؤهم ‪ ،‬عن‬
‫آبائهم ‪ ،‬أنهم قالوا ‪ :‬لم يبق منا أحد إل امتلت عيناه وفمه ترابا ‪ ،‬وسمعنا‬
‫صلصلة بين السماء والرض ‪ ،‬كإمرار الحديد على الطست )‪ (4‬الجديد‪.‬‬
‫وهكذا رواه الحافظ البيهقي في "دلئل النبوة" من حديث أبي داود‬
‫الطيالسي ‪ ،‬عن حماد بن سلمة به )‪(5‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ‪ ،‬عن عبد الرحمن‬
‫بن جابر ‪ ،‬عن أبيه جابر عن عبد الله قال ‪ :‬فخرج مالك بن عوف بمن معه‬
‫إلى حنين ‪ ،‬فسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ‪ ،‬فأعدوا وتهيئوا في‬
‫مضايق الوادي وأحنائه ‪ ،‬وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ‪،‬‬
‫حتى انحط بهم الوادي في عماية الصبح ‪ ،‬فلما انحط الناس ثارت في‬
‫قِبل أحد عن‬ ‫وجوههم الخيل ‪ ،‬فاشتدت عليهم ‪ ،‬وانكفأ الناس منهزمين ‪ ،‬ل ي ُ ْ‬
‫أحد ‪ ،‬وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين يقول ‪" :‬أيها‬
‫ي أنا رسول الله ‪ ،‬أنا رسول الله ‪ ،‬أنا محمد بن عبد الله"‬ ‫الناس )‪ (6‬هلموا إل ّ‬
‫فل شيء ‪ ،‬وركبت البل بعضها بعضا )‪ (7‬فلما رأى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أمر الناس قال ‪" :‬يا عباس ‪ ،‬اصرخ ‪ :‬يا معشر النصار ‪ ،‬يا‬
‫أصحاب السمرة"‪ .‬فأجابوه ‪ :‬لبيك ‪ ،‬لبيك ‪ ،‬فجعل الرجل يذهب ليعطف بعيره‬
‫‪ ،‬فل يقدر على ذلك ‪ ،‬فيقذف درعه في عنقه ‪ ،‬ويأخذ سيفه وقوسه ‪ ،‬ثم ي َؤُ ّ‬
‫م‬
‫الصوت ‪ ،‬حتى اجتمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة ‪،‬‬
‫س فاقتتلوا ‪ ،‬وكانت الدعوة أول ما كانت بالنصار ‪ ،‬ثم جعلت‬ ‫فاستعرض النا ُ‬
‫صب ًُرا عند الحرب ‪ ،‬وأشرف رسول الله صلى الله‬ ‫آخًرا بالخزرج )‪ (8‬وكانوا ُ‬
‫مجت َلد القوم ‪ ،‬فقال ‪" :‬الن حمي‬ ‫َ‬ ‫عليه وسلم في ركائبه )‪ (9‬فنظر إلى ُ‬
‫وطيس" ‪ :‬قال ‪ :‬فوالله ما راجعه الناس إل والسارى عند رسول الله صلى‬ ‫ال َ‬
‫قون ‪ ،‬فقتل الله منهم من قتل ‪،‬‬ ‫الله عليه وسلم مل َ‬
‫__________‬
‫في ت ‪" :‬شجرة"‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫في ك ‪" :‬فداك"‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫في ت ‪" :‬قرب"‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫في ت ‪" :‬الطشت"‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫المسند )‪ (5/286‬ودلئل النبوة )‪.(5/141‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫في ت ‪" :‬يأيها الناس"‪.‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫في ك ‪" :‬بعض"‪.‬‬ ‫)‪(7‬‬
‫في ت ‪" :‬بالخروج"‪.‬‬ ‫)‪(8‬‬
‫في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬ركابه"‪.‬‬ ‫)‪(9‬‬

‫) ‪(4/127‬‬

‫وانهزم منهم من انهزم ‪ ،‬وأفاء الله على رسوله أموالهم وأبناءهم‪.‬‬


‫وفي الصحيحين من حديث شعبة ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن البراء بن عازب ‪،‬‬
‫رضي الله عنهما ‪ ،‬أنه قال له رجل ‪ :‬يا أبا عمارة ‪ ،‬أفررتم عن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يوم حنين ‪ ،‬فقال ‪ :‬لكن رسول الله صلى الله عليه‬
‫ملنا عليهم‬ ‫ح َ‬‫ماة ‪ ،‬فلما لقيناهم و َ‬ ‫وسلم لم يفّر ‪ ،‬إن هوازن كانوا قوما ُر َ‬
‫انهزموا ‪ ،‬فأقبل الناس على الغنائم ‪ ،‬فاستقبلونا بالسهام ‪ ،‬فانهزم الناس ‪،‬‬
‫فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان بن الحارث آخذ‬
‫بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء ‪ ،‬وهو يقول ‪:‬‬
‫أنا النبي ل كذب‪ ...‬أنا ابن عبد المطلب )‪(1‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا في غاية ما يكون من الشجاعة التامة ‪ ،‬إنه في مثل هذا اليوم‬
‫غى ‪ ،‬وقد انكشف عنه جيشه ‪ ،‬هو مع ذلك )‪ (2‬على بغلة‬ ‫حومة الوَ َ‬‫في َ‬
‫وليست سريعة الجري ‪ ،‬ول تصلح لكّر ول لفّر ول لهرب ‪ ،‬وهو مع هذا )‪(3‬‬
‫وه باسمه ليعرفه من لم يعرفه ‪ ،‬صلوات الله‬ ‫ضا يركضها إلى وجوههم وين ّ‬ ‫أي ً‬
‫ما إلى يوم الدين ‪ ،‬وما هذا كله إل ثقة بالله ‪ ،‬وتوكل عليه ‪،‬‬ ‫وسلمه عليه دائ ً‬
‫ما منه بأنه سينصره ‪ ،‬ويتم ما أرسله به ‪ ،‬ويظهر دينه على سائر الديان ؛‬ ‫وعل ً‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م أنز َ‬
‫سول ِهِ { أي ‪ :‬طمأنينته وثباته‬ ‫ه عَلى َر ُ‬‫كين َت َ ُ‬
‫س ِ‬
‫ه َ‬
‫ل الل ُ‬ ‫ولهذا قال تعالى ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ها‬
‫م ت ََروْ َ‬
‫جُنوًدا ل ْ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬الذين معه ‪ } ،‬وَأنزل ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫على رسوله ‪ } ،‬وَعََلى ال ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫{ وهم الملئكة ‪ ،‬كما قال المام أبو جعفر بن جرير ‪:‬‬
‫]حدثنا القاسم قال[ )‪ (4‬حدثني الحسن بن عرفة قال ‪ :‬حدثني المعتمر بن‬
‫سليمان ‪ ،‬عن عوف ‪ -‬هو ابن أبي جميلة العرابي ‪ -‬قال ‪ :‬سمعت عبد‬
‫الرحمن مولى ابن ب ُْرُثن ‪ ،‬حدثني رجل كان مع المشركين يوم حنين قال ‪:‬‬
‫لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين )‪ (5‬لم‬
‫حَلب شاة ‪ -‬قال ‪ :‬فلما كشفناهم جعلنا نسوقهم في آثارهم ‪ ،‬حتى‬ ‫يقوموا لنا َ‬
‫انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء ‪ ،‬فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫قال ‪ :‬فتلقانا عنده رجال بيض حسان الوجوه ‪ ،‬فقالوا لنا ‪ :‬شاهت الوجوه ‪،‬‬
‫ارجعوا‪ .‬قال ‪ :‬فانهزمنا ‪ ،‬وركبوا أكتافنا ‪ ،‬فكانت إياها‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البيهقي ‪ :‬أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ‪ ،‬حدثني محمد بن‬
‫أحمد بن َباُلوَيه ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي )‪ (6‬حدثنا عفان بن مسلم‬
‫صيرة ‪ ،‬حدثنا القاسم بن عبد‬ ‫ح ِ‬‫‪ ،‬حدثنا عبد الواحد بن زياد ‪ ،‬حدثنا الحارث بن َ‬
‫الرحمن ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬قال ابن مسعود ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬كنت مع رسول‬
‫ت معه في‬ ‫حنين ‪ ،‬فولى عنه الناس ‪ ،‬وبقي ُ‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم يوم ُ‬
‫ثمانين رجل من المهاجرين والنصار ‪ ،‬قدمنا ولم نولهم الدبر ‪ ،‬وهم الذين‬
‫أنزل الله عليهم السكينة‪ .‬قال ‪ :‬ورسول الله صلى الله عليه وسلم على‬
‫دما ‪ ،‬فحاَدت بغلته ‪ ،‬فمال عن السرج ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ارتفع رفعك‬ ‫بغلته يمضي قُ ُ‬
‫فا من التراب"‪ .‬فناولته ‪ ،‬قال ‪ :‬فضرب به وجوههم ‪،‬‬ ‫الله‪ .‬قال ‪" :‬ناولني ك ً‬
‫فامتلت أعينهم تراًبا ‪ ،‬قال ‪" :‬أين‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪ ، (2864‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1776‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪" :‬وهو مع هذا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪" :‬ذلك"‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬يوم حنين في آثارهم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ك ‪" :‬الجرمي"‪.‬‬

‫) ‪(4/128‬‬

‫المهاجرون )‪ (1‬والنصار ؟" قلت ‪ :‬هم هناك‪ .‬قال ‪" :‬اهتف بهم"‪ .‬فهتفت بهم‬
‫‪ ،‬فجاءوا وسيوفهم بأيمانهم ‪ ،‬كأنها )‪ (2‬الشهب ‪ ،‬وولى المشركون أدبارهم‪.‬‬
‫ورواه المام أحمد في مسنده عن عفان ‪ ،‬به نحوه )‪(3‬‬
‫وقال الوليد بن مسلم ‪ :‬حدثني عبد الله بن المبارك ‪ ،‬عن أبي بكر الُهذلي ‪،‬‬
‫رمة مولى ابن عباس ‪ ،‬عن شيبة بن عثمان قال ‪ :‬لما رأيت رسول‬ ‫عك ْ ِ‬
‫عن ِ‬
‫عرى ‪ ،‬ذكرت أبي وعمي وقتل علي‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قد َ‬
‫وحمزة إياهما ‪ ،‬فقلت ‪ :‬اليوم أدرك ثأري منه ‪ -‬قال ‪ :‬فذهبت لجيئه عن يمينه‬
‫ما ‪ ،‬عليه درع بيضاء كأنها فضة ‪،‬‬ ‫‪ ،‬فإذا أنا بالعباس بن عبد المطلب قائ ً‬
‫مه ولن يخذله ‪ -‬قال ‪ :‬فجئته )‪ (4‬عن يساره ‪،‬‬ ‫يكشف عنها العجاج ‪ ،‬فقلت ‪ :‬عَ ّ‬
‫فإذا أنا بأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ابن عمه ولن‬
‫وره سورة بالسيف ‪ ،‬إذ رفع لي‬ ‫س ّ‬
‫يخذله‪ .‬فجئته من خلفه ‪ ،‬فلم يبق إل أن أ َ‬
‫شني ‪ ،‬فوضعت يدي‬ ‫ح َ‬
‫م َ‬‫واظ من نار بيني وبينه ‪ ،‬كأنه برق ‪ ،‬فخفت أن ت َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ش َ‬
‫على بصري ومشيت القهقري ‪ ،‬فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ب ‪ ،‬يا شيب )‪ (5‬ادن مني )‪ (6‬اللهم أذهب عنه الشيطان"‪.‬‬ ‫وقال ‪" :‬يا شي َ‬
‫قال ‪ :‬فرفعت إليه بصري ‪ ،‬ولهو أحب إلي من سمعي وبصري ‪ ،‬فقال ‪" :‬يا‬
‫شيب )‪ (7‬قاتل الكفار"‪.‬‬
‫رواه البيهقي من حديث الوليد ‪ ،‬فذكره )‪ (8‬ثم روى من حديث أيوب بن جابر‬
‫‪ ،‬عن صدقة بن سعيد ‪ ،‬عن مصعب بن شيبة عن أبيه قال ‪ :‬خرجت مع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ‪ ،‬والله ما أخرجني إسلم ول‬
‫معرفة به ‪ ،‬ولكني أبيت أن تظهر هوازن على قريش ‪ ،‬فقلت وأنا واقف‬
‫معه ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إني أرى خيل ُبلقا ‪ ،‬فقال ‪" :‬يا شيبة ‪ ،‬إنه ل يراها إل‬
‫كافر"‪ .‬فضرب بيده في )‪ (9‬صدري ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬اللهم ‪ ،‬اهد شيبة" ‪ ،‬ثم‬
‫ضربها الثانية ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬اللهم ‪ ،‬اهد شيبة" ‪ ،‬ثم ضربها الثالثة ثم قال ‪:‬‬
‫"اللهم اهد شيبة"‪ .‬قال ‪ :‬فوالله ما رفع يده عن صدري في الثالثة حتى ما‬
‫ي منه ‪ ،‬وذكر تمام الحديث ‪ ،‬في التقاء الناس‬ ‫كان أحد من خلق الله أحب إل ّ‬
‫وانهزام المسلمين ونداء العباس واستنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫حتى هزم الله المشركين )‪(10‬‬
‫سار ‪ ،‬عمن حدثه ‪ ،‬عن‬ ‫قال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني والدي إسحاق بن ي َ َ‬
‫جَبير بن مطعم ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬إنا لمع رسول الله صلى الله عليه‬ ‫ُ‬
‫جاد السود يهوي‬ ‫وسلم يوم حنين ‪ ،‬والناس يقتتلون ‪ ،‬إذ نظرت إلى مثل الب ِ َ‬
‫من السماء ‪ ،‬حتى وقع بيننا وبين القوم ‪ ،‬فإذا نمل منثور قد مل الوادي ‪ ،‬فلم‬
‫يكن إل هزيمة القوم ‪ ،‬فما كنا نشك أنها الملئكة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬المهاجرين" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬كأنهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬دلئل النبوة )‪ (5/142‬والمسند )‪.(1/454‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬ثم جئته"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬يا شبيب يا شبيب"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في د ‪" :‬ادن مني يا شيب"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬يا شبيب"‪.‬‬
‫)‪ (8‬دلئل النبوة للبيهقي )‪.(5/145‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬يده على"‪.‬‬
‫)‪ (10‬دلئل النبوة للبيهقي )‪.(5/146‬‬

‫) ‪(4/129‬‬

‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫م ب َعْد َ‬ ‫حَرا َ‬ ‫جد َ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬‫قَرُبوا ال ْ َ‬ ‫س فََل ي َ ْ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫مُنوا إ ِن ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫شاَء إ ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ضل ِهِ إ ِ ْ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ف ي ُغِْنيك ُ ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫م عَي ْل َ ً‬ ‫فت ُ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن ِ‬‫ذا وَإ ِ ْ‬‫م هَ َ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫عا ِ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫ن َ‬‫مو َ‬ ‫حّر ُ‬ ‫َ‬
‫خرِ وَل ي ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ِباللهِ وَل ِبالي َوْم ِ ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫َ‬
‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫م )‪َ (28‬قات ِلوا ال ِ‬
‫ذي َ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫ُ‬
‫حّتى ي ُعْطوا‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ب َ‬ ‫ن أوُتوا الك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬‫حقّ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ن ِدي َ‬ ‫ديُنو َ‬ ‫ه وَل ي َ ِ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫م الل ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(29‬‬ ‫صاِغُرو َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي َد ٍ وَهُ ْ‬‫ة عَ ْ‬ ‫جْزي َ َ‬ ‫ْ‬
‫ال ِ‬

‫وقال سعيد بن السائب بن يسار ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬سمعت يزيد بن عامر‬
‫وائي ‪ -‬وكان شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم بعد ‪ -‬فكنا نسأله عن‬ ‫س َ‬
‫ال ّ‬
‫الرعب الذي ألقى الله في قلوب المشركين يوم حنين ‪ ،‬فكان يأخذ الحصاة‬
‫ن ‪ ،‬فيقول )‪ (2‬كنا نجد في أجوافنا مثل هذا‪.‬‬ ‫ست )‪ (1‬فيط ّ‬ ‫فيرمي بها في الط ّ ْ‬
‫وقد تقدم له شاهد من حديث يزيد بن أبي أسيد )‪ (3‬فالله أعلم‪.‬‬
‫مر ‪ ،‬عن‬ ‫معْ َ‬ ‫وفي صحيح مسلم ‪ ،‬عن محمد بن رافع ‪ ،‬عن عبد الرزاق أنبأنا َ‬
‫مام قال ‪ :‬هذا ما حدثنا أبو هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬ ‫هَ ّ‬
‫وسلم ‪" :‬نصرت بالرعب ‪ ،‬وأوتيت جوامع الكلم" )‪(4‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م َأنز َ‬
‫ن وَأنز َ‬
‫ل‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫سول ِهِ وَعَلى ال ُ‬ ‫ه عََلى َر ُ‬ ‫كين َت َ ُ‬
‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ولهذا قال تعالى ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫ن { )‪(5‬‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫جَزاُء الكافِ ِ‬ ‫َ‬
‫فُروا وَذ َل ِك َ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ب ال ِ‬ ‫ها وَعَذ ّ َ‬ ‫جُنوًدا ل َ ْ‬
‫م ت ََروْ َ‬ ‫ُ‬
‫م { قد‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫َ‬
‫هغ ُ‬ ‫ّ‬
‫شاُء َوالل ُ‬ ‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ب َعْد ِ ذ َل ِك عَلى َ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ّ‬
‫ب الل ُ‬ ‫م ي َُتو ُ‬‫وقوله ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫تاب الله على بقية هوازن ‪ ،‬وأسلموا وقدموا عليه مسلمين ‪ ،‬ولحقوه وقد‬
‫جعِّرانة ‪ ،‬وذلك بعد الوقعة بقريب من عشرين يوما ‪ ،‬فعند‬ ‫قارب مكة عند ال ِ‬
‫خّيرهم بين سبيهم وبين أموالهم ‪ ،‬فاختاروا سبيهم ‪ ،‬وكانوا ستة آلف‬ ‫ذلك َ‬
‫أسير ما بين صبي وامرأة ‪ ،‬فرده عليهم ‪ ،‬وقسم أموالهم بين الغانمين ‪،‬‬
‫ة من‬ ‫ة مائ ً‬ ‫ونفل أناسا من الطلقاء ليتألف قلوبهم على السلم ‪ ،‬فأعطاهم مائ ً‬
‫ضري ‪ ،‬واستعمله‬ ‫البل ‪ ،‬وكان من جملة من أعطي مائة مالك بن عوف الن ّ ْ‬
‫على قومه كما كان ‪ ،‬فامتدحه بقصيدته التي يقول فيها ‪:‬‬
‫مد‪...‬‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬ ‫ت بمث ِْله‪ ...‬في الّناس ك ُّلهم بمثل ُ‬ ‫سمع ُ‬ ‫ت ول َ‬ ‫ن َرأي ُ‬ ‫ما إ ْ‬
‫غد‪...‬‬ ‫ما في َ‬ ‫ك عَ ّ‬ ‫خبْر َ‬ ‫شأ ي ُ ْ‬ ‫متى ت َ َ‬ ‫طى للجزيل إذا اجُتدى‪ ...‬و َ‬ ‫أوَْفى وأعْ َ‬
‫مهَّند‪...‬‬ ‫ل ُ‬ ‫ضْرب ك ُ ّ‬ ‫مَهريّ وَ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ت أنياُبها‪ ...‬بال ّ‬ ‫وإَذا الكتيبة عَّرد َ ْ‬
‫صد‬ ‫مْر َ‬ ‫خادر في َ‬ ‫كأّنه ليث على أشَباله‪ ...‬وسط الهََباءة )‪َ (6‬‬ ‫ْ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬
‫م ب َعْد َ‬‫حَرا َ‬ ‫جد َ ال ْ َ‬
‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قَرُبوا ال ْ َ‬ ‫س َفل ي َ ْ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م ْ‬‫ما ال ْ ُ‬ ‫مُنوا إ ِن ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫شاَء إ ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ضل ِهِ إ ِ ْ‬‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ف ي ُغِْنيك ُ ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫م عَي ْل َ ً‬ ‫فت ُ ْ‬
‫خ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذا وَإ ِ ْ‬ ‫م هَ َ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫عا ِ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫حّر ُ‬ ‫خرِ َول ي ُ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َول ِبال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫م )‪َ (28‬قات ُِلوا ال ّ ِ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫ُ‬
‫حّتى ي ُعْطوا‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ب َ‬ ‫ن أوُتوا الك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫حقّ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ن ِدي َ‬ ‫ديُنو َ‬ ‫ه َول ي َ ِ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫م الل ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (29‬‬ ‫صاِغُرو َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ٍ‬ ‫د‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ز‬‫ْ‬ ‫ج‬
‫ا ِ‬‫ْ‬ ‫ل‬
‫أمر تعالى عباده المؤمنين الطاهرين ديًنا وذاًتا بنفي المشركين ‪ ،‬الذين هم‬
‫جس ديًنا ‪ ،‬عن المسجد‬ ‫نَ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬الطشت"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬ثم يقول"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬أسد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم برقم )‪.(523‬‬
‫)‪ (5‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬فأنزل" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬د ‪" :‬المياه" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬المناة"‪.‬‬

‫) ‪(4/130‬‬

‫الحرام ‪ ،‬وأل يقربوه بعد نزول هذه الية‪ .‬وكان نزولها في سنة تسع ؛ ولهذا‬
‫بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا صحبة أبي بكر ‪ ،‬رضي الله عنهما‬
‫‪ ،‬عامئذ ‪ ،‬وأمره أن ينادي في المشركين ‪ :‬أل يحج بعد العام مشرك ‪ ،‬ول‬
‫يطوف )‪ (1‬بالبيت عريان‪ .‬فأتم الله ذلك ‪ ،‬وحكم به شرعا وقدرا‪.‬‬
‫جَرْيج ‪ ،‬أخبرني أبو الزبير ‪ ،‬أنه سمع جابر بن‬ ‫وقال عبد الرازق ‪ :‬أخبرنا ابن ُ‬
‫جد َ‬‫س ِ‬‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫قَرُبوا ال َ‬‫س َفل ي َ ْ‬
‫ج ٌ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫ُ‬
‫شرِكو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ما ال ُ‬ ‫عبد الله يقول في قوله تعالى ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫دا ‪ ،‬أو أحدا من أهل الذمة )‪(2‬‬ ‫ذا { إل أن يكون عب ً‬ ‫م هَ َ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫عا ِ‬ ‫م ب َعْد َ َ‬ ‫حَرا َ‬‫ال ْ َ‬
‫سين )‪ (3‬حدثنا‬ ‫ح َ‬ ‫وقد روي مرفوعا من وجه آخر ‪ ،‬فقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا ُ‬
‫وار ‪ -‬عن الحسن ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬قال‬ ‫س ّ‬ ‫شريك ‪ ،‬عن الشعث ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن َ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل يدخل مسجدنا بعد عامنا هذا مشرك ‪ ،‬إل‬
‫أهل العهد وخدمهم )‪(5) " (4‬‬
‫تفرد به أحمد مرفوعا ‪ ،‬والموقوف أصح إسنادا‪.‬‬
‫وقال المام أبو عمرو الوزاعي ‪ :‬كتب عمر بن عبد العزيز ‪ ،‬رضي الله عنه ‪:‬‬
‫أن امنعوا اليهود والنصارى من دخول مساجد المسلمين ‪ ،‬وأتبع نهيه قول‬
‫س{‬ ‫ج ٌ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫كو َ‬‫شرِ ُ‬ ‫م ْ‬‫ما ال ْ ُ‬ ‫الله ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫م‬
‫حَرا َ‬ ‫ْ‬
‫جد َ ال َ‬‫س ِ‬‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫قَرُبوا ال َ‬ ‫وقال عطاء ‪ :‬الحرم كله مسجد ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ } :‬فل ي َ ْ‬
‫ذا {‪.‬‬ ‫م هَ َ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫عا ِ‬‫ب َعْد َ َ‬
‫ودلت هذه الية الكريمة على نجاسة المشرك كما دلت ]على طهارة المؤمن‬
‫‪ ،‬ولما[ )‪ (6‬ورد في ]الحديث[ )‪ (7‬الصحيح ‪" :‬المؤمن ل ينجس" )‪ (8‬وأما‬
‫نجاسة بدنه فالجمهور على أنه ليس بنجس البدن والذات ؛ لن الله تعالى‬
‫أحل طعام أهل الكتاب ‪ ،‬وذهب بعض الظاهرية إلى نجاسة أبدانهم‪.‬‬
‫وقال أشعث ‪ ،‬عن الحسن ‪ :‬من صافحهم فليتوضأ‪ .‬رواه ابن جرير‪.‬‬
‫ضل ِهِ { قال ابن إسحاق ‪:‬‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ه ِ‬‫م الل ّ ُ‬‫ف ي ُغِْنيك ُ ُ‬ ‫سو ْ َ‬‫ة فَ َ‬‫م عَي ْل َ ً‬‫فت ُ ْ‬
‫خ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫وذلك أن الناس قالوا ‪ :‬لتنقطعن عنا السواق ‪ ،‬ولتهلكن )‪ (9‬التجارة وليذهبن‬
‫ف‬‫سو ْ َ‬ ‫م عَي ْل َ ً‬
‫ة فَ َ‬ ‫فت ُ ْ‬
‫خ ْ‬
‫ن ِ‬
‫ما كنا نصيب فيها من المرافق ‪ ،‬فنزلت )‪ } (10‬وَإ ِ ْ‬
‫م‬
‫شاَء { إلى قوله ‪ } :‬وَهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ضل ِهِ { من وجه غير ذلك ‪ } -‬إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ي ُغِْنيك ُ ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬إن هذا عوض ما تخوفتم من قطع تلك السواق ‪ ،‬فعوضهم‬ ‫صاِغُرو َ‬ ‫َ‬
‫الله بما قطع عنهم من أمر الشرك ‪ ،‬ما أعطاهم من أعناق أهل الكتاب ‪ ،‬من‬
‫الجزية‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يطوفن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير عبد الرزاق )‪.(1/245‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬حسن"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وخدمكم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (3/392‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (4/10‬فيه أشعث بن‬
‫سوار وفيه ضعف وقد وثق"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬صحيح البخاري برقم )‪ (283‬من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ‪،‬‬
‫ولفظه ‪" :‬إن المسلم ل ينجس"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬وليمكن"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬فنزل"‪.‬‬

‫) ‪(4/131‬‬

‫جَبير ‪ ،‬وقتادة‬ ‫رمة ‪ ،‬وسعيد بن ُ‬ ‫عك ْ ِ‬ ‫وهكذا ُروي عن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫والضحاك ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫كيم { أي ‪ :‬فيما يأمر به وينهى عنه‬ ‫ح ِ‬ ‫م { أي ‪ :‬بما يصلحكم ‪َ } ،‬‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫} إِ ّ‬
‫؛ لنه الكامل في أفعاله وأقواله ‪ ،‬العادل في خلقه وأمره ‪ ،‬تبارك وتعالى ؛‬
‫ولهذا عوضهم عن تلك المكاسب بأموال الجزية التي يأخذونها من أهل الذمة‬
‫م‬‫حّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫حّر ُ‬ ‫خرِ َول ي ُ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َول ِبال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬‫‪ ،‬فقال ‪َ } :‬قات ُِلوا ال ّ ِ‬
‫ُ‬
‫ة‬
‫جْزي َ َ‬ ‫طوا ال ْ ِ‬ ‫حّتى ي ُعْ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫م َ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ن ِدي َ‬ ‫ديُنو َ‬ ‫ه َول ي َ ِ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ن { فهم في نفس المر لما كفروا بمحمد صلى الله عليه‬ ‫صاِغُرو َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي َد ٍ وَهُ ْ‬‫عَ ْ‬
‫وسلم )‪ (1‬لم يبق لهم إيمان صحيح بأحد من الرسل ‪ ،‬ول بما جاءوا به ‪ ،‬وإنما‬
‫يتبعون آراءهم وأهواءهم وآباءهم فيما هم فيه ‪ ،‬ل لنه شرع الله ودينه ؛ لنهم‬
‫لو كانوا مؤمنين بما بأيديهم إيمانا صحيحا لقادهم ذلك إلى اليمان بمحمد ‪،‬‬
‫صلوات الله عليه ‪ ،‬لن جميع النبياء ]القدمين[ )‪ (2‬بشروا به ‪ ،‬وأمروا‬
‫باتباعه ‪ ،‬فلما جاء وكفروا )‪ (3‬به ‪ ،‬وهو أشرف الرسل ‪ ،‬عُِلم أنهم ليسوا‬
‫متمسكين بشرع النبياء القدمين لنه من عند الله ‪ ،‬بل لحظوظهم‬
‫وأهوائهم ‪ ،‬فلهذا ل ينفعهم إيمانهم ببقية النبياء ‪ ،‬وقد كفروا بسيدهم‬
‫ّ‬
‫ن ِباللهِ َول‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫وأفضلهم وخاتمهم وأكملهم ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬قات ُِلوا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ن ِدي َ‬ ‫ديُنو َ‬ ‫ه َول ي َ ِ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫حّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬‫مو َ‬ ‫حّر ُ‬ ‫خرِ َول ي ُ َ‬ ‫ِبال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫ُ‬
‫ب { وهذه الية الكريمة ]نزلت[ )‪ (4‬أول المر بقتال أهل الكتاب ‪،‬‬ ‫أوُتوا ال ْك َِتا َ‬
‫بعد ما تمهدت أمور المشركين ودخل الناس في دين الله أفواجا ‪ ،‬فلما‬
‫استقامت )‪ (5‬جزيرة العرب أمر الله ورسوله بقتال أهل الكتابين اليهود‬
‫والنصارى ‪ ،‬وكان ذلك في سنة تسع ؛ ولهذا تجهز رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم لقتال الروم ودعا الناس إلى ذلك ‪ ،‬وأظهره لهم ‪ ،‬وبعث إلى أحياء‬
‫َ‬
‫عبوا معه ‪ ،‬واجتمع من المقاتلة )‪ (6‬نحو‬ ‫العرب حول المدينة فندبهم ‪ ،‬فَأوْ َ‬
‫ض الناس من أهل المدينة ومن حولها من‬ ‫]من[ )‪ (7‬ثلثين ألفا ‪ ،‬وتخلف بع ُ‬
‫دب ‪ ،‬ووقت قَْيظ وحر ‪ ،‬وخرج ‪،‬‬ ‫ج‬
‫َ ْ‬ ‫عام‬ ‫المنافقين وغيرهم ‪ ،‬وكان ذلك في‬
‫عليه السلم ‪ ،‬يريد الشام لقتال الروم ‪ ،‬فبلغ تبوك ‪ ،‬فنزل بها وأقام على‬
‫ما ‪ ،‬ثم استخار الله في الرجوع ‪ ،‬فرجع عامه‬ ‫مائها )‪ (8‬قريًبا من عشرين يو ً‬
‫ذلك لضيق الحال وضعف الناس ‪ ،‬كما سيأتي بيانه بعد إن شاء الله‪.‬‬
‫من يرى أنه ل تؤخذ الجزية إل من أهل الكتاب‬ ‫ل بهذه الية الكريمة َ‬ ‫وقد استد ّ‬
‫‪ ،‬أو من أشباههم كالمجوس ‪ ،‬لما )‪ (9‬صح فيهم الحديث أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر )‪ (10‬وهذا مذهب الشافعي ‪ ،‬وأحمد‬
‫‪ -‬في المشهور عنه ‪ -‬وقال أبو حنيفة ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬بل تؤخذ من جميع‬
‫العاجم ‪ ،‬سواء كانوا )‪ (11‬من أهل الكتاب أو من المشركين ‪ ،‬ول تؤخذ من‬
‫العرب إل من أهل الكتاب‪.‬‬
‫ي‪،‬‬ ‫وقال المام مالك ‪ :‬بل يجوز أن تضرب الجزية على جميع الكفار من كتاب ّ‬
‫ومجوسي ‪ ،‬ووثني ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ك ‪" :‬صلوات الله وسلمه عليه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬فلما جاءوا كفروا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في جمع النسخ ‪" :‬واستقامت" ‪ ،‬وصوبناه ليستقيم النص‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ك ‪" :‬القابلة"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬في د ‪" :‬وأقام بها قريبا"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪" :‬كما"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في هـ ‪" :‬من هجر" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬من يهود هجر" والمثبت من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ك ‪" :‬سواء أن كانوا"‪.‬‬

‫) ‪(4/132‬‬

‫وغير ذلك ‪ ،‬ولمأخذ هذه المذاهب وذكر أدلتها مكان غير هذا ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫ن ي َد ٍ { أي ‪ :‬عن‬
‫ة { أي ‪ :‬إن لم يسلموا ‪ } ،‬عَ ْ‬ ‫طوا ال ْ ِ‬
‫جْزي َ َ‬ ‫حّتى ي ُعْ ُ‬
‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫ن { أي ‪ :‬ذليلون حقيرون مهانون‪ .‬فلهذا ل‬ ‫صاِغُرو َ‬ ‫م َ‬ ‫قهر لهم وغلبة ‪ } ،‬وَهُ ْ‬
‫صَغرة‬
‫يجوز إعزاز أهل الذمة ول رفعهم على المسلمين ‪ ،‬بل هم أذلء َ‬
‫أشقياء ‪ ،‬كما جاء في صحيح مسلم ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ل تبدءوا اليهود والنصارى بالسلم ‪ ،‬وإذا‬
‫لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه" )‪(1‬‬
‫ولهذا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬تلك‬
‫الشروط المعروفة في إذللهم وتصغيرهم وتحقيرهم ‪ ،‬وذلك مما رواه الئمة‬
‫الحفاظ ‪ ،‬من رواية )‪ (2‬عبد الرحمن بن غَْنم الشعري قال ‪ :‬كتبت لعمر بن‬
‫الخطاب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬حين صالح نصارى من أهل الشام ‪:‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم ‪ ،‬هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من‬
‫نصارى مدينة كذا وكذا ‪ ،‬إنكم لما قدمتم علينا سألناكم المان لنفسنا‬
‫وذرارينا )‪ (3‬وأموالنا وأهل ملتنا وشرطنا لكم على أنفسنا أل نحدث في‬
‫معة راهب ‪ ،‬ول نجدد‬ ‫صو ْ َ‬
‫مدينتنا ول فيما حولها ديًرا ول كنيسة ‪ ،‬ول ِقلية ول َ‬
‫ما خرب منها ‪ ،‬ول نحيي منها ما كان خطط )‪ (4‬المسلمين ‪ ،‬وأل نمنع كنائسنا‬
‫أن ينزلها أحد من المسلمين في ليل ول نهار ‪ ،‬وأن نوسع أبوابها للمارة وابن‬
‫السبيل ‪ ،‬وأن ينزل من مر بنا من المسلمين ثلثة أيام نطعمهم ‪ ،‬ول نأوي‬
‫شا للمسلمين ‪ ،‬ول نعلم أولدنا‬ ‫سا ‪ ،‬ول نكتم غ ً‬‫في كنائسنا ول منازلنا جاسو ً‬
‫دا من ذوي قرابتنا‬ ‫دا ؛ ول نمنع أح ً‬‫القرآن ‪ ،‬ول نظهر شركا ‪ ،‬ول ندعو إليه أح ً‬
‫الدخول في السلم إن أرادوه ‪ ،‬وأن نوقر المسلمين ‪ ،‬وأن نقوم لهم من‬
‫مجالسنا إن أرادوا الجلوس ‪ ،‬ول نتشبه بهم في شيء من ملبسهم ‪ ،‬في‬
‫قلنسوة ‪ ،‬ول عمامة ‪ ،‬ول نعلين ‪ ،‬ول فرق شعر ‪ ،‬ول نتكلم بكلمهم ‪ ،‬ول‬
‫نكتني بك َُناهم ‪ ،‬ول نركب السروج ‪ ،‬ول نتقلد السيوف ‪ ،‬ول نتخذ شيئا من‬
‫السلح ‪ ،‬ول نحمله معنا ‪ ،‬ول ننقش خواتيمنا بالعربية ‪ ،‬ول نبيع الخمور ‪ ،‬وأن‬
‫نجز مقاديم رءوسنا ‪ ،‬وأن نلزم ِزينا حيثما كنا ‪ ،‬وأن نشد الزنانير على‬
‫أوساطنا ‪ ،‬وأل نظهر الصليب على كنائسنا ‪ ،‬وأل نظهر صلبنا ول كتبنا )‪ (5‬في‬
‫شيء من طرق المسلمين ول أسواقهم ‪ ،‬ول نضرب نواقيسنا في كنائسنا إل‬
‫ضربا خفيا ‪ ،‬وأل نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا في شيء من حضرة‬
‫المسلمين ‪ ،‬ول نخرج شعانين ول باعوًثا ‪ ،‬ول نرفع أصواتنا مع موتانا ‪ ،‬ول‬
‫نظهر النيران معهم في شيء من طرق المسلمين ول أسواقهم ‪ ،‬ول‬
‫نجاورهم بموتانا ‪ ،‬ول نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين ‪ ،‬وأن‬
‫نرشد المسلمين ‪ ،‬ول نطلع عليهم في منازلهم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم برقم )‪.(2167‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬حديث"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وذرياتنا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ما كان في خطط"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬صليبا ول كساء"‪.‬‬

‫) ‪(4/133‬‬

‫م‬‫ك قَوْل ُهُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ذ َل ِ َ‬ ‫ح اب ْ ُ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫صاَرى ال ْ َ‬ ‫ت الن ّ َ‬ ‫ن الل ّهِ وََقال َ ِ‬ ‫ت ال ْي َُهود ُ عَُزي ٌْر اب ْ ُ‬ ‫وََقال َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(30‬‬ ‫كو َ‬ ‫ه أّنى ي ُؤْفَ ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ل َقات َل َهُ ُ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬‫م ْ‬‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬‫ن قَوْ َ‬ ‫ضاهُِئو َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫ب ِأفْ َ‬
‫مُروا إ ِّل‬ ‫ُ‬ ‫ذوا أ َحبارهُم ورهْبانه َ‬
‫ما أ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬ ‫ح اب ْ َ‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن الل ّهِ َوال ْ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م أْرَباًبا ِ‬ ‫ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ات ّ َ‬
‫ن )‪(31‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬‫ه عَ ّ‬ ‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬ ‫ه إ ِّل هُوَ ُ‬ ‫دا َل إ ِل َ َ‬
‫ح ً‬‫دوا إ ِل ًَها َوا ِ‬ ‫ل ِي َعْب ُ ُ‬

‫دا من المسلمين ‪،‬‬ ‫قال ‪ :‬فلما أتيت عمر بالكتاب ‪ ،‬زاد فيه ‪ :‬ول نضرب أح ً‬
‫شرطنا لكم ذلك على أنفسنا وأهل ملتنا ‪ ،‬وقبلنا عليه المان ‪ ،‬فإن نحن‬
‫فنا على أنفسنا ‪ ،‬فل ذمة لنا ‪ ،‬وقد‬ ‫خالفنا في شيء مما شرطناه لكم وَوَظ َ ْ‬
‫حل لكم منا ما يحل من أهل المعاندة والشقاق‪.‬‬
‫ك قَوْل ُهُ ْ‬
‫م‬ ‫ن الل ّهِ ذ َل ِ َ‬ ‫ح اب ْ ُ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬‫صاَرى ال ْ َ‬ ‫ت الن ّ َ‬ ‫ن الل ّهِ وََقال َ ِ‬ ‫ت ال ْي َُهود ُ عَُزي ٌْر اب ْ ُ‬ ‫} وََقال َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(30‬‬ ‫كو َ‬ ‫ه أّنى ي ُؤْفَ ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫ل َقات َل َهُ ُ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ن قَوْ َ‬ ‫ضاهُِئو َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫ب ِأفْ َ‬
‫ُ‬ ‫ذوا أ َحبارهُم ورهْبانه َ‬
‫مُروا ِإل‬ ‫ما أ ِ‬ ‫م وَ َ‬‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬ ‫ح اب ْ َ‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن الل ّهِ َوال ْ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م أْرَباًبا ِ‬ ‫ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ات ّ َ‬
‫ن )‪{ (31‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬‫ه عَ ّ‬ ‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬ ‫ه ِإل هُوَ ُ‬ ‫َ‬
‫دا ل إ ِل َ‬‫ح ً‬ ‫َ‬
‫دوا إ ِلًها َوا ِ‬ ‫ل ِي َعْب ُ ُ‬
‫وهذا إغراء من الله تعالى للمؤمنين على قتال المشركين الكفار من اليهود‬
‫فْرية على الله تعالى ‪ ،‬فأما‬ ‫والنصارى ‪ ،‬لمقالتهم هذه المقالة الشنيعة ‪ ،‬وال ِ‬
‫اليهود فقالوا في العَُزير ‪" :‬إنه ابن الله" ‪ ،‬تعالى ]الله[ )‪ (1‬عن ذلك علوا‬
‫كبيرا‪ .‬وذكر السدي وغيره أن الشبهة التي حصلت لهم في ذلك ‪ ،‬أن العمالقة‬
‫سَبوا كبارهم ‪ ،‬بقي العزير‬ ‫لما غلبت على بني إسرائيل ‪ ،‬فقتلوا علماءهم و َ‬
‫يبكي على بني إسرائيل وذهاب العلم منهم ‪ ،‬حتى سقطت جفون عينيه ‪،‬‬
‫مّر على جبانة ‪ ،‬وإذ )‪ (2‬امرأة تبكي عند قبر وهي‬ ‫فبينا هو ذات يوم إذ َ‬
‫تقول ‪ :‬وامطعماه! واكاسياه! ]فقال لها ويحك[ )‪ (3‬من كان يطعمك قبل هذا‬
‫؟ قالت ‪ :‬الله‪ .‬قال ‪ :‬فإن الله حي ل يموت! قالت ‪ :‬يا عزير فمن كان ُيعلم‬
‫العلماء قبل بني إسرائيل ؟ قال ‪ :‬الله‪ .‬قالت ‪ :‬فلم تبكي عليهم ؟ فعرف أنه‬
‫ل هناك‬ ‫ص ّ‬ ‫شيء قد ُوعظ به‪ .‬ثم قيل له ‪ :‬اذهب إلى نهر كذا فاغتسل منه ‪ ،‬و َ‬
‫ركعتين ‪ ،‬فإنك ستلقى هناك شيخا ‪ ،‬فما أطعمك فكله‪ .‬فذهب ففعل ما أمر‬
‫به ‪ ،‬فإذا شيخ فقال له ‪ :‬افتح فمك‪ .‬ففتح فمه‪ .‬فألقى فيه شيًئا كهيئة الجمرة‬
‫العظيمة ‪ ،‬ثلث مرات ‪ ،‬فرجع عَُزير وهو من أعلم الناس بالتوراة ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا‬
‫ذابا‪ .‬فعمد‬ ‫بني إسرائيل ‪ ،‬قد جئتكم بالتوراة‪ .‬فقالوا ‪ :‬يا عَُزير ‪ ،‬ما كنت ك َ ّ‬
‫فربط على إصبع من أصابعه قلما ‪ ،‬وكتب التوراة بإصبعه كلها ‪ ،‬فلما تراجع‬
‫الناس من عَد ُّوهم ورجع العلماء ‪ ،‬وأخبروا بشأن عزير ‪ ،‬فاستخرجوا النسخ‬
‫التي كانوا أودعوها في الجبال ‪ ،‬وقابلوها )‪ (4‬بها ‪ ،‬فوجدوا ما جاء به صحيحا ‪،‬‬
‫فقال بعض جهلتهم ‪ :‬إنما صنع هذا لنه ابن الله‪.‬‬
‫ذب الله سبحانه الطائفتين‬ ‫ضلل النصارى في المسيح فظاهر ؛ ولهذا ك َ ّ‬ ‫وأما َ‬
‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬ل مستند لهم فيما ادعوه سوى‬ ‫م ب ِأفْ َ‬
‫واهِهِ ْ‬ ‫ك قَوْل ُهُ ْ‬
‫فقال ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫افترائهم واختلقهم ‪ } ،‬يضاهئون { أي ‪ :‬يشابهون } قَوْ َ‬
‫ل ال ِ‬
‫ه{‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫َ‬
‫ل { أي ‪ :‬من قبلهم من المم ‪ ،‬ضلوا كما ضل هؤلء ‪َ } ،‬قات َلهُ ُ‬ ‫قَب ْ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن { ؟ أي ‪ :‬كيف يضلون عن‬ ‫وقال ابن عباس ‪ :‬لعنهم الله ‪ } ،‬أّنى ي ُؤْفَكو َ‬
‫الحق ‪ ،‬وهو ظاهر ‪ ،‬ويعدلون إلى الباطل ؟‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬ك‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬د ‪" :‬وإذا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬د ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪" :‬وقابلوه"‪.‬‬

‫) ‪(4/134‬‬

‫ذوا أ َحبارهُم ورهْبانه َ‬


‫ن‬
‫ح اب ْ َ‬‫سي َ‬
‫م ِ‬ ‫ن الل ّهِ َوال ْ َ‬
‫ن ُدو ِ‬
‫م ْ‬
‫م أْرَباًبا ِ‬
‫ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ‬ ‫خ ُ‬
‫]وقوله[ )‪ } (1‬ات ّ َ‬
‫م { روى المام أحمد ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬وابن جرير من طرق ‪ ،‬عن عدي بن‬ ‫مْري َ َ‬
‫َ‬
‫حاتم ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أنه لما بلغته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فّر إلى الشام ‪ ،‬وكان قد تنصر في الجاهلية ‪ ،‬فأسرت أخته وجماعة من‬
‫ن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أخته وأعطاها ‪،‬‬ ‫مم ّ‬‫قومه ‪ ،‬ث ّ‬
‫غبته في السلم وفي القدوم على رسول الله صلى‬ ‫فرجعت إلى أخيها ‪ ،‬وَر ّ‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬فقدم عَدِيّ المدينة ‪ ،‬وكان رئيسا في قومه طيئ ‪ ،‬وأبوه‬
‫دث الناس بقدومه ‪ ،‬فدخل على رسول‬ ‫حاتم الطائي المشهور بالكرم ‪ ،‬فتح ّ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وفي عنق عَدِيّ صليب من فضة ‪ ،‬فقرأ رسول الله‬
‫ن‬ ‫ذوا أ َحبارهُم ورهْبانه َ‬ ‫خ ُ‬
‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م أْرَباًبا ِ‬ ‫ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ‬ ‫صلى الله عليه وسلم هذه الية ‪ } :‬ات ّ َ‬
‫الل ّهِ { قال ‪ :‬فقلت ‪ :‬إنهم لم يعبدوهم‪ .‬فقال ‪" :‬بلى ‪ ،‬إنهم حرموا عليهم‬
‫الحلل ‪ ،‬وأحلوا )‪ (2‬لهم الحرام ‪ ،‬فاتبعوهم ‪ ،‬فذلك عبادتهم إياهم"‪ .‬وقال )‪(3‬‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يا عدي ‪ ،‬ما تقول ؟ أُيفّرك )‪ (4‬أن‬
‫يقال ‪ :‬الله أكبر ؟ فهل تعلم شيًئا أكبر من الله ؟ ما ُيفرك ؟ أيفّرك أن يقال )‬
‫‪ (5‬ل إله إل الله ؟ فهل تعلم من إله إل الله" ؟ ثم دعاه إلى السلم فأسلم ‪،‬‬
‫ت وجهه استبشر ثم قال ‪" :‬إن اليهود‬ ‫وشهد شهادة الحق ‪ ،‬قال ‪ :‬فلقد رأي ُ‬
‫مغضوب عليهم ‪ ،‬والنصارى ضالون" )‪(6‬‬
‫وهكذا قال حذيفة بن اليمان ‪ ،‬وعبد الله بن عباس ‪ ،‬وغيرهما في تفسير ‪:‬‬
‫ن الل ّهِ { إنهم اتبعوهم فيما حللوا‬ ‫ذوا أ َحبارهُم ورهْبانه َ‬ ‫خ ُ‬
‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م أْرَباًبا ِ‬ ‫ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ‬ ‫} ات ّ َ‬
‫وحرموا‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬استنصحوا الرجال ‪ ،‬وتركوا )‪ (7‬كتاب الله وراء ظهورهم‪.‬‬
‫دا { أي ‪ :‬الذي إذا حرم‬ ‫دوا إ ِل ًَها َوا ِ‬ ‫ُ‬
‫ح ً‬ ‫مُروا ِإل ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫ولهذا قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫الشيء فهو الحرام ‪ ،‬وما حلله حل ‪ ،‬وما شرعه اتبع ‪ ،‬وما حكم به نفذ‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬تعالى وتقدس وتنزه عن‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ه عَ ّ‬ ‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬
‫ه ِإل هُوَ ُ‬‫} ل إ ِل َ َ‬
‫الشركاء والنظراء والعوان والضداد والولد ‪ ،‬ل إله إل هو ‪ ،‬ول رب سواه‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪" :‬وحللوا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪" :‬وقال له"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬أيسرك"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬ما نقول أيسرك"‪.‬‬
‫)‪ (6‬سنن الترمذي برقم )‪ (3095‬وتفسير الطبري )‪ (211 - 209 /14‬من‬
‫طريق عبد السلم بن حرب عن غطيف بن أعين عن مصعب بن سعد عن‬
‫عدي بن حاتم رضي الله عنه ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث غريب ‪ ،‬ل نعرفه‬
‫إل من حديث عبد السلم بن حرب وغطيف بن أعين ليس بمعروف في‬
‫الحديث"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في د ‪" :‬ونبذوا"‪.‬‬

‫) ‪(4/135‬‬

‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫يريدو َ‬


‫م ُنوَره ُ وَل َوْ ك َرِهَ‬
‫ن ي ُت ِ ّ‬ ‫ه إ ِّل أ ْ‬‫م وَي َأَبى الل ّ ُ‬ ‫فُئوا ُنوَر الل ّهِ ب ِأفْ َ‬
‫واهِهِ ْ‬ ‫ن ي ُط ْ ِ‬
‫نأ ْ‬ ‫ُ ِ ُ َ‬
‫حقّ ل ِي ُظ ْهَِره ُ عََلى‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫كافرون )‪ (32‬هُو ال ّذي أ َ‬
‫َ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫دي‬
‫َ ِ ِ‬ ‫و‬ ‫دى‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫با‬ ‫ه‬
‫َ ُ ُ ِ ُ َ‬ ‫ل‬‫سو‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫س‬
‫ْ َ‬‫ر‬ ‫َ ِ‬ ‫ال ْ َ ِ ُ َ‬
‫ن )‪(33‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م ْ‬‫ن ك ُل ّهِ وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ ُ‬
‫دي ِ‬
‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫} يريدو َ‬
‫م ُنوَره ُ وَل َوْ ك َرِهَ‬
‫ن ي ُت ِ ّ‬‫ه ِإل أ ْ‬‫م وَي َأَبى الل ّ ُ‬
‫واهِهِ ْ‬‫فُئوا ُنوَر الل ّهِ ب ِأفْ َ‬ ‫ن ي ُط ْ ِ‬
‫نأ ْ‬ ‫ُ ِ ُ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫حقّ ل ِي ُظهَِره ُ عَلى‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن ال َ‬ ‫دى وَِدي ِ‬ ‫ه ِبالهُ َ‬ ‫سول ُ‬‫ل َر ُ‬ ‫ذي أْر َ‬ ‫ن )‪ (32‬هُوَ ال ِ‬ ‫كافُِرو َ‬
‫ن )‪{ (33‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن ك ُل ّهِ وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ ُ‬
‫دي ِ‬
‫ال ّ‬

‫) ‪(4/135‬‬

‫َ‬
‫ن ي ُط ْ ِ‬
‫فُئوا ُنوَر‬ ‫يقول تعالى ‪ :‬يريد هؤلء الكفار من المشركين وأهل الكتاب } أ ْ‬
‫الل ّهِ { )‪ (1‬أي ‪ :‬ما بعث به رسوله من الهدى ودين الحق ‪ ،‬بمجرد جدالهم‬
‫وافترائهم ‪ ،‬فمثلهم في ذلك كمثل من يريد أن يطفئ شعاع الشمس ‪ ،‬أو نور‬
‫القمر بنفخه ‪ ،‬وهذا ل سبيل إليه ‪ ،‬فكذلك ما أرسل الله به رسوله ل بد أن‬
‫ْ‬
‫يتم ويظهر ؛ ولهذا قال تعالى مقابل لهم فيما راموه وأرادوه ‪ } :‬وَي َأَبى الل ّ ُ‬
‫ه‬
‫ن{‬ ‫م ُنوَره ُ وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫كافُِرو َ‬ ‫ن ي ُت ِ ّ‬‫ِإل أ ْ‬
‫والكافر ‪ :‬هو الذي يستر الشيء ويغطيه ‪ ،‬ومنه سمي الليل "كافرا" ؛ لنه‬
‫يستر الشياء ‪ ،‬والزارع كافرا ؛ لنه يغطي الحب في الرض كما قال ‪:‬‬
‫ه { ]الحديد ‪(2) [20 :‬‬ ‫ب ال ْك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫فاَر ن ََبات ُ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫} أعْ َ‬
‫َ‬
‫حقّ { فالهدى ‪ :‬هو‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫دى وَِدي ِ‬‫ه ِبال ْهُ َ‬
‫سول َ ُ‬
‫ل َر ُ‬‫س َ‬
‫ذي أْر َ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫ما جاء به من الخبارات الصادقة ‪ ،‬واليمان الصحيح ‪ ،‬والعلم النافع ‪ -‬ودين‬
‫الحق ‪ :‬هي العمال ]الصالحة[ )‪ (3‬الصحيحة النافعة في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ن ك ُل ّهِ { أي ‪ :‬على سائر الديان ‪ ،‬كما ثبت في الصحيح ‪،‬‬ ‫دي ِ‬ ‫} ل ِي ُظ ْهَِره ُ عََلى ال ّ‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إن الله َزَوى لي الرض‬
‫مشارقها ومغاربها ‪ ،‬وسيبلغ ملك أمتي ما ُزوي لي منها" )‪(4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن محمد بن أبي‬
‫يعقوب ‪ :‬سمعت شقيق بن حيان يحدث عن مسعود بن قَِبيصة ‪ -‬أو ‪ :‬قبيصة‬
‫حارب" الصبح ‪ ،‬فلما صلوا قال‬ ‫م َ‬ ‫بن مسعود ‪ -‬يقول ‪ :‬صلى هذا الحي من " ُ‬
‫شاب منهم ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬إنه سيفتح‬
‫لكم مشارق الرض ومغاربها ‪ ،‬وإن عمالها في النار ‪ ،‬إل من اتقى الله وأدى‬
‫المانة" )‪(5‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو المغيرة ‪ ،‬حدثنا صفوان ‪ ،‬حدثنا سليم بن عامر ‪،‬‬
‫عن تميم الداري ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫در‬
‫م َ‬ ‫ل والنهار ‪ ،‬ول يترك الله بيت َ‬ ‫وسلم يقول ‪" :‬ليبلغن هذا المُر ما بلغ اللي ُ‬
‫ل ذليل ‪ ،‬عزا يعز الله به‬ ‫ول وََبر إل أدخله هذا الدين ‪ ،‬بعِّز عزيز ‪ ،‬أو ب ِذ ُ ّ‬
‫السلم ‪ ،‬وذل يذل الله به الكفر" ‪ ،‬فكان تميم الداري يقول ‪ :‬قد عرفت ذلك‬
‫ف والعّز ‪ ،‬ولقد أصاب‬ ‫في أهل بيتي ‪ ،‬لقد أصاب من أسلم منهم الخيَر والشر َ‬
‫من كان منهم كافرا الذل والصغار والجزية )‪(6‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن عبد ربه ‪ ،‬حدثنا الوليد بن مسلم ‪ ،‬حدثني‬
‫ابن جابر ‪ ،‬سمعت سليم بن عامر قال ‪ :‬سمعت المقداد بن السود يقول ‪:‬‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬ل يبقى على وجه الرض‬
‫ل ذليل ‪ ،‬إما‬ ‫در ول وََبر ‪ ،‬إل أدخله الله كلمة السلم بعّز عزيز ‪ ،‬أو بذ ّ‬ ‫م َ‬ ‫بيت َ‬
‫يعزهم الله فيجعلهم من أهلها ‪ ،‬وإما يذلهم فيدينون لها" )‪(7‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ليطفئوا" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في جميع النسخ ‪" :‬يعجب" والصواب ما أثبتناه‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ك‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم برقم )‪ (2889‬من حديث ثوبان رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪.(5/366‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (4/103‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (6/14‬رجال أحمد‬
‫رجال الصحيح"‪.‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪ (6/4‬ورواه ابن حبان في صحيحه برقم )‪" (1631‬موارد" من‬
‫طريق عبد الرحمن بن إبراهيم عن الوليد بن مسلم به‪.‬‬

‫) ‪(4/136‬‬
‫س‬ ‫وا َ‬ ‫يا أ َيها ال ّذين آ َمنوا إن ك َِثيرا من اْل َحبار والرهْبان ل َيأ ْك ُُلو َ‬
‫ل الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ِ َ ّ َ ِ َ‬ ‫ً ِ َ‬ ‫ِ َ َ ُ ِ ّ‬ ‫َ َّ‬
‫قون ََها‬ ‫َ‬
‫ة وَل ي ُن ْفِ ُ‬ ‫ض َ‬‫ف ّ‬ ‫ْ‬
‫ب َوال ِ‬ ‫ن الذ ّهَ َ‬ ‫ْ‬
‫ن ي َكن ُِزو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ َوال ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬‫ل وَي َ ُ‬‫ِبال َْباط ِ ِ‬
‫َ‬
‫م‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫مى عَل َي َْها ِفي َنارِ َ‬ ‫ح َ‬‫م يُ ْ‬ ‫ب أِليم ٍ )‪ (34‬ي َوْ َ‬ ‫م ب ِعَ َ‬
‫ذا ٍ‬ ‫شْرهُ ْ‬ ‫ل الل ّهِ فَب َ ّ‬ ‫سِبي ِ‬‫ِفي َ‬
‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ما‬ ‫قوا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ذو‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ز‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ما‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫هو‬ ‫ُ‬
‫فَت ُك ْ َ ِ َ ِ َ ُ ُ ْ َ ُ ُ ُ ُ ْ َ ُ ُ ُ ْ َ‬
‫ظ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫نو‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫با‬ ‫ج‬ ‫ها‬ ‫ب‬ ‫وى‬
‫ُْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ ْ ِ ْ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫ت َك ْن ُِزو َ‬

‫وفي المسند أيضا ‪ :‬حدثنا محمد بن أبي عَدِيّ ‪ ،‬عن ابن عون ‪ ،‬عن ابن‬
‫سيرين ‪ ،‬عن أبي حذيفة ‪ ،‬عن عدي بن حاتم سمعه )‪ (1‬يقول ‪ :‬دخلت على‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪" :‬يا عدي ‪ ،‬أسلم تسلم"‪ .‬فقلت ‪:‬‬
‫إني من أهل دين‪ .‬قال ‪" :‬أنا أعلم بدينك منك"‪ .‬فقلت ‪ :‬أنت أعلم بديني مني‬
‫سّية ‪ ،‬وأنت تأكل مرباع قومك ؟"‪ .‬قلت ‪:‬‬ ‫كو ِ‬ ‫؟ قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬ألست من الّر ُ‬
‫بلى‪ .‬قال ‪" :‬فإن هذا ل يحل لك في دينك"‪ .‬قال ‪ :‬فلم ي َعْد ُ أن قالها فتواضعت‬
‫لها ‪ ،‬قال ‪" :‬أما إني أعلم ما الذي يمنعك من السلم ‪ ،‬تقول ‪ :‬إنما اتبعه‬
‫مْتهم العرب ‪ ،‬أتعرف الحيرة ؟" قلت ‪:‬‬ ‫ة الناس ومن ل قوة له ‪ ،‬وقد َر َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ضعَ َ‬ ‫َ‬
‫لم أرها ‪ ،‬وقد سمعت بها‪ .‬قال ‪" :‬فوالذي نفسي بيده ‪ ،‬ليتمن الله هذا المر‬
‫حتى تخرج الظ ِّعينة من الحيرة ‪ ،‬حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد ‪،‬‬
‫ولتفتحن )‪ (2‬كنوز كسرى بن هرمز"‪ .‬قلت ‪ :‬كسرى بن هرمز ؟‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ن المال حتى ل يقبله أحد"‪ .‬قال عدي بن‬ ‫ذل ّ‬ ‫"نعم ‪ ،‬كسرى بن هرمز ‪ ،‬ولي ُب ْ َ‬
‫حاتم ‪ :‬فهذه الظعينة تخرج من الحيرة ‪ ،‬فتطوف بالبيت في غير جوار أحد ‪،‬‬
‫ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز ‪ ،‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬لتكونن‬
‫الثالثة ؛ لن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها )‪.(3‬‬
‫ي ‪ ،‬حدثنا خالد بن الحارث ‪،‬‬ ‫ش ّ‬ ‫وقال مسلم ‪ :‬حدثنا أبو معن زيد بن يزيد الّرَقا ِ‬
‫حدثنا عبد الحميد بن جعفر ‪ ،‬عن السود بن العلء ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن‬
‫عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ت والعُّزى"‪ .‬فقلت ‪ :‬يا رسول‬ ‫يقول ‪" :‬ل يذهب الليل والنهار حتى ت ُعَْبد الل ُ‬
‫َ‬
‫ه‬‫سول َ ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫س َ‬ ‫ذي أْر َ‬ ‫الله ‪ ،‬إن كنت لظن حين أنزل الله ‪ ،‬عز وجل ‪ } :‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫ن { أن ذلك تام ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حقّ { إلى قوله ‪ } :‬وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫دى وَِدي ِ‬ ‫ِبال ْهُ َ‬
‫"إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ثم يبعث الله ريحا طيبة‬
‫حّبة خردل من إيمان[ )‪ (4‬فيبقى من ل‬ ‫ل من كان في قلبه مثقال َ‬ ‫]فيتوفى ك ّ‬
‫خير فيه ‪ ،‬فيرجعون إلى دين آبائهم" )‪(5‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س‬‫ل الّنا ِ‬ ‫وا َ‬ ‫م َ‬‫نأ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن لي َأكلو َ‬ ‫حَبارِ َوالّرهَْبا ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك َِثيًرا ِ‬ ‫مُنوا إ ِ ّ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫قون ََها‬ ‫ة َول ي ُن ْفِ ُ‬ ‫ض َ‬‫ف ّ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫ن الذ ّهَ َ‬ ‫كنزو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل الل ّهِ َوال ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬
‫ل وَي َ ُ‬ ‫ِبال َْباط ِ ِ‬
‫َ‬
‫م‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫مى عَل َي َْها ِفي َنارِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ب أِليم ٍ )‪ (34‬ي َوْ َ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫م ب ِعَ َ‬ ‫شْرهُ ْ‬ ‫ل الل ّهِ فَب َ ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ِفي َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ما كن ْت ُ ْ‬ ‫ذوُقوا َ‬ ‫م فَ ُ‬ ‫سك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫م لن ْ ُ‬ ‫ما كنزت ُ ْ‬‫َ‬ ‫ذا َ‬ ‫م هَ َ‬ ‫م وَظُهوُرهُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫جُنوب ُهُ ْ‬ ‫م وَ ُ‬‫جَباهُهُ ْ‬ ‫وى ب َِها ِ‬ ‫فَت ُك ْ َ‬
‫ن )‪{ (35‬‬ ‫كنزو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫قال السدي ‪ :‬الحبار من اليهود ‪ ،‬والرهبان من النصارى‪.‬‬
‫م‬‫ول ي َن َْهاهُ ُ‬ ‫َ‬
‫وهو كما قال ‪ ،‬فإن الحبار هم علماء اليهود ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ل ْ‬
‫َ‬
‫ت { ]المائدة ‪[63 :‬‬ ‫ح َ‬ ‫س ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫م وَأك ْل ِهِ ُ‬ ‫م الث ْ َ‬ ‫ن قَوْل ِهِ ُ‬ ‫حَباُر عَ ْ‬ ‫ن َوال ْ‬ ‫الّرّبان ِّيو َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬سمعته"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وليفتحن"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (378 ، 4/377‬وكأن الحافظ اختصره هنا‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬ومسلم‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم برقم )‪.(2907‬‬
‫) ‪(4/137‬‬

‫والرهبان ‪ :‬عباد النصارى ‪ ،‬والقسيسون ‪ :‬علماؤهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬


‫ك‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]المائدة ‪[82 :‬‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬‫م ل يَ ْ‬ ‫ن وَُرهَْباًنا وَأن ّهُ ْ‬ ‫سي َ‬ ‫سي ِ‬ ‫م قِ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ب ِأ ّ‬
‫والمقصود ‪ :‬التحذير من علماء السوء وعُّباد الضلل )‪ (1‬كما قال سفيان بن‬
‫عيينة ‪ :‬من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود ‪ ،‬ومن فسد من عُّبادنا‬
‫سَنن من كان‬ ‫ن َ‬ ‫كان فيه شبه من النصارى‪ .‬وفي الحديث الصحيح ‪" :‬لتركب ّ‬
‫ذة"‪ .‬قالوا ‪ :‬اليهود والنصارى ؟ قال ‪" :‬فمن ؟"‪ .‬وفي‬ ‫ق ّ‬‫ذة بال ُ‬ ‫ق ّ‬ ‫ذو ال ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫قبلكم َ‬
‫من )‪ (2‬الناس إل هؤلء ؟" )‪(3‬‬ ‫رواية ‪ :‬فارس والروم ؟ قال ‪" :‬وَ َ‬
‫والحاصل التحذير من التشبه بهم في أحوالهم وأقوالهم ؛ ولهذا قال تعالى ‪:‬‬
‫} ل َيأ ْك ُُلو َ‬
‫ل { وذلك أنهم يأكلون الدنيا بالدين ومناصبهم‬ ‫س ِبال َْباط ِ ِ‬‫ل الّنا ِ‬ ‫وا َ‬ ‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ورياستهم في الناس ‪ ،‬يأكلون أموالهم بذلك ‪ ،‬كما كان لحبار اليهود على أهل‬
‫خْرج وهدايا وضرائب تجيء إليهم ‪ ،‬فلما بعث‬ ‫الجاهلية شرف ‪ ،‬ولهم عندهم َ‬
‫الله رسوله ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه )‪ (4‬استمروا على ضللهم وكفرهم‬
‫وعنادهم ‪ ،‬طمعا منهم أن تبقى لهم تلك الرياسات ‪ ،‬فأطفأها الله بنور‬
‫النبوة ‪ ،‬وسلبهم إياها ‪ ،‬وعوضهم بالذلة والمسكنة ‪ ،‬وباءوا بغضب من الله‪.‬‬
‫ل الل ّهِ { أي ‪ :‬وهم مع أكلهم الحرام‬ ‫سِبي ِ‬‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬‫وقوله تعالى ‪ } :‬وَي َ ُ‬
‫يصدون الناس عن اتباع الحق ‪ ،‬وُيلبسون الحق بالباطل ‪ ،‬ويظهرون لمن‬
‫اتبعهم من الجهلة أنهم يدعون إلى الخير ‪ ،‬وليسوا كما يزعمون ‪ ،‬بل هم دعاة‬
‫إلى النار ‪ ،‬ويوم القيامة ل ينصرون‪.‬‬
‫هّ‬
‫ل الل ِ‬‫سِبي ِ‬
‫قون ََها ِفي َ‬
‫ة َول ي ُن ْفِ ُ‬ ‫ض َ‬‫ف ّ‬ ‫ْ‬
‫ب َوال ِ‬ ‫ن الذ ّهَ َ‬ ‫كنزو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ب أِليم ٍ { هؤلء هم القسم الثالث من رءوس الناس ‪ ،‬فإن‬ ‫َ‬ ‫م ب ِعَ َ‬ ‫فَب َ ّ‬
‫ذا ٍ‬ ‫شْرهُ ْ‬
‫الناس عالة على العلماء ‪ ،‬وعلى العُّباد ‪ ،‬وعلى أرباب الموال ‪ ،‬فإذا فسدت‬
‫أحوال هؤلء فسدت أحوال الناس ‪ ،‬كما قال بعضهم )‪(5‬‬
‫سوٍء وَُرهَْباُنها?‪...‬‬ ‫ك‪َ ...‬وأحباُر ُ‬ ‫ملو ُ‬ ‫ن إل ال ُ‬ ‫دي َ‬ ‫سد َ ال ّ‬ ‫هل أفْ َ‬ ‫وَ َ‬
‫وأما الكنز فقال مالك ‪ ،‬عن عبد الله بن دينار ‪ ،‬عن ابن عمر أنه قال ‪ :‬هو‬
‫المال الذي ل تؤدى منه الزكاة‪.‬‬
‫ُ‬
‫وروى الثوري وغيره عن عَُبيد الله )‪ (6‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬ما أّدي‬
‫زكاُته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين ‪ ،‬وما )‪ (7‬كان ظاهرا ل تؤدى‬
‫زكاته فهو كنز )‪ (8‬وقد ُروي هذا عن ابن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬الضللة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬أ ‪" :‬فمن"‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (3456‬ومسلم في صحيحه برقم )‬
‫‪ (2669‬من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (4‬في د ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬هو عبد الله بن المبارك رحمه الله‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬عبد الله"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وإن"‪.‬‬
‫)‪ (8‬رواه البيهقي في السنن الكبرى )‪ (4/82‬من طريق سفيان عن عبد الله‬
‫بن دينار عن ابن عمر مرفوعا وقال ‪" :‬ليس هذا بمحفوظ ‪ ،‬وإنما المشهور‬
‫عن سفيان عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر موقوفا"‪.‬‬
‫) ‪(4/138‬‬

‫عباس ‪ ،‬وجابر ‪ ،‬وأبي هريرة موقوفا ومرفوعا )‪ (1‬وعمر بن الخطاب ‪،‬‬


‫نحوه ‪ ،‬رضي الله عنهم ‪" :‬أيما مال أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا‬
‫في الرض ‪ ،‬وأيما مال لم تؤد زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه وإن كان على‬
‫وجه الرض"‪.‬‬
‫وروى البخاري من حديث الزهري ‪ ،‬عن خالد بن أسلم قال ‪ :‬خرجنا مع عبد‬
‫طهًرا‬ ‫الله بن عمر ‪ ،‬فقال ‪ :‬هذا قبل أن تنزل الزكاة ‪ ،‬فلما نزلت جعلها الله ُ‬
‫للموال )‪(2‬‬
‫خذ ْ‬ ‫ُ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫قوله‬ ‫نسخها‬ ‫‪:‬‬ ‫مالك‬ ‫بن‬ ‫وعراك‬ ‫‪،‬‬ ‫العزيز‬ ‫عبد‬ ‫بن‬ ‫عمر‬ ‫وكذا قال‬
‫م { ]التوبة ‪[103 :‬‬ ‫م َ‬
‫وال ِهِ ْ‬
‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ ْ‬
‫وقال سعيد بن محمد بن زياد ‪ ،‬عن أبي أمامة أنه قال ‪ :‬حلية السيوف من‬
‫الكنز ما أحدثكم إل ما سمعت‪.‬‬
‫دة بن هبيرة ‪ ،‬عن‬ ‫جعْ َ‬
‫حى ‪ ،‬عن َ‬ ‫ض َ‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن أبي حصين ‪ ،‬عن أبي ال ّ‬
‫علي ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬أربعة آلف فما دونها نفقة ‪ ،‬فما كان أكثر منه )‬
‫‪ (3‬فهو كنز‪.‬‬
‫وهذا غريب‪ .‬وقد جاء في مدح التقلل من الذهب والفضة وذم التكثر )‪(4‬‬
‫منهما ‪ ،‬أحاديث كثيرة ؛ ولنورد منها هنا طرفا يدل على الباقي ‪ ،‬فقال عبد‬
‫الرازق ‪ :‬أخبرنا الثوري ‪ ،‬أخبرني أبو حصين ‪ ،‬عن أبي الضحى ‪ ،‬بن جعدة بن‬
‫ن الذ ّهَ َ‬
‫ب‬ ‫ن يَ ْ‬
‫كنزو َ‬ ‫هبيرة ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬في قوله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ل الل ّهِ { قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ت َّبا‬ ‫سِبي ِ‬
‫قون ََها ِفي َ‬
‫ة َول ي ُن ْفِ ُ‬ ‫ض َ‬
‫ف ّ‬ ‫َوال ْ ِ‬
‫للذهب ‪ ،‬ت َّبا للفضة" يقولها ثلثا ‪ ،‬قال ‪ :‬فشق ذلك على أصحاب رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم وقالوا ‪ :‬فأي مال نتخذ ؟ فقال ‪ :‬عمر ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه ‪ ،‬أنا أعلم لكم ذلك فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إن أصحابك قد شق عليهم‬
‫]و[ )‪ (5‬قالوا ‪ :‬فأيّ مال نتخذ ؟ قال ‪" :‬لسانا ذاكرا ‪ ،‬وقلبا شاكرا )‪ (6‬وزوجة‬
‫تعين أحدكم على دينه" )‪(7‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬حدثني‬
‫سالم ‪ ،‬حدثني عبد الله بن أبي الهُذ َْيل ‪ ،‬حدثني صاحب لي أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬تبا للذهب والفضة"‪ .‬قال ‪ :‬فحدثني صاحبي أنه‬
‫انطلق مع عمر بن الخطاب فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬قولك ‪" :‬تبا للذهب‬
‫والفضة" ‪ ،‬ماذا ندخر ؟‪ .‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لسانا ذاكرا‬
‫‪ ،‬وقلبا شاكرا ‪ ،‬وزوجة ُتعين على الخرة" )‪(8‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬أما حديث ابن عباس ‪ ،‬فرواه الطبري في تفسيره )‪ (14/225‬من طريق‬
‫علي بن أبي طلحة عن ابن عباس موقوفا ‪ ،‬وأما حديث جابر ‪ ،‬فرواه ابن‬
‫عدي في الكامل )‪ (7/189‬من طريق يحيى بن أبي أنيسة عن أبي الزبير عن‬
‫جابر مرفوعا ‪ ،‬ورواه الخطيب في تاريخ بغداد )‪ (8/12‬من طريق خصيف عن‬
‫أبي الزبير عن جابر مرفوعا ‪ ،‬وأما حديث أبي هريرة ‪ ،‬فرواه الترمذي في‬
‫السنن برقم )‪ (618‬قال العراقي ‪" :‬إسناده جيد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪.(1404‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬أ ‪" :‬أكثر من ذلك"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬التكثير"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬ذاكرا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬ذكره الزيلعي في تخريج الكشاف )‪ (2/71‬وعزاه لعبد الرزاق في‬
‫تفسيره بعد أن ذكر من حديث ثوبان وعمر ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬الحاصل أنه حديث‬
‫ضعيف لما فيه من الضطراب"‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪.(5/366‬‬

‫) ‪(4/139‬‬

‫حديث آخر ‪ :‬قال )‪ (1‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا وكيع ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن عمرو بن‬
‫مرة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن سالم بن أبي الجعد ‪ ،‬عن ثوبان قال ‪ :‬لما نزل في‬
‫الفضة والذهب )‪ (2‬ما نزل قالوا ‪ :‬فأي المال نتخذ ؟ قال ]عمر ‪ :‬أنا أعلم‬
‫ذلك لكم فأوضع )‪ (3‬على بعير فأدركه ‪ ،‬وأنا في أثره ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول‬
‫الله ‪ ،‬أي المال نتخذ ؟ قال[ )‪ (4‬ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا‬
‫وزوجة تعين أحدكم في )‪ (5‬أمر الخرة "‪.‬‬
‫ورواه الترمذي ‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬من غير وجه ‪ ،‬عن سالم بن أبي الجعد )‪(6‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حسن ‪ ،‬وحكي عن البخاري أن سالما لم يسمعه من ثوبان‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ولهذا رواه بعضهم عنه مرسل والله أعلم‪.‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا حميد بن مالك ‪ ،‬حدثنا‬
‫يحيى بن يعلى المحاربي ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا غَْيلن بن جامع المحاربي ‪ ،‬عن‬
‫عثمان أبي اليقظان ‪ ،‬عن جعفر بن إياس ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪:‬‬
‫ة { الية ‪ ،‬ك َُبر ذلك على‬‫ض َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬
‫ف ّ‬ ‫ن الذ ّهَ َ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫كنزو َ‬ ‫لما نزلت هذه الية ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫المسلمين ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬ما يستطيع أحد منا أن يترك لولده ما ل يبقى بعده‪.‬‬
‫فقال عمر ‪ :‬أنا أفّرج عنكم‪ .‬فانطلق عمر واتبعه ثوبان ‪ ،‬فأتى النبي صلى الله‬
‫ي الله ‪ ،‬إنه قد ك َُبر على أصحابك هذه الية‪ .‬فقال نب ّ‬
‫ي‬ ‫عليه وسلم فقال ‪ :‬يا نب ّ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن الله لم يفرض الزكاة إل ليطيب بها ما بقي‬
‫من أموالكم ‪ ،‬وإنما فرض المواريث من أموال تبقى بعدكم"‪ .‬قال ‪ :‬فكّبر‬
‫عمر ‪ ،‬ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أل أخبرك بخير ما يكنز المرء‬
‫؟ المرأة الصالحة التي إذا نظر إليها سرته ‪ ،‬وإذا أمرها أطاعته ‪ ،‬وإذا غاب‬
‫عنها حفظته"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود ‪ ،‬والحاكم في مستدركه ‪ ،‬وابن مردويه من حديث يحيى بن‬
‫يعلى ‪ ،‬به )‪ (7‬وقال الحاكم ‪ :‬صحيح على شرطهما ‪ ،‬ولم يخرجاه‪.‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا روح ‪ ،‬حدثنا الوزاعي ‪ ،‬عن حسان بن‬
‫عطية قال ‪ :‬كان شداد بن أوس ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬في سفر ‪ ،‬فنزل منزل‬
‫فَرةِ نعَْبث بها‪ .‬فأنكرت عليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما تكلمت‬ ‫فقال لغلمه ‪ :‬ائتنا بال ّ‬
‫ش ْ‬
‫مها غير كلمتي هذه ‪ ،‬فل تحفظونها )‪(8‬‬ ‫مها وأز ّ‬ ‫خط ُ‬‫بكلمة منذ أسلمت إل وأنا أ ْ‬
‫علي ‪ ،‬واحفظوا ما أقول لكم ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول ‪" :‬إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هؤلء الكلمات ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إنى‬
‫أسألك الثبات في المر ‪ ،‬والعزيمة على الرشد ‪ ،‬وأسألك شكر نعمتك ‪،‬‬
‫وأسألك حسن عبادتك ‪ ،‬وأسألك قلبا سليما ‪ ،‬وأسألك لسانا صادقا ‪ ،‬وأسألك‬
‫من خير ما تعلم ‪ ،‬وأعوذ بك من شر ما تعلم ‪ ،‬وأستغفرك لما تعلم ‪ ،‬إنك أنت‬
‫علم الغيوب" )‪(9‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬في الذهب والفضة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬أعلم لكم ذلك قال ‪ :‬فأوضع"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ والمسند‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" ،‬علي"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (5/282‬وسنن الترمذي برقم )‪ (3094‬وسنن ابن ماجه برقم )‬
‫‪.(1856‬‬
‫)‪ (7‬سنن أبي داود برقم )‪ (1664‬والمستدرك )‪ (2/333‬قال الذهبي ‪:‬‬
‫"وعثمان ل أعرفه والخبر عجيب"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬تحفظوها"‪.‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪.(4/123‬‬

‫) ‪(4/140‬‬

‫م‬
‫جُنوب ُهُ ْ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫جَباهُهُ ْ‬
‫وى ب َِها ِ‬ ‫م فَت ُك ْ َ‬ ‫مى عَل َي َْها ِفي َنارِ َ‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫ح َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬يقال لهم‬ ‫م ت َكنزو َ‬‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ما كن ْت ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ذوقوا َ‬ ‫َ‬
‫مف ُ‬ ‫ُ‬
‫سك ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م لن ْ ُ‬ ‫كنزت ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ذا َ‬ ‫م هَ َ‬ ‫وَظ ُُهوُرهُ ْ‬
‫ْ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫سهِ ِ‬ ‫صّبوا فَوْقَ َرأ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫هذا الكلم تبكيتا وتقريعا وتهكما ‪ ،‬كما في قوله ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫ذاب ال ْحميم ذ ُقْ إن َ َ‬
‫م { ]الدخان ‪ [49 ، 48 :‬أي ‪ :‬هذا‬ ‫ري ُ‬ ‫زيُز ال ْك َ ِ‬ ‫ت ال ْعَ ِ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫عَ َ ِ‬
‫بذاك ‪ ،‬وهو )‪ (1‬الذي كنتم تكنزون لنفسكم ؛ ولهذا يقال ‪ :‬من أحب شيئا‬
‫وقدمه على طاعة الله ‪ ،‬عذب به‪ .‬وهؤلء لما كان جمع هذه الموال آثر‬
‫دا‬‫عندهم من رضا الله عنهم ‪ ،‬عذبوا بها ‪ ،‬كما كان أبو لهب ‪ ،‬لعنه الله ‪ ،‬جاه ً‬
‫في عداوة الرسول ‪ ،‬صلوات الله ]وسلمه[ )‪ (2‬عليه )‪ (3‬وامرأته تعينه في‬
‫ها { أي ‪] :‬في[ )‪(4‬‬ ‫جيدِ َ‬ ‫ذلك ‪ ،‬كانت يوم القيامة عوًنا على عذابه أيضا } ِفي ِ‬
‫سد ٍ { ]المسد ‪ [5 :‬أي ‪ :‬تجمع من الحطب في النار‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫حب ْ ٌ‬
‫عنقها } َ‬
‫وتلقي عليه ‪ ،‬ليكون ذلك أبلغ في عذابه ممن هو أشفق عليه ‪ -‬كان ‪ -‬في‬
‫الدنيا ‪ ،‬كما أن هذه الموال لما كانت أعز الشياء على أربابها ‪ ،‬كانت أضر‬
‫الشياء عليهم في الدار الخرة ‪ ،‬فيحمى عليها في نار جهنم ‪ ،‬وناهيك بحرها ‪،‬‬
‫فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم‪.‬‬
‫قال سفيان ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن عبد الله بن مرة ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن عبد‬
‫الله بن مسعود ‪ :‬والله الذي ل إله غيره ‪ ،‬ل يكوى عبد بكنز فيمس دينار‬
‫سع جلده ‪ ،‬فيوضع كل دينار ودرهم على‬ ‫ديناًرا ‪ ،‬ول درهم درهما ‪ ،‬ولكن يو ّ‬
‫حدته )‪(6) (5‬‬
‫وقد رواه ابن مْرُدويه ‪ ،‬عن أبي هريرة مرفوعا ‪ ،‬ول يصح رفعه ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫مر ‪ ،‬عن ابن طاوس ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬بلغني أن‬ ‫معْ َ‬ ‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا َ‬
‫الكنز يتحول يوم القيامة شجاعا يتبع صاحبه ‪ ،‬وهو يفر منه ويقول ‪ :‬أنا كنزك!‬
‫ل يدرك منه شيئا إل أخذه‪.‬‬
‫وقال المام أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثنا بشر ‪ ،‬حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا سعيد ‪ ،‬عن‬
‫دان بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ثوبان أن‬ ‫معْ َ‬
‫جْعد ‪ ،‬عن َ‬ ‫قتادة ‪ ،‬عن سالم بن أبي ال َ‬
‫مَثل له‬ ‫نبي )‪ (7‬الله صلى الله عليه وسلم كان يقول ‪" :‬من ترك بعده كنزا َ‬
‫عا أقرع له زبيبَتان ‪ ،‬يتبعه ‪ ،‬يقول ‪ :‬ويلك ما أنت ؟ فيقول ‪:‬‬ ‫شجا ً‬ ‫يوم القيامة ُ‬
‫صها )‬ ‫ق َ‬‫ص ِ‬ ‫أنا كنزك الذي تركته )‪ (8‬بعدك! ول يزال يتبعه حتى ُيلقمه يده فَي ُ َ‬
‫ق ْ‬
‫‪ (9‬ثم يتبعها سائر جسده"‪.‬‬
‫ورواه ابن حبان في صحيحه ‪ ،‬من حديث يزيد ‪ ،‬عن سعيد به )‪ (10‬وأصل هذا‬
‫الحديث في الصحيحين من رواية أبي الزناد ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة‬
‫رضي الله عنه )‪(11‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪" :‬وهذا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في د ‪ ،‬ك ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ك‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬جلده"‪.‬‬
‫)‪ (6‬رواه الطبري في تفسيره )‪ (14/233‬من طريق سفيان به‪.‬‬
‫)‪ (7‬في د ‪" :‬رسول"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬كنزته"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في د ‪ ،‬أ ‪" :‬فيقضمها"‪.‬‬
‫)‪ (10‬تفسير الطبري )‪ (14/232‬وصحيح ابن حبان برقم )‪" (803‬موارد"‬
‫ورواه ابن خزيمة في صحيحه برقم )‪ (2255‬من طريق بشر ابن معاذ به‪.‬‬
‫)‪ (11‬صحيح البخاري برقم )‪ (4659‬ولم أعثر عليه في صحيح مسلم من هذا‬
‫الطريق‪.‬‬

‫) ‪(4/141‬‬

‫وفي صحيح مسلم ‪ ،‬من حديث سهيل بن أبي صالح ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ما من رجل ل يؤدي‬
‫زكاة ماله إل جعل )‪ (1‬يوم القيامة صفائح من نار يكوى )‪ (2‬بها جنبه وجبهته‬
‫وظهره ‪ ،‬في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ‪ ،‬حتى يقضى بين الناس ‪،‬‬
‫ثم ي ََرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار" وذكر تمام الحديث )‪(3‬‬
‫صْين ‪،‬‬‫ح َ‬‫وقال البخاري في تفسير هذه الية ‪ :‬حدثنا قتيبة ‪ ،‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن ُ‬
‫عن زيد بن وهب قال ‪ :‬مررت على أبي ذر بالّرَبذة ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ما أنزلك بهذه‬
‫ة َول‬‫ض َ‬‫ف ّ‬‫ب َوال ْ ِ‬‫ن الذ ّهَ َ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫كنزو َ‬ ‫الرض ‪ ،‬قال )‪ (4‬كنا بالشام ‪ ،‬فقرأت ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ب أ َِليم ٍ { فقال معاوية ‪ :‬ما هذه فينا )‬ ‫م ب ِعَ َ‬
‫ذا ٍ‬ ‫شْرهُ ْ‬ ‫ل الل ّهِ فَب َ ّ‬
‫سِبي ِ‬
‫قون ََها ِفي َ‬
‫ي ُن ْفِ ُ‬
‫‪ (5‬ما هذه إل في أهل الكتاب‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬إنها لفينا وفيهم )‪(6‬‬
‫ورواه ابن جرير من حديث عبثر بن القاسم ‪ ،‬عن حصين ‪ ،‬عن زيد بن وهب ‪،‬‬
‫عن أبي ذر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬فذكره وزاد ‪ :‬فارتفع في ذلك بيني وبينه القول‬
‫ي عثمان أن أقبل إليه ‪ ،‬قال ‪ :‬فأقبلت‬ ‫‪ ،‬فكتب إلى عثمان يشكوني ‪ ،‬فكتب إل ّ‬
‫‪ ،‬فلما قدمت المدينة ركبني )‪ (7‬الناس كأنهم لم يروني قبل يومئذ ‪ ،‬فشكوت‬
‫ح قريبا‪ .‬قلت ‪ :‬والله لن أدع ما كنت أقول )‪(8‬‬ ‫ذلك إلى عثمان ‪ ،‬فقال لي ‪ :‬ت َن َ ّ‬
‫قلت ‪ :‬كان من مذهب أبي ذر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬تحريم ادخار ما زاد على‬
‫نفقة العيال ‪ ،‬وكان يفتي ]الناس[ )‪ (9‬بذلك ‪ ،‬ويحثهم عليه ‪ ،‬ويأمرهم به ‪،‬‬
‫ويغلظ في خلفه ‪ ،‬فنهاه معاوية فلم ينته ‪ ،‬فخشي أن يضر بالناس في هذا ‪،‬‬
‫فكتب يشكوه إلى أمير المؤمنين عثمان ‪ ،‬وأن يأخذه إليه ‪ ،‬فاستقدمه عثمان‬
‫إلى المدينة ‪ ،‬وأنزله بالربذة وحده ‪ ،‬وبها مات ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬في خلفة‬
‫عثمان‪ .‬وقد اختبره معاوية ‪ ،‬رضي الله عنه )‪ (10‬وهو عنده ‪ ،‬هل يوافق‬
‫عمله قوله ؟ فبعث إليه بألف دينار ‪ ،‬ففرقها من يومه ‪ ،‬ثم بعث إليه الذي‬
‫أتاه بها فقال ‪ :‬إن معاوية إنما بعثني إلى غيرك فأخطأت ‪ ،‬فهات الذهب!‬
‫فقال ‪ :‬ويحك! إنها خرجت ‪ ،‬ولكن إذا جاء مالي حاسبناك )‪ (11‬به‪.‬‬
‫وهكذا روى علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس أنها عامة ‪:‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬هي في أهل القبلة‪.‬‬
‫مل من‬ ‫وقال الحنف بن قيس ‪ :‬قدمت المدينة ‪ ،‬فبينا أنا في حلقة فيها َ‬
‫قريش ‪ ،‬إذ جاء رجل أخشن الثياب ‪ ،‬أخشن الجسد ‪ ،‬أخشن الوجه ‪ ،‬فقام‬
‫ضف يحمى عليه في‬ ‫عليهم فقال ‪ :‬بشر الكانزين بَر ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في د ‪" :‬جعل له"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬فتكوى" ‪ ،‬وفي د ‪ ،‬أ ‪" :‬فيكوى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم برقم )‪.(987‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬ك ‪" :‬ما هذا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪.(4660‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬ولقيني"‪.‬‬
‫)‪ (8‬تفسير الطبري )‪.(14/227‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من أ ‪" :‬عنهما"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬حاسبناه"‪.‬‬

‫) ‪(4/142‬‬

‫ض كتفه ‪ ،‬ويوضع‬ ‫دي أحدهم حتى يخرج من ن ُغْ ِ‬ ‫حلمة ث َ ْ‬


‫نار جهنم ‪ ،‬فيوضع على َ‬
‫على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه يتزلزل ‪ -‬قال ‪ :‬فوضع القوم‬
‫جع إليه شيئا ‪ -‬قال ‪ :‬وأدبر فاتبعته حتى‬ ‫رءوسهم ‪ ،‬فما رأيت أحدا منهم َر َ‬
‫جلس إلى سارية ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ما رأيت هؤلء إل كرهوا ما قلت لهم‪ .‬فقال ‪ :‬إن‬
‫هؤلء ل يعلمون شيئا‪.‬‬
‫وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبي ذ َّر ‪" :‬ما يسرني‬
‫أن عندي مثل أحد ذهبا يمر عليه ثالثة وعندي منه شيء إل دينار أرصده‬
‫لدين" )‪(1‬‬
‫فهذا ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬هو الذي حدا أبا ذر على القول بهذا‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا همام ‪ ،‬حدثنا قتادة ‪ ،‬عن سعيد بن‬
‫أبي الحسن ‪ ،‬عن عبد الله بن الصامت ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أنه كان مع أبي‬
‫ذر ‪ ،‬فخرج عطاؤه ومعه جارية له ‪ ،‬فجعلت تقضي حوائجه ‪ ،‬ففضلت معها‬
‫سبعة ‪ ،‬فأمرها أن تشتري به فلوسا‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬لو ادخرته للحاجة ت َُنوبك‬
‫كي )‪(2‬‬ ‫ن أيما ذهب أو فضة أو ِ‬ ‫يأ ْ‬‫وللضيف ينزل بك! قال ‪ :‬إن خليلي عهد إل ّ‬
‫عليه ‪ ،‬فهو جمر على صاحبه ‪ ،‬حتى يفرغه في سبيل الله ‪ ،‬عز وجل )‪(3‬‬
‫ورواه عن يزيد ‪ ،‬عن همام ‪ ،‬به وزاد ‪ :‬إفراغا )‪(4‬‬
‫وقال الحافظ ابن عساكر بسنده إلى أبي بكر الشبلي في ترجمته ‪ ،‬عن‬
‫محمد بن مهدي ‪ :‬حدثنا عمرو بن أبي سلمة ‪ ،‬عن صدقة بن عبد الله ‪ ،‬عن‬
‫طلحة بن زيد ‪ ،‬عن أبي فَْرَوة الّرهاوي ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ ،‬رضي‬
‫الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬الق الله فقيًرا ول‬
‫مَنع ‪،‬‬
‫ت فل ت َ ْ‬ ‫سِئل َ‬‫تلقه غنيا"‪ .‬قال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬كيف لي بذلك ؟ قال ‪" :‬ما ُ‬
‫خَبأ" ‪ ،‬قال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬كيف لي بذلك ؟ قال رسول الله‬ ‫وما ُرزْقت فل ت َ ْ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬هو ذاك وإل فالنار" )‪ (5‬إسناده ضعيف‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا جعفر بن سليمان ‪ ،‬حدثنا عتيبة ‪ ،‬عن‬
‫بريد بن أصرم )‪ (6‬قال ‪ :‬سمعت علًيا ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬يقول ‪ :‬مات رجل‬
‫فة ‪ ،‬وترك دينارين ‪ -‬أو ‪ :‬درهمين ‪ -‬فقال رسول الله صلى الله‬‫ص ّ‬
‫من أهل ال ّ‬
‫عليه وسلم ‪" :‬كّيتان ‪ ،‬صلوا على صاحبكم" )‪(7‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪.(6444‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬أيما ذهبا وفضة أولى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(5/156‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (5/175‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (10/240‬رجاله رجال‬
‫الصحيح"‪.‬‬
‫)‪ (5‬انظر ‪ :‬مختصر تاريخ دمشق لبن منظور )‪ (28/168‬ورواه الخطيب في‬
‫تاريخ بغداد )‪ (14/390‬في ترجمة الشبلى من طريق محمد بن مهدي‬
‫المصري به‪.‬‬
‫)‪ (6‬في جميع النسخ ‪" :‬عيينة عن يزيد بن الصرم" والتصويب من المسند‪.‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪.(1/101‬‬

‫) ‪(4/143‬‬

‫ت‬
‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫خل َقَ ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ب الل ّهِ ي َوْ َ‬ ‫شهًْرا ِفي ك َِتا ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ اث َْنا عَ َ‬ ‫شُهورِ ِ‬ ‫عد ّةَ ال ّ‬
‫ن ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫م وََقات ُِلوا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سك ُ ْ‬‫ف َ‬
‫ن أن ْ ُ‬ ‫موا ِفيهِ ّ‬ ‫م فََل ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫قي ّ ُ‬ ‫دي ُ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬‫حُر ٌ‬ ‫ة ُ‬ ‫من َْها أْرب َعَ ٌ‬
‫ض ِ‬‫َواْلْر َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(36‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫معَ ال ْ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫ة َواعْل َ ُ‬ ‫م َ‬
‫كافّ ً‬ ‫قات ُِلون َك ُ ْ‬ ‫ة كَ َ‬
‫ما ي ُ َ‬ ‫ن َ‬
‫كافّ ً‬ ‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬

‫وقد روي هذا من طرف أخر )‪(1‬‬


‫جلن قال ‪:‬‬ ‫دي بن عَ ْ‬ ‫ص َ‬‫شب ‪ ،‬عن أبي أمامة ُ‬ ‫حو ْ َ‬ ‫شْهر بن َ‬ ‫وقال قتادة ‪ ،‬عن َ‬
‫فة ‪ ،‬فوجد في مئزره دينار ‪ ،‬فقال رسول الله صلى‬ ‫ص ّ‬‫مات رجل من أهل ال ّ‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬كّية"‪ .‬ثم ُتوفي رجل آخر فوجد في مئزره ديناران ‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬كيتان" )‪(2‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو النضر إسحاق بن إبراهيم‬
‫الفراديسي ‪ ،‬حدثنا معاوية بن يحيى الطرابلسي ‪ ،‬حدثني أرطاة ‪ ،‬حدثني أبو‬
‫عامر الهَوَْزني ‪ ،‬سمعت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫ما من رجل يموت وعنده أحمر أو أبيض ‪ ،‬إل جعل الله بكل قيراط صفحة‬
‫من نار يكوى بها من قدمه إلى ذقنه‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا محمد بن خداش ‪ ،‬حدثنا سيف بن محمد‬
‫الثوري ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل يوضع الدينار على الدينار ‪،‬‬
‫سع جلده فيكوى )‪ (3‬بها جباههم وجنوبهم‬ ‫ول الدرهم على الدرهم ‪ ،‬ولكن ي ُوَ ّ‬
‫وظهورهم ‪ ،‬هذا ما كنزتم لنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون" )‪ (4‬سيف ‪ -‬هذا‬
‫‪ -‬كذاب ‪ ،‬متروك‪.‬‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫ِ َ ْ َ َ َ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ب‬
‫َِ ِ‬‫تا‬ ‫ك‬ ‫في‬ ‫را‬
‫ْ ً ِ‬ ‫ه‬‫ش‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ش‬‫َ‬
‫ِ َ َ َ‬ ‫ع‬ ‫نا‬‫ْ‬ ‫ث‬‫ا‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫شُهو ِ ِ ْ َ‬
‫د‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫عد ّةَ ال ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫} إِ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫موا ِفيهِ ّ‬ ‫م َفل ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫قي ّ ُ‬ ‫دي ُ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬ ‫حُر ٌ‬‫ة ُ‬ ‫من َْها أْرب َعَ ٌ‬ ‫ض ِ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫ع‬
‫م َ‬
‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫ة َواعْل َ ُ‬ ‫كافّ ً‬ ‫م َ‬ ‫قات ُِلون َك ُ ْ‬ ‫ما ي ُ َ‬‫ة كَ َ‬ ‫كافّ ً‬ ‫ن َ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م وََقات ُِلوا ال ْ ُ‬
‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬
‫ن )‪{ (36‬‬ ‫قي َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسماعيل ‪ ،‬أخبرنا أيوب ‪ ،‬أخبرنا محمد بن سيرين ‪،‬‬
‫عن أبي ب َك َْرة ‪ ،‬أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجته ‪ ،‬فقال ‪" :‬أل‬
‫إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والرض ‪ ،‬السنة اثنا‬
‫عشر شهًرا ‪ ،‬منها أربعة ]حرم ‪ ،‬ثلثة[ )‪ (5‬متواليات ‪ :‬ذو القعدة ‪ ،‬وذو‬
‫الحجة ‪ ،‬والمحرم ‪ ،‬ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان"‪ .‬ثم قال ‪" :‬أي‬
‫يوم هذا ؟ " قلنا ‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير‬
‫اسمه ‪ ،‬قال ‪" :‬أليس يوم النحر ؟ " قلنا ؛ بلى‪ .‬ثم قال ‪" :‬أي شهر هذا ؟ "‬
‫قلنا ‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫"أليس ذا الحجة ؟" قلنا ‪ :‬بلى‪ .‬ثم قال ‪" :‬أي بلد هذا ؟"‪ .‬قلنا ‪ :‬الله ورسوله‬
‫أعلم‪ .‬فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه أحمد في مسنده )‪ (138 ، 1/137‬من طريق قطن بن نسير‬
‫ومحمد بن عبيد وحبان بن هلل كلهم عن جعفر بن سليمان به نحوه ‪ ،‬وجاء‬
‫من حديث عبد الله بن مسعود رواه أحمد في مسنده )‪ ، (1/412‬وجاء من‬
‫حديث سلمة بن الكوع رواه أحمد في مسنده )‪ (4/47‬من حديث طويل ‪،‬‬
‫وجاء من حديث أبي هريرة رواه أحمد في مسنده )‪.(2/429‬‬
‫)‪ (2‬رواه أحمد في مسنده )‪ (5/253‬والطبري في تفسيره )‪ (14/222‬من‬
‫طريق قتادة به‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬فتكوى"‪.‬‬
‫)‪ (4‬ورواه ابن مردويه كما في الدر المنثور للسيوطي )‪.(4/179‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬

‫) ‪(4/144‬‬

‫قال ‪" :‬أليست البلدة ؟" قلنا ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪" :‬فإن دماءكم وأموالكم ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫وأحسبه قال ‪ :‬وأعراضكم ‪ -‬عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ‪ ،‬في شهركم‬
‫هذا ‪ ،‬في بلدكم هذا ‪ ،‬وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ‪ ،‬أل ل ترجعوا‬
‫ضلل يضرب بعضكم رقاب بعض ‪ ،‬أل هل بلغت ؟ أل ليبلغ الشاهد‬ ‫بعدي ُ‬
‫الغائب منكم ‪ ،‬فلعل من يبلغه يكون أوعى له من بعض من يسمعه )‪(2) (1‬‬
‫ورواه البخاري في التفسير وغيره ‪ ،‬ومسلم من حديث أيوب ‪ ،‬عن محمد ‪-‬‬
‫وهو ابن سيرين ‪ -‬عن عبد الرحمن بن أبي ب َك َْرة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬به )‪(3‬‬
‫مر ‪ ،‬حدثنا روح ‪ ،‬حدثنا أشعث ‪ ،‬عن‬ ‫معْ َ‬
‫وقد قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن َ‬
‫محمد بن سيرين ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات‬
‫والرض ‪ ،‬وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق‬
‫السموات والرض منها أربعة حرم ‪ ،‬ثلثة متواليات ‪ ،‬ورجب مضر بين جمادى‬
‫وشعبان" )‪(4‬‬
‫ورواه الب َّزار ‪ ،‬عن محمد بن معمر ‪ ،‬به )‪ (5‬ثم قال ‪ :‬ل يروى عن أبي هريرة‬
‫ون وقُّرة ‪ ،‬عن ابن سيرين ‪ ،‬عن عبد‬ ‫إل من هذا الوجه ‪ ،‬وقد رواه ابن عَ ْ‬
‫الرحمن بن أبي بكرة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬به‪.‬‬
‫ضا ‪ :‬حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ‪ ،‬حدثنا زيد‬ ‫وقال ابن جرير أي ً‬
‫حَباب ‪ ،‬حدثنا موسى بن عبيدة الرَبذي ‪ ،‬حدثني صدقة بن يسار ‪ ،‬عن ابن‬ ‫بن ُ‬
‫عمر قال ‪ :‬خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى‬
‫في أوسط أيام التشريق فقال ‪" :‬أيها الناس ‪ ،‬إن الزمان قد استدار ‪ ،‬فهو‬
‫اليوم كهيئته يوم خلق الله السموات والرض ‪ ،‬وإن عدة الشهور عند الله اثنا‬
‫جب مضر بين جمادى وشعبان ‪ ،‬وذو‬ ‫عشر شهرا منها أربعة حرم ‪ ،‬أولهن َر َ‬
‫القعدة ‪ ،‬وذو الحجة ‪ ،‬والمحرم" )‪(6‬‬
‫مْرُدويه من حديث موسى بن عبيدة ‪ ،‬عن عبد الله بن دينار ‪ ،‬عن‬ ‫وروى ابن َ‬
‫ابن عمرو ‪ ،‬مثله أو نحوه‪.‬‬
‫حّرة )‪ (7‬حدثني‬ ‫وقال حماد بن سلمة ‪ :‬حدثني علي بن زيد ‪ ،‬عن أبي ُ‬
‫ذا بزمام ناقة رسول‬ ‫الرقاشي ‪ ،‬عن عمه ‪ -‬وكانت له صحبة ‪ -‬قال ‪ :‬كنت آخ ً‬
‫الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق ‪ ،‬أذود الناس عنه ‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أل إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق‬
‫الله السموات والرض ‪ ،‬وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهًرا في كتاب‬
‫الله يوم خلق السموات والرض ‪ ،‬منها أربعة حرم فل‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬د ‪ ،‬أ ‪" :‬سمعه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(5/37‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (4662‬وبرقم )‪(5550 ، 7447 ، 4406 ، 3197‬‬
‫وصحيح مسلم برقم )‪.(1679‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(14/235‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬معاوية"‪.‬‬
‫)‪ (6‬تفسير الطبري )‪ (14/234‬وموسى بن عبيده ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬حمزة"‪.‬‬

‫) ‪(4/145‬‬

‫تظلموا فيهن أنفسكم" )‪(1‬‬


‫وقال سعيد بن منصور ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬عن الكلبي ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن‬
‫م { قال ‪ :‬محرم ‪ ،‬ورجب ‪ ،‬وذو‬ ‫حُر ٌ‬ ‫من َْها أ َْرب َعَ ٌ‬
‫ة ُ‬ ‫ابن عباس في قوله ‪ِ } :‬‬
‫القعدة ‪ ،‬وذو الحجة‪.‬‬
‫وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث ‪ " :‬إن الزمان قد استدار كهيئته يوم‬
‫وات الله وسلمه عليه ‪،‬‬ ‫صل َ َ‬
‫خلق الله السموات والرض" ‪ ،‬تقرير منه ‪َ ،‬‬
‫وتثبيت للمر على ما جعله الله تعالى في أول المر من غير تقديم ول تأخير ‪،‬‬
‫ول زيادة ول نقص ‪ ،‬ول نسيء ول تبديل ‪ ،‬كما قال في تحريم مكة ‪" :‬إن هذا‬
‫البلد حرمه الله يوم خلق السموات والرض ‪ ،‬فهو حرام بحرمة الله إلى يوم‬
‫القيامة" ‪ ،‬وهكذا قال هاهنا ‪" :‬إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله‬
‫السموات والرض" أي ‪ :‬المر اليوم شرعا كما ابتدأ الله ذلك في كتابه يوم‬
‫خلق السموات والرض‪.‬‬
‫وقد قال بعض المفسرين والمتكلمين على هذا الحديث ‪ :‬إن المراد بقوله ‪:‬‬
‫"قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والرض" ‪ ،‬أنه اتفق أن حج رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم في تلك السنة في ذي الحجة ‪ ،‬وأن العرب قد‬
‫كانت نسأت النسيء ‪ ،‬يحجون في كثير من السنين ‪ ،‬بل أكثرها ‪ ،‬في غير ذي‬
‫الحجة ‪ ،‬وزعموا أن حجة الصديق في سنة تسع كانت في ذي القعدة ‪ ،‬وفي‬
‫هذا نظر ‪ ،‬كما سنبينه إذا تكلمنا على النسيء‪.‬‬
‫وأغرب منه ما رواه الطبراني ‪ ،‬عن بعض السلف ‪ ،‬في جملة حديث ‪ :‬أنه‬
‫اتفق حج المسلمين واليهود والنصارى في يوم واحد ‪ ،‬وهو يوم النحر ‪ ،‬عام‬
‫حجة الوداع ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫]حاشية فصل[ )‪(2‬‬
‫سخاوي في جزء جمعه سماه "المشهور في أسماء‬ ‫ذكر الشيخ علم الدين ال ّ‬
‫اليام والشهور" ‪ :‬أن المحرم سمي بذلك لكونه شهرا محرما ‪ ،‬وعندي أنه‬
‫سمي بذلك تأكيدا لتحريمه ؛ لن العرب كانت تتقلب به ‪ ،‬فتحله عاما وتحرمه‬
‫عاما ‪ ،‬قال ‪ :‬ويجمع على محرمات ‪ ،‬ومحارم ‪ ،‬ومحاريم‪.‬‬
‫صفر ‪ :‬سمي بذلك لخلو بيوتهم منه ‪ ،‬حين يخرجون للقتال والسفار ‪ ،‬يقال ‪:‬‬
‫فَر المكان" ‪ :‬إذا خل ويجمع على أصفار كجمل وأجمال‪.‬‬ ‫ص ِ‬
‫" َ‬
‫شهر ربيع أول ‪ :‬سمي بذلك لرتباعهم فيه‪ .‬والرتباع القامة في عمارة‬
‫الربع ‪ ،‬ويجمع على أربعاء كنصيب وأنصباء ‪ ،‬وعلى أربعة ‪ ،‬كرغيف وأرغفة‪.‬‬
‫ربيع الخر ‪ :‬كالول‪.‬‬
‫جمادى ‪ :‬سمي بذلك لجمود الماء فيه‪ .‬قال ‪ :‬وكانت الشهور في حسابهم ل‬
‫تدور‪ .‬وفي هذا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه أحمد في مسنده )‪ (73 ، 5/72‬من طريق حماد بن سلمة بأطول‬
‫منه‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ك ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/146‬‬

‫نظر ؛ إذ كانت شهورهم منوطة بالهلة ‪ ،‬ول بد من دورانها ‪ ،‬فلعلهم سموه‬


‫بذلك ‪ ،‬أول ما سمي عند جمود الماء في البرد ‪ ،‬كما قال الشاعر ‪:‬‬
‫ظلماتها الط ّن َُبا‪...‬‬
‫صُر العبد ُ في َ‬ ‫ت أن ْدَِية‪ ...‬ل ي ُب ْ ِ‬‫جمادى َذا ِ‬ ‫وََليل َةٍ م ْ‬
‫ن ُ‬
‫طومه الذ ّن ََبا‪...‬‬‫خْر ُ‬
‫ف عََلى ُ‬ ‫حّتى ي َل ُ ّ‬ ‫ة‪َ ...‬‬‫غير َواحد َ ٍ‬ ‫ب فيها َ‬ ‫ح الكل ُ‬
‫ل ي َن ْب َ ُ‬
‫حَباريات ‪ ،‬وقد يذكر ويؤنث ‪ ،‬فيقال ‪:‬‬ ‫ماديات ‪ ،‬كحبارى و ُ‬ ‫ج َ‬ ‫وُيجمع على ُ‬
‫جمادى الولى والول ‪ ،‬وجمادى الخر والخرة‪.‬‬
‫جبات‪.‬‬ ‫جاب ‪ ،‬وَر َ‬ ‫رجب ‪ :‬من الترجيب ‪ ،‬وهو التعظيم ‪ ،‬ويجمع على أرجاب ‪ ،‬ورِ َ‬
‫شْعبانات )‬ ‫شَعابين و َ‬ ‫شعبان ‪ :‬من تشعب القبائل وتفرقها للغارة ويجمع على َ‬
‫‪(1‬‬
‫ورمضان ‪ :‬من شدة الرمضاء ‪ ،‬وهو الحر ‪ ،‬يقال ‪" :‬رمضت الفصال" ‪ :‬إذا‬
‫ضة قال ‪ :‬وقول من قال ‪:‬‬ ‫م َ‬ ‫ضانات وَرماضين وأْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫عطشت ‪ ،‬ويجمع على َر َ‬
‫"إنه اسم من أسماء الله" ؛ خطأ ل يعرج عليه ‪ ،‬ول يلتفت إليه‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬قد ورد فيه حديث ؛ ولكنه ضعيف ‪ ،‬وبينته في أول كتاب الصيام‪.‬‬
‫واول‬‫ش َ‬‫شوال ‪ :‬من شالت البل بأذنابها للطراق ‪ ،‬قال ‪ :‬ويجمع على َ‬
‫والت‪.‬‬ ‫ش ّ‬ ‫واويل و َ‬ ‫ش َ‬ ‫و َ‬
‫القعدة ‪ :‬بفتح القاف ‪ -‬قلت ‪ :‬وكسرها ‪ -‬لقعودهم فيه عن القتال والترحال ‪،‬‬
‫ويجمع على ذوات القعدة‪.‬‬
‫الحجة ‪ :‬بكسر الحاء ‪ -‬قلت ‪ :‬وفتحها ‪ -‬سمي بذلك ليقاعهم الحج فيه ‪،‬‬
‫ويجمع على ذوات الحجة‪.‬‬
‫ُ‬
‫أسماء اليام ‪ :‬أولها الحد ‪ ،‬ويجمع على آحاد ‪ ،‬وأحاد ووحود‪ .‬ثم يوم الثنين ‪،‬‬
‫كر ويؤنث ‪ ،‬ويجمع على ثلثاوات‬ ‫ويجمع على أثانين‪ .‬الثلثاء ‪ :‬يمد ‪ ،‬وي ُذ َ ّ‬
‫وأثالث‪ .‬ثم الربعاء بالمد ‪ ،‬ويجمع على أربعاوات وأرابيع‪ .‬والخميس ‪ :‬يجمع‬
‫على أخمسة وأخامس ‪ ،‬ثم الجمعة ‪ -‬بضم الميم ‪ ،‬وإسكانها ‪ ،‬وفتحها أيضا ‪-‬‬
‫معات‪.‬‬ ‫ج ُ‬‫مع و ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ويجمع على ُ‬
‫سْبت ‪ ،‬وهو القطع ؛ لنتهاء العدد عنده‪ .‬وكانت العرب‬ ‫السبت ‪ :‬مأخوذ من ال ّ‬
‫جَبار ‪ ،‬ثم دبار ‪ ،‬ثم مؤنس ‪ ،‬ثم العروبة ‪ ،‬ثم‬‫تسمي اليام أول ‪ ،‬ثم أهون ‪ ،‬ثم ُ‬
‫شيار ‪ ،‬قال الشاعر ‪ -‬من العرب العرباء العاربة المتقدمين ‪: -‬‬
‫جَبار‪...‬‬ ‫ُ‬
‫مي‪ ...‬بأّول أو بأهون أو ُ‬‫ش وأن َيو ِ‬ ‫جي أن أعي َ‬ ‫أَر ّ‬
‫ْ‬
‫ة أو شيار‪...‬‬‫ه‪ ...‬فمؤنس أو عروب َ‬ ‫أو التالي د َُبار فإن أُفت ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ك ‪" :‬وشعابات"‪.‬‬

‫) ‪(4/147‬‬

‫م { فهذا مما كانت العرب أيضا في الجاهلية‬ ‫حُر ٌ‬ ‫ة ُ‬ ‫من َْها أ َْرب َعَ ٌ‬
‫وقوله تعالى ‪ِ } :‬‬
‫)‪ (1‬تحرمه ‪ ،‬وهو الذي كان عليه جمهورهم ‪ ،‬إل طائفة منهم يقال لهم ‪:‬‬
‫دا‪.‬‬‫سل" ‪ ،‬كانوا يحرمون من السنة ثمانية أشهر ‪ ،‬تعمقا وتشدي ً‬ ‫"الب َ ْ‬
‫وأما قوله ‪" :‬ثلث متواليات ‪ :‬ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ‪ ،‬ورجب مضر‬
‫الذي بين جمادى وشعبان ‪] ،‬فإنما أضافه إلى مضر ‪ ،‬ليبين صحة قولهم في‬
‫رجب أنه الشهر الذي بين جمادى وشعبان[ )‪ (2‬ل كما كانت تظنه ربيعة من‬
‫ن رجب المحرم هو الشهر الذي بين شعبان وشوال ‪ ،‬وهو رمضان اليوم ‪،‬‬ ‫أ ّ‬
‫فبين ‪ ،‬عليه ]الصلة و[ )‪ (3‬السلم ‪ ،‬أنه رجب مضر ل رجب ربيعة‪ .‬وإنما‬
‫سْرد ٌ وواحد فرد ؛ لجل أداء مناسك الحج‬ ‫كانت الشهر المحرمة أربعة ‪ ،‬ثلثة َ‬
‫والعمرة ‪ ،‬فحرم قبل شهر الحج شهر ‪ ،‬وهو ذو القعدة ؛ لنهم يقعدون فيه‬
‫حّرم شهر ذي الحجة لنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون فيه‬ ‫عن القتال ‪ ،‬و ُ‬
‫بأداء المناسك ‪ ،‬وحرم بعده شهر آخر ‪ ،‬وهو المحرم ؛ ليرجعوا فيه إلى نائي‬
‫أقصى بلدهم آمنين ‪ ،‬وحرم رجب في وسط الحول ‪ ،‬لجل زيارة البيت‬
‫والعتمار به ‪ ،‬لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب ‪ ،‬فيزوره ثم يعود إلى‬
‫وطنه فيه آمنا‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬هذا هو الشرع المستقيم ‪ ،‬من‬ ‫قي ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫دي ُ‬ ‫َ‬
‫وقوله تعالى ‪ } :‬ذ َل ِك ال ّ‬
‫ذو بها على ما سبق في‬ ‫ح ْ‬‫امتثال أمر الله فيما جعل من الشهر الحرم ‪ ،‬وال َ‬
‫كتاب الله الول‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬في هذه الشهر المحرمة ؛‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سك ْ‬ ‫ف َ‬‫ن أن ْ ُ‬ ‫موا ِفيهِ ّ‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬فل ت َظل ِ ُ‬
‫لنه آكد وأبلغ في الثم من غيرها ‪ ،‬كما أن المعاصي في البلد الحرام‬
‫ب أ َِليم ٍ {‬ ‫ن عَ َ‬
‫ذا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫حادٍ ب ِظ ُل ْم ٍ ن ُذِقْ ُ‬ ‫ن ي ُرِد ْ ِفيهِ ب ِإ ِل ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫تضاعف ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫]الحج ‪ [25 :‬وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الثام ؛ ولهذا تغلظ فيه الدية‬
‫حقّ من قتل في‬ ‫في مذهب الشافعي ‪ ،‬وطائفة كثيرة من العلماء ‪ ،‬وكذا في َ‬
‫الحرم أو قتل ذا محرم‪.‬‬
‫مْهران ‪ ،‬عن ابن‬ ‫وقال حماد بن سلمة ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪ ،‬عن يوسف بن ِ‬
‫م { قال ‪ :‬في الشهور كلها‪.‬‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬
‫موا ِفيهِ ّ‬ ‫عباس ‪ ،‬في قوله ‪َ } :‬فل ت َظ ْل ِ ُ‬
‫عن ْد َ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫شُهورِ ِ‬ ‫عد ّةَ ال ّ‬‫ن ِ‬ ‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس قوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫م { في كلهن ‪ ،‬ثم اختص‬ ‫ّ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬ ‫موا ِفيهِ ّ‬ ‫شهًْرا { الية } َفل ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫اث َْنا عَ َ‬
‫شَر َ‬
‫حُرماتهن ‪ ،‬وجعل الذنب فيهن‬ ‫عظم ُ‬ ‫من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراما ‪ ،‬و َ‬
‫أعظم ‪ ،‬والعمل الصالح والجر أعظم‪.‬‬
‫َ‬
‫م { إن الظلم في الشهر‬ ‫ُ‬
‫سك ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أن ْ ُ‬ ‫موا ِفيهِ ّ‬ ‫وقال قتادة في قوله ‪َ } :‬فل ت َظ ْل ِ ُ‬
‫الحرم أعظم خطيئة ووزًرا ‪ ،‬من الظلم فيما سواها ‪ ،‬وإن كان الظلم على‬
‫كل حال عظيما ‪ ،‬ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء‪ .‬قال ‪ :‬إن الله اصطفى‬
‫فايا من خلقه ‪ ،‬اصطفى من الملئكة رسل ومن الناس رسل واصطفى من‬ ‫ص َ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫الكلم ذِكَره ‪ ،‬واصطفى من الرض المساجد ‪ ،‬واصطفى من الشهور رمضان‬
‫والشهر الحرم ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬جاهليتها"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/148‬‬

‫ظموا‬ ‫واصطفى من اليام يوم الجمعة ‪ ،‬واصطفى من الليالي ليلة القدر ‪ ،‬فَعَ ّ‬
‫ما عظم الله ‪ ،‬فإنما ت َُعظم المور )‪ (1‬بما عظمها الله به عند أهل الفهم‬
‫وأهل العقل‪.‬‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن قيس بن مسلم ‪ ،‬عن الحسن بن محمد بن الحنفية ‪ :‬بأل‬
‫تحرموهن كحرمتهن )‪(2‬‬
‫م { أي ‪ :‬ل تجعلوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سك ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أن ْ ُ‬ ‫موا ِفيهِ ّ‬ ‫وقال محمد بن إسحاق ‪ } :‬فل ت َظل ِ ُ‬
‫حرامها حلل ول حللها حراما ‪ ،‬كما فعل أهل الشرك ‪ ،‬فإنما النسيء الذي‬
‫فُروا { الية‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ب ِهِ ال ّ ِ‬ ‫ض ّ‬ ‫كانوا يصنعون من ذلك ‪ ،‬زيادة في الكفر } ي ُ َ‬
‫]التوبة ‪.[37 :‬‬
‫وهذا القول اختيار ابن جرير‪.‬‬
‫م َ‬
‫كافّ ً‬
‫ة‬ ‫ُ‬
‫قات ِلون َك ُ ْ‬ ‫ما ي ُ َ‬ ‫ة { أي ‪ :‬جميعكم )‪ } (3‬ك َ َ‬ ‫كافّ ً‬ ‫ن َ‬ ‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫وقوله ‪ } :‬وََقات ُِلوا ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫معَ ال ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫{ أي ‪ :‬جميعهم ‪َ } ،‬واعْل َ ُ‬
‫وقد اختلف العلماء في تحريم ابتداء القتال في الشهر الحرام ‪ :‬هل هو‬
‫منسوخ أو محكم ؟ على قولين ‪:‬‬
‫موا‬ ‫ْ‬
‫أحدهما ‪ -‬وهو الشهر ‪ :‬أنه منسوخ ؛ لنه تعالى قال هاهنا ‪َ } :‬فل ت َظل ِ ُ‬
‫م { وأمر بقتال المشركين وظاهر السياق مشعر بأنه أمر بذلك‬ ‫سك ُ ْ‬‫ف َ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬‫ِفيهِ ّ‬
‫أمًرا عاما ‪ ،‬فلو كان محرما ما في الشهر الحرام لوشك أن يقيده‬
‫بانسلخها ؛ ولن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف في‬
‫شهر حرام ‪ -‬وهو ذو القعدة ‪ -‬كما ثبت في الصحيحين ‪ :‬أنه خرج إلى هوازن‬
‫في شوال ‪ ،‬فلما كسرهم واستفاء أموالهم ‪ ،‬ورجع فَّلهم ‪ ،‬فلجئوا إلى‬
‫عمد إلى الطائف فحاصرها أربعين يوما ‪ ،‬وانصرف ولم يفتتحها )‪(4‬‬ ‫الطائف ‪َ -‬‬
‫فثبت أنه حاصر في الشهر الحرام‪.‬‬
‫والقول الخر ‪ :‬أن ابتداء القتال في الشهر الحرام حرام ‪ ،‬وأنه لم ينسخ‬
‫شَعائ َِر الل ّهِ َول‬ ‫حّلوا َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ل ت ُ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫تحريم الحرام ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ر‬
‫شهْ ِ‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫حَرا ُ‬ ‫شهُْر ال ْ َ‬ ‫م { ]الية[ )‪] (5‬المائدة ‪ [ 2 :‬وقال ‪ } :‬ال ّ‬ ‫حَرا َ‬ ‫شهَْر ال ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫دى‬ ‫ما اعْت َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫َ‬
‫دوا عَلي ْهِ ب ِ ِ‬ ‫م َفاعْت َ ُ‬ ‫َ‬
‫دى عَلي ْك ُ ْ‬ ‫ن اعْت َ َ‬ ‫ص فَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫صا ٌ‬ ‫ت قِ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫حُر َ‬ ‫حَرام ِ َوال ُ‬
‫م َفاقْت ُُلوا‬ ‫حُر ُ‬ ‫شهُُر ال ْ ُ‬ ‫خ ال ْ‬ ‫سل َ َ‬‫م { الية]البقرة ‪ [194 :‬وقال ‪ } :‬فَإ َِذا ان ْ َ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫ن { ]الية[ ]التوبة ‪(6) [50 :‬‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫وقد تقدم أنها الربعة المقررة في كل سنة ‪ ،‬ل أشهر التسيير على أحد‬
‫القولين‪.‬‬
‫ة { فيحتمل‬ ‫ّ‬
‫م كاف ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫قات ِلون َك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ما ي ُ َ‬ ‫ةك َ‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن كاف ً‬ ‫َ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وأما قوله تعالى ‪ } :‬وَقات ِلوا ال ُ‬
‫أنه منقطع عما قبله ‪ ،‬وأنه حكم مستأنف ‪ ،‬ويكون من باب التهييج‬
‫والتحضيض ‪ ،‬أي ‪ :‬كما يجتمعون لحربكم إذا حاربوكم فاجتمعوا أنتم أيضا لهم‬
‫إذا حاربتموهم ‪ ،‬وقاتلوهم بنظير ما يفعلون ‪ ،‬ويحتمل أنه أذن للمؤمنين بقتال‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يعظم من المور"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬لحرمتهن"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬جميعهم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬يفتحها"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/149‬‬

‫المشركين في الشهر الحرام إذا كانت البداءة منهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫ص { ]البقرة ‪ [194 :‬وقال‬ ‫صا ٌ‬ ‫ت قِ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫حَرام ِ َوال ْ ُ‬
‫حُر َ‬ ‫شهْرِ ال ْ َ‬‫م ِبال ّ‬‫حَرا ُ‬ ‫شهُْر ال ْ َ‬
‫} ال ّ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن قات َلوك ْ‬ ‫َ‬
‫م ِفيهِ فإ ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قات ِلوك ْ‬
‫حّتى ي ُ َ‬
‫حَرام ِ َ‬ ‫ْ‬
‫جدِ ال َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫عن ْد َ ال َ‬
‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫قات ِلوهُ ْ‬‫تعالى ‪َ } :‬ول ت ُ َ‬
‫م { الية]البقرة ‪ ، [191 :‬وهكذا الجواب عن حصار رسول الله صلى‬ ‫َفاقْت ُُلوهُ ْ‬
‫الله عليه وسلم أهل الطائف ‪ ،‬واستصحابه الحصار إلى أن دخل الشهر‬
‫الحرام ‪ ،‬فإنه من )‪ (1‬تتمة قتال هوازن وأحلفها من ثقيف ‪ ،‬فإنهم هم الذين‬
‫ابتدءوا القتال ‪ ،‬وجمعوا الرجال ‪ ،‬ودعوا إلى الحرب والنزال ‪ ،‬فعندما قصدهم‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم ‪ ،‬فلما تحصنوا بالطائف ذهب‬
‫إليهم لينزلهم من حصونهم ‪ ،‬فنالوا من المسلمين ‪ ،‬وقتلوا جماعة ‪ ،‬واستمر‬
‫الحصار بالمجانيق وغيرها قريبا من أربعين يوما‪ .‬وكان ابتداؤه في شهر‬
‫حلل ‪ ،‬ودخل الشهر الحرام ‪ ،‬فاستمر فيه أياما ‪ ،‬ثم قفل عنهم لنه يغتفر في‬
‫الدوام ما ل يغتفر في البتداء ‪ ،‬وهذا هو أمر مقرر ‪ ،‬وله نظائر كثيرة ‪ ،‬والله‬
‫أعلم‪ .‬ولنذكر الحاديث الواردة في ذلك )‪ (2‬وقد حررنا ذلك في السيرة ‪،‬‬
‫والله أعلم )‪(3‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫)‪ (2‬كذا ولم أجد شيئا من ذلك ‪ ،‬ورفع في هـ ‪ ،‬ك فراغ قدر أربعة أسطر ‪،‬‬
‫ووصل الكلم في باقي النسخ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ك ‪" :‬والحمد لله"‪.‬‬

‫) ‪(4/150‬‬

‫ه‬
‫مون َ ُ‬‫حّر ُ‬‫ما وَي ُ َ‬
‫عا ً‬
‫ه َ‬ ‫حّلون َ ُ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فُروا ي ُ ِ‬ ‫ل ب ِهِ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ض ّ‬ ‫سيُء زَِياد َة ٌ ِفي ال ْك ُ ْ‬
‫فرِ ي ُ َ‬ ‫ما الن ّ ِ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ه فَي ُ ِ‬ ‫ّ‬ ‫واط ُِئوا ِ‬
‫مال ِهِ ْ‬
‫سوُء أعْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫ه ُزي ّ َ‬ ‫م الل ُ‬‫حّر َ‬
‫ما َ‬ ‫حلوا َ‬ ‫م الل ُ‬ ‫حّر َ‬‫ما َ‬ ‫عد ّة َ َ‬ ‫ما ل ِي ُ َ‬ ‫عا ً‬ ‫َ‬
‫ن )‪(37‬‬ ‫ري َ‬‫كافِ ِ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬‫قو ْ َ‬ ‫ْ‬
‫دي ال َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫َوالل ُ‬

‫ه‬
‫مون َ ُ‬
‫حّر ُ‬
‫ما وَي ُ َ‬ ‫عا ً‬ ‫حّلون َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫فُروا ي ُ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ل ب ِهِ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ض ّ‬ ‫فرِ ي ُ َ‬ ‫سيُء زَِياد َة ٌ ِفي ال ْك ُ ْ‬ ‫ما الن ّ ِ‬‫} إ ِن ّ َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫ما‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ُ‬ ‫ء‬‫سو‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ز‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ر‬‫ح‬ ‫ما‬ ‫لوا‬ ‫ّ‬ ‫ح‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ح‬ ‫ما‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ُ‬
‫ئوا‬
‫ْ َ ِِ ْ‬ ‫ُ ُ ّ َ ُ ْ ُ‬ ‫َ َ ّ َ‬ ‫ُ ُ ِ‬ ‫ِ ّ َ َ َ ّ َ‬ ‫ما ِ ُ َ ِ‬
‫ط‬ ‫وا‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫عا ً‬‫َ‬
‫ن )‪{ (37‬‬ ‫ري‬
‫ِ ِ َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬
‫ْ َ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫دي‬ ‫ه‬
‫َْ ِ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫َ ُ‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬
‫هذا مما ذم الله تعالى به المشركين من تصرفهم في شرع الله بآرائهم‬
‫الفاسدة ‪ ،‬وتغييرهم أحكام الله بأهوائهم الباردة ‪ ،‬وتحليلهم ما حرم الله‬
‫ضِبية والشهامة‬ ‫وتحريمهم ما أحل الله ‪ ،‬فإنهم كان فيهم من القوة الغ َ‬
‫والحمية ما استطالوا به مدة الشهر الثلثة في التحريم المانع لهم من قضاء‬
‫أوطارهم من قتال أعدائهم ‪ ،‬فكانوا قد أحدثوا قبل السلم بمدة تحليل‬
‫المحرم وتأخيره إلى صفر ‪ ،‬فيحلون الشهر الحرام ‪ ،‬ويحرمون الشهر الحلل‬
‫‪ ،‬ليواطئوا عدة الشهر الربعة )‪ (1‬كما قال شاعرهم ‪ -‬وهو عمير بن قيس‬
‫المعروف ‪ -‬بجذل الطعان ‪:‬‬
‫كراما‪...‬‬‫م ِ‬‫ن ل َهُ ْ‬‫م الّناس أ ّ‬ ‫مي‪ ...‬كَرا ُ‬‫ن َقو ِ‬
‫معد أ ّ‬ ‫علمت َ‬ ‫لَ َ‬
‫قد ْ َ‬
‫حَراما‪...‬‬
‫جعلَها َ‬‫ُ‬ ‫حل ن َ ْ‬
‫شُهوَر ال ِ‬‫معد‪ُ ...‬‬ ‫ن على َ‬ ‫سنا الناسئي َ‬ ‫أل ْ‬
‫س لم ت ُد َْرك بوْتر?‪ ...‬وأيّ الّناس لم ن ُْعلك لجاما? )‪(2‬‬ ‫َ‬
‫فأيّ الّنا ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬ليواطئوا عدة ما حرم الله الشهر الربعة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام )‪.(1/45‬‬

‫) ‪(4/150‬‬

‫سيُء زَِياد َة ٌ ِفي‬ ‫ما الن ّ ِ‬ ‫قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫جنادة بن عوف بن أمية الكناني ‪ ،‬كان يوافي‬ ‫ن ُ‬ ‫فرِ { قال ‪ :‬النسيء أ ّ‬ ‫ال ْك ُ ْ‬
‫مامة" ‪ ،‬فينادي ‪ :‬أل إن أبا ثمامة ل‬ ‫الموسم في كل عام ‪ ،‬وكان يكنى "أبا ث ُ َ‬
‫ُيحاب ول ُيعاب ‪ ،‬أل وإن صفر العام الول حلل‪ .‬فيحله للناس ‪ ،‬فيحرم صفرا‬
‫سيُء زَِياد َة ٌ ِفي‬ ‫ما الن ّ ِ‬ ‫عاما ‪ ،‬ويحرم المحرم عاما ‪ ،‬فذلك قول الله ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫فرِ { [‬ ‫سيُء زَِياد َة ٌ ِفي ال ْك ُ ْ‬ ‫ما الن ّ ِ‬ ‫فرِ { ]إلى قوله ‪ } :‬الكافرين { وقوله } إ ِن ّ َ‬ ‫ال ْك ُ ْ‬
‫)‪ (1‬يقول ‪ :‬يتركون المحرم عاما ‪ ،‬وعاما يحرمونه‪.‬‬
‫وروى العوفي عن ابن عباس نحوه‪.‬‬
‫وقال ليث بن أبي سليم ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬كان رجل من بني كنانة يأتي كل عام‬
‫إلى الموسم على حمار له ‪ ،‬فيقول ‪ :‬يا أيها الناس ‪ ،‬إني ل أعاب ول أجاب ‪،‬‬
‫حّرمنا المحرم ‪ ،‬وأخرنا صفر‪ .‬ثم يجيء العام‬ ‫مَرد ّ لما أقول ‪ ،‬إنا قد َ‬ ‫ول َ‬
‫المقبل بعده فيقول مثل مقالته ‪ ،‬ويقول ‪ :‬إنا قد حرمنا صفر ‪ ،‬وأخرنا‬
‫ه { قال ‪ :‬يعني الربعة‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫عد ّة َ َ‬ ‫واط ُِئوا ِ‬ ‫المحرم‪ .‬فهو قوله ‪ } :‬ل ِي ُ َ‬
‫ه { لتأخير هذا الشهر الحرام‪.‬‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫حّر َ‬ ‫حّلوا َ‬
‫ما َ‬ ‫} فَي ُ ِ‬
‫وروي عن أبي وائل ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة نحو هذا‪.‬‬
‫سيُء زَِياد َة ٌ ِفي‬ ‫ما الن ّ ِ‬ ‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫مس" ‪ ،‬وكان في‬ ‫قل َّ‬
‫فرِ { الية ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا رجل من بني كنانة يقال له ‪" :‬ال َ‬ ‫ال ْك ُ ْ‬
‫الجاهلية ‪ ،‬وكانوا في الجاهلية ل يغيُر بعضهم على بعض في الشهر الحرام ‪،‬‬
‫مد ّ إليه يده ‪ ،‬فلما كان هو ‪ ،‬قال ‪ :‬اخرجوا بنا‪.‬‬ ‫يلقى الرجل قاتل أبيه ول ي َ ُ‬
‫قالوا له ‪ :‬هذا المحرم! قال ‪ :‬ننسئه العام ‪ ،‬هما العام صفران ‪ ،‬فإذا كان‬
‫محّرمين‪ .‬قال ‪ :‬ففعل ذلك ‪ ،‬فلما كان عام قابل‬ ‫العام القابل قضينا جعلناهما ُ‬
‫قال ‪ :‬ل تغُزوا في صفر ‪ ،‬حرموه مع المحرم ‪ ،‬هما محرمان‪.‬‬
‫فهذه صفة غريبة في النسيء ‪ ،‬وفيها نظر ؛ لنهم في عام إنما يحرمون على‬
‫هذا ثلثة أشهر فقط ‪ ،‬وفي العام الذي يليه يحرمون خمسة أشهر ‪ ،‬فأين هذا‬
‫ه {‪.‬‬‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬
‫ما َ‬ ‫عد ّة َ َ‬ ‫واط ُِئوا ِ‬ ‫ما ل ِي ُ َ‬ ‫عا ً‬ ‫ه َ‬ ‫مون َ ُ‬ ‫حّر ُ‬‫ما وَي ُ َ‬
‫عا ً‬‫ه َ‬ ‫حّلون َ ُ‬ ‫من قوله تعالى ‪ } :‬ي ُ ِ‬
‫وقد روي عن مجاهد صفة أخرى غريبة أيضا ‪ ،‬فقال عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا‬
‫سيُء زَِياد َة ٌ ِفي‬ ‫ما الن ّ ِ‬ ‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد في قوله ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬ ‫مر ‪ ،‬عن ابن أبي ن َ ِ‬ ‫معْ َ‬ ‫َ‬
‫فرِ { الية ‪ ،‬قال ‪ :‬فرض الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬الحج في ذي الحجة‪ .‬قال ‪ :‬وكان‬ ‫ُ‬
‫الك ْ‬‫ْ‬
‫المشركون يسمون الشهر ذا الحجة ‪ ،‬والمحرم ‪ ،‬وصفر ‪ ،‬وربيع ‪ ،‬وربيع ‪،‬‬
‫وجمادى ‪ ،‬وجمادى ‪ ،‬ورجب ‪ ،‬وشعبان ‪ ،‬ورمضان ‪ ،‬وشوال )‪ (2‬وذا القعدة‪.‬‬
‫وذا الحجة يحجون فيه مرة أخرى ثم يسكتون عن المحرم ول يذكرونه ‪ ،‬ثم‬
‫يعودون فيسمون صفر صفر ‪ ،‬ثم يسمون رجب جمادى الخرة ‪ ،‬ثم يسمون‬
‫شعبان رمضان ‪ ،‬ثم يسمون شوال رمضان ‪ ،‬ثم يسمون ذا القعدة شوال‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬وشوال"‪.‬‬

‫) ‪(4/151‬‬

‫ثم يسمون ذا الحجة ذا القعدة ‪ ،‬ثم يسمون المحرم ذا الحجة ‪ ،‬فيحجون‬


‫فيه ‪ ،‬واسمه عندهم ذو )‪ (1‬الحجة ‪ ،‬ثم عادوا بمثل هذه القصة فكانوا‬
‫يحجون في كل شهر عامين ‪ ،‬حتى وافق حجة أبي بكر الخر من العامين في‬
‫القعدة )‪ (2‬ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم حجته التي حج ‪ ،‬فوافق ذا‬
‫الحجة ‪ ،‬فذلك حين يقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته ‪" :‬إن‬
‫الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والرض"‪.‬‬
‫وهذا الذي قاله مجاهد فيه نظر أيضا ‪ ،‬وكيف تصح حجة أبي بكر وقد وقعت‬
‫َ‬
‫ه‬
‫سول ِ ِ‬‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬‫في ذي القعدة ‪ ،‬وأنى هذا ؟ وقد قال الله تعالى ‪ } :‬وَأَذا ٌ‬
‫َ‬
‫ه{‬ ‫سول ُ ُ‬‫ن وََر ُ‬‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬
‫ريٌء ِ‬‫ه بَ ِ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ج الك ْب َرِ أ ّ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫س ي َوْ َ‬ ‫َ‬
‫إ ِلى الّنا ِ‬
‫الية]التوبة ‪ ، [3 :‬وإنما نودي بذلك في حجة أبي بكر ‪ ،‬فلو لم تكن في ذي‬
‫ج الك ْب َرِ { ول يلزم من فعلهم النسيء هذا‬ ‫ح ّ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫الحجة لما قال تعالى ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫الذي ذكره ‪ ،‬من دوران السنة عليهم ‪ ،‬وحجهم في كل شهر عامين ؛ فإن‬
‫النسيء حاصل بدون هذا ‪ ،‬فإنهم لما كانوا يحلون شهر المحرم عاما يحرمون‬
‫عوضه صفرا ‪ ،‬وبعده ربيع وربيع إلى آخر ]السنة والسنة بحالها على نظامها‬
‫وعدتها وأسماء شهورها ثم في العام القابل يحرمون المحرم ويتركونه على‬
‫تحريمه ‪ ،‬وبعده صفر ‪ ،‬وربيع وربيع إلى آخرها[ )‪ (3‬فيحلونه عاما ويحرمونه‬
‫عاما ؛ ليواطئوا عدة ما حرم الله ‪ ،‬فيحلوا ما حرم الله ‪ ،‬أي ‪ :‬في تحريم‬
‫أربعة أشهر من السنة ‪ ،‬إل أنهم تارة يقدمون تحريم الشهر الثالث من الثلثة‬
‫المتوالية وهو المحرم ‪ ،‬وتارة ينسئونه إلى صفر ‪ ،‬أي ‪ :‬يؤخرونه‪ .‬وقد قدمنا‬
‫الكلم على قوله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن الزمان قد استدار كهيئته يوم‬
‫خلق الله السموات والرض ‪ ،‬السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ‪ ،‬ثلثة‬
‫متوالية ‪ :‬ذو القعدة ‪ ،‬وذو الحجة ‪ ،‬والمحرم ‪ ،‬ورجب مضر" ‪ ،‬أي ‪ :‬أن المر‬
‫في عدة )‪ (4‬الشهور وتحريم ما هو محرم منها ‪ ،‬على ما سبق في كتاب الله‬
‫من العدد والتوالي ‪ ،‬ل كما يعتمده جهلة العرب ‪ ،‬من فصلهم تحريم بعضها‬
‫بالنسيء عن بعض ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا صالح بن بشر بن سلمة الطبراني ‪ ،‬حدثنا مكي‬
‫بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا موسى بن عبيدة ‪ ،‬عن عبد الله بن دينار ‪ ،‬عن ابن عمر‬
‫أنه قال ‪ :‬وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة ‪ ،‬فاجتمع إليه من‬
‫شاء الله من المسلمين ‪ ،‬فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل )‪ (5‬ثم قال ‪:‬‬
‫"وإنما النسيء من الشيطان ‪ ،‬زيادة في الكفر ‪ ،‬يضل به الذين كفروا ‪،‬‬
‫يحلونه عاما ويحرمونه عاما"‪ .‬فكانوا يحرمون المحرم عاما ‪ ،‬ويستحلون صفر‬
‫)‪ (6‬ويستحلون المحرم ‪ ،‬وهو النسيء )‪(7‬‬
‫دا‬
‫ما جي ً‬ ‫وقد تكلم المام محمد بن إسحاق على هذا في كتاب "السيرة" كل ً‬
‫دا حسًنا ‪ ،‬فقال ‪ :‬كان أول من نسأ الشهور على العرب ‪ ،‬فأحل منها ما‬ ‫ومفي ً‬
‫مس" ‪ ،‬وهو ‪ :‬حذيفة بن‬‫قل ّ‬
‫حرم الله ‪ ،‬وحرم منها ما أحل الله ‪ ،‬عز وجل ‪" ،‬ال َ‬
‫قيم )‪ (8‬بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن‬ ‫مد ِْركة فُ َ‬‫عبد ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ك ‪" :‬ذا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬ذي القعدة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬هذه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بما هو أهله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬صفر منه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬ورواه أبو الشيخ الصبهاني كما في الدر المنثور )‪.(5/188‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬عبد بن فقيم"‪.‬‬

‫) ‪(4/152‬‬

‫م إ َِلى‬ ‫ذي َ‬ ‫َ‬


‫ل الل ّهِ اّثاقَل ْت ُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫فُروا ِفي َ‬ ‫م ان ْ ِ‬‫ل ل َك ُ ُ‬‫م إ َِذا ِقي َ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬
‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا ِفي اْل َ ِ‬
‫خَرةِ إ ِّل‬ ‫ن اْل َ ِ‬ ‫َ‬ ‫اْل َْر‬
‫مَتاعُ ال ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫خَرةِ فَ َ‬ ‫م َ‬‫حَياةِ الد ّن َْيا ِ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫ضيت ُ ْ‬
‫ض أَر ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ضّروهُ‬‫م وََل ت َ ُ‬ ‫ما غَي َْرك ُ ْ‬‫ل قَوْ ً‬ ‫ست َب ْدِ ْ‬
‫ما وَي َ ْ‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫م عَ َ‬ ‫فُروا ي ُعَذ ّب ْك ُ ْ‬ ‫ل )‪ (38‬إ ِّل ت َن ْ ِ‬ ‫قَِلي ٌ‬
‫ديٌر )‪(39‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫شي ًْئا َوالل ّ ُ‬ ‫َ‬

‫معد ّ بن عدنان ‪ ،‬ثم‬ ‫ضر بن نزار بن َ‬ ‫م َ‬ ‫خَزيمة بن مد ِْركة بن إلياس بن ُ‬ ‫كنانة بن ُ‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫قام بعده على ذلك ابنه عَّباد ثم من بعد عباد ابنه قلع بن عباد ‪ ،‬ثم ابنه أمية‬
‫بن قلع ‪ ،‬ثم ابنه عوف بن أمية ‪ ،‬ثم ابنه أبو ثمامة جنادة بن عوف ‪ ،‬وكان‬
‫آخرهم ‪ ،‬وعليه قام السلم‪ .‬فكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت‬
‫إليه ‪ ،‬فقام فيهم خطيًبا ‪ ،‬فحرم رجبا ‪ ،‬وذا القعدة ‪ ،‬وذا الحجة ‪ ،‬ويحل‬
‫المحرم عاما ‪ ،‬ويجعل مكانه صفر ‪ ،‬ويحرمه عاما ليواطئ عدة ما حرم الله ‪،‬‬
‫فيحل ما حرم الله ‪ ،‬يعني ‪ :‬ويحرم ما أحل الله‪.‬‬
‫م إ َِلى‬ ‫َ‬
‫ل الل ّهِ اّثاقَل ْت ُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫فُروا ِفي َ‬ ‫م ان ْ ِ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫م إ َِذا ِقي َ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫} َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫خَرةِ ِإل‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا ِفي ال ِ‬ ‫مَتاعُ ال ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫خَرةِ فَ َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا ِ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫ضيت ُ ْ‬
‫ض أَر ِ‬ ‫الْر ِ‬
‫َ‬
‫ضّروهُ‬ ‫م َول ت َ ُ‬ ‫ما غَي َْرك ُ ْ‬ ‫ل قَوْ ً‬ ‫ست َب ْدِ ْ‬‫ما وَي َ ْ‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫م عَ َ‬ ‫فُروا ي ُعَذ ّب ْك ُ ْ‬ ‫ل )‪ِ (38‬إل ت َن ْ ِ‬ ‫قَِلي ٌ‬
‫ديٌر )‪{ (39‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ه عَلى ك ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫شي ًْئا َوالل ُ‬ ‫َ‬
‫هذا شروع في عتاب من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في‬ ‫ّ‬
‫ماّرة )‪ (1‬القيظ ‪،‬‬ ‫ح َ‬‫غزوة تبوك ‪ ،‬حين طابت الثمار والظلل في شدة الحر و َ‬
‫َ‬
‫ل‬‫سِبي ِ‬ ‫فُروا ِفي َ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬
‫م ان ْ ِ‬ ‫م إ َِذا ِقي َ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫فقال تعالى ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ض { أي ‪:‬‬ ‫الل ّهِ { أي ‪ :‬إذا دعيتم إلى الجهاد في سبيل الله } اّثاقَل ْت ُ ْ َ‬
‫م إ ِلى الْر َ ِ‬
‫م‬
‫ضيت ُ ْ‬‫تكاسلتم وملتم إلى المقام في الدعة والخفض وطيب الثمار ‪ } ،‬أَر ِ‬
‫خَرةِ { أي ‪ :‬ما لكم فعلتم )‪ (2‬هكذا أرضا منكم بالدنيا‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫بدل من الخرة‬
‫مَتاعُ‬ ‫ما َ‬ ‫ثم زهد تبارك وتعالى في الدنيا ‪ ،‬ورغب في الخرة ‪ ،‬فقال ‪ } :‬فَ َ‬
‫ل { كما قال المام أحمد‪.‬‬ ‫خَرةِ ِإل قَِلي ٌ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا ِفي ال ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫كيع ويحيى بن سعيد قال حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬عن قيس ‪،‬‬ ‫حدثنا وَ ِ‬
‫عن المست َوِْرد أخي بني فِْهر قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫"ما الدنيا في الخرة إل كما يجعل إصبعه هذه في اليم ‪ ،‬فلينظر بما ترجع ؟ )‬
‫‪ (3‬وأشار بالسبابة‪.‬‬
‫انفرد بإخراجه مسلم )‪(4‬‬
‫مصي ‪،‬‬‫ح ْ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا بشر بن مسلم بن )‪ (5‬عبد الحميد ال ِ‬
‫حدثنا الربيع بن َرْوح ‪ ،‬حدثنا محمد بن خالد الوهبي ‪ ،‬حدثنا زياد ‪ -‬يعني‬
‫الجصاص ‪ -‬عن أبي عثمان قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا أبا هريرة ‪ ،‬سمعت من إخواني‬
‫بالبصرة أنك تقول ‪ :‬سمعت نبي الله يقول ‪" :‬إن الله يجزي بالحسنة ألف‬
‫ألف حسنة" قال أبو هريرة ‪ :‬بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول ‪" :‬إن الله يجزي بالحسنة ألفي ألف‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬وحماوة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬صنعتم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬يرجع"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (4/228‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2858‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬عن"‪.‬‬

‫) ‪(4/153‬‬

‫ما ِفي ال َْغاِر‬ ‫ن إ ِذ ْ هُ َ‬‫ِ‬ ‫ي اث ْن َي ْ‬ ‫فُروا َثان ِ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬


‫ذيَ َ‬ ‫ج ُ‬‫خَر َ‬‫ه إ ِذ ْ أ َ ْ‬‫صَرهُ الل ّ ُ‬ ‫قد ْ ن َ َ‬ ‫صُروهُ فَ َ‬ ‫إ ِّل ت َن ْ ُ‬
‫َ‬
‫جُنود ٍ ل َ ْ‬
‫م‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَأي ّد َه ُ ب ِ ُ‬ ‫كين َت َ ُ‬
‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫معََنا فَأن َْز َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫حَز ْ‬ ‫حب ِهِ َل ت َ ْ‬ ‫صا ِ‬
‫ل لِ َ‬‫قو ُ‬ ‫إ ِذ ْ ي َ ُ‬
‫زيٌز‬‫ه عَ ِ‬ ‫ي ال ْعُل َْيا َوالل ّ ُ‬ ‫ة الل ّهِ هِ َ‬ ‫م ُ‬‫فَلى وَك َل ِ َ‬ ‫س ْ‬‫فُروا ال ّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ة ال ّ ِ‬ ‫ل ك َل ِ َ‬
‫م َ‬ ‫جعَ َ‬‫ها وَ َ‬‫ت ََروْ َ‬
‫م )‪(40‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬

‫ل { )‪) (1‬‬ ‫خَرةِ ِإل قَِلي ٌ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا ِفي ال ِ‬ ‫مَتاع ُ ال ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫حسنة" ثم تل هذه الية ‪ } :‬فَ َ‬
‫‪(2‬‬
‫فالدنيا ما مضى منها وما بقي منها عند الله قليل‪.‬‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا‬ ‫مَتاعُ ال ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫وقال ]سفيان[ )‪ (3‬الثوري ‪ ،‬عن العمش في الية ‪ } :‬فَ َ‬
‫ل { قال ‪ :‬كزاد الراكب‪.‬‬ ‫خَرةِ ِإل قَِلي ٌ‬ ‫ِفي ال ِ‬
‫وقال عبد العزيز بن أبي حازم )‪ (4‬عن أبيه ‪ :‬لما حضرت عبد العزيز بن‬
‫مروان الوفاة ُ قال ‪ :‬ائتوني بكفني الذي أكفن فيه ‪ ،‬أنظر إليه )‪ (5‬فلما وضع‬
‫ما لي من ك َِبير )‪ (6‬ما أخلف من الدنيا إل هذا ؟ ثم‬ ‫ظر إليه فقال ‪ :‬أ َ‬ ‫بين يديه ن َ َ‬
‫ف لك من دار‪ .‬إن كان كثيُرك لقليل ‪ ،‬وإن كان‬ ‫ولى ظهره فبكى وهو يقول أ ّ‬
‫قليلك لقصير ‪ ،‬وإن كنا منك لفي غرور‪.‬‬
‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ُ‬
‫ما { قال‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫فُروا ي ُعَذ ّب ْك ْ‬ ‫ثم توعد تعالى على ترك الجهاد فقال ‪ِ } :‬إل ت َن ْ ِ‬
‫ابن عباس ‪ :‬استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا من العرب ‪،‬‬
‫طر فكان عذابهم‪.‬‬ ‫ق ْ‬ ‫فتثاقلوا عنه ‪ ،‬فأمسك الله عنهم ال َ‬
‫م { أي ‪ :‬لنصرة نبيه وإقامة دينه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬ ‫ما غَي َْرك ُ ْ‬ ‫ل قَوْ ً‬ ‫ست َب ْدِ ْ‬ ‫} وَي َ ْ‬
‫م { ]محمد ‪.[38 :‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫مثالك ْ‬ ‫م ل ي َكوُنوا أ ْ‬ ‫مث ّ‬ ‫ما غي َْرك ْ‬ ‫ست َب ْدِل قوْ ً‬ ‫وا ي َ ْ‬
‫ن ت َت َوَل ْ‬‫} إِ ْ‬
‫كولكم‬ ‫شي ًْئا { أي ‪ :‬ول تضروا الله شيًئا بتوليكم عن الجهاد ‪ ،‬ون ُ ُ‬ ‫ضّروه ُ َ‬ ‫} َ َ ُ‬
‫ت‬ ‫ول‬
‫ديٌر { أي ‪ :‬قادر على النتصار من‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫وتثاقلكم عنه ‪َ } ،‬والل ّ ُ‬
‫العداء بدونكم‪.‬‬
‫ن‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫قال { وقوله } َ‬ ‫فاًفا وَث ِ َ‬ ‫خ َ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫وقد قيل ‪ :‬إن هذه الية ‪ ،‬وقوله ‪ } :‬ان ْ ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ { ]التوبة ‪:‬‬ ‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬‫فوا عَ ْ‬ ‫خل ُ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ن العَْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫حوْل َهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫دين َةِ وَ َ‬‫م ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫لهْ ِ‬
‫ول‬ ‫َ‬
‫ة فَل ْ‬ ‫كافّ ً‬‫فُروا َ‬ ‫ن ل ِي َن ْ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫‪ [120‬إنهن منسوخات بقوله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ة { ]التوبة ‪ُ [122 :‬روي هذا عن ابن عباس ‪،‬‬ ‫ف ٌ‬ ‫م َ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫ل فِْرقَةٍ ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫فَر ِ‬ ‫نَ َ‬
‫رمة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وزيد بن أسلم‪ .‬ورده )‪ (7‬ابن جرير وقال ‪ :‬إنما هذا‬ ‫ْ‬
‫عك ِ‬ ‫و ِ‬
‫فيمن دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجهاد ‪ ،‬فتعين عليهم‬
‫ذلك ‪ ،‬فلو تركوه لعوقبوا عليه‪.‬‬
‫وهذا له اتجاه ‪ ،‬والله ]سبحانه و[ )‪ (8‬تعالى أعلم ]بالصواب[ )‪(9‬‬
‫ما ِفي‬ ‫ن إ ِذ ْ هُ َ‬‫ِ‬ ‫ي اث ْن َي ْ‬‫فُروا َثان ِ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي‬ ‫ج ُ‬‫خَر َ‬‫ه إ ِذ ْ أ َ ْ‬ ‫صَرهُ الل ّ ُ‬ ‫قد ْ ن َ َ‬ ‫صُروه ُ فَ َ‬ ‫} ِإل ت َن ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫معََنا فَأنز َ‬ ‫ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫ال َْغارِ إ ِذ ْ ي َ ُ‬
‫ه عَلي ْهِ وَأي ّد َهُ‬ ‫كين َت َ ُ‬ ‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ه َ‬‫ن الل َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫حَز ْ‬ ‫حب ِهِ ل ت َ ْ‬ ‫صا ِ‬ ‫ل لِ َ‬
‫ي ال ْعُل َْيا َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ة الل ّهِ هِ َ‬ ‫فَلى وَك َل ِ َ‬
‫م ُ‬ ‫س ْ‬‫فُروا ال ّ‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ة ال ّ ِ‬ ‫م َ‬‫ل ك َل ِ َ‬‫جعَ َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫م ت ََروْ َ‬ ‫جُنود ٍ ل َ ْ‬ ‫بِ ُ‬
‫م )‪{ (40‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫عَ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬ما الحياة" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (2‬ورواه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ‪ ،‬وابن مردويه في تفسيره كما‬
‫في الدر المنثور )‪.(5/193‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬حاتم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬فيه"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬كثير"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬ورواه"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/154‬‬

‫صُروه ُ { أي ‪ :‬تنصروا رسوله ‪ ،‬فإن الله ناصره ومؤيده‬ ‫يقول تعالى ‪ِ } :‬إل ت َن ْ ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن ]إ ِذ ْ هُ َ‬
‫ما‬ ‫ي اث ْن َي ْ ِ‬
‫فُروا َثان ِ َ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫ج ُ‬‫خَر َ‬ ‫وكافيه وحافظه ‪ ،‬كما تولى نصره } إ ِذ ْ أ ْ‬
‫ِفي ال َْغاِر[ { )‪ (1‬أي ‪ :‬عام الهجرة ‪ ،‬لما هم المشركون بقتله أو حبسه أو‬
‫ديقه وصاحبه أبي بكر بن أبي قحافة ‪ ،‬فلجأ‬ ‫نفيه ‪ ،‬فخرج منهم هارًبا صحبة ص ّ‬
‫ب الذين خرجوا في آثارهم ‪ ،‬ثم يسيرا نحو‬ ‫إلى غار ثور ثلثة أيام ليرجع الط ّل َ ُ‬
‫طلع عليهم أحد ‪،‬‬ ‫المدينة ‪ ،‬فجعل أبو بكر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬يجزع أن ي َ ّ‬
‫فيخلص إلى الرسول ‪ ،‬عليه السلم )‪ (2‬منهم أذى ‪ ،‬فجعل النبي صلى الله‬
‫كنه وَيثّبته ويقول ‪ " :‬يا أبا بكر ‪ ،‬ما ظنك باثنين الله ثالثهما" ‪،‬‬ ‫س ّ‬‫عليه وسلم ي ُ َ‬
‫كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا همام ‪ ،‬أنبأنا ثابت ‪ ،‬عن أنس أن أبا بكر حدثه قال ‪ :‬قلت‬
‫للنبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ونحن في الغار ‪ :‬لو أن أحدهم )‪ (3‬نظر إلى‬
‫قدميه لبصرنا تحت قدميه‪ .‬قال ‪ :‬فقال ‪" :‬يا أبا بكر ‪ ،‬ما ظنك باثنين الله‬
‫ثالثهما"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين )‪(4‬‬
‫ه عَلي ْهِ { أي ‪ :‬تأييده ونصره عليه ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫كين َت َ ُ‬
‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫ولهذا قال تعالى ‪ } :‬فََأنز َ‬
‫أي ‪ :‬على الرسول في أشهر القولين ‪ :‬وقيل ‪ :‬على أبي بكر ‪ ،‬وروي عن ابن‬
‫عباس وغيره ‪ ،‬قالوا ‪ :‬لن الرسول لم تزل معه سكينة ‪ ،‬وهذا ل ينافي تجدد‬
‫َ‬
‫ها { أي ‪:‬‬ ‫جُنود ٍ ل َ ْ‬
‫م ت ََروْ َ‬ ‫سكينة خاصة بتلك الحال ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَأي ّد َه ُ ب ِ ُ‬
‫ي ال ْعُل َْيا {‬ ‫ة الل ّهِ هِ َ‬ ‫م ُ‬‫فَلى وَك َل ِ َ‬ ‫س ْ‬‫فُروا ال ّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ال ّ ِ‬‫م َ‬‫ل ك َل ِ َ‬
‫جعَ َ‬‫الملئكة ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ة اللهِ { هي ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫فُروا { الشرك و } كل ِ َ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ة ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬يعني } كل ِ َ‬
‫ل إله إل الله‪.‬‬
‫وفي الصحيحين عن أبي موسى الشعري ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬سئل‬
‫مّية ‪،‬‬
‫ح ِ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ‪ ،‬ويقاتل َ‬
‫ويقاتل رياء ‪ ،‬أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال ‪" :‬من قاتل لتكون كلمة الله‬
‫هي العليا فهو في سبيل الله" )‪(5‬‬
‫زيٌز { أي ‪ :‬في انتقامه وانتصاره ‪ ،‬منيع الجناب ‪ ،‬ل ُيضام‬ ‫وقوله ‪َ } :‬والل ّ ُ‬
‫ه عَ ِ‬
‫م { في أقواله وأفعاله‪.‬‬
‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬
‫من لذ ببابه ‪ ،‬واحتمى بالتمسك بخطابه ‪َ } ،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ك‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ك ‪" :‬رسول الله صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬أحدا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (1/4‬وصحيح البخاري برقم )‪ (3653‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪.(2381‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪ (2810‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1904‬‬

‫) ‪(4/155‬‬

‫م وَأ َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ل الل ّهِ ذ َل ِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م ِفي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫قاًل وَ َ‬
‫جاهِ ُ‬ ‫فاًفا وَث ِ َ‬ ‫خ َ‬‫فُروا ِ‬ ‫ان ْ ِ‬
‫ن )‪(41‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫إِ ْ‬

‫م وَأ َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫خي ٌْر‬ ‫ل الل ّهِ ذ َل ِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م ِفي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫دوا ب ِأ ْ‬
‫جاهِ ُ‬
‫قال وَ َ‬‫فاًفا وَث ِ َ‬ ‫خ َ‬‫فُروا ِ‬ ‫} ان ْ ِ‬
‫ن )‪{ (41‬‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫م ت َعْل ُ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫صبيح ‪ :‬هذه الية ‪:‬‬ ‫حى مسلم بن َ‬ ‫قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي الض َ‬
‫قال {‬‫فاًفا وَث ِ َ‬ ‫خ َ‬‫فُروا ِ‬ ‫} ان ْ ِ‬

‫) ‪(4/155‬‬

‫أول ما نزل من سورة براءة‪.‬‬


‫ضرمي أنه ذكر له أن ناسا‬ ‫ح ْ‬ ‫وقال معتمر بن سليمان ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬زعم َ‬
‫كانوا عسى أن يكون أحدهم عليل أو كبيرا ‪ ،‬فيقول ‪ :‬إني ل آثم ‪ ،‬فأنزل الله ‪:‬‬
‫قال { الية‪.‬‬ ‫فاًفا وَث ِ َ‬ ‫خ َ‬
‫فُروا ِ‬ ‫} ان ْ ِ‬
‫أمر الله تعالى بالنفير العام مع الرسول ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ ،‬عام‬
‫حّتم على‬ ‫غزوة تبوك ‪ ،‬لقتال أعداء الله من الروم الكفرة من أهل الكتاب ‪ ،‬و َ‬
‫مك َْره والعسر‬
‫شط وال َ‬ ‫من ْ َ‬
‫المؤمنين في الخروج معه على كل حال في ال َ‬
‫قال {‬ ‫فاًفا وَث ِ َ‬ ‫خ َ‬‫فُروا ِ‬ ‫واليسر ‪ ،‬فقال ‪ } :‬ان ْ ِ‬
‫شَباًبا )‪ (1‬ما أسمع‬ ‫وقال علي بن زيد ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬عن أبي طلحة ‪ :‬كهول و َ‬
‫دا ‪ ،‬ثم خرج إلى الشام فقاتل حتى ُقتل‪.‬‬ ‫ذر أح ً‬ ‫الله عَ َ‬
‫فُروا‬‫وفي رواية ‪ :‬قرأ )‪ (2‬أبو طلحة سورة براءة ‪ ،‬فأتى على هذه الية ‪ } :‬ان ْ ِ‬
‫ل الل ّهِ { فقال ‪ :‬أرى ربنا‬ ‫م وَأ َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫سِبي ِ‬‫م ِفي َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫م َ‬‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫قال وَ َ‬ ‫فاًفا وَث ِ َ‬ ‫خ َ‬
‫ِ‬
‫ي‪ .‬فقال بنوه ‪ :‬يرحمك الله ‪ ،‬قد‬ ‫ن‬
‫َِ ّ‬ ‫ب‬ ‫يا‬ ‫جهزوني‬ ‫(‬ ‫‪3‬‬ ‫)‬ ‫با‬
‫َ ً‬‫با‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫و‬ ‫خا‬‫ً‬ ‫شيو‬ ‫يستنفرنا‬
‫غزوت مع رسول الله حتى مات ‪ ،‬ومع أبي بكر حتى مات ‪ ،‬ومع عمر حتى‬
‫مات ‪ ،‬فنحن نغزو عنك‪ .‬فأبى ‪ ،‬فركب البحر فمات ‪ ،‬فلم يجدوا له جزيرة‬
‫يدفنوه فيها إل بعد تسعة أيام ‪ ،‬فلم يتغير ‪ ،‬فدفنوه بها )‪(4‬‬
‫مر‬
‫ش ْ‬‫رمة وأبي صالح ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬و َ‬ ‫عك ْ ِ‬‫وهكذا روي عن ابن عباس ‪ ،‬و ِ‬
‫حّيان ‪ ،‬والشعبي وزيد بن أسلم ‪ :‬أنهم قالوا في‬ ‫بن عطية ‪ ،‬ومقاتل بن َ‬
‫قال { قالوا ‪ :‬كهول وشبابا )‪ (5‬وكذا قال‬ ‫ً‬
‫فافا وَث ِ َ‬ ‫خ َ‬
‫فُروا ِ‬
‫تفسير هذه الية ‪ } :‬ان ْ ِ‬
‫رمة والضحاك ‪ ،‬ومقاتل بن حيان ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬ ‫عك ْ ِ‬
‫ِ‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬شبابا )‪ (6‬وشيوخا ‪ ،‬وأغنياء ومساكين‪ .‬وكذا قال أبو صالح ‪،‬‬
‫وغيره‪.‬‬
‫عتيبة ‪ :‬مشاغيل وغير مشاغيل‪.‬‬ ‫وقال الحكم بن ُ‬
‫قال {‬‫فاًفا وَث ِ َ‬
‫خ َ‬
‫فُروا ِ‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله تعالى ‪ } :‬ان ْ ِ‬
‫يقول ‪ :‬انفروا نشاطا وغير نشاط‪ .‬وكذا قال قتادة‪.‬‬
‫قال { قالوا ‪ :‬فإن فينا‬ ‫فاًفا وَث ِ َ‬
‫خ َ‬
‫فُروا ِ‬
‫مجاهد ‪ } :‬ان ْ ِ‬ ‫جيح ‪ ،‬عن ُ‬ ‫وقال ابن أبي ن َ ِ‬
‫الثقيل ‪ ،‬وذا الحاجة ‪ ،‬والضيعة )‪ (7‬والشغل ‪ ،‬والمتيسر به أمر ‪ ،‬فأنزل الله‬
‫وأبى أن يعذرهم دون أن ينفروا خفافا وثقال وعلى ما كان منهم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬وشبانا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وهو في رواية أنه قال ‪." :‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬وشبانا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬فيها"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬وشبانا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬شبانا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬والصنعة"‪.‬‬

‫) ‪(4/156‬‬

‫وقال الحسن بن أبي الحسن البصري أيضا ‪ :‬في العسر واليسر‪ .‬وهذا كله‬
‫من مقتضيات العموم في الية ‪ ،‬وهذا اختيار ابن جرير‪.‬‬
‫وقال المام أبو عمرو الوزاعي ‪ :‬إذا كان النفير إلى ُدروب الروم نفَر الناس‬
‫إليها خفافا وركبانا ‪ ،‬وإذا كان النفير إلى هذه السواحل نفروا إليها خفافا‬
‫وثقال وركبانا ومشاة‪ .‬وهذا تفصيل في المسألة‪.‬‬
‫وقد روي عن ابن عباس ‪ ،‬ومحمد بن كعب ‪ ،‬وعطاء الخراساني وغيرهم أن‬
‫ة{‬ ‫ف ٌ‬ ‫م َ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ل فِْرقَةٍ ِ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫م ْ‬‫فَر ِ‬ ‫ول ن َ َ‬ ‫هذه الية منسوخة بقوله تعالى ‪ } :‬فَل َ ْ‬
‫وسيأتي الكلم على ذلك إن شاء الله‪.‬‬
‫قال { يقول ‪ :‬غنًيا وفقيًرا ‪ ،‬وقوًيا‬ ‫فاًفا وَث ِ َ‬ ‫خ َ‬‫فُروا ِ‬
‫وقال السدي قوله ‪ } :‬ان ْ ِ‬
‫فا فجاءه رجل يومئذ ‪ ،‬زعموا أنه المقداد ‪ ،‬وكان عظيما سميًنا ‪ ،‬فشكا‬ ‫وضعي ً‬
‫قال { فلما‬ ‫فاًفا وَث ِ َ‬ ‫خ َ‬‫فُروا ِ‬ ‫إليه وسأله أن يأذن له ‪ ،‬فأبى فنزلت يومئذ )‪ } (1‬ان ْ ِ‬
‫َ‬
‫س عَلى‬ ‫َ‬
‫نزلت هذه الية اشتد على الناس شأنها فنسخها الله ‪ ،‬فقال ‪ } :‬لي ْ َ‬
‫ج إ َِذا‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫قو َ‬ ‫ما ي ُن ْفِ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬
‫ج ُ‬ ‫ن ل يَ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ضى َول عََلى ال ّ ِ‬ ‫مْر َ‬ ‫فاِء َول عََلى ال ْ َ‬ ‫ضعَ َ‬‫ال ّ‬
‫سول ِهِ { ]التوبة ‪.[91 :‬‬ ‫ّ‬
‫حوا ل ِلهِ وََر ُ‬ ‫ص ُ‬‫نَ َ‬
‫َ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يعقوب ‪ ،‬حدثنا ابن عُلّية ‪ ،‬حدثنا أيوب ‪ ،‬عن محمد‬
‫قال ‪ :‬شهد أبو أيوب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا ثم لم يتخلف‬
‫دا قال ‪ :‬وكان أبو أيوب‬ ‫غزاة للمسلمين إل وهو في آخرين إل عاما واح ً‬ ‫عن َ‬
‫فا أو ثقيل )‪(2‬‬ ‫قال { فل أجدني إل خفي ً‬ ‫فاًفا وَث ِ َ‬
‫خ َ‬
‫فُروا ِ‬ ‫يقول ‪ :‬قال الله ‪ } :‬ان ْ ِ‬
‫ريز ‪،‬‬ ‫ح ِ‬‫قّية ‪ ،‬حدثنا َ‬ ‫سكوني ‪ ،‬حدثنا ب َ ِ‬ ‫ُ‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني سعيد بن عمر ال ّ‬
‫حْبراني قال ‪ :‬وافيت‬ ‫حدثني عبد الرحمن بن ميسرة ‪ ،‬حدثني أبو راشد ال ُ‬
‫المقدام بن السود فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا على‬
‫تابوت من توابيت الصيارفة بحمص ‪ ،‬وقد فضل عنها من عظمه ‪ ،‬يريد‬
‫الغزو ‪ ،‬فقلت له ‪ :‬لقد أعذر الله إليك فقال ‪ :‬أتت علينا سورة "البعوث )‪(3‬‬
‫قال { )‪(4‬‬ ‫فاًفا وَث ِ َ‬
‫خ َ‬
‫فُروا ِ‬
‫} ان ْ ِ‬
‫عبي قال ‪ :‬نفرنا مع صفوان بن‬ ‫وبه قال ابن جرير ‪ :‬حدثني حيان بن زيد ال ّ‬
‫شْر ِ‬
‫خا‬
‫سوس ‪ ،‬إلى الجراجمة فلقيت شي ً‬ ‫عمرو ‪ ،‬وكان واليا على حمص قَِبل الف ُ‬
‫كبيًرا هما ‪ ،‬وقد سقط حاجباه على عينيه ‪ ،‬من أهل دمشق ‪ ،‬على راحلته ‪،‬‬
‫فيمن أغار‪ .‬فأقبلت إليه )‪ (5‬فقلت ‪ :‬يا عم ‪ ،‬لقد أعذر الله إليك‪ .‬قال ‪ :‬فرفع‬
‫حاجبيه )‪ (6‬فقال ‪ :‬يا ابن أخي ‪ ،‬استنفرنا الله خفافا وثقال إنه من يحبه الله‬
‫يبتليه ‪ ،‬ثم يعيده الله فيبقيه )‪ (7‬وإنما يبتلي الله من عباده من شكر وصبر‬
‫وذكر ‪ ،‬ولم يعبد إل الله ‪ ،‬عز وجل )‪(8‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬فنزلت هذه الية"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(14/267‬‬
‫)‪ (3‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬د ‪" :‬البعوث" والمثبت من الطبري‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(14/268‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عليه"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬حاجبه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬فيقتنيه"‪.‬‬
‫)‪ (8‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(14/264‬‬

‫) ‪(4/157‬‬

‫ة‬
‫ق ُ‬
‫ش ّ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ُ‬ ‫ن ب َعُد َ ْ‬ ‫ك وَل َك ِ ْ‬ ‫دا َلت ّب َُعو َ‬ ‫ص ً‬ ‫فًرا َقا ِ‬ ‫س َ‬‫ريًبا وَ َ‬ ‫ضا قَ ِ‬ ‫ن عََر ً‬ ‫كا َ‬‫ل َوْ َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫م إ ِن ّهُ ْ‬‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أن ْ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫م ي ُهْل ِ ُ‬
‫معَك ُ ْ‬ ‫جَنا َ‬ ‫خَر ْ‬ ‫ست َط َعَْنا ل َ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ ل َوِ ا ْ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬‫سي َ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫لَ َ‬
‫صد َُقوا وَت َعْل َ‬
‫م‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن لك ال ِ‬ ‫حّتى ي َت َب َي ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت لهُ ْ‬ ‫م أذِن ْ َ‬ ‫ه عَن ْك ل ِ َ‬ ‫فا الل ُ‬ ‫ن )‪ (42‬عَ َ‬ ‫كاذُِبو َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫دوا‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫خرِ أ ْ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل َ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬‫ست َأذِن ُ َ‬ ‫ن )‪َ (43‬ل ي َ ْ‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مُنو َ‬ ‫ن َل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ست َأذِن ُ َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ن )‪ (44‬إ ِن ّ َ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫م ِبال ْ ُ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م وَأن ْ ُ‬‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِأ ْ‬
‫ن )‪(45‬‬ ‫م ي َت ََرد ُّدو َ‬ ‫م ِفي َري ْب ِهِ ْ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫خرِ َواْرَتاب َ ْ‬ ‫ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل َ ِ‬

‫ثم رغب تعالى في النفقة في سبيله ‪ ،‬وبذل المهج في مرضاته ومرضاة‬


‫َ‬ ‫م وَأ َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫خي ٌْر لك ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سك ُ ْ‬‫ف ِ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬‫م َ‬‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫رسوله ‪ ،‬فقال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬هذا خير لكم في الدنيا والخرة ‪ ،‬ولنكم تغرمون في‬ ‫مو َ‬‫م ت َعْل َ ُ‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫النفقة قليل فيغنيكم الله أموال عدوكم في الدنيا ‪ ،‬مع ما يدخر لكم من‬
‫فل الله‬ ‫الكرامة في الخرة ‪ ،‬كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬وَتك ّ‬
‫للمجاهد )‪ (1‬في سبيله إن )‪ (2‬توفاه أن يدخله الجنة ‪ ،‬أو يرده إلى منزله‬
‫نائل ما نال من أجر أو غنيمة" )‪(3‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫شي ًْئا‬ ‫هوا َ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ك‬
‫ْ َ َ ُ‬‫ت‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫سى‬ ‫ع‬
‫ْ َ َ َ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ك‬
‫َ ُ َ ْ ٌ‬‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫تا‬
‫ما ِ َ‬
‫ق‬ ‫ل‬ ‫ب عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫ولهذا قال تعالى ‪ } :‬ك ُت ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مل‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م َوالل ّ ُ‬ ‫شّر ل َك ُ ْ‬‫شي ًْئا وَهُوَ َ‬ ‫حّبوا َ‬ ‫ن تُ ِ‬‫سى أ ْ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬
‫م وَعَ َ‬ ‫وَهُوَ َ‬
‫ن { ]البقرة ‪.[216 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫ومن هذا القبيل ما رواه المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن أبي عَدِيّ ‪ ،‬عن حميد ‪ ،‬عن أنس ؛ عن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال لرجل ‪" :‬أسلم"‪ .‬قال ‪ :‬أجدني كارها‪ .‬قال ‪" :‬أسلم وإن كنت‬
‫كارها" )‪(4‬‬
‫ة‬‫ق ُ‬‫ش ّ‬ ‫م ال ّ‬ ‫َ‬
‫ت عَلي ْهِ ُ‬ ‫ن ب َعُد َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دا لت ّب َُعوك وَلك ِ ْ‬ ‫ص ً‬ ‫َ‬
‫فًرا قا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ريًبا وَ َ‬ ‫َ‬
‫ضا ق ِ‬ ‫ن عََر ً‬ ‫كا َ‬ ‫} ل َوْ َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫م إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أن ْ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫م ي ُهْل ِ ُ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫جَنا َ‬ ‫خَر ْ‬ ‫ست َط َعَْنا ل َ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ ل َوِ ا ْ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬‫سي َ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪{ (42‬‬ ‫كا ِ ُ َ‬
‫بو‬ ‫ذ‬ ‫لَ َ‬
‫خا للذين تخلفوا عن النبي )‪ (5‬صلى الله عليه وسلم في‬ ‫يقول تعالى موب ّ ً‬
‫غزوة تبوك ‪ ،‬وقعدوا عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما استأذنوه في‬
‫ضا‬‫ن عََر ً‬ ‫كا َ‬‫ذلك ‪ ،‬مظهرين أنهم ذوو أعذار ‪ ،‬ولم يكونوا كذلك ‪ ،‬فقال ‪ } :‬ل َوْ َ‬
‫دا { أي ‪ :‬قريبا أيضا ‪،‬‬ ‫ص ً‬ ‫فًرا َقا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ريًبا { قال ابن عباس ‪ :‬غنيمة قريبة ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫قَ ِ‬
‫ة{‬ ‫ق ُ‬ ‫ش ّ‬ ‫م ال ّ‬ ‫َ‬
‫ت عَلي ْهِ ُ‬ ‫ن ب َعُد َ ْ‬ ‫َ‬
‫ك { أي ‪ :‬لكانوا جاءوا معك لذلك ‪ } ،‬وَلك ِ ْ‬ ‫} لت ّب َُعو َ‬
‫ن ِباللهِ { أي ‪ :‬لكم إذا رجعتم إليهم }‬ ‫ّ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫أي ‪ :‬المسافة إلى الشام ‪ } ،‬وَ َ‬
‫م { أي ‪ :‬لو لم تكن لنا أعذار لخرجنا معكم ‪ ،‬قال‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫جَنا َ‬ ‫خَر ْ‬ ‫ست َط َعَْنا ل َ َ‬ ‫ل َوِ ا ْ‬
‫م لَ َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫م إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫سهُ ْ‬‫ف َ‬ ‫ن أن ْ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫الله تعالى ‪ } :‬ي ُهْل ِ ُ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬‫كاذِِبي َ‬ ‫صد َُقوا وَت َعْل َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫حّتى ي َت َب َي ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫م أذِن ْ َ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫ه عَن ْ َ‬ ‫فا الل ّ ُ‬ ‫} عَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫خرِ أ ْ‬ ‫ن ِباللهِ َوالي َوْم ِ ال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ست َأذِن ُك ال ِ‬ ‫‪ (43‬ل ي َ ْ‬
‫هّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫وَأ َن ْ ُ‬
‫ن ِبالل ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ست َأذِن ُك ال ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ن )‪ (44‬إ ِن ّ َ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫م ِبال ُ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م َوالل ُ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬
‫ن )‪{ (45‬‬ ‫م ي َت ََرد ُّدو َ‬ ‫م ِفي َري ْب ِهِ ْ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫خرِ َواْرَتاب َ ْ‬ ‫َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬للمجاهدين"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬بأن"‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (7463‬ومسلم في صحيحه برقم )‬
‫‪ (1876‬من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(3/109‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬رسول الله"‪.‬‬

‫) ‪(4/158‬‬

‫ل‬‫م وَِقي َ‬ ‫م فَث َب ّط َهُ ْ‬‫ه ان ْب َِعاث َهُ ْ‬‫ن ك َرِهَ الل ّ ُ‬‫ه عُد ّة ً وَل َك ِ ْ‬ ‫ج َل َعَ ّ‬
‫دوا ل َ ُ‬ ‫خُرو َ‬ ‫وَل َوْ أ ََراُدوا ال ْ ُ‬
‫ضُعوا‬ ‫خَباًل وََل َوْ َ‬ ‫م إ ِّل َ‬ ‫ما َزاُدوك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫جوا ِفيك ُ ْ‬ ‫خَر ُ‬ ‫ن )‪ (46‬ل َوْ َ‬ ‫دي َ‬ ‫ع ِ‬
‫قا ِ‬ ‫معَ ال ْ َ‬ ‫دوا َ‬ ‫اقْعُ ُ‬
‫ن )‪(47‬‬ ‫مي َ‬ ‫م ِبال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬‫ن ل َهُ ْ‬‫عو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫س ّ‬‫م َ‬ ‫ة وَِفيك ُ ْ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫فت ْن َ َ‬ ‫خَلل َك ُ ْ‬
‫م ي َب ُْغون َك ُ ُ‬ ‫ِ‬

‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو حصين بن ]يحيي بن[ )‪ (1‬سليمان‬
‫سَعر )‪ (3‬عن عون قال ‪ :‬هل‬ ‫م ْ‬‫الرازي )‪ (2‬حدثنا سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن ِ‬
‫هّ‬
‫فا الل ُ‬ ‫سمعتم بمعاتبة أحسن من هذا ؟ بدأ بالعفو قبل المعاتبة فقال ‪ } :‬ع َ َ‬
‫ك لِ َ‬
‫جلي وغيره‪.‬‬ ‫موَّرق العِ ْ‬ ‫م { وكذا قال ُ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬‫م أذِن ْ َ‬ ‫عَن ْ َ َ‬
‫خص له‬ ‫وقال قتادة ‪ :‬عاتبه كما تسمعون ‪ ،‬ثم أنزل التي في سورة النور ‪ ،‬فر ّ‬
‫ْ‬ ‫ك لبعض َ ْ‬ ‫ْ‬
‫ت‬ ‫ْ‬
‫شئ َ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م فَأذ َ ْ‬
‫ن لِ َ‬ ‫شأن ِهِ ْ‬ ‫ست َأذ َُنو َ ِ َ ْ ِ‬ ‫في أن يأذن لهم إن شاء ‪ } :‬فَإ َِذا ا ْ‬
‫م { ]النور ‪ [62 :‬وكذا ُروي عن عطاء الخراساني‪.‬‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ِ‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬نزلت هذه الية في أناس قالوا ‪ :‬استأذُِنوا رسول الله فإن أذن‬
‫لكم فاقعدوا ‪ ،‬وإن لم يأذن لكم فاقعدوا‪.‬‬
‫صد َُقوا { أي ‪ :‬في إبداء العذار ‪} ،‬‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ن لَ َ‬ ‫حّتى ي َت َب َي ّ َ‬
‫ولهذا قال تعالى ‪َ } :‬‬
‫ن { )‪ (4‬يقول تعالى ‪ :‬هل تركتهم لما استأذنوك ‪ ،‬فلم تأذن لحد‬ ‫كاذِِبي َ‬‫م ال ْ َ‬
‫وَت َعْل َ َ‬
‫منهم في القعود ‪ ،‬لتعلم الصادق منهم في إظهار طاعتك من الكاذب ‪ ،‬فإنهم‬
‫قد كانوا مصرين على القعود عن الغزو ]وإن لم تأذن لهم فيه‪ .‬ولهذا أخبر‬
‫تعالى أنه ل يستأذنه في القعود عن الغزو[ )‪ (5‬أحد يؤمن بالله ورسوله ‪،‬‬
‫ن ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك { أي ‪ :‬في القعود عن الغزو } ال ّ ِ‬ ‫ست َأ ْذِن ُ َ‬ ‫فقال ‪ } :‬ل ي َ ْ‬
‫م { ؛ لن أولئك يرون الجهاد قربة ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وال ْيوم ال ِ َ‬
‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م وَأن ْ ُ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫خرِ أ ْ‬ ‫َ َ ْ ِ‬
‫ك { أي ‪:‬‬ ‫ست َأ ْذِن ُ َ‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫ن‬ ‫قي‬
‫َ ُ َ ِ ٌ ِ ُ ّ ِ َ ِّ َ َ ْ‬‫ت‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫با‬ ‫م‬ ‫لي‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫}‬ ‫وامتثلوا‪.‬‬ ‫بادروا‬ ‫إليه‬ ‫ندبهم‬ ‫ولما‬
‫خرِ { أي ‪ :‬ل‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫في القعود ممن ل عذر له } ال ّ ِ‬
‫م { أي ‪:‬‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫يرجون ثواب الله في الدار الخرة على أعمالهم ‪َ } ،‬واْرَتاب َ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬يتحيرون ‪،‬‬ ‫م ي َت ََرد ُّدو َ‬ ‫م ِفي َري ْب ِهِ ْ‬ ‫شكت في صحة ما جئتهم به ‪ } ،‬فَهُ ْ‬
‫مون رجل ويؤخرون أخرى ‪ ،‬وليست لهم قدم ثابتة في شيء ‪ ،‬فهم قوم‬ ‫قد ّ ُ‬
‫يُ َ‬
‫حيارى هَلكى ‪ ،‬ل إلى هؤلء ول إلى هؤلء ‪ ،‬ومن يضلل الله فلن تجد له‬ ‫ْ‬
‫سبيل‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫} وَل َوْ أَراُدوا ال ُ‬
‫ْ‬
‫م وَِقي َ‬
‫ل‬ ‫م فَث َب ّطهُ ْ‬ ‫ه ان ْب َِعاث َهُ ْ‬‫ن كرِهَ الل ُ‬ ‫ه عُد ّة ً وَلك ِ ْ‬ ‫دوا ل ُ‬ ‫ج لعَ ّ‬ ‫خُرو َ‬
‫ضُعوا‬ ‫خَبال َولوْ َ‬ ‫م ِإل َ‬ ‫ما َزاُدوك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫جوا ِفيك ُ ْ‬ ‫خَر ُ‬ ‫ن )‪ (46‬ل َوْ َ‬ ‫دي َ‬ ‫ع ِ‬‫قا ِ‬ ‫معَ ال ْ َ‬‫دوا َ‬ ‫اقْعُ ُ‬
‫ن )‪{ (47‬‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫م ِبالظال ِ ِ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ّ‬
‫م َوالل ُ‬ ‫ن لهُ ْ‬‫َ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ة وَِفيك ْ‬ ‫فت ْن َ َ‬ ‫ْ‬
‫م ال ِ‬ ‫ُ‬
‫م ي َب ُْغون َك ُ‬ ‫خلل َك ْ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ه عُد ّة ً {‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دوا ل ُ‬ ‫ج { أي ‪ :‬معك إلى الغزو } لعَ ّ‬ ‫خُرو َ‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬وَلوْ أَراُدوا ال ُ‬
‫م { أي ‪ :‬أبغض أن يخرجوا‬ ‫َ‬
‫ه ان ْب َِعاثهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن كرِهَ الل ُ‬ ‫َ‬ ‫أي ‪ :‬لكانوا تأهبوا له ‪ } ،‬وَل َك ِ ْ‬
‫ن{‬ ‫دي َ‬ ‫ع ِ‬ ‫قا ِ‬ ‫معَ ال ْ َ‬ ‫دوا َ‬ ‫ل اقْعُ ُ‬ ‫م { أي ‪ :‬أخرهم ‪ } ،‬وَِقي َ‬ ‫معك )‪َ (6‬قدًرا ‪ } ،‬فَث َب ّط َهُ ْ‬
‫أي ‪ :‬قدًرا‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من الجرح والتعديل ‪ .4/2/364‬مستفادا من هامش ط‪ .‬الشعب‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬الداري"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬مشرف"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬ويعلم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬معكم"‪.‬‬

‫) ‪(4/159‬‬

‫ثم بين ]الله تعالى[ )‪ (1‬وجه كراهيته لخروجهم مع المؤمنين‪ .‬فقال ‪ } :‬ل َوْ‬
‫ضُعوا‬ ‫خَبال { أي ‪ :‬لنهم جبناء مخذولون ‪َ } ،‬ولوْ َ‬ ‫م ِإل َ‬ ‫ما َزاُدوك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫جوا ِفيك ُ ْ‬ ‫خَر ُ‬
‫َ‬
‫ة { أي ‪ :‬ولسرعوا السير والمشي بينكم بالنميمة‬ ‫فت ْن َ َ‬ ‫ْ‬
‫م ال ِ‬ ‫ُ‬
‫م ي َب ُْغون َك ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خللك ْ‬ ‫ِ‬
‫م { أي ‪ :‬مطيعون لهم ومستحسنون‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫عو‬ ‫ما‬
‫َ ِ ْ َ ّ ُ َ ُ ْ‬ ‫س‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫في‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫والفتنة‬ ‫والبغضاء‬
‫لحديثهم وكلمهم ‪ ،‬يستنصحونهم وإن كانوا ل يعلمون حالهم ‪ ،‬فيؤدي هذا إلى‬
‫وقوع شر بين المؤمنين وفساد كبير‪.‬‬
‫م { أي ‪:‬‬ ‫َ‬
‫ن لهُ ْ‬
‫عو َ‬
‫ما ُ‬
‫س ّ‬
‫م َ‬‫وقال مجاهد ‪ ،‬وزيد بن أسلم ‪ ،‬وابن جرير ‪ } :‬وَِفيك ُ ْ‬
‫عيون يسمعون لهم الخبار وينقلونها إليهم‪.‬‬
‫وهذا ل يبقى له اختصاص بخروجهم معهم ‪ ،‬بل هذا عام في جميع الحوال ‪،‬‬
‫والمعنى الول أظهر في المناسبة بالسياق ‪ ،‬وإليه ذهب قتادة وغيره من‬
‫المفسرين‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬كان فيما بلغني ‪ -‬من استأذن ‪ -‬من ذوي الشرف‬
‫جد ّ بن قيس ‪ ،‬وكانوا أشرافا في‬ ‫منهم ‪ :‬عبد الله بن أبي ابن سلول وال َ‬
‫قومهم ‪ ،‬فثبطهم الله ‪ ،‬لعلمه بهم ‪ :‬أن يخرجوا معه )‪ (2‬فيفسدوا عليه‬
‫جنده ‪ ،‬وكان في جنده قوم أهل محبة لهم وطاعة فيما يدعونهم إليه ‪،‬‬
‫م { )‪(3‬‬ ‫ن ل َهُ ْ‬‫عو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫س ّ‬
‫م َ‬‫لشرفهم فيهم ‪ ،‬فقال ‪ } :‬وَِفيك ُ ْ‬
‫ن { فأخبر بأنه‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ثم أخبر تعالى عن تمام علمه فقال ‪َ } :‬والل ّ ُ‬
‫]يعلم[ )‪ (4‬ما كان ‪ ،‬وما يكون ‪ ،‬وما لم يكن لو كان كيف كان يكون ؛ ولهذا‬
‫خَبال { فأخبر عن حالهم كيف‬ ‫م ِإل َ‬ ‫ما َزاُدوك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫جوا ِفيك ُ ْ‬ ‫خَر ُ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬ل َوْ َ‬
‫ما‬ ‫يكون لو خرجوا ومع هذا ما خرجوا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَل َوْ ُرّدوا ل ََعاُدوا ل ِ َ‬
‫م‬
‫ه ِفيهِ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ن { ]النعام ‪ [28 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَل َوْ عَل ِ َ‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫م لَ َ‬ ‫ه وَإ ِن ّهُ ْ‬‫ن ُُهوا عَن ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن { ]النفال ‪ [23 :‬وقال‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫وا وَهُ ْ‬ ‫م ل َت َوَل ّ ْ‬ ‫معَهُ ْ‬‫س َ‬ ‫م وَل َوْ أ ْ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫س َ‬
‫خي ًْرا ل ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫م َ‬ ‫ن دَِيارِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خُر ُ‬‫م أوِ ا ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن اقْت ُلوا أن ْ ُ‬ ‫مأ ِ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَلوْ أّنا ك َت َب َْنا عَلي ْهِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫شد ّ ت َث ِْبيًتا‬‫م وَأ َ‬ ‫خي ًْرا لهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن ب ِهِ ل َ‬ ‫ما ُيوعَظو َ‬ ‫م فَعَلوا َ‬ ‫م وَل َوْ أن ّهُ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ل ِ‬ ‫فَعَُلوه ُ ِإل قَِلي ٌ‬
‫صَرا ً‬ ‫َ‬
‫ما { ]النساء ‪66 :‬‬ ‫قي ً‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬‫طا ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ما وَل َهَد َي َْناهُ ْ‬ ‫ظي ً‬ ‫جًرا عَ ِ‬ ‫ن ل َد ُّنا أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫وَإ ًِذا لت َي َْناهُ ْ‬
‫‪ [68 -‬واليات في هذا كثيرة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ك‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬معهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(14/281‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬ك‪.‬‬

‫) ‪(4/160‬‬

‫َ‬ ‫ل وقَل ُّبوا ل َ َ ُ‬


‫مُر الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫حقّ وَظ َهََر أ ْ‬
‫جاءَ ال ْ َ‬
‫حّتى َ‬ ‫ك اْل ُ‬
‫موَر َ‬ ‫ن قَب ْ ُ َ‬
‫م ْ‬‫ة ِ‬ ‫وا ال ْ ِ‬
‫فت ْن َ َ‬ ‫لَ َ‬
‫قدِ اب ْت َغَ ُ‬
‫ن )‪(48‬‬ ‫هو َ‬ ‫كارِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫وَهُ ْ‬
‫َ‬
‫مُر الل ّهِ‬ ‫حقّ وَظ َهََر أ ْ‬ ‫جاَء ال ْ َ‬
‫حّتى َ‬
‫موَر َ‬ ‫ل وَقَل ُّبوا ل َ َ‬
‫ك ال ُ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬‫م ْ‬
‫ة ِ‬ ‫وا ال ْ ِ‬
‫فت ْن َ َ‬ ‫قدِ اب ْت َغَ ُ‬ ‫} لَ َ‬
‫ن )‪{ (48‬‬ ‫هو َ‬ ‫كارِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫وَهُ ْ‬
‫ة‬
‫فت ْن َ َ‬ ‫ْ‬
‫وا ال ِ‬ ‫قدِ اب ْت َغَ ُ‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى محرضا لنبيه عليه السلم على المنافقين ‪ } :‬ل َ‬
‫موَر { أي ‪ :‬لقد أعملوا فكرهم وأجالوا آراءهم في‬ ‫ك ال ُ‬‫ل وَقَل ُّبوا ل َ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫كيدك وكيد أصحابك وخذلن دينك وإخماله مدة طويلة ‪،‬‬

‫) ‪(4/160‬‬

‫حيط َ ٌ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫م ِ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫طوا وَإ ِ ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫س َ‬‫فت ْن َةِ َ‬‫فت ِّني أَل ِفي ال ْ ِ‬ ‫ن ِلي وََل ت َ ْ‬ ‫ل ائ ْذ َ ْ‬ ‫قو ُ‬‫ن يَ ُ‬‫م ْ‬‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫وَ ِ‬
‫خذ َْنا‬ ‫َ‬
‫قولوا قَد ْ أ َ‬ ‫ُ‬ ‫صب ْ َ‬ ‫صب ْ َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ة يَ ُ‬ ‫صيب َ ٌ‬
‫م ِ‬‫ك ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫سؤْهُ ْ‬
‫م وَإ ِ ْ‬ ‫ة تَ ُ‬
‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ك َ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫ن )‪ (49‬إ ِ ْ‬ ‫ري َ‬‫كافِ ِ‬ ‫َ‬
‫ه ل ََنا هُ َ‬
‫و‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ما ك َت َ َ‬ ‫صيب ََنا إ ِّل َ‬
‫ن يُ ِ‬ ‫ل لَ ْ‬ ‫ن )‪ (50‬قُ ْ‬ ‫حو َ‬ ‫م فَرِ ُ‬ ‫وا وَهُ ْ‬ ‫ل وَي َت َوَل ّ ْ‬
‫ن قَب ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫مَرَنا ِ‬ ‫أ ْ‬
‫ن )‪(51‬‬ ‫مُنو َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫موَْلَنا وَعََلى الل ّهِ فَل ْي َت َوَك ّ ِ‬ ‫َ‬

‫وذلك أول مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة رمته العرب عن قوس‬
‫واحدة ‪ ،‬وحاربته يهود المدينة ومنافقوها ‪ ،‬فلما نصره الله يوم بدر وأعلى‬
‫جه‪ .‬فدخلوا في‬ ‫كلمته ‪ ،‬قال عبد الله بن أبي وأصحابه ‪ :‬هذا أمر قد ت َوَ ّ‬
‫السلم ظاهًرا ‪ ،‬ثم كلما أعز الله السلم وأهله غاظهم )‪ (1‬ذلك وساءهم ؛‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫هو َ‬ ‫كارِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مُر الل ّهِ وَهُ ْ‬‫حقّ وَظ َهََر أ ْ‬‫جاَء ال ْ َ‬
‫حّتى َ‬‫ولهذا قال تعالى ‪َ } :‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫جهَن ّ َ‬
‫ن َ‬‫قطوا وَإ ِ ّ‬ ‫س َ‬
‫فت ْن َةِ َ‬
‫فت ِّني أل ِفي ال ِ‬ ‫ن ِلي َول ت َ ْ‬‫ل ائ ْذ َ ْ‬
‫قو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫} وَ ِ‬
‫ن )‪{ (49‬‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ة ِبالكافِ ِ‬ ‫َ‬
‫حيط ٌ‬ ‫لَ ُ‬
‫م ِ‬
‫ن ِلي { في‬ ‫يقول تعالى ‪ :‬ومن المنافقين من يقول لك يا محمد ‪ } :‬ائ ْذ َ ْ‬
‫فت ِّني { بالخروج معك ‪ ،‬بسبب الجواري من نساء الروم ‪ ،‬قال‬ ‫القعود } َول ت َ ْ‬
‫ق ُ‬ ‫َ‬
‫طوا { أي ‪ :‬قد سقطوا في الفتنة بقولهم‬ ‫س َ‬ ‫فت ْن َةِ َ‬ ‫الله تعالى ‪ } :‬أل ِفي ال ْ ِ‬
‫هذا‪ .‬كما قال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬ويزيد بن ُرومان ‪ ،‬وعبد الله‬
‫بن أبي بكر ‪ ،‬وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم قالوا ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ذات يوم ‪ ،‬وهو في جهازه ‪ ،‬للجد بن قيس أخي بني سلمة ‪:‬‬
‫م في جلد بني الصفر ؟" فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أو تأذن‬ ‫جد ّ العا َ‬ ‫"هل لك يا َ‬
‫لي ول تفتني ‪ ،‬فوالله لقد عرف قومي ما رجل أشد عجًبا بالنساء مني ‪ ،‬وإني‬
‫أخشى إن رأيت نساء بني الصفر ل أصبر عنهن‪ .‬فأعرض عنه رسول الله‬
‫جد ّ بن قيس نزلت هذه ‪:‬‬ ‫صلى الله عليه وسلم وقال ‪" :‬قد أذنت لك"‪ .‬ففي ال َ‬
‫فت ِّني { الية ‪ ،‬أي ‪ :‬إن كان إنما يخشى من‬ ‫ن ِلي َول ت َ ْ‬ ‫ل ائ ْذ َ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫} وَ ِ‬
‫نساء بني الصفر وليس ذلك به ‪ ،‬فما سقط فيه من الفتنة بتخلفه عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم والرغبة بنفسه عن نفسه ‪ ،‬أعظم )‪(2‬‬
‫وهكذا روي عن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وغير واحد ‪ :‬أنها نزلت في الجد بن‬
‫قيس‪ .‬وقد كان الجد بن قيس هذا من أشراف بني سلمة ‪ ،‬وفي الصحيح ‪:‬‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم ‪" :‬من سيدكم يا بني سلمة ؟"‬
‫خله )‪ (3‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬ ‫قالوا ‪ :‬الجد بن قيس ‪ ،‬على أنا ن ُب َ ّ‬
‫ْ‬
‫جْعد ب ِشر بن‬ ‫سّيدكم الفتى البيض ال َ‬ ‫وسلم ‪" :‬وأي داء أدوأ من البخل ‪ ،‬ولكن َ‬
‫معُْرور"‪.‬‬ ‫البراء بن َ‬
‫محيد لهم عنها ‪ ،‬ول‬ ‫ن { أي ‪ :‬ل َ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬‫ة ِبال ْ َ‬ ‫حيط َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬وَإ ِ ّ‬
‫مهَرب‪.‬‬ ‫محيص ‪ ،‬ول َ‬ ‫َ‬
‫ن قَب ْ ُ‬
‫ل‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫لوا‬‫ُ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫ب‬ ‫صي‬ ‫م‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ص‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ص‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫}‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ْ‬
‫ولَنا وَعََلى‬ ‫م‬
‫َ َ ْ‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ب‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ما‬
‫ِ َ‬ ‫إل‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫صي‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫(‬ ‫‪50‬‬ ‫)‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫حو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وَي َت َوَل ْ َ ْ ِ‬
‫ر‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫وا‬ ‫ّ‬
‫ن )‪{ (51‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫الل ّهِ فَل ْي َت َوَك ّ ِ‬
‫ة{‬ ‫سن َ ٌ‬‫ح َ‬ ‫يعلم تبارك وتعالى نبيه بعداوة هؤلء له ؛ لنه مهما أصابه من } َ‬
‫أي ‪ :‬فتح ونصر وظفر‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬أغاظهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه عنهم الطبري في تفسيره )‪.(14/287‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬نبجله"‪.‬‬

‫) ‪(4/161‬‬

‫ل تربصون بنا إّل إحدى ال ْحسنيين ونحن نتربص بك ُ َ‬


‫م الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫صيب َك ُ ُ‬
‫ن يُ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ُ ْ ََْ ِ ََ ْ ُ َََ ّ ُ ِ ْ‬ ‫ل هَ ْ َ َ ّ ُ َ ِ َ ِ ِ ْ َ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قوا ط َوْ ً‬
‫عا‬ ‫ل أن ْفِ ُ‬ ‫ن )‪ (52‬قُ ْ‬ ‫صو َ‬‫مت ََرب ّ ُ‬
‫م ُ‬ ‫معَك ُ ْ‬
‫صوا إ ِّنا َ‬ ‫ديَنا فَت ََرب ّ ُ‬ ‫عن ْدِهِ أوْ ب ِأي ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ب ِعَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ َوْ ك َْر ً‬
‫ل‬‫قب َ َ‬‫ن تُ ْ‬‫مأ ْ‬ ‫من َعَهُ ْ‬‫ما َ‬‫ن )‪ (53‬وَ َ‬ ‫قي َْ‬ ‫ما َفا ِ‬
‫س ِ‬ ‫م قَوْ ً‬‫م ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ل ِ‬ ‫قب ّ َ‬
‫ن ي ُت َ َ‬
‫ها ل ْ‬
‫ساَلى‬ ‫َ‬
‫م كُ َ‬ ‫صَلة َ إ ِّل وَهُ ْ‬ ‫سول ِهِ وََل ي َأُتو َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫فُروا ِبالل ّهِ وَب َِر ُ‬ ‫م كَ َ‬ ‫م إ ِّل أن ّهُ ْ‬ ‫قات ُهُ ْ‬ ‫ف َ‬
‫م نَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ِ‬
‫ن )‪(54‬‬ ‫هو َ‬ ‫كارِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن إ ِل وَهُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫قو َ‬ ‫َ‬
‫وَل ي ُن ْفِ ُ‬

‫ة‬
‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬‫ك ُ‬ ‫صب ْ َ‬
‫ن تُ ِ‬
‫على العداء ‪ ،‬مما يسره ويسر أصحابه ‪ ،‬ساءهم ذلك ‪ } ،‬وَإ ِ ْ‬
‫ن قَب ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫قوُلوا قَد ْ أ َ َ‬
‫ل { أي ‪ :‬قد احترزنا من متابعته من قبل هذا ‪} ،‬‬ ‫م ْ‬ ‫خذ َْنا أ ْ‬
‫مَرَنا ِ‬ ‫يَ ُ‬
‫ن { فأرشد الله تعالى رسوله ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪،‬‬ ‫حو َ‬ ‫م فَرِ ُ‬ ‫وا وَهُ ْ‬ ‫وَي َت َوَل ّ ْ‬
‫صيب ََنا‬
‫ن يُ ِ‬ ‫ل { أي ‪ :‬لهم } ل َ ْ‬ ‫إلى جوابهم في عداوتهم هذه التامة ‪ ،‬فقال ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ولَنا {‬ ‫ه ل ََنا { أي ‪ :‬نحن تحت مشيئة الله ‪ ،‬وقدره ‪ } ،‬هُوَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ما ك َت َ َ‬ ‫ِإل َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ونحن متوكلون‬ ‫مُنو َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫أي ‪ :‬سيدنا وملجؤنا } وَعَلى اللهِ فَلي َت َوَك ّ ِ‬
‫ل ال ُ‬
‫عليه ‪ ،‬وهو حسبنا ونعم الوكيل‪.‬‬
‫هّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫} قُ ْ‬
‫م الل ُ‬ ‫صيب َك ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ص ب ِك ْ‬ ‫ن ن َت ََرب ّ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن وَن َ ْ‬ ‫سن َي َي ْ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫دى ال ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ب َِنا ِإل إ ِ ْ‬ ‫صو َ‬ ‫ل ت ََرب ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قوا ط َوْ ً‬
‫عا‬ ‫ل أن ْفِ ُ‬ ‫ن )‪ (52‬قُ ْ‬ ‫صو َ‬ ‫مت ََرب ّ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫صوا إ ِّنا َ‬ ‫ديَنا فَت ََرب ّ ُ‬ ‫عن ْدِهِ أوْ ب ِأي ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ب ِعَ َ‬
‫َ‬ ‫أ َوْ ك َْر ً‬
‫ل‬‫قب َ َ‬
‫ن تُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫من َعَهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن )‪ (53‬وَ َ‬ ‫قي َْ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َفا ِ‬ ‫م قَوْ ً‬ ‫م ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫قب ّ َ‬ ‫ن ي ُت َ َ‬ ‫ها ل َ ْ‬
‫ساَلى‬ ‫َ‬
‫م كُ َ‬ ‫صلة َ ِإل وَهُ ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫سول ِهِ َول ي َأُتو َ‬ ‫فُروا ِبالل ّهِ وَب َِر ُ‬ ‫م كَ َ‬ ‫م ِإل أن ّهُ ْ‬ ‫قات ُهُ ْ‬ ‫ف َ‬
‫م نَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪{ (54‬‬ ‫َ‬ ‫هو‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫م‬‫َ ِ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫إل‬ ‫ن‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫َ ُْ ِ‬‫ي‬ ‫ول‬
‫ن ب َِنا { ؟ أي ‪ :‬تنتظرون بنا‬ ‫صو‬
‫َ ّ ُ َ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫محمد‬ ‫يا‬ ‫لهم‬ ‫{‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫يقول‬
‫فٌر بكم‪ .‬قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪،‬‬ ‫َ‬
‫ن { شهاَدة أو ظ َ‬ ‫ْ‬
‫عنده أوَ‬ ‫َ‬ ‫سن َي َي ْ ِ‬ ‫ح ْ‬‫دى ال ُ‬ ‫ح َ‬ ‫} ِإل إ ِ ْ‬
‫ن ِ ْ ِ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ذا ٍ‬‫ه ب ِعَ َ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫صيب َك ُ ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ص ب ِك ُ ْ‬ ‫ن ن َت ََرب ّ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫وقتادة ‪ ،‬وغيرهم‪ } .‬وَن َ ْ‬
‫ديَنا { أي ‪ :‬ننتظر بكم هذا أو هذا ‪ ،‬إما أن يصيبكم الله بقارعة من عنده أو‬ ‫َ‬
‫ب ِأي ْ ِ‬
‫ن{‬ ‫صو َ‬ ‫مت ََرب ّ ُ‬‫م ُ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫صوا إ ِّنا َ‬ ‫بأيدينا ‪ ،‬بسبي أو بقتل ‪ } ،‬فَت ََرب ّ ُ‬
‫ها { أي ‪ :‬مهما أنفقتم من نفقة طائعين أو‬ ‫عا أ َوْ ك َْر ً‬ ‫قوا ط َوْ ً‬ ‫ل أ َن ْفِ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ن{‬ ‫قي َ‬‫س ِ‬ ‫ما َفا ِ‬ ‫م قَوْ ً‬ ‫ُ‬
‫م كن ْت ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫م إ ِن ّك ْ‬ ‫ُ‬
‫من ْك ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫قب ّ َ‬ ‫ن ي ُت َ َ‬ ‫مكرهين } ل َ ْ‬
‫فُروا‬ ‫م كَ َ‬ ‫َ‬
‫ثم أخبر تعالى عن سبب ذلك ‪ ،‬وهو أنهم ل يتقبل منهم ‪ِ } ،‬إل أن ّهُ ْ‬
‫سول ِهِ { أي ‪] :‬قد كفروا[ )‪ (1‬والعمال إنما تصح باليمان ‪َ } ،‬ول‬ ‫ِبالل ّهِ وَب َِر ُ‬
‫ساَلى { أي ‪ :‬ليس لهم قصد صحيح ‪ ،‬ول همة في‬ ‫ْ‬
‫م كُ َ‬ ‫صلة َ ِإل وَهُ ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ي َأُتو َ‬
‫ن{‬ ‫هو َ‬ ‫كارِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن { نفقة } ِإل وَهُ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫العمل ‪َ } ،‬ول ي ُن ْفِ ُ‬
‫وقد أخبر الصادق المصدوق أن الله ل يمل حتى تملوا ‪ ،‬وأنه طيب ل يقبل إل‬
‫طيبا ؛ فلهذا ل يتقبل الله من هؤلء نفقة ول عمل لنه إنما يتقبل من المتقين‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(4/162‬‬

‫َ‬ ‫فََل تعجب َ َ‬


‫م ب َِها ِفي ال ْ َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا‬ ‫ريد ُ الل ّ ُ‬
‫ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫م وََل أوَْلد ُهُ ْ‬
‫م إ ِن ّ َ‬ ‫وال ُهُ ْ‬‫م َ‬
‫كأ ْ‬ ‫ُْ ِ ْ‬
‫ن )‪(55‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م كافُِرو َ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫سهُ ْ‬‫ف ُ‬‫وَت َْزهَقَ أن ْ ُ‬
‫َ‬ ‫} َفل تعجب َ َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا‬ ‫م ب َِها ِفي ال ْ َ‬ ‫ريد ُ الل ّ ُ‬
‫ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫م إ ِن ّ َ‬
‫م َول أْولد ُهُ ْ‬ ‫وال ُهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ُْ ِ ْ‬
‫ن )‪{ (55‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م َ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫سهُ ْ‬
‫ف ُ‬‫وَت َْزهَقَ أ َن ْ ُ‬
‫يقول تعالى لرسوله ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪َ } :‬فل تعجب َ َ‬
‫م َول‬ ‫وال ُهُ ْ‬
‫م َ‬‫كأ ْ‬ ‫ُْ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫من ْهُ ْ‬‫جا ِ‬ ‫مت ّعَْنا ب ِهِ أْزَوا ً‬
‫ما َ‬ ‫ك إ َِلى َ‬ ‫ن عَي ْن َي ْ َ‬ ‫مد ّ ّ‬ ‫م { كما قال تعالى ‪َ } :‬ول ت َ ُ‬ ‫أْولد ُهُ ْ‬
‫َ‬
‫قى { ]طه ‪[131 :‬‬ ‫خي ٌْر وَأب ْ َ‬‫ك َ‬ ‫م ِفيهِ وَرِْزقُ َرب ّ َ‬ ‫فت ِن َهُ ْ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا ل ِن َ ْ‬ ‫َزهَْرةَ ال ْ َ‬

‫) ‪(4/162‬‬

‫ن‬
‫دو َ‬‫ج ُ‬ ‫ن )‪ (56‬ل َوْ ي َ ِ‬ ‫فَرُقو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫م وَل َك ِن ّهُ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫م لَ ِ‬ ‫ن ِبالل ّهِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬‫وَي َ ْ‬
‫ن ي َل ِْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫مُزكَ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ن )‪ (57‬وَ ِ‬ ‫حو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫وا إ ِلي ْهِ وَهُ ْ‬ ‫خل لوَل ْ‬ ‫مد ّ َ‬‫ت أوْ ُ‬ ‫مَغاَرا ٍ‬ ‫جأ أوْ َ‬ ‫مل ْ َ‬‫َ‬
‫ن)‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خطو َ‬ ‫س َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫من َْها إ ِذا هُ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫م ي ُعْط ْ‬ ‫نل ْ‬ ‫ضوا وَإ ِ ْ‬ ‫من َْها َر ُ‬ ‫ن أعْطوا ِ‬ ‫ت فإ ِ ْ‬ ‫صد َقا ِ‬ ‫ِفي ال ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م‬
‫ُ ِ ْ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫نا‬ ‫تي‬‫ْ‬ ‫ؤ‬
‫ُ َ ُ ِ َ‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫نا‬ ‫ب‬ ‫س‬
‫َ ْ َُ‬ ‫ح‬ ‫لوا‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫ُ ََ ُ ُ َ‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫َ َ ُ ُ‬‫تا‬ ‫آ‬ ‫ما‬ ‫ضوا‬ ‫‪ (58‬وَل َ ْ ّ ُ ْ َ ُ‬
‫ر‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫و‬
‫ن )‪(59‬‬ ‫ه إ ِّنا إ َِلى الل ّهِ َراِغُبو َ‬ ‫سول ُ ُ‬‫ضل ِهِ وََر ُ‬ ‫فَ ْ‬

‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫وقال ‪ } :‬أ َيحسبو َ‬


‫ت َبل‬
‫خي َْرا ِ‬ ‫سارِعُ ل َهُ ْ‬
‫ن نُ َ‬
‫ل وَب َِني َ‬
‫ما ٍ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫م ب ِهِ ِ‬
‫مد ّهُ ْ‬
‫ما ن ُ ِ‬
‫ن أن ّ َ‬
‫َ ْ َ ُ َ‬
‫ن { ]المؤمنون ‪[56 ، 55 :‬‬ ‫ل يَ ْ‬
‫شعُُرو َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا { قال الحسن‬ ‫م ب َِها ِفي ال ْ َ‬ ‫ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ريد ُ الل ّ ُ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫البصري ‪ :‬بزكاتها ‪ ،‬والنفقة منها في سبيل الله‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬هذا من المقدم والمؤخر ‪ ،‬تقديره ‪ :‬فل تعجبك أموالهم ول‬
‫أولدهم ‪] ،‬في الحياة الدنيا[ )‪ (1‬إنما يريد الله ليعذبهم بها ]في الخرة[ )‪(2‬‬
‫قوي الحسن‪.‬‬ ‫واختار ابن جرير قول الحسن ‪ ،‬وهو القول ال َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ويريد أن يميتهم حين يميتهم‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م َ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَت َْزهَقَ أ َن ْ ُ‬
‫على الكفر ‪ ،‬ليكون ذلك أنكى لهم وأشد لعذابهم ‪ ،‬عياذا بالله من ذلك ‪ ،‬وهذا‬
‫يكون من باب الستدراج لهم فيما هم فيه‪.‬‬
‫وَ‬
‫ن )‪ (56‬ل ْ‬ ‫فَرُقو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫َ‬
‫م وَلك ِن ّهُ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫م لَ ِ‬ ‫ن ِبالل ّهِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫} وَي َ ْ‬
‫ن )‪{ (57‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫حو َ‬ ‫م ُ‬‫ج َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫وا إ ِلي ْهِ وَهُ ْ‬ ‫خل لوَل ْ‬ ‫مد ّ َ‬ ‫ت أوْ ُ‬ ‫مَغاَرا ٍ‬ ‫جأ أوْ َ‬ ‫مل َ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫يَ ِ‬
‫يخبر الله تعالى نبيه ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ ،‬عن جزعهم وفزعهم‬
‫م‬‫ما هُ ْ‬ ‫م { يميًنا مؤكدة ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫م لَ ِ‬ ‫ن ِبالل ّهِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫وفرقهم وهلعهم أنهم } ي َ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬فهو الذي‬ ‫فَرُقو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬في نفس المر ‪ } ،‬وَلك ِن ّهُ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫جأ { أي ‪ :‬حصنا يتحصنون به ‪ ،‬وحرزا‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مل َ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫حملهم على الحلف‪ } .‬لوْ ي َ ِ‬
‫خل { وهو‬ ‫مد ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت { وهي التي في الجبال ‪ } ،‬أوْ ُ‬ ‫مَغاَرا ٍ‬ ‫يحترزون به ‪ } ،‬أوْ َ‬
‫ن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة‬ ‫فق‪ .‬قال ذلك في الثلثة اب ُ‬ ‫سَرب في الرض والن َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬يسرعون في ذهابهم عنكم ‪ ،‬لنهم إنما‬ ‫‪َ ُ َ ْ َ ْ ُ َ ِ ْ ِ ْ َ }:‬‬
‫حو‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫وا‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬
‫يخالطونكم كرها ل محبة ‪ ،‬وودوا أنهم ل يخالطونكم ‪ ،‬ولكن للضرورة أحكام ؛‬
‫م ؛ لن السلم وأهله ل يزال في عّز ونصر‬ ‫ولهذا ل يزالون في هم وحزن وغَ ّ‬
‫سّر المؤمنون ساءهم ذلك ‪ ،‬فهم يودون أل يخالطوا‬ ‫ورفعة ؛ فلهذا كلما ُ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وا إ ِلي ْهِ وَهُ ْ‬ ‫خل لوَل ْ‬ ‫مد ّ َ‬ ‫ت أوْ ُ‬ ‫مَغاَرا ٍ‬ ‫جأ أوْ َ‬ ‫مل َ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫المؤمنين ؛ ولهذا قال ‪ } :‬لوْ ي َ ِ‬
‫ن{‬ ‫حو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫مُز َ‬ ‫ْ‬
‫من َْها‬‫وا ِ‬ ‫م ي ُعْط ْ‬ ‫نل ْ‬ ‫ضوا وَإ ِ ْ‬ ‫من َْها َر ُ‬ ‫ن أعْطوا ِ‬ ‫ت فَإ ِ ْ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ك ِفي ال ّ‬ ‫ن ي َل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫} وَ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سب َُنا‬‫ح ْ‬ ‫ه وََقالوا َ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ما آَتاهُ ُ‬ ‫ضوا َ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ن )‪ (58‬وَلوْ أن ّهُ ْ‬ ‫خطو َ‬ ‫س َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫إ َِذا هُ ْ‬
‫ن )‪{ (59‬‬ ‫ّ‬
‫ه إ ِّنا إ ِلى اللهِ َراِغُبو َ‬ ‫َ‬ ‫سول ُ‬‫ُ‬ ‫ضل ِهِ وََر ُ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ّ‬
‫سي ُؤِْتيَنا الل ُ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/163‬‬

‫ك { أي ‪ :‬يعيب عليك‬ ‫مُز َ‬ ‫ن ي َل ْ ِ‬


‫م ْ‬‫م { أي ومن المنافقين } َ‬ ‫مْنه ْ‬‫يقول تعالى ‪ } :‬وَ ِ‬
‫ت { إذا فرقتها ‪ ،‬ويتهمك في ذلك ‪ ،‬وهم المتهمون )‬ ‫صد ََقا ِ‬‫سم } ال ّ‬ ‫} ِفي { قَ ْ‬
‫‪ (1‬المأبونون ‪ ،‬وهم مع هذا ل ينكرون للدين ‪ ،‬وإنما ينكرون لحظ أنفسهم ؛‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫خ ُ‬
‫طو َ‬ ‫س َ‬
‫م يَ ْ‬‫من َْها إ َِذا هُ ْ‬ ‫م ي ُعْط َ ْ‬
‫وا ِ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ضوا وَإ ِ ْ‬ ‫من َْها َر ُ‬
‫طوا ِ‬ ‫ولهذا إن } أ ُعْ ُ‬
‫يغضبون لنفسهم‪.‬‬
‫جَرْيج ‪ :‬أخبرني داود بن أبي عاصم قال ‪ :‬أتي النبي صلى الله عليه‬ ‫قال ابن ُ‬
‫وسلم بصدقة ‪ ،‬فقسمها هاهنا وهاهنا حتى ذهبت‪ .‬قال ‪ :‬ووراءه رجل من‬
‫النصار فقال ‪ :‬ما هذا بالعدل ؟ فنزلت هذه الية‪.‬‬
‫ت { يقول ‪ :‬ومنهم‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ك ِفي ال ّ‬ ‫مُز َ‬‫ن ي َل ْ ِ‬‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫وقال قتادة في قوله ‪ } :‬وَ ِ‬
‫ث‬
‫ذكر لنا أن رجل من ]أهل[ )‪ (2‬البادية حدي َ‬ ‫من يطعن عليك في الصدقات‪ .‬و ُ‬
‫عهد بأعرابية ‪ ،‬أتى رسول )‪ (3‬الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم ذهبا‬
‫وفضة ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬والله لئن كان الله أمرك أن تعدل ‪ ،‬ما عدلت‪.‬‬
‫فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ويلك فمن ذا يعدل عليك بعدي"‪ .‬ثم‬
‫قال نبي الله ‪" :‬احذروا هذا وأشباهه ‪ ،‬فإن في أمتي أشباه هذا ‪ ،‬يقرءون‬
‫القرآن ل يجاوز )‪ (4‬ت ََراقَيهم ‪ ،‬فإذا خرجوا فاقتلوهم ‪ ،‬ثم إذا خرجوا فاقتلوهم‬
‫ثم إذا خرجوا فاقتلوهم"‪ .‬وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان‬
‫يقول ‪" :‬والذي نفسي بيده ما أعطيكم شيئا ول أمنعكموه ‪ ،‬إنما أنا خازن"‪.‬‬
‫وهذا الذي ذكره قتادة شبيه بما رواه الشيخان من حديث الزهري ‪ ،‬عن أبي‬
‫حْرقوص ‪ -‬لما‬ ‫ويصرة ‪ -‬واسمه ُ‬ ‫خ َ‬
‫سلمة )‪ (5‬عن أبي سعيد في قصة ذي ال ُ‬
‫اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم حين قسم غنائم حنين ‪ ،‬فقال له ‪:‬‬
‫ت إن لم أكن أعدل"‪ .‬ثم‬ ‫ت وخسر ُ‬ ‫خب ُ‬‫اعدل ‪ ،‬فإنك لم تعدل‪ .‬فقال ‪" :‬لقد ِ‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رآه مقفيا )‪ (6‬إنه يخرج من‬
‫ضئ هذا قوم يحقُر أحدكم صلته مع صلتهم ‪ ،‬وصيامه مع صيامهم ‪،‬‬ ‫ضئ ْ ِ‬
‫ِ‬
‫مّية ‪ ،‬فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ‪،‬‬ ‫مُروق السهم من الّر ِ‬ ‫يمرقون من الدين ُ‬
‫فإنهم شر قتلى تحت أديم السماء" وذكر بقية الحديث )‪(7‬‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من َّبها لهم على ما هو خير من ذلك لهم ‪ ،‬فقال ‪ } :‬وَلوْ أن ّهُ ْ‬ ‫ثم قال تعالى ُ‬
‫هُ‬
‫سول ُ‬ ‫ضل ِهِ وََر ُ‬ ‫َ‬
‫نف ْ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ّ‬
‫سي ُؤِْتيَنا الل ُ‬
‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫سب َُنا الل ُ‬
‫ح ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه وَقالوا َ‬ ‫ُ‬
‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫ما آَتاهُ ُ‬
‫ضوا َ‬ ‫َر ُ‬
‫ن { فتضمنت هذه الية الكريمة أدبا عظيما وسرا شريفا ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫إ ِّنا إ ِلى اللهِ َراِغُبو َ‬
‫حيث جعل الرضا بما آتاه الله ورسوله والتوكل على الله وحده ‪ ،‬وهو قوله ‪:‬‬
‫ه { وكذلك الرغبة إلى الله وحده في التوفيق لطاعة‬ ‫سب َُنا الل ّ ُ‬
‫ح ْ‬‫} وََقاُلوا َ‬
‫الرسول وامتثال أوامره ‪ ،‬وترك زواجره ‪ ،‬وتصديق أخباره ‪ ،‬والقتفاء بآثاره‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬المبهمون"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬نبي"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬ل يتجاوز"‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أبي سالم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مقتفيا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬صحيح البخاري برقم )‪ (3610‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1064‬‬

‫) ‪(4/164‬‬

‫م وَِفي‬ ‫فةِ قُُلوب ُهُ ْ‬‫مؤَل ّ َ‬‫ن عَل َي َْها َوال ْ ُ‬ ‫ن َوال َْعا ِ‬
‫مِلي َ‬ ‫كي ِ‬
‫سا ِ‬ ‫قَراِء َوال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ف َ‬‫ت ل ِل ْ ُ‬ ‫صد ََقا ُ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫م‬ ‫ن الل ّهِ َوالل ّ ُ‬
‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬‫ض ً‬ ‫ري َ‬ ‫ل فَ ِ‬ ‫سِبي ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫سِبي ِ ّ‬
‫ل اللهِ َواب ْ ِ‬ ‫ن وَِفي َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب َوال َْغارِ ِ‬ ‫الّرَقا ِ‬
‫م )‪(60‬‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬ ‫َ‬

‫م وَِفي‬ ‫فةِ قُُلوب ُهُ ْ‬


‫مؤَل ّ َ‬
‫ن عَل َي َْها َوال ْ ُ‬ ‫ن َوال َْعا ِ‬
‫مِلي َ‬ ‫كي ِ‬
‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫قَراِء َوال ْ َ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫صد ََقا ُ‬ ‫ما ال ّ‬‫} إ ِن ّ َ‬
‫م‬‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ َوالل ُ‬ ‫م َ‬‫ة ِ‬ ‫ض ً‬‫ري َ‬‫لف ِ‬ ‫َ‬ ‫سِبي ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫الّرَقا ِ‬
‫ل اللهِ وَا ِب ْ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن وَِفي َ‬ ‫مي َ‬
‫ب َوالَغارِ ِ‬
‫م )‪{ (60‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬
‫َ‬
‫لما ذكر ]الله[ )‪ (1‬تعالى اعتراض المنافقين الجهلة على النبي صلى الله‬
‫سم الصدقات ‪ ،‬بين تعالى أنه هو الذي قسمها‬ ‫عليه وسلم ولمزهم إياه في قَ ْ‬
‫سمها إلى أحد غيره ‪ ،‬فجّزأها‬ ‫ل قَ ْ‬‫وبين حكمها ‪ ،‬وتولى أمرها بنفسه ‪ ،‬ولم َيك ْ‬
‫لهؤلء المذكورين ‪ ،‬كما رواه المام أبو داود في سننه من حديث عبد الرحمن‬
‫بن زياد بن أنعم ‪ -‬وفيه ضعف ‪ -‬عن زياد بن نعيم ‪ ،‬عن زياد بن الحارث‬
‫دائي ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته ‪،‬‬ ‫ص َ‬ ‫ال ُ‬
‫فأتى رجل فقال ‪ :‬أعطني من الصدقة فقال له ‪" :‬إن الله لم يرض بحكم نبي‬
‫ول غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو ‪ ،‬فجزأها ثمانية أصناف ‪ ،‬فإن كنت‬
‫من تلك الجزاء أعطيتك" )‪ (2‬وقد اختلف العلماء في هذه الصناف الثمانية ‪:‬‬
‫هل يجب استيعاب الدفع إليها أو إلى ما أمكن منها ؟ على قولين ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أنه يجب ذلك ‪ ،‬وهو قول الشافعي وجماعة‪.‬‬
‫ع‬
‫والثاني ‪ :‬أنه ل يجب استيعابها ‪ ،‬بل يجوز الدفع إلى واحد منها ‪ ،‬ويعطى جمي َ‬
‫الصدقة مع وجود الباقين‪ .‬وهو قول مالك وجماعة من السلف والخلف ‪،‬‬
‫جَبير ‪ ،‬وميمون‬‫منهم ‪ :‬عمر ‪ ،‬وحذيفة ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬وأبو العالية ‪ ،‬وسعيد بن ُ‬
‫مْهران‪.‬‬
‫بن ِ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وهو قول عامة أهل العلم ‪ ،‬وعلى هذا فإنما ذكرت الصناف‬
‫هاهنا لبيان المصرف ل لوجوب استيعاب العطاء‪.‬‬
‫ولوجوه الحجاج والمآخذ مكان غير هذا ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وإنما قدم الفقراء هاهنا لنهم أحوج من البقية على المشهور ‪ ،‬لشدة فاقتهم‬
‫وحاجتهم ‪ ،‬وعند أبي حنيفة أن المسكين أسوأ حال من الفقير ‪ ،‬وهو كما‬
‫ون ‪ ،‬عن‬ ‫قال ‪ ،‬قال ابن جرير ‪ :‬حدثني يعقوب ‪ ،‬حدثنا ابن عُل َّية ‪ ،‬أنبأنا ابن عَ ْ‬
‫محمد قال ‪ :‬قال عمر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬الفقير ليس بالذي ل مال له ‪ ،‬ولكن‬
‫ف عندنا )‪(3‬‬ ‫الفقير الخلق الكسب‪ .‬قال ابن علية ‪ :‬الخلق ‪ :‬المحاَر ُ‬
‫والجمهور على خلفه‪ .‬وُروي عن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والحسن البصري ‪،‬‬
‫وابن زيد‪ .‬واختار ابن جرير وغير واحد أن الفقير ‪ :‬هو المتعفف الذي ل يسأل‬
‫الناس شيئا ‪ ،‬والمسكين ‪ :‬هو الذي يسأل ويطوف ويتبع الناس‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬الفقير ‪ :‬من به زمانة ‪ ،‬والمسكين ‪ :‬الصحيح الجسم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (2‬سنن أبي داود برقم )‪(1630‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(14/308‬‬

‫) ‪(4/165‬‬

‫وقال الثوري ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ :‬هم فقراء المهاجرين‪ .‬قال سفيان‬
‫ب منها شيئا‪.‬‬
‫طى العرا ُ‬ ‫الثوري ‪ :‬يعني ‪ :‬ول ي ُعْ َ‬
‫جَبير ‪ ،‬وسعيد بن عبد الرحمن بن أب َْزى‪.‬‬ ‫وكذا روي عن سعيد بن ُ‬
‫رمة ‪ :‬ل تقولوا لفقراء المسلمين مساكين ‪ ،‬وإنما المساكين‬ ‫عك ْ ِ‬
‫وقال ِ‬
‫مساكين أهل الكتاب‪.‬‬
‫ولنذكر أحاديث تتعلق بكل من الصناف الثمانية‪.‬‬
‫فأما "الفقراء" ‪ ،‬فعن ابن عمرو )‪ (1‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫ي"‪ .‬رواه أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪،‬‬ ‫سو ّ‬‫مّرة َ‬ ‫ي ول لذي ِ‬
‫وسلم ‪" :‬ل تحل الصدقة لغَن ِ ّ‬
‫والترمذي )‪(2‬‬
‫ولحمد أيضا ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن ماجه عن أبي هريرة ‪ ،‬مثله )‪(3‬‬
‫وعن عبيد الله بن عَدِيّ بن الخيار ‪ :‬أن رجلين أخبراه ‪ :‬أنهما أتيا النبي صلى‬
‫جْلدين ‪،‬‬
‫الله عليه وسلم يسألنه من الصدقة ‪ ،‬فقلب إليهما البصر ‪ ،‬فرآهما َ‬
‫ظ فيها لغني ول لقوي مكتسب"‪.‬‬ ‫ح ّ‬
‫فقال ‪" :‬إن شئتما أعطيتكما ‪ ،‬ول َ‬
‫رواه أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والنسائي )‪ (4‬بإسناد جيد قوي‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم في كتاب الجرح ]والتعديل ‪ :‬أبو بكر العبسي قال ‪ :‬قرأ‬
‫قَراِء { قال ‪ :‬هم أهل الكتاب[ )‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫صد ََقا ُ‬
‫ما ال ّ‬
‫عمر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫‪ (5‬روى عنه عمر بن نافع ‪ ،‬سمعت أبي يقول ذلك )‪(6‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا قول غريب جدا بتقدير صحة السناد ‪ ،‬فإن أبا بكر هذا ‪ ،‬وإن لم‬
‫ينص أبو حاتم على جهالته ‪ ،‬لكنه في حكم المجهول‪.‬‬
‫وأما المساكين ‪ :‬فعن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال ‪" :‬ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس ‪،‬‬
‫فترّده اللقمة واللقمتان ‪ ،‬والتمرة والتمرتان"‪ .‬قالوا ‪ :‬فما المسكين )‪ (7‬يا‬
‫طن له فيتصدق عليه ‪ ،‬ول‬ ‫ف َ‬‫رسول الله ؟ قال ‪" :‬الذي ل يجد ُ غًنى يغنيه ‪ ،‬ول ي ُ ْ‬
‫يسأل الناس شيئا"‪.‬‬
‫رواه الشيخان ‪ :‬البخاري ومسلم )‪(8‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬بن عمر"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (2/164‬وسنن أبي داود برقم )‪ (1634‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪.(652‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (2/377‬وسنن النسائي )‪ (5/99‬وسنن ابن ماجه برقم )‬
‫‪.(1839‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (4/224‬وسنن أبي داود برقم )‪ (1633‬وسنن النسائي )‬
‫‪.(5/99‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬الجرح والتعديل )‪ (9/341‬وقد وقع سقط هناك‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬المساكين"‪.‬‬
‫)‪ (8‬صحيح البخاري برقم )‪ (1479‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1039‬‬

‫) ‪(4/166‬‬

‫وأما العاملون عليها ‪ :‬فهم الجباة والسعاة يستحقون منها قسطا على ذلك ‪،‬‬
‫ول يجوز أن يكونوا من أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تحرم‬
‫عليهم الصدقة ‪ ،‬لما ثبت في صحيح مسلم عن عبد المطلب بن ربيعة بن‬
‫الحارث ‪ :‬أنه انطلق هو والفضل بن عباس يسألن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ليستعملهما على الصدقة ‪ ،‬فقال ‪" :‬إن الصدقة ل تحل لمحمد ول‬
‫لل محمد ‪ ،‬إنما هي أوساخ الناس" )‪(1‬‬
‫وأما المؤلفة قلوبهم ‪ :‬فأقسام ‪ :‬منهم من يعطى لُيسلم ‪ ،‬كما أعطى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم صفوان بن أمية من غنائم حنين ‪ ،‬وقد كان شهدها‬
‫ي بعد أن كان أبغض‬ ‫ب الناس إل ّ‬
‫مشركا‪ .‬قال ‪ :‬فلم يزل يعطيني حتى صار أح ّ‬
‫الناس إلي ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا زكريا بن عدي ‪ ،‬أنا )‪ (2‬ابن المبارك ‪ ،‬عن يونس ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن‬
‫سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن صفوان بن أمية قال ‪ :‬أعطاني رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يوم حنين ‪ ،‬وإنه لبغض الناس إلي ‪ ،‬فما زال يعطيني حتى صار‬
‫وإنه لحب الناس إلي‪.‬‬
‫ورواه مسلم والترمذي ‪ ،‬من حديث يونس ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬به )‪(3‬‬
‫سن إسلمه ‪ ،‬ويثبت قلبه ‪ ،‬كما أعطى يوم حنين أيضا‬ ‫طى ليح ُ‬‫ومنهم من ي ُعْ َ‬
‫جماعة من‬
‫صناديد الطلقاء وأشرافهم ‪ :‬مائة من البل ‪ ،‬مائة من البل وقال ‪" :‬إني‬
‫لعطي الرجل وغيره أحب إلي منه ‪ ،‬مخافة أن ي َك ُّبه الله على وجهه في نار‬
‫جهنم" )‪(4‬‬
‫وفي الصحيحين عن أبي سعيد ‪ :‬أن عليا بعث إلى النبي صلى الله عليه‬
‫هيبة في تربتها من اليمن فقسمها بين أربعة نفر ‪ :‬القرع بن‬ ‫وسلم بذ ُ َ‬
‫علثة ‪ ،‬وزيد الخير ‪ ،‬وقال ‪" :‬أتألفهم" )‬ ‫حابس ‪ ،‬وعَُيينة بن بدر ‪ ،‬وعلقمة بن ُ‬
‫‪(5‬‬
‫َ‬
‫ومنهم من ُيعطى لما يرجى من إسلم نظرائه‪ .‬ومنهم من ُيعطى ليجبي‬ ‫َ‬
‫حوزة المسلمين الضرر من )‪ (6‬أطراف‬ ‫الصدقات ممن يليه ‪ ،‬أو ليدفع عن َ‬
‫البلد‪ .‬ومحل تفصيل هذا في كتب الفروع ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وهل تعطى المؤلفة على السلم بعد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فيه‬
‫طون بعده ؛ لن‬ ‫خلف ‪ ،‬فُروي عن عمر ‪ ،‬وعامر الشعبي وجماعة ‪ :‬أنهم ل ُيع َ‬
‫كن لهم في البلد ‪ ،‬وأذل لهم رقاب العباد‪.‬‬ ‫م ّ‬
‫الله قد أعز السلم وأهله ‪ ،‬و َ‬
‫طون ؛ لنه عليه الصلة والسلم )‪ (7‬قد أعطاهم بعد‬ ‫وقال آخرون ‪ :‬بل ُيع َ‬
‫هوازن ‪،‬‬ ‫فتح مكة وكسر َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم برقم )‪.(1072‬‬
‫)‪ (2‬في ك ‪" :‬أخبرنا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (6/465‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2313‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪.(666‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (1478‬من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪ (3344‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1064‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬

‫) ‪(4/167‬‬

‫وهذا أمر قد يحتاج إليه فيصرف إليهم‪.‬‬


‫وأما الرقاب ‪ :‬فُروي عن الحسن البصري ‪ ،‬ومقاتل بن حيان ‪ ،‬وعمر بن عبد‬
‫جَبير ‪ ،‬والّنخعي ‪ ،‬والزهري ‪ ،‬وابن زيد ‪ :‬أنهم المكاَتبون ‪،‬‬‫العزيز ‪ ،‬وسعيد بن ُ‬
‫وروي عن أبي موسى الشعري نحوه ‪ ،‬وهو قول الشافعي والليث‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ ،‬والحسن ‪ :‬ل بأس أن تعتق الرقبة من الزكاة ‪ ،‬وهو مذهب‬
‫المام أحمد بن حنبل ‪ ،‬ومالك ‪ ،‬وإسحاق ‪ ،‬أي ‪ :‬إن الرقاب أعم من أن يعطى‬
‫المكاتب ‪ ،‬أو يشتري رقبة فيعتقها استقلل‪ .‬وقد ورد في ثواب العتاق وفك‬
‫معتقها حتى‬ ‫الرقبة أحاديث كثيرة ‪ ،‬وأن الله يعتق بكل عضو منها عضوا من ُ‬
‫ن‬
‫جَزوْ َ‬‫ما ت ُ ْ‬
‫فْرج بالفرج ‪ ،‬وما ذاك إل لن )‪ (1‬الجزاء من جنس العمل ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫ال َ‬
‫ن { ]الصافات ‪[39 :‬‬ ‫ُ‬
‫ملو َ‬‫م ت َعْ َ‬ ‫ُ‬
‫ما كن ْت ُ ْ‬
‫ِإل َ‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"ثلثة حق على الله عوُنهم ‪ :‬الغازي في سبيل الله ‪ ،‬والمكاتب الذي يريد‬
‫الداء ‪ ،‬والناكح الذي يريد العفاف"‪.‬‬
‫رواه المام أحمد وأهل السنن إل أبا داود )‪(2‬‬
‫وفي المسند عن البراء بن عازب قال ‪ :‬جاء رجل فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪،‬‬
‫سمة‬ ‫د ُّلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار‪ .‬فقال ‪" :‬أعتق الن َ‬
‫وفك الرقبة"‪ .‬فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أو ليسا واحدا ؟ قال ‪" :‬ل عتق النسمة‬
‫أن ُتفرد بعتقها ‪ ،‬وفك الرقبة أن تعين في ثمنها" )‪(3‬‬
‫مل حمالة أو ضمن دينا فلزمه‬ ‫وأما الغارمون ‪ :‬فهم أقسام ‪ :‬فمنهم من تح ّ‬
‫فأجحف بماله ‪ ،‬أو غرم في أداء دينه أو في معصية ثم تاب ‪ ،‬فهؤلء يدفع‬
‫إليهم‪ .‬والصل في هذا الباب حديث قَِبيصة بن مخارق الهللي قال ‪ :‬تحملت‬
‫حمالة فأتيت رسول الله )‪ (4‬صلى الله عليه وسلم أسأله فيها ‪ ،‬فقال ‪" :‬أقم‬
‫حتى تأتينا الصدقة ‪ ،‬فنأمر لك بها"‪ .‬قال ‪ :‬ثم قال ‪" :‬يا قَِبيصة ‪ ،‬إن المسألة ل‬
‫مل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ‪ ،‬ثم‬ ‫تحل إل لحد ثلثة ‪ :‬رجل تح ّ‬
‫يمسك‪ .‬ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله ‪ ،‬فحلت له المسألة حتى يصيب‬
‫قواما من عيش ‪ :‬أو قال ‪ :‬سداًدا من عيش ‪ -‬ورجل أصابته فاقة حتى يقوم‬
‫ثلثة من ذوي الحجا من قومه ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬لقد أصابت فلنا فاقة فحلت له‬
‫المسألة ‪ ،‬حتى يصيب قواما من عيش ‪ -‬أو قال سدادا من عيش ‪ -‬فما‬
‫سواهن من المسألة سحت ‪ ،‬يأكلها صاحبها سحتا"‪ .‬رواه مسلم )‪(5‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬أن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (2/251‬وسنن الترمذي برقم )‪ (1655‬وسنن النسائي )‪(6/61‬‬
‫وسنن ابن ماجه برقم )‪ (2518‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(4/299‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم برقم ‪.(1044)1‬‬

‫) ‪(4/168‬‬

‫وعن أبي سعيد قال ‪ :‬أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫في ثمار ابتاعها ‪ ،‬فكثر دينه ‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم )‪ (1‬تصدقوا‬
‫عليه"‪ .‬فتصدق الناس )‪ (2‬فلم يبلغ ذلك وفاء دينه ‪ ،‬فقال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم لغرمائه ‪" :‬خذوا ما وجدتم ‪ ،‬وليس لكم إل ذلك"‪ .‬رواه مسلم )‪(3‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الصمد ‪ ،‬أنبأنا صدقة بن موسى ‪ ،‬عن أبي‬
‫وني ‪ ،‬عن قيس بن زيد عن قاضي المصرين )‪ (4‬عن عبد الرحمن‬ ‫ج ْ‬
‫عمران ال َ‬
‫بن أبي بكر قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يدعو الله بصاحب‬
‫الدين يوم القيامة حتى يوقف بين يديه ‪ ،‬فيقول ‪ :‬يا بن آدم ‪ ،‬فيم أخذت هذا‬
‫الدين ؟ وفيم ضيعت حقوق الناس ؟ فيقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬إنك تعلم أني أخذته‬
‫فلم آكل ولم أشرب ولم أضيع ‪ ،‬ولكن أتى على يدي إما حرق وإما سرق‬
‫وإما وضيعة‪ .‬فيقول الله ‪ :‬صدق عبدي ‪ ،‬أنا أحق من قضى عنك اليوم‪ .‬فيدعو‬
‫الله بشيء فيضعه في كفة ميزانه ‪ ،‬فترجح حسناته على سيئاته ‪ ،‬فيدخل‬
‫الجنة بفضل الله ورحمته" )‪(5‬‬
‫وأما في سبيل الله ‪ :‬فمنهم الغزاة الذين ل حق لهم في الديوان ‪ ،‬وعند‬
‫المام أحمد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وإسحاق ‪ :‬والحج من سبيل الله ‪ ،‬للحديث‪.‬‬
‫وكذلك ابن السبيل ‪ :‬وهو المسافر المجتاز في بلد ليس معه شيء يستعين‬
‫به على سفره ‪ ،‬فيعطى من الصدقات ما يكفيه إلى بلده وإن كان له مال‪.‬‬
‫وهكذا الحكم فيمن أراد إنشاء سفر من بلده وليس معه شيء ‪ ،‬فيعطى من‬
‫مال الزكاة كفايته في ذهابه وإيابه‪ .‬والدليل على ذلك الية ‪ ،‬وما رواه المام‬
‫سار‬
‫مر ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن عطاء بن ي َ َ‬ ‫معْ َ‬
‫أبو داود وابن ماجه من حديث َ‬
‫‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ ،‬رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ي إل لخمسة ‪ :‬العامل عليها ‪ ،‬أو رجل اشتراها بماله ‪،‬‬ ‫‪" :‬ل تحل الصدقة لغن ّ‬
‫أو غارم ‪ ،‬أو غاز في سبيل الله ‪ ،‬أو مسكين تصدق عليه منها فأهدى لغني" )‬
‫‪(6‬‬
‫وقد رواه السفيانان ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن عطاء مرسل‪ .‬ولبي داود عن‬
‫عطية العوفي ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬ل تحل الصدقة لغني إل في سبيل الله ‪ ،‬وابن السبيل ‪ ،‬أو جار فقير‬
‫فُيهدي لك أو يدعوك" )‪(7‬‬
‫سمه )‪(8‬‬ ‫ن الل ّهِ { أي حكما مقدرا بتقدير الله وفَْر ِ‬
‫ضه وقَ ْ‬ ‫م َ‬
‫ة ِ‬‫ض ً‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَ ِ‬
‫ري َ‬
‫م { أي ‪ :‬عليم بظواهر المور وبواطنها وبمصالح عباده ‪،‬‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬
‫م َ‬‫ه عَِلي ٌ‬‫} َوالل ّ ُ‬
‫م { فيما يفعله ويقوله ويشرعه ويحكم به ‪،‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬‫} َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬فقال صلى الله عليه وسلم لغرمائه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬الناس عليه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم برقم )‪.(1556‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬المصريين"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪.(198 ، 1/197‬‬
‫)‪ (6‬سنن أبي داود برقم )‪ (1635‬وسنن ابن ماجه برقم )‪.(1841‬‬
‫)‪ (7‬سنن أبي داود برقم )‪ (1637‬وعطية العوفي ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وقسمته"‪.‬‬

‫) ‪(4/169‬‬

‫قوُلون هُو أ ُذ ُن قُ ْ ُ‬
‫ن ِبالل ّهِ‬ ‫خي ْرٍ ل َك ُ ْ‬
‫م ي ُؤْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫ن َ‬‫ل أذ ُ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫ي وَي َ ُ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬‫ن ي ُؤُْذو َ‬‫ذي َ‬‫م ال ّ ِ‬‫من ْهُ ُ‬
‫وَ ِ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ن ي ُؤُْذو َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫وَي ُؤْ ِ‬
‫ل اللهِ لهُ ْ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َوال ِ‬ ‫من ْك ْ‬
‫مُنوا ِ‬
‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ة ل ِل ِ‬‫م ٌ‬ ‫ح َ‬‫ن وََر ْ‬
‫مِني َ‬ ‫ن ل ِل ُ‬‫م ُ‬
‫م )‪(61‬‬ ‫َ‬ ‫عَ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬

‫ل إله إل هو ‪ ،‬ول رب سواه‪.‬‬


‫ن ِباللهِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م ُ‬ ‫خي ْرٍ لك ُ ْ‬
‫م ي ُؤْ ِ‬ ‫ن َ‬‫ل أذ ُ ُ‬ ‫ن قُ ْ‬ ‫ن هُوَ أذ ُ ٌ‬ ‫قولو َ‬ ‫ي وَي َ ُ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫ن ي ُؤُْذو َ‬‫ذي َ‬‫م ال ّ ِ‬ ‫من ْهُ ُ‬
‫} وَ ِ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ لهُ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ن ي ُؤُْذو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫م َوال ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ة ل ِل ِ‬ ‫م ٌ‬‫ح َ‬‫ن وََر ْ‬ ‫مؤْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ْ‬
‫ن ل ِل ُ‬‫م ُ‬ ‫وَي ُؤْ ِ‬
‫م )‪{ (61‬‬ ‫َ‬ ‫عَ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫يقول تعالى ‪ :‬ومن المنافقين قوم ُيؤذون رسو َ‬
‫ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬من قال له شيئا صدقه ‪ ،‬ومن حدثه‬ ‫بالكلم فيه ويقولون ‪ } :‬هُوَ أذ ُ ٌ‬
‫فينا صدقه ‪ ،‬فإذا جئنا وحلفنا له صدقنا‪ .‬روي معناه عن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪،‬‬
‫وقتادة‪ .‬قال الله تعالى ‪ } :‬قُ ْ ُ‬
‫م { أي ‪ :‬هو أذن خير ‪ ،‬يعرف‬ ‫خي ْرٍ ل َك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ل أذ ُ ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬ويصدق‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن ل ِل ْ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ِبالل ّهِ وَي ُؤْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫الصادق من الكاذب ‪ } ،‬ي ُؤْ ِ‬
‫م { أي ‪ :‬وهو حجة على الكافرين ؛‬ ‫ُ‬
‫من ْك ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ل ِل ّ ِ‬‫م ٌ‬
‫ح َ‬‫المؤمنين ‪ } ،‬وََر ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م {‪.‬‬ ‫لي‬
‫ٌ ِ ٌ‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ِ ُ ْ َ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫سو‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫ُ‬
‫ذو‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫ولهذا قال ‪َ } :‬وال ّ ِ َ ُ‬
‫ي‬ ‫ن‬ ‫ذي‬

‫) ‪(4/170‬‬

‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫فون بالل ّه ل َك ُم ل ِيرضوك ُم والل ّه ورسول ُ َ‬


‫ن)‬
‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫كاُنوا ُ‬ ‫ضوه ُ إ ِ ْ‬ ‫ن ي ُْر ُ‬‫حق ّ أ ْ‬ ‫هأ َ‬ ‫ْ َ ُ ََ ُ ُ‬ ‫ْ ُْ ُ‬ ‫حل ِ ُ َ ِ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫دا ِفيَها ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫خال ِ ً‬
‫م َ‬ ‫جهَن ّ َ‬‫ه َناَر َ‬‫نل ُ‬ ‫ه فَأ ّ‬ ‫سول ُ‬
‫ه وََر ُ‬
‫حادِدِ الل َ‬
‫ن يُ َ‬
‫م ْ‬
‫ه َ‬
‫موا أن ّ ُ‬
‫م ي َعْل ُ‬
‫‪ (62‬أل ْ‬
‫قو َ‬
‫ما ِفي‬ ‫سوَرة ٌ ت ُن َب ّئ ُهُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ن ت ُن َّز َ‬‫نأ ْ‬ ‫حذ َُر ال ْ ُ‬
‫مَنافِ ُ َ‬ ‫م )‪ (63‬ي َ ْ‬ ‫خْزيُ ال ْعَ ِ‬
‫ظي ُ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫ن )‪(64‬‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬
‫ج َ‬‫خرِ ٌ‬
‫م ْ‬
‫ه ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ست َهْزُِئوا إ ِ ّ‬‫لا ْ‬‫م قُ ِ‬ ‫قُُلوب ِهِ ْ‬

‫كاُنوا‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫فون بالل ّه ل َك ُم ل ِيرضوك ُم والل ّه ورسول ُ َ‬


‫ضوه ُ إ ِ ْ‬ ‫ن ي ُْر ُ‬ ‫حق ّ أ ْ‬ ‫هأ َ‬ ‫ْ َ ُ ََ ُ ُ‬ ‫ْ ُْ ُ‬ ‫حل ِ ُ َ ِ ِ‬ ‫} يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دا‬
‫خال ِ ً‬ ‫م َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ه َناَر َ‬ ‫نل ُ‬ ‫ه فَأ ّ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫حادِدِ الل َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫موا أن ّ ُ‬ ‫م ي َعْل ُ‬ ‫ن )‪ (62‬أل ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫م )‪{ (63‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫خْزيُ العَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِفيَها ذ َل ِك ال ِ‬
‫م { الية ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫ضوك ُ ْ‬ ‫م ل ِي ُْر ُ‬ ‫ن ِبالل ّهِ ل َك ُ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬‫قال قتادة في قوله تعالى ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫ذكر لنا أن رجل من المنافقين قال ‪ :‬والله إن هؤلء لخيارنا وأشرافنا ‪ ،‬وإن‬
‫كان ما يقول محمد حقا ‪ ،‬لهم شر من الحمير‪ .‬قال ‪ :‬فسمعها رجل من‬
‫المسلمين فقال ‪ :‬والله إن ما يقول محمد لحق ‪ ،‬ولنت أشر من الحمار‪ .‬قال‬
‫‪ :‬فسعى بها الرجل إلى النبي )‪ (1‬صلى الله عليه وسلم فأخبره ‪ ،‬فأرسل‬
‫إلى الرجل فدعاه فقال ‪" :‬ما حملك على الذي قلت ؟" فجعل يلتعن ‪،‬‬
‫ويحلف بالله ما قال ذلك‪ .‬وجعل الرجل المسلم يقول ‪ :‬اللهم صدق الصادق‬
‫م َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ضوك ُ ْ‬ ‫م ل ِي ُْر ُ‬ ‫ن ِبالل ّهِ ل َك ُ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫وكذب الكاذب‪ .‬فأنزل الله ‪ ،‬عز وجل ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫ورسول ُ َ‬
‫ن{‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫كاُنوا ُ‬ ‫ضوه ُ إ ِ ْ‬ ‫ن ي ُْر ُ‬ ‫حق ّ أ ْ‬ ‫هأ َ‬ ‫ََ ُ ُ‬
‫ن ل َُ‬ ‫َ‬ ‫سول َُ‬ ‫ّ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬أ َل َم يعل َموا أ َ‬
‫دا‬
‫خال ِ ً‬ ‫م َ‬ ‫جهَن َّ‬ ‫ه َناَر َ‬ ‫ه فَأ ّ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫حا‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ُ َ ْ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِفيَها { )‪ (2‬أي ‪ :‬ألم يتحققوا ويعلموا أنه من حاد )‪ (3‬الله ‪ ،‬أي ‪ :‬شاقه‬
‫حد ّ والله ورسوله في حد ّ } فأن له نار جهنم خالدا‬ ‫وحاربه وخالفه ‪ ،‬وكان في َ‬
‫فيها { أي ‪ :‬مهاًنا معذبا ‪ } ،‬ذلك الخزي العظيم { أي ‪ :‬وهذا هو الذل العظيم‬
‫‪ ،‬والشقاء الكبير‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ست َهْزُِئوا‬ ‫لا ْ‬ ‫م قُ ِ‬ ‫ما ِفي قُلوب ِهِ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫سوَرة ٌ ت ُن َب ّئ ُهُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ل عَلي ْهِ ْ‬ ‫ن ُتنز َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫حذ َُر ال ْ ُ‬ ‫} يَ ْ‬
‫ن )‪{ (64‬‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫خرِ ٌ‬ ‫م ْ‬‫ه ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫إِ ّ‬
‫قال مجاهد ‪ :‬يقولون القول بينهم ‪ ،‬ثم يقولون ‪ :‬عسى الله أل يفشي علينا‬
‫سرنا هذا‪.‬‬
‫ك ب ِهِ الل ُّ‬
‫ه‬ ‫حي ّ َ‬ ‫ْ ُ َ‬‫ي‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ما‬
‫ِ َ‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫و‬
‫َ ّ ْ‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ءو‬ ‫ُ‬ ‫جا‬ ‫َ‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫َِ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫بقوله‬ ‫شبيهة‬ ‫الية‬ ‫وهذه‬
‫َ‬
‫صل َوْن ََها فَب ِئ ْ َ‬
‫س‬ ‫م يَ ْ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سب ُهُ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ن َ ُ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ول ي ُعَذ ّب َُنا الل ّ ُ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن ِفي أن ْ ُ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫وَي َ ُ‬
‫صيُر { ]المجادلة ‪[8 :‬‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬نبي الله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬تعلموا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬يحاد"‪.‬‬

‫) ‪(4/170‬‬

‫َ‬ ‫خوض ونل ْعب قُ ْ َ‬ ‫َ‬


‫سول ِهِ ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ل أِبالل ّهِ وَآَيات ِهِ وََر ُ‬ ‫ُ ََ َ ُ‬ ‫ما ك ُّنا ن َ ُ‬
‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫قول ُ ّ‬‫م ل َي َ ُ‬
‫سأل ْت َهُ ْ‬ ‫ن َ‬‫وَل َئ ِ ْ‬
‫من ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫فةٍ ِ‬ ‫ن َ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫ف عَ ْ‬ ‫ن ن َعْ ُ‬‫م إِ ْ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬
‫م ب َعْد َ ِإي َ‬ ‫ن )‪َ (65‬ل ت َعْت َذُِروا قَد ْ ك َ َ‬
‫فْرت ُ ْ‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(66‬‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م كاُنوا ُ‬ ‫ة ب ِأن ّهُ ْ‬‫ف ً‬
‫ب طائ ِ َ‬ ‫ن ُعَذ ّ ْ‬

‫وقال في هذه الية ‪ } :‬قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون { أي ‪ :‬إن‬


‫الله سينزل على رسوله ما يفضحكم به ‪ ،‬ويبين له )‪ (1‬أمركم كما قال ‪:‬‬
‫خرج الل ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م { إلى قوله ‪:‬‬‫ضَغان َهُ ْ‬
‫هأ ْ‬‫ُ‬ ‫ن يُ ْ ِ َ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫ضأ ْ‬ ‫مَر ٌ‬‫م َ‬‫ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ب ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫}أ ْ‬
‫قول والل ّه يعل َ َ‬
‫م { ]محمد ‪ (2) [30 ، 29 :‬؛‬ ‫مال َك ُ ْ‬
‫م أعْ َ‬ ‫ن ال ْ َ ْ ِ َ ُ َ ْ ُ‬ ‫ح ِ‬‫م ِفي ل َ ْ‬ ‫} وَل َت َعْرِفَن ّهُ ْ‬
‫ولهذا قال قتادة ‪ :‬كانت تسمى هذه السورة "الفاضحة" ‪ ،‬فاضحة المنافقين‪.‬‬
‫خوض ونل ْعب قُ ْ َ‬ ‫َ‬
‫سول ِهِ ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ل أِبالل ّهِ َوآَيات ِهِ وََر ُ‬ ‫ُ ََ َ ُ‬ ‫ما ك ُّنا ن َ ُ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬‫قول ُ ّ‬‫م ل َي َ ُ‬ ‫سأل ْت َهُ ْ‬ ‫ن َ‬‫} وَل َئ ِ ْ‬
‫من ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫فةٍ ِ‬ ‫ن َ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫ف عَ ْ‬ ‫ن ن َعْ ُ‬‫م إِ ْ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬
‫م ب َعْد َ ِإي َ‬‫فْرت ُ ْ‬ ‫ن )‪ (65‬ل ت َعْت َذُِروا قَد ْ ك َ َ‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن )‪{ (66‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫مي َ‬‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫م كاُنوا ُ‬ ‫ة ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ف ً‬ ‫ب طائ ِ َ‬ ‫ن ُعَذ ْ‬
‫قَرظي وغيره قالوا ‪ :‬قال‬ ‫قال أبو معشر المديني )‪ (3‬عن محمد بن كعب ال ُ‬
‫رجل من المنافقين ‪ :‬ما أرى قُّراءنا هؤلء إل أرغبنا بطونا ‪ ،‬وأكذبنا ألسنة ‪،‬‬
‫وأجبننا عند اللقاء‪ .‬فُرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فجاء‬
‫إلى رسول الله وقد ارتحل وركب ناقته ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إنما كنا‬
‫نخوض ونلعب‪ .‬فقال ‪ } :‬أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون { إلى قوله ‪:‬‬
‫} مجرمين { وإن رجليه لتنسفان )‪ (4‬الحجارة وما يلتفت إليه رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وهو متعلق بنسعة رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال عبد الله بن وهب ‪ :‬أخبرني هشام بن سعد ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن‬
‫عبد الله بن عمر قال ‪ :‬قال رجل في غزوة تبوك في مجلس )‪ (5‬ما رأيت‬
‫ب ألسًنا ‪ ،‬ول أجبن عند اللقاء‪ .‬فقال‬ ‫ب بطونا ‪ ،‬ول أكذ َ‬ ‫مثل ُقرائنا هؤلء ‪ ،‬أرغ َ‬
‫ت ‪ ،‬ولكنك منافق‪ .‬لخبرن رسول الله صلى الله عليه‬ ‫رجل في المسجد ‪ :‬كذب َ‬
‫وسلم ‪ ،‬فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن‪ .‬قال عبد‬
‫قب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫ح َ‬ ‫الله بن عمر ‪ :‬وأنا رأيته متعلقا ب َ‬
‫َتنك ُُبه )‪ (6‬الحجارة )‪ (7‬وهو يقول ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إنما كنا نخوض ونلعب‪.‬‬
‫ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪ } :‬أبالله وآياته ورسوله كنتم‬
‫تستهزئون ل تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم {‪.‬‬
‫وقد رواه الليث ‪ ،‬عن هشام بن سعد ‪ ،‬بنحو من هذا )‪(8‬‬
‫وقال ابن إسحاق ‪ :‬وقد كان جماعة من المنافقين منهم َوديعة بن ثابت ‪ ،‬أخو‬
‫بني أمية بن زيد ‪ ،‬من بني عمرو بن عوف ‪ ،‬ورجل من أشجع حليف لبني‬
‫حمّير يشيرون إلى رسول الله صلى الله‬ ‫شن )‪ (9‬بن ُ‬ ‫خ ّ‬ ‫م َ‬ ‫سلمة يقال له ‪ُ :‬‬
‫جلد َ بني‬ ‫عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك ‪ ،‬فقال بعضهم لبعض ‪ :‬أتحسبون ِ‬
‫قّرنين في الحبال ‪،‬‬ ‫م َ‬‫الصفر كقتال العرب بعضهم بعضا ؟ والله لكأنا بكم غدا ُ‬
‫شن )‪(10‬‬ ‫خ ّ‬ ‫م َ‬ ‫إرجافا وترهيبا للمؤمنين ‪ ،‬فقال ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬لكم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬إسرارهم" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬المعدني"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في هـ ‪" :‬ليسفعان" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬ليشفعان" والمثبت من الطبري‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مجلس يوما"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يركبه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬بالحجارة"‪.‬‬
‫)‪ (8‬رواه الطبري في تفسير )‪.(334 ، 14/333‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬مخشي"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬مخشي"‪.‬‬

‫) ‪(4/171‬‬

‫ْ‬
‫ن‬
‫ن عَ ِ‬ ‫من ْك َرِ وَي َن ْهَوْ َ‬‫ن ِبال ْ ُ‬ ‫مُرو َ‬‫ض ي َأ ُ‬‫ن ب َعْ ٍ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬‫ضهُ ْ‬
‫ت ب َعْ ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬
‫مَنافِ َ‬ ‫قو َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مَنافِ ُ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬
‫قو َ‬
‫س ُ‬
‫فا ِ‬ ‫ن هُ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م إِ ّ‬
‫سي َهُ ْ‬ ‫سوا الل ّ َ‬
‫ه فَن َ ِ‬ ‫م نَ ُ‬‫ن أي ْدِي َهُ ْ‬
‫ضو َ‬ ‫قب ِ ُ‬ ‫ف وَي َ ْ‬‫معُْرو ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ي‬
‫ن ِفيَها هِ َ‬
‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬
‫م َ‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫ت َوال ْك ُ ّ‬
‫فاَر َناَر َ‬ ‫قا ِ‬‫مَنافِ َ‬‫ن َوال ْ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬‫ه ال ْ ُ‬
‫‪ (67‬وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫م )‪(68‬‬ ‫قي ٌ‬‫م ِ‬
‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬‫م عَ َ‬ ‫ه وَل َهُ ْ‬‫م الل ّ ُ‬ ‫م وَل َعَن َهُ ُ‬
‫سب ُهُ ْ‬
‫ح ْ‬
‫َ‬

‫ت أني أقاضى على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة ‪،‬‬ ‫مّير ‪ :‬والله لودد ُ‬ ‫ح َ‬ ‫بن ُ‬
‫ت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه‪ .‬وقال رسول الله صلى الله‬ ‫فل ُ‬ ‫وإما ن َن ْ َ‬
‫عليه وسلم ‪ -‬فيما بلغني ‪ -‬لعمار بن ياسر ‪" :‬أدرك القوم ‪ ،‬فإنهم قد‬
‫احترقوا ‪ ،‬فسلهم عما قالوا ‪ ،‬فإن أنكروا فقل ‪ :‬بلى ‪ ،‬قلتم كذا وكذا"‪.‬‬
‫فانطلق إليهم عمار ‪ ،‬فقال ذلك لهم ‪ ،‬فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يعتذرون إليه ‪ ،‬فقال وديعة بن ثابت ‪ ،‬ورسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قبها ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إنما كنا‬ ‫ح َ‬ ‫واقف على راحلته ‪ ،‬فجعل يقول وهو آخذ ب َ‬
‫ما ك ُّنا‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫قو‬‫ُ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫نخوض ونلعب ‪] ،‬فأنزل الله ‪ ،‬عز وجل ‪ } :‬ول َئن سأ َ‬
‫ّ ِّ َ‬ ‫َ ِ ْ َ َُ ْ َ‬
‫مير ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬قعد بي‬ ‫ح ّ‬ ‫شن )‪ (2‬بن ُ‬ ‫خ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ب { [ )‪ (1‬فقال ُ‬ ‫ض وَن َل ْعَ ُ‬ ‫خو ُ‬ ‫نَ ُ‬
‫مير ‪،‬‬ ‫ح ّ‬
‫شن )‪ (3‬بن ُ‬ ‫خ ّ‬ ‫م َ‬ ‫اسمي واسم أبي‪ .‬فكان الذي عفى عنه في هذه الية ُ‬
‫فتسمى )‪ (4‬عبد الرحمن ‪ ،‬وسأل الله أن يقتل )‪ (5‬شهيدا ل يعلم بمكانه ‪،‬‬
‫فقتل يوم اليمامة ‪ ،‬فلم يوجد له أثر )‪(6‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب { قال ‪ :‬فبينما‬ ‫ض وَن َلعَ ُ‬ ‫خو ُ‬ ‫ما ك ُّنا ن َ ُ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫قول ُ ّ‬ ‫م ل َي َ ُ‬ ‫سأل ْت َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وقال قتادة ‪ } :‬وَل َئ ِ ْ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ‪ ،‬وركب من المنافقين يسيرون‬
‫بين يديه ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يظن هذا أن يفتح قصور الروم وحصونها‪ .‬هيهات هيهات‪.‬‬
‫ي بهؤلء‬ ‫عل ّ‬ ‫فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوا ‪ ،‬فقال ‪َ " :‬‬
‫النفر"‪ .‬فدعاهم ‪ ،‬فقال ‪" :‬قلتم كذا وكذا"‪ .‬فحلفوا ما كنا إل نخوض ونلعب‪.‬‬
‫رمة في تفسير هذه الية ‪ :‬كان رجل ممن إن شاء الله عفا عنه‬ ‫عك ْ ِ‬ ‫وقال ِ‬
‫يقول ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إني أسمع آية أنا أعَنى بها ‪ ،‬تقشعر منها الجلود ‪ ،‬وتجيب منها‬
‫سلت ‪ ،‬أنا‬ ‫القلوب ‪ ،‬اللهم ‪ ،‬فاجعل وفاتي قتل في سبيلك ‪ ،‬ل يقول أحد ‪ :‬أنا غ ّ‬
‫كفنت ‪ ،‬أنا دفنت ‪ ،‬قال ‪ :‬فأصيب يوم اليمامة ‪ ،‬فما أحد من المسلمين إل‬
‫وقد وجد غيره )‪(7‬‬
‫م { أي ‪ :‬بهذا المقال الذي‬ ‫مان ِك ُ ْ‬ ‫م ب َعْد َ ِإي َ‬ ‫فْرت ُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل ت َعْت َذُِروا قَد ْ ك َ َ‬
‫ة { أي ‪ :‬ل ي ُْعفى عن‬ ‫ف ً‬ ‫طائ ِ َ‬ ‫ب َ‬ ‫م ن ُعَذ ّ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫فةٍ ِ‬ ‫طائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ف عَ ْ‬ ‫ن ن َعْ ُ‬ ‫استهزأتم به } إ ِ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬مجرمين‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كاُنوا ُ‬ ‫جميعكم ‪ ،‬ول بد من عذاب بعضكم ‪ } ،‬ب ِأن ّهُ ْ‬
‫بهذه المقالة الفاجرة الخاطئة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن‬‫ن عَ ِ‬ ‫من ْك َرِ وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫ن ِبال ُ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ض ي َأ ُ‬ ‫ن ب َعْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ت ب َعْ ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫مَنافِ َ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫} ال ْ ُ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫قبضو َ‬
‫ن)‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫ن هُ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫سي َهُ ْ‬ ‫ه فَن َ ِ‬ ‫سوا الل ّ َ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫ن أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫ف وَي َ ْ ِ ُ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ي‬
‫ن ِفيَها هِ َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫فاَر َناَر َ‬ ‫ت َوال ْك ُ ّ‬ ‫قا ِ‬ ‫مَنافِ َ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫‪ (67‬وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫م )‪{ (68‬‬ ‫قي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ه وَل َهُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫م وَل َعَن َهُ ُ‬ ‫سب ُهُ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى منكرا على المنافقين الذين هم على خلف صفات المؤمنين ‪،‬‬
‫ولما كان المؤمنون )‪ (8‬يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ‪ ،‬كان هؤلء‬
‫قبضو َ‬ ‫ْ‬
‫م { أي ‪ :‬عن النفاق‬ ‫ن أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫ف وَي َ ْ ِ ُ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫من ْك َرِ وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫ن ِبال ْ ُ‬ ‫مُرو َ‬ ‫} ي َأ ُ‬
‫م { أي ‪:‬‬ ‫سي َهُ ْ‬ ‫ه { أي ‪ :‬نسوا ذكر الله ‪ } ،‬فَن َ ِ‬ ‫سوا الل ّ َ‬ ‫في سبيل الله ‪ } ،‬ن َ ُ‬
‫عاملهم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وسيرة ابن هشام‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬مخشي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬مخشي"‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬فسمى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬أن يقتله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬السيرة النبوية لبن هشام )‪.(2/524‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬عبرة"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ك ‪" :‬المؤمنين" وهو خطأ‪.‬‬

‫) ‪(4/172‬‬

‫قاَء‬
‫م لِ َ‬
‫سيت ُ ْ‬
‫ما ن َ ِ‬‫م كَ َ‬ ‫ساك ُ ْ‬ ‫ل ال ْي َوْ َ‬
‫م ن َن ْ َ‬ ‫معاملة من نسيهم ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ } :‬وَِقي َ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫فا ِ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬
‫ن هُ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫ذا { ]الجاثية ‪ } (1) [34 :‬إ ِ ّ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫م هَ َ‬ ‫ي َوْ ِ‬
‫الخارجون عن طريق الحق ‪ ،‬الداخلون في طريق الضللة‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬على هذا‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫فاَر َناَر َ‬ ‫ت َوال ْك ُ ّ‬ ‫قا ِ‬ ‫مَنافِ َ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫قي َ‬
‫مَنافِ ِ‬ ‫ه ال ْ ُ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫ن ِفيَها { أي ‪ :‬ماكثين فيها مخلدين ‪ ،‬هم‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬‫الصنيع الذي ذكر عنهم ‪َ } ،‬‬
‫ه { أي ‪:‬‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬كفايتهم في العذاب ‪ } ،‬وَلعَن َهُ ُ‬ ‫سب ُهُ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ي َ‬‫والكفار ‪ } ،‬هِ َ‬
‫م {‪.‬‬ ‫قي ٌ‬ ‫م ِ‬
‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫َ‬
‫طردهم وأبعدهم ‪ } ،‬وَلهُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬فاليوم" وهو خطأ‪.‬‬

‫) ‪(4/173‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كاُنوا أ َ َ‬


‫مت َُعوا‬ ‫واًل وَأوَْلًدا َفا ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫م قُوّة ً وَأك ْث ََر أ ْ‬
‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫شد ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫كال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ضت ُ ْ‬
‫خ ْ‬‫م وَ ُ‬ ‫خَلقِهِ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫مت َعَ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ست َ ْ‬‫ما ا ْ‬ ‫م كَ َ‬‫خَلقِك ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫مت َعْت ُ ْ‬ ‫م َفا ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫خَلقِهِ ْ‬ ‫بِ َ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫ُ‬
‫خَرةِ وَأول َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫م ِفي الد ّن َْيا َواْل ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫مال ُهُ ْ‬
‫ت أعْ َ‬ ‫حب ِط َ ْ‬‫ك َ‬ ‫ضوا أول َئ ِ َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫)‪(69‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كاُنوا أ َ َ‬
‫مت َُعوا‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وال وَأْولًدا َفا ْ‬ ‫م قُوّة ً وَأك ْث ََر أ ْ‬
‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫شد ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬ ‫} َ‬
‫م‬‫ضت ُ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫خلقِهِ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫مت َعَ ال ّ ِ‬
‫ست َ ْ‬‫ما ا ْ‬ ‫م كَ َ‬ ‫خلقِك ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫مت َعْت ُ ْ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫خلقِهِ ْ‬ ‫بِ َ‬
‫ن‬ ‫رو‬ ‫س‬ ‫خا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ئ‬‫َ‬ ‫ل‬‫أو‬‫ُ‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫وال‬ ‫يا‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ل‬‫ما‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ب‬ ‫ح‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ئ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫أو‬‫ُ‬ ‫ضوا‬ ‫خا‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫َ ِ ُ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َّْ َ ِ َ ِ َ ِ‬ ‫ْ ْ َ ُ ْ ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ‬ ‫كا ِ‬ ‫ل‬
‫)‪{ (69‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬أصاب هؤلء من عذاب الله في الدنيا والخرة كما أصاب من‬
‫مت َُعوا‬ ‫ست َ ْ‬‫قبلهم ‪ ،‬وقد كانوا أشد منهم قوة وأكثر أموال وأولدا ‪َ } ،‬فا ْ‬
‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫مت َعَ ال ّ ِ‬ ‫ست َ ْ‬‫ما ا ْ‬ ‫م { قال الحسن البصري ‪ :‬بدينهم ‪ } ،‬ك َ َ‬ ‫خلقِهِ ْ‬ ‫بِ َ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ضوا { أي ‪ :‬في الكذب والباطل ‪ } ،‬أولئ ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬
‫حب ِط ْ‬ ‫ك َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ِ‬ ‫ضت ُ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫خلقِهِ ْ‬ ‫بِ َ‬
‫م { أي ‪ :‬بطلت مساعيهم ‪ ،‬فل ثواب لهم عليها لنها فاسدة } ِفي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مالهُ ْ‬ ‫أعْ َ‬
‫ن { ؛ لنهم لم يحصل لهم عليها ثواب‪.‬‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ُ‬
‫خَرةِ وَأول َئ ِ َ‬
‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫الد ّن َْيا َوال ِ‬
‫رمة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪} :‬‬ ‫ْ‬
‫عك ِ‬ ‫مر بن عَطاء ‪ ،‬عن ِ‬ ‫َ‬ ‫جَرْيج عن عُ َ‬ ‫قال ابن ُ‬
‫م { الية ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬ما أشبه الليلة بالبارحة ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ن قَب ْل ِك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫م { هؤلء بنو إسرائيل ‪ ،‬شبهنا بهم ‪ ،‬ل أعلم إل أنه قال ‪:‬‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬ ‫} َ‬
‫ب‬
‫ض ّ‬ ‫جحر َ‬ ‫"والذي نفسي بيده ‪ ،‬لتتبعنهم حتى لو دخل الرجل منهم ُ‬
‫لدخلتموه"‪.‬‬
‫جَرْيج ‪ :‬وأخبرني زياد بن سعد ‪ ،‬عن محمد بن زيد )‪ (1‬بن مهاجر ‪،‬‬ ‫قال ابن ُ‬
‫قُبري ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫م ْ‬ ‫عن سعيد بن أبي سعيد ال َ‬
‫سَنن‬ ‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬لتتبعن َ‬
‫الذين من قبلكم ‪ ،‬شبرا بشبر ‪ ،‬وذراعا بذراع ‪ ،‬وباعا بباع ‪ ،‬حتى لو دخلوا‬
‫ب لدخلتموه"‪ .‬قالوا ‪ :‬ومن هم يا رسول الله ؟ أهل الكتاب ؟ قال ‪:‬‬ ‫ض ّ‬ ‫حر َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ُ‬
‫مه" )‪(2‬‬ ‫"ف َ َ‬
‫شر ‪ ،‬عن سعيد المقبري ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي‬ ‫معْ َ‬ ‫وهكذا رواه أبو َ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فذكره وزاد ‪ :‬قال أبو هريرة ‪ :‬اقرءوا إن شئتم‬
‫وال وَأ َْولًدا‬ ‫م َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م قُوّة ً وَأك ْث ََر أ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫شد ّ ِ‬ ‫كاُنوا أ َ َ‬
‫م َ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫القرآن‪َ } .‬‬
‫م‬
‫خلقِهِ ْ‬
‫م بِ َ‬‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫مت َعَ ال ّ ِ‬
‫ست َ ْ‬‫ما ا ْ‬ ‫م كَ َ‬ ‫خلقِك ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬‫مت َعْت ُ ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫خلقِهِ ْ‬ ‫مت َُعوا ب ِ َ‬ ‫َفا ْ‬
‫ست َ ْ‬
‫ضوا { قالوا ‪ :‬يا‬ ‫خا ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬
‫م َ‬ ‫ضت ُ ْ‬‫خ ْ‬ ‫{ قال أبو هريرة ‪ :‬الخلق ‪ :‬الدين‪ } .‬وَ ُ‬
‫رسول الله ‪ ،‬كما صنعت فارس والروم ؟ قال ‪" :‬فهل الناس إل هم" )‪(3‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬زياد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(14/342‬‬
‫)‪ (3‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(14/341‬‬

‫) ‪(4/173‬‬

‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬


‫ب‬ ‫حا ِ‬‫ص َ‬
‫م وَأ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫مود َ وَقَوْم ِ إ ِب َْرا ِ‬ ‫عاد ٍ وَث َ ُ‬‫م قَوْم ِ ُنوٍح وَ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ن َب َأ ال ّ ِ‬ ‫م ي َأت ِهِ ْ‬ ‫أل َ ْ‬
‫َ‬
‫كاُنوا‬‫ن َ‬ ‫م وَل َك ِ ْ ْ‬ ‫مهُ ْ‬‫ه ل ِي َظ ْل ِ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫سل ُهُ ْ‬‫م ُر ُ‬ ‫ت أت َت ْهُ ْ‬ ‫كا ِ‬‫ف َ‬ ‫مؤْت َ ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مد ْي َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫رو‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ء‬‫يا‬ ‫ل‬ ‫و‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫نا‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫ن‬ ‫نو‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫(‬ ‫‪70‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ ُ ِ ُ َ َ ُ ِ َ ُ َْ ُ ُ ْ َِْ َْ ٍ َ ُ ُ َ‬ ‫أْ َ ُ ْ َ ِ ُ َ‬
‫مو‬ ‫ل‬ ‫ظ‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫ف‬‫ن‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫طيُعو َ‬ ‫كاة َ وَي ُ ِ‬ ‫ن الّز َ‬ ‫صَلة َ وَي ُؤُْتو َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مو َ‬ ‫قي ُ‬ ‫من ْك َرِ وَي ُ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ُ‬
‫م )‪(71‬‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬‫م الل ّ ُ‬ ‫مهُ ُ‬‫ح ُ‬ ‫سي َْر َ‬ ‫ك َ‬ ‫ه أول َئ ِ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وََر ُ‬

‫وهذا الحديث له شاهد في الصحيح )‪(1‬‬


‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬‫م وَأ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫َ‬
‫مود َ وَقوْم ِ إ ِب َْرا ِ‬ ‫عاد ٍ وَث َ ُ‬ ‫م قَوْم ِ ُنوٍح وَ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ن َب َأ ال ّ ِ‬ ‫م ي َأت ِهِ ْ‬ ‫} أل َ ْ‬
‫َ‬
‫كاُنوا‬ ‫ن َ‬ ‫م وَل َك ِ ْ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ه ل ِي َظ ْل ِ َ‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫سل ُهُ ْ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫ت أت َت ْهُ ْ‬ ‫كا ِ‬ ‫ف َ‬ ‫مؤْت َ ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مد ْي َ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (70‬‬ ‫مو َ‬ ‫ْ‬
‫م ي َظل ِ ُ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫م ن َب َأ ال ّ ِ‬ ‫م ي َأت ِهِ ْ‬‫يقول تعالى واعظا لهؤلء المنافقين المكذبين للرسل ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫م { أي ‪ :‬ألم تخبروا خبر من كان قبلكم من المم المكذبة للرسل }‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫قَوْم ِ ُنوٍح { وما أصابهم من الغرق العام لجميع أهل الرض ‪ ،‬إل من آمن‬
‫عاد ٍ { كيف أهلكوا بالريح العقيم ‪ ،‬لما‬ ‫بعبده ورسوله نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ } ،‬وَ َ‬
‫مود َ { كيف أخذتهم الصيحة لما كذبوا‬ ‫كذبوا هودا ‪ ،‬عليه السلم ‪ } ،‬وَث َ ُ‬
‫م { كيف نصره الله‬ ‫هي َ‬‫صالحا ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وعقروا الناقة ‪ } ،‬وَقَوْم ِ إ ِب َْرا ِ‬
‫عليهم وأيده بالمعجزات الظاهرة عليهم ‪ ،‬وأهلك ملكهم النمروذ بن كنعان بن‬
‫ن { وهم قوم شعيب ‪ ،‬عليه‬ ‫َ‬
‫مد ْي َ َ‬ ‫ب َ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫كوش الكنعاني لعنه الله ‪ } ،‬وَأ ْ‬
‫السلم ‪ ،‬وكيف أصابتهم )‪ (2‬الرجفة والصيحة وعذاب يوم )‪ (3‬الظلة ‪،‬‬
‫ت { قوم لوط ‪ ،‬وقد كانوا يسكنون في مدائن ‪ ،‬وقال في الية‬ ‫كا ِ‬ ‫ف َ‬ ‫مؤْت َ ِ‬ ‫} َوال ْ ُ‬
‫َ‬
‫وى { ]النجم ‪ [ ، 53 :‬أي ‪ :‬المة المؤتفكة ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬ ‫ة أهْ َ‬ ‫فك َ َ‬ ‫مؤْت َ ِ‬ ‫الخرى ‪َ } :‬وال ْ ُ‬
‫أم قراهم ‪ ،‬وهي "سدوم"‪ .‬والغرض ‪ :‬أن الله تعالى أهلكهم عن آخرهم‬
‫بتكذيبهم نبي الله لوطا ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وإتيانهم الفاحشة التي لم يسبقهم بها‬
‫أحد من العالمين‪.‬‬
‫َ‬
‫ن الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ت { أي ‪ :‬بالحجج والدلئل القاطعات ‪ } ،‬فَ َ‬ ‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫سل ُهُ ْ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫} أت َت ْهُ ْ‬
‫م { أي ‪ :‬بإهلكه إياهم ؛ لنه أقام عليهم الحجة بإرسال الرسل‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ل ِي َظ ْل ِ َ‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬بتكذيبهم الرسل‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َظ ْل ِ ُ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫كاُنوا أن ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫وإزاحة العلل } وَل َك ِ ْ‬
‫ومخالفتهم الحق ‪ ،‬فصاروا إلى ما صاروا إليه من العذاب والدمار‪.‬‬
‫ْ‬ ‫} وال ْمؤْمنون وال ْمؤْمنات بعضه َ‬
‫ن‬
‫ن عَ ِ‬ ‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ض ي َأ ُ‬‫م أوْل َِياُء ب َعْ ٍ‬ ‫َ ُ ِ ُ َ َ ُ ِ َ ُ َْ ُ ُ ْ‬
‫ه ُأول َئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ن الّز َ‬
‫كاةَ وَي ُ ِ‬ ‫صلة َ وَي ُؤُْتو َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مو َ‬ ‫قي ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫من ْك َرِ وَي ُ ِ‬
‫م )‪{ (71‬‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه إِ ّ‬‫م الل ّ ُ‬ ‫مهُ ُ‬‫ح ُ‬‫سي َْر َ‬‫َ‬
‫لما ذكر ]الله[ )‪ (4‬تعالى صفات المنافقين الذميمة ‪ ،‬عطف بذكر صفات‬
‫ض { أي ‪ :‬يتناصرون‬ ‫المؤمنين المحمودة ‪ ،‬فقال ‪ } :‬بعضه َ‬
‫م أوْل َِياُء ب َعْ ٍ‬
‫َْ ُ ُ ْ‬
‫ويتعاضدون ‪ ،‬كما جاء في الصحيح ‪" :‬المؤمن للمؤمن كالبنان يشد بعضه )‪(5‬‬
‫بعضا" وشبك بين أصابعه )‪ (6‬وفي الصحيح أيضا ‪" :‬مثل المؤمنين في توادهم‬
‫وتراحمهم ‪ ،‬كمثل الجسد الواحد ‪ ،‬إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر‬
‫الجسد بالحمى والسهر" )‪(7‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في صحيح البخاري برقم )‪ (7319‬من طريق محمد بن أبي ذئب عن‬
‫سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أصابهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تلك"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ك‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬بعضهم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪ (481‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2585‬من حديث‬
‫أبي موسى الشعري رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (7‬صحيح البخاري برقم )‪ (6011‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2586‬من حديث‬
‫النعمان بن بشير رضي الله عنه‪.‬‬

‫) ‪(4/174‬‬

‫ِفيَها‬ ‫ن‬‫دي َ‬ ‫حت َِها اْل َن َْهاُر َ‬


‫خال ِ ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬‫ري ِ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬
‫ت تَ ْ‬‫جّنا ٍ‬‫ت َ‬‫مَنا ِ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ه ال ْ ُ‬‫وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫م)‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫ظي ُ‬ ‫فوُْز‬ ‫ن الل ّهِ أ َك ْب َُر ذ َل ِ َ‬
‫ك هُوَ ال ْ َ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬‫وا ٌ‬ ‫ض َ‬‫ن وَرِ ْ‬
‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جّنا ِ‬ ‫ة ِفي َ‬ ‫ن ط َي ّب َ ً‬ ‫ساك ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫وَ َ‬
‫‪(72‬‬
‫ْ‬
‫من ْك َرِ { كما قال تعالى ‪ } :‬وَل ْت َك ُ ْ‬
‫ن‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن عَ‬ ‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬
‫ْ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َأ ُ‬
‫ك‬‫من ْك َرِ وَُأول َئ ِ َ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫ن عَ ِ‬ ‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫خي ْرِ وَي َأ ُ‬ ‫ن إ َِلى ال ْ َ‬ ‫عو َ‬ ‫ة ي َد ْ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫من ك ُ ُ‬
‫مأ ّ‬ ‫ِ ْ ْ‬
‫ن { ]آل عمران ‪[104 :‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫م ال ُ‬ ‫هُ ُ‬
‫كاةَ { أي ‪ :‬يطيعون الله‬ ‫ن الّز َ‬ ‫صلة َ وَي ُؤُْتو َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مو َ‬ ‫قي ُ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬وَي ُ ِ‬
‫ه { أي ‪ :‬فيما أمر ‪ ،‬وترك ما‬ ‫َ‬
‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ويحسنون إلى خلقه ‪ } ،‬وَي ُ ِ‬
‫ه { أي ‪ :‬سيرحم الله من اتصف بهذه‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫سي َْر َ‬ ‫ك َ‬ ‫عنه زجر ‪ُ } ،‬أول َئ ِ َ‬
‫م { أي ‪ :‬عزيز ‪ ،‬من أطاعه أعزه ‪ ،‬فإن العزة‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫الصفات ‪ } ،‬إ ِ ّ‬
‫م { في قسمته هذه الصفات لهؤلء ‪،‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫لله ولرسوله وللمؤمنين ‪َ } ،‬‬
‫وتخصيصه المنافقين بصفاتهم المتقدمة ‪ ،‬فإن له الحكمة في جميع ما يفعله ‪،‬‬
‫تبارك وتعالى‪.‬‬
‫ن ِفيَها‬ ‫دي َ‬‫خال ِ ِ‬‫حت َِها الن َْهاُر َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ت َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن َوال ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫} وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫م)‬ ‫ظي ُ‬ ‫فوُْز ال ْعَ ِ‬ ‫ك هُوَ ال ْ َ‬ ‫ن الل ّهِ أك ْب َُر ذ َل ِ َ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ض َ‬ ‫ن وَرِ ْ‬ ‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جّنا ِ‬ ‫ة ِفي َ‬ ‫ن ط َي ّب َ ً‬ ‫ساك ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫وَ َ‬
‫‪{ (72‬‬
‫يخبر تعالى بما أعده للمؤمنين به والمؤمنات من الخيرات والنعيم المقيم في‬
‫ن ِفيَها { أي ‪ :‬ماكثين فيها أبدا ‪،‬‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫} َ‬
‫ة { أي ‪ :‬حسنة البناء ‪ ،‬طيبة القرار ‪ ،‬كما جاء في الصحيحين‬ ‫َ‬
‫ن طي ّب َ ً‬ ‫ساك ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫} وَ َ‬
‫من حديث أبي عمران الجوني ‪ ،‬عن أبي بكر بن أبي موسى عبد الله بن‬
‫قيس الشعري ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫"جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ‪ ،‬وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ‪ ،‬وما‬
‫بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إل رداء الكبرياء على وجهه في جنة‬
‫عدن" )‪(1‬‬
‫وبه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن للمؤمن في الجنة‬
‫وفة ‪ ،‬طولها ستون ميل في السماء ‪ ،‬للمؤمن فيها‬ ‫ج ّ‬
‫م َ‬
‫مة من لؤلؤة واحدة ُ‬ ‫لَ َ‬
‫خي ْ َ‬
‫أهلون يطوف عليهم ‪ ،‬ل يرى بعضهم بعضا" أخرجاه )‪(2‬‬
‫وفي الصحيحين أيضا ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬من آمن بالله ورسوله ‪ ،‬وأقام الصلة وصام رمضان ‪ ،‬فإن )‪ (3‬حقا‬
‫على الله أن يدخله الجنة ‪ ،‬هاجر في سبيل الله ‪ ،‬أو جلس في أرضه التي ولد‬
‫فيها"‪ .‬قالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أفل نخبر الناس ؟ قال ‪" :‬إن في الجنة مائة‬
‫درجة ‪ ،‬أعدها الله للمجاهدين في سبيله ‪ ،‬بين كل درجتين كما بين السماء‬
‫والرض ‪ ،‬فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ‪ ،‬فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة‬
‫جر أنهار الجنة ‪ ،‬وفوقه عرش الرحمن" )‪(4‬‬ ‫ف ّ‬
‫‪ ،‬ومنه ت َ َ‬
‫وعند الطبراني والترمذي وابن ماجه ‪ ،‬من رواية زيد بن أسلم ‪ ،‬عن عطاء بن‬
‫سار ‪ ،‬عن معاذ بن جبل ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله‬ ‫يَ َ‬
‫عليه وسلم يقول‪ ...‬فذكر مثله )‪(5‬‬
‫وللترمذي عن عبادة بن الصامت ‪ ،‬مثله )‪(6‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪ (4878‬وصحيح مسلم برقم )‪.(180‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (4879‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2838‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬كان"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (7423‬من طريق فليح عن هلل ‪ ،‬عن عطاء بن‬
‫يسار ‪ ،‬عن أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (5‬المعجم الكبير )‪ (20/158‬وسنن الترمذي برقم )‪ (2530‬وعند ابن ماجه‬
‫القطعة الثانية منه برقم )‪ ، (4331‬وقد أشار الحافظ إلى الختلف على‬
‫عطاء بن يسار‪.‬‬
‫)‪ (6‬سنن الترمذي برقم )‪.(2531‬‬

‫) ‪(4/175‬‬

‫وعن أبي حازم ‪ ،‬عن سهل بن سعد )‪ (1‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬إن أهل الجنة ليتراءون الُغرفة في الجنة ‪ ،‬كما تراؤون الكوكب‬
‫في السماء"‪ .‬أخرجاه في الصحيحين )‪(2‬‬
‫ن يقال له ‪" :‬الوسيلة" لقربه من‬ ‫ثم ليعلم )‪ (3‬أن أعلى منزلة في الجنة مكا ٌ‬
‫العرش ‪ ،‬وهو مسكن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنة ‪ ،‬كما قال‬
‫المام أحمد ]بن حنبل[ )‪(4‬‬
‫حدثنا عبد الرازق ‪ ،‬أخبرنا سفيان ‪ ،‬عن ليث ‪ ،‬عن كعب ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إذا صليتم علي فسلوا الله لي‬
‫الوسيلة" قيل ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬وما الوسيلة ؟ قال ‪" :‬أعلى درجة في الجنة ‪،‬‬
‫ل ينالها إل رجل واحد ‪ ،‬وأرجو أن أكون أنا هو" )‪(5‬‬
‫جَبير ‪،‬‬
‫وفي صحيح مسلم ‪ ،‬من حديث كعب بن علقمة ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن ُ‬
‫عن عبد الله بن عمرو بن العاص ؛ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ي ‪ ،‬فإنه من‬ ‫يقول ‪" :‬إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ‪ ،‬ثم صّلوا عل ّ‬
‫صلى علي صلة صلى الله عليه بها عشرا ‪ ،‬ثم سلوا لي الوسيلة ‪ ،‬فإنها‬
‫منزلة في الجنة ل تنبغي إل لعبد من عباد الله ‪ ،‬وأرجو أنى أكون أنا هو ‪،‬‬
‫فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة يوم القيامة" )‪(6‬‬
‫]وفي صحيح البخاري ‪ ،‬من حديث محمد بن المنكدر ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من قال حين يسمع النداء ‪ :‬اللهم رب‬
‫هذه الدعوة التامة والصلة القائمة ‪ ،‬آت محمدا الوسيلة والفضيلة ‪ ،‬وابعثه‬
‫مقاما محمودا الذي وعدته ‪ ،‬إل حلت له الشفاعة يوم القيامة"[ )‪(7‬‬
‫وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا أحمد بن علي البار ‪ ،‬حدثنا الوليد‬
‫بن عبد الملك الحراني ‪ ،‬حدثنا موسى بن أعين ‪ ،‬عن ابن أبي ذئب ‪ ،‬عن‬
‫محمد بن عمرو بن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬سلوا الله لي الوسيلة ‪ ،‬فإنه لم يسألها لي عبد في الدنيا إل‬
‫كنت له شهيدا ‪ -‬أو شفيعا ‪ -‬يوم القيامة" )‪(8‬‬
‫وفي مسند المام أحمد ‪ ،‬من حديث سعد )‪ (9‬أبي مجاهد الطائي ‪ ،‬عن أبي‬
‫المدله ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قلنا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬حدثنا‬
‫عن الجنة ‪ ،‬ما بناؤها ؟ قال ‪" :‬لبنة ذهب ‪ ،‬ولبنة فضة ‪ ،‬وملطها المسك ‪،‬‬
‫وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ‪ ،‬وترابها الزعفران ‪ ،‬من يدخلها ينعم ل يبأس ‪،‬‬
‫ويخلد ل يموت ‪ ،‬ل تبلى ثيابه ول يفنى شبابه" )‪(10‬‬
‫وروي عن ابن عمر مرفوعا ‪ ،‬نحوه )‪(11‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬سعيد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (6555‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2830‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬لتعلم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪.(2/256‬‬
‫)‪ (6‬صحيح مسلم برقم )‪.(1384‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪ .‬وهو في صحيح البخاري برقم )‪.(614‬‬
‫)‪ (8‬المعجم الوسط برقم )‪" (639‬مجمع البحرين"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬عن سعيد"‪.‬‬
‫)‪ (10‬المسند )‪.(2/304‬‬
‫)‪ (11‬رواه أبو نعيم في صفة الجنة برقم )‪ (96‬من طريق عمر بن ربيعة عن‬
‫الحسن البصري عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعا نحو حديث أبي هريرة‪.‬‬

‫) ‪(4/176‬‬

‫وعند الترمذي من حديث عبد الرحمن بن إسحاق ‪ ،‬عن النعمان بن سعد ‪،‬‬
‫عن علي ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫"إن في الجنة لُغرفا يرى ظهورها من بطونها ‪ ،‬وبطونها من ظهورها"‪ .‬فقام‬
‫أعرابي فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬لمن هي ؟ فقال ‪" :‬لمن طيب الكلم ‪ ،‬وأطعم‬
‫الطعام ‪ ،‬وأدام الصيام ‪ ،‬وصلى بالليل والناس نيام" )‪(1‬‬
‫ثم قال ‪ :‬حديث غريب‪.‬‬
‫ورواه الطبراني ‪ ،‬من حديث عبد الله بن عمرو وأبي مالك الشعري ‪ ،‬كل‬
‫منهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬بنحوه )‪ (2‬وكل من السنادين جيد‬
‫حسن ‪ ،‬وعنده )‪ (3‬أن السائل هو "أبو مالك" ‪ ،‬فالله أعلم‪.‬‬
‫وعن أسامة بن زيد قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أل هل‬
‫طر لها ‪ ،‬هي ‪ -‬ورب الكعبة ‪ -‬نور يتلل‬ ‫خ َ‬ ‫مر إلى الجنة ؟ فإن الجنة ل َ‬ ‫ش ّ‬‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ضيجة ‪ ،‬وزوجة حسناء‬ ‫َ ِ‬ ‫ن‬ ‫وثمرة‬ ‫‪،‬‬ ‫ّ‬
‫طرد‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ونهر‬ ‫‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫د‬ ‫مشي‬ ‫َ‬ ‫وقصر‬ ‫‪،‬‬ ‫ز‬ ‫ت‬
‫َْ َّ‬‫ه‬‫ت‬ ‫وريحانة‬
‫حَلل كثيرة ‪ ،‬ومقام في )‪ (4‬أبد ‪ ،‬في دار سليمة ‪ ،‬وفاكهة وخضرة‬ ‫جميلة ‪ ،‬و ُ‬ ‫َ‬
‫وحبرة ونعمة في محلة عالية بهية"‪ .‬قالوا ‪ :‬نعم يا رسول الله ‪ ،‬نحن‬
‫المشمرون لها ‪ ،‬قال ‪" :‬قولوا ‪ :‬إن شاء الله"‪ .‬فقال القوم ‪ :‬إن شاء الله‪.‬‬
‫رواه ابن ماجه )‪(5‬‬
‫َ‬
‫ن اللهِ أك ْب َُر { أي ‪ :‬رضا الله عنهم أكبر وأجل‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫وا ٌ‬
‫ض َ‬‫وقوله تعالى ‪ } :‬وَرِ ْ‬
‫وأعظم مما هم فيه من النعيم ‪ ،‬كما قال المام مالك ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬عن زيد‬
‫دري ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أن‬ ‫خ ْ‬ ‫بن أسلم ‪ ،‬عن عطاء بن يسار ‪ ،‬عن أبي سعيد ال ُ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬يقول لهل‬
‫الجنة ‪ :‬يا أهل الجنة ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬لبيك يا ربنا وسعديك ‪ ،‬والخير في يدك‪.‬‬
‫فيقول ‪ :‬هل رضيتم ؟ فيقولون ‪ :‬وما لنا ل نرضى يا رب ‪ ،‬وقد أعطيتنا ما لم‬
‫ُتعط أحدا من خلقك‪ .‬فيقول ‪ :‬أل أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون ‪ :‬يا رب‬
‫‪ ،‬وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول ‪ :‬أحل عليكم رضواني فل أسخط عليكم‬
‫بعده أبدا" أخرجاه من حديث مالك )‪(6‬‬
‫ي‪،‬‬‫وقال أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي ‪ :‬حدثنا الفضل الّرخام ّ‬
‫در ‪ ،‬عن جابر بن عبد الله ‪،‬‬ ‫من ْك َ ِ‬
‫فْرياني ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن محمد بن ال ُ‬ ‫حدثنا ال ِ‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إذا دخل أهل الجنة الجنة قال‬
‫الله ‪ ،‬عز وجل ‪ :‬هل تشتهون شيئا فأزيدكم ؟ قالوا ‪ :‬يا ربنا ‪ ،‬ما خير مما‬
‫أعطيتنا ؟ قال ‪ :‬رضواني أكبر"‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن الترمذي برقم )‪.(2527‬‬
‫)‪ (2‬أما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ‪ ،‬فرواه أيضا المام أحمد في‬
‫مسنده )‪ (2/173‬من طريق حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي‬
‫عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما‪ .‬وأما حديث أبي مالك الشعري فهو‬
‫في المعجم الكبير )‪ (3/301‬وسيأتي عند تفسير الية ‪ 20 :‬من سورة الزمر‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬وعنه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬ومقام به في"‪.‬‬
‫)‪ (5‬سنن ابن ماجه برقم )‪ (4332‬من طريق الضحاك المعافري ‪ ،‬عن‬
‫سليمان بن موسى ‪ ،‬عن كريب ‪ ،‬عن أسامة بن زيد به‪ .‬وقال البوصيري في‬
‫الزوائد )‪" : (3/325‬هذا إسناد فيه مقال"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪ (6549‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2829‬‬

‫) ‪(4/177‬‬

‫ورواه البزار في مسنده ‪ ،‬من حديث الثوري )‪ (1‬وقال الحافظ الضياء‬


‫المقدسي في كتابه "صفة الجنة" ‪ :‬هذا عندي على شرط الصحيح ‪ ،‬والله‬
‫أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ورواه أبو نعيم في صفة الجنة برقم )‪ (238‬والحاكم في المستدرك )‬
‫‪ (1/82‬من طريق محمد بن يوسف الفريابي به نحوه ‪ ،‬وقال الحاكم ‪:‬‬
‫"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"‪.‬‬

‫) ‪(4/178‬‬

‫ظ عل َيهم و ْ‬ ‫َ‬
‫م وَب ِئ ْ َ‬
‫س‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مأَواهُ ْ‬ ‫ن َواغْل ُ ْ َ ْ ِ ْ َ َ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫فاَر َوال ْ ُ‬ ‫جاهِدِ ال ْك ُ ّ‬ ‫ي َ‬ ‫َيا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫فُروا ب َعْد َ‬ ‫فرِ وَك َ َ‬ ‫ة ال ْك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫قد ْ َقاُلوا ك َل ِ َ‬ ‫ما َقاُلوا وَل َ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫صيُر )‪ (73‬ي َ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ضل ِ ِ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ن أغَْناهُ ُ‬ ‫موا إ ِل أ ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫م ي ََنالوا وَ َ‬ ‫ما ل ْ‬ ‫موا ب ِ َ‬ ‫م وَهَ ّ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫سل ِ‬ ‫إِ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن ي َُتوُبوا ي َ ُ‬
‫خَرةِ‬ ‫ما ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫ه عَ َ‬ ‫م الل ُ‬ ‫وا ي ُعَذ ّب ْهُ ُ‬ ‫ن ي َت َوَل ْ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫خي ًْرا لهُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫صيرٍ )‪(74‬‬ ‫ي وَل ن َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن وَل ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫ما لهُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ظ عل َيهم و ْ‬ ‫َ‬
‫م وَب ِئ ْ َ‬
‫س‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مأَواهُ ْ‬ ‫ن َواغْل ُ ْ َ ْ ِ ْ َ َ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫فاَر َوال ْ ُ‬ ‫جاهِدِ ال ْك ُ ّ‬ ‫ي َ‬ ‫} َيا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫فُروا ب َعْد َ‬ ‫فرِ وَك َ َ‬ ‫ة ال ْك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫قد ْ َقاُلوا ك َل ِ َ‬ ‫ما َقاُلوا وَل َ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫صيُر )‪ (73‬ي َ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ضل ِ ِ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ن أغَْناهُ ُ‬ ‫موا ِإل أ ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫م ي ََناُلوا وَ َ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫موا ب ِ َ‬ ‫م وَهَ ّ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫سل ِ‬ ‫إِ ْ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن ي َُتوُبوا ي َ ُ‬
‫ة‬
‫خَر ِ‬ ‫ما ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫ه عَ َ‬ ‫م الل ُ‬ ‫وا ي ُعَذ ّب ْهُ ُ‬ ‫ن ي َت َوَل ْ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫خي ًْرا لهُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫صيرٍ )‪{ (74‬‬ ‫ي َول ن َ ِ‬ ‫ن وَل ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫َ‬
‫م ِفي الْر ِ‬ ‫ما لهُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫أمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة‬
‫عليهم ‪ ،‬كما أمره بأن يخفض جناحه لمن اتبعه من المؤمنين ‪ ،‬وأخبره أن‬
‫مصير الكفار والمنافقين إلى النار في الدار الخرة‪ .‬وقد تقدم عن أمير‬
‫المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال ‪ :‬بعث رسول الله صلى الله عليه‬
‫ُ‬
‫م َفاقْت ُلوا‬ ‫حُر ُ‬ ‫شهُُر ال ْ ُ‬ ‫خ ال ْ‬ ‫سل َ َ‬ ‫وسلم بأربعة أسياف ‪ ،‬سيف للمشركين ‪ } :‬فَإ َِذا ان ْ َ‬
‫نل‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن { ]التوبة ‪ [5 :‬وسيف للكفار أهل الكتاب ‪ } :‬قات ِلوا ال ِ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن‬
‫ديُنو َ‬ ‫ه َول ي َ ِ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫حّر ُ‬ ‫خرِ َول ي ُ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َول ِبال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫ن{‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫صاِغُرو َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي َد ٍ وَهُ ْ‬ ‫ة عَ ْ‬ ‫جْزي َ َ‬ ‫حّتى ي ُعْطوا ال ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ن أوُتوا الك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ِدي َ‬
‫ن { ]التوبة ‪، 73 :‬‬ ‫قي‬
‫َ َ ُ َ ِ ِ َ‬ ‫ف‬ ‫نا‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫ر‬ ‫فا‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫د‬
‫َ ِ ِ‬‫ه‬ ‫جا‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫للمنافقين‬ ‫وسيف‬ ‫[‬ ‫‪29‬‬ ‫‪:‬‬ ‫]التوبة‬
‫مرِ الل ّهِ {‬ ‫قات ُِلوا ال ِّتي تبِغي حتى تفيَء إَلى أ َ‬ ‫التحريم ‪ [9 :‬وسيف للبغاة ‪ } :‬فَ َ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ّ َ ِ‬ ‫َْ‬
‫]الحجرات ‪[9 :‬‬
‫وهذا يقتضي أنهم يجاهدون بالسيوف )‪ (1‬إذا أظهروا النفاق ‪ ،‬وهو اختيار ابن‬
‫جرير‪.‬‬
‫ن { قال ‪ :‬بيده ‪،‬‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ْ‬
‫فاَر َوال ُ‬ ‫جاهِدِ الك ُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫وقال ابن مسعود في قوله تعالى ‪َ } :‬‬
‫]فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه[ )‪ (2‬فإن لم يستطع فليكفهر‬
‫في وجهه‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬أمره الله تعالى بجهاد الكفار بالسيف ‪ ،‬والمنافقين‬
‫باللسان ‪ ،‬وأذهب الرفق عنهم‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬جاهد الكفار بالسيف ‪ ،‬واغلظ على المنافقين بالكلم ‪ ،‬وهو‬
‫مجاهدتهم‪ .‬وعن مقاتل ‪ ،‬والربيع مثله‪.‬‬
‫وقال الحسن وقتادة ‪ :‬مجاهدتهم إقامة الحدود عليهم‪.‬‬
‫وقد يقال ‪ :‬إنه ل منافاة بين هذه القوال ‪ ،‬لنه تارة يؤاخذهم بهذا ‪ ،‬وتارة‬
‫بهذا بحسب الحوال ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫فُروا ب َعْد َ‬ ‫فرِ وَك َ َ‬ ‫ة ال ْك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫قد ْ َقاُلوا ك َل ِ َ‬ ‫ما َقاُلوا وَل َ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫م { قال قتادة ‪ :‬نزلت في عبد الله بن أبي ‪ ،‬وذلك أنه اقتتل رجلن ‪:‬‬ ‫مهِ ْ‬ ‫سل ِ‬ ‫إِ ْ‬
‫جَهني وأنصاري ‪ ،‬فعل الجهني على النصاري ‪ ،‬فقال عبد‬ ‫ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬بالسيف"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬

‫) ‪(4/178‬‬

‫الله للنصار ‪ :‬أل تنصروا أخاكم ؟ والله )‪ (1‬ما مثلنا ومثل محمد إل كما قال‬
‫ن العَّز‬ ‫ج ّ‬ ‫خرِ َ‬ ‫دين َةِ ل َي ُ ْ‬ ‫جعَْنا إ َِلى ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫من كلبك يأكلك" ‪ ،‬وقال ‪ } :‬ل َئ ِ ْ‬
‫ن َر َ‬ ‫القائل ‪" :‬س ّ‬
‫ل { ]المنافقون ‪ [8 :‬فسعى بها رجل من المسلمين إلى النبي صلى‬ ‫من َْها الذ َ ّ‬‫ِ‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬فأرسل إليه فسأله ‪ ،‬فجعل يحلف بالله ما قاله ‪ ،‬فأنزل الله‬
‫فيه هذه الية )‪(2‬‬
‫وروى إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ‪ ،‬عن عمه موسى بن عقبة قال ‪ :‬فحدثنا‬
‫عبد الله بن الفضل ‪ ،‬أنه سمع أنس بن مالك ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬يقول ‪ :‬حزنت‬
‫على من أصيب بالحّرة من قومي ‪ ،‬فكتب إلي زيد بن أرقم ‪ ،‬وبلغه شدة‬
‫حزني ‪ ،‬يذكر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬اللهم ‪،‬‬
‫اغفر للنصار ولبناء النصار" ‪ -‬وشك ابن الفضل في أبناء أبناء النصار ‪ -‬قال‬
‫ابن الفضل ‪ :‬فسأل أنسا بعض من كان عنده عن زيد بن أرقم ‪ ،‬فقال ‪ :‬هو‬
‫الذي يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أوفى الله له بأذنه"‪ .‬وذاك‬
‫حين سمع رجل من المنافقين يقول ‪ -‬ورسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يخطب ‪ : -‬لئن كان هذا صادقا فنحن )‪ (3‬شر من الحمير ‪ ،‬فقال زيد بن أرقم‬
‫‪ :‬فهو والله صادق ‪ ،‬ولنت شر من الحمار‪ .‬ثم ُرفع ذلك إلى رسول الله ‪،‬‬
‫ن‬‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬‫فجحده القائل ‪ ،‬فأنزل الله هذه الية تصديقا لزيد ‪ -‬يعني قوله ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫ما َقاُلوا { الية‪.‬‬‫ِبالل ّهِ َ‬
‫رواه البخاري في صحيحه ‪ ،‬عن إسماعيل بن أبي أويس ‪ ،‬عن إسماعيل بن‬
‫إبراهيم بن عقبة‪ .‬إلى قوله ‪" :‬هذا الذي أوفى الله له بأذنه" )‪ (4‬ولعل ما‬
‫بعده من قول موسى بن عقبة ‪ ،‬وقد رواه محمد بن فَُليح ‪ ،‬عن موسى بن‬
‫عقبة بإسناده ثم قال ‪ :‬قال ابن شهاب‪ .‬فذكر ما بعده عن موسى ‪ ،‬عن ابن‬
‫شهاب‪.‬‬
‫والمشهور في هذه القصة أنها كانت في غزوة بني المصطلق ‪ ،‬فلعل الراوي‬
‫هم في ذكر الية ‪ ،‬وأراد أن يذكر غيرها فذكرها ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬ ‫وَ َ‬
‫]حاشية[ )‪(5‬‬
‫قال "الموي" في مغازيه ‪ :‬حدثنا محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عبد‬
‫الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ‪ ،‬عن جده قال ‪ :‬لما قدم رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬أخذني قومي فقالوا ‪ :‬إنك امرؤ شاعر ‪ ،‬فإن شئت‬
‫أن تعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض العلة ‪ ،‬ثم يكون ذنبا‬
‫تستغفر الله منه‪ .‬وذكر الحديث بطوله ‪ ،‬إلى أن قال ‪ :‬وكان ممن تخلف من‬
‫المنافقين ‪ ،‬ونزل فيه القرآن منهم ‪ ،‬ممن كان مع النبي صلى الله عليه‬
‫مير بن سعد ‪ ،‬وكان‬ ‫ويد بن الصامت ‪ ،‬وكان على أم عُ َ‬ ‫س َ‬‫جلس بن ُ‬ ‫وسلم ‪ :‬ال ُ‬
‫عمير في حجره ‪ ،‬فلما نزل القرآن وذكرهم الله بما ذكر مما أنزل في‬
‫المنافقين ‪ ،‬قال الجلس ‪ :‬والله لئن كان هذا الرجل صادقا فيما يقول لنحن‬
‫شر من الحمير ]قال[ )‪ (6‬فسمعها عمير بن سعد فقال ‪ :‬والله ‪ -‬يا جلس ‪-‬‬
‫إنك لحب‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬فوالله"‪.‬‬
‫رواه الطبري في تفسيره )‪.(14/364‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫في ك ‪" :‬لنحن"‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫صحيح البخاري برقم )‪.(4906‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫زيادة من ك‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫زيادة من ك‪.‬‬ ‫)‪(6‬‬

‫) ‪(4/179‬‬

‫الناس إلي ‪ ،‬وأحسنهم عندي بلء ‪ ،‬وأعزهم علي أن يصله )‪ (1‬شيء يكرهه ‪،‬‬
‫ولقد قلت مقالة لئن ذكرتها لتفضحنك ولئن كتمتها لتهلكني ‪ ،‬ولحداهما أهون‬
‫علي من الخرى‪ .‬فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فذكر له ما‬
‫قال الجلس‪ .‬فلما بلغ ذلك الجلس خرج حتى يأتي النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فحلف بالله ما قال ما قال عمير بن سعد ‪ ،‬ولقد كذب علي‪ .‬فأنزل‬
‫فُروا‬‫فرِ وَك َ َ‬ ‫ة ال ْك ُ ْ‬ ‫قد ْ َقاُلوا ك َل ِ َ‬
‫م َ‬ ‫ما َقاُلوا وَل َ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َ‬
‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬‫الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فيه ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫م { إلى آخر الية‪ .‬فوقفه رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها‪.‬‬ ‫مهِ ْ‬ ‫سل ِ‬ ‫ب َعْد َ إ ِ ْ‬
‫فزعموا أن الجلس تاب فحسنت توبته ‪ ،‬ونزع فأحسن النزوع )‪ (2‬هكذا جاء‬
‫هذا "مدرجا" في الحديث متصل به ‪ ،‬وكأنه والله أعلم من كلم ابن إسحاق‬
‫نفسه ‪ ،‬ل من كلم كعب بن مالك‪.‬‬
‫وقال عروة بن الزبير ‪ :‬نزلت هذه الية في الجلس بن سويد بن الصامت ‪،‬‬
‫مصعب من قَُباء ‪ ،‬فقال الجلس ‪ :‬إن كان ما جاء به‬ ‫أقبل هو وابن امرأته ُ‬
‫مرنا هذه التي نحن عليها‪ .‬فقال مصعب ‪ :‬أما‬ ‫ح ُ‬
‫محمد حقا فنحن أشر من ُ‬
‫والله ‪ -‬يا عدو الله ‪ -‬لخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قلت ‪:‬‬
‫فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وخفت أن ينزل في القرآن )‪ (3‬أو‬
‫تصيبني قارعة ‪ ،‬أو أن أخلط )‪ (4‬بخطيئته ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أقبلت أنا‬
‫والجلس من قباء ‪ ،‬فقال كذا وكذا ‪ ،‬ولول مخافة أن أخلط )‪ (5‬بخطيئة أو‬
‫تصيبني قارعة ما أخبرتك‪ .‬قال ‪ :‬فدعا الجلس فقال ‪" :‬يا جلس ‪ ،‬أقلت الذي‬
‫قد ْ َقاُلوا‬ ‫ما َقاُلوا وَل َ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َ‬ ‫فو َ‬
‫حل ِ ُ‬
‫قاله مصعب ؟" فحلف ‪ ،‬فأنزل الله ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫م { الية‪.‬‬ ‫مهِ ْ‬‫سل ِ‬ ‫فرِ وَك َ َ‬
‫فُروا ب َعْد َ إ ِ ْ‬ ‫ة ال ْك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫ك َل ِ َ‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬كان الذي قال تلك المقالة ‪ -‬فيما بلغني ‪ -‬الجلس‬
‫بن سويد بن الصامت ‪ ،‬فرفعها عليه رجل كان في حجره ‪ ،‬يقال له ‪ :‬عمير‬
‫بن سعيد ‪ ،‬فأنكرها ‪ ،‬فحلف بالله ما قالها ‪ :‬فلما نزل فيه القرآن تاب ونزع‬
‫وحسنت توبته ‪ ،‬فيما بلغني‪.‬‬
‫وقال المام أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثني أيوب بن إسحاق بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا‬
‫جَبير ‪ ،‬عن ابن‬ ‫عبد الله بن رجاء ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن سماك ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬
‫عباس قال ‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في ظل شجرة‬
‫فقال ‪" :‬إنه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم بعيني الشيطان ‪ ،‬فإذا جاء فل‬
‫تكلموه"‪ .‬فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق ‪ ،‬فدعاه رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فقال ‪" :‬علم تشتمني أنت وأصحابك ؟" فانطلق الرجل فجاء بأصحابه‬
‫‪ ،‬فحلفوا بالله ما قالوا ‪ ،‬حتى تجاوز عنهم ‪ ،‬فأنزل )‪ (6‬الله ‪ ،‬عز وجل ‪:‬‬
‫ما َقاُلوا { الية )‪(7‬‬ ‫ن ِبالل ّهِ َ‬‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬‫} يَ ْ‬
‫ن فيما رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب "دلئل النبوة" من‬ ‫وذلك ب َي ّ ٌ‬
‫مرة ‪ ،‬عن ]أبي[ )‪(8‬‬ ‫حديث محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن العمش عن عمرو بن ُ‬
‫البختري ‪ ،‬عن حذيفة بن اليمان ‪ ،‬رضي الله‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ك ‪" :‬يصله إليه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام )‪.(1/519‬‬
‫)‪ (3‬في ك ‪" :‬قرآنا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬أختلط"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أختلط"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬وأنزل"‪.‬‬
‫)‪ (7‬تفسير الطبري )‪.(14/363‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والدلئل‪.‬‬

‫) ‪(4/180‬‬

‫عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬كنت آخذا بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقود‬
‫به ‪ ،‬وعمار يسوق الناقة ‪ -‬أو أنا ‪ :‬أسوقه ‪ ،‬وعمار يقوده ‪ -‬حتى إذا كنا بالعقبة‬
‫فإذا أنا باثني عشر راكبا قد اعترضوه فيها ‪ ،‬قال ‪ :‬فأنبهت رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ]بهم[ )‪ (1‬فصرخ بهم فولوا مدبرين ‪ ،‬فقال لنا رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬هل عرفتم القوم ؟ قلنا ‪ :‬ل يا رسول الله ‪ ،‬قد كانوا‬
‫متلثمين ‪ ،‬ولكنا قد عرفنا الركاب‪ .‬قال ‪" :‬هؤلء المنافقون إلى يوم القيامة ‪،‬‬
‫وهل تدرون )‪ (2‬ما أرادوا ؟" قلنا ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪" :‬أرادوا أن يزحموا )‪ (3‬رسول‬
‫الله في العقبة ‪ ،‬فيلقوه منها"‪ .‬قلنا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أو ل تبعث إلى‬
‫عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم ؟ قال ‪" :‬ل أكره أن‬
‫تتحدث العرب بينها أن محمدا قاتل بقوم حتى ]إذا[ )‪ (4‬أظهره الله بهم أقبل‬
‫عليهم يقتلهم" ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬اللهم ارمهم بالدبيلة"‪ .‬قلنا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬وما‬
‫الدبيلة ؟ قال ‪" :‬شهاب من نار يقع على نياط قلب أحدهم فيهلك" )‪(5‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬أخبرنا الوليد بن عبد الله بن‬
‫جميع ‪ ،‬عن أبي الطفيل قال ‪ :‬لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من‬
‫غزوة تبوك ‪ ،‬أمر مناديا فنادى ‪ :‬إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ‬
‫العقبة فل يأخذها أحد‪ .‬فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوده حذيفة‬
‫ويسوقه عمار ‪ ،‬إذ أقبل رهط متلثمون على الرواحل فغشوا عمارا وهو‬
‫يسوق برسول الله ‪ ،‬وأقبل عمار ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬يضرب وجوه الرواحل ‪،‬‬
‫فقال رسول الله )‪ (6‬صلى الله عليه وسلم لحذيفة ‪" :‬قد ‪ ،‬قد" حتى هبط‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪] ،‬فلما هبط[ )‪ (7‬نزل ورجع عمار ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫"يا عمار ‪ ،‬هل عرفت القوم ؟" فقال ‪ :‬قد عرفت عامة الرواحل ‪ ،‬والقوم‬
‫متلثمون‪ .‬قال ‪" :‬هل تدري ما أرادوا ؟" قال ‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"أرادوا أن ينفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم فيطرحوه"‪ .‬قال ‪ :‬فسار‬
‫عمار رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬نشدتك )‪ (8‬بالله‬
‫كم تعلم كان أصحاب العقبة ؟ قال ‪ :‬أربعة عشر‪ .‬فقال ‪ :‬إن كنت منهم فقد‬
‫كانوا خمسة عشر‪ .‬قال ‪ :‬فعذر )‪ (9‬رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم‬
‫ثلثة قالوا ‪ :‬والله ما سمعنا منادي رسول الله ‪ ،‬وما علمنا ما أراد القوم‪.‬‬
‫فقال عمار ‪ :‬أشهد أن الثني عشر الباقين حرب لله ولرسوله في الحياة‬
‫الدنيا ويوم يقوم الشهاد )‪(10‬‬
‫وهكذا روى ابن لهيعة ‪ ،‬عن أبي السود ‪ ،‬عن عُْرَوة بن الزبير نحو هذا ‪ ،‬وأن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يمشي الناس في بطن الوادي ‪،‬‬
‫وصعد هو وحذيفة وعمار العقبة ‪ ،‬فتبعهم هؤلء النفر الرذلون ‪ ،‬وهم متلثمون‬
‫‪ ،‬فأرادوا سلوك العقبة ‪ ،‬فأطلع الله على مرادهم رسول الله )‪ (11‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فأمر حذيفة فرجع‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والدلئل‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬ترون"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ك ‪" :‬يزاحموا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والدلئل‪.‬‬
‫)‪ (5‬دلئل النبوة )‪.(5/260‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬أنشدك"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬فعد"‪.‬‬
‫)‪ (10‬المسند )‪ (5/453‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (6/195‬رجاله رجال‬
‫الصحيح"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬رسوله"‪.‬‬

‫) ‪(4/181‬‬

‫إليهم ‪ ،‬فضرب وجوه رواحلهم ‪ ،‬ففزعوا ورجعوا مقبوحين ‪ ،‬وأعلم رسول‬


‫الله صلى الله عليه وسلم حذيفة وعمارا بأسمائهم ‪ ،‬وما كانوا هموا به من‬
‫الفتك )‪ (1‬به ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ ،‬وأمرهما أن يكتما عليهم )‪(2‬‬
‫مى جماعة منهم ‪،‬‬ ‫س ّ‬
‫كير ‪ ،‬عن ابن إسحاق ‪ ،‬إل أنه َ‬ ‫وكذلك روى يونس بن ب ُ َ‬
‫فالله أعلم )‪(3‬‬
‫وكذا قد حكي )‪ (4‬في معجم الطبراني ‪ ،‬قاله البيهقي‪ .‬ويشهد لهذه القصة‬
‫بالصحة ‪ ،‬ما رواه مسلم ‪:‬‬
‫ميع ‪ ،‬حدثنا‬ ‫ج َ‬
‫حدثنا زهير بن حرب ‪ ،‬حدثنا أبو أحمد الكوفي ‪ ،‬حدثنا الوليد بن ُ‬
‫أبو الطفيل قال ‪ :‬كان ]بين[ )‪ (5‬رجل من أهل العقبة ]وبين حذيفة بعض ما‬
‫يكون بين الناس ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنشدك بالله ‪ ،‬كم كان أصحاب العقبة[ )‪ (6‬قال ‪:‬‬
‫فقال له القوم ‪ :‬أخبره إذ سألك‪ .‬قال ‪ :‬كنا نخبر أنهم أربعة عشر ‪ ،‬فإن كنت‬
‫منهم فقد كان القوم )‪ (7‬خمسة عشر ‪ ،‬وأشهد بالله أن اثني عشر منهم‬
‫حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد ‪ ،‬وعذر ثلثة قالوا ‪:‬‬
‫ما سمعنا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ول علمنا بما أراد القوم‪.‬‬
‫وقد كان في حرة فمشى ‪ ،‬فقال ‪" :‬إن الماء قليل ‪ ،‬فل يسبقني إليه أحد" ‪،‬‬
‫فوجد قوما قد سبقوه ‪ ،‬فلعنهم )‪ (8‬يومئذ )‪(9‬‬
‫ضرة ‪ ،‬عن قيس بن‬ ‫وما رواه مسلم أيضا ‪ ،‬من حديث قتادة ‪ ،‬عن أبي ن َ ْ‬
‫عباد ‪ ،‬عن عمار بن ياسر قال ‪ :‬أخبرني حذيفة عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أنه قال ‪" :‬في أصحابي اثنا عشر منافقا ‪ ،‬ل يدخلون الجنة ‪ ،‬ول يجدون‬
‫ريحها حتى يلج ]الجمل[ )‪ (10‬في سم الخياط ‪ :‬ثمانية تكفيكهم الد ّب َْيلة ‪:‬‬
‫سراج من نار يظهر بين أكتافه حتى ينجم من صدورهم" )‪(11‬‬
‫ولهذا كان حذيفة يقال له ‪" :‬صاحب السر ‪ ،‬الذي ل يعلمه غيره" أي ‪ :‬من‬
‫تعيين جماعة من المنافقين ‪ ،‬وهم هؤلء ‪ ،‬قد أطلعه عليهم رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم دون غيره ‪ ،‬والله أعلم‪ .‬وقد ترجم الطبراني في مسند‬
‫حذيفة تسمية أصحاب العقبة ‪ ،‬ثم روى عن علي بن عبد العزيز ‪ ،‬عن الزبير‬
‫معَّتب بن قشير ‪ ،‬ووديعة بن ثابت ‪ ،‬وجد بن عبد الله‬ ‫بن بكار أنه قال ‪ :‬هم ُ‬
‫بن ن َب َْتل بن الحارث من بني عمرو بن عوف ‪ ،‬والحارث بن يزيد الطائي ‪،‬‬
‫سوَْيد ‪،‬‬‫ظي ‪ ،‬والحارث بن ُ‬ ‫وأوس بن قَي ْ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬القتل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه البيهقي في دلئل النبوة )‪.(5/256‬‬
‫)‪ (3‬دلئل النبوة للبيهقي )‪.(5/257‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وقع"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬ومسلم‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬ومسلم‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ك ‪" :‬فقد كانوا"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬فلعنوه"‪.‬‬
‫)‪ (9‬صحيح مسلم برقم )‪.(2779‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬ومسلم‪.‬‬
‫)‪ (11‬صحيح مسلم برقم )‪.(2779‬‬

‫) ‪(4/182‬‬

‫ن)‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬‫ن ال َ ّ‬‫م َ‬‫ن ِ‬‫كون َ ّ‬ ‫ن وَل َن َ ُ‬ ‫صد ّقَ ّ‬ ‫ضل ِهِ ل َن َ ّ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن آ ََتاَنا ِ‬ ‫ه ل َئ ِ ْ‬‫عاهَد َ الل ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫وَ ِ‬
‫فاًقا‬ ‫ن )‪ (76‬فَأعْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م نِ َ‬‫قب َهُ ْ‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫وا وَهُ ْ‬ ‫خلوا ب ِهِ وَت َوَل ْ‬ ‫ضل ِهِ ب َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما آَتاهُ ْ‬ ‫‪ (75‬فَل ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(77‬‬ ‫كاُنوا ي َك ْذُِبو َ‬‫ما َ‬ ‫دوه ُ وَب ِ َ‬ ‫ما وَعَ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫فوا الل َ‬ ‫خل ُ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫قوْن َ ُ‬ ‫م إ ِلى ي َوْم ِ ي َل َ‬ ‫ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب )‪(78‬‬ ‫م ال ْغُُيو ِ‬ ‫ه عَّل ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫م وَأ ّ‬ ‫واهُ ْ‬ ‫ج َ‬‫م وَن َ ْ‬‫سّرهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬
‫أل َ ْ‬

‫وسعد بن زرارة )‪ (1‬وقيس بن فهد ‪ ،‬وسويد وداعس من بني الحبلي ‪،‬‬


‫وقيس بن عمرو بن سهل ‪ ،‬وزيد بن اللصيت ‪ ،‬وسللة بن الحمام ‪ ،‬وهما من‬
‫بني قينقاع أظهرا السلم )‪(2‬‬
‫قموا إل أ َ َ‬
‫ضل ِهِ { أي ‪ :‬وما‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ن أغَْناهُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ما ن َ َ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫للرسول عندهم ذنب إل أن الله أغناهم ببركته ويمن سفارته ‪ ،‬ولو تمت‬
‫عليهم السعادة لهداهم الله لما جاء به ‪ ،‬كما قال ‪ ،‬عليه السلم )‪ (3‬للنصار ‪:‬‬
‫ضلل فهداكم الله بي ؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ؟ وعالة‬ ‫"ألم أجدكم ُ‬
‫فأغناكم الله بي ؟" كلما قال شيئا قالوا ‪ :‬الله ورسوله أمن‪.‬‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫م ِإل أ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫موا ِ‬ ‫ق ُ‬‫ما ن َ َ‬ ‫وهذه الصيغة تقال حيث ل ذنب كما قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ميدِ { ]البروج ‪ [8 :‬وكما قال ‪ ،‬عليه السلم )‪ (4‬ما‬ ‫ح ِ‬ ‫زيزِ ال ْ َ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ ال ْعَ ِ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫ينقم ابن جميل إل أن كان فقيرا فأغناه الله"‪.‬‬
‫ن‬
‫م وَإ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫خي ًْرا لهُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن ي َُتوُبوا ي َك َ‬ ‫َ‬
‫ثم دعاهم الله تبارك وتعالى إلى التوبة فقال ‪ } :‬فإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫خَرةِ { أي ‪ :‬وإن يستمروا على‬ ‫ما ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫ه عَ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫وا ي ُعَذ ّب ْهُ ُ‬ ‫ي َت َوَل ّ ْ‬
‫َ‬
‫ما ِفي الد ّن َْيا { أي ‪ :‬بالقتل والهم والغم ‪،‬‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫ه عَ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫طريقهم } ي ُعَذ ّب ْهُ ُ‬
‫ض‬‫م ِفي الْر ِ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬
‫} والخرة { أي ‪ :‬بالعذاب والنكال والهوان والصغار ‪ } ،‬وَ َ‬
‫صيرٍ { أي ‪ :‬وليس لهم أحد يسعدهم ول ينجدهم ‪ ،‬ول يحصل‬ ‫ي َول ن َ ِ‬ ‫ن وَل ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫لهم خيرا ‪ ،‬ول يدفع عنهم شرا‪.‬‬
‫ن)‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ن َال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬
‫كون َ ّ‬ ‫ن وَل َن َ ُ‬ ‫صد ّقَ ّ‬ ‫ضل ِهِ ل َن َ ّ‬‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن آَتاَنا ِ‬ ‫ه ل َئ ِ ْ‬‫عاهَد َ الل ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫} وَ ِ‬
‫فاًقا‬‫م نِ َ‬ ‫قب َهُ ْ‬‫ن )‪ (76‬فَأعْ َ‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫وا وَهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫خلوا ب ِهِ وَت َوَل ْ‬ ‫ُ‬ ‫ضل ِهِ ب َ ِ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما آَتاهُ ْ‬ ‫َ‬
‫‪ (75‬فَل ّ‬
‫ن )‪(77‬‬ ‫كاُنوا ي َك ْذُِبو َ‬
‫ما َ‬ ‫دوه ُ وَب ِ َ‬‫ما وَعَ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫فوا الل ّ َ‬ ‫خل َ ُ‬‫ما أ َ ْ‬‫ه بِ َ‬ ‫م إ َِلى ي َوْم ِ ي َل ْ َ‬
‫قوْن َ ُ‬ ‫ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب )‪{ (78‬‬ ‫م ال ْغُُيو ِ‬ ‫عل ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫م وَأ ّ‬ ‫واهُ ْ‬
‫ج َ‬ ‫م وَن َ ْ‬ ‫سّرهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬‫ن الل ّ َ‬
‫موا أ ّ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬
‫أل َ ْ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ومن المنافقين من أعطى الله عهده وميثاقه ‪ :‬لئن أغناه من‬
‫فضله ليصدقن من ماله ‪ ،‬وليكونن من الصالحين‪ .‬فما وفى بما قال ‪ ،‬ول‬
‫صدق فيما ادعى ‪ ،‬فأعقبهم هذا الصنيع نفاقا سكن في قلوبهم إلى يوم‬
‫يلقون )‪ (5‬الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬يوم القيامة ‪ ،‬عياذا بالله من ذلك‪.‬‬
‫وقد ذكر كثير من المفسرين ‪ ،‬منهم ابن عباس ‪ ،‬والحسن البصري ‪ :‬أن‬
‫سبب نزول هذه الية الكريمة في "ثعلبة بن حاطب النصاري"‪.‬‬
‫معان )‬ ‫وقد ورد فيه حديث رواه ابن جرير هاهنا وابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث ُ‬
‫‪ (6‬بن رَِفاعة ‪ ،‬عن علي بن يزيد ‪ ،‬عن أبي عبد الرحمن القاسم بن عبد‬
‫الرحمن ‪ ،‬مولى عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية ‪ ،‬عن أبي أمامة الباهلي ‪،‬‬
‫عن ثعلبة بن حاطب النصاري ‪ ،‬أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫ادع الله أن يرزقني‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ك ‪" :‬وابرة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المعجم الكبير )‪.(167 - 3/165‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬هـ ‪" :‬إلى يوم يلقوا" وهو خطأ ‪ ،‬والصواب ‪ :‬في جميع‬
‫النسخ ‪" :‬يلقوا" والصواب ما أثبتناه "إلى يوم يلقون" ؛ لن الفعل المضارع‬
‫لم يسبق بناصب ول بجازم‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬معاذ"‪.‬‬

‫) ‪(4/183‬‬

‫ن إ ِّل‬
‫دو َ‬ ‫ن َل ي َ ِ‬
‫ج ُ‬ ‫ت َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫صد ََقا ِ‬
‫ن ِفي ال ّ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬‫ن ِ‬‫عي َ‬ ‫مط ّوّ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬‫مُزو َ‬ ‫ن ي َل ْ ِ‬‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫م )‪(79‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫م وَل َهُ ْ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫ه ِ‬‫خَر الل ّ ُ‬ ‫س ِ‬‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ن ِ‬‫خُرو َ‬ ‫س َ‬‫م فَي َ ْ‬ ‫جهْد َهُ ْ‬ ‫ُ‬

‫مال‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي‬
‫شكره خير من كثير ل تطيقه"‪ .‬قال ‪ :‬ثم قال مرة أخرى ‪ ،‬فقال ‪" :‬أما ترضى‬
‫أن تكون مثل نبي الله ‪ ،‬فوالذي نفسي بيده لو شئت أن تسير معي الجبال‬
‫ذهبا وفضة لسارت"‪ .‬قال ‪ :‬والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله فرزقني مال‬
‫لعطين كل ذي حق حقه‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬اللهم‬
‫ارزق ثعلبة مال"‪ .‬قال ‪ :‬فاتخذ غنما ‪ ،‬فنمت كما ينمو الدود ‪ ،‬فضاقت عليه‬
‫المدينة ‪ ،‬فتنحى عنها ‪ ،‬فنزل واديا من أوديتها ‪ ،‬حتى جعل يصلي الظهر‬
‫والعصر في جماعة ‪ ،‬ويترك ما سواهما‪ .‬ثم نمت وك َُثرت ‪ ،‬فتنحى حتى ترك‬
‫الصلوات إل الجمعة ‪ ،‬وهي تنمو كما ينمو الدود ‪ ،‬حتى ترك الجمعة‪ .‬فطفق‬
‫يتلقى الركبان )‪ (1‬يوم الجمعة ‪ ،‬يسألهم عن الخبار ‪ ،‬فقال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬ما فعل ثعلبة" ؟ فقالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬اتخذ غنما‬
‫فضاقت عليه المدينة‪ .‬فأخبروه بأمره فقال ‪" :‬يا ويح ثعلبة ‪ ،‬يا ويح ثعلبة ‪ ،‬يا‬
‫خذ ْ م َ‬
‫م‬ ‫م وَت َُز ّ‬
‫كيهِ ْ‬ ‫ة ت ُط َهُّرهُ ْ‬‫صد َقَ ً‬
‫م َ‬
‫وال ِهِ ْ‬
‫م َ‬
‫نأ ْ‬‫ويح ثعلبة"‪ .‬وأنزل الله جل ثناؤه ‪ْ ِ ُ } :‬‬
‫ب َِها { الية ]التوبة ‪ [103 :‬قال ‪ :‬ونزلت عليه فرائض الصدقة ‪ ،‬فبعث رسول‬
‫جهَي َْنة ‪ ،‬ورجل من‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقة ‪ :‬رجل من ُ‬
‫مرا‬ ‫سليم ‪ ،‬وكتب لهما كيف يأخذان الصدقة من المسلمين ‪ ،‬وقال لهما ‪ُ " :‬‬
‫بثعلبة ‪ ،‬وبفلن ‪ -‬رجل من بني سليم ‪ -‬فخذا صدقاتهما"‪ .‬فخرجا حتى أتيا‬
‫ثعلبة ‪ ،‬فسأله الصدقة ‪ ،‬وأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬ما هذه إل جزية‪ .‬ما هذه إل أخت الجزية‪ .‬ما أدري ما هذا انطلقا حتى‬
‫عودا إلي‪ .‬فانطلقا وسمع بهما السلمي ‪ ،‬فنظر إلى خيار أسنان إبله‬ ‫تفُرغا ثم ُ‬
‫‪ ،‬فعزلها للصدقة ‪ ،‬ثم استقبلهما )‪ (2‬بها فلما رأوها قالوا ‪ :‬ما يجب عليك هذا‬
‫‪ ،‬وما نريد أن نأخذ هذا منك‪ .‬قال ‪ :‬بلى ‪ ،‬فخذوها ‪ ،‬فإن نفسي بذلك طيبة ‪،‬‬
‫مّرا بثعلبة ‪،‬‬ ‫وإنما هي له‪ .‬فأخذوها منه‪ .‬فلما فرغا من صدقاتهما رجعا حتى َ‬
‫فقال ‪ :‬أروني كتابكما فنظر فيه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما هذه إل أخت الجزية‪ .‬انطلقا حتى‬
‫أرى رأيي‪ .‬فانطلقا حتى أتيا النبي )‪ (3‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فلما رآهما‬
‫قال ‪" :‬يا ويح ثعلبة" قبل أن يكلمهما ‪ ،‬ودعا للسلمي بالبركة ‪ ،‬فأخبراه بالذي‬
‫عاهَد َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬‫من ْهُ ْ‬ ‫صنع ثعلبة والذي صنع السلمي ‪ ،‬فأنزل الله ‪ ،‬عز وجل ‪ } :‬وَ ِ‬
‫ن { قال ‪:‬‬ ‫ْ‬
‫كاُنوا ي َكذُِبو َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن { إلى قوله ‪ } :‬وَب ِ َ‬ ‫صد ّقَ ّ‬ ‫ضل ِهِ ل َن َ ّ‬‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن آَتاَنا ِ‬ ‫ه ل َئ ِ ْ‬ ‫الل ّ َ‬
‫وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة ‪ ،‬فسمع ذلك ‪،‬‬
‫فخرج حتى أتاه فقال ‪ :‬ويحك يا ثعلبة‪ .‬قد أنزل الله فيك كذا وكذا‪ .‬فخرج‬
‫ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فسأله أن يقبل منه صدقته ‪،‬‬
‫فقال ‪" :‬إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك"‪ .‬فجعل يحثو على رأسه‬
‫التراب ‪ ،‬فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪]" :‬هذا[ )‪ (4‬عملك ‪ ،‬قد‬
‫أمرتك فلم تطعني"‪ .‬فلما أبى أن يقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قِبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبل منه‬ ‫رجع إلى منزله ‪ ،‬ف ُ‬
‫شيئا‪ .‬ثم أتى أبا بكر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬حين استخلف ‪ ،‬فقال ‪ :‬قد علمت‬
‫منزلتي من رسول الله ‪ ،‬وموضعي من النصار ‪ ،‬فاقبل صدقتي‪ .‬فقال أبو‬
‫بكر ‪ :‬لم يقبلها منك رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وأبى أن يقبلها ‪،‬‬
‫فقبض أبو بكر ولم يقبلها‪ .‬فلما وَِلي عمر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أتاه فقال ‪ :‬يا‬
‫أمير المؤمنين ‪ ،‬اقبل صدقتي‪ .‬فقال ‪ :‬لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ول أبو بكر ‪ ،‬وأنا )‪ (5‬أقبلها منك! فقبض ولم يقبلها ؛ ثم ولي عثمان ‪،‬‬
‫رضي الله عنه ‪] ،‬فأتاه[ )‪ (6‬فسأله أن يقبل صدقته ‪ ،‬فقال ‪ :‬لم يقبلها رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ول أبو بكر ول عمر ‪ ،‬وأنا أقبلها منك! فلم يقبلها‬
‫منه ‪ ،‬وهلك ثعلبة في خلفة عثمان )‪(7‬‬
‫ن { أي ‪ :‬أعقبهم‬ ‫بو‬
‫ُ َ ُِ َ‬‫ذ‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫نوا‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ما‬
‫ما وَعَ ُ ُ َ ِ َ‬
‫ب‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫دو‬ ‫ه َ‬ ‫فوا الل ّ َ‬ ‫خل َ ُ‬‫ما أ َ ْ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬ب ِ َ‬
‫النفاق في قلوبهم بسبب إخلفهم الوعد وكذبهم ‪ ،‬كما جاء في الصحيح ‪ ،‬عن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬آية المنافق ثلث ‪ :‬إذا حدث‬
‫كذب ‪ ،‬وإذا وعد أخلف ‪ ،‬وإذا اؤتمن خان" )‪ (8‬وله شواهد كثيرة ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب{‬ ‫م ال ْغُُيو ِ‬ ‫عل ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م وَأ ّ‬ ‫واهُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫م وَن َ ْ‬‫سّرهُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬
‫وقوله ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫يخبرهم تعالى أنه يعلم السر وأخفى ‪ ،‬وأنه أعلم بضمائرهم وإن أظهروا أنه‬
‫إن حصل لهم أموال تصدقوا منها وشكروا عليها ‪ ،‬فإنه أعلم بهم من أنفسهم‬
‫؛ لنه تعالى علم الغيوب ‪ ،‬أي ‪ :‬يعلم كل غيب وشهادة ‪ ،‬وكل سر ونجوى ‪،‬‬
‫ويعلم ما ظهر وما بطن‪.‬‬
‫ن ِإل‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬‫ن ل يَ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ت َوال ِ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫عي َ‬ ‫مط ّوّ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مُزو َ‬ ‫ن ي َل ْ ِ‬‫ذي َ‬ ‫} ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫م )‪{ (79‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫م وَل َهُ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ه ِ‬ ‫خَر الل ّ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ن ِ‬ ‫خُرو َ‬ ‫س َ‬‫م فَي َ ْ‬ ‫جهْد َهُ ْ‬ ‫ُ‬
‫وهذه أيضا من صفات المنافقين ‪ :‬ل يسلم أحد من عيبهم ولمزهم في جميع‬
‫الحوال ‪ ،‬حتى ول المتصدقون يسلمون منهم ‪ ،‬إن جاء أحد منهم بمال جزيل‬
‫قالوا ‪ :‬هذا مراء ‪ ،‬وإن جاء بشيء يسير قالوا ‪ :‬إن الله لغني عن صدقة هذا‪.‬‬
‫كما قال البخاري ‪:‬‬
‫حدثنا عبيد الله بن سعيد ‪ ،‬حدثنا أبو النعمان البصري ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن‬
‫سليمان ‪ ،‬عن أبي وائل ‪ ،‬عن أبي مسعود قال ‪ :‬لما نزلت آية الصدقة كنا‬
‫نتحامل على ظهورنا ‪ ،‬فجاء رجل فتصدق بشيء كثير ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬مرائى‪ .‬وجاء‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫رجل فتصدق بصاع ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬إن الله لغني عن صدقة هذا‪ .‬فنزلت } ال ّ ِ‬
‫م{‬ ‫جهْد َهُ ْ‬ ‫ن ِإل ُ‬
‫دو َ‬
‫ج ُ‬
‫ن ل يَ ِ‬ ‫ت َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫صد ََقا ِ‬
‫ن ِفي ال ّ‬‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫مط ّوّ ِ‬
‫عي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ي َل ْ ِ‬
‫مُزو َ‬
‫الية‪.‬‬
‫وقد رواه مسلم أيضا في صحيحه ‪ ،‬من حديث شعبة به )‪(9‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا الجريري ‪ ،‬عن أبي السليل قال ‪ :‬وقف‬
‫علينا رجل في‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الركاب"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬استقبلهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬رسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬فأنا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (7‬تفسير الطبري )‪ (14/370‬وقد أنكر العلماء هذه القصة وقالوا ببطلنها ‪،‬‬
‫فممن قال بذلك المام ابن حزم ‪ ،‬قال في المحلى )‪: (208 ، 11/207‬‬
‫"على أنه قد روينا أثرا ل يصح وأنها نزلت في ثعلبة بن حاطب ‪ ،‬وهذا باطل ؛‬
‫لن ثعلبة بدري معروف ‪ ،‬ثم ساق الحديث بإسناده من طريق معان بن‬
‫رفاعة عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة وقال ‪:‬‬
‫"وهذا باطل ل شك ؛ لن الله أمر بقبض زكوات أموال المسلمين ‪ ،‬وأمر‬
‫عليه السلم عند موته أل يبقى في جزيرة العرب دينان فل يخلو ثعلبة من أن‬
‫يكون مسلما ففرض على أبي بكر وعمر قبض زكاته ول بد ول فسحة في‬
‫ذلك ‪ ،‬وإن كان كافرا ففرض أل يبقى في جزيرة العرب فسقط هذا الثر بل‬
‫شك ‪ ،‬وفي رواته معان بن رفاعة ‪ ،‬والقاسم بن عبد الرحمن وعلي بن يزيد ‪-‬‬
‫هو ابن عبد الملك ‪ -‬وكلهم ضعفاء‪ .‬وللفاضل عداب الحمش رسالة في نقد‬
‫هذه القصة جمع فيها أقوال أهل العلم فيها سماها "ثعلبة بن حاطب‬
‫الصحابي المفترى عليه"‪.‬‬
‫)‪ (8‬صحيح البخاري برقم )‪ (33‬وصحيح مسلم برقم )‪ (59‬من حديث أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (9‬صحيح البخاري برقم)‪ (1415‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1018‬‬

‫) ‪(4/184‬‬

‫مجلسنا بالبقيع فقال ‪ :‬حدثني أبي ‪ -‬أو ‪ :‬عمي أنه رأى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم بالبقيع ‪ ،‬وهو يقول ‪" :‬من يتصدق بصدقة أشهد له بها يوم‬
‫القيامة" ؟ قال ‪ :‬فحللت من عمامتي لوثا أو لوثين ‪ ،‬وأنا أريد أن أتصدق بهما‬
‫‪ ،‬فأدركني ما يدرك ابن آدم ‪ ،‬فعقدت على عمامتي‪ .‬فجاء رجل لم أر بالبقيع‬
‫م ببعير )‪ (2‬ساقه ‪ ،‬لم أر بالبقيع‬
‫رجل أشد سوادا ]ول[ )‪ (1‬أصغر منه ‪ ،‬ول أد ّ‬
‫ناقة أحسن منها ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أصدقة ؟ قال ‪" :‬نعم" فقال ‪ :‬دونك‬
‫هذه الناقة‪ .‬قال ‪ :‬فلمزه رجل فقال ‪ :‬هذا يتصدق بهذه فوالله لهي خير منه‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فسمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪" :‬كذبت بل هو خير‬
‫منك ومنها" ثلث مرات ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬ويل لصحاب المئين من البل" ثلثا‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬إل من يا رسول الله ؟ قال ‪" :‬إل من قال بالمال هكذا وهكذا" ‪ ،‬وجمع‬
‫بين كفيه عن يمينه وعن شماله ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬قد أفلح المزهد المجهد" ثلثا ‪:‬‬
‫المزهد في العيش ‪ ،‬المجهد في العبادة )‪(3‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية ‪ ،‬وقال ‪ :‬جاء عبد‬
‫الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وجاءه رجل من النصار بصاع من طعام ‪ ،‬فقال بعض المنافقين ‪ :‬والله‬
‫ما جاء عبد الرحمن بما جاء به إل رياء‪ .‬وقالوا ‪ :‬إن كان الله ورسوله لغنيين‬
‫عن هذا الصاع )‪(4‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج‬
‫إلى الناس يوما فنادى فيهم ‪ :‬أن اجمعوا صدقاتكم‪ .‬فجمع الناس صدقاتهم ‪،‬‬
‫ثم جاء رجل من آخرهم بصاع من تمر ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬هذا صاع من‬
‫تمر بت ليلتي أجر بالجرير الماء ‪ ،‬حتى نلت صاعين من تمر ‪ ،‬فأمسكت‬
‫أحدهما ‪ ،‬وأتيتك بالخر‪ .‬فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينثره في‬
‫الصدقات‪ .‬فسخر منه رجال ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إن الله ورسوله لغنيان عن هذا‪ .‬وما‬
‫يصنعان )‪ (5‬بصاعك من شيء‪ .‬ثم إن عبد الرحمن بن عوف قال لرسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ :‬هل بقي أحد من أهل الصدقات ؟ فقال "ل" )‪(6‬‬
‫فقال له عبد الرحمن بن عوف ‪ :‬فإن عندي مائة أوقية من ذهب في‬
‫الصدقات‪ .‬فقال له عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬أمجنون أنت ؟ قال ‪:‬‬
‫ليس بي جنون‪ .‬قال ‪ :‬فعلت )‪ (7‬ما فعلت ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬مالي ثمانية آلف ‪،‬‬
‫أما أربعة آلف فأقرضها ربي ‪ ،‬وأما أربعة آلف فلي‪ .‬فقال له رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت"‪ .‬ولمزه‬
‫المنافقون فقالوا ‪ :‬والله ما أعطى عبد الرحمن عطيته إل رياء‪ .‬وهم كاذبون ‪،‬‬
‫إنما كان به متطوعا ‪ ،‬فأنزل الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬عذره وعذر صاحبه المسكين‬
‫ن‬ ‫ن ي َل ْ ِ‬
‫مُزو َ‬ ‫الذي جاء بالصاع من التمر ‪ ،‬فقال تعالى في كتابه ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫صد ََقا ِ‬
‫ت { الية‪.‬‬ ‫ن ِفي ال ّ‬
‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫مط ّوّ ِ‬
‫عي َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫وكذا روي عن مجاهد ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫وقال ابن إسحاق ‪ :‬كان المطوعون من المؤمنين في الصدقات ‪ :‬عبد‬
‫الرحمن بن عوف ‪ ،‬تصدق‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬بعير"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(5/34‬‬
‫)‪ (4‬رواه الطبري في تفسيرة )‪.(14/382‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬يصنعون"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬ل لم يبق أحد غيرك"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال أفعلت"‪.‬‬

‫) ‪(4/186‬‬

‫بأربعة آلف درهم ‪ ،‬وعاصم بن عدي أخا بني العجلن ‪ ،‬وذلك أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم رغب في الصدقات ‪ ،‬وحض عليها ‪ ،‬فقام عبد الرحمن‬
‫بن عوف فتصدق بأربعة آلف ‪ ،‬وقام عاصم فتصدق بمائة وسق من تمر ‪،‬‬
‫فلمزوهما وقالوا ‪ :‬ما هذا إل رياء‪ .‬وكان الذي تصدق بجهده ‪ :‬أبو عقيل أخو‬
‫بني أنيف الراشي حليف بني عمرو بن عوف ‪ ،‬أتى بصاع من تمر فأفرغه‬
‫عقيل‪.‬‬ ‫في الصدقة ‪ ،‬فتضاحكوا به وقالوا ‪ :‬إن الله لغني عن صاع أبي َ‬
‫وانة ‪ ،‬عن‬ ‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا طالوت بن عباد ‪ ،‬حدثنا أبو عَ َ‬
‫عمر )‪ (1‬بن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬تصدقوا فإني أريد أن أبعث بعثا"‪ .‬قال ‪ :‬فجاء عبد‬
‫الرحمن بن عوف فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬عندي أربعة آلف ‪ ،‬ألفين أقرضهما‬
‫ربي ‪ ،‬وألفين لعيالي‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬بارك الله لك‬
‫فيما أعطيت )‪ (2‬وبارك لك فيما أمسكت"‪ .‬وبات رجل من النصار فأصاب‬
‫صاعين من تمر ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أصبت صاعين من تمر ‪ :‬صاع‬
‫أقرضه )‪ (3‬لربي ‪ ،‬وصاع لعيالي‪ .‬قال ‪ :‬فلمزه المنافقون وقالوا ‪ :‬ما أعطى‬
‫الذي أعطى ابن عوف إل رياء! وقالوا ‪ :‬ألم يكن الله ورسوله غنيين عن صاع‬
‫صد ََقا ِ‬
‫ت‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫عي َ‬ ‫مط ّوّ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫مُزو َ‬ ‫ن ي َل ْ ِ‬ ‫هذا ؟ فأنزل الله ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫م[ { )‪ (4‬الية )‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ه ِ‬ ‫خَر الل ّ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫م] َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ن ِ‬ ‫خُرو َ‬ ‫س َ‬ ‫م فَي َ ْ‬ ‫جهْد َهُ ْ‬‫ن ِإل ُ‬
‫دو َ‬
‫ج ُ‬‫ن ل يَ ِ‬‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫‪(5‬‬
‫ثم رواه عن أبي كامل ‪ ،‬عن أبي عوانة ‪ ،‬عن عمر بن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبيه‬
‫مرسل )‪ (6‬قال ‪ :‬ولم يسنده أحد إل طالوت‪.‬‬
‫حَباب ‪ ،‬عن‬ ‫وقال المام أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثنا ابن وكيع ‪ ،‬حدثنا زيد بن ال ُ‬
‫موسى بن عبيدة ‪ ،‬حدثني خالد بن يسار ‪ ،‬عن ابن أبي عقيل ‪ ،‬عن أبيه قال ‪:‬‬
‫بت أجر الجرير على ظهري ‪ ،‬على صاعين من تمر ‪ ،‬فانقلبت بأحدهما إلى‬
‫أهلي يتبلغون به ‪ ،‬وجئت بالخر أتقرب ]به[ )‪ (7‬إلى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ‪ ،‬فقال ‪" :‬انثره‬
‫في الصدقة"‪ .‬قال ‪ :‬فسخر القوم وقالوا ‪ :‬لقد كان الله غنيا عن صدقة هذا‬
‫ن ِفي‬ ‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫عي َ‬ ‫مط ّوّ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مُزو َ‬ ‫ن ي َل ْ ِ‬‫ذي َ‬ ‫المسكين‪ .‬فأنزل الله ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫ت { اليتين )‪(8‬‬ ‫صد ََقا ِ‬‫ال ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬عمرو"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ك ‪" :‬أعطيته"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬أقرضته"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬مسند البزار برقم )‪" (2216‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع )‬
‫‪" : (7/32‬وفيه عمرو بن أبي سلمة ‪ ،‬وثقه العجلي ‪ ،‬وأبو خيثمة وابن حبان‬
‫وضعفه شعبة وغيره ‪ ،‬وبقية رجالهما ثقات"‪.‬‬
‫)‪ (6‬مسند البزار برقم )‪" (2216‬كشف الستار" قال الحافظ ابن حجر في‬
‫الفتح )‪ (8/332‬بعد أن ساق هذه الرواية المرسلة ‪" :‬وكذلك أخرجه عبد بن‬
‫حميد عن يونس بن محمد عن أبي عوانة ‪ ،‬وأخرجه ابن أبي حاتم والطبري‬
‫وابن مردويه من طرق أخرى عن أبي عوانة مرسل"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (8‬تفسير الطبري )‪.(14/388‬‬

‫) ‪(4/187‬‬
‫وكذا رواه الطبراني من حديث زيد بن الحباب )‪ (1‬به‪ .‬وقال ‪ :‬اسم أبي عقيل‬
‫‪ :‬حباب‪ .‬ويقال ‪ :‬عبد الرحمن بن عبد الله بن ثعلبة‪.‬‬
‫م { وهذا من باب المقابلة على‬‫من ْهُ ْ‬ ‫خَر الل ّ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫س ِ‬
‫م َ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫ن ِ‬
‫خُرو َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَي َ ْ‬
‫س َ‬
‫سوء صنيعهم واستهزائهم بالمؤمنين ؛ لن الجزاء من جنس العمل ‪ ،‬فعاملهم‬
‫معاملة من سخر بهم ‪ ،‬انتصارا للمؤمنين في الدنيا ‪ ،‬وأعد للمنافقين في‬
‫الخرة عذابا أليما‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المعجم الكبير )‪ (4/45‬وقد وقع فيه ‪" :‬عن زيد بن الحباب عن خالد بن‬
‫يسار" فأسقط موسى بن عبيدة في رواية ؛ ولذا قال الهيثمي في المجمع )‬
‫‪" : (7/33‬رجاله ثقات إل أن خالد بن يسار لم أجد من وثقه ول جرحه" لكن‬
‫الزيلعي في تخريج الكشاف )‪ (2/88‬عزاه للطبراني في معجمه من طريق‬
‫موسى بن عبيدة عن خالد بن يسار ‪ ،‬فلعله سقط من نسخ الطبراني أو‬
‫توهم فيه الزيلعي‪ .‬تنبيه ‪ :‬كذا وقع هنا وعند الطبراني ‪" :‬اسم أبي عقيل‬
‫حباب" ‪ ،‬قال الحافظ ابن حجر في الصابة )‪" : (1/389‬كذا وقع عند‬
‫الطبراني ‪ ،‬والصواب حبحاب"‪.‬‬

‫) ‪(4/188‬‬

‫استغْفر ل َه َ‬
‫ه ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫فَر الل ّ ُ‬ ‫مّرة ً فَل َ ْ‬
‫ن ي َغْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫سب ِْعي َ‬ ‫م َ‬ ‫فْر ل َهُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫فْر ل َهُ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م أوْ َل ت َ ْ‬ ‫ْ َ ِ ْ ُ ْ‬
‫ن )‪(80‬‬ ‫قي‬ ‫س‬ ‫فا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫دي‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫سو‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫بال‬ ‫روا‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ذ َل َ َ‬
‫ِ ِ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ ِ ََ ُ ِ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬‫ِ‬
‫} استغْفر ل َه َ‬
‫فَر الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن ي َغْ ِ‬‫مّرة ً فَل َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سب ِْعي َ‬ ‫م َ‬ ‫فْر ل َهُ ْ‬‫ست َغْ ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫فْر ل َهُ ْ‬
‫ست َغْ ِ‬
‫م أوْ ل ت َ ْ‬ ‫ْ َ ِ ْ ُ ْ‬
‫ن )‪{ (80‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ل َهم ذ َل َ َ‬
‫قي َ‬ ‫س ِ‬‫فا ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫دي ال َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫سول ِهِ َوالل ُ‬ ‫فُروا ِباللهِ وََر ُ‬ ‫مك َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ُ ْ ِ‬
‫يخبر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن هؤلء المنافقين ليسوا أهل‬
‫للستغفار ‪ ،‬وأنه لو استغفر لهم ‪ ،‬ولو سبعين مرة فإن الله ل يغفر لهم‪.‬‬
‫وقد قيل ‪ :‬إن السبعين إنما ذكرت حسما لمادة الستغفار لهم ؛ لن العرب‬
‫في أساليب كلمها تذكر السبعين في مبالغة كلمها ‪ ،‬ول تريد التحديد بها ‪ ،‬ول‬
‫أن يكون ما زاد عليها بخلفها‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬بل لها مفهوم ‪ ،‬كما روى العوفي عن ابن عباس أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قال لما نزلت هذه الية ‪" :‬أسمع ربي قد رخص لي فيهم ‪،‬‬
‫فوالله لستغفرن أكثر من سبعين مرة ‪ ،‬لعل الله أن يغفر لهم! فقال الله‬
‫َ‬ ‫فرت ل َه َ‬ ‫من شدة غضبه عليهم ‪ } :‬سواٌء عَل َيه َ‬
‫ن‬
‫مل ْ‬ ‫فْر ل َهُ ْ‬‫ست َغْ ِ‬
‫م تَ ْ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ست َغْ َ ْ َ ُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ِْ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ن { ]المنافقون ‪[6 :‬‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ْ‬
‫دي ال َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫م إِ ّ‬ ‫ه ل َهُ ْ‬‫فَر الل ّ ُ‬
‫ي َغْ ِ‬
‫قل عبد الله بن أبي ‪ ،‬انطلق ابنه إلى النبي صلى الله‬ ‫وقال الشعبي ‪ :‬لما ث َ ُ‬
‫عليه وسلم فقال ‪ :‬إن أبي قد احتضر ‪ ،‬فأحب أن تشهده وتصلي عليه‪ .‬فقال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما اسمك"‪ .‬قال الحباب بن عبد الله‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"بل أنت عبد الله بن عبد الله ‪ ،‬إن الحباب اسم شيطان"‪ .‬قال ‪ :‬فانطلق معه‬
‫حتى شهده وألبسه قميصه وهو عرق ‪ ،‬وصلى عليه ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬أتصلي عليه‬
‫مّرةً {‬ ‫ن َ‬ ‫سب ِْعي َ‬ ‫م َ‬ ‫فْر ل َهُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ن تَ ْ‬‫]وهو منافق[ )‪ (1‬؟ قال ‪" :‬إن الله قال ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫ولستغفرن له سبعين وسبعين وسبعين"‪.‬‬
‫عامة‪ .‬رواها ابن‬ ‫جَبير ‪ ،‬وقتادة بن دِ َ‬ ‫وكذا روي عن عُْرَوة بن الزبير ومجاهد بن ُ‬
‫جرير بأسانيده‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/188‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫وال ِهِ ْ‬
‫م َ‬‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫جاهِ ُ‬
‫ن يُ َ‬ ‫هوا أ ْ‬ ‫ل الل ّهِ وَك َرِ ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫ف َر ُ‬ ‫خَل َ‬ ‫م ِ‬ ‫قعَدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ن بِ َ‬
‫فو َ‬‫خل ّ ُ‬
‫م َ‬ ‫ح ال ْ ُ‬‫فَرِ َ‬
‫َ‬ ‫وَأ َن ْ ُ‬
‫حّرا ل َ ْ‬
‫و‬ ‫شد ّ َ‬ ‫مأ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬
‫ل َناُر َ‬ ‫حّر قُ ْ‬‫فُروا ِفي ال ْ َ‬ ‫ل الل ّهِ وََقاُلوا َل ت َن ْ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬
‫ن)‬ ‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬‫جَزاًء ب ِ َ‬‫كوا ك َِثيًرا َ‬ ‫كوا قَِليًل وَل ْي َب ْ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن )‪ (81‬فَل ْي َ ْ‬
‫ض َ‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫‪(82‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫وال ِهِ ْ‬‫م َ‬‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫هوا أ ْ‬ ‫ل الل ّهِ وَك َرِ ُ‬‫سو ِ‬ ‫ف َر ُ‬ ‫خل َ‬ ‫م ِ‬ ‫قعَدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن بِ َ‬‫فو َ‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫ح ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫} فَرِ َ‬
‫َ‬ ‫وَأ َن ْ ُ‬
‫حّرا ل َ ْ‬
‫و‬ ‫شد ّ َ‬ ‫مأ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ل َناُر َ‬ ‫حّر قُ ْ‬ ‫فُروا ِفي ال ْ َ‬ ‫ل الل ّهِ وََقاُلوا ل ت َن ْ ِ‬ ‫سِبي ِ‬
‫م ِفي َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬
‫ن)‬ ‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫جَزاًء ب ِ َ‬ ‫كوا ك َِثيًرا َ‬ ‫كوا قَِليل وَل ْي َب ْ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن )‪ (81‬فَل ْي َ ْ‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬
‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫‪{ (82‬‬
‫ما للمنافقين المتخلفين عن صحابة رسول الله صلى الله عليه‬ ‫يقول تعالى َذا ّ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫وسلم في غزوة تبوك ‪ ،‬وفرحوا بمقعدهم )‪ (1‬بعد خروجه ‪ } ،‬وَك َرِ ُ‬
‫هوا أ ْ‬
‫ل الل ّهِ وََقاُلوا { أي ‪ :‬بعضهم‬ ‫م وَأ َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫سِبي ِ‬‫م ِفي َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا { معه } ب ِأ ْ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫حّر { ؛ وذلك أن الخروج في )‪ (2‬غزوة تبوك كان‬ ‫ْ‬
‫فُروا ِفي ال َ‬ ‫لبعض ‪ } :‬ل ت َن ْ ِ‬
‫فُروا ِفي‬ ‫في شدة الحر ‪ ،‬عند طيب الظلل والثمار ‪ ،‬فلهذا قالوا )‪ } (3‬ل ت َن ْ ِ‬
‫م { التي تصيرون‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫حّر { قال الله تعالى لرسوله ‪ } :‬قل { لهم ‪َ } :‬ناُر َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫حّرا { مما فررتم منه من الحر ‪ ،‬بل أشد حرا‬ ‫َ‬
‫إليها بسبب مخالفتكم } أ َ‬
‫شد ّ َ‬
‫من النار ‪ ،‬كما قال المام مالك ‪ ،‬عن أبي الّزناد ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬نار بني آدم التي‬
‫يوقدون بها جزٌء من سبعين جزًءا ]من نار جهنم" فقالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إن‬
‫كانت لكافية‪ .‬قال )‪ (4‬إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا[ )‪ (5‬أخرجاه في‬
‫الصحيحين من حديث مالك ‪ ،‬به )‪(6‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن أبي الزناد ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬عن النبي )‪ (7‬صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن ناركم هذه جزء من‬
‫سبعين جزءا من نار جهنم ‪ ،‬وضربت بالبحر مرتين ‪ ،‬ولول ذلك ما جعل ]الله[‬
‫)‪ (8‬فيها منفعة لحد" )‪ (9‬وهذا أيضا إسناده صحيح )‪(10‬‬
‫وقد روى المام أبو عيسى الترمذي وابن ماجه ‪ ،‬عن عباس الدوري ‪ ،‬عن‬
‫يحيى بن أبي بكير )‪ (11‬عن شريك ‪ ،‬عن عاصم ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أوقد‬
‫ضت ‪ ،‬ثم‬ ‫على النار ألف سنة حتى احمّرت ‪ ،‬ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابي ّ‬
‫أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت ‪ ،‬فهي سوداء كالليل المظلم"‪ .‬ثم قال‬
‫الترمذي ‪ :‬ل أعلم أحدا رفعه غير يحيى )‪(12‬‬
‫كذا قال‪ .‬وقد رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه عن إبراهيم بن محمد ‪ ،‬عن‬
‫محمد بن الحسين بن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بقعودهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إلى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ك ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والموطأ‪.‬‬
‫)‪ (6‬الموطأ )‪ (2/994‬وصحيح البخاري برقم )‪ (3265‬ورواه مسلم في‬
‫صحيحه برقم )‪ (2843‬من طريق المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد به‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ك ‪" :‬أن رسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ . ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪.(2/244‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إسناد جيد صحيح"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في أ ‪" :‬بكر"‪.‬‬
‫)‪ (12‬سنن الترمذي برقم )‪ (2591‬وسنن ابن ماجه برقم )‪ (4320‬وقال‬
‫الترمذي ‪" :‬حديث أبي هريرة في هذا موقوف أصح ‪ ،‬ول أعلم أحدا رفعه غير‬
‫يحيى بن أبي بكير عن شريك"‪.‬‬

‫) ‪(4/189‬‬

‫مكرم ‪ ،‬عن عبيد الله بن سعد )‪ (1‬عن عمه ‪ ،‬عن شريك ‪ -‬وهو ابن عبد الله‬
‫النخعي ‪ -‬به‪ .‬وروى أيضا ابن مردويه من رواية مبارك بن فضالة ‪ ،‬عن ثابت ‪،‬‬
‫س‬
‫ها الّنا ُ‬ ‫عن أنس قال ‪ :‬تل رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪َ } :‬ناًرا وَُقود ُ َ‬
‫جاَرةُ { ]التحريم ‪ [6 :‬قال ‪ُ" :‬أوقد عليها ألف عام حتى ابيضت ‪ ،‬وألف‬ ‫َوال ْ ِ‬
‫ح َ‬
‫عام حتى احمرت ‪ ،‬وألف عام حتى اسودت ‪ ،‬فهي سوداء كالليل ‪ ،‬ل يضيء‬
‫لهبها" )‪(2‬‬
‫جيح ‪ -‬وقد اختلف‬ ‫وروى الحافظ أبو القاسم الطبراني من حديث تمام بن ن َ ِ‬
‫فيه ‪ -‬عن الحسن ‪ ،‬عن أنس مرفوعا ‪" :‬لو أن شرارة بالمشرق ‪ -‬أي من نار‬
‫ن بالمغرب" )‪(3‬‬
‫م ْ‬
‫جهنم ‪ -‬لوجد حرها َ‬
‫وروى الحافظ أبو يعلى عن إسحاق بن أبي إسرائيل ‪ ،‬عن أبي عبيدة الحداد ‪،‬‬
‫عن هشام بن حسان )‪ (4‬عن محمد بن شبيب ‪ ،‬عن جعفر بن أبي وحشية ‪،‬‬
‫جَبير ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬ ‫عن سعيد بن ُ‬
‫وسلم ‪" :‬لو كان هذا المسجد مائة ألف أو يزيدون ‪ ،‬وفيهم رجل من أهل النار‬
‫فتنفس فأصابهم نفسه ‪ ،‬لحترق المسجد ومن فيه" )‪ (5‬غريب‪.‬‬
‫وقال العمش عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن النعمان بن بشير قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لمن له نعلن‬
‫شَراكان من نار ‪ ،‬يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ‪ ،‬ل يرى أحدا من‬ ‫و ِ‬
‫أهل النار أشد ّ عذابا منه ‪ ،‬وإنه أهونهم عذابا"‪ .‬أخرجاه في الصحيحين ‪ ،‬من‬
‫حديث العمش )‪(6‬‬
‫وقال مسلم أيضا ‪ :‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا يحيى بن أبي ب ُك َْير )‪(7‬‬
‫حدثنا زهير بن محمد ‪ ،‬عن سهيل بن أبي صالح ‪ ،‬عن النعمان بن أبي عياش‬
‫)‪ (8‬عن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن‬
‫أدنى أهل النار عذابا يوم القيامة ينتعل بنعلين من نار ‪ ،‬يغلي دماغه من‬
‫حرارة نعليه" )‪(9‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى ‪ ،‬عن ابن عجلن ‪ ،‬سمعت أبي ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن أدنى أهل النار عذابا رجل‬
‫يجعل له نعلن يغلي منهما دماغه" )‪(10‬‬
‫وهذا إسناد جيد قوي ‪ ،‬رجاله على شرط مسلم ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬سعيد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬ورواه البيهقي في شعب اليمان برقم )‪ (799‬من طريق سهل بن حماد‬
‫عن مبارك بن فضالة به نحوه‪.‬‬
‫)‪ (3‬المعجم الوسط برقم )‪" (4841‬مجمع البحرين" وأشار الحافظ هنا إلى‬
‫الختلف في حال تمام بن نجيح ‪ ،‬قال المنذري في الترغيب والترهيب )‬
‫‪" : (4/362‬في إسناده احتمال للتحسين"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في جميع النسخ ‪" :‬حسام" والتصويب من أبي يعلى‪.‬‬
‫)‪ (5‬مسند أبي يعلى )‪ (12/22‬ورواه أبو نعيم في الحلية )‪ (4/307‬من طريق‬
‫إسحاق بن أبي إسرائيل به ‪ ،‬وقال المنذري في الترغيب والترهيب )‬
‫‪" : (4/363‬إسناده حسن ‪ ،‬وفي متنه نكارة"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪ (6562‬وصحيح مسلم برقم )‪.(213+‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬بكر"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬عباس"‪.‬‬
‫)‪ (9‬صحيح مسلم برقم )‪.(211‬‬
‫)‪ (10‬المسند )‪.(2/438‬‬

‫) ‪(4/190‬‬

‫والحاديث والثار النبوية في هذا كثيرة ‪ ،‬وقال الله تعالى في كتابه العزيز ‪} :‬‬
‫ب‬‫ص ّ‬ ‫وى { ]المعارج ‪ [16 ، 15 :‬وقال تعالى ‪ } :‬ي ُ َ‬ ‫ش َ‬‫ة ِلل ّ‬ ‫ظى نزاعَ ً‬ ‫كل إ ِن َّها ل َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫مع ُ ِ‬ ‫قا ِ‬‫م َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫جلود ُ وَلهُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫م َوال ُ‬ ‫ُ‬
‫ما ِفي ب ُطون ِهِ ْ‬ ‫صهَُر ب ِهِ َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫مي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫سهِ ُ‬ ‫ق ُرُءو ِ‬ ‫ن فَوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ق{‬ ‫ري ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ب ال َ‬ ‫ذا َ‬ ‫دوا ِفيَها وَُذوُقوا عَ َ‬ ‫عي ُ‬ ‫مأ ِ‬ ‫ن غَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫من َْها ِ‬
‫جوا ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ما أَراُدوا أ ْ‬ ‫ديد ٍ ك ُل َ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫م َناًرا‬ ‫صِليهِ ْ‬ ‫ف نُ ْ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫فُروا ِبآَيات َِنا َ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫]الحج ‪ [22 - 19 :‬وقال تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ب { ]النساء ‪[56 :‬‬ ‫ذا َ‬ ‫ْ‬
‫ذوُقوا العَ َ‬ ‫ها ل ِي َ ُ‬ ‫جُلوًدا غَي َْر َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ب َد ّل َْناهُ ْ‬‫جُلود ُهُ ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ج ْ‬‫ض َ‬ ‫ما ن َ ِ‬ ‫ك ُل ّ َ‬
‫َ‬
‫حّرا ل َ ْ‬
‫و‬ ‫شد ّ َ‬ ‫مأ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬‫ل َناُر َ‬ ‫وقال تعالى في هذه الية الكريمة ]الخرى[ )‪ } (1‬قُ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬لو أنهم يفقهون ويفهمون لنفروا مع الرسول في سبيل‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫حّر جهنم ‪ ،‬الذي هو أضعاف أضعاف هذا ‪ ،‬ولكنهم‬ ‫الله في الحر ‪ ،‬ليتقوا به َ‬
‫كما قال الخر )‪(2‬‬
‫كالمستجير من الرمضاء بالنار‬
‫وقال الخر ‪:‬‬
‫حار‪...‬‬ ‫َ‬ ‫وال‬ ‫البارد‬ ‫ة‬
‫َ َ َ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫خا‬ ‫م‬ ‫ته‪...‬‬ ‫ََْ‬‫ي‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫ية‬
‫َ‬ ‫بالحم‬ ‫ك‬‫عمُر َ‬ ‫ُ‬
‫حذَر الّنار‪...‬‬ ‫َ‬ ‫صي‬ ‫َ ِ‬ ‫عا‬ ‫الم‬ ‫ن‬
‫ِ َ‬ ‫م‬ ‫تتقي‪...‬‬ ‫ْ َ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫بك‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫أو‬ ‫ن‬
‫َ َ‬‫وكا‬
‫ثم قال ]الله[ )‪ (3‬تعالى جل جلله ‪ ،‬متوعدا لهؤلء المنافقين على صنيعهم‬
‫ن{‬ ‫سُبو َ‬‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫جَزاًء ب ِ َ‬ ‫كوا ك َِثيًرا َ‬ ‫كوا قَِليل وَل ْي َب ْ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ض َ‬ ‫هذا ‪ } :‬فَل ْي َ ْ‬
‫قال ابن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬الدنيا قليل ‪ ،‬فليضحكوا فيها ما شاءوا ‪،‬‬
‫فإذا انقطعت الدنيا وصاروا إلى الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬استأنفوا بكاء ل ينقطع أبدا‪.‬‬
‫خَثيم ‪ ،‬وعون العقيلي )‪(4‬‬ ‫وكذا قال أبو َرِزين ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والربيع بن ُ‬
‫وزيد بن أسلم‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ :‬حدثنا عبد الله بن عبد الصمد بن أبي‬
‫خداش ‪ ،‬حدثنا محمد بن حميد )‪ (5‬عن ابن المبارك ‪ ،‬عن عمران بن زيد ‪،‬‬
‫حدثنا يزيد الّرقاشي ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يقول ‪" :‬يا أيها الناس ‪ ،‬ابكوا ‪ ،‬فإن لم تبكوا فتباكوا ‪ ،‬فإن أهل‬
‫النار يبكون حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول ‪ ،‬حتى تنقطع‬
‫ت فيها َلجَرت"‪.‬‬ ‫الدموع فتسيل الدماء فتقرح العيون‪ .‬فلو أن س ُ ُ‬
‫جي َ ْ‬
‫فًنا أْز ِ‬ ‫ُ‬
‫ورواه ابن ماجه من حديث العمش ‪ ،‬عن يزيد الرقاشي ‪ ،‬به )‪(6‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬وصدر البيت ‪ :‬والمستجير بعمرو عند كربته وذكره داود النطاكي في‬
‫مصارع العشاق )ص ‪.(219‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬الفضلي"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في جميع النسخ ‪" :‬محمد بن جبير" والتصويب من أبي يعلى‪.‬‬
‫)‪ (6‬مسند أبي يعلى )‪ (162 - 7/161‬وسنن ابن ماجه برقم )‪ (4324‬وقال‬
‫البوصيري في الزوائد )‪" : (3/323‬هذا إسناد فيه يزيد بن أبان الرقاشي وهو‬
‫ضعيف"‪.‬‬

‫) ‪(4/191‬‬

‫ي‬
‫معِ َ‬‫جوا َ‬ ‫خُر ُ‬‫ن تَ ْ‬‫ل لَ ْ‬‫ق ْ‬ ‫خُروِج فَ ُ‬ ‫ك ل ِل ْ ُ‬‫ست َأ ْذ َُنو َ‬‫م َفا ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫فةٍ ِ‬ ‫طائ ِ َ‬‫ه إ َِلى َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬‫جعَ َ‬ ‫ن َر َ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫م ِبال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫م َ‬
‫دوا َ‬ ‫مّرةٍ َفاقْعُ ُ‬ ‫ل َ‬‫قُعودِ أوّ َ‬ ‫ضيت ُ ْ‬
‫م َر ِ‬ ‫ي عَد ُّوا إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫معِ َ‬‫قات ُِلوا َ‬ ‫ن تُ َ‬‫دا وَل َ ْ‬ ‫أب َ ً‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م عََلى قَب ْرِهِ إ ِن ّهُ ْ‬
‫م‬ ‫ق ْ‬ ‫دا وََل ت َ ُ‬‫ت أب َ ً‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫حد ٍ ِ‬‫ل عََلى أ َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ن )‪ (83‬وََل ت ُ َ‬ ‫في َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫خال ِ ِ‬
‫ن )‪(84‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫م َفا ِ‬ ‫ماُتوا وَهُ ْ‬ ‫سول ِهِ وَ َ‬‫فُروا ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫كَ َ‬

‫وقال الحافظ أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ‪ :‬حدثنا محمد بن‬
‫العباس ‪ ،‬حدثنا حماد الجزري ‪ ،‬عن زيد بن ُرفَْيع ‪ ،‬رفعه قال ‪" :‬إن أهل النار‬
‫إذا دخلوا النار بكوا الدموع زمانا ‪ ،‬ثم بكوا القيح زمانا" قال ‪" :‬فتقول لهم‬
‫خَزَنة ‪ :‬يا معشر الشقياء ‪ ،‬تركتم البكاء في الدار المرحوم فيها أهلها في‬ ‫ال َ‬
‫الدنيا ‪ ،‬هل تجدون اليوم من تستغيثون به ؟ قال ‪ :‬فيرفعون )‪ (1‬أصواتهم ‪ :‬يا‬
‫أهل الجنة ‪ ،‬يا معشر الباء والمهات والولد ‪ ،‬خرجنا من القبور عطاشا ‪،‬‬
‫وكنا طول الموقف عطاشا ‪ ،‬ونحن اليوم عطاش ‪ ،‬فأفيضوا علينا من الماء أو‬
‫مما رزقكم الله ‪ ،‬فيدعون أربعين سنة ل يجيبهم ‪ ،‬ثم يجيبهم ‪ } :‬إ ِن ّك ُ ْ‬
‫م‬
‫ن { ]الزخرف ‪ [77 :‬فييأسون من كل خير" )‪(2‬‬ ‫ماك ُِثو َ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫ع‬‫م‬ ‫جوا‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ج‬ ‫رو‬ ‫خ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫نو‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ئ‬ ‫طا‬‫َ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫}‬
‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ْ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫َ‬ ‫دوا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫ر‬
‫َ ّ‬‫م‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ّ‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫عو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫با‬
‫ْ ِ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ضي‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ّ ِ ْ َ‬‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫وا‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ي‬
‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫لوا‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫دا وَل َ ْ‬ ‫أب َ ً‬
‫ن )‪{ (83‬‬ ‫في َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ه { أي ‪:‬‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ن َر َ‬ ‫يقول تعالى آمرا لرسوله عليه الصلة والسلم )‪ } (3‬فَإ ِ ْ‬
‫م { قال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أنهم كانوا‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫فةٍ ِ‬ ‫طائ ِ َ‬ ‫ردك الله من غَْزَوتك هذه } إ َِلى َ‬
‫ق ْ‬
‫ل‬ ‫خُروِج { أي ‪ :‬معك إلى غزوة أخرى ‪ } ،‬فَ ُ‬ ‫ك ل ِل ْ ُ‬ ‫ست َأ ْذ َُنو َ‬ ‫اثني عشر رجل } َفا ْ‬
‫َ‬
‫ي عَد ُّوا { أي ‪ :‬تعزيرا لهم وعقوبة‪ .‬ثم‬ ‫معِ َ‬ ‫قات ُِلوا َ‬ ‫ن تُ َ‬ ‫دا وَل َ ْ‬ ‫ي أب َ ً‬ ‫معِ َ‬ ‫جوا َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫لَ ْ‬
‫َ‬ ‫م ِبال ْ ُ‬
‫مّرةٍ { وهذا كقوله تعالى ‪:‬‬ ‫ل َ‬ ‫قُعودِ أوّ َ‬ ‫ضيت ُ ْ‬ ‫م َر ِ‬ ‫علل ذلك بقوله ‪ } :‬إ ِن ّك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مّرةٍ { ]النعام ‪[110 :‬‬ ‫ل َ‬ ‫مُنوا ب ِهِ أوّ َ‬ ‫م ي ُؤْ ِ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫م كَ َ‬ ‫صاَرهُ ْ‬ ‫م وَأب ْ َ‬ ‫ب أفْئ ِد َت َهُ ْ‬ ‫قل ّ ُ‬ ‫} وَن ُ َ‬
‫فإن من جزاء السيئة السيئة بعدها كما أن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها ‪،‬‬
‫م‬
‫مَغان ِ َ‬ ‫م إ َِلى َ‬ ‫قت ُ ْ‬ ‫ن إ َِذا ان ْط َل َ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫سي َ ُ‬ ‫عمرة الحديبية ‪َ } :‬‬ ‫كما قال في ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫م َقا َ‬
‫ل‬ ‫ن ت َت ّب ُِعوَنا ك َذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ل لَ ْ‬‫م الل ّهِ قُ ْ‬ ‫كل َ‬ ‫ن ي ُب َد ُّلوا َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ها ذ َُروَنا ن َت ّب ِعْك ُ ْ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ل ِت َأ ُ‬
‫ل { ]الفتح ‪[15 :‬‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ن { قال ابن عباس ‪ :‬أي الرجال الذين‬ ‫في َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫معَ ال ْ َ‬ ‫دوا َ‬ ‫وقوله تعالى ‪َ } :‬فاقْعُ ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬مع النساء‪.‬‬ ‫في َ‬ ‫معَ ال ْ َ‬
‫خال ِ ِ‬ ‫دوا َ‬ ‫تخلفوا عن الغزاة‪ .‬وقال قتادة ‪َ } :‬فاقْعُ ُ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وهذا ل يستقيم ؛ لن جمع النساء ل يكون بالياء والنون ‪ ،‬ولو‬
‫أريد النساء لقال ‪ :‬فاقعدوا مع الخوالف ‪ ،‬أو الخالفات ‪ ،‬ورجح قول ابن‬
‫عباس رضي الله عنهما )‪(5) (4‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فُروا ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م عََلى قَب ْرِهِ إ ِن ّهُ ْ‬
‫م كَ َ‬ ‫ق ْ‬
‫دا َول ت َ ُ‬‫ت أب َ ً‬‫ما َ‬‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫حد ٍ ِ‬‫ل عََلى أ َ‬ ‫ص ّ‬
‫} َول ت ُ َ‬
‫ن )‪{ (84‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫م َفا ِ‬ ‫ماُتوا وَهُ ْ‬
‫سول ِهِ وَ َ‬
‫وََر ُ‬
‫أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن ي َب َْرأ من المنافقين ‪ ،‬وأل‬
‫يصلي )‪ (6‬على أحد منهم إذا مات ‪ ،‬وأل‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬فيرفعوا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صفة النار )ق ‪ 152‬ظاهرية( وله شواهد من حديث أبي موسى الشعري‬
‫وأبي سعيد الخدري ‪ ،‬رضي الله عنهما‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬عنه"‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(14/405‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ونهاه أن يصلي"‪.‬‬

‫) ‪(4/192‬‬

‫يقوم على قبره ليستغفر له أو يدعو له ؛ لنهم كفروا بالله ورسوله ‪ ،‬وماتوا‬
‫عليه‪ .‬وهذا حكم عام في كل من عرف نفاقه ‪ ،‬وإن كان سبب نزول الية في‬
‫ي بن سلول رأس المنافقين ‪ ،‬كما قال البخاري ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫عبد الله بن أب َ ّ‬
‫حدثنا عَُبيد بن إسماعيل ‪ ،‬عن أبي أسامة ‪ ،‬عن عبيد الله ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن‬
‫عمر قال ‪ :‬لما توفي عبد الله ‪ -‬هو ابن أبي ‪ -‬جاء ابنه عبد الله بن عبد الله‬
‫فن فيه‬ ‫إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فسأله أن يعطيه قميصه ي ُك َ ّ‬
‫ل الله صلى الله عليه‬ ‫أباه ‪ ،‬فأعطاه ‪ ،‬ثم سأله أن يصلي عليه ‪ ،‬فقام رسو ُ‬
‫وسلم ليصلي عليه ‪ ،‬فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه ؟! فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إنما خيرني الله فقال ‪ } :‬استغْفر ل َهم أوَ‬
‫ْ َ ِ ْ ُ ْ ْ‬
‫م { وسأزيده‬ ‫ه ل َهُ ْ‬
‫فَر الل ّ ُ‬ ‫مّرة ً فَل َ ْ‬
‫ن ي َغْ ِ‬ ‫ن َ‬
‫سب ِْعي َ‬‫م َ‬ ‫فْر ل َهُ ْ‬
‫ست َغْ ِ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫فْر ل َهُ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬
‫ل تَ ْ‬
‫ل الله صلى الله‬ ‫على السبعين"‪ .‬قال ‪ :‬إنه منافق! قال ‪ :‬فصلى عليه ]رسو ُ‬
‫َ‬
‫ت‬‫ما َ‬
‫م َ‬‫من ْهُ ْ‬‫حد ٍ ِ‬ ‫ل عََلى أ َ‬ ‫ص ّ‬ ‫عليه وسلم[ )‪ (1‬فأنزل الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬آية ‪َ } :‬ول ت ُ َ‬
‫م عََلى قَب ْرِهِ {‬ ‫َ‬
‫ق ْ‬‫دا َول ت َ ُ‬ ‫أب َ ً‬
‫وكذا رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬عن أبي أسامة حماد بن‬
‫أسامة ‪ ،‬به )‪(2‬‬
‫ثم رواه البخاري عن إبراهيم بن المنذر ‪ ،‬عن أنس بن عياض ‪ ،‬عن عبيد الله‬
‫‪ -‬وهو ابن عمر ‪ -‬العمري ‪ -‬به وقال ‪ :‬فصلى عليه ‪ ،‬وصلينا معه ‪ ،‬وأنزل الله ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫دا { الية‪.‬‬ ‫ت أب َ ً‬‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل عََلى أ َ‬
‫حد ٍ ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫} َول ت ُ َ‬
‫وهكذا رواه المام أحمد ‪ ،‬عن يحيى بن سعيد القطان ‪ ،‬عن عبيد الله ‪ ،‬به )‬
‫‪(3‬‬
‫وقد ُروي من حديث عمَر بن الخطاب نفسه أيضا بنحو من هذا ‪ ،‬فقال المام‬
‫أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا يعقوب ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن ابن إسحاق ‪ ،‬حدثني الزهري ‪ ،‬عن عبيد الله‬
‫بن عبد الله ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬سمعت عمَر بن الخطاب ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه‪ .‬يقول لما ُتوفي عبد الله بن ]أبي دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ت حتى قمت في‬ ‫للصلة عليه ‪ ،‬فقام إليه ‪ ،‬فلما وقف عليه يريد الصلة تحول ُ‬
‫صدره ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أعلى عَد ُوّ الله عبد الله بن[ )‪ (4‬أبي القائل‬
‫دد أيامه ‪ -‬قال ‪ :‬ورسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫يوم كذا ‪ :‬كذا وكذا ‪ -‬ي ُعَ ّ‬
‫ت‪،‬‬ ‫خّيرت فاختر ُ‬ ‫خر عني يا عمر ‪ ،‬إني ُ‬ ‫يتبسم ‪ ،‬حتى إذا أكثرت عليه قال ‪" :‬أ ّ‬
‫مّرةً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قد قيل لي ‪ } :‬استغْفر ل َه َ‬
‫ن َ‬‫سب ِْعي َ‬
‫م َ‬ ‫فْر لهُ ْ‬‫ست َغْ ِ‬‫ن تَ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫فْر لهُ ْ‬
‫ست َغْ ِ‬‫م أوْ ل ت َ ْ‬ ‫ْ َ ِ ْ ُ ْ‬
‫غفر‬ ‫م { ]التوبة ‪ [80 :‬لو أعلم أنى إن زدت على السبعين ُ‬ ‫ه ل َهُ ْ‬ ‫فَر الل ّ ُ‬ ‫فَل َ ْ‬
‫ن ي َغْ ِ‬
‫له لزدت"‪ .‬قال ‪ :‬ثم صلى عليه ‪ ،‬ومشى معه ‪ ،‬وقام على قبره حتى ُفرغ منه‬
‫ب لي وجراءتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬والله‬ ‫ج ٌ‬ ‫‪ -‬قال ‪ :‬فَعَ َ‬
‫ورسوله أعلم! قال ‪ :‬فوالله ما كان إل يسيًرا حتى نزلت هاتان اليتان ‪َ } :‬ول‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫فُروا ِبالل ّهِ وََر ُ‬
‫سول ِ ِ‬ ‫م كَ َ‬ ‫م عََلى قَب ْرِهِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫دا َول ت َ ُ‬
‫ت أب َ ً‬
‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫حد ٍ ِ‬ ‫ل عََلى أ َ‬ ‫ص ّ‬‫تُ َ‬
‫ن{‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫م َفا ِ‬ ‫ماُتوا وَهُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (4670‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2774‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (4672‬والمسند )‪.(2/18‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬

‫) ‪(4/193‬‬

‫فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق ‪ ،‬ول قام على‬
‫قبره ‪ ،‬حتى قبضه الله ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫وهكذا رواه الترمذي في "التفسير" من حديث محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن‬
‫كير ‪،‬‬‫الزهري ‪ ،‬به )‪ (1‬وقال ‪ :‬حسن صحيح‪ .‬ورواه البخاري عن يحيى بن ب ُ َ‬
‫خر عني يا‬ ‫قيل ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬به ‪ ،‬فذكر مثله وقال ‪" :‬أ ّ‬ ‫عن الليث ‪ ،‬عن عُ َ‬
‫ت ‪ ،‬ولو أعلم أنى إن زدت‬ ‫خّيرت فاختر ُ‬ ‫عمر"‪ .‬فلما أكثرت عليه قال ‪" :‬إّني ُ‬
‫فر )‪ (2‬له لزدت عليها"‪ .‬قال ‪ :‬فصلى عليه رسول الله صلى‬ ‫على السبعين ي ُغْ َ‬
‫الله عليه وسلم ثم انصرف ‪ ،‬فلم يلبث إل يسيرا حتى نزلت اليتان من براءة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت بعد‬ ‫م عََلى قَب ْرِهِ { الية ‪ ،‬فعجب ُ‬‫ق ْ‬
‫دا َول ت َ ُ‬‫ت أب َ ً‬‫ما َ‬
‫م َ‬‫من ْهُ ْ‬ ‫ل عََلى أ َ‬
‫حد ٍ ِ‬ ‫ص ّ‬
‫‪َ } :‬ول ت ُ َ‬
‫جْرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ورسول الله صلى الله‬ ‫من ُ‬
‫عليه وسلم أعلم‪(3) .‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن أبي عَُبيد ‪ ،‬حدثنا عبد الملك ‪ ،‬عن أبي‬
‫ي صلى الله‬ ‫ي ‪ ،‬أتى ابنه النب ّ‬
‫الزبير ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬لما مات عبد الله بن أب ّ‬
‫عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إنك إن لم تأته لم نزل ن ُعَّير بهذا‪ .‬فأتاه‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فوجده قد أدخل في حفرته ‪ ،‬فقال ‪ :‬أفل قبل‬
‫فل عليه من قرنه إلى قدمه ‪ ،‬وألبسه‬ ‫حفرته ‪ ،‬وت َ َ‬ ‫ج من ُ‬ ‫أن تدخلوه! َفأخر َ‬
‫قميصه‪.‬‬
‫ورواه النسائي ‪ ،‬عن أبي داود الحراني ‪ ،‬عن يعلى بن عبيد ‪ ،‬عن عبد الملك ‪-‬‬
‫وهو ابن أبي سليمان به )‪(4‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا عبد الله بن عثمان ‪ ،‬أخبرنا ابن عَُيينة ‪ ،‬عن عمرو ‪،‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن‬ ‫سمع جابر بن عبد الله قال ‪ :‬أتى النب ّ‬
‫ي بعد ما أدخل في قبره ‪ ،‬فأمر به فأخرج ‪ ،‬ووضع على ركبتيه ‪ ،‬ونفث عليه‬ ‫أب ّ‬
‫من ريقه ‪ ،‬وألبسه قميصه ‪ ،‬والله أعلم )‪(5‬‬
‫وقد رواه أيضا في غير موضع مع مسلم والنسائي ‪ ،‬من غير وجه ‪ ،‬عن‬
‫سفيان بن عيينة ‪ ،‬به )‪(6‬‬
‫وقال المام أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار في مسنده ‪ :‬حدثنا‬
‫عمرو بن علي ‪ ،‬حدثنا يحيى ‪ ،‬حدثنا مجالد ‪ ،‬حدثنا عامر ‪ ،‬حدثنا جابر)ح(‬
‫وحدثنا يوسف بن موسى ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن مغراء الدوسي ‪ ،‬حدثنا‬
‫مجالد ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬لما مات رأس المنافقين ‪ -‬قال يحيى‬
‫بن سعيد ‪ :‬بالمدينة ‪ -‬فأوصى أن يصلي عليه النبي )‪ (7‬صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ ،‬فجاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (1/16‬وسنن الترمذي برقم )‪.(3097‬‬
‫)‪ (2‬في ك ‪" :‬لغفر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪.(4671‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (3/371‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(9665‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪.(5795‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪ (3008 ، 1350 ، 1270‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪ (2773‬وسنن النسائي )‪.(38 ، 4/37‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬رسول الله"‪.‬‬

‫) ‪(4/194‬‬

‫إن أبي أوصى أن يكفن في قميصك ‪ -‬وهذا الكلم في حديث عبد الرحمن بن‬
‫مغراء ‪ -‬قال يحيى في حديثه ‪ :‬فصلى عليه ‪ ،‬وألبسه قميصه ‪ ،‬فأنزل الله‬
‫م عََلى قَب ْرِهِ { وزاد عبد‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق ْ‬
‫دا َول ت َ ُ‬ ‫ت أب َ ً‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل عََلى أ َ‬
‫حد ٍ ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫تعالى ‪َ } :‬ول ت ُ َ‬
‫الرحمن ‪ :‬وخلع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه ‪ ،‬فأعطاه إياه ‪ ،‬ومشى‬
‫فصلى عليه ‪ ،‬وقام على قبره ‪ ،‬فأتاه جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬لما ولى قال ‪} :‬‬
‫م عََلى قَب ْرِهِ { )‪ (1‬وهذا إسناد ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق ْ‬
‫دا َول ت َ ُ‬ ‫ت أب َ ً‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫حد ٍ ِ‬ ‫ل عََلى أ َ‬ ‫ص ّ‬ ‫َول ت ُ َ‬
‫بأس به ‪ ،‬وما قبله شاهد له‪.‬‬
‫وقال المام أبو جعفر الطبري ‪ :‬حدثنا ]أحمد بن إسحاق ‪ ،‬حدثنا[ )‪ (2‬أبو‬
‫أحمد ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن يزيد الرقاشي ‪ ،‬عن أنس ‪ :‬أن رسول الله‬
‫ي ‪ ،‬فأخذ جبريل‬ ‫صلى الله عليه وسلم أراد أن يصلي على عبد الله بن أب ّ‬
‫م عََلى قَب ْرِهِ {‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق ْ‬
‫دا َول ت َ ُ‬ ‫ت أب َ ً‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫حد ٍ ِ‬ ‫ل عََلى أ َ‬ ‫ص ّ‬ ‫بثوبه وقال ‪َ } :‬ول ت ُ َ‬
‫ورواه الحافظ أبو يعلى في مسنده ‪ ،‬من حديث يزيد الرقاشي )‪ (3‬وهو‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫ي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫وقال قتادة ‪ :‬أرسل عبد الله بن أب ّ‬
‫وهو مريض ‪ ،‬فلما دخل عليه قال له النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أهلكك‬
‫ت إليك لتستغفر لي ‪ ،‬ولم أرسل‬ ‫ب يهود"‪ .‬قال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إنما أرسل ُ‬ ‫ح ّ‬
‫إليك لتؤنبني! ثم سأله عبد الله أن يعطيه قميصه أن يكفن فيه أباه ‪ ،‬فأعطاه‬
‫ل عََلى‬‫ص ّ‬ ‫إياه ‪ ،‬وصلى عليه ‪ ،‬وقام على قبره ‪ ،‬فأنزل الله ‪ ،‬عز وجل ‪َ } :‬ول ت ُ َ‬
‫م عََلى قَب ْرِهِ {‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق ْ‬ ‫دا َول ت َ ُ‬ ‫ت أب َ ً‬ ‫ما َ‬‫م َ‬‫من ْهُ ْ‬
‫حد ٍ ِ‬‫أ َ‬
‫ي لما قدم‬ ‫ُ‬
‫وقد ذكر بعض السلف أنه إنما ألبسه قميصه ؛ لن عبد الله بن أب ّ‬
‫ي؛‬ ‫ُ‬ ‫العباس ُ‬
‫جد على تفصيله إل ثوب عبد الله بن أب ّ‬ ‫طلب له قميص ‪ ،‬فلم ُيو َ‬
‫ما طويل ففعل ذلك به رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬ ‫لنه كان ضخ ً‬
‫مكافأة له ‪ ،‬فالله أعلم ‪ ،‬ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد‬
‫نزول هذه الية الكريمة عليه ل يصلي على أحد من المنافقين ‪ ،‬ول يقوم‬
‫على قبره ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا يعقوب ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬حدثني عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه‬
‫قال ‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعي لجنازة سأل عنها ‪ ،‬فإن‬
‫أثني عليها خيًرا قام فصلى عليها ‪ ،‬وإن أثني عليها غير ذلك قال لهلها ‪:‬‬
‫"شأنكم بها" ‪ ،‬ولم يصل عليها )‪(4‬‬
‫جِهل حاله ‪ ،‬حتى يصلي عليها‬ ‫وكان عمر بن الخطاب ل يصلي على جنازة من ُ‬
‫حذيفة بن اليمان ؛ لنه كان يعلم أعيان منافقين قد أخبره )‪ (5‬بهم رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا كان يقال له ‪" :‬صاحب السر" الذي ل‬
‫يعلمه غيره أي من الصحابة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ورواه ابن ماجه في السنن برقم )‪ (1524‬من طريق يحيى بن سعيد عن‬
‫مجالد به نحوه‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪ (14/407‬ومسند أبي يعلى )‪.(7/145‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(5/299‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬أعلمه"‪.‬‬

‫) ‪(4/195‬‬

‫ك أ َموال ُهم وأ َوَلدهُم إنما يريد الل ّ َ‬


‫ق‬
‫م ب َِها ِفي الد ّن َْيا وَت َْزهَ َ‬ ‫ن ي ُعَذ ّب َهُ ْ‬
‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫جب ْ َ ْ َ ُ ْ َ ْ ُ ْ ِ ّ َ ُ ِ ُ‬ ‫وََل ت ُعْ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫ع‬
‫م َ‬
‫دوا َ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وَ َ‬ ‫ن آَ ِ‬ ‫سوَرة ٌ أ ْ‬ ‫ت ُ‬‫ن )‪ (85‬وَإ َِذا أن ْزِل َ ْ‬ ‫م َ‬
‫كافُِرو َ‬ ‫م وَهُ ْ‬
‫سهُ ْ‬‫ف ُ‬
‫معَ ال ْ َ‬ ‫ْ‬
‫رسول ِه استأذ َن َ ُ‬
‫ن )‪(86‬‬ ‫دي َ‬ ‫ع ِ‬
‫قا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م وََقاُلوا ذ َْرَنا ن َك ُ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ل ِ‬ ‫ك أوُلو الط ّوْ ِ‬ ‫َ ُ ِ ْ َ َ‬

‫مر أنه أراد أن يصلي على‬ ‫وقال أبو عَُبيد في كتاب "الغريب" ‪ ،‬في حديث عُ َ‬
‫صده عن الصلة عليها ‪ ،‬ثم حكي‬ ‫حذيفة ‪ ،‬كأنه أراد أن ي َ ُ‬ ‫جنازة رجل ‪َ ،‬فمَرَزه ُ‬
‫قْرص بأطراف الصابع‪.‬‬ ‫عن بعضهم أن "المرز" بلغة أهل اليمامة هو ‪ :‬ال َ‬
‫ولما نهى الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬عن الصلة على المنافقين والقيام على قبورهم‬
‫قُربات في حق المؤمنين ‪ ،‬فشرع‬ ‫للستغفار لهم ‪ ،‬كان هذا الصنيعُ من أكبر ال ُ‬
‫ذلك‪ .‬وفي فعله الجر الجزيل ‪ ،‬لما )‪ (1‬ثبت في الصحاح وغيرها من حديث‬
‫أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬من شهد الجنازة‬
‫حتى يصّلي عليها فله قيراط ‪ ،‬ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان"‪ .‬قيل ‪:‬‬
‫وما القيراطان ؟ قال ‪" :‬أصغرهما مثل أحد" )‪(2‬‬
‫وأما القيام عند قبر المؤمن إذا مات فقد قال أبو داود ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن‬
‫موسى الرازي ‪ ،‬أخبرنا هشام ‪ ،‬عن عبد الله بن َبحير ‪ ،‬عن هانئ ‪ -‬وهو أبو‬
‫سعيد البربري ‪ ،‬مولى عثمان بن عفان ‪ -‬عن عثمان ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الرجل وقف عليه وقال ‪:‬‬
‫"استغفروا لخيكم ‪ ،‬واسألوا له التثبيت ‪ ،‬فإنه الن يسأل"‪.‬‬
‫انفرد بإخراجه أبو داود ‪ ،‬رحمه الله )‪(3‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫} ول تعجب َ َ‬
‫ق‬ ‫ن ي ُعَذ ّب َهُ ْ‬
‫م ب َِها ِفي الد ّن َْيا وَت َْزهَ َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ريد ُ الل ّ ُ‬
‫ما ي ُ ِ‬
‫م إ ِن ّ َ‬
‫م وَأْولد ُهُ ْ‬‫وال ُهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫َ ُْ ِ ْ‬
‫ن )‪{ (85‬‬ ‫ُ َ‬‫رو‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫م‬
‫م وَ ْ‬
‫ُ‬ ‫ه‬ ‫سهُ ْ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫ف ُ‬
‫قد تقدم تفسير نظير هذه الية الكريمة )‪ (4‬ولله الحمد‪.‬‬
‫} وإَذا ُأنزل َت سورة ٌ أ َن آمنوا بالل ّه وجاهدوا مع رسول ِه استأ ْذ َن َ ُ‬
‫ك أوُلو الط ّوْ ِ‬
‫ل‬ ‫َ َ َ ُ ِ ْ َ َ‬ ‫ْ ِ ُ ِ ِ َ َ ِ ُ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫َِ‬
‫ن )‪{ (86‬‬ ‫دي َ‬
‫ع ِ‬
‫قا ِ‬ ‫ْ‬
‫معَ ال َ‬
‫ن َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م وَقالوا ذ َْرَنا ن َك ْ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬كما"‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (1325‬ومسلم في صحيحه برقم )‬
‫‪.(945‬‬
‫)‪ (3‬سنن أبي داود برقم )‪.(3221‬‬
‫)‪ (4‬انظر تفسير الية ‪ 55 :‬من هذه السورة‪.‬‬

‫) ‪(4/196‬‬

‫م َل ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(87‬‬ ‫قُهو َ‬‫ف َ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫ف وَط ُب ِعَ عََلى قُُلوب ِهِ ْ‬‫وال ِ ِ‬‫خ َ‬‫معَ ال ْ َ‬
‫كوُنوا َ‬‫ن يَ ُ‬ ‫ضوا ب ِأ ْ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪{ (87‬‬ ‫قُهو َ‬
‫ف َ‬
‫م ل يَ ْ‬ ‫م فَهُ ْ‬‫ف وَط ُب ِعَ عََلى قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫وال ِ ِ‬
‫خ َ‬‫معَ ال ْ َ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫كوُنوا َ‬ ‫ضوا ب ِأ ْ‬ ‫} َر ُ‬
‫ما للمتخلفين عن الجهاد ‪ ،‬الناكلين عنه مع القدرة عليه‬ ‫يقول تعالى منكًرا وذا ً‬
‫ول ‪ ،‬واستأذنوا الرسول في القعود ‪ ،‬وقالوا ‪ } :‬ذ َْرَنا‬ ‫‪ ،‬ووجود السعة والط ّ ْ‬
‫ن { ورضوا لنفسهم بالعار والقعود في البلد مع النساء ‪،‬‬ ‫دي َ‬
‫ع ِ‬
‫قا ِ‬‫معَ ال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن َك ُ ْ‬
‫وهن الخوالف ‪ ،‬بعد خروج الجيش ‪ ،‬فإذا وقع الحرب كانوا أجبن الناس ‪ ،‬وإذا‬
‫ما ‪ ،‬كما قال ]الله[ )‪ (1‬تعالى ‪ ،‬عنهم في الية‬ ‫َ‬
‫ن كانوا أكثر الناس كل ً‬ ‫م ٌ‬‫كان أ ْ‬
‫الخرى ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬

‫) ‪(4/196‬‬

‫م وَُأول َئ ِ َ‬ ‫م وَأ َن ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬


‫م‬‫ك ل َهُ ُ‬ ‫سهِ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫وال ِهِ ْ‬‫م َ‬
‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫جاهَ ُ‬
‫ه َ‬ ‫معَ ُ‬
‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ل َوال ّ ِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫لك ِ ِ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫حت َِها‬
‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ه ل َهُ ْ‬
‫ن )‪ (88‬أعَد ّ الل ّ ُ‬ ‫حو َ‬‫فل ِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ت وَأول َئ ِ َ‬ ‫خي َْرا ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫اْل َن َْهاُر َ‬
‫ب‬‫ن اْلعَْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫معَذ ُّرو َ‬ ‫جاَء ال ْ ُ‬ ‫م )‪ (89‬وَ َ‬ ‫ظي ُ‬‫فوُْز ال ْعَ ِ‬‫ك ال ْ َ‬ ‫ن ِفيَها ذ َل ِ َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬
‫ب‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ب ال ّ ِ‬ ‫صي ُ‬ ‫سي ُ ِ‬‫ه َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬‫ن ك َذ َُبوا الل ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م وَقَعَد َ ال ّ ِ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫ل ِي ُؤْذ َ َ‬
‫م )‪(90‬‬ ‫َ‬
‫أِلي ٌ‬
‫َ‬ ‫خو ُ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫شى عَل َي ْهِ ِ‬ ‫ذي ي ُغْ َ‬ ‫كال ّ ِ‬
‫م َ‬ ‫دوُر أعْي ُن ُهُ ْ‬ ‫ك تَ ُ‬ ‫ن إ ِل َي ْ َ‬ ‫م ي َن ْظ ُُرو َ‬ ‫ف َرأي ْت َهُ ْ‬ ‫جاَء ال ْ َ ْ‬ ‫} فَإ َِذا َ‬
‫َ‬
‫داد ٍ { ]الحزاب ‪ [19 :‬أي ‪ :‬علت‬ ‫ح َ‬‫سن َةٍ ِ‬ ‫م ب ِأل ْ ِ‬ ‫قوك ُ ْ‬ ‫سل َ ُ‬‫ف َ‬ ‫خو ْ ُ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ت فَإ َِذا ذ َهَ َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ألسنتهم بالكلم الحاد القوي في المن ‪ ،‬وفي الحرب أجبن شيء ‪ ،‬وكما قال‬
‫الشاعر )‪(1‬‬
‫ك )‪(2‬‬ ‫ساِء الَعوارِ ِ‬ ‫حْرب أشباهُ الن ّ َ‬ ‫ة‪َ ...‬وفي ال َ‬ ‫فاًء َوغل ْظ َ ً‬ ‫سلم أعياًرا ج َ‬ ‫أفي ال ّ‬
‫سوَرة ٌ فَإ َِذا‬ ‫ت ُ‬ ‫َ‬
‫ول نزل ْ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ل ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ل ال ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫وقال تعالى )‪ (3‬في الية الخرى ‪ } :‬وَي َ ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫ض ي َن ْظُرو َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي قُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ال ِ‬ ‫ل َرأي ْ َ‬ ‫قَتا ُ‬ ‫ة وَذ ُك َِر ِفيَها ال ْ ِ‬ ‫م ٌ‬ ‫حك َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سوَرة ٌ ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫أنزل َ ْ‬
‫م َ‬ ‫َ‬
‫ف فَإ َِذا‬ ‫معُْرو ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫ة وَقَوْ ٌ‬ ‫طاعَ ٌ‬ ‫ت فَأوَْلى ل َهُ ْ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ي عَل َي ْهِ ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫ك ن َظ ََر ال ْ َ‬ ‫إ ِل َي ْ َ‬
‫ل عَسيتم إن تول ّيت َ‬
‫دوا‬ ‫س ُ‬‫ف ِ‬ ‫ن تُ ْ‬‫مأ ْ‬ ‫َ ُْ ْ ِ ْ َ َ ُْ ْ‬ ‫م ]فَهَ ْ‬ ‫خي ًْرا ل َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫صد َُقوا الل ّ َ‬ ‫مُر فَل َوْ َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫عََز َ‬
‫ض[ ]الية[ )‪] (4‬محمد ‪(5) { [22 - 20 :‬‬ ‫ِفي الْر ِ‬
‫م { أي ‪ :‬بسبب )‪ (6‬نكولهم عن الجهاد والخروج‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَطب ِعَ عَلى قُلوب ِهِ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل يفهمون ما فيه صلح‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫مع الرسول في سبيل الله ‪ } ،‬فَهُ ْ‬
‫لهم فيفعلوه ‪ ،‬ول ما فيه مضرة لهم فيجتنبوه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫م وَأولئ ِك لهُ ُ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م وَأن ْ ُ‬‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل َوال ّ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫َ‬
‫} لك ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫حت َِها‬‫ن تَ ْ‬‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ه ل َهُ ْ‬‫ن )‪ (88‬أعَد ّ الل ّ ُ‬ ‫حو َ‬‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ت وَأول َئ ِ َ‬ ‫خي َْرا ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م )‪{ (89‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫فوُْز ال ْعَ ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ن ِفيَها ذ َل ِ َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬‫الن َْهاُر َ‬
‫لما ذكر تعالى ذم المنافقين ‪ ،‬بّين ثناء المؤمنين ‪ ،‬وما لهم في آخرتهم ‪ ،‬فقال‬
‫دوا { إلى آخر اليتين من بيان حالهم‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫معَ ُ‬‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل َوال ّ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫َ‬
‫‪ } :‬لك ِ ِ‬
‫ومآلهم‪.‬‬
‫ت { أي ‪ :‬في الدار الخرة ‪ ،‬في جنات‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَأولئ ِ َ‬
‫خي َْرا ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫ك لهُ ُ‬
‫الفردوس والدرجات العلى‪.‬‬
‫هَ‬
‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن كذ َُبوا الل َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫م وَقَعَد َ ال ِ‬ ‫َ‬
‫ن لهُ ْ‬ ‫ب ل ِي ُؤْذ َ َ‬ ‫ن العَْرا ِ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫معَذ ُّرو َ‬ ‫جاَء ال ْ ُ‬ ‫} وَ َ‬
‫م )‪{ (90‬‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫صي ُ‬ ‫سي ُ ِ‬‫َ‬
‫ثم ب َّين تعالى حال ذوي العذار في ترك الجهاد ‪ ،‬الذين جاءوا رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه ‪ ،‬ويبينون له ما هم فيه من الضعف ‪،‬‬
‫وعدم القدرة على الخروج ‪ ،‬وهم من أحياء العرب ممن حول المدينة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬البيت في السيرة النبوية لبن هشام )‪ (1/656‬منسوبا إلى هند بنت عتبة‬
‫‪ ،‬والعيار ‪ :‬جميع عير وهو الحمار ‪ ،‬والعوارك ‪ :‬هن الحوائض‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬العوازل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬الله"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ك ‪" :‬بسببهم"‪.‬‬

‫) ‪(4/197‬‬

‫ن‬‫قو َ‬ ‫ما ي ُن ْفِ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن َل ي َ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ضى وََل عََلى ال ّ ِ‬ ‫مْر َ‬ ‫فاِء وََل عََلى ال ْ َ‬ ‫ضعَ َ‬ ‫س عََلى ال ّ‬ ‫ل َي ْ َ‬
‫م)‬
‫حي ٌ‬‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ل َوالل ّ ُ‬ ‫سِبي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫ما عََلى ال ْ ُ‬ ‫سول ِهِ َ‬ ‫حوا ل ِل ّهِ وََر ُ‬ ‫ص ُ‬‫ج إ َِذا ن َ َ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وا‬
‫م عَلي ْهِ ت َوَل ْ‬ ‫مل ك ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫جد ُ َ‬ ‫تلأ ِ‬ ‫م قل َ‬ ‫ملهُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ما أت َوْك ل ِت َ ْ‬ ‫ن إ َِذا َ‬‫ذي َ‬ ‫‪ (91‬وَل عَلى ال ِ‬
‫َ‬
‫سِبيل عَلى‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما ال ّ‬ ‫ن )‪ (92‬إ ِن ّ َ‬ ‫قو َ‬ ‫ما ي ُن ْفِ ُ‬ ‫دوا َ‬ ‫ج ُ‬ ‫حَزًنا أل ي َ ِ‬ ‫مِع َ‬ ‫ن الد ّ ْ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ض ِ‬ ‫ُ‬ ‫في‬ ‫م تَ ِ‬
‫وَأعْي ُن ُهُ ْ‬
‫ه عََلى‬ ‫َ‬ ‫ك وهُ َ‬ ‫ْ‬
‫ف وَط َب َعَ الل ّ ُ‬ ‫وال ِ ِ‬ ‫معَ ال ْ َ‬
‫خ َ‬ ‫كوُنوا َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ضوا ب ِأ ْ‬ ‫م أغْن َِياُء َر ُ‬ ‫ست َأذُِنون َ َ َ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن )‪(93‬‬ ‫مو َ‬‫م َل ي َعْل َ ُ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫قُُلوب ِهِ ْ‬

‫معْذ َُرون" بالتخفيف ‪،‬‬ ‫جاءَ ال ُ‬‫قال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬إنه كان يقرأ ‪" :‬وَ َ‬
‫ويقول ‪ :‬هم أهل العذر‪.‬‬
‫ميد ‪ ،‬عن مجاهد سواء‪.‬‬ ‫ح َ‬
‫وكذا روى ابن عيينة ‪ ،‬عن ُ‬
‫خفاف بن إيماء بن‬ ‫فر من بني غفار منهم ‪ُ :‬‬ ‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وبلغني أنهم ن َ َ‬
‫حضة‪.‬‬ ‫َر َ‬
‫ن‬ ‫ذي‬‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬
‫َ َ َ ِ َ‬‫د‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ق‬‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫هذا‬ ‫بعد‬ ‫قال‬ ‫لنه‬ ‫؛‬ ‫الية‬ ‫معنى‬ ‫في‬ ‫الظهر‬ ‫هو‬ ‫القول‬ ‫وهذا‬
‫ه { أي ‪ :‬لم يأتوا فيعتذروا‪.‬‬ ‫سول َ ُ‬‫ه وََر ُ‬ ‫ك َذ َُبوا الل ّ َ‬
‫ب { قال ‪ :‬نفر من‬ ‫ن العَْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫جاَء ال ْ ُ‬
‫معَذ ُّرو َ‬ ‫جَرْيج عن مجاهد ‪ } :‬وَ َ‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫بني غفار ‪ ،‬جاءوا فاعتذروا فلم ُيعذْرهم الله‪ .‬وكذا قال الحسن ‪ ،‬وقتادة ‪،‬‬
‫ومحمد بن إسحاق ‪ ،‬والقول الول أظهر )‪ (1‬والله أعلم ‪ ،‬لما قدمنا من قوله‬
‫ه { أي ‪ :‬وقعد آخرون من العراب‬ ‫سول َ ُ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫ن ك َذ َُبوا الل ّ َ‬ ‫بعده ‪ } :‬وَقَعَد َ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫صي ُ‬ ‫سي ُ ِ‬ ‫عن المجيء للعتذار ‪ ،‬ثم أوعدهم بالعذاب الليم ‪ ،‬فقال ‪َ } :‬‬
‫م{‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫كَ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫فُروا ِ‬
‫ن‬‫قو َ‬ ‫ما ي ُن ْفِ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬‫ن ل يَ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ضى َول عََلى ال ّ ِ‬ ‫مْر َ‬ ‫فاِء َول عََلى ال ْ َ‬ ‫ضعَ َ‬ ‫س عََلى ال ّ‬ ‫} ل َي ْ َ‬
‫م)‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ل َوالل ّ ُ‬ ‫سِبي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما عََلى ال ْ ُ‬ ‫سول ِهِ َ‬ ‫حوا ل ِل ّهِ وََر ُ‬ ‫ص ُ‬‫ج إ َِذا ن َ َ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫َ‬
‫م عَل َي ْهِ ت َوَل ّْ‬
‫وا‬ ‫مل ُك ُْ‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ول‬ ‫(‬ ‫‪91‬‬
‫ِ ُ َ ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َِ ْ ِ ُ ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ‬
‫ل عََلى‬ ‫سِبي ُ‬ ‫ال‬ ‫ما‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫(‬ ‫‪92‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫دوا‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫أل‬ ‫وأ َعْينهم تفيض من ال ِدمع حزنا َ‬
‫ّ‬ ‫ِّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُْ ِ‬ ‫َ ِ ُ‬ ‫ّ ْ َ َ ً‬ ‫َ ُُُ ْ َ ِ ُ ِ‬
‫ه عََلى‬ ‫ف وَط َب َعَ الل ُّ‬ ‫ْ‬ ‫ك َوهم أ َغِْنياُء رضوا بأ َ‬ ‫ْ‬
‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ع‬
‫َ َ‬‫م‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫ي‬
‫ِ ْ َ‬ ‫ن‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ست َأذُِنون َ َ َ ْ‬
‫ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫ن )‪{ (93‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل َ ُ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫قُُلوب ِهِ ْ‬
‫حَرج على من قعد فيها عن القتال ‪ ،‬فذكر منها‬ ‫ثم بين تعالى العذار التي ل َ‬
‫ما هو لزم للشخص ل ينفك عنه ‪ ،‬وهو الضعف في التركيب الذي ل يستطيع‬
‫معه الجلد في الجهاد ‪ ،‬ومنه العمى والعََرج ونحوهما ‪ ،‬ولهذا بدأ به‪ .‬ما هو‬
‫ن له في بدنه ‪ ،‬شغله عن الخروج في سبيل الله ‪ ،‬أو‬ ‫عارض بسبب مرض عَ ّ‬
‫حَرج إذا‬ ‫بسبب فقره )‪ (2‬ل يقدر على التجهز للحرب ‪ ،‬فليس على هؤلء َ‬
‫قعدوا ونصحوا في حال قعودهم ‪ ،‬ولم يرجفوا بالناس ‪ ،‬ولم ي ُث َّبطوهم ‪ ،‬وهم‬
‫ل َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫سِبي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما عََلى ال ْ ُ‬ ‫محسنون في حالهم هذا ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬‬
‫م{‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫غَ ُ‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن عبد العزيز بن رفيع ‪ ،‬عن أبي ثمامة ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال الحواريون ‪ :‬يا روح الله ‪ ،‬أخبرنا عن الناصح لله ؟ قال ‪:‬‬
‫الذي ُيؤِثر حق الله على حق الناس ‪ ،‬وإذا حدث له أمران ‪ -‬أو ‪ :‬بدا له أمر‬
‫الدنيا وأمر الخرة ‪ -‬بدأ بالذي للخرة ثم تفرغ للذي للدنيا‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬أولى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقر"‪.‬‬

‫) ‪(4/198‬‬

‫وقال الوزاعي ‪ :‬خرج الناس إلى الستسقاء ‪ ،‬فقام فيهم بلل بن سعد ‪،‬‬
‫فحمد الله وأثنى عليه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬يا معشر من حضر ‪ :‬ألستم مقرين بالساءة‬
‫ن‬‫سِني َ‬‫ح ِ‬ ‫ما عََلى ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫؟ قالوا ‪ :‬اللهم نعم‪ .‬فقال ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إنا نسمعك تقول ‪َ } :‬‬
‫قنا‪ .‬ورفع يديه‬ ‫ل { اللهم ‪ ،‬وقد أقررنا بالساءة فاغفر لنا وارحمنا واس ِ‬ ‫سِبي ٍ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬
‫سقوا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫أيديهم‬ ‫ورفعوا‬
‫وقال قتادة ‪ :‬نزلت هذه الية في عائذ بن عمرو المزني‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا هشام بن عبيد الله الرازي ‪ ،‬حدثنا ابن‬
‫جابر ‪ ،‬عن ابن فروة ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ‪ ،‬عن زيد بن ثابت قال ‪:‬‬
‫ب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فكنت أكتب "براءة" فإني‬ ‫كنت أكت ُ‬
‫لواضعُ القلم على أذني إذ أمْرنا بالقتال ‪ ،‬فجعل رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ينظر ما ينزل عليه ‪ ،‬إذا جاء أعمى فقال ‪ :‬كيف بي يا رسول الله وأنا‬
‫ضى { الية )‪(2‬‬ ‫مْر َ‬‫فاِء َول عََلى ال ْ َ‬ ‫س عََلى ال ّ‬
‫ضعَ َ‬ ‫أعمى ؟ فأنزل الله )‪ } (1‬ل َي ْ َ‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية ‪ :‬وذلك أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أمَر الناس أن ينبعثوا غازين معه ‪ ،‬فجاءته عصابة من أصحابه ‪،‬‬
‫فل المزني )‪ (3‬فقالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬احملنا‪ .‬فقال‬ ‫مغَ ّ‬
‫فيهم عبد الله بن ُ‬
‫لهم ‪" :‬والله ل )‪ (4‬أجد ما أحملكم عليه"‪ .‬فتولوا ولهم بكاء ‪ ،‬وعّز عليهم أن‬
‫صهم على‬ ‫يجلسوا عن الجهاد ‪ ،‬ول يجدون نفقة ول محمل‪ .‬فلما رأى الله حْر َ‬
‫فاءِ‬ ‫س عََلى ال ّ‬
‫ضعَ َ‬ ‫محبته ومحبة رسوله أنزل عذرهم في كتابه ‪ ،‬فقال ‪ } :‬ل َي ْ َ‬
‫ج { إلى قوله تعالى‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫قو َ‬ ‫ما ي ُن ْفِ ُ‬
‫ن َ‬ ‫دو َ‬‫ج ُ‬ ‫ن ل يَ ِ‬ ‫ضى َول عََلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫َول عََلى ال ْ َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫م ل ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫‪ } :‬فَهُ ْ‬
‫َ‬
‫م { نزلت في‬ ‫مل َهُ ْ‬‫ح ِ‬
‫ك ل ِت َ ْ‬‫ما أت َوْ َ‬ ‫ن إ َِذا َ‬‫ذي َ‬‫وقال مجاهد في قوله ‪َ } :‬ول عََلى ال ّ ِ‬
‫بني مقرن من مزينة‪.‬‬
‫وقال محمد بن كعب ‪ :‬كانوا سبعة نفر ‪ ،‬من بني عمرو بن عوف ‪ :‬سالم بن‬
‫مْير )‪ - (5‬ومن بني واقف ‪ :‬هََرمي )‪ (6‬بن عمرو ‪ -‬ومن بني مازن بن‬ ‫عُ َ‬
‫مَعلى ‪] :‬سلمان‬ ‫النجار ‪ :‬عبد الرحمن بن كعب ‪ ،‬ويكنى أبا ليلى ‪ -‬ومن بني ال ُ‬
‫بن صخر ‪ -‬ومن بني حارثة ‪ :‬عبد الرحمن بن يزيد ‪ ،‬أبو عبلة ‪ ،‬وهو الذي‬
‫سِلمة ‪ :‬عمرو بن عََنمة )‪(8‬‬ ‫تصدق بعرضه فقبله الله منه[ )‪ (7‬ومن بني َ‬
‫وعبد الله بن عمرو المزني‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق في سياق غزوة تبوك ‪ :‬ثم إن رجال من المسلمين‬
‫أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فنزلت"‪.‬‬
‫)‪ (2‬ورواه الدارقطني في الفراد كما في الطراف لبن طاهر )ق ‪(134‬‬
‫وقال ‪" :‬غريب من حديث أبي فروة ‪ -‬مسلم بن سالم عنه ‪ -‬أي ابن أبي ليلى‬
‫‪ -‬عن زيد ‪ ،‬تفرد به محمد بن جابر عنه ‪ ،‬وهو غريب من حديث ابن أبي ليلى‬
‫ل يعلم حدث به عنه غير أبي فروة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬عبد الله بن معقل بن مقرن"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬ما"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ك ‪" :‬عوف"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في جميع النسخ ‪" :‬حرمى" والتصويب من أسد الغابة والصابة‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬والطبري ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬فضل الله"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ك ‪" :‬عنزة"‪.‬‬

‫) ‪(4/199‬‬

‫وهم البكاءون ‪ ،‬وهم سبعة نفر من النصار وغيرهم ‪ ،‬من بني عمرو بن عوف‬
‫مير )‪ (1‬وعلبة بن زيد أخو بني حارثة ‪ ،‬وأبو ليلى عبد الرحمن‬ ‫‪ :‬سالم بن عُ َ‬
‫بن كعب ‪ ،‬أخو بني مازن بن النجار ‪ ،‬وعمرو بن الحمام بن الجموح ‪ ،‬أخو بني‬
‫فل المزني ؛ وبعض الناس يقول ‪ :‬بل هو عبد الله‬ ‫مغَ ّ‬
‫سِلمة ‪ ،‬وعبد الله بن ال ُ‬ ‫َ‬
‫عْرباض )‪ (2‬بن‬ ‫ي بن عبد الله ‪ ،‬أخو بني واقف ‪ ،‬و ِ‬ ‫َ ّ‬‫رم‬ ‫َ‬ ‫ه‬‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫المزني‬ ‫عمرو‬ ‫بن‬
‫سارية الفزاري ‪ ،‬فاستحملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وكانوا أهل‬
‫حاجة ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل أجد ما أحملكم عليه فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا‬
‫أل يجدوا ما ينفقون )‪(3‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا عمر بن الودي ‪ ،‬حدثنا َوكيع ‪ ،‬عن الربيع ‪ ،‬عن‬
‫الحسن قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لقد خلفتم بالمدينة‬
‫أقواما ‪ ،‬ما أنفقتم من نفقة ‪ ،‬ول قطعتم واديا ‪ ،‬ول نلتم من عدو نيل إل وقد‬
‫تل‬ ‫م قُل ْ َ‬
‫مل َهُ ْ‬
‫ح ِ‬
‫ك ل ِت َ ْ‬‫ما أ َت َوْ َ‬
‫ن إ َِذا َ‬ ‫شركوكم في الجر" ‪ ،‬ثم قرأ ‪َ } :‬ول عََلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م عَلي ْهِ { الية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مل ك ْ‬‫ح ِ‬
‫ما أ ْ‬
‫جد ُ َ‬
‫أ ِ‬
‫وأصل هذا الحديث في الصحيحين من حديث )‪ (4‬أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال ‪" :‬إن بالمدينة أقواما ما قطعتم واديا ‪ ،‬ول سرتم ]مسيًرا[ )‬
‫‪ (5‬إل وهم معكم"‪ .‬قالوا ‪ :‬وهم بالمدينة ؟ قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬حبسهم العذر" )‪(6‬‬
‫كيع ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن أبي سفيان ‪ ،‬عن جابر‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا وَ ِ‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لقد خلفتم بالمدينة رجال )‪(7‬‬
‫شركوكم في الجر ‪ ،‬حبسهم المرض"‪.‬‬ ‫قا إل َ‬
‫ما قطعتم وادًيا ‪ ،‬ول سلكتم طري ً‬
‫ورواه مسلم ‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬به )‪(8‬‬
‫ثم رد تعالى الملمة على الذين يستأذنون في القعود وهم أغنياء ‪ ،‬وأن َّبهم في‬
‫ه عََلى‬‫رضاهم بأن يكونوا مع النساء الخوالف في الرحال ‪ } ،‬وَط َب َعَ الل ّ ُ‬
‫ن {‪.‬‬‫مو َ‬‫م ل ي َعْل َ ُ‬
‫م فَهُ ْ‬‫قُُلوب ِهِ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬عوف"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في جميع النسخ ‪" :‬عياض" والتصويب من ابن هشام‪ .‬مستفاد من‬
‫هامش ط‪ .‬الشعب‪.‬‬
‫)‪ (3‬السيرة النبوية لبن هشام )‪.(2/518‬‬
‫)‪ (4‬بعدها بياض في جميع النسخ قدر كلمة‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من أ ‪ ،‬ومسلم‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪ (2839‬من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه‬
‫وصحيح مسلم برقم )‪ (1911‬من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أقواما"‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪ (3/300‬وصحيح مسلم برقم )‪ (1911‬وسنن ابن ماجه برقم )‬
‫‪.(2765‬‬

‫) ‪(4/200‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫م قَد ْ ن َب ّأَنا الل ّ ُ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫ن ن ُؤْ ِ‬ ‫ل َل ت َعْت َذُِروا ل َ ْ‬ ‫م قُ ْ‬ ‫م إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫جعْت ُ ْ‬‫م إ َِذا َر َ‬ ‫ن إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫ي َعْت َذُِرو َ‬
‫ة‬
‫شَهاد َ ِ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫ْ‬
‫عال ِم ِ الغَي ْ ِ‬ ‫ن إ ِلى َ‬ ‫َ‬ ‫م ت َُرّدو َ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ُ‬
‫سول ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ُ‬
‫ملك ْ‬ ‫َ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ّ‬
‫سي ََرى الل ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫خَبارِك ُ ْ‬ ‫أَ ْ‬
‫ضوا‬
‫م ل ِت ُعْرِ ُ‬ ‫م إ ِل َي ْهِ ْ‬‫قل َب ْت ُ ْ‬ ‫م إ َِذا ان ْ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ ل َك ُ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫سي َ ْ‬‫ن )‪َ (94‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫جَزاًء ب ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫جهَن ّ ُ‬
‫م َ‬ ‫مأَواهُ ْ‬ ‫س وَ َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫م رِ ْ‬ ‫م إ ِن ّهُ ْ‬‫ضوا عَن ْهُ ْ‬ ‫م فَأعْرِ ُ‬ ‫عَن ْهُ ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ضى عَ ِ‬ ‫ه ل ي َْر َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م فإ ِ ّ‬ ‫وا عَن ْهُ ْ‬‫ض ْ‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫م فإ ِ ْ‬ ‫وا عَن ْهُ ْ‬ ‫ض ْ‬ ‫م ل ِت َْر َ‬ ‫ن لك ْ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫‪ (95‬ي َ ْ‬
‫ن )‪(96‬‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫ْ‬
‫قوْم ِ ال َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫م قَد ْ ن َب ّأَنا الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ن ُؤْ ِ‬ ‫ل ل ت َعْت َذُِروا ل َ ْ‬ ‫م قُ ْ‬ ‫م إ ِل َي ْهِ ْ‬‫جعْت ُ ْ‬ ‫م إ َِذا َر َ‬ ‫ن إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫} ي َعْت َذُِرو َ‬
‫ب‬ ‫ْ‬
‫عال ِم ِ الغَي ْ ِ‬ ‫ن إ ِلى َ‬ ‫َ‬ ‫م ت َُرّدو َ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ُ‬
‫سول ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ُ‬
‫ملك ْ‬ ‫َ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ّ‬
‫سي ََرى الل ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ُ‬
‫خَبارِك ْ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫قلب ْت ُ ْ‬ ‫م إ َِذا ان ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن ِباللهِ لك ْ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬
‫سي َ ْ‬ ‫ن )‪َ (94‬‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ُ‬
‫ما كن ْت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ُ‬
‫شَهاد َةِ فَي ُن َب ّئ ُك ْ‬ ‫َوال ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ما كاُنوا‬ ‫جَزاًء ب ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مأَواهُ ْ‬ ‫س وَ َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫م رِ ْ‬ ‫م إ ِن ّهُ ْ‬
‫ضوا عَن ْهُ ْ‬ ‫م فَأعْرِ ُ‬ ‫ضوا عَن ْهُ ْ‬ ‫م ل ِت ُعْرِ ُ‬ ‫إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫ضى‬ ‫ه ل ي َْر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م فَإ ِ ّ‬ ‫وا عَن ْهُ ْ‬ ‫ض ْ‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫م فَإ ِ ْ‬ ‫وا عَن ْهُ ْ‬ ‫ض ْ‬‫م ل ِت َْر َ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫ن )‪ (95‬ي َ ْ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ي َك ْ ِ‬
‫ن )‪{ (96‬‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫قوْم ِ ال ْ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫عَ ِ‬
‫) ‪(4/200‬‬

‫ه‬
‫سول ِ ِ‬ ‫ه عََلى َر ُ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬
‫ل الل ّ ُ‬ ‫دود َ َ‬
‫ح ُ‬‫موا ُ‬
‫َ‬
‫جد َُر أّل ي َعْل َ ُ‬
‫َ‬
‫فاًقا وَأ ْ‬ ‫فًرا وَن ِ َ‬‫شد ّ ك ُ ْ‬‫ب أَ َ‬ ‫اْل َعَْرا ُ‬
‫َ‬
‫ص ب ِك ُ ُ‬
‫م‬ ‫ما وَي َت ََرب ّ ُ‬
‫مغَْر ً‬ ‫فق ُ َ‬ ‫خذ ُ َ‬
‫ما ي ُن ْ ِ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬
‫م ْ‬‫ب َ‬ ‫ن اْلعَْرا ِ‬ ‫م َ‬
‫م )‪ (97‬وَ ِ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ُ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬‫م ْ‬‫ب َ‬ ‫ن اْلعَْرا ِ‬ ‫م َ‬‫م )‪ (98‬وَ ِ‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫سوِْء َوالل ّ ُ‬ ‫م َدائ َِرةُ ال ّ‬ ‫الد َّوائ َِر عَل َي ْهِ ْ‬
‫ل أ ََل إ ِن َّها‬
‫سو ِ‬
‫ت الّر ُ‬ ‫صل َ َ‬
‫وا ِ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ وَ َ‬‫ت ِ‬ ‫فقُ قُُرَبا ٍ‬ ‫خذ ُ َ‬
‫ما ي ُن ْ ِ‬ ‫خرِ وَي َت ّ ِ‬ ‫ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل َ ِ‬
‫م )‪(99‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫مت ِهِ إ ِ ّ‬
‫ح َ‬
‫ه ِفي َر ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫خل ُهُ ُ‬‫سي ُد ْ ِ‬
‫م َ‬ ‫ة ل َهُ ْ‬‫قُْرب َ ٌ‬

‫أخبر تعالى عن المنافقين بأنهم إذا رجعوا إلى المدينة أنهم يعتذرون إليهم ‪،‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫م { أي ‪ :‬لن نصدقكم ‪ } ،‬قَد ْ ن َب ّأَنا الل ّ ُ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ن ُؤْ ِ‬ ‫ل ل ت َعْت َذُِروا ل َ ْ‬ ‫} قُ ْ‬
‫ه{‬ ‫ُ‬
‫سول ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ملك ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ّ‬
‫سي ََرى الل ُ‬ ‫م { أي ‪ :‬قد أعلمنا الله أحوالكم ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫ُ‬
‫خَبارِك ْ‬ ‫أَ ْ‬
‫عال ِم ِ ال ْغَي ْ ِ‬
‫ب‬ ‫ن إ َِلى َ‬ ‫م ت َُرّدو َ‬ ‫أي ‪ :‬سيظهر أعمالكم للناس في الدنيا ‪ } ،‬ث ُ ّ‬
‫ن { )‪ (1‬أي ‪ :‬فيخبركم بأعمالكم ‪ ،‬خيرها‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫شَهاد َةِ فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫َوال ّ‬
‫وشرها ‪ ،‬ويجزيكم عليها‪.‬‬
‫ثم أخبر عنهم أنهم سيحلفون معتذرين لتعرضوا عنهم فل ت ُؤَن ُّبوهم ‪،‬‬
‫َ‬
‫خبثاء نجس بواطنهم‬ ‫س { أي ‪ُ :‬‬ ‫ج ٌ‬ ‫م رِ ْ‬ ‫م { احتقارا لهم ‪ } ،‬إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ضوا عَن ْهُ ْ‬ ‫} فَأعْرِ ُ‬
‫كاُنوا‬ ‫ما َ‬ ‫واعتقاداتهم ‪ } ،‬و ْ‬
‫جَزاًء ب ِ َ‬ ‫م { في آخرتهم } جهنم { } َ‬ ‫مأَواهُ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬من الثام والخطايا‪.‬‬ ‫سُبو َ‬ ‫ي َك ْ ِ‬
‫قوْم ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ضى عَ ِ‬ ‫ه ل ي َْر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وأخبر أنهم وإن رضوا عنهم بحلفهم )‪ (2‬لهم ‪ } ،‬فَإ ِ ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬الخارجين عن طاعته وطاعة رسوله ‪ ،‬فإن الفسق هو‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬‫فا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫جحرها للفساد ‪،‬‬ ‫ويسقة" لخروجها من ُ‬ ‫الخروج ‪ ،‬ومنه سميت الفأرة "فُ َ‬
‫ويقال ‪" :‬فسقت الرطبة" ‪ :‬إذا خرجت من أكمامها )‪(3‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب أَ َ‬
‫ه‬
‫سول ِ ِ‬ ‫ه عَلى َر ُ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ما أنز َ‬ ‫دود َ َ‬ ‫ح ُ‬‫موا ُ‬ ‫جد َُر أل ي َعْل َ ُ‬ ‫فاًقا وَأ ْ‬ ‫فًرا وَن ِ َ‬ ‫شد ّ ك ُ ْ‬ ‫} العَْرا ُ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ص ب ِك ُ‬ ‫ما وَي َت ََرب ّ ُ‬ ‫مغَْر ً‬ ‫فق ُ َ‬ ‫خذ ُ َ‬
‫ما ي ُن ْ ِ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ن العَْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م )‪ (97‬وَ ِ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ن‬
‫م ُ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ن العَْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م )‪ (98‬وَ ِ‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫سوِْء َوالل ّ ُ‬ ‫م َدائ َِرةُ ال ّ‬ ‫الد َّوائ َِر عَل َي ْهِ ْ‬
‫َ‬
‫ل أل إ ِن َّها‬ ‫سو ِ‬ ‫ت الّر ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫صل َ َ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ وَ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫فقُ قُُرَبا ٍ‬ ‫ما ي ُن ْ ِ‬ ‫خذ ُ َ‬ ‫خرِ وَي َت ّ ِ‬ ‫ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫م )‪{ (99‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مت ِهِ إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬‫ه ِفي َر ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫خل ُهُ ُ‬ ‫سي ُد ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة ل َهُ ْ‬ ‫قُْرب َ ٌ‬
‫أخبر تعالى أن في العراب كفارا ومنافقين ومؤمنين ‪ ،‬وأن كفرهم ونفاقهم‬
‫أعظم من غيرهم وأشد ‪ ،‬وأجدر ‪ ،‬أي ‪ :‬أحرى أل يعلموا حدود ما أنزل الله‬
‫على رسوله ‪ ،‬كما قال العمش عن إبراهيم قال ‪ :‬جلس أعرابي إلى زيد بن‬
‫وحان وهو يحدث أصحابه ‪ ،‬وكانت يده قد أصيبت يوم نهاَوند ‪ ،‬فقال‬ ‫ص ْ‬ ‫َ‬
‫العرابي ‪ :‬والله إن حديثك ليعجبني ‪ ،‬وإن يدك لتريبني فقال زيد ‪ :‬ما ُيريبك‬
‫من يدي ؟ إنها الشمال‪ .‬فقال العرابي ‪ :‬والله ما أدري ‪ ،‬اليمين يقطعون أو‬
‫فاًقا‬ ‫فًرا وَن ِ َ‬ ‫شد ّ ك ُ ْ‬ ‫ب أَ َ‬ ‫ل ؟ فقال زيد بن صوحان )‪ (4‬صدق الله ‪ } :‬العَْرا ُ‬ ‫الشما َ‬
‫سول ِهِ {‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ما أنز َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه عَلى َر ُ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫دود َ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫موا ُ‬ ‫جد َُر أل ي َعْل ُ‬ ‫وَأ ْ‬
‫دي ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن أبي‬ ‫مهْ ِ‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن َ‬
‫موسى ‪ ،‬عن وهب‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬ستردون" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬بحلفانهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬كمامها"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ك ‪" :‬صوخان"‪.‬‬

‫) ‪(4/201‬‬

‫من َّبه ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬من سكن‬ ‫بن ُ‬
‫البادية جفا ‪ ،‬ومن اتبع الصيد غ َ َ‬
‫فل ‪ ،‬ومن أتى السلطان افتتن"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي من طرق ‪ ،‬عن سفيان الثوري ‪ ،‬به )‬
‫‪ (1‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن غريب ‪ ،‬ل نعرفه إل من حديث الثوري‪.‬‬
‫ولما كانت الغلظة والجفاء في أهل البوادي لم يبعث الله منهم رسول وإنما‬
‫َ‬
‫ك ِإل‬‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫سل َْنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫كانت البعثة من أهل القرى ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫قَرى { ]يوسف ‪ [109 :‬ولما أهدى ذلك العرابي‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫حي إل َيهم م َ‬
‫ن أهْ ِ‬ ‫ِ ِْ ْ ِ ْ‬ ‫جال ُنو ِ‬ ‫رِ َ‬
‫تلك الهدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرد ّ عليه أضعافها حتى رضي ‪،‬‬
‫قفي أو أنصاري ‪ ،‬أو‬ ‫قال ‪" :‬لقد هممت أل أقبل هدية إل من ُقرشي ‪ ،‬أو ث َ َ‬
‫ي" )‪ (2‬؛ لن هؤلء كانوا يسكنون المدن ‪ :‬مكة ‪ ،‬والطائف ‪ ،‬والمدينة ‪،‬‬ ‫س ّ‬ ‫د َوْ ِ‬
‫واليمن ‪ ،‬فهم ألطف أخلًقا من العراب ‪ :‬لما في طباع العراب من الجفاء‪.‬‬
‫حديث ]العرابي[ )‪ (3‬في تقبيل الولد ‪ :‬قال مسلم ‪ :‬حدثنا أبو بكر بن أبي‬
‫مْير ‪ ،‬عن هشام ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬ ‫شيبة وأبو ك َُرْيب قال حدثنا أبو أسامة وابن ن ُ َ‬
‫عائشة قالت ‪ :‬قدم ناس من العراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فقالوا ‪ :‬أتقّبلون صبيانكم ؟ قالوا ‪ :‬نعم‪ .‬قالوا ‪ :‬ولكنا والله ما نقّبل‪ .‬فقال‬
‫ك أن كان الله نزع منكم‬ ‫مل ُ‬‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪َ" :‬وأ ْ‬
‫الرحمة ؟"‪ .‬وقال ابن نمير ‪" :‬من قلبك الرحمة" )‪(4‬‬
‫م { أي ‪ :‬عليم بمن يستحق أن يعلمه اليمان‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬والل ّ ُ‬
‫م { فيما قسم بين عباده من العلم والجهل واليمان والكفر‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫والعلم ‪َ } ،‬‬
‫والنفاق ‪ ،‬ل يسأل عما يفعل ‪ ،‬لعلمه وحكمته‪.‬‬
‫ما {‬‫مغَْر ً‬‫فقُ { أي ‪ :‬في سبيل الله } َ‬ ‫ما ي ُن ْ ِ‬ ‫خذ ُ َ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وأخبر تعالى أن منهم } َ‬
‫م الد َّوائ َِر { أي ‪ :‬ينتظر بكم )‪(5‬‬ ‫ص ب ِك ُ ُ‬ ‫أي ‪ :‬غرامة وخسارة ‪ } ،‬وَي َت ََرب ّ ُ‬
‫سوِْء { أي ‪ :‬هي منعكسة عليهم والسوء‬ ‫م َدائ َِرةُ ال ّ‬ ‫الحوادث والفات ‪ } ،‬عَل َي ْهِ ْ‬
‫م { أي ‪ :‬سميع لدعاء عباده ‪ ،‬عليم بمن‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫دائر عليهم ‪َ } ،‬والل ّ ُ‬
‫يستحق النصر ممن يستحق الخذلن‪.‬‬
‫فقُ قُُرَبا ٍ‬
‫ت‬ ‫خذ ُ َ‬
‫ما ي ُن ْ ِ‬ ‫خرِ وَي َت ّ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ن ِباللهِ َوالي َوْم ِ ال ِ‬ ‫م ُ‬‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ن العَْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ ِ‬
‫ل { هذا هو القسم الممدوح من العراب ‪ ،‬وهم‬ ‫سو ِ‬ ‫ت الّر ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫َ‬
‫صل َ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ وَ َ‬ ‫ِ‬
‫الذين يتخذون ما ينفقون في سبيل الله قربة يتقربون بها عند الله ‪ ،‬ويبتغون‬
‫م { أي ‪ :‬أل إن ذلك حاصل لهم ‪،‬‬ ‫بذلك دعاء الرسول لهم ‪َ } ،‬أل إ ِن َّها قُْرب َ ٌ‬
‫ة ل َهُ ْ‬
‫م{‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مت ِهِ إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ه ِفي َر ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫خل ُهُ ُ‬
‫سي ُد ْ ِ‬
‫} َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (1/357‬وسنن أبي داود برقم )‪ (2859‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪ (2256‬وسنن النسائي )‪.(7/195‬‬
‫)‪ (2‬رواه النسائي في السنن )‪ (6/279‬من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم برقم )‪.(2317‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬لهم"‪.‬‬

‫) ‪(4/202‬‬

‫صارِ َوال ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫ن اْل َوُّلو َ‬


‫ي‬
‫ض َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م ب ِإ ِ ْ‬‫ن ات ّب َُعوهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َواْلن ْ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مَها ِ‬‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬‫َوال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دا‬
‫ن ِفيَها أب َ ً‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫حت ََها الن َْهاُر َ‬ ‫ري ت َ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ه وَأعَد ّ لهُ ْ‬ ‫ضوا عَن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَن ْهُ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ن وَ ِ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن اْلعَْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫حوْل َك ُ ْ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬‫م )‪ (100‬وَ ِ‬ ‫فوُْز ال ْعَ ِ‬
‫ظي ُ‬ ‫ك ال ْ َ‬‫ذ َل ِ َ‬
‫ن‬
‫م ي َُرّدو َ‬ ‫ن ثُ ّ‬‫مّرت َي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫سن ُعَذ ّب ُهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ن ن َعْل َ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫مهُ ْ‬‫ق َل ت َعْل َ ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫مَرُدوا عََلى الن ّ َ‬ ‫دين َةِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ظيم ٍ )‪(101‬‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫إ َِلى عَ َ‬
‫ي‬
‫ض َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م ب ِإ ِ ْ‬‫ن ات ّب َُعوهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫صارِ َوال ّ ِ‬ ‫ن َوالن ْ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مَها ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن الوُّلو َ‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫} َوال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دا‬
‫ن ِفيَها أب َ ً‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬
‫حت ََها الن َْهاُر َ‬ ‫ري ت َ ْ‬ ‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ه وَأعَد ّ لهُ ْ‬ ‫ضوا عَن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَن ْهُ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫م )‪{ (100‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫فوُْز ال ْعَ ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫يخبر تعالى عن رضاه عن السابقين من المهاجرين والنصار والتابعين لهم‬
‫بإحسان ‪ ،‬ورضاهم عنه بما أعد ّ لهم من جنات النعيم ‪ ،‬والنعيم المقيم‪.‬‬
‫قال الشعبي ‪ :‬السابقون الولون من المهاجرين والنصار من أدرك بيعة‬
‫الرضوان عام الحديبية‪.‬‬
‫وقال أبو موسى الشعري ‪ ،‬وسعيد بن المسيب ‪ ،‬ومحمد بن سيرين ‪،‬‬
‫والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬هم الذين صلوا إلى القبلتين مع رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال محمد بن كعب القرظي ‪ :‬مّر عمر بن الخطاب برجل يقرأ ‪:‬‬
‫صارِ { فأخذ عمر بيده فقال ‪ :‬من‬ ‫ن َوالن ْ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مَها ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن الوُّلو َ‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫} َوال ّ‬
‫ي بن كعب‪ .‬فقال ‪ :‬ل تفارقني حتى أذهب بك إليه‪.‬‬ ‫أقرأك هذا ؟ فقال ‪ :‬أب ّ‬
‫فلما جاءه قال عمر ‪ :‬أنت أقرأت هذا هذه الية هكذا ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪:‬‬
‫وسمعَتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬لقد كنت أرى أنا‬
‫ي ‪ :‬تصديق هذه الية في أول سورة‬ ‫رفعنا رفعة ل يبلغها أحد بعدنا ‪ ،‬فقال أب ّ‬
‫م { ]الجمعة ‪[3 :‬‬ ‫كي‬
‫َ ِ ُ‬‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ز‬‫م َ ُ َ َ ِ ُ‬
‫زي‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫قوا ب ِهِ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ي َل ْ َ‬ ‫م لَ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ن ِ‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫الجمعة ‪َ } :‬وآ َ‬
‫فْر ل ََنا‬ ‫ن َرب َّنا اغْ ِ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جاُءوا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وفي سورة الحشر ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ن { ]الحشر ‪ [10 :‬وفي النفال ‪َ } :‬وال ّ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫قوَنا ِبالي َ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وان َِنا ال ّ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫َول ْ‬
‫ُ‬
‫م فَأول َئ ِ َ‬
‫م { ]النفال ‪ [75 :‬إلى آخر‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫جُروا وَ َ‬ ‫ها َ‬ ‫ن ب َعْد ُ وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫آ َ‬
‫الية ‪ ،‬رواه ابن جرير )‪(1‬‬
‫قال ‪ :‬وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرؤها برفع "النصار" عطفا على }‬
‫ن{‬ ‫ن الوُّلو َ‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫َوال ّ‬
‫فقد أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الولين من المهاجرين‬
‫سّبهم أو أبغض أو‬ ‫والنصار والذين اتبعوهم بإحسان ‪ :‬فيا ويل من أبغضهم أو َ‬
‫ب بعضهم ‪ ،‬ول سيما سيد ُ الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم ‪ ،‬أعني‬ ‫س ّ‬
‫الصديق الكبر والخليفة العظم أبا بكر بن أبي قحافة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬فإن‬
‫الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة وُيبغضونهم‬
‫ذا بالله من ذلك‪ .‬وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة ‪،‬‬ ‫سّبونهم ‪ ،‬عيا ً‬ ‫وي َ ُ‬
‫وقلوبهم منكوسة ‪ ،‬فأين هؤلء من اليمان بالقرآن ‪ ،‬إذ يسّبون من رضي الله‬
‫عنهم ؟ وأما أهل السنة فإنهم يترضون عمن رضي الله عنه ‪ ،‬ويسبون من‬
‫سبه الله ورسوله ‪ ،‬ويوالون من يوالي الله ‪ ،‬ويعادون من يعادي الله ‪ ،‬وهم‬
‫متبعون ل مبتدعون ‪ ،‬ويقتدون ول يبتدون ولهذا هم حزب الله المفلحون‬
‫وعباده المؤمنون‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قل‬ ‫فا ِ‬ ‫مَرُدوا عَلى الن ّ َ‬ ‫دين َةِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَ ِ‬ ‫قو َ‬ ‫مَنافِ ُ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن العَْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫حوْل َك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬‫} وَ ِ‬
‫ظيم ٍ )‪{ (101‬‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ن إ ِلى عَ َ‬ ‫َ‬ ‫م ي َُرّدو َ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫سن ُعَذ ّب ُهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫مّرت َي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ن ن َعْل ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫مهُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(14/438‬‬

‫) ‪(4/203‬‬

‫يخبر تعالى رسوله ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ ،‬أن في أحياء العرب ممن‬
‫مَرُدوا عََلى‬
‫حول المدينة منافقين ‪ ،‬وفي أهل المدينة أيضا منافقون } َ‬
‫ق { أي ‪ :‬مرنوا واستمروا عليه ‪ :‬ومنه يقال ‪ :‬شيطان مريد ومارد ‪،‬‬ ‫فا ِ‬ ‫الن ّ َ‬
‫ويقال ‪ :‬تمرد فلن على الله ‪ ،‬أي ‪ :‬عتا وتجبر‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م { ل ينافي قوله تعالى ‪ } :‬وَلوْ ن َشاُء‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ن ن َعْل َ ُ‬‫ح ُ‬
‫م نَ ْ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل ت َعْل َ ُ‬
‫ل { الية]محمد ‪:‬‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫قو ْ ِ‬ ‫ح ِ‬‫م ِفي ل َ ْ‬
‫م وَل َت َعْرِفَن ّهُ ْ‬ ‫ماهُ ْ‬ ‫سي َ‬‫م بِ ِ‬ ‫م فَل َعََرفْت َهُ ْ‬ ‫لَري َْناك َهُ ْ‬
‫‪ [30‬؛ لن هذا من باب التوسم فيهم بصفات يعرفون بها ‪ ،‬ل أنه يعرف جميع‬
‫من عنده من أهل النفاق والريب على التعيين‪ .‬وقد كان يعلم أن في بعض‬
‫من يخالطه من أهل المدينة نفاقا ‪ ،‬وإن كان يراه صباحا ومساء ‪ ،‬وشاهد هذا‬
‫بالصحة ما رواه المام أحمد في مسنده حيث قال ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن النعمان بن سالم ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن‬
‫جَبير بن مطعم ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إنهم يزعمون‬ ‫ُ‬
‫جحر ثعلب‬ ‫أنه ليس لنا أجر بمكة ‪ ،‬فقال ‪ :‬لتأتينكم أجوركم ولو كنتم في ُ‬
‫ي رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسه فقال ‪" :‬إن في‬ ‫وأصغى إل ّ‬
‫أصحابي منافقين" )‪(1‬‬
‫ومعناه ‪ :‬أنه قد يبوح بعض المنافقين والمرجفين من الكلم بما ل صحة له ‪،‬‬
‫جَبير بن مطعم‪ .‬وتقدم في تفسير‬ ‫در هذا الكلم الذي سمعه ُ‬ ‫ص َ‬‫ومن مثلهم َ‬
‫م ي ََنالوا { ]التوبة ‪ [74 :‬أنه عليه السلم )‪ (2‬أعلم‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما ل ْ‬ ‫موا ب ِ َ‬ ‫قوله ‪ } :‬وَهَ ّ‬
‫قا ‪ ،‬وهذا تخصيص ل يقتضي‬ ‫ذيفة بأعيان أربعة عشر أو خمسة عشر مناف ً‬ ‫ح َ‬ ‫ُ‬
‫أنه اطلع على أسمائهم وأعيانهم كلهم ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة "أبي عمر البيروتي" من طريق هشام‬
‫بن عمار ‪ :‬حدثنا صدقة بن خالد ‪ ،‬حدثنا بن جابر ‪ ،‬حدثني شيخ بيروت يكنى‬
‫أبا عمر ‪ ،‬أظنه حدثني عن أبي الدرداء ؛ أن رجل يقال له "حرملة" أتى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬اليمان هاهنا ‪ -‬وأشار بيده إلى لسانه ‪ -‬والنفاق‬
‫هاهنا ‪ -‬وأشار بيده إلى قلبه ولم يذكر الله إل قليل‪ .‬فقال رسول الله صلى‬
‫حّبي ‪،‬‬‫الله عليه وسلم ‪" :‬اللهم اجعل له لسانا ذاكرا ‪ ،‬وقلبا شاكرا ‪ ،‬وارزقه ُ‬
‫صّير أمره إلى خير"‪ .‬فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إنه كان لي‬ ‫ب من يحبني ‪ ،‬و َ‬ ‫وح ّ‬
‫أصحاب من المنافقين وكنت رأسا فيهم ‪ ،‬أفل آتيك بهم ؟ قال ‪" :‬من أتانا‬
‫استغفرنا له ‪ ،‬ومن أصر على دينه فالله أولى به ‪ ،‬ول تخرقن على أحد سترا"‬
‫)‪(3‬‬
‫قال ‪ :‬وكذا رواه أبو أحمد الحاكم ‪ ،‬عن أبي بكر الباغندي ‪ ،‬عن هشام بن‬
‫عمار ‪ ،‬به‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا معمر ‪ ،‬عن قتادة في هذه الية أنه قال ‪ :‬ما بال‬
‫أقوام يتكلفون علم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪.(4/83‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬انظر ‪ :‬مختصر تاريخ دمشق لبن منظور )‪.(29/76‬‬

‫) ‪(4/204‬‬

‫الناس ؟ فلن في الجنة وفلن في النار‪ .‬فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال ‪:‬‬
‫ل أدري! لعمري أنت بنفسك )‪ (1‬أعلم منك بأحوال الناس ‪ ،‬ولقد تكلفت‬
‫كاُنوا‬‫ما َ‬ ‫مي ب ِ َ‬ ‫عل ْ ِ‬
‫ما ِ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫شيئا ما تكلفه النبياء قبلك‪ .‬قال نبي الله نوح ‪َ } :‬قا َ‬
‫ن‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫ة الل ّهِ َ‬‫قي ّ ُ‬‫ن { ]الشعراء ‪ [112 :‬وقال نبي الله شعيب ‪ } :‬ب َ ِ‬ ‫مُلو َ‬
‫ي َعْ َ‬
‫َ‬
‫ظ { ]هود ‪ [86 :‬وقال الله لنبيه صلى الله‬ ‫في ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ما أَنا عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ُ‬
‫م { )‪.(2‬‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ن ن َعْل َ ُ‬‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫عليه وسلم ‪ } :‬ل ت َعْل َ ُ‬
‫وقال السدي ‪ ،‬عن أبي مالك ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية قال ‪ :‬قام رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم خطيبا يوم الجمعة فقال ‪" :‬اخرج يا فلن ‪ ،‬فإنك‬
‫منافق ‪ ،‬واخرج يا فلن فإنك منافق"‪ .‬فأخرج من المسجد ناسا منهم ‪،‬‬
‫فضحهم‪ .‬فجاء عمر وهم يخرجون من المسجد فاختبأ منهم حياء أنه لم يشهد‬
‫الجمعة )‪ (3‬وظن أن الناس قد انصرفوا ‪ ،‬واختبئوا هم من عمر ‪ ،‬ظنوا أنه قد‬
‫علم بأمرهم‪ .‬فجاء عمر فدخل المسجد فإذا الناس لم يصلوا ‪ ،‬فقال له رجل‬
‫من المسلمين ‪ :‬أبشر يا عمر ‪ ،‬قد )‪ (4‬فضح الله المنافقين اليوم‪ .‬قال ابن‬
‫عباس ‪ :‬فهذا العذاب الول حين أخرجهم من المسجد ‪ ،‬والعذاب الثاني‬
‫عذاب القبر )‪(5‬‬
‫وكذا قال الثوري ‪ ،‬عن السدي ‪ ،‬عن أبي مالك نحو هذا‪.‬‬
‫ن { يعني ‪ :‬القتل والسباء )‪ (6‬وقال‬ ‫مّرت َي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫سن ُعَذ ّب ُهُ ْ‬ ‫وقال مجاهد في قوله ‪َ } :‬‬
‫ظيم ٍ {‬‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِلى عَ َ‬ ‫م ي َُرّدو َ‬ ‫‪ -‬في رواية ‪ -‬بالجوع ‪ ،‬وعذاب القبر ‪ } ،‬ث ُ ّ‬
‫وقال ابن جريج ‪ :‬عذاب الدنيا ‪ ،‬وعذاب القبر ‪ ،‬ثم يردون إلى عذاب النار‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬عذاب في الدنيا ‪ ،‬وعذاب في القبر )‪(7‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد ‪ :‬أما عذاب في الدنيا فالموال والولد ‪ ،‬وقرأ قول‬
‫ك أ َموال ُهم وأ َولدهُم إنما يريد الل ّ َ‬
‫ن ي ُعَذ ّب َهُ ْ‬
‫م ب َِها ِفي الد ّن َْيا‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫جب ْ َ ْ َ ُ ْ َ ْ ُ ْ ِ ّ َ ُ ِ ُ‬ ‫الله )‪َ } (8‬فل ت ُعْ ِ‬
‫{ ]التوبة ‪ [85 :‬فهذه المصائب لهم عذاب ‪ ،‬وهي للمؤمنين أجر ‪ ،‬وعذاب في‬
‫ظيم ٍ { قال ‪ :‬النار‪.‬‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ن إ َِلى عَ َ‬ ‫م ي َُرّدو َ‬ ‫الخرة في النار } ث ُ ّ‬
‫ن { قال ‪ :‬هو ‪ -‬فيما بلغني ‪ -‬ما هم‬ ‫مّرت َي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫سن ُعَذ ّب ُهُ ْ‬ ‫وقال محمد بن إسحاق ‪َ } :‬‬
‫فيه من أمر السلم ‪ ،‬وما يدخل عليهم من غيظ ذلك على غير حسبة ‪ ،‬ثم‬
‫عذابهم في القبور إذا صاروا إليها ‪ ،‬ثم العذاب العظيم الذي يردون إليه ‪،‬‬
‫عذاب الخرة والخلد فيه‪.‬‬
‫ن { عذاب الدنيا ‪،‬‬ ‫مّرت َي ْ ِ‬ ‫م َ‬‫سن ُعَذ ّب ُهُ ْ‬ ‫وقال سعيد ‪ ،‬عن قتادة في قوله ‪َ } :‬‬
‫ظيم ٍ {‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ن إ َِلى عَ َ‬ ‫م ي َُرّدو َ‬ ‫وعذاب القبر ‪ } ،‬ث ُ ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في جميع النسخ ‪" :‬بنصيبك" والتصويب من الطبري‪ .‬مستفاد من هامش‬
‫ط‪ .‬الشعب‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير عبد الرزاق )‪.(1/253‬‬
‫)‪ (3‬في أ" ‪" :‬المسجد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬فقد"‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(14/441‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬والسبي"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬النار"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬قوله" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬قول الله تعالى"‪.‬‬

‫) ‪(4/205‬‬

‫خر سيًئا عَسى الل ّ َ‬


‫ب‬
‫ن ي َُتو َ‬
‫هأ ْ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫حا وَآ َ َ َ َ ّ‬ ‫مًل َ‬
‫صال ِ ً‬ ‫خل َ ُ‬
‫طوا عَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن اعْت ََرُفوا ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬‫خُرو َ‬ ‫وَآ َ َ‬
‫م )‪(102‬‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر َر ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه غَ ُ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫م إِ ّ‬
‫ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أسّر إلى حذيفة باثني عشر رجل‬
‫من المنافقين ‪ ،‬فقال ‪" :‬ستة منهم تكفيكهم الد ّب َْيلة ‪ :‬سراج من نار جهنم ‪،‬‬
‫يأخذ في كتف أحدهم حتى يفضي إلى صدره ‪ ،‬وستة يموتون موًتا"‪ .‬وذكر لنا‬
‫أن عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬كان إذا مات رجل ممن ُيرى أنه منهم‬
‫‪ ،‬نظر إلى حذيفة ‪ ،‬فإن صلى عليه وإل تركه‪ .‬وَُذكر لنا أن عمر قال لحذيفة ‪:‬‬
‫دا بعدك‪(1) .‬‬ ‫أنشدك بالله ‪ ،‬أمنهم أنا ؟ قال ‪ :‬ل‪ .‬ول أومن منها أح ً‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫خل َ ُ‬
‫ن‬‫هأ ْ‬ ‫سى الل ُ‬ ‫سي ًّئا عَ َ‬ ‫خَر َ‬ ‫حا َوآ َ‬‫صال ِ ً‬‫مل َ‬ ‫طوا عَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن اعْت ََرُفوا ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬‫خُرو َ‬ ‫} َوآ َ‬
‫م )‪{ (102‬‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬
‫م إِ ّ‬ ‫َ‬
‫ب عَلي ْهِ ْ‬‫ي َُتو َ‬
‫لما ب َّين تعالى حال المنافقين المتخلفين عن الَغزاة رغبة عنها وتكذيًبا وشكا ‪،‬‬
‫شرع في بيان حال المذنبين الذين تأخروا عن الجهاد كسل وميل إلى الراحة ‪،‬‬
‫م { أي ‪:‬‬ ‫ن اعْت ََرُفوا ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫خُرو َ‬ ‫مع إيمانهم وتصديقهم بالحق ‪ ،‬فقال ‪َ } :‬وآ َ‬
‫أقروا بها واعترفوا فيما بينهم وبين َرّبهم ‪ ،‬ولهم أعمال أخَر صالحة ‪ ،‬خلطوا‬
‫هذه بتلك ‪ ،‬فهؤلء تحت عفو الله وغفرانه‪.‬‬
‫وهذه الية ‪ -‬وإن كانت نزلت في أناس معينين ‪ -‬إل أنها عامة في كل‬
‫المذنبين الخاطئين المخلصين المتلوثين‪.‬‬
‫وقد قال مجاهد ‪ :‬إنها نزلت في أبي ل َُبابة لما قال لبني قريظة ‪ :‬إنه الذبح ‪،‬‬
‫وأشار بيده إلى حلقه‪.‬‬
‫ن { نزلت في أبي ُلبابة وجماعة من أصحابه ‪،‬‬ ‫خُرو َ‬ ‫وقال ابن عباس ‪َ } :‬وآ َ‬
‫تخلفوا عن غزوة تبوك ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬أبو لبابة وخمسة معه ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬
‫وسبعة معه ‪ ،‬وقيل ‪ :‬وتسعة معه ‪ ،‬فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من‬
‫غزوته )‪ (2‬ربطوا أنفسهم بسواري المسجد ‪ ،‬وحلفوا ل يحلهم إل رسول الله‬
‫ن اعْت ََرُفوا ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫خُرو َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فلما أنزل الله هذه الية ‪َ } :‬وآ َ‬
‫{ أطلقهم النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وعفا عنهم‪.‬‬
‫مل بن هشام ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا‬ ‫مؤ ّ‬ ‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا ُ‬
‫دب قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬ ‫جن ْ َ‬‫مَرة بن ُ‬ ‫س ُ‬‫عوف ‪ ،‬حدثنا أبو رجاء ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫الله عليه وسلم لنا ‪" :‬أتاني الليلة آتيان )‪ (3‬فابتعثاني فانتهينا إلى مدينة مبنية‬
‫طر من خلقهم كأحسن ما أنت َراء ‪،‬‬ ‫ش ْ‬‫بلبن ذهب ول َِبن فضة ‪ ،‬فتلقانا رجال َ‬
‫قُعوا في ذلك النهر‪ .‬فوقعوا فيه‬ ‫وشطر كأقبح ما أنت راء ‪ ،‬قال لهم ‪ :‬اذهبوا فَ َ‬
‫‪ ،‬ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم ‪ ،‬فصاروا في أحسن صورة ‪ ،‬قال‬
‫شطر منهم‬ ‫لي ‪ :‬هذه جنة عدن ‪ ،‬وهذا منزلك‪ .‬قال أما القوم الذين كانوا َ‬
‫حا وآخر سيًئا ‪ ،‬فتجاوز الله‬ ‫سن وشطر منهم قبيح ‪ ،‬فإنهم خلطوا عمل صال ً‬ ‫ح َ‬
‫َ‬
‫عنهم"‪.‬‬
‫هكذا رواه مختصًرا ‪ ،‬في تفسير هذه الية‪(4) .‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه الطبري في تفسيره )‪ .(14/443‬والدبيلة ‪ :‬خراج ودمل كبير يظهر‬
‫في الجوف فيقتل صاحبه غالبا‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬من غزوة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬اثنان"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪.(4674‬‬

‫) ‪(4/206‬‬
‫صَلت َ َ‬ ‫خذ ْ م َ‬
‫سك َ ٌ‬
‫ن‬ ‫ك َ‬ ‫ن َ‬ ‫إِ ّ‬ ‫م‬‫ل عَل َي ْهِ ْ‬‫ص ّ‬
‫م ب َِها وَ َ‬‫كيهِ ْ‬‫م وَت َُز ّ‬ ‫ة ت ُط َهُّرهُ ْ‬‫صد َقَ ً‬ ‫م َ‬
‫وال ِهِ ْ‬
‫م َ‬‫نأ ْ‬ ‫ُ ِ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫عَبادِهِ‬‫ن ِ‬
‫ة عَ ْ‬ ‫الت ّوْب َ َ‬ ‫قب َلُ‬‫ه هُوَ ي َ ْ‬‫ن الل َ‬
‫موا أ ّ‬ ‫م ي َعْل ُ‬ ‫م )‪ (103‬أل ْ‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م َوالل ُ‬‫ل َهُ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫م )‪(104‬‬ ‫حي ُ‬‫ب الّر ِ‬ ‫وا ُ‬ ‫ه هُوَ الت ّ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫ت وَأ ّ‬ ‫صد ََقا ِ‬‫خذ ُ ال ّ‬ ‫وَي َأ ُ‬
‫خذ ْ م َ‬
‫سك َ ٌ‬
‫ن‬ ‫ك َ‬ ‫صلت َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫م ب َِها وَ َ‬ ‫كيهِ ْ‬ ‫م وَت َُز ّ‬‫ة ت ُط َهُّرهُ ْ‬ ‫صد َقَ ً‬ ‫م َ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫} ُ ِ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫عَبادِ ِ‬‫ن ِ‬ ‫ة عَ ْ‬ ‫ل الت ّوْب َ َ‬‫قب َ ُ‬ ‫ه هُوَ ي َ ْ‬‫ن الل َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫م ي َعْل ُ‬ ‫م )‪ (103‬أل ْ‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫م )‪{ (104‬‬ ‫حي ُ‬ ‫ب الّر ِ‬ ‫وا ُ‬ ‫ه هُوَ الت ّ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ت وَأ ّ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫خذ ُ ال ّ‬ ‫وَي َأ ُ‬
‫خذ َ من أموالهم صدَقة‬ ‫أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يأ ُ‬
‫يطهرهم ويزكيهم بها ‪ ،‬وهذا عام وإن أعاد بعضهم الضمير في "أموالهم" إلى‬
‫حا وآخر سيئا ؛ ولهذا اعتقد بعض‬ ‫الذين اعترفوا بذنوبهم وخلطوا عمل صال ً‬
‫مانعي الزكاة من أحياء العرب أن دفع الزكاة إلى المام ل يكون ‪ ،‬وإنما كان‬
‫صا برسول الله )‪ (1‬صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا احتجوا بقوله‬ ‫هذا خا ً‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م إِ ّ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫م ب َِها وَ َ‬ ‫م وَت َُز ّ‬
‫كيهِ ْ‬ ‫ة ت ُط َهُّرهُ ْ‬ ‫صد َقَ ً‬ ‫م َ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خذ ْ ِ‬ ‫تعالى ‪ُ } :‬‬
‫م { وقد َرد ّ عليهم هذا التأويل والفهم الفاسد الصديق أبو بكر‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫سك َ ٌ‬ ‫ك َ‬ ‫صلت َ َ‬ ‫َ‬
‫وسائر الصحابة ‪ ،‬وقاتلوهم حتى أدوا الزكاة إلى الخليفة ‪ ،‬كما كانوا ُيؤدونها‬
‫إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬حتى قال الصديق ‪ :‬والله لو منعوني‬
‫عناًقا ‪ُ -‬يؤّدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫عقال ‪ -‬وفي رواية ‪َ :‬‬ ‫ِ‬
‫لقاتلنهم على منعه‪(2) .‬‬
‫م { أي ‪ :‬ادع لهم واستغفر لهم ‪ ،‬كما رواه مسلم في‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫صحيحه ‪ ،‬عن عبد الله بن أبي أوفى قال ‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه‬
‫صّلى عليهم ‪ ،‬فأتاه أبي بصدقته فقال ‪" :‬اللهم‬ ‫ُ‬
‫ي بصدقة قوم َ‬ ‫وسلم إذا أت ِ َ‬
‫صل على آل أبي أوفى" )‪ (3‬وفي الحديث الخر ‪ :‬أن امرأة قالت ‪ :‬يا رسول‬ ‫َ‬
‫ي وعلى زوجي‪ .‬فقال ‪" :‬صلى الله عليك ‪ ،‬وعلى زوجك"‪(4) .‬‬ ‫الله ‪ ،‬صل عل ّ‬ ‫ّ‬
‫صلتك { ‪ :‬قرأ بعضهم ‪" :‬صلواتك" على الجمع ‪ ،‬وآخرون‬ ‫ن َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ّ‬
‫ك { على الفراد‪.‬‬ ‫صلت َ َ‬ ‫قرءوا ‪ } :‬إ ِ ّ َ‬
‫ن‬
‫م { قال ابن عباس ‪ :‬رحمة لهم‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬وقار‪.‬‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫سك َ ٌ‬‫} َ‬
‫م { أي ‪ :‬بمن يستحق ذلك منك‬ ‫ميعٌ { أي ‪ :‬لدعائك } عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬والل ّ ُ‬
‫ومن هو أهل له‪.‬‬
‫مْيس ‪ ،‬عن أبي بكر بن عمرو بن‬ ‫كيع ‪ ،‬حدثنا أبو العُ َ‬ ‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا وَ ِ‬
‫عتبة ‪ ،‬عن ابن لحذيفة ‪ ،‬عن أبيه ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا‬
‫دعا لرجل أصابته ‪ ،‬وأصابت ولده ‪ ،‬وولد ولده‪(5) .‬‬
‫سَعر ‪ ،‬عن أبي بكر بن عمرو بن عتبة ‪ ،‬عن ابن‬ ‫م ْ‬‫ثم رواه عن أبي ن َُعيم ‪ ،‬عن ِ‬
‫لحذيفة ‪ -‬قال مسعر ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ك ‪" :‬بالنبي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (7285 ، 7284‬بلفظ ‪" :‬لو منعنوني‬
‫عقال" قال ‪" :‬وقال ابن بكير وعبد الله عن الليث ‪" :‬عناقا وهو أصح"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم برقم )‪ (1078‬والبخاري في صحيحه برقم )‪.(1497‬‬
‫)‪ (4‬رواه أبو داود في السنن برقم )‪ (1533‬والنسائي في السنن الكبرى‬
‫برقم )‪ (10256‬من حديث جابر بن عبد الله ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪.(5/385‬‬

‫) ‪(4/207‬‬
‫وقد ذكره مرة عن حذيفة ‪ : -‬إن صلة النبي صلى الله عليه وسلم لُتدرك‬
‫الرجل وولده وولد ولده‪(1) .‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت { هذا‬ ‫َ‬
‫صد َقا ِ‬ ‫ُ‬
‫خذ ال ّ‬‫عَبادِهِ وَي َأ ُ‬ ‫ن ِ‬
‫ة عَ ْ‬ ‫ُ‬
‫قب َل الت ّوْب َ َ‬
‫ه هُوَ ي َ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫ط الذنوب ويمحصها‬ ‫تهييج إلى التوبة والصدقة اللتين كل منها )‪ (2‬يح ّ‬
‫ويمحقها‪.‬‬
‫وأخبر تعالى أن كل من تاب إليه تاب عليه ‪ ،‬ومن تصدق بصدقة من كسب‬
‫حلل فإن الله تعالى يتقبلها بيمينه فيربيها لصاحبها ‪ ،‬حتى تصير التمرة مثل‬
‫أحد‪ .‬كما جاء بذلك الحديث ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كما قال‬
‫الثوري ووكيع ‪ ،‬كلهما عن عباد بن منصور ‪ ،‬عن القاسم بن محمد أنه سمع‬
‫أبا هريرة يقول ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن الله يقبل‬
‫الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها لحدكم ‪ ،‬كما يربي أحدكم مهره ‪ ،‬حتى إن‬
‫َ‬
‫اللقمة لَتصير مثل أحد" ‪ ،‬وتصديق ذلك في كتاب الله ‪ ،‬عز وجل ‪] } :‬أل َ ْ‬
‫م‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت { )‪ (3‬و]قوله[ )‪(4‬‬ ‫صد ََقا ِ‬‫خذ ُ ال ّ‬
‫عَبادِهِ وَي َأ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ة عَ ْ‬ ‫ل الت ّوْب َ َ‬ ‫قب َ ُ‬ ‫ه[ هُوَ ي َ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫ت { ]البقرة ‪(5) .[276 :‬‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال ّ‬ ‫حقُ الل ّ ُ‬ ‫م َ‬
‫} يَ ْ‬
‫وقال الثوري والعمش كلهما ‪ ،‬عن عبد الله بن السائب ‪ ،‬عن عبد الله بن‬
‫أبي قتادة قال ‪ :‬قال عبد الله بن مسعود ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬إن الصدقة تقع‬
‫َ‬
‫في يد الله عز وجل قبل أن تقع في يد السائل‪ .‬ثم قرأ هذه الية ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫م‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت { )‪.(6‬‬ ‫صد ََقا ِ‬
‫خذ ُ ال ّ‬‫عَبادِهِ وَي َأ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ة عَ ْ‬‫ل الت ّوْب َ َ‬ ‫قب َ ُ‬ ‫ه هُوَ ي َ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫سكي‬ ‫سك ْ َ‬ ‫وقد روى ابن عساكر في تاريخه ‪ ،‬في ترجمة عبد الله بن الشاعر ال ّ‬
‫الدمشقي ‪ -‬وأصله حمصي ‪ ،‬وكان أحد الفقهاء ‪ ،‬روى عن معاوية وغيره ‪،‬‬
‫وحكى عنه حوشب بن سيف السكسكي الحمصي ‪ -‬قال ‪ :‬غزا الناس في‬
‫زمان معاوية ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬وعليهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ‪ ،‬فَغَ ّ‬
‫ل‬
‫رجل من المسلمين مائة دينار رومية‪ .‬فلما قفل الجيش َندم وأتى الميَر ‪،‬‬
‫فأبى أن يقبلها منه ‪ ،‬وقال ‪ :‬قد تفرق الناس ولن أقبلها منك ‪ ،‬حتى تأتي الله‬
‫ة فجعل الرجل يستقرئ الصحابة ‪ ،‬فيقولون له مثل ذلك ‪ ،‬فلما‬ ‫بها يوم القيام َ‬
‫قدم دمشق ذهب إلى معاوية ليقبلها منه ‪ ،‬فأبى عليه‪ .‬فخرج من عنده وهو‬
‫يبكي ويسترجع ‪ ،‬فمر بعبد الله بن الشاعر السكسكي ‪ ،‬فقال له ‪ :‬ما‬
‫يبكيك ؟ فذكر له أمره ‪ ،‬فقال أمطيُعني أنت ؟ فقال ‪ :‬نعم ‪ ،‬فقال ‪ :‬اذهب‬
‫خمسك ‪ ،‬فادفع إليه عشرين ديناًرا ‪ ،‬وانظر‬ ‫إلى معاوية فقل له ‪ :‬اقبل مني ُ‬
‫الثمانين الباقية فتصدق بها عن ذلك الجيش ‪ ،‬فإن الله يقبل التوبة عن‬
‫عباده ‪ ،‬وهو أعلم بأسمائهم ومكانهم ففعل الرجل ‪ ،‬فقال معاوية ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه ‪ :‬لن أكون أفتيُته بها أحب إلي من كل شيء أملكه ‪ ،‬أحسن الرجل"‪) .‬‬
‫‪(7‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪.(400 /5‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬منهما"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ك‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ك‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه الطبري في تفسيره )‪ .(14/461‬تنبيه ‪ :‬وقع خطأ في الية هنا وعند‬
‫الطبري ‪ ،‬وما أثبتناه هو الصواب‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬تعلموا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬تاريخ دمشق )‪" (9/401‬المخطوط"‪.‬‬

‫) ‪(4/208‬‬
‫ن إ َِلى َ‬
‫عال ِم ِ‬ ‫ست َُرّدو َ‬
‫ن وَ َ‬ ‫ه َوال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫سول ُ ُ‬
‫م وََر ُ‬ ‫مل َك ُ ْ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫سي ََرى الل ّ ُ‬ ‫مُلوا فَ َ‬‫ل اع ْ َ‬‫وَقُ ِ‬
‫ن )‪(105‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ت َعْ َ‬ ‫م بِ َ‬‫شَهاد َةِ فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬
‫ب َوال ّ‬ ‫ال ْغَي ْ ِ‬

‫ن إ َِلى َ‬
‫عال ِم ِ‬ ‫ست َُرّدو َ‬‫ن وَ َ‬‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ه َوال ْ ُ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫مل َك ُ ْ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫سي ََرى الل ّ ُ‬ ‫مُلوا فَ َ‬ ‫ل اعْ َ‬‫} وَقُ ِ‬
‫ن )‪{ (105‬‬ ‫ملو َ‬‫ُ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ُ‬
‫ما كن ْت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ُ‬
‫شَهاد َةِ فَي ُن َب ّئ ُك ْ‬‫ب َوال ّ‬ ‫ال ْغَي ْ ِ‬
‫قال مجاهد ‪ :‬هذا َوعيد ‪ ،‬يعني من الله تعالى للمخالفين أوامره بأن أعمالهم‬
‫ض عليه تبارك وتعالى ‪ ،‬وعلى الرسول ‪ ،‬وعلى المؤمنين‪ .‬وهذا كائن ل‬ ‫ستعَر ُ‬
‫ة{‬‫خافِي َ ٌ‬
‫م َ‬ ‫ُ‬
‫من ْك ْ‬‫فى ِ‬ ‫خ َ‬ ‫ن ل تَ ْ‬ ‫ضو َ‬ ‫مئ ِذ ٍ ت ُعَْر ُ‬ ‫محالة يوم القيامة ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫سَرائ ُِر { ]الطارق ‪، [9 :‬‬ ‫َ‬
‫م ت ُب ْلى ال ّ‬ ‫]الحاقة ‪ (1) ، [18 :‬وقال تعالى ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫دورِ { ]العاديات ‪ [10 :‬وقد يظهر ذلك للناس في‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ل َ‬‫ص َ‬ ‫ح ّ‬ ‫وقال } وَ ُ‬
‫الدنيا ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا حسن بن موسى ‪ ،‬حدثنا ابن ل َِهيعة ‪ ،‬حدثنا د َّراج ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن‬
‫أبي سعيد ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬لو أن أحدكم‬
‫وة ‪ ،‬لخرج الله عمله للناس كائًنا‬ ‫صماء ليس لها باب ول ك ُ ّ‬ ‫يعمل في صخرة َ‬
‫ما كان"‪.(2) .‬‬
‫وقد ورد ‪ :‬أن أعمال الحياء ُتعَرض على الموات من القرباء والعشائر في‬
‫البرزخ ‪ ،‬كما قال أبو داود الطيالسي ‪ :‬حدثنا الصلت بن دينار ‪ ،‬عن الحسن ‪،‬‬
‫عن جابر بن عبد الله قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن‬
‫أعمالكم تعرض على أقربائكم وعشائركم في قبورهم ‪ ،‬فإن كان خيًرا‬
‫استبشروا به ‪ ،‬وإن كان غير ذلك قالوا ‪" :‬اللهم ‪ ،‬ألهمهم أن يعملوا بطاعتك"‪.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫سا يقول ‪:‬‬ ‫من سمع أن ً‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬أخبرنا عبد الرزاق ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬ع ّ‬
‫قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن أعمالكم تعرض على أقاربكم‬
‫وعشائركم من الموات ‪ ،‬فإن كان خيًرا استبشروا به ‪ ،‬وإن كان غير ذلك‬
‫قالوا ‪ :‬اللهم ‪ ،‬ل تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا"‪(4) .‬‬
‫حسن عمل امرئ‬ ‫وقال البخاري ‪ :‬قالت عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ :‬إذا أعجبك ُ‬
‫ن { )‪.(5‬‬ ‫مُنو َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ه َوال ْ ُ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫مل َك ُ ْ‬‫ه عَ َ‬ ‫سي ََرى الل ّ ُ‬ ‫مُلوا فَ َ‬ ‫‪ ،‬فقل ‪ } :‬اعْ َ‬
‫وقد ورد في الحديث شبيه بهذا ‪ ،‬قال المام أحمد ‪:‬‬
‫ميد ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫ح َ‬ ‫حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫قال ‪" :‬ل عليكم أن تعجبوا بأحد حتى تنظروا بم يختم له ؟ فإن العامل يعمل‬
‫هة من دهره ‪ -‬بعمل صالح لو مات عليه لدخل الجنة‬ ‫زماًنا من عمره ‪ -‬أو ‪ُ :‬بر َ‬
‫‪ ،‬ثم يتحول فيعمل عمل سيًئا ‪ ،‬وإن العبد ليعمل البرهة من دهره بعمل‬
‫سيئ ‪ ،‬لو‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬يعرضون ل يخفى"‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (3/28‬ودراج عن أبي الهيثم ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (3‬مسند الطيالسي برقم )‪.(1794‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (3/164‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (2/228‬وفيه رجل لم‬
‫يسم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري )‪" 13/503‬فتح"(‪.‬‬

‫) ‪(4/209‬‬
‫جو َ َ‬ ‫وَآ َ َ‬
‫م)‬
‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬
‫م َ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬
‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ب عَل َي ْهِ ْ‬
‫ما ي َُتو ُ‬
‫م وَإ ِ ّ‬ ‫مرِ الل ّهِ إ ِ ّ‬
‫ما ي ُعَذ ّب ُهُ ْ‬ ‫ن ِل ْ‬‫مْر َ ْ‬
‫ن ُ‬
‫خُرو َ‬
‫‪(106‬‬

‫حا ‪ ،‬وإذا أراد الله بعبد خيًرا‬ ‫مات عليه دخل النار ‪ ،‬ثم يتحول فيعمل عمل صال ً‬
‫استعمله قبل موته"‪ .‬قالوا ‪ :‬يا رسول الله وكيف يستعمله ‪ :‬قال ‪" :‬يوفقه‬
‫لعمل صالح ثم يقبضه عليه" )‪ (1‬تفرد به أحمد من هذا الوجه‪.‬‬
‫م)‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫ب عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ما ي َُتو ُ‬
‫م وَإ ِ ّ‬‫ما ي ُعَذ ّب ُهُ ْ‬ ‫مرِ الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫نل ْ‬ ‫جو ْ َ‬‫مْر َ‬ ‫ن ُ‬ ‫خُرو َ‬ ‫} َوآ َ‬
‫‪{ (106‬‬
‫رمة ‪ ،‬والضحاك وغير واحد ‪ :‬هم الثلثة الذين‬ ‫ْ‬
‫عك ِ‬ ‫قال ابن عباس ومجاهد ُ و ِ‬
‫خلفوا ‪ ،‬أي ‪ :‬عن التوبة ‪ ،‬وهم ‪ :‬مرارة بن الربيع ‪ ،‬وكعب بن مالك ‪ ،‬وهلل بن‬
‫عة‬ ‫أمية ‪ ،‬قعدوا عن غزوة تبوك في جملة من قعد ‪ ،‬كسل وميل إلى الد ّ َ‬
‫والحفظ وطيب الثمار والظلل ‪ ،‬ل شكا ونفاقا ‪ ،‬فكانت منهم طائفة َرَبطوا‬
‫أنفسهم بالسواري ‪ ،‬كما فعل أبو ُلبابة وأصحابه ‪ ،‬وطائفة لم يفعلوا ذلك وهم‬
‫هؤلء الثلثة المذكورون ‪ ،‬فنزلت توبة أولئك قبل هؤلء ‪ ،‬وأرجى هؤلء عن‬
‫ه عََلى الن ّب ِ ّ‬
‫ي‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫التوبة حتى نزلت الية التية ‪ ،‬وهي قوله ‪ } :‬ل َ َ‬
‫قد ْ َتا َ‬
‫فوا‬‫خل ّ ُ‬‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫صارِ { الية ]التوبة ‪ } ، [117 :‬وَعََلى الّثلث َةِ ال ّ ِ‬ ‫ن َوالن ْ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬
‫مَها ِ‬‫َوال ْ ُ‬
‫م[ { )‪ (2‬الية‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫م أ َن ْ ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ضاقَ ْ‬ ‫ت ]وَ َ‬ ‫حب َ ْ‬ ‫ما َر ُ‬ ‫ض بِ َ‬ ‫م الْر ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ُ‬ ‫ضاقَ ْ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫َ‬
‫]التوبة ‪ ، [118 :‬كما سيأتي بيانه في حديث كعب بن مالك‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬هم تحت عفو الله ‪ ،‬إن شاء‬ ‫ب عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ما ي َُتو ُ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫ما ي ُعَذ ّب ُهُ ْ‬‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫فعل بهم هذا ‪ ،‬وإن شاء فعل بهم ذاك ‪ ،‬ولكن رحمته تغلب غضبه ‪ ،‬وهو‬
‫م { أي ‪ :‬عليم بمن يستحق العقوبة ممن يستحق العفو ‪ ،‬حكيم‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬‫م َ‬ ‫} عَِلي ٌ‬
‫في أفعاله وأقواله ‪ ،‬ل إله إل هو ‪ ،‬ول رب سواه‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (3/120‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (7/211‬ورجاله رجال‬
‫الصحيح"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ك‪.‬‬

‫) ‪(4/210‬‬

‫ن‬
‫م ْ‬ ‫صاًدا ل ِ َ‬ ‫ن وَإ ِْر َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫قا ب َي ْ َ‬‫ري ً‬‫ِ‬ ‫فًرا وَت َ ْ‬
‫ف‬ ‫ضَراًرا وَك ُ ْ‬ ‫دا ِ‬ ‫ج ً‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذوا َ‬ ‫خ ُ‬
‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫فن إ َ‬
‫م‬
‫شهَد ُ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫سَنى َوالل ّ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن أَرد َْنا إ ِّل ال ْ ُ‬ ‫حل ِ ُ ّ ِ ْ‬ ‫ل وَل َي َ ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬‫ب الل ّ َ‬ ‫حاَر َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬‫ل ي َوْم ٍ أ َ‬ ‫ن أوّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وى ِ‬ ‫ق َ‬‫س عَلى الت ّ ْ‬ ‫س َ‬ ‫جد ٌ أ ّ‬ ‫س ِ‬
‫م ْ‬‫دا ل َ‬ ‫م ِفيهِ أب َ ً‬ ‫ق ْ‬ ‫ن )‪ (107‬ل ت َ ُ‬ ‫ل َكاذُِبو َ‬‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(108‬‬ ‫ري َ‬ ‫مط ّهّ ِ‬‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬‫ن ي َت َط َهُّروا َوالل ّ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫حّبو َ‬ ‫جا ٌ‬
‫ل يُ ِ‬ ‫م ِفيهِ ِفيهِ رِ َ‬ ‫قو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫أ ْ‬

‫ن‬‫م ْ‬ ‫صاًدا ل ِ َ‬ ‫ن وَإ ِْر َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫قا ب َي ْ َ‬ ‫ري ً‬


‫فَ ِ‬
‫فًرا وَت َ ْ‬ ‫ضَراًرا وَك ُ ْ‬ ‫دا ِ‬ ‫ج ً‬‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذوا َ‬ ‫خ ُ‬
‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َوال ّ ِ‬
‫م‬
‫شهَد ُ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫سَنى َوالل ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ْ‬
‫ن أَرد َْنا ِإل ال ُ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ف ّ‬‫حل ِ ُ‬ ‫َ‬
‫ل وَلي َ ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫َ‬
‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ّ‬
‫ب الل َ‬ ‫حاَر َ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫و‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫وى‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫س‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫دا‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ه‬‫في‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫(‬‫‪107‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫بو‬ ‫ذ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫لَ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ ّ ِ ْ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ ْ ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫حبو َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (108‬‬ ‫ري َ‬ ‫مط ّهّ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن ي َت َط َهُّروا َوالل ّ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ل يُ ِ ّ َ‬ ‫جا ٌ‬ ‫م ِفيهِ ِفيهِ رِ َ‬ ‫قو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫أ ْ‬
‫دم رسول‬ ‫مق َ‬ ‫سبب نزول هذه اليات )‪ (1‬الكريمات ‪ :‬أنه كان بالمدينة قبل َ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم إليها رجل من الخزرج يقال له ‪" :‬أبو عامر‬
‫صر في الجاهلية وقرأ عْلم أهل الكتاب ‪ ،‬وكان فيه‬ ‫ب" ‪ ،‬وكان قد ت َن َ ّ‬ ‫الراه ُ‬
‫ل الله صلى‬ ‫عبادة في الجاهلية ‪ ،‬وله شرف في الخزرج كبير‪ .‬فلما َقدم رسو ُ‬
‫الله عليه وسلم مهاجًرا إلى المدينة ‪ ،‬واجتمع المسلمون عليه ‪ ،‬وصارت‬
‫رق اللعين أبو عامر بريقه ‪،‬‬ ‫للسلم كلمة عالية ‪ ،‬وأظهرهم الله يوم بدر ‪َ ،‬‬
‫ش ِ‬
‫وبارز بالعداوة ‪ ،‬وظاهر بها ‪ ،‬وخرج فاّرا إلى كفار مكة من مشركي قريش‬
‫فأّلبهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فاجتمعوا بمن وافقهم‬
‫من أحياء العرب ‪ ،‬وقدموا عام أحد ‪ ،‬فكان من أمر المسلمين ما كان ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬الية"‪.‬‬

‫) ‪(4/210‬‬

‫وامتحنهم الله ‪ ،‬وكانت العاقبة للمتقين‪(1) .‬‬


‫وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصفين ‪ ،‬فوقع في إحداهن رسول‬
‫سرت‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وأصيب ذلك اليوم ‪ ،‬فجرح في وجهه وك ُ ِ‬
‫ج رأسه ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه‪.‬‬ ‫ش ّ‬ ‫عيُته اليمنى السفلى ‪ ،‬و ُ‬ ‫رَبا ِ‬
‫وتقدم أبو عامر في أول المبارزة إلى قومه من النصار ‪ ،‬فخاطبهم‬
‫واستمالهم إلى نصره وموافقته ‪ ،‬فلما عرفوا كلمه قالوا ‪ :‬ل أنعم الله بك‬
‫عينا يا فاسق يا عدو الله ‪ ،‬ونالوا منه وسّبوه‪ .‬فرجع وهو يقول ‪ :‬والله لقد‬
‫شر‪ .‬وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعاه إلى‬ ‫أصاب قومي بعدي َ‬
‫الله قبل فراره ‪ ،‬وقرأ عليه من القرآن ‪ ،‬فأبى أن يسلم وتمّرد ‪ ،‬فدعا عليه‬
‫دا ‪ ،‬فنالته هذه الدعوة‪.‬‬ ‫دا طري ً‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يموت بعي ً‬
‫وذلك أنه لما فرغ الناس )‪ (2‬من أحد ‪ ،‬ورأى أمر الرسول ‪ ،‬صلوات الله‬
‫وسلمه عليه )‪ (3‬في ارتفاع وظهور ‪ ،‬ذهب إلى هرقل ‪ ،‬ملك الروم ‪،‬‬
‫مّناه ‪ ،‬وأقام عنده ‪،‬‬ ‫يستنصره على النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فوعده و َ‬
‫وكتب إلى جماعة من قومه من النصار من أهل النفاق والريب يعدهم‬
‫م بجيش يقاتل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويغلبه‬ ‫وُيمّنيهم أنه سيقد ُ‬
‫معقل يقدم عليهم فيه من يقدم‬ ‫ويرده عما هو فيه ‪ ،‬وأمرهم أن يتخذوا له َ‬
‫دا له إذا قدم عليهم بعد ذلك ‪ ،‬فشرعوا في‬ ‫ن مرص ً‬ ‫من عنده لداء ك ُُتبه ويكو َ‬
‫بناء مسجد مجاور لمسجد قباء ‪ ،‬فبنوه وأحكموه ‪ ،‬وفرغوا منه قبل خروج‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك ‪ ،‬وجاءوا فسألوا رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم ‪ ،‬ليحتجوا بصلته ‪ ،‬عليه‬
‫السلم ‪ ،‬فيه على تقريره وإثباته ‪ ،‬وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم وأهل‬
‫العلة في الليلة الشاتية ‪ ،‬فعصمه الله من الصلة فيه فقال ‪" :‬إنا على سفر ‪،‬‬
‫ولكن إذا رجعنا إن شاء الله"‪.‬‬
‫فلما قفل ‪ ،‬عليه السلم )‪ (4‬راجًعا إلى المدينة من تبوك ‪ ،‬ولم يبق بينه وبينها‬
‫ضرار ‪ ،‬وما اعتمده‬ ‫إل يوم أو بعض يوم ‪ ،‬نزل عليه الوحي بخبر مسجد ال ّ‬
‫بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم مسجد قباء ‪،‬‬
‫الذي أسس من أول يوم على التقوى‪ .‬فبعث رسول الله صلى الله عليه‬
‫دمه قبل مقدمه المدينة ‪ ،‬كما قال علي بن‬ ‫وسلم إلى ذلك المسجد من هَ َ‬
‫ضَراًرا‬
‫دا ِ‬‫ج ً‬
‫س ِ‬
‫م ْ‬
‫ذوا َ‬ ‫خ ُ‬
‫ن ات ّ َ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪َ } :‬وال ِ‬
‫دا ‪،‬‬
‫ن[ { )‪ (5‬وهم أناس من النصار ‪ ،‬ابتنوا مسج ً‬ ‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫قا ب َي ْ َ‬
‫ري ً‬
‫ف ِ‬ ‫]وَك ُ ْ‬
‫فًرا وَت َ ْ‬
‫دا واستعدوا بما استطعتم من قوة ومن سلح‬ ‫فقال لهم أبو عامر ‪ ،‬ابنوا مسج ً‬
‫دا‬
‫‪ ،‬فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم ‪ ،‬فآتي بجند من الروم وأخرج محم ً‬
‫وأصحابه‪ .‬فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ‪:‬‬
‫قد فرغنا من بناء مسجدنا ‪ ،‬فنحب )‪ (6‬أن تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة‪.‬‬
‫قوى م َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫ن أوّ ِ‬
‫ِ ْ‬ ‫س عََلى الت ّ ْ َ‬
‫س َ‬
‫جد ٌ أ ّ‬
‫س ِ‬ ‫دا ل َ َ‬
‫م ْ‬ ‫م ِفيهِ أب َ ً‬ ‫ق ْ‬‫فأنزل الله ‪ ،‬عز وجل ‪ } :‬ل ت َ ُ‬
‫ن {‪.‬‬‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫م الظال ِ ِ‬ ‫قو ْ َ‬‫دي ال ْ َ‬ ‫ي َوْم ٍ { إلى } َوالل ّ ُ‬
‫ه ل ي َهْ ِ‬
‫جبير ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعروة بن الزبير ‪ ،‬وقتادة وغير‬ ‫وكذا ُروي عن سعيد بن ُ‬
‫واحد من العلماء‪.‬‬
‫سار ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬ويزيد بن رومان ‪ ،‬وعبد الله‬ ‫وقال محمد بن إسحاق بن ي َ َ‬
‫بن أبي بكر ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬للتقوى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬المسلمون"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬فتجب"‪.‬‬

‫) ‪(4/211‬‬

‫مر بن قتادة وغيرهم ‪ ،‬قالوا ‪ :‬أقبل رسول الله صلى الله عليه‬ ‫وعاصم بن عُ َ‬
‫وسلم ‪ -‬يعني ‪ :‬من تبوك ‪ -‬حتى نزل بذي أوان ‪ -‬بلد بينه وبين المدينة ساعة‬
‫من نهار ‪ -‬وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك ‪،‬‬
‫دا لذي العلة والحاجة ‪ ،‬والليلة‬ ‫فقالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إنا قد بنينا مسج ً‬
‫المطيرة ‪ ،‬والليلة الشاتية ‪ ،‬وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه‪ .‬فقال ‪" :‬إني‬
‫شغل ‪ -‬أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬ ‫سفر وحال ُ‬ ‫على جناح َ‬
‫ولو قد قدمنا إن شاء الله تعالى أتيناكم فصلينا لكم فيه"‪ .‬فلما نزل بذي أوان‬
‫شم‬‫خ ُ‬ ‫أتاه خبُر المسجد ‪ ،‬فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الد ّ ْ‬
‫أخا بني سالم بن عوف ‪ ،‬ومعن بن عدي ‪ -‬أو ‪ :‬أخاه عامر بن عدي ‪ -‬أخا‬
‫بلعجلن فقال ‪" :‬انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله ‪ ،‬فاهدماه وحرقاه"‪.‬‬
‫دخشم ‪،‬‬ ‫فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف ‪ ،‬وهم رهط مالك بن ال ّ‬
‫فقال مالك لمعن ‪ :‬أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي‪ .‬فدخل أهله فأخذ‬
‫دان حتى دخل المسجد‬ ‫سَعفا من النخل ‪ ،‬فأشعل فيه ناًرا ‪ ،‬ثم خرجا َيشت ّ‬ ‫َ‬
‫وفيه أهله ‪ ،‬فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه‪ .‬ونزل فيهم من القرآن ما نزل ‪:‬‬
‫فًرا { إلى آخر القصة‪ .‬وكان الذين بنوه‬ ‫ضَراًرا وَك ُ ْ‬
‫دا ِ‬ ‫ج ً‬
‫س ِ‬
‫م ْ‬ ‫ذوا َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬
‫ذي َ‬‫} َوال ّ ِ‬
‫اثني عشر رجل خذام بن خالد ‪ ،‬من بني عَُبيد بن زيد ‪ ،‬أحد )‪ (1‬بني عمرو بن‬
‫عوف ‪ ،‬ومن داره أخرج مسجد الشقاق ‪ ،‬وثعلبة بن حاطب من بني عبيد وهو‬
‫ضَبيعة بن زيد ‪ ،‬وأبو‬ ‫إلى بني أمية بن زيد ‪ ،‬ومعّتب بن ُقشير ‪ ،‬من ]بني[ )‪ُ (2‬‬
‫حَنيف ‪ ،‬أخو سهل بن‬ ‫ضَبيعة بن زيد ‪ ،‬وعَّباد بن ُ‬ ‫حبيبة بن الذعر ‪ ،‬من بني ُ‬
‫مع بن‬ ‫ج ّ‬‫م َ‬‫حنيف ‪ ،‬من بني عمرو بن عوف ‪ ،‬وجارية بن عامر ‪ ،‬وابناه ‪ُ :‬‬
‫جارية ‪ ،‬وزيد بن جارية ون َب َْتل ]بن[ )‪ (3‬الحارث ‪ ،‬وهم من بني ضبيعة ‪،‬‬
‫ضَبيعة ‪] ،‬ووديعة‬ ‫عثمان وهو من بني ُ‬ ‫وبحزج وهو من بني ضبيعة ‪ ،‬وبجاد بن ُ‬
‫بن ثابت ‪ ،‬وهو إلى بني أمية[ )‪ (4‬رهط أبي لبابة بن عبد المنذر‪(5) .‬‬
‫فن { أي ‪ :‬الذين بنوه } إ َ‬
‫سَنى { أي ‪ :‬ما‬ ‫ن أَرد َْنا ِإل ال ْ ُ‬
‫ح ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َي َ ْ‬
‫حل ِ ُ ّ‬
‫م‬
‫شهَد ُ إ ِن ّهُ ْ‬‫ه يَ ْ‬‫قا بالناس ‪ ،‬قال الله تعالى ‪َ } :‬والل ّ ُ‬ ‫أردناه ببنيانه إل خيًرا ورف ً‬
‫ُ‬
‫ضرارا لمسجد قباء ‪،‬‬ ‫ووا ‪ ،‬وإنما بنوه ِ‬ ‫ن { أي ‪ :‬فيما قصدوا وفيما ن َ‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫لَ َ‬
‫قا بين المؤمنين ‪ ،‬وإرصاًدا لمن حارب الله ورسوله ‪ ،‬وهو‬ ‫وكفرا بالله ‪ ،‬وتفري ً‬
‫أبو عامر الفاسق ‪ ،‬الذي يقال له ‪" :‬الراهب" لعنه الله‪.‬‬
‫دا { نهي من الله لرسوله ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه‬ ‫َ‬
‫م ِفيهِ أب َ ً‬ ‫ق ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل ت َ ُ‬
‫‪ ،‬والمة ت ََبع له في ذلك ‪ ،‬عن أن يقوم فيه ‪ ،‬أي ‪ :‬يصلي فيه أبدا‪.‬‬
‫ثم حثه على الصلة في مسجد ُقباء الذي أسس من أول يوم بنائه على‬
‫معقل‬‫التقوى ‪ ،‬وهي طاعة الله ‪ ،‬وطاعة رسوله ‪ ،‬وجمعا لكلمة المؤمنين و َ‬
‫س عََلى الت ّ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫وى ِ‬ ‫ق َ‬ ‫س َ‬‫جد ٌ أ ّ‬
‫س ِ‬ ‫وموئل للسلم وأهله ؛ ولهذا قال تعالى ‪ } :‬ل َ َ‬
‫م ْ‬
‫م ِفيهِ { والسياق إنما هو في معرض مسجد قباء ؛ ولهذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قو َ‬
‫ن تَ ُ‬
‫حق ّ أ ْ‬ ‫ل ي َوْم ٍ أ َ‬
‫أوّ ِ‬
‫جاء‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬جد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وابن هشام‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وابن هشام‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وابن هشام‪.‬‬
‫)‪ (5‬السيرة النبوية لبن هشام )‪ (2/530‬ورواه الطبري في تفسيره )‬
‫‪ .(14/468‬وانظر الكلم على هذه الرواية وتفنيدها في كتاب الفاضل ‪:‬‬
‫عداب الحمش "ثعلبة بن حاطب المفترى عليه )ص ‪.(138‬‬

‫) ‪(4/212‬‬

‫في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬صلة في‬
‫مسجد ُقباء كُعمرة"‪ (1) .‬وفي الصحيح ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم كان يزوُر مسجد ُقباء راكًبا وماشًيا )‪ (2‬وفي الحديث ‪ :‬أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم لما بناه وأسسه أول قدومه ونزوله على بني عمرو بن‬
‫جَهة القبلة )‪ (3‬فالله أعلم‪.‬‬ ‫عوف ‪ ،‬كان جبريل هو الذي عَّين له ِ‬
‫وقال أبو داود ‪ :‬حدثنا محمد بن العلء ‪ ،‬حدثنا معاوية بن هشام ‪ ،‬عن يونس‬
‫بن الحارث ‪ ،‬عن إبراهيم بن أبي ميمونة ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪،‬‬
‫رضي الله عنه ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬نزلت هذه الية في‬
‫ن ي َت َط َهُّروا { قال ‪ :‬كانوا يستنجون بالماء ‪،‬‬ ‫حبو َ‬ ‫جا ٌ‬
‫نأ ْ‬‫ل يُ ِ ّ َ‬ ‫أهل قباء ‪ِ } :‬فيهِ رِ َ‬
‫فنزلت فيهم الية‪.‬‬
‫ورواه الترمذي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث يونس بن الحارث ‪ ،‬وهو ضعيف ‪،‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬غريب من هذا الوجه‪.‬‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا الحسن بن علي المعمري ‪ ،‬حدثنا محمد بن حميد‬
‫الرازي ‪ ،‬حدثنا سلمة بن الفضل ‪ ،‬عن محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن‬
‫ن‬ ‫حبو َ‬ ‫جا ٌ‬
‫نأ ْ‬ ‫ل يُ ِ ّ َ‬ ‫مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬لما نزلت هذه الية ‪ِ } :‬فيهِ رِ َ‬
‫ويم بن ساعدة فقال‬ ‫ي َت َط َهُّروا { بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عُ َ‬
‫‪" :‬ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم ؟"‪ .‬فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ما خرج‬
‫منا رجل ول امرأة من الغائط إل غسل فرجه ‪ -‬أو قال ‪ :‬مقعدته ‪ -‬فقال النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" .‬هو هذا"‪(4) .‬‬
‫سين بن محمد ‪ ،‬حدثنا أبو أويس ‪ ،‬حدثنا شرحبيل‬ ‫ح َ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا ُ‬
‫دثه أن النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ح ّ‬
‫ويم بن ساعدة النصاري ‪ :‬أنه َ‬ ‫‪ ،‬عن عُ َ‬
‫أتاهم في مسجد قباء ‪ ،‬فقال ‪" :‬إن الله تعالى قد أحسن ]عليكم الثناء[ )‪(5‬‬ ‫ُ‬
‫طهور في قصة مسجدكم ‪ ،‬فما هذا الطهور الذي تطهرون به ؟" فقالوا‬ ‫في ال ّ‬
‫‪ :‬والله ‪ -‬يا رسول الله ‪ -‬ما نعلم شيًئا إل أنه كان لنا جيران من اليهود ‪،‬‬
‫فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط ‪ ،‬فغسلنا كما غسلوا‪.‬‬
‫خزيمة في صحيحه‪(6) .‬‬ ‫ورواه ابن ُ‬
‫شْيم ‪ ،‬عن عبد الحميد المدني ‪ ،‬عن إبراهيم بن إسماعيل النصاري ‪:‬‬ ‫وقال هُ َ‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه الترمذي في السنن برقم )‪ (324‬وابن ماجه في السنن برقم )‬
‫‪ (1411‬من طريق أبي أسامة ‪ -‬عبد الحميد بن جعفر ‪ -‬عن أبي البرد مولى‬
‫بني الخطمة ‪ -‬عن أسيد بن ظهير النصاري رضي الله عنه ‪ ،‬وبه‪ .‬وقال‬
‫الترمذي ‪ -‬كما في تحفة الشرف )‪" : (1/275‬حديث حسن صحيح ‪ ،‬ول‬
‫نعرف لسيد بن ظهير شيئا يصح غير هذا الحديث ‪ ،‬ول نعرفه إل من حديث‬
‫أبي أسامة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم برقم )‪ (1399‬من حديث عبد الله بن عمر رضي الله‬
‫عنهما‪.‬‬
‫)‪ (3‬سنن أبي داود برقم )‪ (44‬وسنن الترمذي برقم )‪ ، (3100‬وسنن ابن‬
‫ماجة برقم )‪.(357‬‬
‫)‪ (4‬المعجم الكبير )‪ (11/67‬وفيه محمد بن حميد وهو ضعيف ‪ ،‬وابن إسحاق‬
‫مدلس وقد عنعن‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (3/422‬وصحيح ابن خزيمة برقم )‪ (83‬وقال الهيثمي في‬
‫المجمع )‪" : (1/212‬وفيه شرحبيل بن سعد ضعفه مالك وابن معين وأبو‬
‫زرعة ووثقه ابن حبان"‪.‬‬

‫) ‪(4/213‬‬

‫ن‬ ‫حبو َ‬ ‫جا ٌ‬


‫نأ ْ‬ ‫ل يُ ِ ّ َ‬ ‫ويم بن ساعدة‪" .‬ما هذا الذي أثنى الله عليكم ‪ِ } :‬فيهِ رِ َ‬ ‫لعُ َ‬
‫ن { قالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إنا نغسل الدبار‬ ‫ري َ‬ ‫ّ‬
‫مطهّ ِ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬‫ه يُ ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ي َت َطهُّروا َوالل ُ‬
‫بالماء‪(1) .‬‬
‫عمارة السدي ‪ ،‬حدثنا محمد بن سعد ‪،‬‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني محمد بن ُ‬
‫خَزيمة بن‬ ‫حدثنا إبراهيم بن محمد ‪ ،‬عن شرحبيل بن سعد قال ‪ :‬سمعت ُ‬
‫حبو َ‬
‫ب‬ ‫ح ّ‬‫ه يُ ِ‬ ‫ن ي َت َط َهُّروا َوالل ُ‬
‫ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫جا ٌ‬
‫ل يُ ِ ّ َ‬ ‫ثابت يقول ‪ :‬نزلت هذه الية ‪ِ } :‬فيهِ رِ َ‬
‫ن { قال ‪ :‬كانوا يغسلون أدبارهم من الغائط‪(2) .‬‬ ‫ري َ‬‫مط ّهّ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال المام أحمد بن حنبل ‪ :‬حدثنا يحيى بن آدم ‪ ،‬حدثنا مالك ‪-‬‬
‫ول ‪ -‬سمعت سيارا أبا الحكم ‪ ،‬عن شهر بن حوشب ‪ ،‬عن‬ ‫يعني ‪ :‬ابن مغْ َ‬
‫محمد بن عبد الله بن سلم قال ‪ :‬لما )‪ (3‬قدم رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬يعني ‪ :‬قباء ‪ ،‬فقال ‪" :‬إن الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬قد أثنى عليكم في الطهور‬
‫ن ي َت َط َهُّروا‬ ‫حبو َ‬ ‫جا ٌ‬
‫نأ ْ‬ ‫ل يُ ِ ّ َ‬ ‫خيًرا ‪ ،‬أفل تخبروني ؟"‪ .‬يعني ‪ :‬قوله تعالى ‪ِ } :‬فيهِ رِ َ‬
‫ن { فقالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إنا نجده مكتوًبا علينا في‬ ‫مط ّهّ ِ‬
‫ري َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫التوراة ‪ :‬الستنجاُء بالماء‪(4) .‬‬
‫وقد صرح بأنه مسجد قباء جماعة من السلف ‪ ،‬رواه علي بن أبي طلحة ‪،‬‬
‫مر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عُْرَوة بن‬ ‫معْ َ‬
‫عن ابن عباس‪ .‬ورواه عبد الرزاق ‪ ،‬عن َ‬
‫الزبير‪ .‬وقاله عطية العوفي ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬والشعبي ‪،‬‬
‫جَبير ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬ ‫والحسن البصري ‪ ،‬ونقله البغوي عن سعيد بن ُ‬
‫وقد ورد في الحديث الصحيح ‪ :‬أن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫الذي هو في جوف المدينة ‪ ،‬هو المسجد الذي أسس على التقوى‪ .‬وهذا‬
‫صحيح‪ .‬ول منافاة بين الية وبين هذا ؛ لنه إذا كان مسجد قباء قد أسس على‬
‫التقوى من أول يوم ‪ ،‬فمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق‬
‫الولى والحرى ؛ ولهذا قال المام أحمد بن حنبل في مسنده ‪:‬‬
‫حدثنا أبو ُنعيم ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن عامر السلمي ‪ ،‬عن عمران بن أبي أنس ‪،‬‬
‫ي بن كعب ‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬ ‫عن سهل بن سعد ‪ ،‬عن أب ّ‬
‫"المسجد الذي أسس على التقوى مسجدي هذا"‪ .‬تفرد به أحمد‪(5) .‬‬
‫كيع ‪ ،‬حدثنا ربيعة بن عثمان التيمي ‪،‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا وَ ِ‬
‫عن عمران بن أبي أنس ‪ ،‬عن سهل بن سعد الساعدي قال ‪ :‬اختلف رجلن‬
‫س على‬ ‫س َ‬
‫على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي أ ّ‬
‫التقوى ‪ ،‬فقال أحدهما ‪ :‬هو مسجد رسول الله )‪ (6‬صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال الخر ‪ :‬هو مسجد قباء‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(14/487‬‬
‫)‪ (2‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(14/487‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬لقد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(6/6‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪.(5/116‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الرسول"‪.‬‬

‫) ‪(4/214‬‬

‫فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسأله ‪ ،‬فقال ‪" :‬هو مسجدي هذا" )‪(1‬‬
‫تفرد به أحمد أيضا‪.‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال أحمد ‪ :‬حدثنا موسى بن داود ‪ ،‬حدثنا ليث ‪ ،‬عن عمران بن‬
‫أبي أنس ‪ ،‬عن سعيد بن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬تمارى‬
‫رجلن في المسجد الذي أسس على التقوى ‪ ،‬فقال أحدهما ‪ :‬هو مسجد قباء‬
‫‪ ،‬وقال الخر ‪ :‬هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬هو مسجدي هذا" )‪ (2‬تفرد به أحمد‪.‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسحاق بن عيسى ‪ ،‬حدثنا ليث ‪،‬‬
‫حدثني عمران بن أبي أنس ‪ ،‬عن ابن أبي سعيد ‪ ،‬عن أبيه أنه قال ‪ :‬تمارى‬
‫رجلن في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم ‪ ،‬فقال رجل ‪ :‬هو‬
‫مسجد قباء ‪ ،‬وقال الخر ‪ :‬هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬هو مسجدي"‪.‬‬
‫وكذا رواه الترمذي والنسائي عن قتيبة ‪ ،‬عن الليث )‪ (3‬وصححه الترمذي ‪،‬‬
‫ورواه مسلم كما سيأتي‪.‬‬
‫ُ‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى ‪ ،‬عن أن َْيس بن أبي يحيى ‪ ،‬حدثني أبي‬
‫درة ‪،‬‬‫خ ْ‬
‫قال ‪ :‬سمعت أبا سعيد الخدري قال ‪ :‬اختلف رجلن ‪ :‬رجل من بني َ‬
‫ورجل من بني عمرو بن عوف في المسجد الذي أسس على التقوى ‪ ،‬فقال‬
‫مري ‪ :‬هو‬ ‫الخدري ‪ :‬هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وقال العَ ْ‬
‫مسجد قباء ‪ ،‬فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك ‪،‬‬
‫فقال ‪" :‬هو هذا المسجد" لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫"في ذاك ]خير كثير[ )‪ (4‬يعني ‪ :‬مسجد قباء‪(5) .‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثنا ابن بشار ‪ ،‬حدثنا يحيى بن‬
‫سعيد ‪ -‬حدثنا حميد الخراط المدني ‪ ،‬سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن أبي‬
‫سعيد )‪ (6‬فقلت ‪ :‬كيف سمعت أباك يقول في المسجد الذي أسس على‬
‫التقوى ؟ فقال أبي ‪ :‬أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه‬
‫في بيت لبعض نسائه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أين المسجد )‪ (7‬الذي أسس‬
‫على التقوى ؟ قال ‪ :‬فأخذ كفا من حصباء فضرب به الرض ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬هو‬
‫ت أباك يذكره ؟‪.‬‬‫ت له ‪ :‬هكذا[ )‪ (8‬سمع َ‬
‫مسجدكم هذا"‪ .‬ثم قال ‪] :‬فقل ُ‬
‫رواه مسلم منفرًدا به عن محمد بن حاتم ‪ ،‬عن يحيى بن سعيد ‪ ،‬به )‪(9‬‬
‫ورواه عن أبي بكر بن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (5/331‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (7/34‬رجاله رجال‬
‫الصحيح"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(3/89‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (3/7‬وسنن الترمذي برقم )‪ (3099‬والنسائي في السنن‬
‫الكبرى برقم )‪.(11228‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪ .‬وفي أ ‪" :‬خير كبير"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪.(3/23‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن قال ‪ :‬مر بي عبد‬
‫الرحمن بن أبي سعيد"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬أي مسجد"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (9‬تفسير الطبري )‪ (14/477‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1398‬‬

‫) ‪(4/215‬‬

‫أبي شيبة وغيره ‪ ،‬عن حاتم بن إسماعيل ‪ ،‬عن حميد الخراط ‪ ،‬به‪(1) .‬‬
‫وقد قال بأنه مسجد النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من السلف‬
‫والخلف ‪ ،‬وهو مروي عن عمر بن الخطاب ‪ ،‬وابنه عبد الله ‪ ،‬وزيد بن ثابت ‪،‬‬
‫وسعيد بن المسيب‪ .‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫س عََلى الت ّ ْ‬ ‫ُ‬
‫ه‬
‫م ِفيهِ ِفي ِ‬
‫قو َ‬
‫ن تَ ُ‬
‫حق ّ أ ْ‬
‫ل ي َوْم ٍ أ َ‬‫ن أوّ ِ‬ ‫م ْ‬
‫وى ِ‬ ‫ق َ‬ ‫س َ‬ ‫جد ٌ أ ّ‬ ‫س ِ‬‫م ْ‬‫وقوله ‪ } :‬ل َ َ‬
‫َ‬
‫ن { دليل على استحباب الصلة‬ ‫ري َ‬‫مط ّهّ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬‫ح ّ‬ ‫ن ي َت َط َهُّروا َوالل ّ ُ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫حّبو َ‬ ‫جا ٌ‬
‫ل يُ ِ‬ ‫رِ َ‬
‫في المساجد القديمة المؤسسة من أول بنائها على عبادة الله وحده ل‬
‫شريك له ‪ ،‬وعلى استحباب الصلة مع جماعة الصالحين ‪ ،‬والعباد العاملين‬
‫المحافظين على إسباغ الوضوء ‪ ،‬والتنزه عن )‪ (2‬ملبسة القاذورات‪.‬‬
‫وقد قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن عبد الملك بن‬
‫عمير ‪ ،‬سمعت شبيبا أبا روح يحدث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله‬
‫صّلى بهم الصبح فقرأ بهم‬ ‫عليه وسلم ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم َ‬
‫)‪ (3‬الروم فأوهم ‪ ،‬فلما انصرف قال ‪" :‬إنه يلبس علينا القرآن ‪ ،‬إن أقواما‬
‫منكم يصلون معنا ل يحسنون الوضوء ‪ ،‬فمن شهد الصلة معنا فليحسن‬
‫الوضوء"‪.‬‬
‫ثم رواه من طريقين آخرين ‪ ،‬عن عبد الملك بن عمير ‪ ،‬عن شبيب أبي روح‬
‫كلع ‪ :‬أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فذكره )‪ (4‬فدل‬ ‫من ذي ال َ‬
‫هذا على أن إكمال الطهارة يسهل القيام في العبادة ‪ ،‬ويعين على إتمامها‬
‫وإكمالها والقيام بمشروعاتها‪.‬‬
‫ن { إن الطهور‬
‫ري َ‬ ‫ّ‬
‫مطهّ ِ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬‫ح ّ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫وقال أبو العالية في قوله تعالى ‪َ } :‬والل ُ‬
‫بالماء لحسن ‪ ،‬ولكنهم المطهرون من الذنوب‪.‬‬
‫وقال العمش ‪ :‬التوبة من الذنب ‪ ،‬والتطهير من الشرك‪.‬‬
‫وقد ورد في الحديث المروي من طرق ‪ ،‬في السنن وغيرها ‪ ،‬أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال لهل قباء ‪" :‬قد أثنى الله عليكم في الطهور ‪،‬‬
‫فماذا تصنعون ؟" فقالوا ‪ :‬نستنجي بالماء‪.‬‬
‫وقد قال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا عبد الله بن شبيب ‪ ،‬حدثنا أحمد بن‬
‫محمد بن عبد العزيز قال ‪ :‬وجدته في كتاب أبي ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عبيد‬
‫ه‬
‫الله بن عبد الله ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬نزلت هذه الية في أهل قباء‪ِ } .‬في ِ‬
‫حبو َ‬
‫ن { فسألهم رسول الله صلى‬ ‫ري َ‬‫مط ّهّ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫ح ّ‬ ‫ن ي َت َط َهُّروا َوالل ّ ُ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫جا ٌ‬
‫ل يُ ِ ّ َ‬ ‫رِ َ‬
‫الله عليه وسلم فقالوا ‪ :‬إنا ن ُت ْب ِعُ الحجارة الماء‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬تفرد به محمد بن عبد العزيز ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬ولم يرو عنه سوى‬
‫ابنه‪(5) .‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم برقم )‪.(1398‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيها"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(472 ، 3/471‬‬
‫)‪ (5‬مسند البزار برقم )‪ (247‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (1/212‬فيه‬
‫محمد بن عبد العزيز بن عمر الزهري ضعفه البخاري والنسائي وهو الذي‬
‫أشار بجلد مالك"‪.‬‬

‫) ‪(4/216‬‬

‫ه عََلى‬ ‫خير أ َم م َ‬ ‫أ َفَم َ‬


‫س ب ُن َْيان َ ُ‬‫س َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ن َ ٌْ ْ َ ْ‬ ‫وا ٍ‬ ‫ض َ‬ ‫ن الل ّهِ وَرِ ْ‬ ‫م َ‬
‫وى ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ه عََلى ت َ ْ‬ ‫س ب ُن َْيان َ ُ‬
‫س َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫َ ْ‬
‫ن )‪(109‬‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫م الظال ِ ِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ْ‬
‫دي ال َ‬‫ه ل ي َهْ ِ‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫م َوالل ُ‬ ‫جهَن ّ َ‬‫هارٍ َفان َْهاَر ب ِهِ ِفي َنارِ َ‬ ‫ف َ‬ ‫جُر ٍ‬ ‫فا ُ‬ ‫ش َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َل ي ََزا ُ‬
‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م َوالل ُ‬ ‫قطعَ قلوب ُهُ ْ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م إ ِل أ ْ‬ ‫ة ِفي قلوب ِهِ ْ‬ ‫وا ِريب َ ً‬ ‫ذي ب َن َ ْ‬‫م ال ِ‬ ‫ل ب ُن َْيان ُهُ ُ‬
‫م )‪(110‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬

‫قلت ‪ :‬وإنما ذكرته بهذا اللفظ لنه مشهور بين الفقهاء )‪ (1‬ولم يعرفه كثير‬
‫دثين المتأخرين ‪ ،‬أو كلهم ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬ ‫من المح ّ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫} أ َفَم َ‬
‫س ب ُن َْيان َ ُ‬
‫س َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬
‫خي ٌْر أ ْ‬ ‫ن َ‬‫وا ٍ‬ ‫ض َ‬‫ن اللهِ وَرِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وى ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ه عَلى ت َ ْ‬ ‫س ب ُن َْيان َ ُ‬
‫س َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫َ ْ‬
‫ن)‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫م الظال ِ ِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ْ‬
‫دي ال َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫ّ‬
‫م َوالل ُ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫هارٍ َفان َْهاَر ب ِهِ ِفي َنارِ َ‬ ‫ف َ‬ ‫جُر ٍ‬
‫فا ُ‬ ‫ش َ‬ ‫عََلى َ‬
‫َ‬
‫ه‬‫م َوالل ّ ُ‬ ‫قط ّعَ قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م ِإل أ ْ‬ ‫ة ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫وا ِريب َ ً‬‫ذي ب َن َ ْ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫‪ (109‬ل ي ََزا ُ‬
‫ل ب ُن َْيان ُهُ ُ‬
‫م )‪{ (110‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬‫عَِلي ٌ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ل يستوي من أسس بنيانه على تقوى الله ورضوان ‪ ،‬ومن بنى‬
‫مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين ‪ ،‬وإرصادا لمن حارب الله‬
‫هارٍ { أي ‪:‬‬ ‫ف َ‬ ‫جُر ٍ‬ ‫فا ُ‬ ‫ش َ‬ ‫ورسوله من قبل ‪ ،‬فإنما بنى هؤلء بنيانهم } عََلى َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫م ال ّ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫جهَن ّ َ‬
‫فيرة مثاله } ِفي َنارِ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫طرف َ‬
‫يصلح عمل المفسدين‪.‬‬
‫قال جابر بن عبد الله ‪ :‬رأيت المسجد الذي بني ضرارا يخرج منه الدخان‬
‫على عهد النبي )‪ (2‬صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فروا فوجدوا الدخان يخرج منه‪.‬‬ ‫ح َ‬‫جَرْيج )‪ُ (3‬ذكر لنا أن رجال )‪َ (4‬‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫وكذا قال قتادة‪.‬‬
‫وقال خلف بن ياسين الكوفي ‪ :‬رأيت مسجد المنافقين الذي ذكره الله تعالى‬
‫مْزبلة‪ .‬رواه ابن جرير‬
‫في القرآن ‪ ،‬وفيه جحر يخرج منه الدخان ‪ ،‬وهو اليوم َ‬
‫)‪ (5‬رحمه الله‪.‬‬
‫ة ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م { أي ‪ :‬شكا ونفاقا‬ ‫وا ِريب َ ً‬
‫ذي ب َن َ ْ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ل ب ُن َْيان ُهُ ُ‬‫وقوله ‪ } :‬ل ي ََزا ُ‬
‫بسبب إقدامهم على هذا الصنيع الشنيع ‪ ،‬أورثهم نفاقا في قلوبهم ‪ ،‬كما‬
‫أشرب عابدو العجل حبه‪.‬‬
‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬بموتهم‪ .‬قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪،‬‬ ‫قط ّعَ قُلوب ُهُ ْ‬
‫ُ‬ ‫ن تَ َ‬
‫وقوله ‪ِ } :‬إل أ ْ‬
‫وقتادة ‪ ،‬وزيد بن أسلم ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وحبيب بن أبي ثابت ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وعبد‬
‫الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬وغير واحد من علماء السلف‪.‬‬
‫م { في مجازاتهم عنها ‪ ،‬من خير‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬
‫م { أي ‪ :‬بأعمال خلقه ‪َ } ،‬‬ ‫} َوالل ّ ُ‬
‫ه عَِلي ٌ‬
‫وشر‪(6) .‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬الفقهاء به"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬رسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬جرير"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬رجل"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(14/494‬‬
‫)‪ (6‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬عليها"‪.‬‬

‫) ‪(4/217‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬
‫ن ِفي‬ ‫قات ُِلو َ‬
‫ة يُ َ‬
‫جن ّ َ‬‫م ال ْ َ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫م ب ِأ ّ‬ ‫وال َهُ ْ‬‫م َ‬‫م وَأ ْ‬ ‫سهُ ْ‬
‫ف َ‬ ‫مؤْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬‫شت ََرى ِ‬ ‫ها ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ فَي َ ْ‬
‫قْرآ ِ‬ ‫ل َوال ُ‬ ‫جي ِ‬ ‫قا ِفي الت ّوَْراةِ َوال ِن ْ ِ‬ ‫ح ّ‬‫دا عَلي ْهِ َ‬ ‫ن وَعْ ً‬ ‫قت َلو َ‬
‫ن وَي ُ ْ‬ ‫قت ُلو َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م ب ِهِ وَذ َل ِك هُوَ ال َ‬
‫فوُْز‬ ‫ذي َباي َعْت ُ ْ‬ ‫م ال ِ‬ ‫شُروا ب ِب َي ْعِك ُ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫ن اللهِ َفا ْ‬ ‫م َ‬‫ن أوَْفى ب ِعَهْدِهِ ِ‬ ‫م ْ‬‫وَ َ‬
‫م )‪(111‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬
‫ن ِفي‬ ‫قات ُِلو َ‬‫ة يُ َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫وال َهُ ْ‬
‫م ب ِأ ّ‬ ‫م َ‬‫م وَأ ْ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬‫شت ََرى ِ‬ ‫ها ْ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫} إِ ّ‬
‫ن‬
‫قْرآ ِ‬ ‫ْ‬
‫ل َوال ُ‬ ‫جي ِ‬ ‫قا ِفي الت ّوَْراةِ َوالن ْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫دا عَلي ْهِ َ‬ ‫ن وَعْ ً‬ ‫ُ‬
‫قت َلو َ‬ ‫ن وَي ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫قت ُلو َ‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ فَي َ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫فوُْز‬ ‫ْ‬
‫ك هُوَ ال َ‬ ‫م ب ِهِ وَذ َل ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذي َباي َعْت ُْ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ب‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫روا‬ ‫ُ‬ ‫ش‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫فا‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ه‬
‫ِ ْ‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫فى‬ ‫وَ َ ْ ْ‬
‫و‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫م )‪{ (111‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫يخبر تعالى أنه عاوض عباده المؤمنين عن أنفسهم وأموالهم إذ بذلوها في‬
‫سبيله بالجنة ‪ ،‬وهذا من فضله وكرمه وإحسانه ‪ ،‬فإنه قبل العوض عما يملكه‬
‫بما تفضل به على عباده المطيعين له ؛ ولهذا قال الحسن البصري وقتادة ‪:‬‬
‫بايعهم والله فأغلى ثمنهم‪.‬‬
‫مر بن عطية ‪ :‬ما من مسلم إل ولله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬في عُُنقه بيعة ‪،‬‬ ‫ش ِ‬ ‫وقال َ‬
‫وّفى بها أو مات عليها ‪ ،‬ثم تل هذه الية‪.‬‬
‫ولهذا يقال ‪ :‬من حمل في سبيل الله بايع الله ‪ ،‬أي ‪ :‬قَِبل هذا العقد ووفى به‪.‬‬
‫قَرظي وغيره ‪ :‬قال عبد الله بن رواحة ‪ ،‬رضي الله‬ ‫وقال محمد بن كعب ال ُ‬
‫عنه ‪ ،‬لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يعني ليلة العقبةِ ‪ : -‬اشترط لربك‬
‫ولنفسك ما شئت! فقال ‪" :‬أشترط لربي أن تعبدوه ول تشركوا به شيئا ‪،‬‬
‫وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم"‪ .‬قالوا ‪:‬‬
‫قيل ول نستقيل ‪،‬‬ ‫فما لنا إذا فعلنا ذلك ؟ قال ‪" :‬الجنة"‪ .‬قالوا ‪َ :‬رِبح البيعُ ‪ ،‬ل ن ُ ِ‬
‫َ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬
‫م { الية‪.‬‬ ‫وال َهُ ْ‬‫م َ‬
‫م وَأ ْ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬
‫شت ََرى ِ‬ ‫ها ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫فنزلت ‪ } (1) :‬إ ِ ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬سواء قتلوا أو‬ ‫ُ‬
‫قت َلو َ‬ ‫ن وَي ُ ْ‬ ‫قت ُلو َ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ في َ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫قات ُِلو َ‬‫وقوله ‪ } :‬ي ُ َ‬
‫ُقتلوا ‪ ،‬أو اجتمع لهم هذا وهذا ‪ ،‬فقد وجبت لهم الجنة ؛ ولهذا جاء في‬
‫الصحيحين ‪" :‬وتكفل الله لمن خرج في سبيله ‪ ،‬ل يخرجه إل جهاد في سبيلي‬
‫‪ ،‬وتصديق برسلي ‪ ،‬بأن توفاه أن يدخله الجنة ‪ ،‬أو يرجعه إلى مسكنه الذي‬
‫خرج منه ‪ ،‬نائل ما نال من أجر أو غنيمة"‪(2) .‬‬
‫ن { تأكيد لهذا الوعد ‪،‬‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ْ‬
‫ل َوال ُ‬ ‫جي ِ‬ ‫قا ِفي الت ّوَْراةِ َوالن ْ ِ‬ ‫ح ّ‬‫دا عَل َي ْهِ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَعْ ً‬
‫وإخبار بأنه قد كتبه على نفسه الكريمة ‪ ،‬وأنزله على رسله في كتبه الكبار ‪،‬‬
‫وهي )‪ (3‬التوراة المنزلة على موسى ‪ ،‬والنجيل المنزل على عيسى ‪،‬‬
‫والقرآن المنزل على محمد ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليهم أجمعين‪.‬‬
‫ن الل ّهِ { ]أي ‪ :‬ول واحد أعظم وفاًء بما عاهد‬ ‫وقوله ‪ } :‬وم َ‬
‫م َ‬‫ن أوَْفى ب ِعَهْدِهِ ِ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ق‬
‫صد َ ُ‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫عليه من الله[ )‪ (4‬فإنه ل يخلف الميعاد ‪ ،‬وهذا كقوله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن الل ّهِ ِقيل { ]النساء ‪:‬‬ ‫من الله حديًثا { ]النساء ‪ }[87 :‬وم َ‬
‫م َ‬ ‫صد َقُ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫ِ َ‬
‫فوُْز‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ب ِهِ وَذ َل ِك هُوَ ال َ‬ ‫ذي َباي َعْت ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫م ال ِ‬ ‫ُ‬
‫شُروا ب ِب َي ْعِك ُ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫َ‬
‫‪ [122‬؛ ولهذا قال ‪ } :‬فا ْ‬
‫م { أي ‪ :‬فليستبشر من قام بمقتضى هذا العقد ووفى بهذا العهد ‪،‬‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫ظي ُ‬
‫بالفوز العظيم ‪ ،‬والنعيم )‪ (5‬المقيم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬فنزل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (3123‬وصحيح مسلم برقم )‪(1876‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬وهو"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬والمغنم"‪.‬‬

‫) ‪(4/218‬‬

‫ن‬‫مُرو َ‬ ‫ن اْل َ ِ‬‫دو َ‬ ‫ج ُ‬


‫سا ِ‬‫ن ال ّ‬‫ن الّراك ُِعو َ‬
‫حو َ‬‫سائ ِ ُ‬
‫ن ال ّ‬‫دو َ‬‫م ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫حا ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ن ال َْعاب ِ ُ‬
‫الّتائ ُِبو َ‬
‫ن)‬
‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫شرِ ال ُ‬ ‫ّ‬
‫دودِ اللهِ وَب َ ّ‬
‫ح ُ‬‫ن لِ ُ‬ ‫ُ‬
‫حافِظو َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫من ْكرِ َوال َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ن عَ ِ‬‫هو َ‬ ‫ف َوالّنا ُ‬ ‫معُْرو ِ‬
‫‪(112‬‬

‫ن‬
‫مُرو َ‬ ‫ن ال ِ‬‫دو َ‬‫ج ُ‬‫سا ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫ن الّراك ُِعو َ‬ ‫حو َ‬
‫سائ ِ ُ‬‫ن ال ّ‬ ‫دو َ‬‫م ُ‬‫حا ِ‬‫ن ال ْ َ‬‫دو َ‬‫ن ال َْعاب ِ ُ‬
‫} الّتائ ُِبو َ‬
‫ن)‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫دودِ اللهِ وَب َ ّ‬
‫شرِ ال ُ‬ ‫ح ُ‬‫ن لِ ُ‬ ‫ُ‬
‫حافِظو َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫من ْكرِ َوال َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ن عَ ِ‬ ‫هو َ‬‫ف َوالّنا ُ‬ ‫معُْرو ِ‬
‫‪{ (112‬‬

‫) ‪(4/218‬‬

‫ت المؤمنين الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بهذه الصفات‬ ‫هذا نع ُ‬
‫ن { من الذنوب كلها ‪ ،‬التاركون للفواحش‬ ‫الجميلة والخلل الجليلة ‪ } :‬الّتائ ُِبو َ‬
‫ن { أي ‪ :‬القائمون بعبادة ربهم محافظين عليها ‪ ،‬وهي القوال‬ ‫‪ } ،‬ال َْعاب ِ ُ‬
‫دو َ‬
‫ن { ومن‬ ‫دو َ‬
‫م ُ‬
‫حا ِ‬‫ص القوال الحمد )‪ (1‬؛ فلهذا قال ‪ } :‬ال ْ َ‬ ‫خ ّ‬‫والفعال فمن أ َ‬
‫م ‪ ،‬وهو ترك الملذ ّ من الطعام والشراب والجماع ‪ ،‬وهو‬ ‫أفضل العمال الصيا ُ‬
‫ن { كما وصف أزواج النبي )‬ ‫حو َ‬
‫سائ ِ ُ‬
‫المراد بالسياحة هاهنا ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ال ّ‬
‫ت { ]التحريم ‪[5 :‬‬ ‫حا ٍ‬ ‫سائ ِ َ‬
‫‪ (2‬صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله تعالى ‪َ } :‬‬
‫أي ‪ :‬صائمات ‪ ،‬وكذا الركوع والسجود ‪ ،‬وهما عبارة عن الصلة ‪ ،‬ولهذا قال ‪:‬‬
‫ن { وهم مع ذلك ينفعون خلق الله ‪ ،‬ويرشدونهم إلى‬ ‫دو َ‬
‫ج ُ‬‫سا ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫} الّراك ُِعو َ‬
‫طاعة الله بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ‪ ،‬مع العلم بما ينبغي فعله‬
‫كه ‪ ،‬وهو حفظ حدود الله في تحليله وتحريمه ‪ ،‬علما وعمل فقاموا‬ ‫ويجب تر ُ‬
‫ن { لن اليمان‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫شرِ ال ْ ُ‬
‫بعبادة الحق ونصح الخلق ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَب َ ّ‬
‫يشمل هذا كله ‪ ،‬والسعادة كل السعادة لمن اتصف به‪.‬‬
‫]بيان )‪ (3‬أن المراد بالسياحة الصيام[ ‪(4) :‬‬
‫قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن عاصم ‪ ،‬عن زِّر ‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود قال ‪:‬‬
‫جَبير ‪ ،‬والعوفي عن ابن‬ ‫ن { الصائمون‪ .‬وكذا ُروي عن سعيد بن ُ‬ ‫حو َ‬ ‫سائ ِ ُ‬
‫} ال ّ‬
‫عباس‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬كل ما ذكر الله في القرآن‬
‫السياحة ‪ ،‬هم الصائمون‪ .‬وكذا قال الضحاك ‪ ،‬رحمه الله‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أحمد بن إسحاق ‪ ،‬حدثنا أبو أحمد ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن‬
‫ة‬
‫يزيد ‪ ،‬عن الوليد بن عبد الله ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬سياح ُ‬
‫هذه المة الصيام‪(5) .‬‬
‫جَبير ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وأبو عبد الرحمن السلمي ‪،‬‬ ‫وهكذا قال مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن ُ‬
‫عيينة وغيرهم ‪ :‬أن المراد بالسائحين ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫بن‬ ‫مزاحم ‪ ،‬وسفيان‬ ‫والضحاك بن ُ‬
‫الصائمون‪.‬‬
‫ن { الصائمون شهر رمضان‪.‬‬ ‫حو َ‬‫سائ ِ ُ‬
‫وقال الحسن البصري ‪ } :‬ال ّ‬
‫ن { الذين يديمون الصيام من‬ ‫حو َ‬
‫سائ ِ ُ‬ ‫وقال أبو )‪ (6‬عمرو العَْبدي ‪ } :‬ال ّ‬
‫المؤمنين‪.‬‬
‫وقد ورد في حديث مرفوع نحو هذا ‪ ،‬وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني محمد بن عبد‬
‫زيع ‪،‬‬ ‫الله بن ب َ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬الحمد الله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الرسول"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬ذكر"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(14/505‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬ابن"‪.‬‬

‫) ‪(4/219‬‬

‫حدثنا حكيم بن حزام ‪ ،‬حدثنا سليمان ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬السائحون هم الصائمون" )‪(1‬‬
‫دار ‪ ،‬عن ابن مهدي ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن سليمان العمش ‪،‬‬ ‫]ثم رواه عن ب ُن ْ َ‬
‫ن { الصائمون[‪(2) .‬‬‫حو َ‬
‫سائ ِ ُ‬
‫عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة أنه قال ‪ } :‬ال ّ‬
‫وهذا الموقوف أصح‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثني يونس ‪ ،‬عن ابن وهب ‪ ،‬عن عمر بن الحارث ‪ ،‬عن عمرو‬
‫مير قال ‪ :‬سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن‬ ‫بن دينار ‪ ،‬عن عَُبيد بن عُ َ‬
‫السائحين فقال ‪" :‬هم الصائمون"‪(3) .‬‬
‫وهذا مرسل جيد‪.‬‬
‫فهذه )‪ (4‬أصح القوال وأشهرها ‪ ،‬وجاء ما يدل على أن السياحة الجهاد ‪،‬‬
‫وهو ما روى أبو داود في سننه ‪ ،‬من حديث أبي أمامة أن رجل قال ‪ :‬يا‬
‫رسول الله ‪ ،‬ائذن لي في السياحة‪ .‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫"سياحة )‪ (5‬أمتي الجهاد في سبيل الله"‪(6) .‬‬
‫عمارة بن غَزِّية ‪ :‬أن السياحة‬ ‫وقال ابن المبارك ‪ ،‬عن ابن ل َِهيعة ‪ :‬أخبرني ُ‬
‫ذكرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬أبدلنا الله بذلك الجهاد في سبيل الله ‪ ،‬والتكبير على كل‬
‫شرف"‪(7) .‬‬
‫رمة أنه قال ‪ :‬هم طلبة العلم‪ .‬وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪:‬‬ ‫عك ْ ِ‬
‫وعن ِ‬
‫هم المهاجرون‪ .‬رواهما ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وليس المراد من السياحة ما قد يفهمه بعض من يتعبد بمجرد السياحة في‬
‫الرض ‪ ،‬والتفرد في شواهق الجبال والكهوف والبراري ‪ ،‬فإن هذا ليس‬
‫بمشروع إل في أيام الفَتن والزلزل في الدين ‪ ،‬كما ثبت في صحيح‬
‫البخاري ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري )‪ (8‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ف الجبال ‪،‬‬ ‫شع َ‬ ‫قال ‪" :‬يوشك أن يكون خير مال الرجل )‪ (9‬غََنم ي َت َْبع بها َ‬
‫طر ‪ ،‬يفر بدينه من الفتن"‪(10) .‬‬ ‫ق ْ‬ ‫ومواقع ال َ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫حافِظو َ‬ ‫ْ‬
‫وقال العوفي وعلي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪َ } :‬وال َ‬
‫دودِ الل ّهِ { قال ‪ :‬القائمون بطاعة الله‪ .‬وكذا قال الحسن البصري ‪ ،‬وعنه‬ ‫ح ُ‬
‫لِ ُ‬
‫دودِ الل ّهِ { قال ‪ :‬لفرائض‬ ‫ح ُ‬‫ن لِ ُ‬ ‫حافِ ُ‬
‫ظو َ‬ ‫رواية ‪َ } :‬وال ْ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(14/503‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(14/502‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وهذا" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬فهذا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬سياح"‪.‬‬
‫)‪ (6‬سنن أبي داود برقم )‪.(2486‬‬
‫)‪ (7‬وهذا معضل ‪ ،‬عمارة بن غزية لم يدرك أحدا من الصحابة‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬عن أبي هريرة"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬المسلم"‪.‬‬
‫)‪ (10‬صحيح البخاري برقم )‪.(19‬‬

‫) ‪(4/220‬‬

‫ُ‬ ‫ن وَل َوْ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬


‫ن‬
‫م ْ‬ ‫كاُنوا أوِلي قُْرَبى ِ‬ ‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫فُروا ل ِل ْ ُ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫ن يَ ْ‬ ‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ي َوال ّ ِ َ‬ ‫ن ِللن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِلِبي ِ‬ ‫َ‬ ‫هي‬‫ِ‬ ‫را‬ ‫ب‬
‫ُ ِْ َ‬‫إ‬ ‫ر‬‫فا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫غ‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫س‬‫َ ْ‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫كا‬ ‫ما‬
‫َ َ‬ ‫و‬ ‫(‬‫‪113‬‬ ‫)‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫حي‬‫ِ‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ب‬
‫بَ ْ َ َ ّ َ ُ ْ ُ ْ ْ َ ُ‬
‫حا‬ ‫ص‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م لّواهٌ‬ ‫هي َ‬‫ن إ ِب َْرا ِ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫من ْ ُ‬‫ه عَد ُوّ ل ِلهِ ت َب َّرأ ِ‬ ‫ه أن ّ ُ‬‫نل ُ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫ها إ ِّياه ُ فَل َ ّ‬‫عد َةٍ وَعَد َ َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫إ ِّل عَ ْ‬
‫م )‪(114‬‬ ‫حِلي ٌ‬‫َ‬

‫الله ‪ ،‬وفي رواية ‪ :‬القائمون على أمر الله‪.‬‬


‫ُ‬ ‫ن وَل َوْ َ‬ ‫َ‬
‫كاُنوا أوِلي قُْرَبى‬ ‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫فُروا ل ِل ْ ُ‬‫ست َغْ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي َوال ّ ِ‬ ‫ن ِللن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫} َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫هي َ‬
‫فاُر إ ِب َْرا ِ‬ ‫ست ِغْ َ‬
‫نا ْ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫حيم ِ )‪ (113‬وَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫مأ ْ‬ ‫م أن ّهُ ْ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫هي‬ ‫را‬ ‫ب‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ر‬‫ب‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬‫ت‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫يا‬‫إ‬ ‫ها‬‫َ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫د‬ ‫ع‬‫ِ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫إل‬ ‫ه‬ ‫بي‬ ‫ل‬
‫ُ ّ ِ ََّ ِ ْ ُ ِ ّ َِْ ِ َ‬ ‫ّ ََّ َ ُ ّ ُ‬ ‫ْ َ ْ َ ٍ َ َ ِّ ُ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫م )‪{ (114‬‬ ‫لّواه ٌ َ ٌ‬
‫لي‬
‫ِ‬ ‫ح‬
‫مر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن ابن‬ ‫معْ َ‬‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫ضرت أبا طالب الوفاة )‪ (1‬دخل عليه النبي‬ ‫ح َ‬ ‫المسيب ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬لما َ‬
‫صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل ‪ ،‬وعبد الله بن أبي أمية ‪ ،‬فقال ‪" :‬أيْ‬
‫ج لك بها عند الله ‪ ،‬عز وجل"‪ .‬فقال أبو‬ ‫م ‪ ،‬قل ‪ :‬ل إله إل الله‪ .‬كلمة أحا ّ‬ ‫عَ ّ‬
‫جهل وعبد الله بن أبي أمية ‪ :‬يا أبا طالب ‪ ،‬أترغب عن مّلة عبد المطلب ؟‬
‫]قال ‪ :‬فلم يزال يكلمانه ‪ ،‬حتى قال آخر شيء كلمهم به ‪ :‬على )‪ (2‬ملة عبد‬
‫ه‬ ‫ُ‬
‫المطلب[‪ (3) .‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لستغفرن لك ما لم أن ْ َ‬
‫َ‬
‫ن وَل َ ْ‬
‫و‬ ‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫فُروا ل ِل ْ ُ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫ن يَ ْ‬‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي َوال ّ ِ‬ ‫ن ِللن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫عنك"‪ .‬فنزلت ‪َ } :‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫حيم ِ { قال ‪ :‬ونزلت‬ ‫ج ِ‬ ‫ب ال َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م أن ّهُ ْ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬‫كاُنوا أوِلي قُْرَبى ِ‬
‫ت { ]القصص ‪ [56 :‬أخرجاه‪(4) .‬‬ ‫َ‬ ‫فيه ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫حب َب ْ َ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ك ل ت َهْ ِ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن آدم ‪ ،‬أخبرنا سفيان ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪،‬‬
‫عن أبي الخليل ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت رجل يستغفر‬
‫لبويه ‪ ،‬وهما مشركان ‪ ،‬فقلت ‪ :‬أيستغفر الرجل لبويه وهما مشركان ؟‬
‫فقال ‪ :‬أو لم يستغفر إبراهيم لبيه ؟ فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه‬
‫َ‬
‫ن { إلى‬ ‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫فُروا ل ِل ْ ُ‬‫ست َغْ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي َوال ّ ِ‬ ‫ن ِللن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫وسلم ‪ ،‬فنزلت ‪َ } :‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه عَد ُوّ ل ِلهِ { قال ‪" :‬لما مات" ‪ ،‬فل أدري قاله سفيان‬ ‫ه أن ّ ُ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫قوله ‪ } :‬فَل َ ّ‬
‫ما ت َب َي ّ َ‬
‫أو قاله إسرائيل ‪ ،‬أو هو )‪ (5‬في الحديث "لما مات"‪(6) .‬‬
‫قلت هذا ثابت عن مجاهد أنه قال ‪ :‬لما مات‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا الحسن بن موسى ‪ ،‬حدثنا زهير ‪ ،‬حدثنا زبيد بن‬
‫الحارث اليامي )‪ (7‬عن محارب بن دثار ‪ ،‬عن ابن ب َُرْيدة ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬كنا‬
‫مع النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فنزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب ‪،‬‬
‫فصلى ركعتين ‪ ،‬ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه ت َذ ِْرفان ‪ ،‬فقام إليه عمر بن‬
‫الخطاب وَفداه بالب والم ‪ ،‬وقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ما لك ؟ قال ‪" :‬إني‬
‫سألت ربي ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬في الستغفار لمي ‪ ،‬فلم يأذن لي ‪ ،‬فدمعت عيناي‬
‫رحمة لها من النار ‪ ،‬وإني كنت نهيتكم عن ثلث ‪ :‬نهيتكم عن زيارة القبور‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬الفائدة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال ‪ :‬أنا على ملة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (5/533‬وصحيح البخاري برقم )‪ (4675‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪.(24‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وهو"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪.(1/99‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬السامي"‪.‬‬

‫) ‪(4/221‬‬

‫فزوروها ‪ ،‬لتذكركم زيارُتها خيًرا ‪ ،‬ونهيتكم عن لحوم الضاحي بعد ثلث ‪،‬‬
‫فكلوا وأمسكوا ما شئتم ‪ ،‬ونهيتكم عن الشربة في الوعية ‪ ،‬فاشربوا في أي‬
‫وعاء )‪ (1‬ول تشربوا مسكرا"‪(2) .‬‬
‫مْرثد ‪ ،‬عن سليمان بن ب َُريدة ‪ ،‬عن‬ ‫وروى ابن جرير ‪ ،‬من حديث علقمة بن َ‬
‫م قبر ‪،‬‬
‫س َ‬‫أبيه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى َر ْ‬
‫فجلس إليه ‪ ،‬فجعل يخاطب ‪ ،‬ثم قام مستعبًرا‪ .‬فقلنا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إنا‬
‫رابنا ما صنعت‪ .‬قال ‪" :‬إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي ‪ ،‬فأذن لي ‪،‬‬
‫واستأذنته في الستغفار لها فلم يأذن لي"‪ .‬فما رئي باكيا أكثر من يومئذ‪(3) .‬‬
‫خداش ‪ ،‬حدثنا‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ ،‬في تفسيره ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا خالد بن ِ‬
‫عبد الله بن وهب ‪ ،‬عن ابن جَريج عن أيوب بن هانئ ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن‬
‫ج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى‬ ‫عبد الله بن مسعود قال ‪ :‬خر َ‬
‫المقابر ‪ ،‬فاتبعناه ‪ ،‬فجاء حتى جلس إلى قبر منها ‪ ،‬فناجاه طويل ثم بكى‬
‫فبكينا لبكائه ثم قام فقام إليه عمر بن الخطاب ‪ ،‬فدعاه ثم دعانا ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫ت عنده قبر‬ ‫"ما أبكاكم ؟" فقلنا ‪ :‬بكينا لبكائك‪ .‬قال ‪" :‬إن القبر الذي جلس ُ‬
‫ت ربي في زيارتها فأذن لي" )‪ (4‬ثم أورده من وجه آخر ‪،‬‬ ‫آمنة ‪ ،‬وإني استأذن ُ‬
‫ثم ذكر من حديث ابن مسعود قريبا منه ‪ ،‬وفيه ‪" :‬وإني استأذنت ربي في‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ي َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ِللن ّب ِ ّ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫الدعاء لها فلم يأذن لي ‪ ،‬وأنزل علي ‪َ } :‬‬
‫كاُنوا ُأوِلي قُْرَبى { فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة ‪،‬‬ ‫ن وَل َوْ َ‬
‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫فُروا ل ِل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬
‫يَ ْ‬
‫وكنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ‪ ،‬فإنها تذكر الخرة"‪(5) .‬‬
‫حديث آخر في معناه ‪ :‬قال الطبراني ‪ :‬حدثنا محمد بن علي المروزي ‪ ،‬حدثنا‬
‫سان ‪،‬‬‫أبو الدرداء عبد العزيز )‪ (6‬بن منيب ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن عبد الله بن ك َي ْ َ‬
‫رمة ‪ ،‬عن ابن عباس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫عك ْ ِ‬
‫عن أبيه ‪ ،‬عن ِ‬
‫سفان أمر أصحابه ‪:‬‬ ‫لما أقبل من غزوة تبوك واعتمر ‪ ،‬فلما هبط من ثنية عُ ْ‬
‫مه ‪ ،‬فناجى‬ ‫ّ‬ ‫أ‬ ‫قبر‬ ‫على‬ ‫أن استندوا إلى العقبة حتى أرجع إليكم ‪ ،‬فذهب فنزل‬
‫رّبه طويل ثم إنه بكى فاشتد بكاؤه ‪ ،‬وبكى هؤلء لبكائه ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬ما بكى نبي‬
‫ث في أمته شيء ل ُتطيقه‪ .‬فلما بكى هؤلء قام‬ ‫الله بهذا المكان إل وقد ُأحد َ‬
‫فرجع إليهم ‪ ،‬فقال ‪" :‬ما يبكيكم ؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬يا نبي الله ‪ ،‬بكينا لبكائك ‪ ،‬فقلنا ‪:‬‬
‫لعله أحدث في أمتك شيء ل تطيقه ‪ ،‬قال ‪" :‬ل وقد كان بعضه ‪ ،‬ولكن نزلت‬
‫على قبر أمي‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬أي وعاء شئتم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(5/355‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪ (14/512‬ورواه البيهقي في دلئل النبوة )‪ (1/189‬من‬
‫طريق سفيان عن علقمة بن مرثد به نحوه‪.‬‬
‫)‪ (4‬ورواه الحاكم في المستدرك )‪ (2/336‬ومن طريقه البيهقي في دلئل‬
‫النبوة )‪ (1/189‬من طريق بحر بن نصر عن ابن وهب به نحوه‪.‬‬
‫)‪ (5‬وأصل الحديث رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (976‬عن أبي هريرة‬
‫رضي الله عنه قال ‪ :‬زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى‬
‫من حوله‪ .‬فقال ‪" :‬استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي ‪،‬‬
‫واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ‪ ،‬فزوروا القبور فإنها تذكر الموت"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬أبو الدرداء عن عبد العزيز"‪.‬‬

‫) ‪(4/222‬‬

‫فدعوت الله أن يأذن لي في شفاعتها يوم القيامة ‪ ،‬فأبى الله أن يأذن لي ‪،‬‬
‫فاُر‬
‫ست ِغْ َ‬
‫نا ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫مي ‪ ،‬فبكيت ‪ ،‬ثم جاءني جبريل فقال ‪ } :‬وَ َ‬ ‫فرحمتها وهي أ ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه{‬ ‫من ْ ُ‬
‫ه عَد ُوّ ل ِلهِ ت َب َّرأ ِ‬
‫ه أن ّ ُ‬
‫نل ُ‬ ‫ها إ ِّياه ُ فَل ّ‬
‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫عد َةٍ وَعَد َ َ‬
‫مو ْ ِ‬
‫ن َ‬
‫م لِبيهِ ِإل عَ ْ‬
‫هي َ‬
‫إ ِب َْرا ِ‬
‫مُتها وهي أمي ‪ ،‬ودعوت‬ ‫فتبّرأ أنت من أمك ‪ ،‬كما تبرأ إبراهيم من أبيه ‪ ،‬فرح ْ‬
‫ربي أن يرفع عن أمتي أربًعا ‪ ،‬فرفع عنهم اثنتين ‪ ،‬وأبى أن يرفع عنهم‬
‫ت ربي أن يرفع عنهم الرجم من السماء والغََرق من الرض ‪،‬‬ ‫اثنتين ‪ :‬دعو ُ‬
‫وأل يلبسهم شيعا ‪ ،‬وأل يذيق بعضهم بأس بعض ‪ ،‬فرفع الله عنهم الرجم من‬
‫السماء ‪ ،‬والغرق من الرض ‪ ،‬وأبى الله أن يرفع عنهم القتل والهرج"‪ .‬وإنما‬
‫سفان لهم‪(2) .‬‬ ‫عدل إلى قبر أمه لنها كانت مدفونة تحت َ‬
‫كداء )‪ (1‬وكانت عُ ْ‬
‫وهذا حديث غريب وسياق عجيب ‪ ،‬وأغرب منه وأشد نكارة ما رواه الخطيب‬
‫البغدادي في كتاب "السابق واللحق" بسند مجهول ‪ ،‬عن عائشة في حديث‬
‫مه فآمنت ثم عادت‪ (3) .‬وكذلك ما رواه السهيلي في‬ ‫فيه قصة أن الله أحيا أ ّ‬
‫ماعة مجهولون ‪ :‬أن الله أحيا له أباه وأمه )‪ (4‬فآمنا به‪.‬‬ ‫ج َ‬
‫"الروض" بسند فيه َ‬
‫)‪(5‬‬
‫ة ‪] :‬هذا الحديث موضوع يرده القرآن والجماع ‪،‬‬ ‫حي َ َ‬‫وقد قال الحافظ ابن دِ ْ‬
‫فاٌر { ]النساء ‪ .[18 :‬وقال أبو‬ ‫ُ‬
‫مك ّ‬‫ن وَهُ ْ‬
‫موُتو َ‬
‫ن يَ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫قال الله تعالى ‪َ } :‬ول ال ِ‬
‫َ‬
‫عبد الله القرطبي ‪ :‬إن مقتضى هذا الحديث‪ ...‬ورد ّ عَلى ابن ِدحية[ )‪ (6‬في‬
‫هذا الستدلل بما حاصله ‪ :‬أن هذه حياة جديدة ‪ ،‬كما رجعت الشمس بعد‬
‫ي العصر ‪ ،‬قال الطحاوي ‪ :‬وهو ]حديث[ )‪ (7‬ثابت ‪ ،‬يعني ‪:‬‬ ‫غيبوبتها فصلى عَل ِ ّ‬
‫حديث الشمس‪.‬‬
‫قال القرطبي ‪ :‬فليس إحياؤهما يمتنع عقل ول شرعا ‪ ،‬قال ‪ :‬وقد سمعت أن‬
‫الله أحيا عمه أبا طالب ‪ ،‬فآمن به‪(8) .‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬كذا وكذا" ‪ ،‬وفي ك ‪" :‬كذا وكذا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المعجم الكبير )‪.(11/374‬‬
‫)‪ (3‬ساقه القرطبي في ‪ :‬التذكرة في أحوال الموتى وأمور الخرة )ص ‪(16‬‬
‫وقال ‪ :‬خرجه أبو بكر أحمد بن علي الخطيب في كتاب السابق واللحق ‪،‬‬
‫وأبو حفص عمر بن شاهين في الناسخ والمنسوخ ‪ ،‬ول يصح الحديث‪.‬‬
‫لمخالفته ما في صحيح مسلم برقم )‪ (976‬من حديث أبي هريرة قال ‪ :‬زار‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله‪ .‬فقال ‪:‬‬
‫"استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي ‪ ،‬واستأذنته في أن أزور‬
‫قبرها فأذن لي ‪ ،‬فزوروا القبور فإنها تذكر الموت" ولضعف إسناده‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وآمنة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬الروض النف )‪.(1/113‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬التذكرة )ص ‪ .(17‬وما ذكره القرطبي ل يصح ؛ أما إحياؤهما وإيمانهما‬
‫فل يمتنع عقل ‪ ،‬وأما شرعا فقد جاء في صحيح مسلم من حديث أنس ؛ أن‬
‫رجل قال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أين أبي ؟ قال ‪" :‬في النار" فلما قفا دعاه وقال ‪:‬‬
‫"إن أبي وأباك في النار" ومنع النبي صلى الله عليه وسلم من الستغفار لمه‬
‫‪ ،‬وهذا المنع متأخر بخلف من قال بأن ما جاء في أنهما ‪ -‬أي أبواه صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬في النار منسوخ بحديث عائشة الذي رواه الخطيب ‪ ،‬فإن‬
‫دعوى النسخ غير قائمة ول تعتمد على أصل‪ .‬وأما قول القرطبي بأنه سمع‬
‫أن الله أحيا عمه أبا طالب‪ ...‬إلخ ‪ ،‬فهذا أبعد عن الصحة ؛ فإن في الصحيح‬
‫من حديث أبي سعيد ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم شفع له عند الله فهو‬
‫في النار يجعل ضحاح من نار تحت قدميه يغلي منها دماغه ‪ ،‬وفي صحيح‬
‫مسلم مرفوعا ‪" :‬أهون أهل النار عذابا أبو طالب" فمن يكون في النار كيف‬
‫يقال ‪ :‬إنه آمن في قبره ؟!‬

‫) ‪(4/223‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا كله متوقف على صحة الحديث ‪ ،‬فإذا صح فل مانع منه )‪ (1‬والله‬
‫أعلم‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ي َوال ّ ِ‬ ‫ن ِللن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪َ } :‬‬
‫ن { الية ‪ ،‬فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ل ِل ْ ُ‬‫ست َغْ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن إبراهيم خليل الله‬ ‫يستغفر لمه ‪ ،‬فنهاه الله عن ذلك )‪ (2‬فقال ‪" :‬فإ ّ‬
‫ة‬
‫عد َ ٍ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م لِبيهِ ِإل عَ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫فاُر إ ِب َْرا ِ‬‫ست ِغْ َ‬‫نا ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫استغفر لبيه" ‪ ،‬فأنزل الله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ها إ ِّياه ُ { )‪ (3‬الية‪.‬‬ ‫وَعَد َ َ‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬في هذه الية ‪ :‬كانوا يستغفُرون‬
‫لهم ‪ ،‬حتى نزلت هذه الية ‪ ،‬فلما ]نزلت )‪ (4‬أمسكوا عن الستغفار‬
‫لمواتهم ‪ ،‬ولم ينههم أن يستغفروا للحياء حتى يموتوا[ )‪ (5‬ثم أنزل الله ‪:‬‬
‫م لِبيهِ { الية‪.‬‬ ‫هي َ‬ ‫فاُر إ ِب َْرا ِ‬ ‫ست ِغْ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫} وَ َ‬
‫وقال قتادة في هذه الية ‪ُ :‬ذكر لنا أن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قالوا ‪ :‬يا نبي الله ‪ ،‬إن من آبائنا من كان يحسن الجوار ‪ ،‬ويصل‬
‫ك العاني ‪ ،‬ويوفي بالذمم ؛ أفل نستغفر لهم ؟ قال ‪ :‬فقال النبي‬ ‫ف ّ‬ ‫الرحام ‪ ،‬وي ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬بلى ‪ ،‬والله إني لستغفر لبي كما استغفر إبراهيم‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫فُروا ل ِل ْ ُ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫ن يَ ْ‬ ‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي َوال ّ ِ‬ ‫ن ِللن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫لبيه"‪ .‬فأنزل الله ‪َ } :‬‬
‫ن‬
‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫حيم ِ { ثم عذر الله تعالى إبراهيم ‪ ،‬فقال ‪ } :‬وَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫حتى بلغ ‪ } :‬ال ْ َ‬
‫ها إياه فَل َما تبين ل َه أ َنه عَدو ل ِل ّه تبرأ َ‬
‫ُ ّ ِ ََّ‬ ‫ّ ََّ َ ُ ّ ُ‬ ‫عد َةٍ وَعَد َ َ ِ ّ ُ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م لِبيهِ ِإل عَ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫فاُر إ ِب َْرا ِ‬‫ست ِغْ َ‬ ‫ا ْ‬
‫ي كلمات ‪ ،‬فدخلن في أذني‬ ‫ه { قال ‪ :‬وُذكر لنا أن نبي الله قال ‪" :‬أوحى إل ّ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ِ‬
‫ض َ‬
‫ل‬ ‫ت أل أستغفَر لمن مات مشركا ‪ ،‬ومن أعطى فَ ْ‬ ‫مْر ُ‬ ‫ووقَْرن في قلبي ‪ :‬أ ِ‬
‫َ‬
‫ماله فهو خيٌر له ‪ ،‬ومن أمسك فهو شٌر له ‪ ،‬ول يلوم الله على كفاف"‪.‬‬
‫جبير قال ‪ :‬مات رجل يهودي وله‬ ‫وقال الثوري ‪ ،‬عن الشيباني ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬
‫ابن )‪ (6‬مسلم ‪ ،‬فلم يخرج معه ‪ ،‬فذكر ذلك لبن عباس فقال ‪ :‬فكان ينبغي‬
‫كله إلى‬ ‫له أن يمشي معه ويدفنه ‪ ،‬ويدعو له بالصلح ما دام حيا ‪ ،‬فإذا مات و ّ‬
‫ها إ ِّياهُ‬ ‫عد َةٍ وَعَد َ َ‬ ‫مو ْ ِ‬‫ن َ‬ ‫م لِبيهِ ِإل عَ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫فاُر إ ِب َْرا ِ‬ ‫ست ِغْ َ‬
‫نا ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫شأنه ثم قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ع‪.‬‬
‫ه { لم ي َد ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫فَل َما تبين ل َ َ‬
‫من ْ ُ‬
‫ه عَد ُوّ ل ِلهِ ت َب َّرأ ِ‬ ‫ه أن ّ ُ‬ ‫ّ ََّ َ ُ‬
‫]قلت[ )‪ (7‬وهذا يشهد له بالصحة ما رواه أبو داود وغيره ‪ ،‬عن علي بن أبي‬
‫طالب قال ‪ :‬لما مات أبو طالب قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إن عمك الشيخ الضال‬
‫ن شيئا حتى تأتيني"‪ .‬وذكر تمام‬ ‫حدث َ ّ‬ ‫واره ول ت ُ ْ‬ ‫قد مات‪ .‬قال ‪" :‬اذهب فَ َ‬
‫الحديث‪(8) .‬‬
‫مّرت به جنازة عمه أبي‬ ‫ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما َ‬
‫م يا عم"‪(9) .‬‬ ‫ح ٌ‬ ‫ك َر ِ‬ ‫صلت َ‬ ‫طالب قال ‪" :‬وَ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬وقد رأيت أن ذلك ل يصح‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عنه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬إياها"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬أنزلت"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ك ‪" :‬ولد"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬سنن أبي داود برقم )‪.(3214‬‬
‫)‪ (9‬ورواه ابن عدي في الكامل )‪ (1/260‬من طريق الفضل بن موسى ‪ ،‬عن‬
‫إبراهيم بن عبد الرحمن ‪ -‬وهو ضعيف ‪ -‬عن ابن جريج عن عطاء ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس مرفوعا ولفظه ‪" :‬وصلتك رحم وجزيت خيرا يا عم"‪ .‬وإبراهيم بن عبد‬
‫الرحمن قال ابن عدي ‪" :‬أحاديثه عن كل من روى ليست بمستقيمة" ثم قال‬
‫‪" :‬وعامة أحاديثه غير محفوظة"‪.‬‬

‫) ‪(4/224‬‬

‫وقال عطاء بن أبي رباح ‪ :‬ما كنت لدع الصلة على أحد من أهل القبلة ‪ ،‬ولو‬
‫كانت حبشية حبلى من الزنا ؛ لني لم أسمع الله حجب الصلة إل على‬
‫َ‬
‫ن‬‫مُنوا أ ْ‬
‫نآ َ‬ ‫ي َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ِللن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫المشركين ‪ ،‬يقول الله ‪ ،‬عز وجل ‪َ } :‬‬
‫ن {‪.‬‬‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ل ِل ْ ُ‬
‫ست َغْ ِ‬‫يَ ْ‬
‫كيع ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عصمة بن زامل ‪ ،‬عن أبيه‬ ‫جرير ‪ ،‬عن ابن وَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫وروى اب ُ‬
‫قال ‪ :‬سمعت أبا هريرة يقول ‪ :‬رحم الله رجل استغفر لبي هريرة ولمه‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ولبيه ؟ قال ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪ :‬إن أبي مات مشركا‪(1) .‬‬
‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَل َما تبين ل َ َ‬
‫ه { قال ابن عباس ‪ :‬ما زال‬ ‫من ْ ُ‬‫ه عَد ُوّ ل ِل ّهِ ت َب َّرأ ِ‬ ‫ه أن ّ ُ‬
‫ّ ََّ َ ُ‬
‫إبراهيم يستغفر لبيه حتى مات ‪ ،‬فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه‪ .‬وفي‬
‫رواية ‪ :‬لما مات تبين له أنه عدو لله‪.‬‬
‫وكذا قال مجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهم ‪ ،‬رحمهم الله‪.‬‬
‫جب َْير ‪ :‬إنه يتبرأ منه ]في[ )‪ (2‬يوم القيامة‬ ‫وقال عُب َْيد بن عمير ‪ ،‬وسعيد بن ُ‬
‫قْترة فيقول ‪ :‬يا إبراهيم ‪ ،‬إني كنت‬ ‫حين يلقى أباه ‪ ،‬وعلى وجه أبيه الُغبرة وال ُ‬
‫أعصيك وإني اليوم ل أعصيك‪ .‬فيقول ‪ :‬أيْ َربي ‪ ،‬ألم تعدني أل تخزني يوم‬
‫يبعثون ؟ فأيّ خْزي أخزى من أبي البعد ؟ فيقال ‪ :‬انظر إلى ما وراءك ‪ ،‬فإذا‬
‫ضْبعاًنا ‪ ،‬ثم يسحب بقوائمه ‪ ،‬ويلقى في‬ ‫ذيٍخ متلطخ ‪ ،‬أي ‪ :‬قد مسخ ِ‬ ‫هو ب ِ ِ‬
‫النار‪.‬‬
‫م { قال سفيان الثوري وغير واحد ‪ ،‬عن‬ ‫حِلي ٌ‬ ‫م لّواه ٌ َ‬ ‫هي َ‬‫ن إ ِب َْرا ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫حَبيش ‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود أنه قال ‪ :‬الواه‬ ‫دلة ‪ ،‬عن زِّر بن ُ‬ ‫عاصم بن ب َهْ َ‬
‫عاء‪ .‬وكذا روي من غير وجه ‪ ،‬عن ابن مسعود‪.‬‬ ‫‪ :‬الد ّ ّ‬
‫مْنهال ‪ ،‬حدثنا عبد الحميد‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني المثنى ‪ :‬حدثنا الحجاج بن ِ‬
‫حوشب ‪ ،‬عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال ‪:‬‬ ‫شْهر بن َ‬ ‫بن ب َْهرام ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس قال رجل ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ما‬
‫م { )‪(3‬‬‫حِلي ٌ‬‫م لّواه ٌ َ‬ ‫هي َ‬‫ن إ ِب َْرا ِ‬ ‫الّواه ؟ قال ‪" :‬المتضرع" ‪ ،‬قال ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ورواه )‪ (4‬ابن أبي حاتم من حديث ابن المبارك ‪ ،‬عن عبد الحميد بن ب َهَْرام ‪،‬‬
‫عاء‪.‬‬ ‫به ‪ ،‬قال ‪ :‬المتضرع ‪ :‬الد ّ ّ‬
‫طين عن أبي العُب َْيدْين أنه‬ ‫وقال الثوري ‪ ،‬عن سلمة بن ك ُهَْيل ‪ ،‬عن مسلم الب َ ِ‬
‫سأل ابن مسعود عن الواه ‪ ،‬فقال ‪ :‬هو الرحيم‪.‬‬
‫حبيل ‪ ،‬والحسن البصري ‪،‬‬ ‫شَر ْ‬ ‫وبه قال مجاهد ‪ ،‬وأبو ميسرة عمرو بن ُ‬
‫وقتادة ‪ :‬أنه الرحيم ‪ ،‬أي ‪ :‬بعباد الله‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(14/517‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(14/531‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وروى"‪.‬‬

‫) ‪(4/225‬‬
‫رمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬الّواه ‪:‬‬ ‫عك ْ ِ‬
‫وقال ابن المبارك ‪ ،‬عن خالد ‪ ،‬عن ِ‬
‫الموقن بلسان الحبشة‪ (1) .‬وكذا قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أنه الموقن‪.‬‬
‫وكذا قال مجاهد ‪ ،‬والضحاك‪ .‬وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس ‪ :‬الواه ‪ :‬المؤمن ‪ -‬زاد علي بن أبي طلحة عنه ‪ :‬المؤمن التواب‪ .‬وقال‬
‫جَرْيج ‪ :‬هو المؤمن‬ ‫العوفي عنه ‪ :‬هو المؤمن بلسان الحبشة‪ .‬وكذا قال ابن ُ‬
‫بلسان الحبشة‪.‬‬
‫وقال أحمد ‪ :‬حدثنا موسى ‪ ،‬حدثنا ابن لِهيعة ‪ ،‬عن الحارث بن يزيد ‪ ،‬عن علي‬
‫بن رباح ‪ ،‬عن عقبة بن عامر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‬
‫لرجل يقال له "ذو الِبجادين" ‪" :‬إنه أواه" ‪ ،‬وذلك أنه رجل )‪ (2‬كثير الذكر لله‬
‫في القرآن ويرفع صوته في الدعاء‪.‬‬
‫ورواه ابن جرير‪(3) .‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ ،‬والشعبي ‪ :‬الواه ‪ :‬المسّبح‪ .‬وقال ابن وهب ‪ ،‬عن‬
‫جَبير بن نفير ‪ ،‬عن أبي الدرداء ‪،‬‬ ‫معاوية بن صالح ‪ ،‬عن أبي الزاهرية ‪ ،‬عن ُ‬
‫فى بن‬ ‫رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬ل يحافظ على سبحة الضحى إل أواه‪ .‬وقال ُ‬
‫ش َ‬
‫مانع ‪ ،‬عن أيوب ‪ :‬الواه ‪ :‬الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها‪.‬‬
‫وعن مجاهد ‪ :‬الواه ‪ :‬الحفيظ الوجل ‪ ،‬يذنب الذنب سرا ‪ ،‬ثم يتوب منه سرا‪.‬‬
‫ذكر ذلك كّله ابن أبي حاتم ‪ ،‬رحمه الله‪.‬‬
‫كيع ‪ ،‬حدثنا المحاربي ‪ ،‬عن حجاج ‪ ،‬عن الحكم ‪،‬‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن وَ ِ‬
‫عن الحسن بن مسلم بن يناق ‪ :‬أن رجل كان يكثر ذكر الله ويسّبح ‪ ،‬فذكر‬
‫ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪" :‬إنه أواه"‪(4) .‬‬
‫من َْهال بن خليفة ‪ ،‬عن‬‫وقال أيضا حدثنا أبو ك َُريب ‪ ،‬حدثنا ابن يمان ‪ ،‬حدثنا ال ِ‬
‫جاج بن أرطأة ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس ؛ أن النبي صلى الله عليه‬ ‫ح ّ‬
‫َ‬
‫ت لواها"! يعني ‪َ :‬تلًء للقرآن )‬ ‫وسلم دفن ميتا ‪ ،‬فقال ‪" :‬رحمك الله إن كن َ‬
‫‪ (5‬وقال شعبة ‪ ،‬عن أبي يونس الباهلي قال ‪ :‬سمعت رجل بمكة ‪ -‬وكان‬
‫أصله روميا ‪ ،‬وكان قاصا ‪ -‬يحدث عن أبي ذر قال ‪ :‬كان رجل يطوف بالبيت‬
‫ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫الحرام ويقول في دعائه ‪" :‬أّوه أّوه" ‪ ،‬ف ُ‬
‫فقال ‪ :‬إنه أواه‪ .‬قال ‪ :‬فخرجت ذات ليلة ‪ ،‬فإذا رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يدفن ذلك الرجل ليل ومعه المصباح‪.‬‬
‫هذا حديث غريب رواه ابن جرير ومشاه‪(6) .‬‬
‫م لّواهٌ { قال ‪ :‬كان إذا ذكر‬ ‫هي َ‬
‫ن إ ِب َْرا ِ‬‫وروي عن كعب الحبار أنه قال ‪ } (7) :‬إ ِ ّ‬
‫النار قال ‪" :‬أّوه من النار"‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬الحبشية"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬رجل كان كثير الذكر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (4/159‬وتفسير الطبري )‪ (14/533‬وحسنه الهيثمي في‬
‫المجمع )‪ (9/369‬وفيه ابن لهيعة متكلم فيه‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(14/529‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(14/530‬‬
‫)‪ (6‬تفسير الطبري )‪ .(14/530‬ورواه الحاكم في المستدرك )‪ (1/368‬من‬
‫طريق شعبة به ‪ ،‬وقال ‪" :‬إسناده معضل"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أنه قال ‪ :‬سمعت"‪.‬‬

‫) ‪(4/226‬‬
‫ل‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫ن إِ ّ‬‫قو َ‬
‫ما ي َت ّ ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫حّتى ي ُب َي ّ َ‬
‫م َ‬ ‫ما ب َعْد َ إ ِذ ْ هَ َ‬
‫داهُ ْ‬ ‫ل قَوْ ً‬ ‫ض ّ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ه ل ِي ُ ِ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫وَ َ‬
‫ما ل َك ُْ‬
‫م‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫مي‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫يي‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫وا‬ ‫ت‬ ‫وا‬‫ما‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫(‬‫‪115‬‬ ‫)‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫َُ ِ ُ َ َ‬ ‫ّ َ َ ِ َ ْ ِ ُ ْ ِ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ش ْ َِ ٌ‬
‫لي‬ ‫ع‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬‫ي‬
‫صيرٍ )‪(116‬‬ ‫ي وََل ن َ ِ‬ ‫ن وَل ِ ّ‬ ‫م ْ‬‫ن الل ّهِ ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬

‫م لّواه ٌ { قال ‪ :‬فقيه‪.‬‬ ‫هي َ‬ ‫ن إ ِب َْرا ِ‬ ‫جَرْيج عن ابن عباس ‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫قال المام العلم أبو جعفر بن جرير ‪ :‬وأولى القوال قول من قال ‪ :‬إّنه‬
‫عاء ‪ ،‬وهو المناسب للسياق ‪ ،‬وذلك أن الله تعالى لما ذكر أن إبراهيم إنما‬ ‫الد ّ‬
‫استغفر لبيه عن موعدة وعدها إياه ‪ ،‬وقد كان إبراهيم كثير الدعاء حليما‬
‫عمن ظلمه وأناله مكروها ؛ ولهذا استغفر لبيه مع شدة أذاه )‪ (1‬في قوله ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫مل ِّيا‪َ .‬قا َ‬ ‫جْرِني َ‬ ‫ك َواهْ ُ‬ ‫من ّ َ‬ ‫ج َ‬ ‫م ت َن ْت َهِ لْر ُ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ل َئ ِ ْ‬ ‫هي ُ‬ ‫ن آل ِهَِتي َيا إ ِب َْرا ِ‬ ‫ت َعَ ْ‬ ‫ب أن ْ َ‬ ‫} أَراِغ ٌ‬
‫فّيا { ]مريم ‪ ، [47 ، 46 :‬فحلم‬ ‫ح ِ‬ ‫ن ِبي َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ك َرّبي إ ِن ّ ُ‬ ‫فُر ل َ َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫م عَل َي ْ َ‬ ‫سل ٌ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫وا‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫ِ ّ ِْ َ ِ َ ّ ٌ‬ ‫هي‬ ‫را‬ ‫ب‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫قال‬ ‫ولهذا‬ ‫؛‬ ‫واستغفر‬ ‫له‬ ‫ودعا‬ ‫‪،‬‬ ‫له‬ ‫أذاه‬ ‫مع‬ ‫عنه‬
‫م { )‪(2‬‬ ‫حِلي ٌ‬ ‫َ‬
‫ه ب ِك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ما‬
‫َ ُ ْ َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ب‬‫ُ‬ ‫ي‬ ‫تى‬ ‫ّ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫دا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫د‬‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ما‬‫ْ ً‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ض‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ما‬ ‫َ َ‬ ‫و‬ ‫}‬
‫ما ل َك ُْ‬
‫م‬ ‫و‬
‫ُ َ َ‬ ‫ت‬ ‫مي‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫يي‬ ‫ِ‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫وال‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫وا‬ ‫ما‬
‫ّ َ َ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫َ ُ ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫إ‬ ‫(‬ ‫‪115‬‬ ‫)‬ ‫م‬
‫ٌ‬ ‫لي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫ي‬
‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫َ ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫صيرٍ )‪{ (116‬‬ ‫ي َول ن َ ِ‬ ‫ن وَل ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن اللهِ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن نفسه الكريمة وحكمه العادل ‪ :‬إنه ل يضل قوما بعد‬
‫بلغ )‪ (3‬الرسالة إليهم ‪ ،‬حتى يكونوا قد قامت عليهم الحجة ‪ ،‬كما قال‬
‫َ‬
‫دى { الية ]فصلت ‪:‬‬ ‫مى عََلى ال ْهُ َ‬ ‫حّبوا ال ْعَ َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫مود ُ فَهَد َي َْناهُ ْ‬ ‫ما ث َ ُ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَأ ّ‬
‫‪.[17‬‬
‫حّتى‬ ‫م َ‬ ‫داهُ ْ‬ ‫ما ب َعْد َ إ ِذ ْ هَ َ‬ ‫ضل قوْ ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ه ل ِي ُ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫َ‬
‫ما كا َ‬ ‫وقال مجاهد في قوله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { قال ‪ :‬بيان الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬للمؤمنين في الستغفار‬ ‫قو َ‬ ‫ما ي َت ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫ي ُب َي ّ َ‬
‫للمشركين خاصة ‪ ،‬وفي بيانه طاعته ومعصيته عامة ‪ ،‬فافعلوا أو َذروا‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬يقول الله تعالى ‪ :‬وما كان الله ليقضي عليكم في‬
‫استغفاركم لموتاكم المشركين بالضلل بعد إذ رزقكم الهداية ووفقكم‬
‫لليمان به وبرسوله ‪ ،‬حتى يتقدم إليكم بالنهي عنه فتتركوا ‪ ،‬فأما قبل أن‬
‫يبين لكم كراهيته )‪ (4‬ذلك بالنهي عنه ‪ ،‬ثم تتعدوا نهيه إلى ما نهاكم عنه ‪،‬‬
‫فإنه ل يحكم عليكم بالضلل ‪ ،‬فإن الطاعة والمعصية إنما يكونان من المأمور‬
‫ه فغير كائن مطيعا أو عاصًيا فيما لم يؤمر‬ ‫مر ولم ي ُن ْ َ‬ ‫والمنهي ‪ ،‬وأما من لم ُيؤ َ‬
‫به ولم ينه عنه‪.‬‬
‫ن‬‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ما لك ْ‬ ‫َ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫مي ُ‬ ‫حِيي وَي ُ ِ‬ ‫ض يُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ملك ال ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫هل ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫صيرٍ { قال ابن جرير ‪ :‬هذا تحريض من الله لعباده‬ ‫ي َول ن َ ِ‬ ‫ن وَل ِ ّ‬ ‫الل ّهِ ِ‬
‫م ْ‬
‫المؤمنين في قتال المشركين وملوك الكفر ‪ ،‬وأن )‪ (5‬يثقوا بنصر الله مالك‬
‫السماوات والرض ‪ ،‬ولم يرهبوا من أعدائه فإنه ل ولي لهم من دون الله ‪،‬‬
‫ول نصير لهم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ك ‪" :‬أذاه له"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(14/532‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬إبلغ"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬كراهية"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬وأنهم"‪.‬‬

‫) ‪(4/227‬‬
‫َ‬
‫ة‬ ‫ساعَةِ ال ْعُ ْ‬
‫سَر ِ‬ ‫ن ات ّب َُعوه ُ ِفي َ‬ ‫ذي َ‬ ‫صارِ ال ّ ِ‬
‫ن َواْلن ْ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬
‫مَها ِ‬‫ي َوال ْ ُ‬‫ه عََلى الن ّب ِ ّ‬ ‫ب الل ّ ُ‬
‫قد ْ َتا َ‬ ‫لَ َ‬
‫م)‬‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬
‫م َرُءو ٌ‬
‫ه ب ِهِ ْ‬ ‫ب عَل َي ْهِ ْ‬
‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫م َتا َ‬ ‫م ثُ ّ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫ق ِ‬ ‫ري ٍ‬‫ب فَ ِ‬ ‫زيغُ قُُلو ُ‬ ‫ما َ‬
‫كاد َ ي َ ِ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫‪(117‬‬

‫سواه‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن أبي دلمة البغدادي ‪ ،‬حدثنا عبد الوهاب‬
‫رز ‪ ،‬عن حكيم بن‬ ‫ح ِ‬
‫م ْ‬
‫بن عطاء ‪ ،‬حدثنا سعيد ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن صفوان بن ُ‬
‫حزام قال ‪ :‬بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه إذ قال لهم ‪:‬‬
‫"هل تسمعون ما أسمع ؟" قالوا ما نسمع من شيء‪ .‬فقال رسول الله صلى‬
‫ط ‪ ،‬وما فيها من‬ ‫الله عليه وسلم ‪" :‬إني لسمع أطيط السماء ‪ ،‬وما تلم أن َتئ ّ‬
‫موضع شبر إل وعليه ملك ساجد أو قائم"‪(1) .‬‬
‫وقال كعب الحبار ‪ :‬ما من موضع خرمة )‪ (2‬إبرة من الرض إل وملك موكل‬
‫بها ‪ ،‬يرفع علم ذلك إلى الله ‪ ،‬وإن ملئكة السماء لكثر من عدد التراب ‪ ،‬وإن‬
‫خه مسيرة مائة عام‪.‬‬ ‫م ّ‬‫حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى ُ‬
‫ة‬
‫ساعَ ِ‬‫ن ات ّب َُعوه ُ ِفي َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫صارِ ال ِ‬ ‫ن َوالن ْ َ‬ ‫ري َ‬‫ج ِ‬ ‫ي َوال ْ ُ‬
‫مَها ِ‬ ‫ه عََلى الن ّب ِ ّ‬ ‫ب الل ّ ُ‬‫قد ْ َتا َ‬ ‫} لَ َ‬
‫ف‬
‫م َرُءو ٌ‬ ‫ه ب ِهِ ْ‬ ‫ب عَل َي ْهِ ْ‬
‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫م َتا َ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ق ِ‬‫ري ٍ‬‫ب فَ ِ‬ ‫زيغُ قُُلو ُ‬ ‫ما َ‬
‫كاد َ ي َ ِ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬‫م ْ‬‫سَرةِ ِ‬ ‫ال ْعُ ْ‬
‫م )‪{ (117‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫َر ِ‬
‫قال مجاهد وغير واحد ‪ :‬نزلت هذه الية في غزوة تبوك ‪ ،‬وذلك أنهم خرجوا‬
‫مجدبة وحر شديد ‪ ،‬وعسر من الزاد والماء‪.‬‬ ‫إليها في شدة من المر في سنة ُ‬
‫َ‬
‫قال قتادة ‪ :‬خرجوا إلى الشام عام تبوك في لَهبان الحر ‪ ،‬على ما يعلم الله‬
‫من الجهد ‪ ،‬أصابهم فيها جهد شديد ‪ ،‬حتى لقد ذكر لنا أن الرجلين )‪ (3‬كانا‬
‫يشقان التمرة بينهما ‪ ،‬وكان النفر يتداولون التمرة بينهم ‪ ،‬يمصها هذا ‪ ،‬ثم‬
‫يشرب عليها ‪ ،‬ثم يمصها هذا ‪ ،‬ثم يشرب عليها ‪] ،‬ثم يمصها هذا ‪ ،‬ثم يشرب‬
‫عليها[ )‪ (4‬فتاب الله عليهم وأقفلهم من غزوتهم‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يونس بن عبد العلى ‪ ،‬أخبرنا ابن وهب ‪ ،‬أخبرني‬
‫عمرو بن الحارث ‪ ،‬عن سعيد بن أبي هلل ‪ ،‬عن عتبة بن أبي عتبة ‪ ،‬عن نافع‬
‫جَبير بن مطعم ‪ ،‬عن عبد الله بن عباس ؛ أنه قيل لعمر بن الخطاب في‬ ‫بن ُ‬
‫شأن العسرة ‪ ،‬فقال عمر بن الخطاب ‪ :‬خرجنا مع رسول الله صلى الله‬
‫طش ‪ ،‬حتى‬ ‫عليه وسلم إلى تبوك في قيظ شديد ‪ ،‬فنزلنا منزل فأصابنا فيه عَ َ‬
‫ظننا أن رقابنا ستنقطع )‪] (5‬حتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الماء ‪ ،‬فل‬
‫يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع[ )‪ (6‬حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر‬
‫فَْرثه فيشربه ‪ ،‬ويجعل ما بقي على كبده ‪ ،‬فقال أبو بكر الصديق ‪ :‬يا رسول‬
‫ودك في الدعاء خيرا ‪ ،‬فادع لنا‪ .‬قال ‪" :‬تحب‬ ‫الله ‪ ،‬إن الله عز وجل ‪ ،‬قد عَ ّ‬
‫ذلك"‪ .‬قال ‪ :‬نعم! فرفع يديه فلم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير )‪ (3/201‬وأبو نعيم في الحلية )‬
‫‪ (2/217‬من طريق عبد الوهاب بن عطاء به نحوه ‪ ،‬وقال أبو نعيم ‪" :‬هذا‬
‫حديث غريب من حديث صفوان بن محرز عن حكيم تفرد به عن قتادة سعيد‬
‫بن أبي عروبة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬خرم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬رجلين"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬ستقطع"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬

‫) ‪(4/228‬‬

‫يرجعهما حتى مالت السماء فأظ َّلت )‪ (1‬ثم سكبت ‪ ،‬فملئوا ما معهم ‪ ،‬ثم‬
‫ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر‪(2) .‬‬
‫صاِر‬
‫ن َوالن ْ َ‬
‫ري َ‬
‫ج ِ‬‫مَها ِ‬ ‫ْ‬
‫ي َوال ُ‬ ‫َ‬
‫ه عَلى الن ّب ِ ّ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫قد ْ َتا َ‬ ‫وقال ابن جرير في قوله ‪ } :‬ل َ َ‬
‫سَرةِ { أي ‪ :‬من النفقة والظهر والزاد والماء ‪،‬‬ ‫ساعَةِ ال ْعُ ْ‬‫ن ات ّب َُعوه ُ ِفي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫م { )‪ (3‬أي ‪ :‬عن الحق ويشك في‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ق ِ‬ ‫ري ٍ‬ ‫ب فَ ِ‬‫زيغُ قُُلو ُ‬ ‫ما َ‬
‫كاد َ ي َ ِ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬
‫م ْ‬‫} ِ‬
‫دين رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرتاب ‪ ،‬بالذي نالهم من المشقة‬
‫م { يقول ‪ :‬ثم رزقهم النابة إلى‬ ‫ب عَل َي ْهِ ْ‬ ‫م َتا َ‬ ‫والشدة في سفره وغزوه ‪ } ،‬ث ُ ّ‬
‫م {‪.‬‬‫حي ٌ‬‫ف َر ِ‬ ‫م َرُءو ٌ‬ ‫ه ب ِهِ ْ‬‫ربهم ‪ ،‬والرجوع إلى الثبات على دينه ‪ } ،‬إ ِن ّ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬فأهطلت"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪ (14/541‬ورواه ابن حبان في صحيحه برقم )‪(1707‬‬
‫"موارد" والحاكم في المستدرك )‪ (1/159‬من طريق حرملة ابن يحيى ‪،‬‬
‫ورواه البزار في مسنده برقم )‪" (1841‬كشف الستار" من طريق أصبغ بن‬
‫الفرج كلهما عن ابن وهب به نحوه ‪ ،‬وقال الحاكم ‪" :‬هذا حديث صحيح على‬
‫شرط الشيخين ولم يخرجاه"‪ .‬قال المؤلف ابن كثير في السيرة )‪: (4/16‬‬
‫"إسناد جيد ‪ ،‬ولم يخرجوه من هذا الوجه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬يزيغ"‪.‬‬

‫) ‪(4/229‬‬

‫َ‬
‫ضاقَ ْ‬
‫ت‬ ‫ت وَ َ‬ ‫حب َ ْ‬‫ما َر ُ‬ ‫م اْلْر ُ‬
‫ض بِ َ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ُ‬ ‫ضاقَ ْ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬
‫َ‬
‫فوا َ‬ ‫خل ّ ُ‬
‫ن ُ‬ ‫وَعََلى الث َّلث َةِ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬ ‫م أ َن ْ ُ‬
‫ن‬ ‫ب عَل َي ْهِ ْ‬
‫م ل ِي َُتوُبوا إ ِ ّ‬ ‫م َتا َ‬‫ن الل ّهِ إ ِّل إ ِل َي ْهِ ث ُ ّ‬‫م َ‬‫جأ ِ‬ ‫مل ْ َ‬
‫ن َل َ‬
‫م وَظ َّنوا أ ْ‬ ‫سهُ ْ‬‫ف ُ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫م َ‬‫كوُنوا َ‬ ‫ه وَ ُ‬ ‫قوا الل ّ َ‬‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫م )‪َ (118‬يا أي َّها ال ّ ِ َ‬ ‫حي ُ‬‫ب الّر ِ‬ ‫وا ُ‬ ‫ه هُوَ الت ّ ّ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ن )‪(119‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ال ّ‬

‫ت‬‫ضاقَ ْ‬‫ت وَ َ‬ ‫حب َ ْ‬ ‫ما َر ُ‬ ‫ض بِ َ‬ ‫م الْر ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ُ‬ ‫ضاقَ ْ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫خل ّ ُ‬
‫فوا َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫} وَعََلى الّثلث َةِ ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫م أ َن ْ ُ‬
‫ن‬
‫م ل ِي َُتوُبوا إ ِ ّ‬‫ب عَل َي ْهِ ْ‬ ‫م َتا َ‬‫ن الل ّهِ ِإل إ ِل َي ْهِ ث ُ ّ‬‫م َ‬ ‫جأ ِ‬ ‫مل ْ َ‬
‫نل َ‬ ‫م وَظ َّنوا أ ْ‬ ‫سهُ ْ‬‫ف ُ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫َ‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫كوُنوا َ‬ ‫ه وَ ُ‬ ‫قوا الل ّ َ‬‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫م )‪َ (118‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫حي ُ‬‫ب الّر ِ‬ ‫وا ُ‬ ‫ه هُوَ الت ّ ّ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ن )‪{ (119‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ال ّ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يعقوب بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا ابن أخي الزهري محمد‬
‫بن عبد الله ‪ ،‬عن عمه محمد بن مسلم الزهري ‪ ،‬أخبرني عبد الرحمن بن‬
‫عبد الله بن كعب بن مالك ‪ ،‬أن عبد الله بن كعب بن مالك ‪ -‬وكان قائد كعب‬
‫دث حديثه حين‬ ‫عمى ‪ -‬قال ‪ :‬سمعت كعب بن مالك يح ّ‬ ‫من بنيه )‪ (1‬حين َ‬
‫تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ‪ ،‬فقال كعب بن‬
‫مالك ‪ :‬لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة غيرها )‪(2‬‬
‫قط إل في غزوة تبوك ‪ ،‬غير أني كنت تخلفت في غزاة بدر ‪ ،‬ولم يعاَتب أحد ٌ‬
‫عير قريش ‪،‬‬ ‫تخلف عنها ‪ ،‬وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد ِ‬
‫ت مع رسول‬ ‫حتى جمع الله بينهم وبين عدّوهم على غير ميعاد ‪ ،‬ولقد شهد ُ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين توافقنا على السلم ‪ ،‬وما أحب‬
‫كر في الناس منها وأشهر ‪ ،‬وكان من‬ ‫أن لي بها مشهد بدر ‪ ،‬وإن كانت بدر أذ ْ َ‬
‫خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أني‬
‫لم أكن قط أقوى ول أيسر مني حين تخّلفت عنه في تلك الغزاة ‪ ،‬والله ما‬
‫جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزاة ‪ ،‬وكان رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم قَّلما يريد غزوة يغزوها إل وَّرى بغيرها ‪ ،‬حتى كانت تلك‬
‫حّر شديد ‪ ،‬واستقبل‬ ‫الغزوة فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في َ‬
‫جّلى للمسلمين أمرهم‬ ‫سفرا بعيدا ومفاًزا ‪ ،‬واستقبل عدوا كثيًرا )‪ (3‬فَ َ‬
‫جَهه‬
‫ليتأهبوا أهبة عدوهم ‪ ،‬فأخبرهم وَ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬بيته"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬غزاها"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬كبيرا"‪.‬‬

‫) ‪(4/229‬‬

‫الذي يريد ‪ ،‬والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير ‪ ،‬ل‬
‫ل رجل يريد أن يتغيب‬ ‫يجمعهم كتاب حافظ ‪ -‬يريد الديوان ‪ -‬فقال كعب ‪ :‬فَ َ‬
‫ق ّ‬
‫إل ظن أن ذلك سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي من الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬وغزا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزاة حين طابت الثمار والظل ‪ ،‬وأنا‬
‫إليها أصعر‪ .‬فتجهز إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه ‪،‬‬
‫وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم ‪ ،‬فأرجع ولم أقض من جهازي شيئا ‪ ،‬فأقول‬
‫مر )‬ ‫لنفسي ‪ :‬أنا قادر على ذلك إذا أردت ‪ ،‬فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى ش ّ‬
‫‪ (1‬بالناس الجد ‪ ،‬فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا والمسلمون‬
‫معه ‪ ،‬ولم أقض من جهازي شيئا ‪ ،‬وقلت ‪ :‬الجهاز بعد يوم أو يومين ثم ألحقه‬
‫)‪ (2‬فغدوت بعدما فصلوا لتجهز ‪ ،‬فرجعت ولم أقض شيئا من جهازي‪ .‬ثم‬
‫غدوت فرجعت ولم أقض شيئا ‪ ،‬فلم يزل ]ذلك[ )‪َ (3‬يتمادى بي حتى أسرعوا‬
‫ت ‪ -‬ثم لم يقدر‬ ‫وتفارط الغزو ‪ ،‬فهممت أن أرتحل فأدركهم ‪ -‬وليت أّني فعل ُ‬
‫ت في الناس بعد ]خروج[ )‪ (4‬رسول الله صلى‬ ‫ذلك لي ‪ ،‬فطفقت إذا خرج ُ‬
‫مْغموصا عليه في‬ ‫ت فيهم[ )‪ (5‬يحزنني أل أرى إل رجل َ‬ ‫الله عليه وسلم ]فَ ُ‬
‫طف ُ‬
‫النفاق ‪ ،‬أو رجل ممن عذره الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ولم يذكرني رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك ‪ ،‬فقال وهو جالس في القوم بتبوك ‪" :‬ما فعل‬
‫سلمة ‪ :‬حبسه يا رسول الله ب ُْرداه ‪،‬‬ ‫كعب بن مالك ؟" قال رجل من بني َ‬
‫طفيه‪ .‬فقال له معاذ بن جبل ‪ :‬بئسما قلت! والله يا رسول الله‬ ‫والنظر في عَ ْ‬
‫ما علمنا عليه إل خيرا! فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬قال كعب‬
‫جه قافل من‬ ‫بن مالك ‪ :‬فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد َتو ّ‬
‫كذب ‪ ،‬وأقول ‪ :‬بماذا أخرج من‬ ‫تبوك حضرني ب َّثي )‪ (6‬فطفقت أتذكر )‪ (7‬ال َ‬
‫ل ذي رأي من أهلي‪ .‬فلما قيل ‪ :‬إن رسول‬ ‫سخطه غدا ؟ أستعين على ذلك ك ّ‬
‫ل قادما ‪ ،‬زاح عني الباطل وعرفت أني لم‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم قد أظ ّ‬
‫صّبح رسول الله صلى الله عليه‬ ‫ت صدقه ‪ ،‬و َ‬ ‫أنج منه بشيء أبدا‪ .‬فأجمع ُ‬
‫وسلم ‪ ،‬وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ‪ ،‬ثم جلس‬
‫للناس‪ .‬فلما فعل ذلك جاءه المتخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له ‪-‬‬
‫وكانوا بضعة وثمانين رجل ‪ -‬فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫علنيتهم ويستغفر لهم ‪ ،‬ويكل سرائرهم إلى الله تعالى ‪ ،‬حتى جئت ‪ ،‬فلما‬
‫سّلمت عليه تبسم تبسم المغضب ‪ ،‬ثم قال لي ‪" :‬تعال" ‪ ،‬فجئت أمشي حتى‬
‫ت بين يديه ‪ ،‬فقال لي ‪" :‬ما خّلفك ‪ ،‬ألم تك قد اشتريت ظهرك" ؟‬ ‫جلس ُ‬
‫قال ‪ :‬فقلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إني لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت‬
‫ت لئن‬ ‫دل ولكنه والله لقد علم ُ‬ ‫ج َ‬
‫ت َ‬
‫خطه بعذر ‪ ،‬لقد أعطي ُ‬ ‫س َ‬‫أن أخرج من َ‬
‫سخطك علي ‪ ،‬ولئن‬ ‫كذب ترضى به عني ‪ ،‬ليوشكن الله ي ُ ْ‬ ‫دثتك اليوم حديث َ‬ ‫ح ّ‬
‫َ‬
‫وا[ )‪ (8‬من‬ ‫ً‬ ‫]عف‬ ‫ذلك‬ ‫عقبى‬ ‫أقرب‬ ‫لرجو‬ ‫إني‬ ‫‪،‬‬ ‫فيه‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫عل‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫تج‬‫َ‬ ‫بصدق‬ ‫حدثتك‬
‫الله ‪ ،‬عز وجل )‪ (9‬والله ما كان لي عذر ‪ ،‬والله ما كنت قط أفرغ ول أيسر‬
‫مني حين تخلفت عنك قال ‪ :‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أما‬
‫هذا فقد صدق ‪ ،‬فقم حتى يقضي الله فيك"‪ .‬فقمت وبادرني رجال من بني‬
‫سلمة واتبعوني ‪ ،‬فقالوا لي ‪ :‬والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ‪،‬‬
‫جزت أل تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما‬ ‫ولقد عَ َ‬
‫اعتذر به المتخلفون )‪ (10‬فقد كان كافيك ]من ذنبك[ )‪ (11‬استغفار رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم لك‪ .‬قال ‪ :‬فوالله ما زالوا يؤّنبوني حتى أردت أن‬
‫ذب نفسي ‪ :‬قال ‪ :‬ثم قلت لهم ‪ :‬هل لقي هذا معي أحد ؟ قالوا ‪:‬‬ ‫أرجع فُأك ّ‬
‫ت ‪ ،‬وقيل لهما مثل ما قيل لك‪.‬‬ ‫نعم ‪] ،‬لقيه معك[ )‪ (12‬رجلن ‪ ،‬قال ما قل َ‬
‫مَرارة بن الربيع العامري ‪ ،‬وهلل بن أمية الواقفي‪.‬‬ ‫قلت ‪ :‬فمن هما ؟ قالوا ‪ُ :‬‬
‫فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا لي فيهما أسوة‪ .‬قال ‪ :‬فمضيت‬
‫حين ذكروهما لي ‪ -‬قال ‪ :‬ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين‬
‫عن كلمنا ‪ -‬أيها الثلثة ‪ -‬من بين من تخلف عنه ‪ ،‬فاجتَنبَنا الناس وتغّيروا لنا ‪،‬‬
‫ض ‪ ،‬فما هي بالرض التي كنت أعرف ‪ ،‬فلبثنا‬ ‫ت لي في نفسي الر ُ‬ ‫حتى تنكَر ْ‬
‫على ذلك خمسين ليلة‪ .‬فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان ‪،‬‬
‫شب القوم وأجَلدهم ‪ ،‬فكنت أشهد الصلة مع المسلمين ‪،‬‬ ‫وأما أنا فكنت أ َ‬
‫وأطوف بالسواق فل يكلمني أحد ‪ ،‬وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫حّرك شفتيه برد‬ ‫وهو في مجلسه بعد الصلة فأسلم ‪ ،‬وأقول في نفسي ‪َ :‬‬
‫ي أم ل ؟ ثم أصلي قريبا منه ‪ ،‬وأسارقه النظر ‪ ،‬فإذا أقبلت على‬ ‫السلم عل ّ‬
‫صلتي نظر إلي ‪ ،‬فإذا التفت نحوه أعَرض ‪ ،‬حتى إذا طال علي ذلك من هجر‬
‫شيت حتى تسورت حائط أبي قتادة ‪ -‬وهو ابن عمي ‪ ،‬وأحب‬ ‫م َ‬‫المسلمين َ‬
‫الناس إلي ‪ -‬فسلمت عليه ‪ ،‬فوالله ما رد علي السلم ‪ ،‬فقلت له ‪ :‬يا أبا‬
‫دك الله ‪ :‬هل تعلم أني أحب الله ورسوله ؟ قال ‪ :‬فسكت‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫قتادة ‪ ،‬أنش ُ‬
‫ت فنشدته ]فسكت ‪ ،‬فعدت فنشدته[ )‪ (13‬فقال ‪ :‬الله ورسوله أعلم‪.‬‬ ‫فعد ُ‬
‫ورت الجدار‪ .‬فبينا )‪ (14‬أنا أمشي‬ ‫قال ‪ :‬ففاضت عيناي وتوليت حتى تس ّ‬
‫ي من أنباط الشام ‪ ،‬ممن )‪َ (15‬قدم بطعام يبيعه‬ ‫بسوق المدينة إذا ن َب َط ِ ّ‬
‫فقَ الناس يشيرون‬ ‫بالمدينة يقول ‪ :‬من يدل على كعب بن مالك ؟ قال ‪ :‬فط ِ‬
‫ي ‪ ،‬حتى جاء فدفع إلي كتابا من ملك غسان ‪ ،‬وكنت كاتبا )‪ (16‬فإذا فيه‬ ‫له إل ّ‬
‫هوان ول‬ ‫‪ :‬أما بعد ‪ ،‬فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار َ‬
‫ضا من البلء‪.‬‬ ‫ك‪ .‬قال ‪ :‬فقلت حين قرأتها ‪ :‬وهذا أي ً‬ ‫ضَيعة ‪ ،‬فالحق بنا ُنواس َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫سجرته )‪ (17‬حتى إذا مضت أربعون ليلة من‬ ‫قال ‪ :‬فتيممت به التنور فَ َ‬
‫الخمسين ‪ ،‬إذا برسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك‪ .‬قال ‪ :‬فقلت ‪:‬‬
‫أطلقها أم ماذا أفعل ؟ قال ‪ :‬بل اعتزلها ول تقربها‪ .‬قال ‪ :‬وأرسل إلى‬
‫ي بمثل ذلك قال ‪ :‬فقلت لمرأتي ‪ :‬الحقي بأهلك ‪ ،‬فكوني عندهم حتى‬ ‫صاحب ّ‬
‫يقضي الله في هذا المر‪ .‬قال ‪ :‬فجاءت امرأة هلل بن أمية رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فقالت له ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إن هلل شيخ ضائع ليس له خادم‬
‫‪ ،‬فهل تكره أن أخدمه ؟ قال ‪" :‬ل ولكن ل يقرب َّنك" قالت ‪ :‬وإنه والله ما به‬
‫حركة إلى شيء ‪ ،‬والله ما يزال يبكي من لدن أن كان من أمرك ما كان إلى‬
‫يومه هذا‪ .‬قال ‪ :‬فقال لي بعض أهلي ‪ :‬لو استأذنت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم في امرأتك ‪ ،‬فقد أذن لمرأة هلل بن أمية أن تخدمه‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فقلت ‪ :‬والله ل أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وما أدري ما‬
‫يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته وأنا رجل شاب ؟ قال ‪:‬‬
‫فلبثنا ]بعد ذلك[ )‪ (18‬عشر ليال ‪ ،‬فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى عن‬
‫كلمنا قال ‪ :‬ثم صليت صلة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من‬
‫بيوتنا ‪ ،‬فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى منا ‪ :‬قد ضاقت علي‬
‫سْلع‬ ‫نفسي ‪ ،‬وضاقت علي الرض بما رحبت سمعت صارخا أوفى على جبل َ‬
‫يقول بأعلى صوته ‪ :‬يا كعب بن مالك ‪ ،‬أبشر‪ .‬قال ‪ :‬فخررت ساجدا ‪،‬‬
‫وعرفت أن )‪ (19‬قد جاء فرج ‪ ،‬فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة‬
‫ي‬
‫الله علينا حين صلى الفجر ‪ ،‬فذهب الناس يبشروننا ‪ ،‬وذهب قَِبل صاحب ّ‬
‫سا ‪ ،‬وسعى ساع من أسلم وأوفى على‬ ‫جل فر ً‬ ‫مبشرون ‪ ،‬وركض إلي ر ُ‬
‫الجبل ‪ ،‬فكان الصوت أسرع من الفرس‪ .‬فلما جاءني الذي سمعت صوته‬
‫يبشرني ‪ ،‬فنزعت )‪ (20‬ثوبي ‪ ،‬فكسوتهما إياه ببشارته ‪ ،‬والله ما أملك‬
‫غيرهما يومئذ ‪ ،‬واستعرت ثوبين فلبستهما ‪ ،‬وانطلقت أؤم رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬يلقاني الناس فوجا فوجا يهنئوني بالتوبة ‪ ،‬يقولون ‪ :‬ل ِي َْهنك‬
‫توبة الله عليك‪ .‬حتى دخلت المسجد ‪ ،‬فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ي طلحة بن عبيد الله ُيهرول ‪ ،‬حتى‬ ‫جالس في المسجد حوله الناس ‪ ،‬فقام إل ّ‬
‫صافحني وهَّنأني ‪ ،‬والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره قال ‪ :‬فكان‬
‫كعب ل ينساها لطلحة‪ .‬قال كعب ‪ :‬فلما سلمت على رسول الله صلى الله‬
‫مّر عليك منذ‬ ‫عليه وسلم قال وهو يبُرق وجهه من السرور ‪" :‬أبشر بخير يوم َ‬
‫مك"‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله ؟ قال ‪:‬‬ ‫ولدتك أ ّ‬
‫سّر‬ ‫"ل بل من عند الله"‪ .‬قال ‪ :‬وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ُ‬
‫استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر ‪ ،‬حتى يعرف ذلك منه‪ .‬فلما جلست بين‬
‫يديه قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله‬
‫وإلى رسوله‪ .‬قال ‪" :‬أمسك عليك بعض مالك ‪ ،‬فهو خير لك"‪ .‬قال ‪ :‬فقلت ‪:‬‬
‫فإني أمسك سهمي الذي بخيبر‪ .‬وقلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إنما نجاني الله‬
‫بالصدق ‪ ،‬وإن من توبتي أل أحدث إل صدقا ما بقيت‪ .‬قال ‪ :‬فوالله ما أعلم‬
‫أحدا من المسلمين أبله الله من الصدق في الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلني الله تعالى ‪ ،‬والله ما تعمدت‬
‫ة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا ‪ ،‬وإني‬ ‫كذب َ ً‬ ‫َ‬
‫هّ‬
‫ب الل ُ‬ ‫قد ْ َتا َ‬ ‫َ‬
‫لرجو أن يحفظني الله فيما بقي‪ .‬قال ‪ :‬وأنزل الله تعالى ‪ } :‬ل َ‬
‫ما‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سَرةِ ِ‬ ‫ساعَةِ ال ْعُ ْ‬ ‫ن ات ّب َُعوه ُ ِفي َ‬ ‫ذي َ‬ ‫صارِ ال ّ ِ‬ ‫ن َوالن ْ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مَها ِ‬ ‫ي َوال ْ ُ‬ ‫عََلى الن ّب ِ ّ‬
‫م‪ .‬وَعََلى الّثلث َ ِ‬
‫ة‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫م َرُءو ٌ‬ ‫ه ب ِهِ ْ‬ ‫ب عَل َي ْهِ ْ‬
‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫م َتا َ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ق ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ري‬
‫ِ‬ ‫ب فَ‬ ‫زيغُ قُُلو ُ‬ ‫ِ‬ ‫كاد َ ي َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫سهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫م أ َن ْ ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ضاقَ ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫حب َ ْ‬‫ما َر ُ‬ ‫ض بِ َ‬ ‫م الْر ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ُ‬ ‫ضاقَ ْ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫فوا َ‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫وا ُ‬ ‫ه هُوَ الت ّ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م ل ِي َُتوُبوا إ ِ ّ‬ ‫ب عَل َي ْهِ ْ‬ ‫م َتا َ‬ ‫ن الل ّهِ ِإل إ ِل َي ْهِ ث ُ ّ‬ ‫م َ‬ ‫جأ ِ‬ ‫مل ْ َ‬ ‫نل َ‬ ‫وَظ َّنوا أ ْ‬
‫َ‬
‫ن { قال كعب ‪:‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫كوُنوا َ‬ ‫ه وَ ُ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م‪َ .‬يا أي َّها ال ّ ِ‬ ‫حي ُ‬ ‫الّر ِ‬
‫م في‬ ‫فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني للسلم أعظ َ‬
‫َ‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أل أكون كذ َب ُْته‬ ‫نفسي من صدقي رسو َ‬
‫ذبوه ]حين كذ َُبوه[ )‪ (21‬؛ فإن الله تعالى قال للذين‬ ‫َ‬ ‫فأهلك كما هلك الذين ك َ َ‬
‫ذبوه حين أنزل الوحي شر ما قال لحد ‪ ،‬قال )‪ (22‬الله تعالى ‪:‬‬ ‫كَ َ‬
‫َ‬
‫م‬‫م إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ضوا عَن ْهُ ْ‬ ‫م فَأعْرِ ُ‬ ‫ضوا عَن ْهُ ْ‬ ‫م ل ِت ُعْرِ ُ‬ ‫م إ ِل َي ْهِ ْ‬‫قل َب ْت ُ ْ‬ ‫م إ َِذا ان ْ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ ل َك ُ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫} َ‬
‫رجس و ْ‬
‫م فَإ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫وا عَن ْهُ ْ‬ ‫ض ْ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫م ل ِت َْر َ‬ ‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬‫ن‪ .‬ي َ ْ‬‫سُبو َ‬‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬‫ما َ‬‫جَزاًء ب ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫جهَن ّ ُ‬
‫م َ‬ ‫مأَواهُ ْ‬ ‫ِ ْ ٌ َ َ‬
‫ن { ]التوبة ‪.[96 ، 95 :‬‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫ْ‬
‫قوْم ِ ال َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ضى عَ ِ‬ ‫ه ل ي َْر َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م فإ ِ ّ‬ ‫وا عَن ْهُ ْ‬ ‫ض ْ‬‫ت َْر َ‬
‫خلفنا ‪ -‬أيها الثلثة ‪ -‬عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله‬ ‫ّ‬ ‫قال ‪ :‬وكنا ُ‬
‫ل الله‬ ‫صلى الله عليه وسلم حين حلفوا ‪ ،‬فبايعهم واستغفر لهم ‪ ،‬وأرجأ رسو ُ‬
‫أمَرنا ‪ ،‬حتى قضى الله فيه ‪ ،‬فبذلك قال الله تعالى ‪ } (23) :‬وَعََلى الّثلث َ ِ‬
‫ة‬
‫خّلفنا بتخلفنا‬ ‫فوا { وليس تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا الذي ذكر مما ُ‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫عن الغزو ‪ ،‬وإنما هو عمن حلف له واعتذر إليه ‪ ،‬فقبل منه‪.‬‬
‫هذا حديث صحيح ثابت متفق على صحته ‪ ،‬رواه صاحبا الصحيح ‪ :‬البخاري‬
‫ومسلم من حديث الزهري ‪ ،‬بنحوه‪(24) .‬‬
‫فقد تضمن هذا الحديث تفسير هذه الية الكريمة بأحسن الوجوه وأبسطها‪.‬‬
‫وكذا ُروي عن غير واحد من السلف في تفسيرها ‪ ،‬كما رواه العمش ‪ ،‬عن‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫أبي سفيان ‪ ،‬عن جابر بن عبد الله في قوله تعالى ‪ } :‬وَعََلى الّثلث َةِ ال ّ ِ‬
‫مرارة بن ربيعة وكلهم‬ ‫فوا { قال ‪ :‬هم كعب بن مالك ‪ ،‬وهلل بن أمية ‪ ،‬و ُ‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫ُ‬
‫من النصار‪.‬‬
‫وكذا قال مجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي وغير واحد ‪ -‬وكلهم قال ‪:‬‬
‫مرارة بن ربيعة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫]وكذا في مسلم ‪ :‬مرارة بن ربيعة في بعض نسخه ‪ ،‬وفي بعضها ‪ :‬مرارة بن‬
‫الربيع[‪(25) .‬‬
‫جَبير ‪ :‬ربيع بن مرارة‪.‬‬ ‫وفي رواية عن سعيد بن ُ‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬ربيع بن مرارة )‪ (26‬أو مرارة )‪ (27‬بن ربيع‪.‬‬
‫مرارة بن الربيع ‪ ،‬كما وقع في الصحيحين ‪ ،‬وهو‬ ‫وفي رواية عن الضحاك ‪ُ :‬‬
‫الصواب‪.‬‬
‫وقوله ‪" :‬فسموا رجلين شهدا بدرا" ‪ ،‬قيل ‪ :‬إنه خطأ من الزهري ‪ ،‬فإنه ل‬
‫شهود ُ واحد من هؤلء الثلثة بدرا ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬ ‫ي ُعَْرف ُ‬
‫ولما ذكر تعالى ما فّرج به عن هؤلء الثلثة من الضيق والكرب ‪ ،‬من هجر‬
‫المسلمين إياهم نحوا من خمسين ليلة بأيامها ‪ ،‬وضاقت عليهم أنفسهم ‪،‬‬
‫ددت عليهم المسالك‬ ‫حبت ‪ ،‬أي ‪ :‬مع سعتها ‪ ،‬فس ّ‬ ‫وضاقت عليهم الرض بما َر ُ‬
‫والمذاهب ‪ ،‬فل يهتدون ما يصنعون ‪ ،‬فصبروا لمر الله ‪ ،‬واستكانوا لمر الله ‪،‬‬
‫وثبتوا حتى فرج الله عنهم بسبب صدقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫في تخلفهم ‪ ،‬وأنه كان عن غير عذر ‪ ،‬فعوقبوا على ذلك هذه المدة ‪ ،‬ثم تاب‬
‫الله عليهم ‪ ،‬فكان )‪ (28‬عاقبة صدقهم خيرا لهم وتوبة عليهم ؛ ولهذا قال ‪} :‬‬
‫َ‬
‫دقوا والزموا‬ ‫ن { أي ‪ :‬اص ُ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫كوُنوا َ‬‫ه وَ ُ‬ ‫قوا الل ّ َ‬‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫الصدق تكونوا مع أهله وتنجوا من المهالك ويجعل لكم فرجا من أموركم ‪،‬‬
‫ومخرجا ‪ ،‬وقد قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش عن شقيق‬
‫)‪ (29‬؛ عن عبد الله ‪ ،‬هو ابن مسعود ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬عليكم بالصدق ؛ فإن الصدق يهدي إلى البر وإن‬
‫البر يهدي إلى الجنة ‪ ،‬وما يزال الرجل يصدق ويتحّرى الصدق حتى يكتب عند‬
‫الله صديقا ‪ ،‬وإياكم والكذب ‪ ،‬فإن الكذب يهدي إلى الفجور ‪ ،‬وإن الفجور‬
‫يهدي إلى النار ‪ ،‬وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب ‪ ،‬حتى‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬استمر"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬ألحقهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬شيء"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أتفكر"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬تعالى"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬المخلفون"‪.‬‬
‫)‪ (11‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (12‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (13‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (14‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬وبينا"‪.‬‬
‫)‪ (15‬في ت ‪" :‬فيمن"‪.‬‬
‫)‪ (16‬في ت ‪" :‬وكتب كتابا"‪.‬‬
‫)‪ (17‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فسجرته فيها"‪.‬‬
‫)‪ (18‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (19‬في أ ‪" :‬أنه"‪.‬‬
‫)‪ (20‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬فنزعت له"‪.‬‬
‫)‪ (21‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (22‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (23‬في ت ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫)‪ (24‬المسند )‪ (459 - 3/456‬وصحيح البخاري برقم )‪ (889‬وبرقم )‪(2757‬‬
‫وصحيح مسلم برقم )‪.(2769‬‬
‫)‪ (25‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (26‬في جميع النسخ ‪" :‬مرار" بدون هاء ‪ ،‬والتصويب من الطبري‪.‬‬
‫)‪ (27‬في جميع النسخ ‪" :‬مرار" بدون هاء ‪ ،‬والتصويب من الطبري‪.‬‬
‫)‪ (28‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬وكان"‪.‬‬
‫)‪ (29‬في أ ‪" :‬سفيان"‪.‬‬

‫) ‪(4/230‬‬

‫ل الل ّهِ وََل‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن اْل َعَْرا‬ ‫ن ِل َهْ‬


‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫فوا عَ ْ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫م ِ‬ ‫حوْل َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫دين َةِ وَ َ‬ ‫م ِ‬‫ل ال ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫ص‬ ‫م‬ ‫خ‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫و‬ ‫ب‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫و‬ ‫ٌ‬ ‫أ‬‫م‬ ‫َ‬ ‫ظ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫صي‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ َ ٌ َ َ ْ َ َ ٌ‬ ‫ُ ِ ُُ ْ‬ ‫يَ ْ ُ ِ ْ ِ ِ ْ َ ْ َ ِ ِ ِ ِ ّ ُ ْ‬
‫ه‬‫ن‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ذ‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ه‬‫س‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫أ‬‫ب‬ ‫بوا‬ ‫غ‬ ‫ر‬
‫ب‬‫ن عَد ُوّ ن َي ًْل إ ِّل ك ُت ِ َ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫فاَر وََل ي ََناُلو َ‬ ‫ظ ال ْك ُ ّ‬ ‫موْط ًِئا ي َِغي ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ل الل ّهِ وََل ي َط َُئو َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ِفي َ‬
‫ن )‪ (120‬وََل ي ُن ْفِ ُ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ق ً‬ ‫ف َ‬
‫ن نَ َ‬‫قو َ‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جَر ال ْ ُ‬ ‫ضيعُ أ ْ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ح إِ ّ‬
‫صال ِ ٌ‬‫ل َ‬ ‫م ٌ‬ ‫م ب ِهِ عَ َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كاُنوا‬ ‫ن َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫م الل ُ‬ ‫جزِي َهُ ُ‬ ‫م ل ِي َ ْ‬ ‫ب لهُ ْ‬ ‫ن َوادًِيا إ ِل ك ُت ِ َ‬ ‫قطُعو َ‬ ‫صِغيَرة ً وَل ك َِبيَرة ً وَل ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(121‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ي َعْ َ‬

‫يكتب عند الله كذابا"‪.‬‬


‫أخرجاه في الصحيحين‪(1) .‬‬
‫مّرة ‪ ،‬سمع أبا عبيدة يحدث عن عبد الله بن‬ ‫وقال شعبة ‪ ،‬عن عمرو بن ُ‬
‫مسعود ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أنه قال ‪] :‬إن[ )‪ (2‬الكذب ل يصلح منه جد ول‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬
‫كوُنوا ِ‬ ‫قوا الل ّ َ‬
‫ه وَ ُ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬
‫نآ َ‬ ‫هزل ‪ ،‬اقرءوا إن شئتم ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن { )‪ - (3‬هكذا قرأها ‪ -‬ثم قال ‪ :‬فهل تجدون لحد فيه رخصة‪.‬‬ ‫صادِِقي َ‬
‫ال ّ‬
‫ن { مع محمد صلى‬ ‫صادِِقي َ‬‫معَ ال ّ‬ ‫ه وَ ُ‬
‫كوُنوا َ‬ ‫ّ‬
‫قوا الل َ‬ ‫وعن عبد الله بن عمر ‪ } :‬ات ّ ُ‬
‫الله عليه وسلم وأصحابه‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬مع أبي بكر وعمر وأصحابهما‪(4) .‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬إن أردت أن تكون مع الصادقين ‪ ،‬فعليك بالزهد في‬
‫الدنيا ‪ ،‬والكف عن أهل الملة‪.‬‬
‫َ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫فوا عَ ْ‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ن العَْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫حوْل َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫دين َةِ وَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ن ل َهْ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫} َ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ص ٌ‬
‫م َ‬ ‫خ َ‬‫م ْ‬‫ب َول َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫مأ َول ن َ َ‬ ‫م ظَ َ‬ ‫صيب ُهُ ْ‬ ‫م ل يُ ِ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫سهِ ذ َل ِ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫َول ي َْرغَُبوا ب ِأن ْ ُ‬
‫ب‬‫ن عَد ُوّ ن َْيل ِإل ك ُت ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ُ‬
‫فاَر َول ي ََنالو َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫موْط ًِئا ي َِغيظ الك ُ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ل الل ّهِ َول ي َطُئو َ‬
‫َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ِفي َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪{ (120‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جَر ال ُ‬ ‫ضيعُ أ ْ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ح إِ ّ‬ ‫صال ِ ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫م ٌ‬ ‫م ب ِهِ عَ َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫يعاتب تعالى المتخّلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ت َُبوك‬
‫‪ ،‬من أهل المدينة ومن حولها من أحياء العرب ‪ ،‬ورغبتهم بأنفسهم عن‬
‫صوا أنفسهم من الجر ؛ لنهم )‬ ‫ق ُ‬ ‫مواساته فيما حصل من المشقة ‪ ،‬فإنهم ن َ َ‬
‫ب { وهو ‪ :‬التعب } َول‬ ‫‪ } (5‬ل يصيبهم ظ َ ٌ‬
‫ص ٌ‬‫مأ { وهو ‪ :‬العطش } َول ن َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ِ ُُ ْ‬
‫فاَر { أي ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫موْط ًِئا ي َِغيظ الك ّ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ة { وهي ‪ :‬المجاعة )‪َ } (6‬ول ي َطُئو َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫م َ‬‫خ َ‬ ‫م ْ‬‫َ‬
‫ن { منه ظفًرا وغلبة عليه إل كتب‬ ‫ُ‬
‫ب عدوهم } َول ي ََنالو َ‬ ‫ينزلون منزل )‪ُ (7‬يره ُ‬
‫الله لهم بهذه العمال التي ليست داخلة تحت قدرتهم ‪ ،‬وإنما هي ناشئة عن‬
‫َ‬
‫ن { كما‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫جَر ال ْ ُ‬ ‫ضيعُ أ ْ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫أفعالهم ‪ ،‬أعمال صالحة وثوابا جزيل } إ ِ ّ‬
‫مل { ]الكهف ‪.[30 :‬‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬إنا ل نضيع أ َجر م َ‬
‫ن َ َ‬ ‫ع‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ُ ِ ُ ْ َ َ ْ‬ ‫ِّ‬
‫م‬ ‫ه‬‫ي‬ ‫ز‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫ِ َ ُ ْ َِ ْ َُِ ُ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ت‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫إل‬ ‫ُ َ َ ًِ ِ‬‫يا‬ ‫د‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫عو‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ول‬
‫ِ َ ً َ َ‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫بي‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ول‬‫ف ً َ ِ َ ً َ‬
‫ة‬ ‫ر‬ ‫غي‬ ‫ص‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن نَ َ‬ ‫قو َ‬ ‫} َول ي ُن ْفِ ُ‬
‫الل ّ َ‬
‫ن )‪{ (121‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬
‫صِغيَرةً َول‬ ‫َ‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫}‬ ‫الله‬ ‫سبيل‬ ‫في‬ ‫الغزاة‬ ‫هؤلء‬ ‫ينفق‬ ‫ول‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫يقول‬
‫ك َِبيَرةً { أي ‪ :‬قليل ول كثيرا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (1/384‬وصحيح البخاري برقم )‪ (6094‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪.(2607‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬مع"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬وأصحابهم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لنه"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬المجامعة"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬مال"‪.‬‬

‫) ‪(4/234‬‬

‫قُهوا‬
‫ف ّ‬
‫ة ل ِي َت َ َ‬
‫ف ٌ‬ ‫م َ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫ل فِْرقَةٍ ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫فَر ِ‬ ‫ة فَل َوَْل ن َ َ‬ ‫فُروا َ‬
‫كافّ ً‬ ‫ن ل ِي َن ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(122‬‬ ‫حذ َُرو َ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م لعَلهُ ْ‬ ‫َ‬
‫جُعوا إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫م إ َِذا َر َ‬ ‫ن وَل ِي ُن ْذُِروا قَوْ َ‬
‫مهُ ْ‬ ‫دي ِ‬
‫ِفي ال ّ‬

‫م { ولم يقل‬ ‫ب ل َهُ ْ‬‫ن َوادًِيا { أي ‪ :‬في السير إلى العداء } ِإل ك ُت ِ َ‬‫قط َُعو َ‬ ‫} َول ي َ ْ‬
‫ن‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ز‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫ولهذا‬ ‫؛‬ ‫عنهم‬ ‫صادرة‬ ‫أفعال‬ ‫هذه‬ ‫لن‬ ‫"به"‬ ‫ها هنا‬
‫ُ ْ َ َ‬ ‫َِ ْ َُِ ُ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مُلو َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬
‫َ‬
‫وقد حصل لمير المؤمنين عثمان بن عفان ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬من هذه الية‬
‫الكريمة حظ وافر ‪ ،‬ونصيب عظيم ‪ ،‬وذلك أنه أنفق في هذه الغزوة النفقات‬
‫الجليلة ‪ ،‬والموال الجزيلة ‪ ،‬كما قال عبد الله بن المام أحمد ‪:‬‬
‫كن بن‬‫س َ‬ ‫حدثنا أبو موسى العنزي ‪ ،‬حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ‪ ،‬حدثني َ‬
‫المغيرة ‪ ،‬حدثني الوليد بن أبي هاشم ‪ ،‬عن فرقد أبي طلحة ‪ ،‬عن عبد‬
‫خّباب السلمي قال ‪ :‬خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫الرحمن بن َ‬
‫ي‬
‫فحث على جيش العسرة ‪ ،‬فقال عثمان بن عفان ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬عل ّ‬
‫ي مائة أخرى‬ ‫مائة بعير بأحلسها وأقتابها‪ .‬قال ‪ :‬ثم حث ‪ ،‬فقال عثمان ‪ :‬عل ّ‬
‫بأحلسها وأقتابها‪ .‬قال ‪ :‬ثم نزل مْرقاة من المنبر ثم حث ‪ ،‬فقال عثمان بن‬
‫ى مائة أخرى بأحلسها وأقتابها‪ .‬قال ‪ :‬فرأيت رسول الله صلى‬ ‫عفان ‪ :‬عل ّ‬
‫الله عليه وسلم يقول بيده هكذا ‪ -‬يحركها‪ .‬وأخرج عبد الصمد يده‬
‫كالمتعجب ‪" :‬ما على عثمان ما عمل بعد هذا"‪(1) .‬‬
‫مَرة ‪ ،‬حدثنا عبد الله‬ ‫ض ْ‬ ‫وقال عبد الله أيضا ‪ :‬حدثنا هارون بن معروف ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫مرة‬ ‫س ُ‬ ‫ذب ‪ ،‬عن عبد الله بن القاسم ‪ ،‬عن كثير مولى عبد الرحمن بن َ‬ ‫شوْ َ‬‫بن َ‬
‫‪ ،‬عن عبد الرحمن بن سمرة قال ‪ :‬جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه‬
‫جّهز النبي صلى الله عليه وسلم جيش‬ ‫وسلم بألف دينار في ثوبه حين )‪َ (2‬‬
‫العسرة قال ‪ :‬فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فجعل النبي‬
‫ضّر ابن عفان ما عمل بعد‬ ‫صلى الله عليه وسلم يقلبها بيده ويقول ‪" :‬ما َ‬
‫اليوم"‪ .‬يرددها مرارا‪(3) .‬‬
‫م { الية ‪ :‬ما‬ ‫ب لهُ ْ‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن َوادًِيا ِإل كت ِ َ‬ ‫قطُعو َ‬ ‫َ‬ ‫وقال قتادة في قوله تعالى ‪َ } :‬ول ي َ ْ‬
‫دا إل ازدادوا من الله قربا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بع‬ ‫ازداد قوم من أهليهم في سبيل الله‬
‫ة‬
‫ف ٌ‬ ‫م َ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ل فِْرقَةٍ ِ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫فَر ِ‬‫ول ن َ َ‬ ‫ة فَل َ ْ‬ ‫كافّ ً‬ ‫فُروا َ‬ ‫ن ل ِي َن ْ ِ‬
‫مُنو َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫} وَ َ‬
‫ن )‪{ (122‬‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫جُعوا إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫م إ َِذا َر َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ن وَل ِي ُن ْذُِروا قَوْ َ‬‫دي ِ‬ ‫قُهوا ِفي ال ّ‬ ‫ف ّ‬
‫ل ِي َت َ َ‬
‫هذا بيان من الله تعالى لما أراد من َنفير الحياء مع الرسول في غزوة تبوك ‪،‬‬
‫فإنه قد ذهب طائفة من السلف إلى أنه كان يجب النفير على كل مسلم إذا‬
‫فاًفا‬‫خ َ‬‫فُروا ِ‬ ‫خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا قال تعالى ‪ } :‬ان ْ ِ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫حوْل َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫دين َةِ وَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ن لهْ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫قال { ]التوبة ‪ ، [41 :‬وقال ‪َ } :‬‬ ‫وَث ِ َ‬
‫ل اللهِ { ]التوبة ‪ ، [120 :‬قالوا ‪ :‬فنسخ ذلك‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫فوا عَ ْ‬ ‫خل ُ‬ ‫ن ي َت َ َ‬
‫بأ ْ‬ ‫العَْرا ِ‬
‫بهذه الية‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زوائد المسند )‪ (4/75‬ورواه الترمذي في السنن برقم )‪ (3700‬من‬
‫طريق السكن بن المغيرة به ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث غريب من هذا‬
‫الوجه ل نعرفه إل من حديث السكن بن المغيرة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬حتى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زوائد المسند )‪ (5/63‬ورواه الترمذي في السنن برقم )‪ (3701‬من‬
‫طريق الحسن بن واقع عن ضمرة بن ربيعة به ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث‬
‫حسن غريب من هذا الوجه"‪.‬‬

‫) ‪(4/235‬‬

‫وقد يقال ‪ :‬إن هذا بيان لمراده تعالى من نفير الحياء كلها ‪ ،‬وشرذمة من كل‬
‫قبيلة إن لم يخرجوا كلهم ‪ ،‬ليتفقه الخارجون مع الرسول بما ينزل من الوحي‬
‫عليه ‪ ،‬وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم بما كان من أمر العدو ‪ ،‬فيجتمع لهم‬
‫المران في هذا ‪ :‬النفير المعين وبعده ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ ،‬تكون‬
‫الطائفة النافرة من الحي إما للتفقه وإما للجهاد ؛ فإنه فرض كفاية على‬
‫الحياء‪.‬‬
‫فُروا‬
‫ن ل ِي َن ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ْ‬
‫مؤ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫َ‬
‫ما كا َ‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬وَ َ‬
‫ة { يقول ‪ :‬ما كان المؤمنون لينفروا جميعا ويتركوا النبي صلى الله عليه‬ ‫كافّ ً‬ ‫َ‬
‫ة { يعني ‪ :‬عصبة ‪ ،‬يعني ‪:‬‬ ‫ف ٌ‬ ‫م َ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل فِْرقَةٍ ِ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫فَر ِ‬ ‫وسلم وحده ‪ } ،‬فَل َ ْ‬
‫ول ن َ َ‬
‫السرايا ‪ ،‬ول ي ََتسّروا )‪ (1‬إل بإذنه ‪ ،‬فإذا رجعت السرايا وقد نزل بعدهم قرآن‬
‫تعلمه القاعدون من النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إن الله قد أنزل‬
‫على نبيكم قرآنا ‪ ،‬وقد تعلمناه‪ .‬فتمكث السرايا يتعلمون ما أنزل الله على‬
‫ن{‬ ‫دي ِ‬ ‫قُهوا ِفي ال ّ‬ ‫ف ّ‬
‫نبيهم بعدهم ‪ ،‬ويبعث سرايا أخرى ‪ ،‬فذلك قوله ‪ } :‬ل ِي َت َ َ‬
‫يقول ‪ :‬ليتعلموا ما أنزل الله على نبيهم ‪ ،‬وليعلموا السرايا إذا رجعت إليهم }‬
‫ن {‪.‬‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م يَ ْ‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬نزلت هذه الية في أناس من أصحاب محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬خرجوا في البوادي ‪ ،‬فأصابوا من الناس معروفا ‪ ،‬ومن الخصب )‪(2‬‬
‫ما ينتفعون به ‪ ،‬ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى ‪ ،‬فقال الناس لهم ‪:‬‬
‫ما نراكم إل وقد تركتم أصحابكم وجئتمونا‪ .‬فوجدوا في أنفسهم من ذلك‬
‫تحرجا ‪ ،‬وأقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ة { يبتغون )‪(3‬‬ ‫ف ٌ‬ ‫م َ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل فِْرقَةٍ ِ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫فَر ِ‬ ‫ول ن َ َ‬ ‫‪ ،‬فقال الله ‪ ،‬عز وجل ‪ } :‬فَل َ ْ‬
‫ن[ { )‪ (4‬وليستمعوا ما في الناس ‪ ،‬وما أنزل‬ ‫دي ِ‬ ‫قُهوا ]ِفي ال ّ‬ ‫ف ّ‬‫الخير ‪ } ،‬ل ِي َت َ َ‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م لعَلهُ ْ‬ ‫َ‬
‫جُعوا إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫َ‬
‫م { الناس كلهم } إ ِذا َر َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫َ‬
‫الله بعدهم ‪ } ،‬وَل ِي ُن ْذُِروا قوْ َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫وقال قتادة في هذه الية ‪ :‬هذا إذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫الجيوش ‪ ،‬أمرهم الله أل ُيعَرْوا )‪ (5‬نبّيه صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وتقيم طائفة‬
‫مع رسول الله تتفقه في الدين ‪ ،‬وتنطلق طائفة تدعو قومها ‪ ،‬وتحذرهم‬
‫وقائع الله فيمن خل قبلهم‪.‬‬
‫ل‬‫ل الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا بنفسه لم يح ْ‬ ‫وقال الضحاك ‪ :‬كان رسو ُ‬
‫لحد من المسلمين أن يتخلف عنه ‪ ،‬إل أهل العذار‪ .‬وكان إذا أقام فاسترت‬
‫السرايا لم يحل لهم أن ينطلقوا إل بإذنه ‪ ،‬فكان الرجل إذا استرى فنزل بعده‬
‫قرآن ‪ ،‬تله رسول )‪ (6‬الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه القاعدين )‪(7‬‬
‫معه ‪ ،‬فإذا رجعت السرية قال لهم الذين أقاموا مع رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ :‬إن الله أنزل بعدكم على نبيه قرآنا‪ .‬فيقرئونهم ويفقهونهم في‬
‫ة { يقول إذا أقام رسول‬ ‫كافّ ً‬ ‫فُروا َ‬ ‫ن ل ِي َن ْ ِ‬‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫الدين ‪ ،‬وهو قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ة { يعني بذلك ‪ :‬أنه ل ينبغي‬ ‫ف ٌ‬ ‫َ‬
‫م طائ ِ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ل فِْرقةٍ ِ‬ ‫ن كُ ّ‬‫م ْ‬ ‫فَر ِ‬‫ول ن َ َ‬ ‫الله } فَل َ ْ‬
‫للمسلمين أن ينفروا جميعا ونبي الله صلى الله عليه وسلم قاعد ‪ ،‬ولكن إذا‬
‫ظم )‪ (8‬الناس‪.‬‬ ‫قعد نبي الله تسرت السرايا ‪ ،‬وقعد معه عُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في جميع النسخ ‪" :‬يسيروا" والمثبت من الطبري ومستفاد من ط‪.‬‬
‫الشعب‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ك ‪" :‬الخطب"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬يتبعون"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬أن ل يغزوا" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬أن يغزوا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬نبي"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬القاعدون"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عظيم"‪.‬‬

‫) ‪(4/236‬‬
‫ن‬‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫وقال ]علي[ )‪ (1‬بن أبي طلحة أيضا عن ابن عباس ‪ :‬قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ة { فإنها ليست في الجهاد ‪ ،‬ولكن لما دعا رسول الله‬ ‫كافّ ً‬ ‫فُروا َ‬ ‫ن ل ِي َن ْ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مضر بالسنين أجدبت بلدهم ‪ ،‬وكانت القبيلة‬ ‫صلى الله عليه وسلم على ُ‬
‫منهم ُتقِبل بأسرها حتى يحلوا بالمدينة من الجهد ‪ ،‬ويعتّلوا بالسلم وهم‬
‫كاذبون‪ .‬فضيقوا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأجهدوهم‪ .‬فأنزل‬
‫الله يخبر رسوله أنهم ليسوا مؤمنين ‪ ،‬فردهم رسول الله إلى عشائرهم ‪،‬‬
‫جُعوا‬ ‫م إ َِذا َر َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ذر قومهم أن يفعلوا فعلهم ‪ ،‬فذلك قوله ‪ } :‬وَل ِي ُن ْذُِروا قَوْ َ‬ ‫وح ّ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫م لعَلهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية ‪ :‬كان ينطلق من كل حي من‬
‫العرب عصابة ‪ ،‬فيأتون النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬فيسألونه عما يريدون‬
‫من أمر دينهم ‪ ،‬ويتفقهون في دينهم ‪ ،‬ويقولون لنبي الله ‪ :‬ما تأمرنا أن نفعله‬
‫؟ وأخبرنا ]ما نقول[ )‪ (2‬لعشائرنا إذا قدمنا انطلقنا إليهم‪ .‬قال ‪ :‬فيأمرهم‬
‫نبي الله بطاعة الله وطاعة رسوله ‪ ،‬ويبعثهم إلى قومهم بالصلة والزكاة‪.‬‬
‫وكانوا إذا أتوا قومهم نادوا ‪ :‬إن من أسلم فهو منا ‪ ،‬وينذرونهم ‪ ،‬حتى إن‬
‫الرجل ليفارق أباه وأمه ‪ ،‬وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرهم‬
‫وينذرهم قومهم ‪ ،‬فإذا رجعوا إليهم يدعونهم إلى السلم وينذرونهم النار‬
‫ويبشرونهم بالجنة‪.‬‬
‫م عَ َ‬
‫ذاًبا‬ ‫فُروا ي ُعَذ ّب ْك ُ ْ‬ ‫وقال عكرمة ‪ :‬لما نزلت هذه الية ‪] :‬الشريفة[ )‪ِ } (3‬إل ت َن ْ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫حوْل َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫دين َةِ وَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬‫ن لهْ ِ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫ما )‪] { (4‬التوبة ‪ ، [39 :‬و } َ‬ ‫أِلي ً‬
‫َ‬
‫ه[ { ]التوبة ‪ (5) ، [120 :‬قال المنافقون‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫فوا ]عَ ْ‬ ‫خل ّ ُ‬‫ن ي َت َ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫العَْرا ِ‬
‫‪ :‬هلك أصحاب البدو الذين تخلفوا عن محمد ولم ينفروا معه‪ .‬وقد كان ناس‬
‫من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجوا إلى البدو إلى قومهم‬
‫ول‬ ‫َ‬
‫ة فَل ْ‬ ‫كافّ ً‬ ‫فُروا َ‬ ‫ن ل ِي َن ْ ِ‬‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫يفقهونهم ‪ ،‬فأنزل الله ‪ ،‬عز وجل ‪ } :‬وَ َ‬
‫هّ‬
‫ن ِفي الل ِ‬ ‫جو َ‬ ‫حا ّ‬‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ة { الية ‪ ،‬ونزلت ‪َ } :‬وال ِ‬ ‫ف ٌ‬ ‫م َ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل فِْرقَةٍ ِ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫فَر ِ‬ ‫نَ َ‬
‫ه { الية ]الشورى ‪.[16 :‬‬ ‫َ‬
‫بل ُ‬ ‫جي َ‬ ‫ست ُ ِ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫قُهوا ِفي‬ ‫ف ّ‬‫ة ل ِي َت َ َ‬‫ف ٌ‬‫م طائ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ل فِْرقَةٍ ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ُ‬
‫نك ّ‬ ‫م ْ‬‫فَر ِ‬ ‫ول ن َ َ‬ ‫َ‬
‫وقال الحسن البصري ‪ } :‬فَل ْ‬
‫ن { قال ‪ :‬ليتفقه الذين خرجوا ‪ ،‬بما يردهم الله من الظهور على‬ ‫دي ِ‬ ‫ال ّ‬
‫المشركين ‪ ،‬والنصرة ‪ ،‬وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬يعذبكم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/237‬‬

‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫ة َواعْل َ ُ‬
‫موا‬ ‫م ِغل ْظ َ ً‬
‫دوا ِفيك ُ ْ‬ ‫فارِ وَل ْي َ ِ‬
‫ج ُ‬ ‫ن ال ْك ُ ّ‬
‫م َ‬ ‫ن ي َُلون َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫مُنوا َقات ُِلوا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(123‬‬ ‫قي َ‬ ‫معَ ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫أ ّ‬

‫م ِغل ْظ َ ً‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫دوا ِفيك ُ ْ‬ ‫فارِ وَل ْي َ ِ‬
‫ج ُ‬ ‫ن ال ْك ُ ّ‬
‫م َ‬ ‫ن ي َُلون َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫مُنوا َقات ُِلوا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫نآ َ‬ ‫} َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫ن )‪{ (123‬‬ ‫قي َ‬ ‫معَ ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬‫موا أ ّ‬ ‫َواعْل َ ُ‬
‫أمر الله تعالى المؤمنين أن يقاتلوا الكفار أول فأول القرب فالقرب إلى‬
‫حوزة السلم ؛ ولهذا بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين‬
‫في جزيرة العرب ‪ ،‬فلما فرغ منهم وفتح الله عليه مكة والمدينة ‪ ،‬والطائف ‪،‬‬
‫واليمن واليمامة ‪ ،‬وهجر ‪ ،‬وخيبر ‪ ،‬وحضرموت ‪ ،‬وغير ذلك من أقاليم جزيرة‬
‫العرب ‪،‬‬

‫) ‪(4/237‬‬

‫ودخل الناس من سائر أحياء العرب في دين الله أفواجا ‪ ،‬شرع في قتال أهل‬
‫الكتاب ‪ ،‬فتجهز لغزو الروم الذين هم أقرب الناس إلى جزيرة العرب ‪،‬‬
‫وأولى الناس بالدعوة إلى السلم لكونهم أهل الكتاب ‪ ،‬فبلغ تبوك ثم رجع‬
‫دب البلد )‪ (1‬وضيق الحال ‪ ،‬وكان ذلك سنة تسع من‬ ‫ج ْ‬‫لجل جْهد الناس و َ‬
‫هجرته ‪ ،‬عليه السلم‪(2) .‬‬
‫جة الوداع‪ .‬ثم عاجلته المنية ‪ ،‬صلوات‬ ‫ح ّ‬ ‫ثم اشتغل في السنة العاشرة بحجته َ‬
‫الله وسلمه عليه ‪ ،‬بعد الحجة بأحد وثمانين يوما ‪ ،‬فاختاره الله لما عنده‪.‬‬
‫وقام بالمر بعده وزيره وصديقه وخليفته أبو بكر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬وقد مال‬
‫الدين ميلة كاد أن ينجفل ‪ ،‬فثبته الله تعالى به فوطد القواعد ‪ ،‬وثبت الدعائم‪.‬‬
‫ورد شارد الدين وهو راغم‪ .‬ورد أهل )‪ (3‬الردة إلى السلم ‪ ،‬وأخذ الزكاة‬
‫ممن منعها من الطغام ‪ ،‬وبين الحق لمن جهله ‪ ،‬وأدى عن الرسول ما حمله‪.‬‬
‫ثم شرع في تجهيز الجيوش السلمية إلى الروم عَب َد َةِ الصلبان )‪ (4‬وإلى‬
‫الفرس عبدة النيران ‪ ،‬ففتح الله ببركة سفارته البلد ‪ ،‬وأرغم أنفس كسرى‬
‫وقيصر ومن أطاعهما من العباد‪ .‬وأنفق كنوزهما في سبيل الله ‪ ،‬كما أخبر‬
‫بذلك رسول الله‪.‬‬
‫وكان تمام المر على يدي وصّيه من بعده ‪ ،‬وولي عهده الفاروق الّواب ‪،‬‬
‫شهيد المحراب ‪ ،‬أبي حفص عمر بن الخطاب ‪ ،‬فأرغم الله به أنوف الكفرة‬
‫الملحدين ‪ ،‬وقمع الطغاة والمنافقين ‪ ،‬واستولى على الممالك شرًقا وغرًبا‪.‬‬
‫دا وُقربا‪ .‬ففرقها على الوجه‬ ‫وحملت إليه خزائن الموال من سائر القاليم بع ً‬
‫الشرعي ‪ ،‬والسبيل المرضي‪.‬‬
‫دا ‪ ،‬أجمع الصحابة من المهاجرين والنصار‪.‬‬ ‫دا وقد عاش حمي ً‬ ‫ثم لما مات شهي ً‬
‫على خلفة أمير المؤمنين ]أبي عمرو[ )‪ (5‬عثمان بن عفان شهيد الدار‪.‬‬
‫فكسى السلم ]بجلله[ )‪ (6‬رياسة حلة سابغة‪ .‬وأمدت )‪ (7‬في سائر‬
‫القاليم على رقاب العباد حجة الله البالغة ‪ ،‬وظهر السلم في مشارق‬
‫الرض ومغاربها ‪ ،‬وعلت كلمة الله وظهر دينه‪ .‬وبلغت المة الحنيفية من‬
‫أعداء الله غاية مآربها ‪ ،‬فكلما عََلوا أمة انتقلوا إلى من بعدهم ‪ ،‬ثم الذين‬
‫مُنوا َقات ُِلوا‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫يلونهم من العتاة الفجار ‪ ،‬امتثال لقوله تعالى ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ة { ]أي ‪:‬‬ ‫م ِغل ْظ َ ً‬ ‫دوا ِفيك ُ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫فارِ { وقوله تعالى ‪ } :‬وَل ْي َ ِ‬ ‫ن ال ْك ُ ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ي َُلون َك ُ ْ‬
‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫وليجد الكفار منكم )‪ (8‬غلظة[ )‪ (9‬عليهم في قتالكم لهم ‪ ،‬فإن المؤمن‬
‫ظا على عدوه الكافر ‪ ،‬كما‬ ‫الكامل هو الذي يكون رفيقا لخيه المؤمن ‪ ،‬غلي ً‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ه أذِل ّةٍ عََلى ال ْ ُ‬ ‫حّبون َ ُ‬ ‫م وَي ُ ِ‬ ‫حب ّهُ ْ‬ ‫قوْم ٍ ي ُ ِ‬ ‫ه بِ َ‬‫ف ي َأِتي الل ّ ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬فَ َ‬
‫هّ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫مد ٌ َر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن { ]المائدة ‪ ، [54 :‬وقال تعالى ‪ُ } :‬‬ ‫ري َ‬‫كافِ ِ‬ ‫عّزةٍ عََلى ال ْ َ‬ ‫أَ ِ‬
‫م { ]الفتح ‪ ، [29 :‬وقال تعالى ‪} :‬‬ ‫داُء عََلى ال ْك ُ ّ‬ ‫وال ّذين مع َ‬
‫ماُء ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫فارِ ُر َ‬ ‫ش ّ‬ ‫هأ ِ‬ ‫َ ِ َ َ َ ُ‬
‫م { ]التوبة ‪، 73 :‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن َواغلظ عَلي ْهِ ْ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫فاَر َوال ُ‬ ‫جاهِدِ الك ّ‬ ‫ي َ‬ ‫َيا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫والتحريم ‪ ، [9 :‬وفي الحديث ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫حوك في وجه وليه ‪،‬‬ ‫ض ُ‬
‫قّتال" ‪ ،‬يعني ‪ :‬أنه َ‬ ‫ضحوك ال َ‬ ‫"أنا ال ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬الناس"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬آل"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬الصنام"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬وامتدت"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيكن"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/238‬‬

‫ذي َ‬ ‫َ‬ ‫قو ُ َ‬ ‫ُ‬


‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬‫ما ال ّ ِ َ‬‫ماًنا فَأ ّ‬ ‫ه هَذِهِ ِإي َ‬‫م َزاد َت ْ ُ‬‫ل أي ّك ُ ْ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬‫من ْهُ ْ‬‫سوَرة ٌ فَ ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫ما أن ْزِل َ ْ‬ ‫وَإ َِذا َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ض فَزاد َت ْهُ ْ‬‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي قلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ِ‬ ‫ن )‪ (124‬وَأ ّ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ماًنا وَهُ ْ‬
‫م ِإي َ‬ ‫فََزاد َت ْهُ ْ‬
‫ن )‪(125‬‬ ‫كافُِرو َ‬‫م َ‬ ‫ماُتوا وَهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫سا إ َِلى رِ ْ‬
‫ج ِ‬ ‫ج ً‬ ‫رِ ْ‬

‫قَّتال لهامة عدوه‪.‬‬


‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬قاتلوا الكفار ‪ ،‬وتوكلوا على‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫معَ ال ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬واعْل َ ُ‬
‫الله ‪ ،‬واعلموا أن الله معكم إن اتقيتموه وأطعتموه‪.‬‬
‫وهكذا المر لما كانت القرون الثلثة الذين هم خير هذه المة ‪ ،‬في غاية‬
‫الستقامة ‪ ،‬والقيام بطاعة الله تعالى ‪ ،‬لم يزالوا ظاهرين على عدوهم ‪ ،‬ولم‬
‫سفال وخسار‪ .‬ثم لما وقعت‬ ‫تزل الفتوحات كثيرة ‪ ،‬ولم تزل العداء في َ‬
‫الفتن والهواء والختلفات بين الملوك ‪ ،‬طمع العداء في أطراف البلد ‪،‬‬
‫وتقدموا إليها ‪ ،‬فلم يمانعوا لشغل الملوك بعضهم ببعض ‪ ،‬ثم تقدموا إلى‬
‫حوزة السلم ‪ ،‬فأخذوا من الطراف بلدانا كثيرة ‪ ،‬ثم لم يزالوا حتى‬
‫استحوذوا على كثير من بلد السلم ‪ ،‬ولله ‪ ،‬سبحانه ‪ ،‬المر من قبل ومن‬
‫بعد‪ .‬فكلما )‪ (1‬قام ملك من ملوك السلم ‪ ،‬وأطاع أوامر الله ‪ ،‬وتوكل على‬
‫الله ‪ ،‬فتح الله عليه من البلد ‪ ،‬واسترجع من العداء بحسبه ‪ ،‬وبقدر ما فيه‬
‫من ولية الله‪ .‬والله المسئول المأمول أن يمكن المسلمين من نواصي‬
‫أعدائه الكافرين ‪ ،‬وأن يعلي كلمتهم في سائر القاليم ‪ ،‬إنه جواد كريم‪.‬‬
‫َ‬ ‫قو ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬ ‫ماًنا فَأ ّ‬ ‫ه هَذِهِ ِإي َ‬ ‫م َزاد َت ْ ُ‬ ‫ل أي ّك ُ ْ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫سوَرة ٌ فَ ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫ما أنزل َ ْ‬ ‫} وَإ َِذا َ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي قُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ما ال ِ‬ ‫ن )‪ (124‬وَأ ّ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ماًنا وَهُ ْ‬ ‫م ِإي َ‬ ‫مُنوا فََزاد َت ْهُ ْ‬ ‫آ َ‬
‫ن )‪{ (125‬‬ ‫م كافُِرو َ‬ ‫َ‬ ‫ماُتوا وَهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫سا إ ِلى رِ ْ‬ ‫ج ً‬ ‫م رِ ْ‬ ‫فََزاد َت ْهُ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫قو ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫ل أي ّك ْ‬ ‫ن يَ ُ‬‫م ْ‬‫سوَرة ٌ { فمن المنافقين } َ‬ ‫ت ُ‬ ‫ما أنزل ْ‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬وَإ َِذا َ‬
‫ماًنا { ؟ أي ‪ :‬يقول بعضهم لبعض أيكم زادته هذه السورة‬ ‫ه هَذِهِ ِإي َ‬ ‫َزاد َت ْ ُ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ماًنا وَهُ ْ‬ ‫م ِإي َ‬‫مُنوا فَزاد َت ْهُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ِ‬ ‫إيمانا ؟ قال الله تعالى ‪ } :‬فأ ّ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫وهذه الية من أكبر الدلئل على أن اليمان يزيد وينقص ‪ ،‬كما هو مذهب أكثر‬
‫السلف والخلف من أئمة العلماء ‪ ،‬بل قد حكى الجماع على ذلك غير واحد ‪،‬‬
‫وقد بسط الكلم على هذه المسألة في أول "شرح البخاري" رحمه الله ‪،‬‬
‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬زادتهم‬ ‫سهِ ْ‬‫ج ِ‬ ‫سا إ َِلى رِ ْ‬ ‫ج ً‬ ‫م رِ ْ‬ ‫ض فََزاد َت ْهُ ْ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬ ‫} وَأ ّ‬
‫ما‬
‫ن َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫شكا إلى شكهم ‪ ،‬وريبا إلى ريبهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَُننز ُ‬
‫ساًرا { ]السراء ‪، [82 :‬‬ ‫خ َ‬‫ن ِإل َ‬ ‫مي َ‬ ‫زيد ُ ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ن َول ي َ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ة ل ِل ْ ُ‬‫م ٌ‬‫ح َ‬
‫فاٌء وََر ْ‬ ‫ش َ‬
‫هُوَ ِ‬
‫ن ِفي آَذان ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫فاٌء َوال ِ‬
‫ش َ‬ ‫دى وَ ِ‬ ‫مُنوا هُ ً‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫وقال تعالى ‪ } :‬قل هُوَ ل ِل ِ‬
‫ُ‬
‫ن ب َِعيد ٍ { ]فصلت ‪ ، [44 :‬وهذا‬ ‫َ‬
‫مكا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مى أول َئ ِك ي َُناد َوْ َ‬
‫ن ِ‬ ‫َ‬ ‫م عَ ً‬ ‫وَقٌْر وَهُوَ عَل َي ْهِ ْ‬
‫من جملة شقائهم أن ما يهدي القلوب يكون سببا لضللهم ودمارهم ‪ ،‬كما أن‬
‫سيئ المزاج لو غذي بما غذي به ل يزيده إل خبال ونقصا‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬فلما"‪.‬‬

‫) ‪(4/239‬‬

‫َ‬ ‫أ َوَل يرو َ‬


‫ن وََل هُ ْ‬
‫م‬ ‫م َل ي َُتوُبو َ‬
‫ن ثُ ّ‬ ‫مّرت َي ْ ِ‬‫مّرةً أوْ َ‬ ‫عام ٍ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ِفي ك ُ ّ‬ ‫فت َُنو َ‬
‫م يُ ْ‬
‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫َ ََ ْ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ض هَ ْ‬
‫ل ي ََراك ْ‬ ‫م إ ِلى ب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫سوَرة ٌ ن َظَر ب َعْ ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫ما أن ْزِل ْ‬ ‫ن )‪ (126‬وَإ َِذا َ‬ ‫ي َذ ّك ُّرو َ‬
‫م َل ي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(127‬‬ ‫قُهو َ‬‫ف َ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ه قُُلوب َهُ ْ‬
‫م ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬
‫صَر َ‬ ‫صَرُفوا َ‬ ‫م ان ْ َ‬‫حد ٍ ث ُ ّ‬
‫أ َ‬
‫َ‬ ‫ن ِفي ك ُ ّ‬ ‫} أ َول يرو َ‬
‫م‬‫ن َول هُ ْ‬ ‫م ل ي َُتوُبو َ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫مّرت َي ْ ِ‬ ‫مّرةً أوْ َ‬ ‫عام ٍ َ‬ ‫ل َ‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫َ ََ ْ َ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫را‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ن‬ ‫ٌ‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫سو‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫أنز‬ ‫يذ ّك ّرون )‪ (126‬وإَذا ما ُ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َِ َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (127‬‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫م ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ه قُلوب َهُ ْ‬ ‫ف الل ُ‬ ‫صَر َ‬ ‫صَرُفوا َ‬ ‫م ان ْ َ‬ ‫حد ٍ ث ُ ّ‬ ‫أ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬يختبرون }‬ ‫َ‬
‫فت َُنو َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫يقول تعالى ‪ :‬أول يرى هؤلء المنافقون )‪ } (1‬أن ّهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل يتوبون من‬ ‫م ي َذ ّك ُّرو َ‬ ‫ن َول هُ ْ‬ ‫م ل ي َُتوُبو َ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫مّرت َي ْ ِ‬ ‫مّرة ً أوْ َ‬ ‫عام ٍ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ِفي ك ُ ّ‬
‫ذنوبهم السالفة ‪ ،‬ول هم يذكرون فيما يستقبل من أحوالهم‪.‬‬
‫سنة والجوع‪.‬‬ ‫قال مجاهد ‪ :‬يختبرون بال ّ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬بالغزو في السنة مرة أو مرتين‪.‬‬
‫َ‬
‫ضحى ‪ ،‬عن حذيفة ‪ } :‬أَول‬ ‫وقال شريك ‪ ،‬عن جابر ‪ -‬هو الجعفي ‪ -‬عن أبي ال ّ‬
‫ن { قال ‪ :‬كنا نسمع في كل عام‬ ‫َ‬ ‫ن ِفي ك ُ ّ‬ ‫يرو َ‬
‫مّرت َي ْ ِ‬ ‫مّرة ً أوْ َ‬ ‫عام ٍ َ‬ ‫ل َ‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫ََ ْ َ‬
‫كذبة أو كذبتين ‪ ،‬فيضل بها فئام من الناس كثير‪ .‬رواه ابن جرير‪.‬‬
‫وفي الحديث عن أنس ‪" :‬ل يزداد المر إل شدة ‪ ،‬ول يزداد الناس إل شحا ‪،‬‬
‫وما من عام إل والذي بعده شر منه" ‪ ،‬سمعته من نبيكم صلى الله عليه‬
‫وسلم‪(2) .‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫حد ٍ ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ي ََراك ُ ْ‬ ‫ض هَ ْ‬ ‫م إ ِلى ب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫سوَرة ٌ ن َظَر ب َعْ ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫ما أنزل ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ َِذا َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ن { )‪ (3‬هذا أيضا إخبار عن‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫م ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ه قُلوب َهُ ْ‬ ‫ف الل ُ‬ ‫صَر َ‬ ‫صَرُفوا َ‬ ‫ان ْ َ‬
‫المنافقين أنهم إذا أنزلت سورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫ل يراك ُم م َ‬ ‫ض { أي ‪ :‬ت َل َ ّ‬ ‫ضهُ ْ َ‬
‫صَرُفوا {‬ ‫م ان ْ َ‬ ‫حد ٍ ث ُ ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫فُتوا ‪ } ،‬هَ ْ َ َ ْ ِ ْ‬ ‫م إ ِلى ب َعْ ٍ‬ ‫} ن َظ ََر ب َعْ ُ‬
‫أي ‪ :‬تولوا عن الحق وانصرفوا عنه ‪ ،‬وهذا حالهم في الدين ل يثبتون عند‬
‫ن الت ّذ ْك َِر ِ‬
‫ة‬ ‫م عَ ِ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬ ‫الحق ول يقبلونه ول يقيمونه كما قال تعالى ‪ } :‬فَ َ‬
‫َ‬
‫سوََرةٍ { ]المدثر ‪، [51 - 49 :‬‬ ‫ن قَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ة‪ .‬فَّر ْ‬ ‫فَر ٌ‬ ‫ست َن ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مٌر ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ن‪ .‬ك َأن ّهُ ْ‬ ‫ضي َ‬ ‫معْرِ ِ‬ ‫ُ‬
‫ل‬
‫ما ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن وَعَ ِ‬ ‫مي ِ‬ ‫ن الي َ ِ‬ ‫ن‪ .‬عَ ِ‬ ‫مهْط ِِعي َ‬ ‫فُروا قِب َلك ُ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬ف َ‬
‫ن { ]المعارج ‪ ، [37 ، 36 :‬أي ‪ :‬ما لهؤلء القوم يتقللون عنك يمينا‬ ‫زي َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ِ‬
‫وشمال هروبا من الحق ‪ ،‬وذهابا إلى الباطل‪.‬‬
‫ف الل ّه قُُلوبهم { كقوله ‪ } :‬فَل َما زا ُ َ‬
‫غوا أَزاغَ الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ّ َ‬ ‫َُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫صَر َ‬ ‫صَرُفوا َ‬ ‫م ان ْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫م { ]الصف ‪، [5 :‬‬ ‫قُُلوب َهُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬المنافقين"‪.‬‬
‫)‪ (2‬هذا الحديث مركب من حديثين عن أنس ‪ :‬الول ‪ :‬رواه ابن ماجه في‬
‫السنن برقم )‪ (4039‬والحاكم في المستدرك )‪ (4/441‬من طريق محمد بن‬
‫خالد الجندي ‪ ،‬عن أبان ابن صالح ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن أنس رضي الله عنه‬
‫مرفوعا ‪" :‬ل يزداد المر إل شدة ‪ ،‬ول الدنيا إل إدبارا ‪ ،‬ول الناس إل شحا ‪،‬‬
‫ول تقوم الساعة إل على شرار الناس ‪ ،‬وما المهدى إل عيسى ابن مريم"‬
‫ففيه ضعف ونكارة بينهما المؤلف ‪ -‬الحافظ ابن كثير في النهاية في الفتن‬
‫والملحم )‪ .(1/32‬وأما الثاني ‪ :‬فرواه البخاري في صحيحه برقم )‪(7068‬‬
‫من طريق سفيان عن الزبير بن عدي قال ‪ :‬أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه‬
‫ما يلقون من الحجاج ‪ ،‬فقال ‪" :‬اصبروا فإنه ل يأتي عليكم زمان إل والذي‬
‫بعده أشر منه حتى تلقوا ربكم" سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬رآكم"‪.‬‬

‫) ‪(4/240‬‬

‫ن‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م ِبال ْ ُ‬‫ص عَل َي ْك ُ ْ‬
‫ري ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ما عَن ِت ّ ْ‬ ‫زيٌز عَل َي ْهِ َ‬
‫م عَ ِ‬‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫سو ٌ‬
‫ل ِ‬ ‫م َر ُ‬‫جاَءك ُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬‫لَ َ‬
‫و‬
‫ت وَهُ َ‬ ‫ه إ ِّل هُوَ عَل َي ْهِ ت َوَك ّل ْ ُ‬‫ه َل إ ِل َ َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬‫سب ِ َ‬ ‫ح ْ‬‫ل َ‬‫ق ْ‬‫وا فَ ُ‬‫ن ت َوَل ّ ْ‬ ‫م )‪ (128‬فَإ ِ ْ‬ ‫حي ٌ‬‫ف َر ِ‬ ‫َرُءو ٌ‬
‫ظيم ِ )‪(129‬‬ ‫ْ‬
‫ش العَ ِ‬ ‫ْ‬
‫ب العَْر ِ‬ ‫َر ّ‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل يفهمون عن الله خطابه ‪ ،‬ول يقصدون‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫} ب ِأن ّهُ ْ‬
‫لفهمه ول يريدونه ‪ ،‬بل هم في شده )‪ (1‬عنه ونفور منه فلهذا صاروا إلى ما‬
‫صاروا إليه‪.‬‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫ُ‬ ‫} لَ َ‬
‫ص عَلي ْك ْ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ح ِ‬‫م َ‬‫ما عَن ِت ّ ْ‬
‫زيٌز عَلي ْهِ َ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫سك ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن أن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاَءك ْ‬ ‫قد ْ َ‬
‫ه ِإل هُوَ عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬‫سب ِ َ‬ ‫ح ْ‬‫ل َ‬ ‫وا فَ ُ‬
‫ق ْ‬ ‫ن ت َوَل ّ ْ‬ ‫م )‪ (128‬فَإ ِ ْ‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫ن َرُءو ٌ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ِبال ْ ُ‬
‫ظيم ِ )‪{ (129‬‬ ‫ش ال ْعَ ِ‬ ‫ب العَْر ِ‬
‫ت وَهُوَ َر ّ ْ‬ ‫ت َوَك ّل ْ ُ‬
‫يقول تعالى ممتنا على المؤمنين بما أرسل إليهم رسول من أنفسهم ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫ث‬‫من جنسهم وعلى لغتهم ‪ ،‬كما قال إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪َ } :‬رب َّنا َواب ْعَ ْ‬
‫ه عََلى‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫قد ْ َ‬‫م { ]البقرة ‪ ، [129 :‬وقال تعالى ‪ } :‬ل َ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫سول ِ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ِفيهِ ْ‬
‫َ‬
‫م { ]آل عمران ‪ ، [164 :‬وقال‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن أن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سول ِ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ث ِفيهِ ْ‬ ‫ن إ ِذ ْ ب َعَ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬ل َ َ‬
‫م { أي ‪ :‬منكم وبلغتكم ‪ ،‬كما قال‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن أن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬
‫جعفر بن أبي طالب للنجاشي ‪ ،‬والمغيرة بن شعبة لرسول كسرى ‪ :‬إن الله‬
‫بعث فينا رسول منا ‪ ،‬نعرف نسبه وصفته ‪ ،‬ومدخله ومخرجه ‪ ،‬وصدقه‬
‫وأمانته ‪ ،‬وذكر الحديث‪.‬‬
‫عيينة ‪ ،‬عن جعفر بن محمد ‪ ،‬عن أبيه في قوله تعالى ‪:‬‬ ‫وقال سفيان بن ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫} لَ َ‬
‫م { قال ‪ :‬لم يصبه شيء من ولدة الجاهلية ‪،‬‬ ‫سك ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن أن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬
‫سفاح"‪.‬‬ ‫وقال صلى الله عليه وسلم ‪" :‬خرجت من نكاح ‪ ،‬ولم أخرج من ِ‬
‫وقد وصل هذا من وجه آخر ‪ ،‬كما قال الحافظ أبو محمد الحسن بن عبد‬
‫مزي في كتابه "الفاصل بين الراوي والواعي" ‪ :‬حدثنا أبو‬ ‫الرحمن الرامهُْر ُ‬
‫أحمد يوسف بن هارون بن زياد ‪ ،‬حدثنا ابن أبي عمر ‪ ،‬حدثنا محمد بن جعفر‬
‫بن محمد قال ‪ :‬أشهد على أبي لحدثني ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده ‪ ،‬عن علي قال ‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬خرجت من نكاح ولم أخرج من‬
‫سفاح ‪ ،‬من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي لم يمسني )‪ (2‬من سفاح‬
‫الجاهلية شيء"‪(3) .‬‬
‫ت أمته‬ ‫م { أي ‪ :‬يعز عليه الشيء الذي ي َعْن َ ُ‬ ‫ما عَن ِت ّ ْ‬ ‫زيٌز عَل َي ْهِ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬عَ ِ‬
‫ويشق عليها ؛ ولهذا جاء في الحديث المروي من طرق عنه أنه قال ‪" :‬بعثت‬
‫بالحنيفية السمحة" )‪ (4‬وفي الصحيح ‪" :‬إن هذا الدين يسر" )‪ (5‬وشريعته‬
‫كلها سهلة سمحة كاملة ‪ ،‬يسيرة على من يسرها الله تعالى عليه‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬على هدايتكم ووصول النفع الدنيوي والخروي إليكم‪.‬‬ ‫ص عَل َي ْك ُ ْ‬
‫ري ٌ‬
‫ح ِ‬
‫} َ‬
‫قال الطبراني ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ‪ ،‬حدثنا محمد بن عبد الله‬
‫بن يزيد المقرئ ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬شغل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لم يصبني" ‪ ،‬وفي ك ‪" :‬لم يمسسني"‪.‬‬
‫)‪ (3‬الفاصل بين الراوي والواعي )ص ‪ (136‬ورواه الطبراني في الوسط‬
‫برقم )‪" (3483‬مجمع البحرين" من طريق عبد الرحمن الرازي ‪ ،‬عن محمد‬
‫بن أبي عمر به ‪ ،‬وفيه محمد بن جعفر بن محمد بن علي متكلم فيه‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه أحمد في مسنده )‪ (5/266‬عن أبي أمامة ‪ ،‬و)‪ (6/233‬عن عائشة‬
‫رضي الله عنهما‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪ (39‬من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬

‫) ‪(4/241‬‬

‫طر ‪ ،‬عن أبي الطفيل ‪ ،‬عن أبي ذر قال‪ .‬تركنا‬ ‫حدثنا سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن فِ ْ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر )‪ (1‬يقلب جناحيه في الهواء إل‬
‫وهو يذكرنا منه علما ‪ -‬قال ‪ :‬وقال صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما بقي شيء‬
‫ُيقرب من الجنة ويباعد من النار إل وقد بين لكم"‪(2) .‬‬
‫طن ‪ ،‬حدثنا السعودي ‪ ،‬عن الحسن بن‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا ]أبو[ )‪ (3‬فَ َ‬
‫سعد ‪ ،‬عن عبدة الّنهدي ‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫حرمة إل وقد علم أنه سيطلعها‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن الله لم يحرم ُ‬
‫مط َّلع ‪ ،‬أل وإني آخذ بحجزكم أن تهافتوا في النار ‪ ،‬كتهافت الفراش ‪،‬‬ ‫منكم ُ‬
‫أو الذباب"‪(4) .‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن بن موسى ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن علي‬
‫مهَْران ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أن رسول الله‬ ‫دعان ‪ ،‬عن يوسف بن ِ‬ ‫ج ْ‬
‫بن زيد بن ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم أتاه ملكان ‪ ،‬فيما يرى النائم ‪ ،‬فقعد أحدهما عند )‪(5‬‬
‫رجليه والخر عند رأسه‪ .‬فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه ‪ :‬اضرب مثل‬
‫هذا ومثل أمته‪ .‬فقال ‪ :‬إن مثله )‪ (6‬ومثل أمته كمثل قوم سفر انتهوا إلى‬
‫رأس مفازة )‪ (7‬فلم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة )‪ (8‬ول ما‬
‫حّلة ِ‬
‫حب ََرة فقال ‪ :‬أرأيتم إن‬ ‫يرجعون به ‪ ،‬فبينما هم كذلك إذ أتاهم رجل في ُ‬
‫وَردت بكم رياضا معشبة ‪ ،‬وحياضا رواء تتبعوني ؟ فقالوا ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فانطلق بهم ‪ ،‬فأوردهم رياضا معشبة ‪ ،‬وحياضا رواء ‪ ،‬فأكلوا وشربوا وسمنوا‬
‫‪ ،‬فقال لهم ‪ :‬ألم ألفكم على تلك الحال ‪ ،‬فجعلتم لي إن وردت بكم رياضا‬
‫معشبة وحياضا رواء أن تتبعوني ؟ فقالوا ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪ :‬فإن بين أيديكم رياضا‬
‫هي أعشب من هذه ‪ ،‬وحياضا هي أروى من هذه ‪ ،‬فاتبعوني‪ .‬فقالت طائفة ‪:‬‬
‫صدق ‪ ،‬والله لنتبعنه وقالت طائفة ‪ :‬قد رضينا بهذا نقيم عليه‪(9) .‬‬
‫وقال البزار ‪ :‬حدثنا سلمة بن شبيب وأحمد بن منصور قال حدثنا إبراهيم بن‬
‫رمة عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ؛ أن‬ ‫عك ْ ِ‬
‫الحكم بن أبان حدثنا أبي ‪ ،‬عن ِ‬
‫أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستعينه في شيء ‪ -‬قال‬
‫رمة ‪ :‬أراه قال ‪" :‬في دم" ‪ -‬فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫عك ْ ِ‬
‫ِ‬
‫شيئا ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬أحسنت إليك ؟" قال العرابي ‪ :‬ل ول أجملت‪ .‬فغضب بعض‬
‫المسلمين ‪ ،‬وهموا أن يقوموا إليه ‪ ،‬فأشار رسول الله إليهم ‪ :‬أن كفوا‪ .‬فلما‬
‫قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ إلى منزله ‪ ،‬دعا العرابي إلى‬
‫البيت ‪ ،‬فقال له ‪" :‬إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك ‪ ،‬فقلت ما قلت" فزاده‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ‪ ،‬وقال ‪" :‬أحسنت إليك ؟" فقال‬
‫العرابي ‪ :‬نعم ‪ ،‬فجزاك الله من أهل وعشيرة خيًرا‪ .‬قال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬إنك جئتنا تسألنا )‪ (10‬فأعطيناك ‪ ،‬فقلت ما قلت ‪ ،‬وفي أنفس‬
‫أصحابي عليك من ذلك شيء ‪ ،‬فإذا جئت )‪ (11‬فقل بين أيديهم ما قلت بين‬
‫يدي ‪ ،‬حتى يذهب عن صدورهم"‪ .‬قال ‪ :‬نعم‪ .‬فلما جاء العرابي‪ .‬قال )‪(12‬‬
‫إن صاحبكم كان‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬وما من طائر"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المعجم الكبير )‪ (2/155‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (7/265‬رجاله‬
‫رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ وهو ثقة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(1/390‬‬
‫)‪ (5‬في ك ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬مثل هذا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ك ‪" :‬مغازة"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ك ‪" :‬المغازة"‪.‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪ (1/267‬وعلى بن زيد بن جدعان ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬ك ‪" :‬فسألنا" وفي أ ‪" :‬فسألتنا"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪" :‬خرجت"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬

‫) ‪(4/242‬‬

‫جاءنا فسألنا فأعطيناه ‪ ،‬فقال ما قال ‪ ،‬وإنا قد دعوناه فأعطيناه فزعم أنه قد‬
‫رضي ‪] ،‬كذلك يا أعرابي ؟[ )‪ (1‬قال العرابي ‪ :‬نعم ‪ ،‬فجزاك الله من أهل‬
‫وعشيرة خيًرا‪ .‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن مثلي ومثل هذا‬
‫العرابي كمثل رجل كانت له ناقة ‪ ،‬فشردت عليه ‪ ،‬فاتبعها الناس فلم‬
‫يزيدوها إل نفورا‪ .‬فقال لهم صاحب الناقة ‪ :‬خلوا بيني وبين ناقتي ‪ ،‬فأنا أرفق‬
‫بها ‪ ،‬وأعلم بها‪ .‬فتوجه إليها وأخذ لها )‪ (2‬من قََتام الرض ‪ ،‬ودعاها حتى‬
‫حلها وإنه لو أطعتكم حيث قال ما قال لدخل‬ ‫جاءت واستجابت ‪ ،‬وشد عليها ر ْ‬
‫النار"‪ .‬ثم قال البزار ‪ :‬ل نعلمه يروى إل من هذا الوجه‪(3) .‬‬
‫قلت ‪ :‬وهو ضعيف بحال إبراهيم بن الحكم بن أبان ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫ن‬
‫م ِ‬
‫ك لِ َ‬ ‫ح َ‬‫جَنا َ‬ ‫ض َ‬ ‫ف ْ‬ ‫خ ِ‬‫م { كما قال تعالى ‪َ } :‬وا ْ‬ ‫حي ٌ‬‫ف َر ِ‬‫ن َرُءو ٌ‬ ‫مِني َ‬ ‫وقوله ‪ِ } :‬بال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫ل عََلى‬ ‫ن‪ .‬وَت َوَك ّ ْ‬‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬‫م ّ‬‫ريٌء ِ‬ ‫ل إ ِّني ب َ ِ‬ ‫ك فَ ُ‬
‫ق ْ‬ ‫صو ْ َ‬ ‫ن‪ .‬فَإ ِ ْ‬
‫ن عَ َ‬ ‫مؤْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬
‫ك ِ‬ ‫ات ّب َعَ َ‬
‫حيم ِ { ]الشعراء ‪.[217 - 215 :‬‬ ‫زيزِ الّر ِ‬‫ال ْعَ ِ‬
‫وهكذا أمره تعالى‪.‬‬
‫وا { أي ‪ :‬تولوا عما‬ ‫ّ‬
‫ن ت َوَل ْ‬ ‫َ‬
‫وهذه )‪ (4‬الية الكريمة ‪ ،‬وهي قوله تعالى ‪ } :‬فإ ِ ْ‬
‫ي‬
‫سب ِ َ‬
‫ح ْ‬ ‫قل َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫جئتهم به من الشريعة العظيمة المطهرة الكاملة الشاملة ‪ } ،‬ف ُ‬
‫ب‬
‫ي ‪ ،‬ل إله إل هو عليه توكلت ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ } :‬ر ّ‬ ‫ه { أي ‪ :‬الله كاف ّ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫كيل { ]المزمل ‪.[9 :‬‬ ‫خذ ْه ُ وَ ِ‬ ‫ه ِإل هُوَ َفات ّ ِ‬ ‫ب ل إ ِل َ َ‬ ‫مغْرِ ِ‬ ‫ق َوال ْ َ‬ ‫شرِ ِ‬‫م ْ‬‫ال ْ َ‬
‫ظيم ِ { أي ‪ :‬هو مالك كل شيء وخالقه ‪ ،‬لنه رب‬ ‫ش ال ْعَ ِ‬ ‫ب العَْر ِ‬
‫} وَهُوَ َر ّ ْ‬
‫العرش العظيم ‪ ،‬الذي هو سقف المخلوقات وجميع الخلئق من السموات‬
‫والرضين وما فيهما وما بينهما تحت العرش مقهورون بقدرة الله تعالى ‪،‬‬
‫دره نافذ في كل شيء ‪ ،‬وهو على كل شيء‬ ‫وعلمه محيط بكل شيء ‪ ،‬وَقَ َ‬
‫وكيل‪.‬‬
‫قال عبد الله بن )‪ (5‬المام أحمد ‪ :‬حدثني محمد بن أبي بكر ‪ ،‬حدثنا بشر بن‬
‫مهَْران ‪ ،‬عن ابن‬ ‫عمر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪ ،‬عن يوسف بن ِ‬
‫عباس ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ ،‬عن أبي بن كعب قال ‪ :‬آخر آية نزلت من القرآن‬
‫م { إلى آخر السورة‪(6) .‬‬ ‫سك ُ ْ‬‫ف ِ‬‫ن أ َن ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫هذه الية ‪ } :‬ل َ َ‬
‫وقال عبد الله بن المام أحمد ‪ :‬حدثنا روح بن عبد المؤمن ‪ ،‬حدثنا عمر بن‬
‫شقيق ‪ ،‬حدثنا أبو جعفر الرازي ‪ ،‬عن الربيع بن أنس ‪ ،‬عن أبي العالية ‪ ،‬عن‬
‫أبي بن كعب ‪ ،‬رضي الله عنه ؛ أنهم جمعوا القرآن في مصاحف في خلفة‬
‫أبي بكر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬فكان رجال يكتبون ويملي عليهم أبي بن كعب ‪،‬‬
‫ه قُُلوب َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ف الل ّ ُ‬‫صَر َ‬ ‫صَرُفوا َ‬ ‫م ان ْ َ‬‫فلما انتهوا إلى هذه الية من سورة براءة ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫َ‬
‫ن { ]التوبة ‪ ، [127 :‬فظنوا أن هذا آخر ما أنزل )‪ (7‬من‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬‫م ل يَ ْ‬ ‫م قَوْ ٌ‬
‫ب ِأن ّهُ ْ‬
‫القرآن‪ .‬فقال لهم أبي بن كعب ‪ :‬إن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫م‬‫ما عَن ِت ّ ْ‬ ‫زيٌز عَل َي ْهِ َ‬
‫م عَ ِ‬‫سك ُ ْ‬‫ف ِ‬‫ن أ َن ْ ُ‬
‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫أقرأني بعدها آيتين ‪ } :‬ل َ َ‬
‫قد ْ َ‬
‫م{‬ ‫حي ٌ‬‫ف َر ِ‬ ‫ن َرُءو ٌ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫م ِبال ْ ُ‬ ‫ص عَل َي ْك ُ ْ‬‫ري ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبزار‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فأخذها"‪.‬‬
‫)‪ (3‬مسند البزار برقم )‪" (2476‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع )‬
‫‪" : (9/15‬وفيه إبراهيم بن الحكم بن أبان وهو متروك"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬ك ‪ ،‬أ ‪" :‬في هذه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬ساقطة من النسخ‪.‬‬
‫)‪ (6‬زوائد المسند )‪ (5/117‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (7/36‬وفيه علي‬
‫بن زيد بن جدعان وهو ثقة سيئ الحفظ ‪ ،‬وبقية رجاله ثقات" قلت ‪ :‬أجمع‬
‫الئمة على تضعيف علي بن زيد بن جدعان‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬ما نزل"‪.‬‬

‫) ‪(4/243‬‬

‫ظيم ِ { قال ‪" :‬هذا )‪ (1‬آخر ما أنزل )‪ (2‬من‬ ‫ش ال ْعَ ِ‬ ‫ب العَْر ِ‬


‫إلى ‪ } :‬وَهُوَ َر ّ ْ‬
‫القرآن" قال ‪ :‬فختم بما ُفتح به ‪ ،‬بالله الذي ل إله إل هو ‪ ،‬وهو قول الله‬
‫ه ِإل أ ََنا‬
‫ه ل إ ِل َ َ‬
‫َ‬
‫حي إ ِل َي ْهِ أن ّ ُ‬
‫ل ِإل ُنو ِ‬
‫سو ٍ‬
‫ن َر ُ‬
‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬
‫َ‬
‫ما أْر َ‬
‫تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { ]النبياء ‪ (3) [25 :‬غريب )‪ (4‬أيضا‪.‬‬ ‫دو ِ‬ ‫َفاعْب ُ ُ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا علي بن بحر ‪ ،‬حدثنا محمد بن سلمة ‪ ،‬عن محمد‬
‫بن إسحاق ‪ ،‬عن يحيى بن عباد ‪ ،‬عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير ‪ ،‬رضي‬
‫خَزمة )‪ (5‬بهاتين اليتين من آخر براءة ‪:‬‬ ‫الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬أتى الحارث بن َ‬
‫م { إلى عمر بن الخطاب ‪ ،‬فقال ‪ :‬من معك‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬‫م ْ‬‫ل ِ‬‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬‫جاَءك ُ ْ‬‫قد ْ َ‬ ‫} لَ َ‬
‫على هذا ؟ قال ‪ :‬ل أدري ‪ ،‬والله إني لشهد )‪ (6‬لسمعتها من رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ووعيتها وحفظتها‪ .‬فقال عمر ‪ :‬وأنا أشهد لسمعتها من‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ثم قال ‪ :‬لو كانت ثلث آيات لجعلتها‬
‫سورة على حدة ‪ ،‬فانظروا سورة من القرآن ‪ ،‬فضعوها فيها‪ .‬فوضعوها في‬
‫آخر براءة‪(7) .‬‬
‫وقد تقدم أن عمر بن الخطاب هو الذي أشار على أبي بكر الصديق ‪ ،‬رضي‬
‫الله عنهما ‪ ،‬بجمع القرآن ‪ ،‬فأمر زيد بن ثابت فجمعه‪ .‬وكان عمر يحضرهم‬
‫وهم يكتبون ذلك‪ .‬وفي الصحيح أن زيدا قال ‪ :‬فوجدت آخر سورة "براءة" مع‬
‫خزيمة بن ثابت ‪ -‬أو ‪ :‬أبي خزيمة )‪ (8‬وقدمنا أن جماعة من الصحابة تذكروا‬
‫)‪ (9‬ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬كما قال خزيمة بن ثابت‬
‫حين ابتدأهم بها ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وقد روى أبو داود ‪ ،‬عن يزيد بن محمد ‪ ،‬عن عبد الرزاق بن عمر ‪ -‬وقال ‪:‬‬
‫كان من ثقات المسلمين من المتعبدين ‪ ،‬عن مدرك بن سعد ‪ -‬قال يزيد ‪:‬‬
‫شيخ ثقة ‪ -‬عن يونس بن ميسرة ‪ ،‬عن أم الدرداء ‪ ،‬عن أبي الدرداء قال ‪:‬‬
‫من قال إذا أصبح وإذا أمسى ‪ :‬حسبي الله ل إله إل هو ‪ ،‬عليه توكلت ‪ ،‬وهو‬
‫رب العرش العظيم ‪ ،‬سبع مرات ‪ ،‬إل كفاه الله ما أهمه‪(11) (10) .‬‬
‫وقد رواه ابن عساكر في ترجمة "عبد الرزاق بن عمر" هذا ‪ ،‬من رواية أبى‬
‫مد ِْرك بن أبي سعد الفزاري ‪ ،‬عن‬ ‫عة الدمشقي ‪ ،‬عنه ‪ ،‬عن أبي سعد ُ‬ ‫ُزْر َ‬
‫يونس بن ميسرة بن حليس ‪ ،‬عن أم الدرداء ‪ ،‬سمعت أبا الدرداء يقول ‪ :‬ما‬
‫من عبد يقول ‪ :‬حسبي الله ‪ ،‬ل إله إل هو ‪ ،‬عليه توكلت ‪ ،‬وهو رب العرش‬
‫مه‪(12) .‬‬ ‫العظيم ‪ ،‬سبع مرات ‪ ،‬صادقا كان بها أو كاذبا ‪ ،‬إل كفاه الله ما هَ ّ‬
‫وهذه زيادة غريبة‪ .‬ثم رواه في ترجمة عبد الرزاق أبي محمد ‪ ،‬عن أحمد بن‬
‫عبد الله بن عبد الرزاق ‪ ،‬عن جده عبد الرزاق بن عمر ‪ ،‬بسنده فرفعه )‪(13‬‬
‫فذكر مثله بالزيادة‪ .‬وهذا منكر ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫آخر سورة براءة ‪ ،‬والحمد لله وحده‪(14) .‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬إن هذا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬ما نزل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬إل نوحي"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زوائد المسند )‪.(5/134‬‬
‫)‪ (5‬في ك ‪" :‬خزيمة"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬أشهد"‪.‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪.(1/199‬‬
‫)‪ (8‬صحيح البخاري برقم )‪.(4679‬‬
‫)‪ (9‬في ك ‪ ،‬أ ‪" :‬يذكروا"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ك ‪" :‬ما يغمه"‪.‬‬
‫)‪ (11‬سنن أبي داود برقم )‪.(5081‬‬
‫)‪ (12‬تاريخ دمشق )‪" 10/291‬المخطوط"(‪.‬‬
‫)‪ (13‬تاريخ دمشق )‪" 10/312‬المخطوط"(‪.‬‬
‫)‪ (14‬جاء في ك ‪] :‬رابع عشر من ربيع الول سنة ثمانين في سبع من‬
‫الهجرة النبوية ‪ ،‬وحسبنا الله ونعم الوكيل ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بالله‬
‫العظيم[‪.‬‬

‫) ‪(4/244‬‬
‫كان ِللناس عَجبا أ َ َ‬ ‫َ‬ ‫الر ت ِل ْ َ َ‬
‫م‬
‫من ْهُ ْ‬
‫ل ِ‬‫ج ٍ‬‫حي َْنا إ َِلى َر ُ‬
‫ن أوْ َ‬ ‫َ ً ْ‬ ‫كيم ِ )‪ (1‬أ َ َ َ ّ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ت ال ْك َِتا ِ‬‫ك آَيا ُ‬
‫ل ال ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫أَ َ‬
‫ن‬
‫كافُِرو َ‬ ‫م َقا َ‬‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬
‫ق ِ‬‫صد ْ ٍ‬
‫م ِ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫م قَد َ َ‬ ‫مُنوا أ ّ‬
‫نآ َ‬‫شرِ ال ّ ِ َ‬ ‫س وَب َ ّ‬
‫ن أن ْذِرِ الّنا َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(2‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫حٌر ُ‬‫سا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن هَذا ل َ‬ ‫إِ ّ‬

‫تفسير سورة يونس‬


‫]وهي مكية[ )‪(1‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ج ٍ‬ ‫حي َْنا إ ِلى َر ُ‬ ‫ن أوْ َ‬ ‫جًبا أ ْ‬ ‫س عَ َ‬ ‫ن ِللّنا ِ‬ ‫َ‬
‫كيم ِ )‪ (1‬أكا َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ت ال ْك َِتا ِ‬ ‫ك آَيا ُ‬ ‫} الر ت ِل ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫منه َ‬
‫م َقا َ‬
‫ل‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬‫ق ِ‬ ‫صد ْ ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫م قَد َ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬‫مُنوا أ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫شرِ ال ّ ِ‬ ‫س وَب َ ّ‬ ‫ن أن ْذِرِ الّنا َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ِ ُْ ْ‬
‫ن )‪{ (2‬‬ ‫مِبي ٌ‬‫حٌر ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫َ‬
‫ذا ل َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫أما الحروف المقطعة في أوائل السور ‪ ،‬فقد تقدم الكلم عليها ]مستوفى[ )‬
‫‪ (2‬في أوائل )‪ (3‬سورة البقرة‪.‬‬
‫وقال أبو الضحى ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله تعالى ‪" :‬الر" ‪ ،‬أي ‪ :‬أنا الله أرى‪.‬‬
‫وكذا قال الضحاك وغيره‪.‬‬
‫كيم ِ { أي ‪ :‬هذه آيات القرآن المحكم المبين وقال‬ ‫ح ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ت ال ْك َِتا ِ‬ ‫ك آَيا ُ‬ ‫} ت ِل ْ َ‬
‫كيم ِ { ]قال ‪ :‬التوراة والنجيل[‪(4) .‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ت ال ْك َِتا ِ‬ ‫ك آَيا ُ‬ ‫مجاهد ‪ } :‬الر ت ِل ْ َ‬
‫]وقال الحسن ‪ :‬التوراة والزبور[‪(5) .‬‬
‫ب { قال ‪ :‬الكتب التي كانت قبل القرآن‪.‬‬ ‫ت ال ْك َِتا ِ‬ ‫ك آَيا ُ‬ ‫وقال قتادة ‪ } :‬ت ِل ْ َ‬
‫وهذا القول ل أعرف وجهه ول معناه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كان ِللناس عَجبا أ َ َ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫ش ِ‬ ‫س وَب َ ّ‬ ‫ن أن ْذِرِ الّنا َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫حي َْنا إ ِلى َر ُ‬ ‫ن أوْ َ‬ ‫َ ً ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أ َ َ ّ ِ‬
‫مُنوا { الية ‪ ،‬يقول تعالى منكرا على من تعجب من الكفار من إرسال‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫المرسلين من البشر ‪ ،‬كما أخبر تعالى عن القرون الماضية من )‪ (6‬قولهم ‪:‬‬
‫شر يهدوننا { ] التغابن ‪ [ 6 :‬وقال هود وصالح لقومهما ‪ } :‬أ َوعَجبت َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مأ ْ‬ ‫َ ِ ُْ ْ‬ ‫} أب َ َ ٌ َ ْ ُ َ َ‬
‫م { ] العراف ‪ [ 69 : 63 :‬وقال تعالى‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ل ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫م عََلى َر ُ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ذِك ٌْر ِ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫يٌء‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫دا‬ ‫ح‬
‫َِ َ ِ ً َ ِ ً ِ ّ َ‬ ‫وا‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫ة‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قالوا‬ ‫أنهم‬ ‫قريش‬ ‫كفار‬ ‫عن‬ ‫مخبرا‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ب { ] ص ‪.[ 5 :‬‬ ‫جا ٌ‬ ‫عُ َ‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬لما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه‬
‫وسلم رسول أنكرت العرب ذلك ‪ ،‬أو من أنكر منهم ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬الله أعظم من‬
‫أن يكون رسوله بشرا مثل محمد‪ .‬قال ‪ :‬فأنزل الله عز‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أول"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من تفسير الطبري )‪ (15/11‬مستفاد من ط‪ .‬الشعب‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬من ت ‪ ،‬أ ‪" :‬في"‪.‬‬

‫) ‪(4/245‬‬

‫وى عََلى‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ست َ َ‬
‫ما ْ‬ ‫ست ّةِ أّيام ٍ ث ُ ّ‬ ‫ض ِفي ِ‬ ‫ت َواْلْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫خل َقَ ال ّ‬
‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫م الل ّ ُ‬ ‫ن َرب ّك ُ ُ‬
‫إِ ّ‬
‫َ‬
‫دوه ُ أفََل‬ ‫َ‬
‫م َفاعْب ُ ُ‬ ‫ه َرب ّك ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ن ب َعْد ِ إ ِذ ْن ِهِ ذ َل ِك ُ ُ‬ ‫فيٍع إ ِّل ِ‬
‫م ْ‬ ‫ش ِ‬‫ن َ‬‫م ْ‬
‫ما ِ‬ ‫مَر َ‬‫ش ي ُد َب ُّر اْل ْ‬ ‫العَْر ِ‬
‫ْ‬
‫ن )‪(3‬‬ ‫ت َذ َك ُّرو َ‬
‫كان ِللناس عَجبا أ َ َ‬ ‫َ‬
‫م{‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫حي َْنا إ َِلى َر ُ‬ ‫ن أوْ َ‬ ‫َ ً ْ‬ ‫وجل ‪ } :‬أ ََ َ ّ ِ‬
‫م { اختلفوا فيه ‪ ،‬فقال علي بن أبي‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫صد ْ ٍ‬‫م ِ‬ ‫م قَد َ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أ ّ‬
‫م[ { )‪(1‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫ق] ِ‬ ‫صد ْ ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫م قد َ َ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬أ ّ‬
‫يقول ‪ :‬سبقت لهم السعادة في الذكر الول‪.‬‬
‫َ‬
‫م { يقول ‪:‬‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫صد ْ ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫م قَد َ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬أ ّ‬
‫أجرا حسنا ‪ ،‬بما قدموا‪ .‬وكذا قال الضحاك ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪ ،‬وعبد الرحمن‬
‫ْ‬
‫شَر‬ ‫ه وَي ُب َ ّ‬ ‫ن ل َد ُن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫دا ِ‬ ‫دي ً‬ ‫ش ِ‬ ‫سا َ‬ ‫بن زيد بن أسلم‪ .‬وهذا كقوله تعالى ‪ } :‬ل ِي ُن ْذَِر ب َأ ً‬
‫دا {‬ ‫َ‬ ‫ال ْمؤْمِنين ال ّذين يعمُلون الصال ِحات أ َن ل َه َ‬
‫ن ِفيهِ أب َ ً‬ ‫ماك ِِثي َ‬ ‫سًنا َ‬ ‫ح َ‬ ‫جًرا َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ّ َ ِ ّ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ َْ َ‬ ‫ُ ِ َ‬
‫] الكهف ‪[ 3 ، 2 :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م { قال ‪ :‬العمال الصالحة‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫صد ْ ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫م قَد َ َ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫وقال مجاهد ‪ } :‬أ ّ‬
‫صلتهم وصومهم وصدقتهم وتسبيحهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م[‬
‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫صد ْ ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫م قَد َ َ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫]وقال عمرو بن الحارث عن قتادة أو الحسن } أ ّ‬
‫{ )‪ (2‬قال ‪ :‬محمد صلى الله عليه وسلم شفيع لهم‪ .‬وكذا قال زيد بن‬
‫أسلم ‪ ،‬ومقاتل بن حيان‪.‬‬
‫ف صدق عند ربهم‪.‬‬ ‫سل ُ‬ ‫وقال قتادة ‪َ :‬‬
‫واختار ابن جرير قول مجاهد ‪ -‬أنها العمال الصالحة التي قدموها ‪ -‬قال ‪ :‬كما‬
‫يقال ‪" :‬له قدم في السلم" ومنه قول ]حسان[ )‪ (3‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫ع‪...‬‬ ‫عة اللهِ َتاب ُ‬ ‫فنا لوِّلنا في طا َ‬ ‫خل ْ ُ‬‫م )‪ (4‬الُعليا إليك و َ‬ ‫قد َ ُ‬ ‫لنا ال َ‬
‫وقول ذي الّرمة ‪:‬‬
‫حرِ )‪(5‬‬ ‫مت على الب َ ْ‬ ‫ب الَعادِيّ ط َ ّ‬ ‫س ِ‬ ‫معَ الح َ‬ ‫س أنها‪َ ...‬‬ ‫م ل ي ُْنكُر النا ُ‬ ‫كم قَد َ ٌ‬ ‫ل ُ‬
‫ن { )‪ (6‬أي ‪ :‬مع أنا بعثنا‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫حٌر ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫ذا ل َ‬ ‫َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ْ‬
‫ل ال َ‬ ‫وقوله تعالى ‪َ } :‬قا َ‬
‫ن‬‫ن إِ ّ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ْ‬
‫ل ال َ‬ ‫إليهم رسول منهم ‪ ،‬رجل من جنسهم ‪ ،‬بشيرا ونذيرا ‪َ } ،‬قا َ‬
‫ن { )‪ (7‬أي ‪ :‬ظاهر ‪ ،‬وهم الكاذبون في ذلك‪.‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫حٌر ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫ذا ل َ َ‬
‫هَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫وى عَلى‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ست ّةِ أّيام ٍ ث ُ ّ‬ ‫ض ِفي ِ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خلقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ِ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ن َرب ّك ُ‬ ‫} إِ ّ‬
‫َ‬
‫دوه ُ أَفل‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫م َفاعْب ُ ُ‬ ‫ه َرب ّك ْ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ن ب َعْد ِ إ ِذ ْن ِهِ ذ َل ِك ُ‬ ‫م ْ‬ ‫فيٍع ِإل ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫مَر َ‬ ‫ش ي ُد َب ُّر ال ْ‬ ‫العَْر ِ‬
‫ن )‪{ (3‬‬ ‫ت َذ َك ُّرو َ‬
‫خَلق السموات والرض في ستة أيام‬ ‫يخبر تعالى أنه رب العالم جميعه ‪ ،‬وأنه َ‬
‫‪ -‬قيل ‪ :‬كهذه اليام ‪ ،‬وقيل ‪ :‬كل يوم كألف سنة مما تعدون‪ .‬كما سيأتي بيانه‬
‫]إن شاء الله تعالى[ )‪ (8‬ثم استوى‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬قدم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(15/16‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬لسحر"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬لسحر"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(4/246‬‬

‫على العرش ‪ ،‬والعرش أعظم المخلوقات وسقفها‪.‬‬


‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا حجاج بن حمزة ‪ ،‬حدثنا أبو أسامة ‪ ،‬حدثنا إسماعيل‬
‫بن أبي خالد قال ‪ :‬سمعت سعد )‪ (1‬الطائي يقول ‪ :‬العرش ياقوتة حمراء‪.‬‬
‫وقال وهب بن منبه ‪ :‬خلقه الله من نوره‪.‬‬
‫وهذا غريب‪.‬‬
‫ل ذ َّرةٍ ِفي‬ ‫قا ُ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ه‬ ‫ن‬
‫َْ ُ ُ َْ ُ ِ‬‫ع‬ ‫ب‬ ‫ز‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫الخلئق‬ ‫أمر‬ ‫يدبر‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫ر‬‫م َ‬ ‫} ي ُد َب ُّر ال ْ‬
‫ض { ] سبأ ‪ ، [ 3 :‬ول يشغله شأن عن شأن ‪ ،‬ول‬ ‫ت َول ِفي الْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫تغّلظه )‪ (2‬المسائل ‪ ،‬ول يتبرم بإلحاح الملحين )‪ (3‬ول يلهيه تدبير الكبير عن‬
‫ض ِإل‬ ‫ن َداب ّةٍ ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫الصغير ‪ ،‬في الجبال والبحار والعمران والقفار ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ن { ] هود ‪:‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫ل ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫ست َوْد َعََها ك ُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ها وَ ُ‬ ‫قّر َ‬ ‫ست َ َ‬‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫عََلى الل ّهِ رِْزقَُها وَي َعْل َ ُ‬
‫ب‬ ‫ض َول َرط ْ ٍ‬ ‫ت الْر ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫حب ّةٍ ِفي ظ ُل ُ َ‬ ‫مَها َول َ‬ ‫ن وََرقَةٍ ِإل ي َعْل َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫س ُ‬‫ما ت َ ْ‬ ‫‪ } .[ 6‬وَ َ‬
‫ن { ] النعام ‪(4) .[ 59 :‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫س ِإل ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫َول َياب ِ ٍ‬
‫وقال الدراوردي ‪ ،‬عن سعد بن إسحاق بن كعب ]بن عجرة[ )‪ (5‬أنه قال حين‬
‫َ‬
‫ست ّةِ أّيام ٍ‬ ‫ض ِفي ِ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ن َرب ّك ُ ُ‬ ‫نزلت هذه الية ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫{ لقيهم ركب عظيم )‪] (6‬ل يرون إل أنهم[ )‪ (7‬من العرب ‪ ،‬فقالوا لهم ‪ :‬من‬
‫أنتم ؟ قالوا‪ .‬من الجن ‪ ،‬خرجنا من المدينة ‪ ،‬أخرجتنا هذه الية‪ .‬رواه ابن أبي‬
‫حاتم‪.‬‬
‫ذي‬ ‫ّ‬
‫ن ذا ال ِ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ إ ِذن ِهِ { كقوله تعالى ‪َ } :‬‬ ‫ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فيٍع ِإل ِ‬ ‫نش ِ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫]وقوله[ )‪َ } (8‬‬
‫ك ِفي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫َ ْ ِ ْ َ ٍ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫وكقوله‬ ‫[‬ ‫‪255‬‬ ‫‪:‬‬ ‫البقرة‬ ‫]‬ ‫{‬ ‫ْ‬
‫عن ْد َه ُ ِإل ب ِإ ِ ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ن‬ ‫ذ‬ ‫فع ُ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫شاُء‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه لِ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ن ي َأذ َ َ‬ ‫ن ب َعْد ِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫شي ًْئا ِإل ِ‬ ‫م َ‬ ‫فاعَت ُهُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ت ل ت ُغِْني َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ه{‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ن أذِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫عن ْد َه ُ ِإل ل ِ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫فاعَ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫فعُ ال ّ‬ ‫ضى { ] النجم ‪ [ 26 :‬وقوله ‪َ } :‬ول ت َن ْ َ‬ ‫وَي َْر َ‬
‫] سبأ ‪.[ 23 :‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن { )‪ (9‬أي ‪ :‬أفردوه بالعبادة‬ ‫دوه ُ أَفل ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫م َفاعْب ُ ُ‬ ‫ه َرب ّك ُ ْ‬ ‫م الل ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ذ َل ِك ُ ُ‬
‫َ‬
‫ن { )‪ (10‬أي ‪ :‬أيها المشركون في أمركم ‪،‬‬ ‫وحده ل شريك له ‪ } ،‬أَفل ت َذ َك ُّرو َ‬
‫تعبدون مع الله غيره ‪ ،‬وأنتم تعلمون أنه المتفرد بالخلق ‪ ،‬كقوله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫ه { ] الزخرف ‪ ، [ 87 :‬وقوله ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ل‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫قول ُ ّ‬ ‫م ل َي َ ُ‬ ‫قهُ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫سأل ْت َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫} وَل َئ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ن ل ِل ّهِ قُ ْ‬
‫ل أَفل‬ ‫قوُلو َ‬ ‫سي َ ُ‬ ‫ظيم ِ َ‬ ‫ش ال ْعَ ِ‬ ‫ب العَْر ِ‬
‫سب ْع وََر ّ ْ‬
‫ت ال ّ ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن { ] المؤمنون ‪ (11) ، [ 87 - 86 :‬وكذا الية التي قبلها والتي بعدها‪.‬‬ ‫قو َ‬ ‫ت َت ّ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬سعدا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ول يغلطه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪+" :‬باللجاج الملجين"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬يسقط"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬لقي ‪ -‬ثم بياض ‪ -‬ركبا عظيما"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬يتذكرون"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬يتذكرون"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪" :‬الله"‪.‬‬

‫) ‪(4/247‬‬

‫مُنوا‬
‫نآ َ‬
‫ذي َ‬
‫جزِيَ ال ّ ِ َ‬‫م ي ُِعيد ُه ُ ل ِي َ ْ‬‫خل ْقَ ث ُ ّ‬‫ه ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ‬‫قا إ ِن ّ ُ‬
‫ح ّ‬‫ميًعا وَعْد َ الل ّهِ َ‬ ‫ج ِ‬
‫م َ‬ ‫جعُك ُ ْ‬ ‫إ ِل َي ْهِ َ‬
‫مْر ِ‬
‫َ‬
‫م‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ميم ٍ وَعَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ب ِ‬ ‫شَرا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫فُروا ل َهُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ط َوال ّ ِ‬
‫س ِ‬ ‫ق ْ‬‫ت ِبال ْ ِ‬
‫حا ِ‬‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫وَعَ ِ‬
‫مَنازِ َ‬
‫ل‬ ‫مَر ُنوًرا وَقَد َّره ُ َ‬ ‫ضَياًء َوال ْ َ‬
‫ق َ‬ ‫س ِ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬‫ل ال ّ‬ ‫جعَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (4‬هُوَ ال ّ ِ‬ ‫فُرو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ُ‬
‫ما َ‬ ‫بِ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه ذ َل ِك إ ِل ِبال َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قوْم ٍ‬‫ت لِ َ‬‫صل الَيا ِ‬ ‫ف ّ‬
‫حق ّ ي ُ َ‬ ‫خلقَ الل ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ب َ‬ ‫سا َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َوال ِ‬ ‫سِني َ‬‫موا عَد َد َ ال ّ‬ ‫ل ِت َعْل ُ‬
‫ت‬
‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ه ِفي ال ّ‬ ‫ّ‬
‫خلقَ الل ُ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬
‫ل َوالن َّهارِ وَ َ‬ ‫ّ‬
‫ف اللي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫خت ِل ِ‬ ‫ن ِفي ا ْ‬ ‫ن )‪ (5‬إ ِ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫ن )‪(6‬‬ ‫قو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َت ّ ُ‬‫ت لِ َ‬ ‫َ‬
‫ض َلَيا ٍ‬ ‫َْ‬
‫َوالْر ِ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫جزِيَ ال ّ ِ‬ ‫م ي ُِعيد ُه ُ ل ِي َ ْ‬ ‫خل ْقَ ث ُ ّ‬ ‫ه ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ‬ ‫قا إ ِن ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ميًعا وَعْد َ الل ّهِ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫جعُك ُ ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫} إ ِل َي ْهِ َ‬
‫ب‬‫ذا ٌ‬ ‫ميم ٍ وَعَ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫شَرا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫فُروا ل َهُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ط َوال ّ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ت ِبال ْ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫آ َ‬
‫ن )‪{ (4‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فُرو َ‬ ‫ما كاُنوا ي َك ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫أِلي ٌ‬
‫أخبر تعالى أن إليه مرجع الخلئق يوم القيامة ‪ ،‬ل يترك منهم أحدا حتى يعيده‬
‫كما بدأه‪ .‬ثم ذكر تعالى أنه كما بدأ الخلق كذلك يعيده ‪ } ،‬وهُو ال ّذي يبدأ ُ‬
‫َ َ ِ َْ َ‬
‫ن عَل َي ْهِ { ] الروم ‪.[ 27 :‬‬ ‫َ‬
‫م ي ُِعيد ُه ُ وَهُوَ أهْوَ ُ‬ ‫خل ْقَ ث ُ ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ط { أي ‪ :‬بالعدل والجزاء‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ت ِبال ْ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫جزِيَ ال ّ ِ‬ ‫} ل ِي َ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬‫فُرو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ميم ٍ وَعَ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫شَرا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫فُروا ل َهُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫الوفى ‪َ } ،‬وال ّ ِ‬
‫موم ٍ‬ ‫س ُ‬ ‫{ أي ‪ :‬بسبب كفرهم يعذبون يوم القيامة بأنواع العقاب ‪ ،‬من } َ‬
‫م‬‫مي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ذوُقوه ُ َ‬ ‫ذا فَل ْي َ ُ‬ ‫موم ٍ { ] الواقعة ‪ } .[ 43 ، 42 :‬هَ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ميم ٍ وَظ ِ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫وَ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫م الِتي ي ُك َذ ّ ُ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫ج { ] ص ‪ } .[ 58 ، 57 :‬هَذِهِ َ‬ ‫شك ْل ِهِ أْزَوا ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خُر ِ‬ ‫ساقٌ َوآ َ‬ ‫وَغَ ّ‬
‫ن { ] الرحمن ‪.[ 44 ، 43 :‬‬ ‫ميم ٍ آ ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ب َي ْن ََها وَب َي ْ َ‬ ‫ن ي َطوُفو َ‬ ‫ُ‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ب َِها ال ُ‬
‫موا عَد َد َ‬ ‫َ‬
‫ل ل ِت َعْل ُ‬ ‫مَنازِ َ‬ ‫مَر ُنوًرا وَقَد َّره ُ َ‬ ‫ق َ‬ ‫ْ‬
‫ضَياًء َوال َ‬ ‫س ِ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫} هُوَ ال ِ‬
‫ن )‪(5‬‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫قوْم ٍ ي َعْل ُ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ل الَيا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫حق ّ ي ُ َ‬ ‫ْ‬
‫ه ذ َل ِك ِإل ِبال َ‬ ‫َ‬ ‫خلقَ الل ُ‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬ ‫ب َ‬ ‫سا َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َوال ِ‬ ‫ْ‬ ‫سِني َ‬ ‫ال ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫قوْم ٍ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ض لَيا ٍ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ه ِفي ال ّ‬ ‫خلقَ الل ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َوالن َّهارِ وَ َ‬ ‫ف اللي ْ ِ‬ ‫خِتل ِ‬ ‫ن ِفي ا ْ‬ ‫إِ ّ‬
‫ن )‪{ (6‬‬ ‫قو َ‬ ‫ي َت ّ ُ‬
‫يخبر تعالى عما خلق من اليات الدالة على كمال قدرته ‪ ،‬وعظيم سلطانه ‪،‬‬
‫وأنه جعل الشعاع الصادر عن جرم الشمس ضياء وشعاع القمر نورا ‪ ،‬هذا‬
‫فن وهذا فن آخر ‪ ،‬ففاوت بينهما لئل يشتبها ‪ ،‬وجعل سلطان الشمس‬
‫بالنهار ‪ ،‬وسلطان القمر بالليل ‪ ،‬وقدر القمر منازل ‪ ،‬فأول ما يبدو صغيًرا ‪،‬‬
‫ثم يتزايد ُنوره وجرمه ‪ ،‬حتى يستوسق ويكمل إبداره ‪ ،‬ثم يشرع في النقص‬
‫مَر قَد ّْرَناهُ‬ ‫ق َ‬ ‫حتى يرجع إلى حاله الول في تمام شهر ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ } :‬وال ْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫مَر َول‬ ‫ق َ‬ ‫ك ال َ‬ ‫ن ت ُد ْرِ َ‬ ‫س ي َن ْب َِغي ل ََها أ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ديم ِ ل ال ّ‬ ‫ق ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫جو ِ‬ ‫كال ْعُْر ُ‬ ‫عاد َ َ‬ ‫حّتى َ‬ ‫ل َ‬ ‫مَنازِ َ‬ ‫َ‬
‫ن { ] يس ‪ .[ 40 ، 39 :‬وقال ‪:‬‬ ‫حو َ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ك‬‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫و‬
‫َ ِ َ‬ ‫ر‬ ‫ها‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ق‬
‫َ ِ ُ‬ ‫ب‬ ‫سا‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬
‫زيزِ ال ْعَِليم ِ { ] النعام ‪.[ 96 :‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫دي‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫نا‬
‫ً‬ ‫با‬ ‫َ‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫ح‬‫ُ‬ ‫ر‬
‫َ َ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫م َ َ‬ ‫س‬ ‫ش ْ‬ ‫} َوال ّ‬
‫موا‬ ‫َ‬
‫ل ل ِت َعْل ُ‬ ‫مَنازِ َ‬ ‫وقال في هذه الية الكريمة ‪ } :‬وقدره { أي ‪ :‬القمر } وَقَد َّره ُ َ‬
‫ب { فبالشمس تعرف اليام ‪ ،‬وبسير القمر تعرف‬ ‫سا َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َوال ْ ِ‬ ‫سِني َ‬ ‫عَد َد َ ال ّ‬
‫الشهور والعوام‪.‬‬
‫حقّ { أي ‪ :‬لم يخلقه عبثا بل له حكمة عظيمة في‬ ‫ْ‬
‫ه ذ َل ِك ِإل ِبال َ‬ ‫َ‬ ‫خل َقَ الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫} َ‬
‫ما‬
‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ماَء َوالْر َ‬ ‫س َ‬ ‫قَنا ال ّ‬ ‫خل ْ‬‫َ‬ ‫ما َ‬ ‫ذلك ‪ ،‬وحجة بالغة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن الّنارِ { ] ص ‪ .[ 27 :‬وقال‬ ‫م َ‬‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬ ‫فُروا فَوَي ْ ٌ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ك ظَ ّ‬ ‫طل ذ َل ِ َ‬ ‫َبا ِ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن فت ََعالى الل ُ‬ ‫جُعو َ‬ ‫م إ ِلي َْنا ل ت ُْر َ‬ ‫م عَب َثا وَأن ّك ْ‬ ‫قَناك ْ‬ ‫خل ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م أن ّ َ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫تعالى ‪ } :‬أف َ‬
‫ريم ِ { ] المؤمنون ‪.[ 116 ، 115 :‬‬ ‫ش ال ْك َِ‬ ‫َ ْ ِ‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫ر‬
‫ِ َ ِ ُ َ َ ّ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫إل‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ل‬ ‫حق ّ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن{‬ ‫مو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْل َ ُ‬ ‫ت { أي ‪ :‬نبين الحجج والدلة } ل ِ َ‬ ‫ل الَيا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ن ُ َ‬

‫) ‪(4/248‬‬
‫ل َوالن َّهارِ { أي ‪ :‬تعاقبهما إذا جاء هذا ذهب‬ ‫ف الل ّي ْ ِ‬ ‫خِتل ِ‬ ‫ن ِفي ا ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫شي‬ ‫هذا ‪ ،‬وإذا ذهب هذا جاء هذا ‪ ،‬ل يتأخر عنه شيئا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ي ُغْ ِ‬
‫َ‬
‫س ي َن ْب َِغي لَها‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫حِثيًثا { ] العراف ‪ ، [ 54 :‬وقال ‪ } :‬ل ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الن َّهاَر ي َط ْل ُب ُ ُ‬ ‫الل ّي ْ َ‬
‫مَر َول الل ّي ْ ُ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ن ت ُد ْرِ َ‬ ‫َ‬
‫ساب ِقُ الن َّهارِ { ] يس ‪ ، [ 40 :‬وقال تعالى ‪َ } :‬فال ِ ُ‬
‫ق‬ ‫ل َ‬ ‫ق َ‬ ‫أ ْ‬
‫ز‬
‫زي ِ‬ ‫ديُر ال ْعَ ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫سَباًنا ذ َل ِ َ‬
‫ح ْ‬ ‫مَر ُ‬ ‫س َوال ْ َ‬
‫ق َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫سك ًَنا َوال ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ل الل ّي ْ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫صَباِح وَ َ‬ ‫ال ْ‬
‫ال ْعَِليم ِ { ] النعام ‪.[ 96 :‬‬
‫ض { أي ‪ :‬من اليات الدالة على‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬‫س َ‬ ‫ه ِفي ال ّ‬ ‫خل َقَ الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫مّرو َ‬ ‫ض ]ي َ ُ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬
‫ن آي َةٍ ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫عظمته تعالى ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَك َأي ّ ْ‬
‫ن [ { ] يوسف ‪] (1) ، [ 105 :‬وقال )‪ } (2‬قُ ِ‬
‫ل‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫م عَن َْها ُ‬ ‫عَل َي َْها وَهُ ْ‬
‫ن قَوْم ٍ ل‬ ‫ت َوالن ّذ ُُر عَ ْ‬ ‫ما ت ُغِْني الَيا ُ‬ ‫ض [ وَ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ماَذا ِفي ال ّ‬ ‫ان ْظ ُُروا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫م وَ َ‬‫ديهِ ْ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫م ي ََرْوا إ َِلى َ‬ ‫ن { ] يونس ‪ (3) .[ 101 :‬وقال ‪ } :‬أفَل َ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫ق‬ ‫ْ‬ ‫خل ْ َ‬
‫خل ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫ض { ] سبأ ‪ (4) .[ 9 :‬وقال ‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫فهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ب { ] آل‬ ‫ْ‬
‫ت لوِلي اللَبا ِ‬ ‫ل َوالن َّهارِ لَيا ٍ‬ ‫ّ‬
‫ف اللي ْ ِ‬ ‫خِتل ِ‬ ‫ض َوا ْ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫قو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َت ّ ُ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫عمران ‪ .[ 190 :‬أي ‪ :‬العقول ‪ ،‬وقال هاهنا ‪ } :‬لَيا ٍ‬
‫عقاب الله ‪ ،‬وسخطه ‪ ،‬وعذابه‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪ :‬و "قوله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬ينظروا"‪.‬‬

‫) ‪(4/249‬‬

‫قاَءنا ورضوا بال ْحياة الدنيا واط ْ َ‬


‫ن‬‫م عَ ْ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫مأّنوا ب َِها َوال ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ َ ِ َّْ َ‬ ‫ن لِ َ َ َ َ ُ‬ ‫جو َ‬ ‫ن َل ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫إِ ّ‬
‫مُنوا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫آ ََيات َِنا َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ن )‪ (8‬إ ِ ّ‬ ‫سُبو َ‬ ‫ما كاُنوا ي َك ِ‬ ‫م الّناُر ب ِ َ‬ ‫مأَواهُ ُ‬ ‫ن )‪ (7‬أولئ ِك َ‬ ‫غافِلو َ‬
‫م اْلن َْهاُر ِفي َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫جّنا ِ‬ ‫حت ِهِ ُ‬‫ن تَ ْ‬‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫مان ِهِ ْ‬ ‫م ب ِِإي َ‬‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ت ي َهْ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫وَعَ ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مأ ِ‬ ‫واهُ ْ‬ ‫خُر د َعْ َ‬ ‫م وَآ ِ‬‫سل ٌ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫حي ّت ُهُ ْ‬‫م وَت َ ِ‬ ‫حان َك اللهُ ّ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫م ِفيَها ُ‬ ‫واهُ ْ‬ ‫الن ِّعيم ِ )‪ (9‬د َعْ َ‬
‫ن )‪(10‬‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬
‫ب الَعال ِ‬‫ْ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ‬‫ح ْ‬‫ال ْ َ‬
‫قاَءنا ورضوا بال ْحياة الدنيا واط ْ َ‬
‫ن‬‫م عَ ْ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫مأّنوا ب َِها َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ َ ِ َّْ َ‬ ‫ن لِ َ َ َ َ ُ‬ ‫جو َ‬ ‫ن ل ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫} إِ ّ‬
‫ن )‪{ (8‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ (7‬أولئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫آَيات َِنا َ‬
‫سُبو َ‬ ‫ما كاُنوا ي َك ِ‬ ‫م الّناُر ب ِ َ‬ ‫مأَواهُ ُ‬‫ك َ‬ ‫غافِلو َ‬
‫يقول الله تعالى مخبًرا عن حال الشقياء الذين كفروا بلقاء الله يوم القيامة‬
‫ول يرجون في لقاء الله شيئا ‪ ،‬ورضوا بهذه الحياة الدنيا )‪ (1‬واطمأنت إليها‬
‫أنفسهم‪.‬‬
‫قال الحسن ‪ :‬والله ما زينوها ول رفعوها ‪ ،‬حتى رضوا بها وهم غافلون عن‬
‫آيات الله الكونية فل يتفكرون فيها ‪ ،‬والشرعية فل يأتمرون بها ‪ ،‬بأن مأواهم‬
‫يوم معادهم النار ‪ ،‬جزاء على ما كانوا يكسبون في دنياهم من الثام والخطايا‬
‫والجرام ‪ ،‬مع ما هم فيه من الكفر بالله ورسوله واليوم الخر‪.‬‬
‫م‬
‫حت ِهِ ُ‬
‫ن تَ ْ‬
‫م ْ‬‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫مان ِهِ ْ‬‫م ب ِِإي َ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫ديهِ ْ‬‫ت ي َهْ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫} إِ ّ‬
‫م‬
‫سل ٌ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫حي ّت ُهُ ْ‬
‫م وَت َ ِ‬ ‫ك الل ّهُ ّ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬
‫م ِفيَها ُ‬ ‫واهُ ْ‬ ‫ت الن ِّعيم ِ )‪ (9‬د َعْ َ‬ ‫جّنا ِ‬ ‫الن َْهاُر ِفي َ‬
‫َ‬
‫ن )‪{ (10‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ‬‫ح ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫مأ ِ‬ ‫واهُ ْ‬ ‫خُر د َعْ َ‬ ‫َوآ ِ‬
‫وهذا إخبار عن حال السعداء الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ‪ ،‬وامتثلوا‬
‫ما أمروا ‪ ،‬به فعملوا الصالحات ‪ ،‬بأنه سيهديهم بإيمانهم‪.‬‬
‫يحتمل أن تكون "الباء" هاهنا سببية فتقديره ‪ :‬بسبب إيمانهم في الدنيا‬
‫يهديهم الله يوم القيامة‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬الدنية"‪.‬‬

‫) ‪(4/249‬‬

‫صوا إلى الجنة‪ .‬ويحتمل أن تكون للستعانة‬ ‫على الصراط ‪ ،‬حتى يجوزوه ويخل ُ‬
‫م { قال ‪] :‬يكون لهم نورا‬ ‫مان ِهِ ْ‬ ‫م ب ِِإي َ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫‪ ،‬كما قال مجاهد في قوله ‪ } :‬ي َهْ ِ‬
‫يمشون به[‪(1) .‬‬
‫م { قال[ )‪ : (2‬يمُثل له‬ ‫مان ِهِ ْ‬ ‫م ب ِِإي َ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫جَرْيج في ]قوله ‪ } :‬ي َهْ ِ‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫عمله في صورة حسنة وريح طيبة إذا قام من قبره ‪ ،‬يعارض صاحبه ويبشره‬
‫بكل خير ‪ ،‬فيقول له ‪ :‬من أنت ؟ فيقول ‪ :‬أنا عملك‪ .‬فيجعل )‪ (3‬له نورا‪ .‬من‬
‫م‬
‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫بين يديه حتى يدخله )‪ (4‬الجنة ‪ ،‬فذلك قوله تعالى ‪ } :‬ي َهْ ِ‬
‫ل له عمله في صورة سيئة وريح منتنة فيلزم صاحبه‬ ‫مث ُ ُ‬ ‫م { والكافر ي َ ْ‬ ‫مان ِهِ ْ‬ ‫ب ِِإي َ‬
‫ويلّزه )‪ (5‬حتى يقذفه في النار‪.‬‬
‫وروي نحوه عن قتادة مرسل فالله أعلم‪.‬‬
‫خر دعْواهُ َ‬
‫ن‬
‫مأ ِ‬ ‫م َوآ ِ ُ َ َ ْ‬ ‫سل ٌ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫حي ّت ُهُ ْ‬ ‫م وَت َ ِ‬ ‫ك الل ّهُ ّ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫م ِفيَها ُ‬ ‫واهُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬د َعْ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬هذا حال أهل الجنة‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م { ]قال ‪ :‬إذا‬ ‫ك الل ّهُ ّ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫م ِفيَها ُ‬ ‫واهُ ْ‬ ‫ت أن قوله ‪ } :‬د َعْ َ‬ ‫قال ابن جريج ‪ :‬أخبر ُ‬
‫مر بهم الطير يشتهونه ‪ ،‬قالوا ‪ :‬سبحانك اللهم[ )‪ (6‬وذلك دعواهم فيأتيهم‬
‫م‬‫حي ّت ُهُ ْ‬ ‫الملك بما يشتهونه ‪ ،‬فيسلم عليهم ‪ ،‬فيردون عليه‪ .‬فذلك قوله ‪ } :‬وَت َ ِ‬
‫م‬
‫واهُ ْ‬ ‫خُر د َعْ َ‬ ‫م { قال ‪ :‬فإذا أكلوا حمدوا الله ربهم ‪ ،‬فذلك قوله ‪َ } :‬وآ ِ‬ ‫سل ٌ‬ ‫ِفيَها َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬ ‫مد ُ ل ِلهِ َر ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫أ ِ‬
‫وقال مقاتل بن حيان ‪ :‬إذا أراد أهل الجنة أن يدعوا بالطعام قال أحدهم ‪:‬‬
‫م { قال ‪ :‬فيقوم على أحدهم عشرة آلف خادم ‪ ،‬مع كل‬ ‫ك الل ّهُ ّ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫} ُ‬
‫خادم صحفة من ذهب ‪ ،‬فيها طعام ليس في الخرى ‪ ،‬قال ‪ :‬فيأكل منهن‬
‫كلهن‪.‬‬
‫حان َكَ‬ ‫سب ْ َ‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ :‬إذا أراد أحدهم أن يدعو بشيء قال ‪ُ } :‬‬
‫م{‬ ‫الل ّهُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جًرا‬ ‫مأ ْ‬ ‫م وَأعَد ّ ل َهُ ْ‬ ‫سل ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫قوْن َ ُ‬ ‫م ي َل ْ َ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫حي ّت ُهُ ْ‬ ‫وهذه الية فيها شبه من قوله ‪ } :‬ت َ ِ‬
‫ْ‬
‫ما ِإل ِقيل‬ ‫وا َول ت َأِثي ً‬ ‫ن ِفيَها ل َغْ ً‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫ما { ] الحزاب ‪ ، [ 44 :‬وقوله ‪ } :‬ل ي َ ْ‬ ‫ري ً‬ ‫كَ ِ‬
‫حيم ٍ {‬ ‫ب َر ِ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫م ْ‬‫ول ِ‬ ‫م قَ ْ‬ ‫سل ٌ‬ ‫ما { ] الواقعة ‪ .[ 26 ، 25 :‬وقوله ‪َ } :‬‬ ‫سل ً‬ ‫ما َ‬ ‫سل ً‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫م عَلي ْك ُْ‬ ‫سل‬
‫َ ٍ َ ٌ‬ ‫ب‬ ‫با‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ِْ ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫خ‬
‫ُ‬ ‫د‬
‫َ ْ‬ ‫ي‬ ‫ة‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫مل‬ ‫َ َ‬‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقوله‬ ‫[‪.‬‬ ‫‪58‬‬ ‫‪:‬‬ ‫يس‬ ‫]‬
‫دارِ { ] الرعد ‪.[ 24 ، 23 :‬‬ ‫قَبى ال ّ‬ ‫م عُ ْ‬ ‫م فَن ِعْ َ‬ ‫صب َْرت ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫بِ َ‬
‫ن { هذا فيه دللة على أن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬ ‫مد ُ ل ِلهِ َر ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن ال َ‬ ‫مأ ِ‬ ‫واهُ ْ‬ ‫خُر د َعْ َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وآ ِ‬
‫الله تعالى هو المحمود أبدا ‪ ،‬المعبود على طول المدى ؛ ولهذا حمد نفسه‬
‫عند ابتداء خلقه واستمراره ‪ ،‬وفي ابتداء كتابه ‪ ،‬وعند ابتداء تنزيله ‪ ،‬حيث‬
‫ب { ] الكهف ‪} ، [ 1 :‬‬ ‫ل عََلى عَب ْدِهِ ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي َأنز َ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬ال ْ َ‬
‫ض { ] النعام ‪ [ 1 :‬إلى غير ذلك من‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫الحوال التي يطول بسطها ‪ ،‬وأنه‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫في ت ‪" :‬فنجعل"‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫في ت ‪" :‬يدخل"‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫في ت ‪" :‬ويلده"‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬ ‫)‪(6‬‬

‫) ‪(4/250‬‬

‫قضي إل َيه َ‬
‫ن‬ ‫م فَن َذ َُر ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫جل ُهُ ْ‬
‫مأ َ‬‫خي ْرِ ل َ ُ ِ َ ِ ْ ِ ْ‬
‫م ِبال ْ َ‬
‫جال َهُ ْ‬
‫ست ِعْ َ‬
‫شّر ا ْ‬ ‫س ال ّ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه ِللّنا ِ‬ ‫ج ُ‬‫وَل َوْ ي ُعَ ّ‬
‫ن )‪(11‬‬ ‫مُهو َ‬ ‫قاَءَنا ِفي ط ُغَْيان ِهِ ْ‬
‫م ي َعْ َ‬ ‫ن لِ َ‬‫جو َ‬ ‫َل ي َْر ُ‬

‫المحمود في الول و]في[ )‪ (1‬الخر ‪ ،‬في الحياة الدنيا وفي الخرة ‪ ،‬في‬
‫ن التسبيح‬ ‫مو َ‬ ‫جميع الحوال ؛ ولهذا جاء في الحديث ‪" :‬إن أهل الجنة ي ُل ْهَ ُ‬
‫فس" )‪ (2‬وإنما يكون ذلك كذلك لما يرون من‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫مو َ‬ ‫والتحميد كما ي ُل ْهَ ُ‬
‫تضاعف نعم الله عليهم ‪ ،‬فتكّرر )‪ (3‬وتعاد وتزاد ‪ ،‬فليس لها انقضاء ول أمد ‪،‬‬
‫فل إله إل هو ول رب سواه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م فَن َذ َُر‬ ‫جلهُ ْ‬ ‫مأ َ‬ ‫ي إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ق ِ‬ ‫خي ْرِ ل ُ‬‫م ِبال َ‬ ‫جالهُ ْ‬ ‫ست ِعْ َ‬
‫شّر ا ْ‬ ‫س ال ّ‬ ‫ه ِللّنا ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫} وَل َوْ ي ُعَ ّ‬
‫ن )‪{ (11‬‬ ‫مُهو َ‬ ‫قاَءَنا ِفي ط ُغَْيان ِهِ ْ‬
‫م ي َعْ َ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫جو َ‬ ‫ن ل ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫يخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده ‪ :‬أنه ل يستجيب لهم )‪ (4‬إذا دعوا على‬
‫أنفسهم أو أموالهم أو أولدهم )‪ (5‬في حال ضجرهم وغضبهم ‪ ،‬وأنه يعلم‬
‫منهم عدم القصد إلى إرادة ذلك ‪ ،‬فلهذا ل يستجيب )‪ (6‬لهم ‪ -‬والحالة هذه ‪-‬‬
‫لطفا ورحمة ‪ ،‬كما يستجيب لهم إذا دعوا لنفسهم أو لموالهم وأولدهم‬
‫م‬ ‫َ‬
‫جالهُ ْ‬ ‫ست ِعْ َ‬ ‫شّر ا ْ‬ ‫س ال ّ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ج ُ‬‫بالخير والبركة والنماء ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَل َوْ ي ُعَ ّ‬
‫ه ِللّنا ِ‬ ‫قضي إل َيه َ‬
‫م { )‪ (7‬أي ‪ :‬لو استجاب لهم كل ما دعوه به في‬ ‫جل ُهُ ْ‬‫مأ َ‬ ‫خي ْرِ ل َ ُ ِ َ ِ ْ ِ ْ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ذلك ‪ ،‬لهلكهم ‪ ،‬ولكن ل ينبغي الكثار من ذلك ‪ ،‬كما جاء في الحديث الذي‬
‫رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده ‪:‬‬
‫مر ‪ ،‬حدثنا يعقوب بن محمد ‪ ،‬حدثنا حاتم بن إسماعيل ‪،‬‬ ‫معْ َ‬ ‫حدثنا محمد بن َ‬
‫حْزَرة عن عبادة بن الوليد ‪ ،‬حدثنا جابر قال ‪ :‬قال‬ ‫حدثنا يعقوب بن مجاهد أبو َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ل تدعوا على أنفسكم ‪ ،‬ل تدعوا على‬
‫أولدكم ‪ ،‬ل تدعوا على أموالكم ‪ ،‬ل توافقوا من الله ساعة فيها إجابة‬
‫فيستجيب )‪ (8‬لكم"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود ‪ ،‬من حديث حاتم بن إسماعيل ‪ ،‬به‪(9) .‬‬
‫وقال البزار ‪] :‬و[ )‪ (10‬تفرد به عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت‬
‫شّر‬ ‫ن ِبال ّ‬ ‫سا ُ‬‫النصاري ‪ ،‬لم يشاركه أحد فيه ‪ ،‬وهذا كقوله تعالى ‪ } :‬وَي َد ْعُ الن ْ َ‬
‫جول { ] السراء ‪.[ 11 :‬‬ ‫ن عَ ُ‬ ‫سا ُ‬ ‫ن الن ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫خي ْرِ وَ َ‬ ‫عاَءه ُ ِبال ْ َ‬ ‫دُ َ‬
‫شّر‬ ‫س ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه ِللّنا ِ‬ ‫جل الل ُ‬ ‫وقال مجاهد في تفسير هذه الية ‪ } :‬وَلوْ )‪ (11‬ي ُعَ ّ‬
‫خي ْرِ { هو قول النسان لولده وماله إذا غضب عليه ‪" :‬اللهم ل‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫جال َهُ ْ‬ ‫ست ِعْ َ‬ ‫ا ْ‬
‫تبارك فيه والعنه"‪ .‬فلو يعجل لهم الستجابة في‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (2835‬من حديث جابر رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيكرر"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬ل يستحب منهم" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬ل يستجيب منهم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وأموالهم وأولدهم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬ل يستحب"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬تعجل"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬فيستحب"‪.‬‬
‫)‪ (9‬سنن أبي داود برقم )‪ (1532‬ورواه مسلم في صحيحه برقم )‪(3009‬‬
‫بأطول منه من طريق حاتم بن إسماعيل‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪ :‬ولول‪.‬‬

‫) ‪(4/251‬‬

‫َ‬ ‫جن ْب ِهِ أ َوْ َقا ِ‬


‫ضّرهُ‬ ‫ه ُ‬ ‫فَنا عَن ْ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫ما فَل َ ّ‬ ‫دا أوْ َقائ ِ ً‬ ‫ع ً‬ ‫عاَنا ل ِ َ‬ ‫ضّر د َ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫سا َ‬ ‫س اْل ِن ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫وَإ َِذا َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(12‬‬ ‫ملو َ‬ ‫ما كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ل ِل ُ‬ ‫َ‬
‫ه كذ َل ِك ُزي ّ َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ضّر َ‬ ‫م ي َد ْعَُنا إ ِلى ُ‬ ‫نل ْ‬ ‫مّر ك َأ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ما كاُنوا‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت وَ َ‬ ‫م ِبالب َي َّنا ِ‬ ‫سلهُ ْ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬ ‫موا وَ َ‬ ‫ما ظل ُ‬ ‫مل ّ‬ ‫ن قب ْل ِك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫قُرو َ‬ ‫قد ْ أهْلكَنا ال ُ‬ ‫وَل َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا كذ َل ِك ن َ ْ‬ ‫ل ِي ُؤْ ِ‬
‫م ْ‬‫ض ِ‬ ‫ف ِفي الْر ِ‬ ‫خلئ ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫جعَلَناك ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن )‪ (13‬ث ّ‬ ‫مي َ‬
‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ُ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫زي ال َ‬ ‫ج ِ‬
‫ن )‪(14‬‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ف ت َعْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م ل ِن َن ْظَر كي ْ َ‬ ‫ب َعْدِهِ ْ‬

‫ذلك ‪ ،‬كما يستجاب لهم في الخير لهلكهم‪.‬‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫جن ْب ِهِ أ َوْ َقا ِ‬
‫ضّرهُ‬ ‫ه ُ‬ ‫فَنا عَن ْ ُ‬ ‫ش ْ‬‫ما ك َ‬ ‫ما فَل ّ‬ ‫دا أوْ َقائ ِ ً‬ ‫ع ً‬ ‫عاَنا ل ِ َ‬ ‫ضّر د َ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫سا َ‬ ‫س الن ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫} وَإ َِذا َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫ملو َ‬ ‫ما كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ل ِل ُ‬ ‫َ‬
‫ه كذ َل ِك ُزي ّ َ‬ ‫س ُ‬‫م ّ‬ ‫ضّر َ‬ ‫م ي َد ْعَُنا إ ِلى ُ‬ ‫نل ْ‬ ‫مّر ك َأ ْ‬ ‫َ‬
‫‪{ (12‬‬
‫ه‬
‫س ُ‬‫م ّ‬ ‫يخبر تعالى عن النسان وضجره وقلقه إذا مسه الضر ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬وَإ َِذا َ‬
‫ض { ] فصلت ‪ [ 51 :‬أي ‪ :‬كثير ‪ ،‬وهما في معنى واحد ؛‬ ‫ري ٍ‬ ‫عاٍء عَ ِ‬ ‫ذو د ُ َ‬ ‫شّر فَ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫وذلك لنه إذا أصابته شدة قلق لها وجزع منها ‪ ،‬وأكثر الدعاء عند ذلك ‪ ،‬فدعا‬
‫الله في كشفها وزوالها عنه في حال اضطجاعه وقعوده وقيامه ‪ ،‬وفي جميع‬
‫أحواله ‪ ،‬فإذا فرج الله شدته وكشف كربته ‪ ،‬أعرض ونأى بجانبه ‪ ،‬وذهب كأنه‬
‫َ‬
‫ه{‬ ‫س ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ضّر َ‬ ‫م ي َد ْعَُنا إ َِلى ُ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫مّر ك َأ ْ‬ ‫ما كان به من ذاك شيء ‪َ } ،‬‬
‫ما‬‫ن َ‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ل ِل ْ ُ‬ ‫ك ُزي ّ َ‬ ‫ن هذه صفته وطريقته )‪ (1‬فقال ‪ } :‬ك َذ َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ثم ذم تعالى َ‬
‫ن { فأما من رزقه الله الهداية والسداد والتوفيق والرشاد ‪ ،‬فإنه‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫َ‬
‫ت{‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ملوا ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫صب َُروا وَعَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫مستثنى من ذلك ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ِ } :‬إل ال ِ‬
‫] هود ‪ ، [ 11 :‬وكقول )‪ (2‬رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬عجبا لمر‬
‫المؤمن )‪ (3‬ل يقضي الله له قضاء إل كان خيرا له ‪ :‬إن أصابته ضراء صبر‬
‫فكان خيرا له ‪ ،‬وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له" ‪ ،‬وليس ذلك لحد إل‬
‫للمؤمن‪(4) .‬‬
‫ما‬‫ت وَ َ‬ ‫ْ‬
‫م ِبالب َي َّنا ِ‬ ‫سلهُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬ ‫موا وَ َ‬ ‫َ‬
‫ما ظل ُ‬‫َ‬ ‫مل ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن قب ْل ِك ْ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫قُرو َ‬ ‫قد ْ أ َهْل َك َْنا ال ُ‬
‫ْ‬ ‫} وَل َ َ‬
‫ف ِفي‬ ‫خلئ ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫جعَل َْناك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن )‪ (13‬ث ُ ّ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫زي ال ْ َ‬ ‫ج ِ‬‫ك نَ ْ‬ ‫مُنوا ك َذ َل ِ َ‬ ‫كاُنوا ل ِي ُؤْ ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (14‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ف ت َعْ َ‬ ‫م ل ِن َن ْظ َُر ك َي ْ َ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫الْر ِ‬
‫ل بالقرون الماضية ‪ ،‬في تكذيبهم الرسل فيما جاءوهم به‬ ‫أخبر تعالى عما أح ّ‬
‫م من بعدهم ‪،‬‬ ‫من البينات والحجج الواضحات ‪ ،‬ثم استخلف الله هؤلء القو َ‬
‫وأرسل إليهم رسول لينظر طاعتهم له ‪ ،‬واتباعهم رسوله ‪ ،‬وفي صحيح مسلم‬
‫ضَرة ‪ ،‬عن أبي سعيد قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬ ‫من حديث أبي ن َ ْ‬
‫ضرة ‪ ،‬وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا‬ ‫خ ِ‬ ‫وسلم ‪" :‬إن الدنيا حلوة َ‬
‫تعملون ‪ ،‬فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في‬
‫النساء"‪(5) .‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني المثنى ‪ ،‬حدثنا زيد بن عوف أبو ربيعة فهد )‪ (6‬حدثنا‬
‫حماد ‪ ،‬عن ثابت‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬وطريقه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وكما قال"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عجبا للمؤمن"‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (2999‬من حديث صهيب الرومي رضي‬
‫الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم برقم )‪.(2742‬‬
‫)‪ (6‬في هـ ‪ ،‬ت ‪" :‬مهد" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬شهد" والتصويب من الطبري‪.‬‬

‫) ‪(4/252‬‬

‫الُبناني ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ؛ أن عوف بن مالك قال لبي بكر ‪:‬‬
‫ل الله صلى‬ ‫سب ًَبا د ُّلي من السماء ‪ ،‬فانُتشط رسو ُ‬ ‫رأيت فيما يرى النائم كأن َ‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬ثم أعيد ‪ ،‬فانُتشط أبو بكر ‪ ،‬ثم ُذرع َ )‪ (1‬الناس حول‬
‫المنبر ‪ ،‬ففضل عمر بثلث أذرع إلى المنبر‪ .‬فقال عمر ‪ :‬دعنا من رؤياك ‪ ،‬ل‬
‫ب لنا فيها! فلما استخلف عمر قال ‪ :‬يا عوف ‪ ،‬رؤياك! فقال ‪ :‬وهل لك في‬ ‫أَر َ‬
‫رؤياي من حاجة ؟ أولم تنتهرني )‪ (2‬؟ فقال ‪ :‬ويحك! إني ‪ :‬كرهت أن تنَعى‬
‫ص عليه الرؤيا ‪ ،‬حتى إذا‬ ‫لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه! فق ّ‬
‫بلغ ‪ُ" :‬ذرع )‪ (3‬الناس إلى المنبر بهذه الثلث الذرع" ‪ ،‬قال ‪ :‬أما إحداهن فإنه‬
‫كائن خليفة‪ .‬وأما الثانية فإنه ل يخاف في الله لومة لئم‪ .‬وأما الثالثة فإنه‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ض ِ‬‫ف ِفي الْر ِ‬ ‫خلئ ِ َ‬
‫م َ‬‫جعَل َْناك ُ ْ‬ ‫شهيد‪ .‬قال ‪ :‬فقال ‪ :‬يقول الله تعالى ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫م َ‬
‫ن { فقد اسُتخلفت )‪ (4‬يا ابن أم عمر ‪ ،‬فانظر كيف‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ل ِن َن ْظ َُر ك َي ْ َ‬
‫ف ت َعْ َ‬ ‫ب َعْدِهِ ْ‬
‫تعمل ؟ وأما قوله ‪" :‬فإني ل أخاف في الله لومة لئم" ‪ ،‬فما شاء الله! وأما‬
‫قوله ‪] :‬إني[ )‪ (5‬شهيد فَأ َّنى لعمر الشهادة والمسلمون مطيفون به‪(6) .‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬درع"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬تنتهزني"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬درع"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬استخلف"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (6‬تفسير الطبري )‪.(15/39‬‬

‫) ‪(4/253‬‬

‫ذا أ َْو‬ ‫ن غَي ْرِ هَ َ‬ ‫تب ُ َ‬


‫قْرآ ٍ‬ ‫قاَءَنا ائ ْ ِ ِ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫جو َ‬‫ن َل ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫م آ ََيات َُنا ب َي َّنا ٍ‬ ‫وَإ َِذا ت ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ي إ ِّني‬ ‫حى إ ِل َ ّ‬ ‫ما ُيو َ‬ ‫ن أت ّب ِعُ إ ِّل َ‬ ‫سي إ ِ ْ‬ ‫ف ِ‬‫قاِء ن َ ْ‬ ‫ن ت ِل ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫ن أب َد ّل َ ُ‬ ‫ن ِلي أ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ه قُ ْ‬ ‫ب َد ّل ْ ُ‬
‫ه عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ما ت َل َوْت ُ ُ‬ ‫ه َ‬‫شاَء الل ّ ُ‬‫ل ل َوْ َ‬ ‫ظيم ٍ )‪ (15‬قُ ْ‬ ‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ت َرّبي عَ َ‬ ‫صي ْ ُ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ف إِ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫أَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(16‬‬ ‫قُلو َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ أفََل ت َعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مًرا ِ‬ ‫م عُ ُ‬ ‫ت ِفيك ُ ْ‬ ‫قد ْ ل َب ِث ْ ُ‬ ‫م ب ِهِ فَ َ‬ ‫وََل أد َْراك ُ ْ‬
‫ن غَي ْرِ هَ َ‬
‫ذا‬ ‫قْرآ ٍ‬ ‫ت بِ ُ‬ ‫قاَءَنا ائ ْ ِ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫جو َ‬‫ن ل ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫م آَيات َُنا ب َي َّنا ٍ‬ ‫} وَإ َِذا ت ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حى إ ِل َ ّ‬
‫ي‬ ‫ما ُيو َ‬ ‫ن أت ّب ِعُ ِإل َ‬ ‫سي إ ِ ْ‬‫ف ِ‬ ‫قاِء ن َ ْ‬ ‫ن ت ِل ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن أب َد ّل َ ُ‬ ‫ن ِلي أ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ه قُ ْ‬‫أوْ ب َد ّل ْ ُ‬
‫ما ت َل َوْت ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ه َ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ل ل َوْ َ‬ ‫ظيم ٍ )‪ (15‬قُ ْ‬ ‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ت َرّبي عَ َ‬ ‫صي ْ ُ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ف إِ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫إ ِّني أ َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (16‬‬ ‫قُلو َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ أَفل ت َعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مًرا ِ‬ ‫م عُ ُ‬ ‫ت ِفيك ُ ْ‬ ‫قد ْ ل َب ِث ْ ُ‬ ‫م ب ِهِ فَ َ‬ ‫م َول أد َْراك ُ ْ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫يخبر تعالى عن تعّنت الكفار من مشركي قريش الجاحدين الحقّ المعرضين‬
‫ججه‬ ‫ح َ‬ ‫عنه ‪ ،‬أنهم إذا قََرأ عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم كتاب الله و ُ‬
‫ذا { أي ‪ :‬رد هذا وجئنا بغيره من نمط‬ ‫ن غَي ْرِ هَ َ‬ ‫قْرآ ٍ‬ ‫ت بِ ُ‬ ‫الواضحة قالوا له ‪ } :‬ائ ْ ِ‬
‫دله إلى وضع آخر ‪ ،‬قال الله لنبيه ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪،‬‬ ‫آخر ‪ ،‬أو ب َ ّ‬
‫سي { أي ‪ :‬ليس هذا إلي ‪ ،‬إنما أنا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫} قُ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫قاِء ن َ ْ‬ ‫ن ت ِل َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن أب َد ّل ُ‬ ‫ن ِلي أ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫ل َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف إِ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ي إ ِّني أ َ‬ ‫حى إ ِل ّ‬ ‫ما ُيو َ‬ ‫ن أت ّب ِعُ ِإل َ‬ ‫عبد مأمور ‪ ،‬ورسول مبلغ عن الله ‪ } ،‬إ ِ ْ‬
‫ظيم ٍ {‬ ‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ت َرّبي عَ َ‬ ‫صي ْ ُ‬ ‫عَ َ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ما ت َلوْت ُ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫شاَء الل ُ‬ ‫َ‬
‫ل لو ْ َ‬ ‫ثم قال محتجا عليهم في صحة ما جاءهم به ‪ } :‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫م ب ِهِ { أي ‪ :‬هذا إنما جئتكم به عن إذن الله لي في ذلك‬ ‫م َول أد َْراك ُ ْ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫ومشيئته وإرادته ‪ ،‬والدليل على أني لست أتقوله من عندي ول افتريته )‪(1‬‬
‫أنكم عاجزون عن معارضته ‪ ،‬وأنكم تعلمون صدقي وأمانتي منذ نشأت بينكم‬
‫إلى حين بعثني الله عز وجل ‪ ،‬ل تنتقدون علي شيئا َتغمصوني به ؛ ولهذا قال‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬أفليس لكم عقول‬ ‫قُلو َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ أَفل ت َعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مًرا ِ‬ ‫م عُ ُ‬ ‫ت ِفيك ُ ْ‬ ‫قد ْ ل َب ِث ْ ُ‬‫‪ } :‬فَ َ‬
‫تعرفون بها الحق من الباطل ؛ ولهذا لما سأل هرقل ملك الروم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬أفتريه" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬أقربه"‪.‬‬

‫) ‪(4/253‬‬

‫ممن افْت َرى عََلى الل ّهِ ك َذًِبا أ َو ك َذ ّ َ َ‬ ‫فَم َ‬


‫ن)‬
‫مو َ‬
‫جرِ ُ‬ ‫ح ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه َل ي ُ ْ‬
‫فل ِ ُ‬ ‫ب ب ِآَيات ِهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن أظ ْل َ ُ‬
‫م ِ ّ ِ‬ ‫َ ْ‬
‫‪(17‬‬

‫أبا )‪ (1‬سفيان ومن معه ‪ ،‬فيما سأله من صفة النبي صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬هل )‪ (2‬كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قال أبو سفيان ‪:‬‬
‫فقلت ‪ :‬ل ‪ -‬وقد كان أبو سفيان إذ ذاك رأس الكفرة وزعيم المشركين ‪ ،‬ومع‬
‫هذا اعترف )‪ (3‬بالحق ‪:‬‬
‫ت به العداُء‪...‬‬ ‫شهد َ ْ‬‫ل ما َ‬ ‫ض ُ‬‫ف ْ‬‫َوال َ‬
‫فقال له هرقل ‪ :‬فقد أعرف )‪ (4‬أنه لم يكن ليد َع َ الكذب على الناس ثم‬
‫يذهب فيكذب على الله‪! (5) .‬‬
‫وقال جعفر بن أبي طالب للنجاشي ملك الحبشة ‪ :‬بعث الله فينا رسول‬
‫نعرف نسبه وصدقه وأمانته ‪ ،‬وقد كانت مدة مقامه ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬بين‬
‫أظهرنا )‪ (6‬قبل النبوة أربعين سنة‪ .‬وعن سعيد بن المسيب ‪ :‬ثلثا وأربعين‬
‫سنة‪ .‬والصحيح المشهور الول‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن افْت ََرى عََلى‬ ‫} فَم َ‬
‫ن‬ ‫مو‬
‫ُ ْ ِ ُ َ‬‫ر‬‫ج‬ ‫م‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ح‬ ‫ل‬
‫ُ ِ ُ‬‫ْ‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫ه‬‫ت‬‫يا‬ ‫بآ‬
‫َ ِ َ ِ ِ ِّ ُ‬ ‫ب‬‫ّ‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫أ‬
‫ِ ًِ ْ‬‫با‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫م ِ‬
‫م ّ‬
‫م ِ‬ ‫ن أظ ْل َ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫)‪{ (17‬‬
‫ن افْت ََرى عََلى الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م ِ‬ ‫م ّ‬‫يقول تعالى ‪ :‬ل أحد أظلم ول أعتى ول أشد إجراما } ِ‬
‫ول )‪ (7‬على الله ‪ ،‬وزعم أن الله أرسله ‪ ،‬ولم يكن كذلك ‪ ،‬فليس‬ ‫ق ّ‬ ‫ك َذًِبا { وت َ َ‬
‫ما ول أعظم ظلما من هذا ‪ ،‬ومثل هذا ل يخفى أمره على‬ ‫ُ‬ ‫أحد أكبر جر ً‬
‫الغبياء ‪ ،‬فكيف يشتبه حال هذا بالنبياء! فإن من قال هذه المقالة صادقا أو‬
‫جوره ما )‪ (8‬وأظهر‬ ‫كاذبا ‪ ،‬فل بد أن الله َينصب عليه من الدلة على بّره أو فُ ُ‬
‫من الشمس ‪ ،‬فإن الفرق بين محمد صلى الله عليه وسلم وبين مسيلمة‬
‫الكذاب ]لعنة الله[ )‪ (9‬لمن شاهدهما أظهر من الفرق بين وقت الضحى‬
‫ن سيما كل منهما وكلمه وفعاله‬ ‫ووقت نصف الليل في حْندس الظلماء ‪ ،‬فَ ِ‬
‫م ْ‬
‫دل من له بصيرة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم وكذب مسيلمة‬ ‫َيست ّ‬
‫جاح ‪ ،‬والسود العَْنسي‪(10) .‬‬ ‫س َ‬
‫الكذاب ‪ ،‬و َ‬
‫قال عبد الله بن سلم ‪ :‬لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة‬
‫فل الناس ‪ ،‬فكنت فيمن انجفل ‪ ،‬فلما رأيته عرفت أن وجهه ليس بوجه‬ ‫ج َ‬
‫ان ْ َ‬
‫رجل كذاب ‪ ،‬فكان أول ما سمعته يقول ‪" :‬يا أيها الناس أفشوا السلم ‪،‬‬
‫وأطعموا الطعام ‪] ،‬وصلوا الرحام[ )‪ (11‬وصلوا بالليل والناس نيام ‪ ،‬تدخلون‬
‫الجنة بسلم"‪(12) .‬‬
‫ولما َقدم ضمام بن ثعلبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في )‪(13‬‬
‫قومه بني سعد بن بكر قال لرسول الله فيما قال له )‪ (14‬من رفع هذه‬
‫السماء ؟ قال ‪" :‬الله"‪ .‬قال ‪ :‬ومن نصب هذه الجبال ؟ قال ‪" :‬الله"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ومن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬لبي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬فهل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬أعرف"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬أعترف"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ربه"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أضهرهم"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬ويقول"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬وما"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬العبسي"‪.‬‬
‫)‪ (11‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ :‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (12‬رواه أحمد في المسند )‪ (5/451‬والترمذي في السنن برقم )‪(2485‬‬
‫وقال الترمذي ‪" :‬حديث صحيح"‪.‬‬
‫)‪ (13‬في أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫)‪ (14‬في ت ‪" :‬فيما قاله"‪.‬‬

‫) ‪(4/254‬‬

‫سطح هذه الرض ؟ قال ‪" :‬الله"‪ .‬قال ‪ :‬فبالذي رفع هذه السماء ‪ ،‬ونصب‬
‫طح هذه الرض ‪ :‬الله أرسلك إلى الناس كلهم ؟ قال ‪:‬‬ ‫س َ‬‫هذه الجبال ‪ ،‬و َ‬
‫"اللهم نعم" ثم )‪ (1‬سأله عن الصلة ‪ ،‬والزكاة ‪ ،‬والحج ‪ ،‬والصيام ‪ ،‬ويحلف‬
‫عند كل واحدة )‪ (2‬هذه اليمين ‪ ،‬ويحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫فقال له ‪ :‬صدقت ‪ ،‬والذي بعثك بالحق ل أزيد على ذلك ول أنقص‪(3) .‬‬
‫فاكتفى هذا الرجل بمجرد هذا ‪ ،‬وقد أيقن بصدقه ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه‬
‫‪ ،‬بما رأى وشاهد من الدلئل الدالة عليه ‪ ،‬كما قال حسان بن ثابت ‪:‬‬
‫ر‬
‫خب َ ِ‬ ‫مب َّينة كانت َبديهَُته )‪َ (5‬تأتي َ‬
‫ك بال َ‬ ‫ت ُ‬
‫كن )‪ (4‬فيه آيا ٌ‬‫َلو لم ت َ ُ‬
‫وأما مسيلمة فمن شاهده من َذوي البصائر ‪ ،‬علم أمره ل محالة ‪ ،‬بأقواله‬
‫الركيكة التي ليست بفصيحة ‪ ،‬وأفعاله غير الحسنة بل القبيحة ‪ ،‬وقرآنه الذي‬
‫يخلد به في النار يوم الحسرة )‪ (6‬والفضيحة ‪ ،‬وكم من فرق بين قوله‬
‫ْ‬
‫ما ِفي‬ ‫ه َ‬‫م لَ ُ‬ ‫ة َول ن َوْ ٌ‬ ‫خذ ُه ُ ِ‬
‫سن َ ٌ‬ ‫م ل ت َأ ُ‬ ‫قّيو ُ‬ ‫ي ال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ه ِإل هُوَ ال ْ َ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬الل ّ ُ‬
‫ن‬‫ما ب َي ْ َ‬‫م َ‬‫عن ْد َه ُ ِإل ب ِإ ِذ ْن ِهِ ي َعْل َ ُ‬
‫فع ُ ِ‬ ‫ذي ي َ ْ‬
‫ش َ‬ ‫ن َذا ال ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫سي ّ ُ‬ ‫سعَ ك ُْر ِ‬ ‫شاَء وَ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫مهِ ِإل ب ِ َ‬ ‫عل ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن بِ َ‬‫طو َ‬ ‫حي ُ‬ ‫م َول ي ُ ِ‬ ‫خل ْ َ‬
‫فهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬
‫ديهِ ْ‬ ‫أي ْ ِ‬
‫م { ] البقرة ‪.[ 255 :‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫ي ال ْعَ ِ‬ ‫ما وَهُوَ ال ْعَل ِ ّ‬ ‫فظ ُهُ َ‬ ‫ض َول ي َُئود ُه ُ ِ‬
‫ح ْ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫علك )‪ (7‬مسيلمة قبحه الله ولعنه ‪" :‬يا ضفدع بنت )‪ (8‬الضفدعين ‪،‬‬ ‫وبين ُ‬
‫نقي كما تنقين ل الماء تكدرين ‪ ،‬ول الشارب تمنعين"‪ .‬وقوله ‪ -‬قُّبح ولعن ‪: -‬‬
‫فاق‬ ‫ص َ‬‫سمة تسعى ‪ ،‬من بين ِ‬ ‫"لقد أنعم الله على الحبلى ‪ ،‬إذ أخرج منها ن َ َ‬
‫دره )‪ (9‬الله في نار جهنم ‪ ،‬وقد فعل ‪" : -‬الفيل وما‬ ‫خ ّ‬ ‫شى"‪ .‬وقوله ‪َ -‬‬ ‫ح َ‬ ‫و َ‬
‫م )‪ (10‬طويل" وقوله ‪ -‬أبعده الله من رحمته ‪:‬‬ ‫قو ٌ‬ ‫أدراك ما الفيل ؟ له ُزل ُ‬
‫"والعاجنات عجنا ‪ ،‬والخابزات خبزا ‪ ،‬واللقمات )‪ (11‬لقما ‪ ،‬إهالة وسمنا ‪ ،‬إن‬
‫قريشا قوم يعتدون" إلى غير ذلك من الهذيانات والخرافات التي يأنف‬
‫الصبيان أن يتلفظوا بها ‪ ،‬إل على وجه السخرية والستهزاء ؛ ولهذا أرغم الله‬
‫مّزق )‪ (12‬شمله‪ .‬ولعنه صحُبه‬ ‫أنفه ‪ ،‬وشرب يوم "حديقة الموت" حتفه‪ .‬و َ‬
‫وأهله‪ .‬وقدموا على الصديق تائبين ‪ ،‬وجاءوا في دين الله راغبين ‪ ،‬فسألهم‬
‫الصديق خليفة الرسول ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ ،‬ورضي ]الله[ )‪ (13‬عنه‬
‫‪ -‬أن يقرءوا عليه شيئا من قرآن مسيلمة لعنه الله ‪ ،‬فسألوه أن يعفيهم من‬
‫ذلك ‪ ،‬فأبى عليهم إل أن يقرءوا شيئا منه ليسمعه من لم يسمعه من الناس ‪،‬‬
‫فيعرفوا فضل ما هم عليه )‪ (14‬من الهدى والعلم‪ .‬فقرءوا عليه من هذا الذي‬
‫ذكرناه وأشباهه ‪ ،‬فلما فرغوا قال لهم الصديق ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬ويحكم! أين‬
‫ل‪.‬‬‫كان ُيذهب بعقولكم ؟ والله إن هذا لم يخرج من إ ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬قال ‪ :‬ثم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬واحد"‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (12‬من حديث أنس بن مالك رضي الله‬
‫عنه بنحو هذا السياق‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬يكن"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬بدايته"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الحشر"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬علل"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬بين"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬خلده"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬زلوم"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فاللقمات"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وتمزق"‪.‬‬
‫)‪ (13‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (14‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيه"‪.‬‬

‫) ‪(4/255‬‬

‫فَعاؤَُنا ِ‬
‫عن ْد َ‬ ‫ش َ‬ ‫ن هَؤَُلِء ُ‬ ‫قوُلو َ‬
‫م وَي َ ُ‬ ‫م وََل ي َن ْ َ‬
‫فعُهُ ْ‬ ‫ضّرهُ ْ‬‫ما َل ي َ ُ‬‫ن الل ّهِ َ‬‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫وَي َعْب ُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه وَت ََعالى‬‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬‫ض ُ‬‫ت وَل ِفي الْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫ما ل ي َعْل ُ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫الل ّهِ قل أت ُن َب ّئو َ‬
‫ن الل َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫ت‬
‫ق ْ‬
‫سب َ َ‬
‫ة َ‬ ‫فوا وَل َوَْل ك َل ِ َ‬
‫م ٌ‬ ‫خت َل َ ُ‬
‫حد َة ً َفا ْ‬
‫ة َوا ِ‬ ‫س إ ِّل أ ّ‬
‫م ً‬ ‫ن الّنا ُ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫ن )‪ (18‬وَ َ‬ ‫شرِ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ما ي ُ ْ‬‫عَ ّ‬
‫ن )‪(19‬‬ ‫فو َ‬‫خت َل ِ ُ‬
‫ما ِفيهِ ي َ ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬
‫ض َ‬
‫ق ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّك ل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬

‫وذكروا أن وفد عمرو بن العاص على مسيلمة ‪ ،‬وكان صديقا له في‬


‫الجاهلية ‪ ،‬وكان عمرو لم يسلم بعد ُ ‪ ،‬فقال له مسيلمة ‪ :‬ويحك يا عمرو ‪،‬‬
‫ماذا أنزل على صاحبكم ‪ -‬يعني ‪ :‬رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في هذه‬
‫المدة ؟ فقال ‪ :‬لقد سمعت أصحابه يقرءون سورة عظيمة قصيرة فقال ‪:‬‬
‫مُلوا‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سرٍ ِإل ال ّ ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫في ُ‬ ‫ن لَ ِ‬ ‫سا َ‬ ‫ن الن ْ َ‬ ‫صرِ إ ِ ّ‬ ‫وما هي ؟ فقال ‪َ } :‬وال ْعَ ْ‬
‫صب ْرِ { ]سورة العصر[ ‪ ،‬ففكر مسيلمة‬ ‫وا ِبال ّ‬ ‫ص ْ‬ ‫وا َ‬ ‫حقّ وَت َ َ‬ ‫وا ِبال ْ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫وا َ‬ ‫ت وَت َ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ي مثله‪ .‬فقال ‪ :‬وما هو ؟ فقال ‪" :‬يا وَب ُْر )‪(1‬‬ ‫ساعة ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬وقد أنزل عل ّ‬
‫قر ‪ ،‬كيف ترى يا عمرو ؟" فقال له‬ ‫قٌر ن َ ْ‬ ‫ح ْ‬‫إنما أنت أذنان وصدر ‪ ،‬وسائرك َ‬
‫عمرو ‪ (2) :‬والله إنك لتعلم أني أعلم أنك لتكذب" ‪ ،‬فإذا كان هذا من مشرك‬
‫في حال شركه ‪ ،‬لم يشتبه عليه حال محمد صلى الله عليه وسلم وصدقه ‪،‬‬
‫وحال مسيلمة ‪ -‬لعنه الله ‪ -‬وكذبه ‪ ،‬فكيف بأولي )‪ (3‬البصائر والنهى ‪،‬‬
‫وأصحاب العقول السليمة المستقيمة والحجى! ولهذا قال الله تعالى ‪:‬‬
‫يءٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ح إ ِل َي ْهِ َ‬ ‫م ُيو َ‬ ‫ي وَل َ ْ‬ ‫ي إ ِل َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ل ُأو ِ‬ ‫ن افْت ََرى عََلى الل ّهِ ك َذًِبا أ َوْ َقا َ‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫م ّ‬‫م ِ‬ ‫ن أظ ْل َ ُ‬
‫} وم َ‬
‫َ َ ْ‬
‫ه { ] النعام ‪ (4) ، [ 93 :‬وقال في هذه‬ ‫ل الل ُّ‬ ‫ما َأنز َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫أنز‬ ‫ُ‬ ‫س‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫قا‬ ‫ن َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫هل‬ ‫ب ِبآَيات ِهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ن افْت ََرى عَلى اللهِ كذًِبا أوْ كذ ّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫م ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن أظل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫الية الكريمة ‪ } :‬وَ َ‬
‫ذب بالحق الذي جاءت به‬ ‫ن { ] النعام ‪ ، [ 21 :‬وكذلك من ك ّ‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ح ال ّ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫الرسل ‪ ،‬وقامت عليه الحجج ‪ ،‬ل أحد أظلم منه كما جاء في الحديث ‪" :‬أعتى‬
‫ل قتل نبيا ‪ ،‬أو قتله نبي"‪(5) .‬‬ ‫الناس على الله رج ٌ‬
‫عن ْد َ‬‫فَعاؤَُنا ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ؤلِء ُ‬ ‫ن هَ ُ‬ ‫قولو َ‬ ‫ُ‬ ‫م وَي َ ُ‬ ‫فعُهُ ْ‬ ‫م َول ي َن ْ َ‬ ‫ضّرهُ ْ‬ ‫ما ل ي َ ُ‬ ‫ن اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫} وَي َعْب ُ ُ‬
‫َ‬
‫ه وَت ََعالى‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الل ّهِ قُ ْ‬
‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬
‫ض ُ‬ ‫ت َول ِفي الْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫ما ل ي َعْل ُ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ل أت ُن َب ّئو َ‬
‫ُ‬
‫ت‬
‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬‫ة َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ول ك َل ِ َ‬ ‫فوا وَل َ ْ‬ ‫خت َل َ ُ‬‫حد َة ً َفا ْ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬‫س ِإل أ ّ‬ ‫ن الّنا ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن )‪ (18‬وَ َ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫عَ ّ‬
‫ن )‪{ (19‬‬ ‫َ‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫في‬
‫ِ َ ََُْ ْ ِ َ ِ ِ َ ْ َِ‬ ‫ما‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫م ْ َ ّ‬
‫ب‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫ينكر تعالى على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره ‪ ،‬ظانين أن تلك اللهة‬
‫تنفعهم شفاعُتها عند الله ‪ ،‬فأخبر تعالى أنها ل تنفع ول تضر ول تملك شيئا ‪،‬‬
‫ول يقع شيء مما يزعمون فيها ‪ ،‬ول يكون هذا أبدا ؛ ولهذا قال تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ل‬
‫َ‬
‫ض {‪.‬‬ ‫ت َول ِفي الْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫ما ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫أت ُن َب ُّئو َ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬معناه أتخبرون )‪ (6‬الله بما ل يكون في السماوات ول في‬
‫ما‬ ‫ه وَت ََعاَلى عَ ّ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬
‫الرض ؟ ثم نزه نفسه عن شركهم وكفرهم ‪ ،‬فقال ‪ُ } :‬‬
‫ن {‪.‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يا وبر وبر"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬عمر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬بأول"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬فمن"‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه المام أحمد في المسند )‪ (1/407‬من حديث عبد الله بن مسعود‬
‫ولفظه ‪" :‬أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتله نبي أو قتل نبيا"‪ .‬وروى‬
‫البخاري في صحيحه برقم )‪ (4073‬من حديث أبي هريرة ‪" :‬اشتد غضب الله‬
‫على من يقتله رسول الله في سبيل الله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬تخبرون"‪.‬‬

‫) ‪(4/356‬‬
‫م‬ ‫ب ل ِل ّهِ َفان ْت َظ ُِروا إ ِّني َ‬
‫معَك ُ ْ‬ ‫ما ال ْغَي ْ ُ‬ ‫ن َرب ّهِ فَقُ ْ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫م ْ‬
‫ة ِ‬ ‫ن ل َوَْل أ ُن ْزِ َ‬
‫ل عَل َي ْهِ آ َي َ ٌ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫وَي َ ُ‬
‫ن )‪(20‬‬ ‫ري‬ ‫ظ‬
‫ُ َْ ِ ِ َ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬‫م َ‬ ‫ِ‬

‫ثم أخبر تعالى أن هذا الشرك حادث في الناس ‪ ،‬كائن بعد أن لم يكن ‪ ،‬وأن‬
‫الناس كلهم كانوا على دين واحد ‪ ،‬وهو السلم ؛ قال ابن عباس ‪ :‬كان بين‬
‫آدم ونوح عشرة قرون ‪ ،‬كلهم على السلم ‪ ،‬ثم وقع الختلف بين الناس ‪،‬‬
‫ججه‬ ‫ح َ‬ ‫عبدت الصنام والنداد والوثان ‪ ،‬فبعث الله الرسل بآياته وبيناته و ُ‬ ‫و ُ‬
‫ن ب َي ّن َةٍ {‬ ‫ي عَ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫حَيا َ‬ ‫ن ب َي ّن َةٍ وَي َ ْ‬ ‫ن هَلك عَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫البالغة وبراهينه الدامغة ‪ } ،‬ل ِي َهْل ِك َ‬
‫] النفال ‪.[ 42 :‬‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫فو‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫في‬
‫ِ َ ََُْ ْ ِ َ ِ ِ َ ْ َِ‬ ‫ما‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ول ِ َ ٌ َ َ ْ ِ ْ َ ّ‬
‫ب‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َ ْ‬
‫لول ما تقدم من الله تعالى أنه ل يعذب أحدا إل بعد قيام الحجة عليه ؛ وأنه‬
‫قد أجل الخلق إلى أجل معدود لقضى بينهم فيما فيه اختلفوا ‪ ،‬فأسعد‬
‫ت الكافرين‪.‬‬ ‫المؤمنين ‪ ،‬وأعن َ َ‬
‫ب ل ِلهِ َفان ْت َظ ُِروا إ ِّني‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ما الغَي ْ ُ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن َرب ّهِ فَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫َ‬
‫ل عَلي ْهِ آي َ ٌ‬ ‫ول ُأنز َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫} وَي َ ُ‬
‫ن )‪{ (20‬‬ ‫ري َ‬ ‫من ْت َظ ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫أي ‪ :‬ويقول هؤلء الكفرة ]الملحدون[ )‪ (1‬المكذبون المعاندون ‪" :‬لول أنزل‬
‫على محمد آية من ربه" ‪ ،‬يعنون كما أعطى الله ثمود الناقة ‪ ،‬أو أن )‪(2‬‬
‫يحول لهم الصفا ذهبا ‪ ،‬أو يزيح عنهم جبال مكة ويجعل مكانها بساتين وأنهارا‬
‫‪ ،‬ونحو ذلك مما الله عليه قادر )‪ (3‬ولكنه حكيم في أفعاله وأقواله ‪ ،‬كما قال‬
‫حت َِها‬‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ًْرا ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫شاَء َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي إ ِ ْ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫تعالى ‪ } :‬ت ََباَر َ‬
‫من َعََنا‬
‫ما َ‬ ‫صوًرا { ] الفرقان ‪ [ 11 ، 10 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬ ‫ك قُ ُ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫الن َْهاُر وَي َ ْ‬
‫موا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫صَرة ً فظل ُ‬ ‫مب ْ ِ‬ ‫ة ُ‬ ‫مود َ الّناق َ‬ ‫ن َوآت َي َْنا ث ُ‬ ‫ب ب َِها الوّلو َ‬ ‫ن كذ َ‬ ‫ت ِإل أ ْ‬ ‫ل ِبالَيا ِ‬ ‫ن ن ُْر ِ‬ ‫أ ْ‬
‫فا { ] السراء ‪ ، [ 59 :‬يقول تعالى ‪ :‬إن سنتي‬ ‫وي ً‬ ‫خ ِ‬ ‫ت ِإل ت َ ْ‬ ‫ل ِبالَيا ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ما ن ُْر ِ‬ ‫ب َِها وَ َ‬
‫في خلقي أني إذا آتيتهم ما سألوا ‪ ،‬فإن آمنوا وإل عاجلتهم بالعقوبة‪ .‬ولهذا‬
‫لما خّير رسول الله ‪ ،‬عليه الصلة والسلم ‪ ،‬بين أن ُيعطى ما سألوا ‪ ،‬فإن‬
‫عوجلوا ‪ ،‬وبين أن يتركهم وي ُْنظرهم ‪ ،‬اختار إنظارهم ‪ ،‬كما حلم‬ ‫أجابوا وإل ُ‬
‫عنهم غير مرة ‪ ،‬صلوات الله عليه ؛ ولهذا قال تعالى إرشادا لنبيه إلى الجواب‬
‫ب ل ِل ّهِ { أي ‪ :‬المر كله لله ‪ ،‬وهو يعلم العواقب‬ ‫ما ال ْغَي ْ ُ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫عما سألوا ‪ } :‬فَ ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬إن كنتم ل تؤمنون‬ ‫ري َ‬ ‫من ْت َظ ِ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫معَك ْ‬ ‫في المور ‪َ } ،‬فان ْت َظ ُِروا إ ِّني َ‬
‫ي وفيكم‪ .‬هذا مع أنهم قد‬ ‫حتى تشاهدوا ما سألتم فانتظروا حكم الله ف ّ‬
‫شاهدوا من معجزاته ‪ ،‬عليه السلم )‪ (4‬أعظم مما سألوا حين أشار‬
‫بحضرتهم إلى القمر ليلة إبداره ‪ ،‬فانشق باثنتين )‪ (5‬فرقة من وراء الجبل ‪،‬‬
‫وفرقة من دونه‪ .‬وهذا أعظم من سائر اليات الرضية مما سألوا وما لم‬
‫يسألوا ‪ ،‬ولو علم الله منهم أنهم سألوا ذلك استرشادا وتثّبتا لجابهم ‪ ،‬ولكن‬
‫علم أنهم إنما يسألون عنادا وتعنتا ‪ ،‬فتركهم فيما رابهم ‪ ،‬وعلم أنهم ل يؤمن‬
‫كل‬ ‫ة َرب ّ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ك َل ِ َ‬‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫)‪ (6‬منهم أحد ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫م { ] يونس ‪، [ 97 ، 96 :‬‬ ‫ب الِلي َ‬ ‫ذا َ‬ ‫حّتى ي ََرُوا ال ْعَ َ‬ ‫ل آي َةٍ َ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬ ‫ن وَل َوْ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫َ‬
‫شْرَنا عَل َي ْهِ ْ‬
‫م‬ ‫ح َ‬ ‫موَْتى وَ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫ة وَك َل ّ َ‬ ‫ملئ ِك َ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬وَل َوْ أن َّنا نزل َْنا إ ِل َي ْهِ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫جهَُلو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫ه وَل َك ِ ّ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫مُنوا ِإل أ ْ‬ ‫كاُنوا ل ِي ُؤْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫يٍء قُُبل َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫] النعام ‪، [ 111 :‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وأن"‪.‬‬
‫‪" :‬مما الله قادر عليه"‪.‬‬ ‫ت‬ ‫في‬ ‫)‪(3‬‬
‫"صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬ ‫أ‪:‬‬ ‫في‬ ‫)‪(4‬‬
‫‪ ،‬أ ‪" :‬باثنين"‪.‬‬ ‫ت‬ ‫في‬ ‫)‪(5‬‬
‫‪ ،‬أ ‪" :‬ولكن ممن لم يؤمن"‪.‬‬ ‫ت‬ ‫في‬ ‫)‪(6‬‬

‫) ‪(4/257‬‬

‫ماِء‬‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫م َباًبا ِ‬ ‫حَنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ولما فيهم من المكابرة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَل َوْ فَت َ ْ‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫حوُرو َ‬ ‫س ُ‬‫م ْ‬‫م َ‬ ‫ن قَوْ ٌ‬ ‫ح ُ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫صاُرَنا ب َ ْ‬ ‫ت أب ْ َ‬ ‫سك َّر ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫قاُلوا إ ِن ّ َ‬
‫ن لَ َ‬‫جو َ‬ ‫فَظ َّلوا ِفيهِ ي َعُْر ُ‬
‫ساقِ ً‬
‫طا‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫فا ِ‬ ‫س ً‬‫ن ي ََرْوا ك ِ ْ‬ ‫] الحجر ‪ ، [ 15 ، 14 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫م { ] الطور ‪ ، [ 44 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَل َوْ نزل َْنا عَل َي ْكَ‬ ‫كو ٌ‬ ‫مْر ُ‬
‫ب َ‬ ‫حا ٌ‬ ‫قوُلوا َ‬
‫س َ‬ ‫يَ ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫مِبي ٌ‬‫حٌر ُ‬ ‫س ْ‬‫ذا ِإل ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫فُروا إ ِ ْ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬‫ل ال ِ‬ ‫قا َ‬ ‫مل َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫سوه ُ ب ِأي ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫س فَل َ‬ ‫ك َِتاًبا ِفي قِْرطا ٍ‬
‫] النعام ‪ ، [ 7 :‬فمثل هؤلء أقل من أن يجابوا إلى ما سألوه ؛ لنه ل فائدة‬
‫في جواب هؤلء ؛ لنه دائر على تعنتهم وعنادهم ‪ ،‬لكثرة فجورهم وفسادهم ؛‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬ ‫من ْت َظ ِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫م ِ‬‫معَك ُ ْ‬ ‫ولهذا قال ‪َ } :‬فان ْت َظ ُِروا إ ِّني َ‬

‫) ‪(4/258‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ل الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫مك ٌْر ِفي آَيات َِنا قُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م إ َِذا ل َهُ ْ‬ ‫ست ْهُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ضّراَء َ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫س َر ْ‬ ‫وَإ َِذا أذ َقَْنا الّنا َ‬
‫م ِفي ال ْب َّر‬ ‫َ‬
‫سي ُّرك ُ ْ‬ ‫ذي ي ُ َ‬ ‫ن )‪ (21‬هُوَ ال ّ ِ‬ ‫مك ُُرو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سل ََنا ي َك ْت ُُبو َ‬ ‫ن ُر ُ‬ ‫مك ًْرا إ ِ ّ‬ ‫سَرع ُ َ‬ ‫أ ْ‬
‫ح‬
‫جاَءت َْها ِري ٌ‬ ‫حوا ب َِها َ‬ ‫ريٍح ط َي ّب َةٍ وَفَرِ ُ‬ ‫م بِ َ ِ‬ ‫ن ب ِهِ ْ‬ ‫جَري ْ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫فل ْ ِ‬ ‫م ِفي ال ْ ُ‬ ‫حّتى إ َِذا ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫حرِ َ‬ ‫َوال ْب َ ْ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫ْ‬
‫وا الل َ‬ ‫م د َعَ ُ‬ ‫حيط ب ِهِ ْ‬ ‫مأ ِ‬ ‫ن وَظّنوا أن ّهُ ْ‬ ‫كا ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫جاَءهُ ُ‬ ‫ف وَ َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫عا ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن هَذِهِ لن َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ن )‪ (22‬فَل ّ‬ ‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫م ْ‬‫جي ْت ََنا ِ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫ن لئ ِ ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫نل ُ‬ ‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫م عَلى‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫ب‬ ‫ما‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ها‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫يا‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫غ‬ ‫ب‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫غو‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫جا‬ ‫ن‬ ‫أَ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ُ ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ْ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(23‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫م فَن ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫جعُك ُ ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫م إ ِل َي َْنا َ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا ث ُ ّ‬ ‫مَتاعَ ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫َ‬
‫ل الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫مك ٌْر ِفي آَيات َِنا قُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م إ َِذا ل َهُ ْ‬ ‫ست ْهُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ضّراَء َ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫س َر ْ‬ ‫} وَإ َِذا أذ َقَْنا الّنا َ‬
‫م ِفي ال ْب َّر‬ ‫َ‬
‫سي ُّرك ُ ْ‬ ‫ذي ي ُ َ‬ ‫ن )‪ (21‬هُوَ ال ّ ِ‬ ‫مك ُُرو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سل ََنا ي َك ْت ُُبو َ‬ ‫ن ُر ُ‬ ‫مك ًْرا إ ِ ّ‬ ‫سَرع ُ َ‬ ‫أ ْ‬
‫ح‬
‫جاَءت َْها ِري ٌ‬ ‫حوا ب َِها َ‬ ‫ريٍح ط َي ّب َةٍ وَفَرِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫م بِ‬ ‫ن ب ِهِ ْ‬ ‫جَري ْ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫فل ْ ِ‬ ‫م ِفي ال ْ ُ‬ ‫حّتى إ َِذا ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫حرِ َ‬ ‫َوال ْب َ ْ‬
‫وا الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫م د َعَ ُ‬ ‫ط ب ِهِ ْ‬ ‫حي َ‬ ‫م أُ ِ‬ ‫َ‬
‫ن وَظ َّنوا أن ّهُ ْ‬ ‫كا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫جاَءهُ ُ‬ ‫ف وَ َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫عا ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن هَذِهِ لن َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ن )‪ (22‬فَل ّ‬ ‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫م ْ‬‫جي ْت ََنا ِ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫ن لئ ِ ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫نل ُ‬ ‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫م عَلى‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫ب‬ ‫ما‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ها‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫يا‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫غ‬ ‫ب‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫غو‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫جا‬ ‫ن‬ ‫أَ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ُ ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ْ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪{ (23‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫م فَن ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫جعُك ُ ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫م إ ِل َي َْنا َ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا ث ُ ّ‬ ‫مَتاعَ ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫يخبر )‪ (1‬تعالى أنه إذا أذاق الناس رحمة من بعد ضراء مستهم ‪ ،‬كالرخاء بعد‬
‫الشدة ‪ ،‬والخصب )‪ (2‬بعد الجدب ‪ ،‬والمطر بعد القحط ونحو ذلك } إ َِذا ل َهُ ْ‬
‫م‬
‫مك ٌْر ِفي آَيات َِنا {‪.‬‬ ‫َ‬
‫عاَنا‬ ‫ضّر د َ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫سا َ‬ ‫س الن ْ َ‬ ‫م َ ّ‬ ‫قال مجاهد ‪ :‬استهزاء وتكذيب‪ .‬كما قال ‪ } :‬وَإ َِذا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫جن ْب ِهِ أ َوْ َقا ِ‬
‫ضّر‬ ‫م ي َد ْعَُنا إ ِلى ُ‬ ‫نل ْ‬ ‫َ‬
‫مّر كأ ْ‬ ‫ضّره ُ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫فَنا عَن ْ ُ‬ ‫ش ْ‬‫ما ك َ َ‬ ‫ما فَل َ ّ‬ ‫دا أوْ َقائ ِ ً‬ ‫ع ً‬ ‫لِ َ‬
‫ه { ] يونس ‪ ، [ 12 :‬وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫م ّ ُ‬
‫س‬ ‫َ‬
‫صلى بهم الصبح على )‪ (3‬أثر سماء ‪ -‬مطر )‪ - (4‬أصابهم )‪ (5‬من الليل ثم‬
‫قال ‪" :‬هل تدرون ماذا قال ربكم الليلة ؟" قالوا )‪ (6‬الله ورسوله أعلم‪.‬‬
‫مطرنا‬ ‫قال ‪" :‬قال ‪ :‬أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ‪ ،‬فأما من قال ‪ُ :‬‬
‫بفضل الله ورحمته ‪ ،‬فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب ‪ ،‬وأما من قال ‪ :‬مطرنا‬
‫بنوء كذا وكذا ‪ ،‬فذاك كافر بي مؤمن بالكوكب"‪(7) .‬‬
‫مك ًْرا { أي ‪ :‬أشد استدراجا وإمهال حتى يظن‬ ‫وقوله ‪ } :‬قُل الل ّ َ‬
‫سَرع ُ َ‬
‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الظان من المجرمين أنه ليس بمعذب ‪ ،‬وإنما هو في مهلة ‪ ،‬ثم يؤخذ على‬
‫غرة منه ‪ ،‬والكاتبون الكرام يكتبون عليه جميع ما يفعله ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬فخبر"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬والخصيب"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أي مطر"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬أصابتهم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬قلنا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬صحيح البخاري برقم )‪ (846‬وصحيح مسلم برقم )‪.(71‬‬

‫) ‪(4/258‬‬

‫ت اْل َْر‬ ‫خت َل َ َ‬ ‫َ‬


‫ما‬‫م ّ‬ ‫ض ِ‬ ‫ِ‬ ‫ط ب ِهِ ن ََبا ُ‬ ‫ماِء َفا ْ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ماٍء أن َْزل َْناه ُ ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا ك َ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫مث َ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ها‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬
‫ْ ُ ُ ْ ُ َ َ ّ َّ ْ َ ّ ْ َ ُّ ْ‬‫َ‬ ‫ظ‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫ز‬ ‫وا‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫ز‬ ‫ض‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ت‬‫َ ِ‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫تى‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫عا‬
‫ّ ُ َ َْ ُ َ ّ‬‫ن‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫وا‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ي َأ ْك‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َقادرون عَل َيها أ َتا َ َ‬
‫س‬
‫م ِ‬ ‫ن ِباْل ْ‬ ‫م ت َغْ َ‬‫ن لَ ْ‬‫دا ك َأ ْ‬ ‫صي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ها َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬
‫مُرَنا ل َي ًْل أوْ ن ََهاًرا فَ َ‬ ‫ها أ ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫ُِ َ‬
‫دي‬ ‫ه‬ ‫ي‬
‫ّ ِ ََْ ِ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫دا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫عو‬‫ُ‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫(‬ ‫‪24‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫ّ‬ ‫ك‬ ‫َ‬
‫َ ِ ِ ْ ٍ ََ ُ َ‬‫ف‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫يا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ص‬‫ك نُ ّ‬
‫َ‬ ‫ف‬ ‫ك َذ َل ِ َ‬
‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ َ ْ‬
‫قيم ٍ )‪(25‬‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫شاُء إ َِلى ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬

‫ويحصونه عليه ‪ ،‬ثم يعرضون على عالم الغيب والشهادة ‪ ،‬فيجازيه على‬
‫طمير‪.‬‬ ‫ق ْ‬ ‫الحقير والجليل )‪ (1‬والنقير وال ِ‬
‫حرِ { أي ‪ :‬يحفظكم )‪(2‬‬ ‫ْ‬
‫م ِفي الب َّر َوالب َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫سي ُّرك ْ‬ ‫ذي ي ُ َ‬ ‫ثم أخبر تعالى أنه ‪ } :‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫حوا‬ ‫ريٍح ط َي ّب َةٍ وَفَرِ ُ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫ن ب ِهِ ْ‬ ‫جَري ْ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫فل ْ ِ‬ ‫م ِفي ال ْ ُ‬ ‫حّتى إ َِذا ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ويكلؤكم بحراسته } َ‬
‫جاَءت َْها { أي ‪:‬‬ ‫ب َِها { أي ‪ :‬بسرعة سيرهم رافقين ‪ ،‬فبينما )‪ (3‬هم كذلك إذ } َ‬
‫ن{‬ ‫م َ‬
‫كا ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬‫ج ِ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫جاَءهُ ُ‬ ‫ف { أي ‪ :‬شديدة } وَ َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫عا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫تلك السفن } ِري ٌ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وا الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫م { أي ‪ :‬هلكوا } د َعَ ُ‬ ‫ط ب ِهِ ْ‬ ‫حي َ‬ ‫مأ ِ‬ ‫أي ‪ :‬اغتلم البحر عليهم } وَظ َّنوا أن ّهُ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل يدعون معه صنما ول وثنا ‪ ،‬بل يفردونه بالدعاء‬ ‫دي َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ن ِإل‬‫عو َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ض‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ّ‬ ‫ض‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬
‫َِ َ ّ ُ‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫قال‬ ‫كما‬ ‫‪،‬‬ ‫والبتهال‬
‫َ‬
‫فوًرا { ] السراء ‪، [ 67 :‬‬ ‫ن كَ ُ‬ ‫سا ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫كا َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ضت ُ ْ‬‫م إ َِلى ال ْب َّر أعَْر ْ‬ ‫جاك ُ ْ‬ ‫إ ِّياه ُ فَل َ ّ‬
‫ما ن َ ّ‬
‫َ‬
‫ن هَذِهِ { أي ‪ :‬هذه‬ ‫م ْ‬ ‫جي ْت ََنا ِ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫ن ل َئ ِ ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫وا الل ّ َ‬ ‫وقال هاهنا ‪ } :‬د َعَ ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل نشرك بك أحدا ‪ ،‬ولنفردنك )‪(4‬‬ ‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫الحال } ل َن َ ُ‬
‫َ‬
‫م{‬ ‫جاهُ ْ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫بالعبادة هناك كما أفردناك بالدعاء هاهنا ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ } :‬فَل َ ّ‬
‫حقّ { أي ‪ :‬كأن لم‬ ‫ض ب ِغَي ْرِ ال ْ َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ي َب ُْغو َ‬ ‫أي ‪ :‬من تلك الورطة } إ َِذا هُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه{‬ ‫س ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ضّر َ‬ ‫م ي َد ْعَُنا إ ِلى ُ‬ ‫نل ْ‬ ‫يكن من ذاك شيء )‪ } (5‬ك َأ ْ‬
‫م { أي ‪ :‬إنما يذوق‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م عََلى أ َن ْ ُ‬ ‫ما ب َغْي ُك ُ ْ‬ ‫س إ ِن ّ َ‬
‫َ‬
‫ثم قال تعالى ‪َ } :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫وبال هذا البغي أنتم أنفسكم ول تضرون )‪ (6‬به أحدا غيركم ‪ ،‬كما جاء في‬
‫الحديث ‪" :‬ما من ذنب أجدر )‪ (7‬أن يعجل الله عقوبته في الدنيا ‪ ،‬مع ما‬
‫َيدخر )‪ (8‬الله لصاحبه في الخرة ‪ ،‬من البغي وقطيعة الرحم"‪(9) .‬‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا { أي ‪ :‬إنما لكم متاع في الحياة الدنيا الدنيئة‬ ‫مَتاعَ ال ْ َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫م { أي ‪ :‬مصيركم ومآلكم )‪ } (10‬فننبئكم { أي ‪:‬‬ ‫جعُك ُ ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫َ‬
‫م إ ِلي َْنا َ‬ ‫الحقيرة } ث ُ ّ‬
‫فنخبركم بجميع أعمالكم ‪ ،‬ونوفيكم )‪ (11‬إياها ‪ ،‬فمن وجد خيرا فليحمد الله ‪،‬‬
‫ومن وجد غير ذلك فل يلومن إل نفسه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫م ّ‬‫ض ِ‬ ‫ت َالْر َِ‬ ‫خت َلط ب ِهِ ن ََبا ُ‬ ‫َ‬
‫ماِء فا ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ماٍء أنزل َْناه ُ ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا ك َ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫ما َ‬‫} إ ِن ّ َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ن أهْلَها أن ّهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ت وَظ ّ‬ ‫خُرفَها َواّزي ّن َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ض ُز ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت الْر‬ ‫خذ ِ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حّتى إ ِذا أ َ‬ ‫م َ‬ ‫س َوالن َْعا ُ‬ ‫ُ‬ ‫ل الّنا‬ ‫ي َأ ْك ُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َقادرون عَل َيها أ َتا َ َ‬
‫س‬
‫م ِ‬ ‫ن ِبال ْ‬‫م ت َغْ َ‬‫ن لَ ْ‬ ‫دا ك َأ ْ‬ ‫صي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ها َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬‫مُرَنا ل َْيل أوْ ن ََهاًرا فَ َ‬ ‫ها أ ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫ُِ َ‬
‫دي‬ ‫ه‬ ‫ي‬
‫ّ ِ ََْ ِ‬‫و‬ ‫م‬‫سل‬ ‫ال‬ ‫ر‬‫دا‬
‫َ ِ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫عو‬
‫ُ‬ ‫د‬ ‫ي‬
‫َ ُ َ ْ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫(‬ ‫‪24‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫ّ‬ ‫ك‬
‫َ ِ ِ ْ ٍ ََ ُ َ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫يا‬ ‫ال‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ص‬
‫ك نُ ّ‬
‫َ‬ ‫ف‬ ‫ك َذ َل ِ َ‬
‫قيم ٍ )‪{ (25‬‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫شاُء إ َِلى ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬القليل والحقير"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يحيطكم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬فبينا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬ولنفردك"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬كأن لم يكن شيء من ذاك"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬يضرون"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬أحذر"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬يؤخر"‪.‬‬
‫)‪ (9‬رواه أبو داود في السنن برقم )‪ (4902‬والترمذي في السنن برقم )‬
‫‪ (2511‬وابن ماجه في السنن برقم )‪ (4211‬من حديث أبي بكرة رضي الله‬
‫عنه ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن صحيح"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬ومآبكم"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪" :‬ونوفكم"‪.‬‬

‫) ‪(4/259‬‬

‫ضرب ]تبارك و[ )‪ (1‬تعالى مثل لزهرة الحياة الدنيا وزينتها وسرعة انقضائها‬
‫وزوالها ‪ ،‬بالنبات الذي أخرجه الله من الرض بما أنزل )‪ (2‬من السماء من‬
‫الماء ‪ ،‬مما يأكل الناس من زرع )‪ (3‬وثمار ‪ ،‬على اختلف أنواعها وأصنافها ‪،‬‬
‫ض‬
‫ت الْر ُ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫حّتى إ َِذا أ َ َ‬ ‫ضب وغير ذلك ‪َ } ،‬‬ ‫وما تأكل )‪ (4‬النعام من أب وقَ ْ‬
‫سنت بما خرج من )‪(5‬‬ ‫ح ُ‬
‫ت { أي ‪َ :‬‬ ‫خُرفََها { أي ‪ :‬زينتها الفانية ‪َ } ،‬واّزي ّن َ ْ‬ ‫ُز ْ‬
‫ن أهْلَها { الذين‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضرة مختلفة الشكال واللوان ‪ } ،‬وَظ ّ‬ ‫ُرباها من زهور ن َ ِ‬
‫جذاذها وحصادها‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن عَلي َْها { أي ‪ :‬على َ‬ ‫م قادُِرو َ‬ ‫زرعوها وغرسوها )‪ } (6‬أن ّهُ ْ‬
‫فبيناهم )‪ (7‬كذلك إذ جاءتها صاعقة ‪ ،‬أو ريح بادرة ‪ ،‬فأيبست أوراقها ‪،‬‬
‫جعَل َْنا َ‬ ‫َ‬ ‫وأتلفت ثمارها ؛ ولهذا قال تعالى ‪ } :‬أ َتا َ َ‬
‫ها‬ ‫مُرَنا ل َْيل أوْ ن ََهاًرا فَ َ‬
‫ها أ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫غ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫حصيدا { )‪ (8‬أي ‪ :‬يبسا بعد ]تلك[ )‪ (9‬الخضرة والنضارة ‪ } ،‬ك َأ َ‬
‫ْ‬
‫ْ ْ َ َ‬ ‫َ ِ ً‬
‫س { أي ‪ :‬كأنها ما كانت حسناء قبل ذلك‪.‬‬ ‫م ِ‬‫ِبال ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { كأن لم تنعم‪.‬‬ ‫م ت َغْ َ‬ ‫نل ْ‬ ‫وقال قتادة ‪ } :‬ك َأ ْ‬
‫وهكذا المور بعد زوالها كأنها لم تكن ؛ ولهذا جاء في الحديث )‪ (10‬يؤتى‬
‫سة ثم يقال له ‪ :‬هل رأيت خيًرا قط ؟‬ ‫م َ‬ ‫مس في النار غَ ْ‬ ‫بأنعم أهل الدنيا ‪ ،‬في ُغْ َ‬
‫]هل مر بك نعيم قط ؟[ )‪ (11‬فيقول ‪ :‬ل‪ .‬ويؤتى بأشد الناس عذاًبا في الدنيا‬
‫)‪ (12‬فيغمس في النعيم غمسة ‪ ،‬ثم يقال له ‪ :‬هل رأيت بؤسا قط ؟ فيقول ‪:‬‬
‫ل" )‪(13‬‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نل ْ‬ ‫ن كأ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫جاث ِ ِ‬‫م َ‬ ‫حوا ِفي دَِيارِهِ ْ‬ ‫صب َ ُ‬ ‫وقال تعالى إخباًرا عن المهلكين ‪ } :‬فأ ْ‬
‫وا ِفيَها { ] هود ‪.[ 95 ، 94 :‬‬ ‫ي َغْن َ ْ‬
‫قوْم ٍ‬ ‫حجج والدلة ‪ } ،‬ل ِ َ‬ ‫ت { أي ‪ :‬نبين ال ُ‬ ‫صل الَيا ِ‬‫ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ثم قال تعالى ‪ } :‬كذل ِك ن ُ َ‬
‫ن { فيعتبرون بهذا المثل في زوال الدنيا من أهلها سريًعا مع‬ ‫فك ُّرو َ‬
‫ي َت َ َ‬
‫فلتها )‪ (15‬منهم ‪ ،‬فإن من طبعها‬ ‫ّ‬ ‫اغترارهم بها ‪ ،‬وتمكنهم )‪ (14‬بمواعيدها وت َ َ‬
‫الهرب ممن طلبها ‪ ،‬والطلب لمن هرب منها ‪ ،‬وقد ضرب الله مثل الحياة‬
‫الدنيا بنبات الرض ‪ ،‬في غير ما آية من كتابه العزيز ‪ ،‬فقال في سورة الكهف‬
‫خت َل َ َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫ط ب ِهِ ن ََبا ُ‬ ‫ماِء َفا ْ‬‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ماٍء أنزل َْناه ُ ِ‬
‫م َ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا ك َ َ‬ ‫مث َ َ‬
‫م َ‬ ‫ب ل َهُ ْ‬ ‫ضرِ ْ‬ ‫‪َ } :‬وا ْ‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫قت َدًِرا {‬‫م ْ‬‫يٍء ُ‬‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ح وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫ما ت َذ ُْروهُ الّرَيا ُ‬ ‫شي ً‬‫ح هَ ِ‬ ‫صب َ َ‬‫ض فَأ ْ‬‫الْر ِ‬
‫] الكهف ‪ ، [ 45 :‬وكذا في سورة الزمر )‪ (16‬والحديد )‪ (17‬يضرب بذلك‬
‫مثل الحياة الدنيا كماء‪.‬‬
‫ة‪،‬‬‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني الحارث )‪ (18‬حدثنا عبد العزيز ‪ ،‬حدثنا ابن عُي َي ْن َ َ‬
‫عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث‬
‫بن هشام قال ‪ :‬سمعت مروان ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أنزل الله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬زروع"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬يأكل"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬في"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬وعرشوها"‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فبيناها"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬جاءها" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الصحيح"‪.‬‬
‫)‪ (11‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وابن ماجه‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ويؤتى بأبأس أهل الدنيا"‪.‬‬
‫)‪ (13‬سنن ابن ماجه برقم )‪.(4321‬‬
‫)‪ (14‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وتمسكهم"‪.‬‬
‫)‪ (15‬في ت ‪" :‬وتفلها"‪.‬‬
‫)‪ (16‬الية ‪.21 :‬‬
‫)‪ (17‬الية ‪20 :‬‬
‫)‪ (18‬في ت ‪" :‬الحرب"‪.‬‬

‫) ‪(4/260‬‬

‫الحكم ‪ -‬يقرأ على المنبر ‪" :‬وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها وما كان‬
‫الله ليهلكها )‪ (1‬إل بذنوب أهلها" ‪ ،‬قال ‪ :‬قد قرأتها وليست في المصحف‬
‫فقال عباس بن عبد الله بن عباس ‪ :‬هكذا يقرؤها ابن عباس‪ .‬فأرسلوا إلى‬
‫ي بن كعب‪(2) .‬‬ ‫ابن عباس فقال ‪ :‬هكذا أقرأني أب ّ‬
‫وهذه قراءة غريبة ‪ ،‬وكأنها زيادة للتفسير‪.‬‬
‫سلم ِ { الية ‪ :‬لما ذكر تعالى الدنيا وسرعة‬ ‫عو إ َِلى َدارِ ال ّ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬والل ّ ُ‬
‫ه ي َد ْ ُ‬
‫غب في الجنة ودعا إليها ‪ ،‬وسماها دار السلم أي ‪:‬‬ ‫]عطبها و[ )‪ (3‬زوالها ‪ ،‬ر ّ‬
‫عو إ َِلى َدارِ ال ّ‬
‫سلم ِ‬ ‫من الفات ‪ ،‬والنقائص والنكبات ‪ ،‬فقال ‪َ } :‬والل ّ ُ‬
‫ه ي َد ْ ُ‬
‫قيم ٍ {‪.‬‬
‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬
‫ط ُ‬‫صَرا ٍ‬‫شاُء إ َِلى ِ‬ ‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬
‫دي َ‬
‫وَي َهْ ِ‬
‫قال أيوب عن أبي ِقلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬قيل لي ‪:‬‬
‫ل قلبك ‪ ،‬ولتسمع )‪ (4‬أذنك فنامت عيني ‪ ،‬وعقل قلبي ‪،‬‬ ‫م عيُنك ‪ ،‬وليعق ْ‬‫لتن َ ْ‬
‫وسمعت أذني‪ .‬ثم قيل ‪ :‬سي ّد ٌ ب ََنى داًرا ‪ ،‬ثم صنع مأدبة ‪ ،‬وأرسل داعًيا ‪ ،‬فمن‬
‫أجاب الداعي دخل الدار ‪ ،‬وأكل من المأدبة ‪ ،‬ورضي عنه السيد ‪ ،‬ومن لم‬
‫يجب الداعي لم يدخل الدار ‪ ،‬ولم يأكل من المأدبة ‪ ،‬ولم يرض عنه السيد‬
‫فالله السيد ‪ ،‬والدار السلم ‪ ،‬والمأدبة الجنة ‪ ،‬والداعي محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم‪(5) .‬‬
‫وهذا حديث مرسل ‪ ،‬وقد جاء متصل من حديث الليث ‪ ،‬عن خالد بن يزيد )‪(6‬‬
‫عن سعيد بن أبي هلل ‪ ،‬عن جابر )‪ (7‬بن عبد الله ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ما فقال ‪" :‬إني رأيت في‬ ‫ل الله صلى الله عليه وسلم يو ً‬ ‫خرج علينا رسو ُ‬
‫المنام كأن جبريل عند رأسي ‪ ،‬وميكائيل عند رجلي ‪ ،‬يقول أحدهما لصاحبه ‪:‬‬
‫مث َُلك‬
‫قل قلبك ‪ ،‬إنما َ‬ ‫سمعت أذنك ‪ ،‬واعقل ع َ َ‬‫اضرب له مثل‪ .‬فقال ‪ :‬اسمع َ‬
‫متك كمثل ملك اتخذ دارا ‪ ،‬ثم بنى فيها بيًتا ‪ ،‬ثم جعل فيها مأدبة ‪ ،‬ثم‬ ‫ومثل أ ّ‬
‫بعث رسول يدعو الناس إلى طعامه ‪ ،‬فمنهم من أجاب الرسول ‪ ،‬ومنهم من‬
‫سول ‪،‬‬ ‫تركه ‪ ،‬فالله الملك ‪ ،‬والدار السلم ‪ ،‬والبيت الجنة ‪ ،‬وأنت يا محمد الر ُ‬
‫فمن أجابك دخل السلم ‪ ،‬ومن دخل السلم دخل الجنة ‪ ،‬ومن دخل الجنة‬
‫أكل منها" رواه ابن جرير‪(8) .‬‬
‫صري ‪ ،‬عن أبي الدرداء قال ‪ :‬قال رسول الله‬ ‫خل َْيد العَ َ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬حدثني ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما من يوم طلعت فيه شمسه إل وبجن َب َت َْيها ملكان‬
‫يناديان يسمعهما )‪ (9‬خلق الله كلهم إل الثقلين ‪ :‬يا أيها الناس ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬ليهلكهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪ (15/57‬وانظر تعليق الستاذ محمود شاكر في الحاشية‬
‫‪ ،‬فقد ذكر أن هذا السناد هالك‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وليسمع"‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(15/60‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬سويد"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬جبار"‪.‬‬
‫)‪ (8‬تفسير الطبري )‪ (15/61‬وعلقه البخاري في الصحيح برقم )‪(7281‬‬
‫ورواه الترمذي في السنن برقم )‪ (2860‬من طريق قتيبة عن الليث به ‪،‬‬
‫وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث مرسل ‪ ،‬سعيد بن أبي هلل لم يدرك جابر بن‬
‫عبد الله" قال ‪" :‬وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بإسناد أصح من هذا" قلت ‪ :‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‬
‫‪ (7281‬من طريق يزيد عن سليم بن حيان ‪ ،‬عن سعيد بن أبي ميناء ‪ ،‬عن‬
‫جابر بن عبد الله بنحوه‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يسمعه"‪.‬‬

‫) ‪(4/261‬‬

‫فى ‪ ،‬خير مما كثر وألهى"‪ .‬قال ‪ :‬وأنزل ذلك‬ ‫ل وك َ َ‬


‫هلموا إلى ربكم ‪ ،‬إن ما ق ّ‬
‫ن يَ َ‬
‫شاُء‬ ‫م ْ‬
‫دي َ‬
‫سلم ِ وَي َهْ ِ‬ ‫َ‬
‫عو إ ِلى َدارِ ال ّ‬
‫ه ي َد ْ ُ‬ ‫ّ‬
‫في )‪ (1‬القرآن ‪ ،‬في قوله ‪َ } :‬والل ُ‬
‫قيم ٍ { رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬وابن جرير‪(2) .‬‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬
‫ط ُ‬ ‫إ َِلى ِ‬
‫صَرا ٍ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬في ذلك"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪ (15/60‬ورواه أحمد في مسنده )‪ (5/197‬من طريق‬
‫همام عن قتادة بنحوه‪.‬‬

‫) ‪(4/262‬‬

‫ة ُأول َئ ِ َ َ‬
‫م قَت ٌَر وََل ذِل ّ ٌ‬ ‫ل ِل ّذي َ‬
‫ب‬
‫حا ُ‬
‫ص َ‬
‫كأ ْ‬ ‫سَنى وَزَِياد َة ٌ وََل ي َْرهَقُ وُ ُ‬
‫جوهَهُ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫سُنوا ال ْ ُ‬‫ح َ‬‫نأ ْ‬‫ِ َ‬
‫ن )‪(26‬‬ ‫دو َ‬‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫جن ّةِ هُ ْ‬
‫ة ُأول َئ ِ َ َ‬
‫م قَت ٌَر َول ذِل ّ ٌ‬ ‫} ل ِل ّذي َ‬
‫ب‬‫حا ُ‬‫ص َ‬
‫كأ ْ‬ ‫جوهَهُ ْ‬
‫سَنى وَزَِياد َة ٌ َول ي َْرهَقُ وُ ُ‬
‫ح ْ‬ ‫سُنوا ال ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ‬
‫ن )‪{ (26‬‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬‫م ِفيَها َ‬ ‫جن ّةِ هُ ْ‬‫ال ْ َ‬
‫يخبر تعالى أن لمن أحسن العمل في الدنيا باليمان والعمل الصالح أبدله )‪(1‬‬
‫ن‬
‫سا ُ‬‫ح َ‬ ‫ن ِإل ال ْ‬ ‫سا ِ‬‫ح َ‬ ‫جَزاُء ال ْ‬ ‫ل َ‬ ‫الحسنى في الدار الخرة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬هَ ْ‬
‫{ ] الرحمن ‪.[ 60 :‬‬
‫وقوله ‪ } :‬وَزَِياَدة { هي )‪ (2‬تضعيف ثواب العمال بالحسنة عشر أمثالها إلى‬
‫سبعمائة ضعف ‪ ،‬وزيادة على ذلك ]أيضا[ )‪ (3‬ويشمل ما يعطيهم الله في‬
‫حور والرضا عنهم ‪ ،‬وما أخفاه لهم من قرة أعين ‪،‬‬ ‫صور وال ُ‬ ‫ق ُ‬‫الجنان من ال ُ‬
‫وأفضل من ذلك وأعله النظُر إلى وجهه )‪ (4‬الكريم ‪ ،‬فإنه زيادة أعظم من‬
‫جميع ما أعطوه ‪ ،‬ل يستحقونها بعملهم ‪ ،‬بل بفضله ورحمته )‪ (5‬وقد روي‬
‫تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله )‪ (6‬الكريم ‪ ،‬عن أبي بكر الصديق ‪،‬‬
‫وحذيفة بن اليمان ‪ ،‬وعبد الله بن عباس ]قال البغوي وأبو موسى وعبادة بن‬
‫الصامت[ )‪ (7‬وسعيد بن المسيب ‪ ،‬وعبد الرحمن بن أبي ليلى ‪ ،‬وعبد‬
‫الرحمن بن سابط ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وعامر بن سعد ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬والضحاك‬
‫‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق ‪ ،‬وغيرهم من السلف‬
‫والخلف‪.‬‬
‫ث كثيرة ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬ ‫وقد وردت في ذلك أحادي ُ‬
‫فمن ذلك ما رواه المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا عفان ‪ ،‬أخبرنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن ثابت الُبناني ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن‬
‫أبي ليلى ‪ ،‬عن صهيب ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تل هذه الية ‪:‬‬
‫} ل ِل ّذي َ‬
‫سَنى وَزَِياد َة ٌ { وقال ‪" :‬إذا دخل أهل الجنة الجنة ‪ ،‬وأهل‬ ‫ح ْ‬ ‫سُنوا ال ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ‬
‫دا يريد أن‬ ‫النار النار ‪ ،‬نادى مناد ‪ :‬يا أهل الجنة ‪ ،‬إن لكم عند الله موع ً‬
‫قل موازيننا ‪ ،‬ويبيض وجوهنا ‪ ،‬ويدخلنا‬ ‫موه‪ .‬فيقولون ‪ :‬وما هو ؟ ألم ُيث ّ‬ ‫جَزك ُ ُ‬‫ي ُن ْ ِ‬
‫الجنة ‪ ،‬ويزحزحنا من النار ؟"‪ .‬قال ‪" :‬فيكشف )‪ (8‬لهم الحجاب ‪ ،‬فينظرون‬
‫إليه ‪ ،‬فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه ‪ ،‬ول أقر‬
‫لعينهم"‪.‬‬
‫وهكذا رواه مسلم وجماعة من الئمة ‪ ،‬من حديث حماد بن سلمة ‪ ،‬به‪(9) .‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أن لهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تشمل هي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وجه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬ورحمته"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬وجهه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬فكشف"‪.‬‬
‫)‪ (9‬صحيح مسلم برقم )‪ (181‬ورواه الترمذي في السنن برقم )‪(2552‬‬
‫والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪ (11234‬وابن ماجه في السنن برقم )‬
‫‪.(187‬‬

‫) ‪(4/262‬‬

‫ن‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬


‫م ْ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬‫ما ل َهُ ْ‬
‫ة َ‬ ‫م ذِل ّ ٌ‬‫قهُ ْ‬ ‫سي ّئ َةٍ ب ِ ِ‬
‫مث ْل َِها وَت َْرهَ ُ‬ ‫جَزاُء َ‬
‫ت َ‬ ‫سي َّئا ِ‬
‫سُبوا ال ّ‬‫ن كَ َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫م‬ ‫عاصم ك َأنما أ ُغْشيت وجوهُهم قط َعا من الل ّيل مظ ْل ِما ُأول َئ ِ َ َ‬ ‫َ‬
‫ب الّنارِ هُ ْ‬‫حا ُ‬‫ص َ‬‫كأ ْ‬ ‫ً‬ ‫ْ ِ ُ‬ ‫ُ ْ ِ ً ِ َ‬ ‫ِ َ ْ ُ ُ‬ ‫َ ِ ٍ ّ َ‬
‫ن )‪(27‬‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬‫ِفيَها َ‬

‫وقال ابن جرير ‪ :‬أخبرنا يونس ‪ ،‬أخبرنا ابن وهب ‪ :‬أخبرنا شبيب ‪ ،‬عن أبان )‬
‫جْيمي ؛ أنه سمع أبا موسى الشعري يحدث عن رسول‬ ‫مة الهُ َ‬ ‫مي َ‬‫‪ (1‬عن أبي ت َ ِ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن الله يبعث يوم القيامة مناديا ينادي ‪ :‬يا أهل‬
‫سمعُ أّولهم وآخرهم ‪ : -‬إن الله وعدكم الحسنى وزيادة ‪،‬‬ ‫وت ي ُ ْ‬ ‫ص ْ‬‫الجنة ‪ -‬ب َ‬
‫الحسنى ‪ :‬الجنة‪ .‬وزيادة ‪ :‬النظر إلى وجه الرحمن عز وجل"‪.‬‬
‫ن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث أبي بكر الُهذلي )‪ (3‬عن أبي تميمة‬ ‫)‪ (2‬ورواه أيضا اب ُ‬
‫الهجيمي ‪ ،‬به‪.‬‬
‫ضا ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن المختار )‪ (4‬عن‬ ‫وقال ابن جرير أي ً‬
‫جرة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫جَرْيج ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن كعب بن عُ ْ‬ ‫ابن ُ‬
‫سَنى وَزَِياد َة ٌ { قال ‪ :‬النظر إلى وجه الرحمن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ح ْ‬‫سُنوا ال ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫في قوله ‪ } :‬ل ِل ِ‬
‫عز وجل‪(5) .‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا ابن عبد الرحيم )‪ (6‬حدثنا عمرو بن أبي سلمة ‪ ،‬سمعت‬
‫ل الله صلى‬ ‫ي بن كعب ‪ :‬أنه سأل رسو َ‬ ‫زهيًرا عمن سمع أبا العالية ‪ ،‬حدثنا أب ّ‬
‫َ‬
‫سَنى وَزَِياد َة ٌ {‬ ‫ح ْ‬ ‫سُنوا ال ْ ُ‬ ‫ح َ‬‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل ‪ } :‬ل ِل ّ ِ‬
‫قال ‪" :‬الحسنى ‪ :‬الجنة ‪ ،‬والزيادة ‪ :‬النظر إلى وجه الله عز وجل"‪(7) .‬‬
‫ورواه ابن أبي حاتم أيضا من حديث زهير ‪ ،‬به‪.‬‬
‫م قَت ٌَر { أي ‪ :‬قتام وسواد في عََرصات‬ ‫جوهَهُ ْ‬ ‫وقوله تعالى ‪َ } :‬ول ي َْرهَقُ وُ ُ‬
‫ة{‬ ‫ّ‬
‫قْترة والغُْبرة ‪َ } ،‬ول ذِل ٌ‬ ‫المحشر ‪ ،‬كما يعتري وجوه الكفرة الفجرة من ال ُ‬
‫أي ‪ :‬هوان وصغار ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يحصل لهم إهانة في الباطن ‪ ،‬ول في الظاهر ‪،‬‬
‫م‬
‫قاهُ ْ‬ ‫ك ال ْي َوْم ِ وَل َ ّ‬ ‫شّر ذ َل ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫بل هم كما قال تعالى في حقهم ‪ } :‬فَوََقاهُ ُ‬
‫سُروًرا { أي ‪ :‬نضرة في وجوههم ‪ ،‬وسروًرا في قلوبهم ‪ ،‬جعلنا الله‬ ‫ضَرة ً وَ ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫منهم بفضله ورحمته ‪ ،‬آمين‪.‬‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ما لهُ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫ّ‬
‫م ذِل ٌ‬ ‫قهُ ْ‬ ‫مث ْل َِها وَت َْرهَ ُ‬ ‫َ‬
‫سي ّئةٍ ب ِ ِ‬
‫جَزاُء َ‬ ‫ت َ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫سُبوا ال ّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫} َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما أول َئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫كأ ْ‬ ‫مظ ْل ِ ً‬ ‫ل ُ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م قِط ًَعا ِ‬ ‫جوهُهُ ْ‬‫ت وُ ُ‬ ‫شي َ ْ‬ ‫ما أغْ ِ‬ ‫صم ٍ ك َأن ّ َ‬ ‫عا ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (27‬‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬‫ِفيَها َ‬
‫لما أخبر تعالى عن حال السعداء الذين ُيضاعف لهم الحسنات ‪ ،‬ويزدادون )‬
‫‪ (8‬على ذلك ‪ ،‬عطف بذكر حال الشقياء ‪ ،‬فذكر عدله تعالى فيهم ‪ ،‬وأنه‬
‫يجازيهم على السيئة بمثلها ‪ ،‬ل يزيدهم على ذلك ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وأبان"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪ (15/65‬وابن وهب روى عن شبيب مناكير وأبان بن‬
‫أبي عياش ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬الهذل"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬المختار به"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪ (15/68‬ورواه أبو نعيم في الحلية )‪ (5/204‬من طريق‬
‫محمد بن حميد به ‪ ،‬وقال ‪" :‬غريب من حديث عطاء وابن جريج تفرد به‬
‫إبراهيم بن المختار"‪ .‬وإبراهيم بن المختار ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬عبد الرحمن"‪.‬‬
‫)‪ (7‬تفسير الطبري )‪ (15/69‬ورواه الللكائي في السنة برقم )‪ (780‬من‬
‫طرق الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد عمن سمع أبا العالية يحدث عن‬
‫أبي بن كعب فذكره مرفوعا‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬ويزادون"‪.‬‬

‫) ‪(4/263‬‬

‫م فََزي ّل َْنا‬ ‫كانك ُ َ‬ ‫ن أَ ْ‬


‫كاؤُك ُ ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫م َ َ ْ‬ ‫كوا َ‬ ‫شَر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬
‫قو ُ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫ميًعا ث ُ ّ‬ ‫ج ِ‬
‫م َ‬ ‫شُرهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫وَي َوْ َ‬
‫دا ب َي ْن ََنا‬ ‫شِهي ً‬ ‫ّ‬
‫فى ِباللهِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (28‬فك َ‬ ‫دو َ‬ ‫م إ ِّياَنا ت َعْب ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫ما كن ْت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫شَركاؤُهُ ْ‬ ‫َ‬
‫م وَقال ُ‬ ‫َ‬ ‫ب َي ْن َهُ ْ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫س‬ ‫ما أ َ‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬‫نا‬ ‫ه‬ ‫(‬ ‫‪29‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ٍ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ِ َْ‬ ‫وَب َي ْن َك ْ ِ ْ ّ َ ْ ِ َ َ ِ ْ َ ِ ِ َ‬
‫لي‬ ‫ف‬ ‫غا‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫د‬‫با‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫نا‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫م‬
‫ن )‪(30‬‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ل عَن ْهُ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫حقّ وَ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫موَْلهُ ُ‬ ‫وَُرّدوا إ َِلى الل ّهِ َ‬

‫قُهم { أي ‪ :‬تعتريهم وتعلوهم ذلة من معاصيهم وخوفهم منها ‪ ،‬كما‬ ‫} وَت َْرهَ ُ‬
‫ف‬ ‫ن طْر ٍ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ل ي َن ْظُرو َ‬ ‫ُ‬ ‫ن الذ ّ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن عَلي َْها َ‬ ‫َ‬ ‫ضو َ‬ ‫م ي ُعَْر ُ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬وَت ََراهُ ْ‬
‫ل‬‫م ُ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه غاِفل عَ ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ي { ] الشورى ‪ ، [ 45 :‬وقال تعالى ‪َ } :‬ول ت َ ْ‬ ‫ف ّ‬ ‫خ ِ‬ ‫َ‬
‫م‬‫سهِ ْ‬ ‫قن ِِعي ُرُءو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫مهْط ِ ِْعي َ‬ ‫صاُر * ُ‬ ‫ص ِفيهِ الب ْ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫م ل ِي َوْم ٍ ت َ ْ‬ ‫خُرهُ ْ‬ ‫ما ي ُؤَ ّ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫مو َ‬ ‫الظال ِ ُ‬‫ّ‬
‫م العَذاب {‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ي َأِتيهِ ُ‬ ‫س ي َوْ َ‬ ‫واٌء * وَأن ْذِرِ الّنا َ‬ ‫م هَ َ‬ ‫م وَأفئ ِد َت ُهُ ْ‬ ‫م طْرفهُ ْ‬ ‫ل ي َْرت َد ّ إ ِلي ْهِ ْ‬
‫صم ٍ { أي ‪ :‬من مانع‬ ‫ِ ِ ْ َ ِ‬ ‫عا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ ُ ْ ِ َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫}‬ ‫وقوله‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬ ‫‪44‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪42‬‬ ‫] إبراهيم ‪:‬‬
‫َ‬
‫فّر *‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مئ ِذ ٍ أي ْ َ‬ ‫ن ي َوْ َ‬ ‫سا ُ‬ ‫ل الن ْ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ول واق يقيهم العذاب ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ي َ ُ‬
‫قّر { ] القيامة ‪.[ 12 - 10 :‬‬ ‫ست َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مئ ِذ ٍ ال ْ ُ‬ ‫ك ي َوْ َ‬ ‫كل ل وََزَر * إ َِلى َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما { إخبار عن سواد‬ ‫مظ ْل ِ ً‬ ‫ل ُ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م قِط ًَعا ِ‬ ‫جوهُهُ ْ‬ ‫ت وُ ُ‬ ‫شي َ ْ‬ ‫ما أغْ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ك َأن ّ َ‬
‫جوهٌ‬ ‫سوَد ّ وُ ُ‬ ‫جوهٌ وَت َ ْ‬ ‫ض وُ ُ‬ ‫م ت َب ْي َ ّ‬ ‫وجوههم في الدار الخرة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫ْ‬ ‫م أ َك َ َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ذوُقوا العَ َ‬ ‫م فَ ُ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬ ‫م ب َعْد َ ِإي َ‬ ‫فْرت ُ ْ‬ ‫جوهُهُ ْ‬ ‫ت وُ ُ‬ ‫سوَد ّ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬ ‫فَأ ّ‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫مةِ الل ّهِ هُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫في َر ْ‬ ‫م فَ ِ‬ ‫جوهُهُ ْ‬ ‫ت وُ ُ‬ ‫ض ْ‬ ‫ن اب ْي َ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬ ‫ن * وَأ ّ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ت َك ْ ُ‬
‫فَرةٌ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مئ ِذ ٍ ُ‬ ‫جوه ٌ ي َوْ َ‬ ‫] آل عمران ‪ ، [ 107 ، 106 :‬وكما قال تعالى ‪ } :‬وُ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ عَل َي َْها غَب ََرةٌ ت َْرهَ ُ‬ ‫حك َ ٌ‬
‫فَرةُ‬ ‫م الك َ‬ ‫قَها قَت ََرة ٌ أولئ ِك هُ ُ‬ ‫جوهٌ ي َوْ َ‬ ‫شَرةٌ وَوُ ُ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫ضا ِ‬ ‫َ‬
‫جَرة ُ { ] عبس ‪ .[ 42 - 38 :‬الية‪.‬‬ ‫ف َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كاؤُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫شَر َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫كان َك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫كوا َ‬ ‫شَر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫ميًعا ث ُ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫شُرهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫} وَي َوْ َ‬
‫دا‬
‫شِهي ً‬ ‫فى ِباللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (28‬فك َ‬ ‫َ‬ ‫دو َ‬ ‫م إ ِّياَنا ت َعْب ُ ُ‬ ‫ما كن ْت ُ ْ‬‫ُ‬ ‫م َ‬ ‫شَركاؤُهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫م وَقال ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فََزي ّل َْنا ب َي ْن َهُ ْ‬
‫سل َ َ‬ ‫َ‬ ‫ك ت َب ُْلو ك ُ ّ‬
‫ت‬‫ف ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ن )‪ (29‬هَُنال ِ َ‬ ‫م ل ََغافِِلي َ‬ ‫عَباد َت ِك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن ك ُّنا عَ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ْ‬
‫ن )‪{ (30‬‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ل عَن ْهُ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫حقّ وَ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ولهُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وَُرّدوا إ َِلى الل ّهِ َ‬
‫م { أي ‪ :‬أهل الرض كلهم ‪ ،‬من إنس وجن )‪(1‬‬ ‫شُرهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬وَي َوْ َ‬
‫َ‬
‫دا { ] الكهف ‪.[ 47 :‬‬ ‫ح ً‬ ‫مأ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫م ن َُغادِْر ِ‬ ‫م فَل َ ْ‬ ‫شْرَناهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫وبر وفاجر ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫ن أَ ْ‬
‫م { أي ‪ :‬الزموا أنتم وهم‬ ‫كاؤُك ُ ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫كان َك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫كوا َ‬ ‫شَر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫} ثُ ّ‬
‫مَتاُزوا‬ ‫مكاًنا معيًنا ‪ ،‬امتازوا فيه عن مقام المؤمنين ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ } :‬وا ْ‬
‫ال ْيو َ‬
‫مئ ِذٍ‬ ‫ة ي َوْ َ‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫ن { ] يس ‪ ، [ 59 :‬وقال } وَي َوْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م أي َّها ال ْ ُ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ن { ] الروم‬‫عو َ‬
‫صد ّ ُ‬
‫مئ ِذ ٍ ي َ ّ‬
‫ن { ] الروم ‪ ، [ 14 :‬وفي الية الخرى ‪ } :‬ي َوْ َ‬ ‫فّرُقو َ‬
‫ي َت َ َ‬
‫صدعين ‪ ،‬وهذا يكون إذا جاء الرب تعالى لفصل القضاء‬ ‫‪ [ 43 :‬أي ‪ :‬يصيرون ِ‬
‫؛ ولهذا قيل ‪ :‬ذلك )‪ (2‬يستشفع المؤمنون إلى الله تعالى أن يأتي لفصل‬
‫القضاء ويريحنا من مقامنا هذا ‪ ،‬وفي الحديث الخر ‪" :‬نحن يوم القيامة على‬
‫وم فوق الناس‪(4) (3) .‬‬ ‫كَ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" ،‬من جن وإنس"‪.‬‬
‫)‪ (2‬وقع هنا بياض في هـ ‪ ،‬ووصل في ت ‪ ،‬أ‪ .‬وحديث الستشفاع رواه‬
‫البخاري في صحيحه برقم )‪ (4476‬من حديث أنس رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬النار"‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه أحمد في المسند )‪ (3/345‬من حديث جابر رضي الله عنه‪.‬‬
‫والكوم ‪ :‬الموضع المشرف العال‪.‬‬

‫) ‪(4/264‬‬

‫وقال الله تعالى في هذه الية الكريمة إخباًرا عما يأمر به المشركين )‪(1‬‬
‫كانك ُ َ‬
‫شَر َ ُ ْ‬
‫م‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ؤ‬ ‫كا‬ ‫ل ُ‬ ‫م وََقا َ‬ ‫م فََزي ّل َْنا ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫كاؤُك ُ ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫م َ َ ْ‬ ‫وأوثانهم يوم القيامة ‪َ } :‬‬
‫ن { أنكروا عبادتهم ‪ ،‬وتبرءوا منهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬ ‫دو َ‬ ‫م إ ِّياَنا ت َعْب ُ ُ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫دا { الية‪ ] .‬مريم ‪(2) .[ 82 :‬‬ ‫ض‬
‫ِْ ْ ِ ّ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫نو‬ ‫ُ‬
‫كو‬ ‫ي‬
‫َ َ ُ َ َِِ َِِ ْ ََ ُ َ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫د‬ ‫با‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫كل[‬ ‫َ‬ ‫]‬ ‫}‬
‫َ‬
‫ن ات ّب َُعوا { ] البقرة ‪ ، [ 166 :‬وقال‬ ‫ن ال ّ ِ َ‬
‫ذي‬ ‫م َ‬ ‫ن ات ّب ُِعوا ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقال ‪ } :‬إ ِذ ْ ت َب َّرأ ال ّ ِ‬
‫} وم َ‬
‫م‬‫مةِ وَهُ ْ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ه إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫جي ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عو ِ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫ض ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫د‬ ‫با‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫نوا‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ء‬ ‫دا‬ ‫ع‬ ‫كانوا ل َهم أ َ‬ ‫َ‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ح‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫غا‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ئ‬ ‫عا‬
‫ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ن دُ‬ ‫عَ ْ‬
‫ن { ] الحقاف ‪.[ 6 ، 5 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫َ‬
‫وقال في هذه الية إخباًرا عن قول الشركاء فيما راجعوا فيه عابديهم عند‬
‫عَباد َت ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن ِ‬ ‫ن ك ُّنا عَ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫دا ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫شِهي ً‬ ‫فى ِبالل ّهِ َ‬ ‫ادعائهم عبادتهم ‪ } :‬فَك َ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ما كنا نشعر بها ول نعلم ‪ ،‬وإنما أنتم كنتم تعبدوننا من حيث ل‬ ‫ل ََغافِِلي َ‬
‫ندري بكم ‪ ،‬والله شهيد بيننا وبينكم أنا ما دعوناكم إلى عبادتنا ‪ ،‬ول أمرناكم‬
‫بها ‪ ،‬ول رضينا منكم بذلك‪.‬‬
‫وفي هذا تبكيت عظيم للمشركين الذين عبدوا مع الله غيره ‪ ،‬ممن ل يسمع‬
‫ول يبصر ‪ ،‬ول يغني عنهم شيًئا ‪ ،‬ولم يأمرهم بذلك ول رضي به ول أراده ‪ ،‬بل‬
‫تبرأ منهم في وقت أحوج ما يكونون إليه ‪ ،‬وقد تركوا )‪ (3‬عبادة الحي‬
‫القيوم ‪ ،‬السميع البصير ‪ ،‬القادر على كل شيء ‪ ،‬العليم بكل شيء وقد‬
‫أرسل رسله وأنزل كتبه ‪ ،‬آمرا بعبادته وحده ل شريك له ‪ ،‬ناهًيا عن عبادة ما‬
‫َ‬ ‫قد بعث ْنا في ك ُ ّ ُ‬
‫دوا الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن ا ُعْب ُ ُ‬ ‫سول أ ِ‬ ‫مةٍ َر ُ‬ ‫لأ ّ‬ ‫سواه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَل َ َ ْ َ َ َ ِ‬
‫ة{‬ ‫ضلل َ ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ال ّ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ه وَ ِ‬ ‫دى الل ّ ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ت فَ ِ‬ ‫غو َ‬ ‫طا ُ‬ ‫جت َن ُِبوا ال ّ‬ ‫َوا ْ‬
‫حي‬ ‫ل ِإل ُنو ِ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سلَنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫] النحل ‪ ، [ 36 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ن { ] النبياء ‪ (4) ، [ 25 :‬وقال ‪َ } :‬وا ْ‬ ‫دو ِ‬ ‫ه ِإل أَنا َفاعْب ُ ُ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫إ ِل َي ْهِ أن ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ] الزخرف‬ ‫دو َ‬ ‫ة ي ُعْب َ ُ‬ ‫ن آل ِهَ ً‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جعَل َْنا ِ‬ ‫سل َِنا أ َ‬ ‫ن ُر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫أْر َ‬
‫‪.[ 45 :‬‬
‫والمشركون أنواع وأقسام كثيرون ‪ ،‬قد ذكرهم الله في كتابه ‪ ،‬وب َّين أحوالهم‬
‫وأقوالهم ‪ ،‬وَرد عليهم فيما هم فيه أتم رد‪.‬‬
‫ت { أي ‪ :‬في موقف الحساب يوم‬ ‫سل َ َ‬ ‫َ‬ ‫ك ت َب ُْلو ك ُ ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬هَُنال ِ َ‬
‫ف ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬
‫القيامة تختبر كل نفس وتعلم ما أسلفت من ]عملها من[ )‪ (5‬خير وشر ‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى ‪ } :‬يوم تبَلى السرائر { ] الطارق ‪ ، [ 9 :‬وقال تعالى ‪ } :‬ينبأ ُ‬
‫َُّ‬ ‫ّ َ ُِ‬ ‫َ ْ َ ُْ‬
‫هَ‬ ‫َ‬
‫جل ُ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫خَر { ] القيامة ‪ ، [ 13 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَن ُ ْ‬ ‫م وَأ ّ‬ ‫ما قَد ّ َ‬ ‫مئ ِذ ٍ ب ِ َ‬
‫ن ي َوْ َ‬‫سا ُ‬ ‫الن ْ َ‬
‫سيًبا {‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ح ِ‬ ‫م عَلي ْك َ‬
‫سك الي َوْ َ‬‫ف ِ‬‫فى ب ِن َ ْ‬ ‫من ْشوًرا اقَرأ ك َِتاب َك ك َ‬ ‫قاه ُ َ‬ ‫مةِ ك َِتاًبا ي َل َ‬ ‫قَيا َ‬‫م ال ِ‬‫ي َوْ َ‬
‫] السراء ‪.[ 14 ، 13 :‬‬
‫سرها بعضهم‬ ‫سل َ َ‬ ‫َ‬ ‫ك ت َت ُْلو ك ُ ّ‬ ‫وقد قرأ بعضهم ‪ } :‬هَُنال ِ َ‬
‫ت { وف ّ‬ ‫ف ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬
‫سرها‬ ‫سرها بعضهم بمعنى تتبع ما قدمته من خير وشر ‪ ،‬وف ّ‬ ‫بالقراءة ‪ ،‬وف ّ‬
‫بعضهم بحديث ‪" :‬تتبع كل أمة ما كانت تعبد ‪ ،‬فيتبع من‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬المشركون"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬يكون إليه وقد ترك"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬نوحي"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(4/265‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ماِء َواْل َْر‬


‫ج‬
‫خرِ ُ‬‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬
‫صاَر وَ َ‬ ‫معَ َواْلب ْ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫مل ِ ُ‬‫ن يَ ْ‬‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ي َْرُزقُك ُ ْ‬ ‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬
‫ن الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫قوُلو َ‬ ‫سي َ ُ‬ ‫مَر فَ َ‬ ‫ن ي ُد َب ُّر اْل ْ‬‫م ْ‬‫ي وَ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫مي ّ َ‬ ‫ج ال ْ َ‬ ‫خرِ ُ‬‫ت وَي ُ ْ‬ ‫مي ّ ِ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬‫ي ِ‬ ‫ح ّ‬‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫ضَل ُ‬ ‫َ‬
‫ل فَأّنى‬ ‫حقّ إ ِّل ال ّ‬ ‫ماَذا ب َعْد َ ال ْ َ‬‫حقّ فَ َ‬ ‫م ال ْ َ‬‫ه َرب ّك ُ ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ن )‪ (31‬فَذ َل ِك ُ ُ‬ ‫قو َ‬ ‫ل أفََل ت َت ّ ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫فَ ُ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫مُنو َ‬ ‫م َل ي ُؤْ ِ‬ ‫قوا أن ّهُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ك عََلى ال ّ ِ‬ ‫ة َرب ّ َ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬
‫م ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬‫ك َ‬‫ن )‪ (32‬ك َذ َل ِ َ‬ ‫صَرُفو َ‬ ‫تُ ْ‬
‫‪(33‬‬

‫كان يعبد الشمس الشمس ‪ ،‬ويتبع من كان يعبد القمر القمر ‪ ،‬ويتبع من كان‬
‫يعبد الطواغيت الطواغيت" الحديث‪(1) .‬‬
‫حقّ { أي ‪ :‬ورجعت المور كلها إلى الله‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ولهُ ُ‬ ‫م ْ‬‫وقوله ‪ } :‬وَُرّدوا إ َِلى الل ّهِ َ‬
‫الحكم العدل ‪ ،‬ففصلها ‪ ،‬وأدخل أهل الجنة الجنة ‪ ،‬وأهل النار النار‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬ما كانوا‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م { أي ‪ :‬ذهب عن المشركين } َ‬ ‫ل عَن ْهُ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫} وَ َ‬
‫يعبدون من دون الله افتراء عليه‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫صاَر وَ َ‬ ‫معَ َوالب ْ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ي َْرُزقُك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫} قُ ْ‬
‫ن‬
‫قولو َ‬ ‫ُ‬ ‫سي َ ُ‬‫مَر فَ َ‬ ‫ن ي ُد َب ُّر ال ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ي وَ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫مي ّ َ‬ ‫ج ال َ‬ ‫ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ت وَي ُ ْ‬ ‫مي ّ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ْ‬
‫ج ال َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫َ‬
‫ل فَأّنى‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ضل ُ‬ ‫حقّ ِإل ال ّ‬ ‫ماَذا ب َعْد َ ال َ‬ ‫حق ّ ف َ َ‬ ‫م ال َ‬ ‫ه َرب ّك ُ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ل أَفل )‪ (31‬فَذ َل ِك ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ه فَ ُ‬ ‫الل ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫مُنو َ‬ ‫م ل ي ُؤْ ِ‬ ‫قوا أن ّهُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة َرب ّك عَلى ال ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ت كل ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن )‪ (32‬كذ َل ِك َ‬
‫ح ّ‬ ‫صَرُفو َ‬ ‫تُ ْ‬
‫‪{ (33‬‬
‫يحتج تعالى على المشركين باعترافهم بوحدانيته وربوبيته على وحدانية الله )‬
‫ض { أي ‪ :‬من ذا الذي ينزل‬ ‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ي َْرُزقُك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫‪ (2‬فقال ‪ } :‬قُ ْ‬
‫قا بقدرته ومشيئته ‪ ،‬فيخرج‬ ‫من السماء ماء المطر ‪ ،‬فيشق )‪ (3‬الرض ش ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ة وَأّبا { ] عبس ‪27 :‬‬ ‫دائ ِقَ غلًبا وَفاك ِهَ ً‬ ‫ح َ‬ ‫خل وَ َ‬ ‫ضًبا وََزي ُْتوًنا وَن َ ْ‬ ‫عن ًَبا وَقَ ْ‬ ‫حّبا وَ ِ‬ ‫منها } َ‬
‫ن‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ز‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫ّ ْ َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫الله‬ ‫‪:‬‬ ‫فسيقولون‬ ‫؟‬ ‫الله‬ ‫مع‬ ‫أإله‬ ‫‪، [ 31 -‬‬
‫ْ ِ ْ‬ ‫ِ َْ ُ‬
‫مل ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫س ْ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه { ] الملك ‪ [ 21 :‬؟ ‪ ،‬وكذلك قوله ‪ } :‬أ ّ‬ ‫ك رِْزقَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫أ ْ‬
‫صاَر { ] يونس ‪ [ 31 :‬؟ )‪ (4‬؟ أي ‪ :‬الذي وهبكم هذه القوة السامعة ‪،‬‬ ‫َوالب ْ َ‬
‫والقوة الباصرة ‪ ،‬ولو شاء لذهب بها ولسلبكم إياها ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ل‬
‫هو ال ّذي أ َن َ َ‬
‫ن{‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫صاَر َوالفْئ ِد َة َ قَِليل َ‬ ‫معَ َوالب ْ َ‬ ‫س ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫شأك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫خت َ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫صاَرك ُ ْ‬ ‫م وَأب ْ َ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫ه َ‬ ‫خذ َ الل ُ‬ ‫نأ َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬ ‫] الملك ‪ ، [ 23 :‬وقال } قُ ْ‬
‫ْ‬
‫م ب ِهِ { ] النعام ‪.[ 46 :‬‬ ‫ه غَي ُْر الل ّهِ ي َأِتيك ُ ْ‬ ‫ن إ ِل َ ٌ‬‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫عََلى قُُلوب ِك ُ ْ‬
‫ي { أي ‪:‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬
‫ت ِ‬ ‫ج ال ْ َ‬
‫مي ّ َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ت وَي ُ ْ‬
‫مي ّ ِ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬
‫ي ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ج ال ْ َ‬
‫خرِ ُ‬ ‫ن يُ ْ‬‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫بقدرته العظيمة ‪ ،‬ومنته العميمة ‪ ،‬وقد تقدم ذكر الخلف في ذلك ‪ ،‬وأن الية‬
‫عامة في ذلك كله‪.‬‬
‫مَر { أي ‪ :‬من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ول‬ ‫ن ي ُد َب ُّر ال ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫يجار عليه ‪ ،‬وهو المتصرف الحاكم الذي ل معقب لحكمه ‪ ،‬ول ُيسأل عما‬
‫يفعل وهم يسأُلون ‪ } ،‬ي َ‬
‫ض كُ ّ‬
‫ل ي َوْم ٍ هُوَ ِفي‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫سأل ُ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ ْ‬
‫ن { ] الرحمن ‪ ، [ 29 :‬فالملك كله العلوي والسفلي ‪ ،‬وما فيهما من‬ ‫َ ْ‬
‫شأ ٍ‬
‫قوُلو َ‬
‫ن‬ ‫ملئكة وإنس وجان ‪ ،‬فقيرون إليه ‪ ،‬عبيد له ‪ ،‬خاضعون لديه ‪ } ،‬فَ َ‬
‫سي َ ُ‬
‫ه { أي ‪ :‬هم يعلمون ذلك‬ ‫الل ّ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (182‬من حديث أبي هريرة رضي الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وحدانيته اللهية"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ويشق"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬قل من" وهو خطأ‪.‬‬

‫) ‪(4/266‬‬

‫ن { أي ‪ :‬أفل تخافون منه أن تعبدوا معه غيره‬ ‫قو َ‬ ‫ل أ ََفل ت َت ّ ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ويعترفون به ‪ } ،‬فَ ُ‬
‫بآرائكم وجهلكم ؟‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ل فَأّنى‬ ‫ضل ُ‬‫حقّ ِإل ال ّ‬ ‫ماَذا ب َعْد َ ال َ‬ ‫حقّ فَ َ‬ ‫م ال َ‬ ‫ه َرب ّك ُ ُ‬ ‫م الل ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَذ َل ِك ُ ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬فهذا الذي اعترفتم بأنه فاعل ذلك كله هو ربكم وإلهكم‬ ‫صَرُفو َ‬‫تُ ْ‬
‫ل { أي ‪:‬‬‫ضل ُ‬ ‫حقّ ِإل ال ّ‬ ‫ْ‬
‫ماَذا ب َعْد َ ال َ‬ ‫الحق الذي يستحق أن يفرد بالعبادة ‪ } ،‬فَ َ‬
‫فكل معبود سواه باطل ‪ ،‬ل إله إل هو ‪ ،‬واحد )‪ (1‬ل شريك له‪.‬‬
‫َ‬
‫ن { )‪ (2‬أي ‪ :‬فكيف تصرفون )‪ (3‬عن عبادته إلى عبادة ما‬ ‫صَرُفو َ‬ ‫} فَأّنى ت ُ ْ‬
‫سواه ‪ ،‬وأنتم تعلمون أنه الرب الذي خلق كل شيء ‪ ،‬والمتصرف في كل‬
‫شيء ؟‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪:‬‬‫مُنو َ‬ ‫م ل ي ُؤْ ِ‬ ‫قوا أن ّهُ ْ‬ ‫س ُ‬
‫نف َ‬ ‫ذي َ‬‫ة َرب ّك عَلى ال ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ت كل ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬كذ َل ِك َ‬
‫ح ّ‬
‫كما كفر هؤلء المشركون واستمروا على شركهم وعبادتهم مع الله غيره ‪،‬‬
‫مع أنهم يعترفون بأنه الخالق الرازق المتصرف في الملك وحده ‪ ،‬الذي بعث‬
‫رسله بتوحيده ؛ فلهذا حقت عليهم كلمة الله أنهم أشقياء من ساكني النار ‪،‬‬
‫ن { ] الزمر ‪71 :‬‬ ‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬‫ب عََلى ال ْ َ‬ ‫ذا ِ‬‫ة ال ْعَ َ‬
‫م ُ‬‫ت ك َل ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كقوله ‪َ } :‬قاُلوا ب ََلى وَل َك ِ ْ‬
‫[‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ل إله إل هو لن الله واحد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬يصرفون"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬يصرفون"‪.‬‬

‫) ‪(4/267‬‬
‫م ي ُِعيد ُهُ‬ ‫خل ْقَ ث ُ ّ‬ ‫ه ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫م ي ُِعيد ُه ُ قُ ِ‬ ‫خل ْقَ ث ُ ّ‬ ‫ن ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ‬‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫كائ ِك ُ ْ‬
‫شَر َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫دي‬ ‫ه ي َهْ ِ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫حق ّ ق ُ ِ‬ ‫دي إ َِلى ال ْ َ‬ ‫ن ي َهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫كائ ِك ُ ْ‬‫شَر َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫ن )‪ (34‬قُ ْ‬ ‫كو َ‬ ‫فَأ َّنى ت ُؤْفَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫دى فَ َ‬ ‫ن ي ُهْ َ‬‫دي إ ِّل أ ْ‬ ‫ن َل ي َهِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي ُت ّب َعَ أ ْ‬‫حق ّ أ ْ‬ ‫حقّ أ َ‬ ‫دي إ َِلى ال ْ َ‬ ‫ن ي َهْ ِ‬‫م ْ‬ ‫حقّ أفَ َ‬ ‫ل ِل ْ َ‬
‫َ‬
‫شي ًْئا‬ ‫حقّ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن َل ي ُغِْني ِ‬ ‫ن الظ ّ ّ‬ ‫م إ ِّل ظ َّنا إ ِ ّ‬ ‫ما ي َت ّب ِعُ أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫ن )‪ (35‬وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ُ ُ‬‫ف تَ ْ‬ ‫ك َي ْ َ‬
‫ن )‪(36‬‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫إِ ّ‬

‫م ي ُِعيد ُهُ‬ ‫خل ْقَ ث ُ ّ‬ ‫ه ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫م ي ُِعيد ُه ُ قُ ِ‬ ‫خل ْقَ ث ُ ّ‬ ‫ن ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫كائ ِك ُ ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫} قُ ْ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫دي‬ ‫ه ي َهْ ِ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫حق ّ ق ِ‬ ‫دي إ ِلى ال َ‬ ‫ن ي َهْ ِ‬‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫شَركائ ِك ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫ن )‪ (34‬ق ْ‬ ‫فَأّنى ت ُؤْفكو َ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫دى فَ َ‬ ‫ن ي ُهْ َ‬ ‫دي ِإل أ ْ‬ ‫ن ل ي َهِ ّ‬ ‫م ْ‬‫م َ‬ ‫ن ي ُت ّب َعَ أ ْ‬ ‫حق ّ أ ْ‬ ‫حقّ أ َ‬ ‫دي إ َِلى ال ْ َ‬ ‫ن ي َهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حقّ أفَ َ‬ ‫ل ِل ْ َ‬
‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫شي ًْئا إ ِ ّ‬‫حقّ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ل ي ُغِْني ِ‬ ‫ن الظ ّ ّ‬ ‫م ِإل ظ َّنا إ ِ ّ‬ ‫ما ي َت ّب ِعُ أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫ف )‪ (35‬وَ َ‬ ‫ك َي ْ َ‬
‫ن )‪{ (36‬‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫وهذا إبطال لدعواهم فيما أشركوا بالله غيره ‪ ،‬وعبدوا من الصنام والنداد ‪،‬‬
‫م ي ُِعيد ُه ُ { أي ‪ :‬من بدأ خلق هذه‬ ‫خل ْقَ ث ُ ّ‬ ‫ن ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫كائ ِك ُ ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫} قُ ْ‬
‫السموات والرض ثم ينشئ )‪ (1‬ما فيهما من الخلئق ‪ ،‬ويفرق أجرام‬
‫دا ؟‬ ‫قا جدي ً‬ ‫السموات والرض ويبدلهما بفناء ما فيهما ‪ ،‬ثم يعيد الخلق )‪ (2‬خل ً‬
‫َ‬
‫ه { هو الذي يفعل هذا ويستقل به ‪ ،‬وحده ل شريك له ‪ } ،‬فَأّنى‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫} قُ ِ‬
‫ن { أي ‪ :‬فكيف تصرفون عن طريق الرشد إلى الباطل ؟!‬ ‫كو َ‬ ‫ت ُؤْفَ ُ‬
‫حقّ { أي ‪ :‬أنتم‬ ‫دي ل ِل ْ َ‬ ‫ه ي َهْ ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫حق ّ ق ُ ِ‬ ‫دي إ َِلى ال ْ َ‬ ‫ن ي َهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫كائ ِك ُ ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫} قُ ْ‬
‫تعلمون أن شركاءكم ل تقدر على هداية ضال ‪ ،‬وإنما يهدي الحيارى‬
‫والضلل ‪ ،‬ويقلب القلوب من الغي إلى الرشد الله ‪ ،‬الذي ل إله إل هو‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دى { أي ‪ :‬أفَي ُت َّبع‬ ‫ن ي ُهْ َ‬ ‫دي ِإل أ ْ‬ ‫ن ل ي َهِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي ُت ّب َعَ أ ّ‬
‫حق ّ أ ْ‬ ‫حق ّ أ َ‬ ‫دي إ َِلى ال ْ َ‬ ‫ن ي َهْ ِ‬ ‫م ْ‬‫} أفَ َ‬
‫]العبد الذي يهدي إلى‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يفنى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬الخلئق"‪.‬‬

‫) ‪(4/267‬‬

‫قرآ َ َ‬
‫ن ي َد َي ْهِ‬‫ذي ب َي ْ َ‬ ‫ديقَ ال ّ ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ن الل ّهِ وَل َك ِ ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فت ََرى ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذا ال ْ ُ ْ ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن افْت ََراه ُ قُ ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫صي َ‬
‫قولو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ن )‪ (37‬أ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫م ْ‬‫ب ِفيهِ ِ‬ ‫ب ل َري ْ َ‬ ‫ل الك َِتا ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫وَت َ ْ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(38‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ن اللهِ إ ِ ْ‬ ‫ن ْ ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َطعْت ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫عوا َ‬ ‫مث ْل ِهِ َواد ْ ُ‬ ‫سوَرةٍ ِ‬ ‫فَأُتوا ب ِ ُ‬
‫ْ‬
‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫ك ك َذ ّ َ‬ ‫ه ك َذ َل ِ َ‬ ‫م ت َأِويل ُ ُ‬ ‫ما ي َأت ِهِ ْ‬ ‫مهِ وَل َ ّ‬ ‫طوا ب ِعِل ْ ِ‬ ‫حي ُ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ل ك َذ ُّبوا ب ِ َ‬ ‫بَ ْ‬
‫ن لَ‬ ‫م ْ‬‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ن ب ِهِ وَ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ن )‪ (39‬وَ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫ة الظال ِ ِ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ف كا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َفان ْظْر كي ْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(40‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬
‫م ِبال ُ‬ ‫ن ب ِهِ وََرب ّك أعْل ُ‬ ‫م ُ‬‫ي ُؤْ ِ‬

‫صر بعد العمى ‪ ،‬أم الذي ل يهدي إلى شيء إل[ )‪ (1‬أن يهدى ‪،‬‬ ‫الحق وي ُب َ ّ‬
‫َ‬
‫م ت َعْب ُد ُ‬
‫ت لِ َ‬
‫لعماه وبكمه ؟ كما قال تعالى إخباًرا عن إبراهيم أنه قال ‪َ } :‬يا أب َ ِ‬
‫شي ًْئا { ] مريم ‪ ، [ 42 :‬وقال لقومه ‪:‬‬ ‫ك َ‬ ‫صُر َول ي ُغِْني عَن ْ َ‬ ‫معُ َول ي ُب ْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ل ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ملون { ] الصافات ‪[ 96 ، 95 :‬‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫ن‬ ‫تو‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ت‬‫} أَ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫إلى غير ذلك من اليات‪.‬‬
‫ب بعقولكم ‪،‬‬ ‫ن { أي ‪ :‬فما بالكم )‪ (2‬ي ُذ ْهَ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ف تَ ْ‬ ‫م ك َي ْ َ‬‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَ َ‬
‫خلقه ‪ ،‬وعدلتم هذا بهذا ‪ ،‬وعبدتم هذا وهذا ؟ وهل‬ ‫كيف سويتم بين الله وبين َ‬
‫أفردتم الرب جل جلله المالك الحاكم الهادي من الضللة بالعبادة وحده ‪،‬‬
‫وأخلصتم إليه الدعوة والنابة‪.‬‬
‫ثم بين تعالى أنهم ل يتبعون في دينهم هذا دليل ول برهاًنا ‪ ،‬وإنما هو ظن‬
‫ما‬
‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫منهم ‪ ،‬أي ‪ :‬توهم وتخيل ‪ ،‬وذلك ل يغني عنهم شيئا ‪ } ،‬إ ِ ّ‬
‫ن { تهديد لهم ‪ ،‬ووعيد شديد ؛ لنه تعالى أخبر )‪ (3‬أنه سيجازيهم على‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ذلك أتم الجزاء‪.‬‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ن ي َد َي ْ ِ‬ ‫ذي ب َي ْ َ‬ ‫ديقَ ال ّ ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ن الل ّهِ وَل َك ِ ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فت ََرى ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫قْرآ ُ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫} وَ َ‬
‫ن افْت ََراه ُ قُ ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫صي َ‬
‫قولو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ن )‪ (37‬أ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫م ْ‬‫ب ِفيهِ ِ‬ ‫ب ل َري ْ َ‬ ‫ل الك َِتا ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫وَت َ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(38‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن اللهِ إ ِ ْ‬ ‫ن ْ ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َطعْت ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عوا َ‬ ‫مث ْل ِهِ َواد ْ ُ‬ ‫سوَرةٍ ِ‬ ‫فَأُتوا ب ِ ُ‬
‫ْ‬
‫م‬‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫ك ك َذ ّ َ‬ ‫ه ك َذ َل ِ َ‬ ‫م ت َأِويل ُ ُ‬ ‫ما ي َأت ِهِ ْ‬ ‫مهِ وَل َ ّ‬ ‫طوا ب ِعِل ْ ِ‬ ‫حي ُ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ل ك َذ ُّبوا ب ِ َ‬ ‫بَ ْ‬
‫نل‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ن ب ِهِ وَ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ن )‪ (39‬وَ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫ة الظال ِ ِ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ف كا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َفان ْظْر كي ْ َ‬‫ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (40‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِبال ُ‬ ‫ن ب ِهِ وََرب ّك أعْل ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫هذا بيان لعجاز القرآن ‪ ،‬وأنه ل يستطيع البشر أن يأتوا بمثله ‪ ،‬ول بعشر‬
‫حلوته ‪،‬‬ ‫سور ‪ ،‬ول بسورة من مثله ‪ ،‬لنه بفصاحته وبلغته وَوجازته و َ‬
‫واشتماله على المعاني العزيزة )‪] (4‬للعزيرة[ )‪ (5‬النافعة في الدنيا‬
‫والخرة ‪ ،‬ل يكون إل من عند الله الذي ل يشبهه شيء في ذاته ول صفاته ‪،‬‬
‫ول في أفعاله وأقواله ‪ ،‬فكلمه ل يشبه كلم المخلوقين ؛ ولهذا قال تعالى ‪:‬‬
‫ن الل ّهِ { )‪ (6‬أي ‪ :‬مثل هذا القرآن ل‬ ‫قرآ َ‬
‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فت ََرى ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذا ال ْ ُ ْ ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫} وَ َ‬
‫ذي‬ ‫ديقَ ال ّ ِ‬ ‫ص ِ‬‫ن تَ ْ‬ ‫يكون إل من عند الله ‪ ،‬ول يشبه هذا كلم )‪ (7‬البشر ‪ } ،‬وَل َك ِ ْ‬
‫ن ي َد َي ْهِ { أي ‪ :‬من الكتب المتقدمة ‪ ،‬ومهيمنا عليها ‪ ،‬ومبينا لما وقع فيها من‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫التحريف والتأويل والتبديل‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬وبيان الحكام‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب الَعال ِ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِفيهِ ِ‬ ‫ب ل َري ْ َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫صي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَت َ ْ‬
‫والحلل والحرام ‪ ،‬بياًنا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬لكم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يخبر"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬ا ‪" :‬الغزيرة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬لهذا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بكلم"‪.‬‬

‫) ‪(4/268‬‬

‫قا ل مرية فيه من الله رب العالمين ‪ ،‬كما تقدم في حديث‬ ‫شافًيا كافًيا ح ً‬
‫خب َُر ما قبلكم ‪ ،‬ونبأ ما بعدكم‬ ‫الحارث العور ‪ ،‬عن علي بن أبي طالب ‪" :‬فيه َ‬
‫خَبر عما سلف وعما سيأتي ‪ ،‬وحكم فيما بين‬ ‫‪ ،‬وفصل ما بينكم" ‪ ،‬أي ‪َ :‬‬
‫الناس بالشرع الذي يحبه الله ويرضاه‪.‬‬
‫َ‬ ‫قوُلون افْتراه قُ ْ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫م ِ‬
‫ست َطعْت ُ ْ‬
‫نا ْ‬
‫م ِ‬ ‫مث ْل ِهِ َواد ْ ُ‬
‫عوا َ‬ ‫ل فَأُتوا ب ِ ُ‬
‫سوَرةٍ ِ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬إن ادعيتم وافتريتم وشككتم في أن هذا‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن الل ّهِ إ ِ ْ‬
‫ُدو ِ‬
‫مْينا ‪" :‬إن هذا من عند محمد" ‪ ،‬فمحمد بشر‬ ‫من عند الله ‪ ،‬وقلتم كذًبا و َ‬
‫مثلكم ‪ ،‬وقد جاء فيما زعمتم بهذا القرآن ‪ ،‬فأتوا أنتم بسورة )‪ (1‬مثله ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫من جنس القرآن ‪ ،‬واستعينوا على ذلك بكل من َقدرتم عليه من إنس وجان‪.‬‬
‫وهذا هو المقام الثالث في التحدي ‪ ،‬فإنه تعالى تحداهم ودعاهم ‪ ،‬إن كانوا‬
‫صادقين في دعواهم ‪ ،‬أنه من عند محمد ‪ ،‬فلتعارضوه )‪ (2‬بنظير ما جاء به‬
‫وحده واستعينوا بمن شئتم )‪ (3‬وأخبر أنهم ل يقدرون على ذلك ‪ ،‬ول سبيل‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫مث ْ ِ‬
‫ل‬ ‫ن ي َأُتوا ب ِ ِ‬ ‫ن عََلى أ ْ‬ ‫ج ّ‬‫س َوال ْ ِ‬‫ت الن ْ ُ‬ ‫معَ ِ‬ ‫جت َ َ‬‫نا ْ‬ ‫لهم إليه ‪ ،‬فقال تعالى ‪ } :‬قُ ْ َ‬
‫ل لئ ِ ِ‬
‫ض ظ َِهيًرا { ] السراء ‪، [ 88 :‬‬ ‫مث ْل ِهِ وَل َوْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬‫هَ َ‬
‫ٍ‬ ‫م ل ِب َعْ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ن ب َعْ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫ن ل ي َأُتو َ‬ ‫قْرآ ِ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ثم تقاصر معهم إلى عشر سور منه ‪ ،‬فقال في أول سورة هود ‪ } :‬أ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬
‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عوا َ‬ ‫ت َواد ْ ُ‬ ‫فت ََرَيا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫مث ْل ِهِ ُ‬‫سوَرٍ ِ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ل فَأ ُْتوا ب ِعَ ْ‬ ‫ن افْت ََراه ُ قُ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫يَ ُ‬
‫ن { ] هود ‪ (4) ، [ 13 :‬ثم تنازل إلى سورة ‪ ،‬فقال‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ إ ِ ْ‬ ‫ُدو ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ِ‬ ‫عوا َ‬ ‫مث ْل ِهِ َواد ْ ُ‬
‫سوَرةٍ ِ‬ ‫ل فَأُتوا ب ِ ُ‬ ‫ن افْت ََراه ُ قُ ْ‬ ‫قولو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫في هذه السورة ‪ } :‬أ ْ‬
‫ن { )‪ (5‬وكذا في سورة البقرة ‪ -‬وهي‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ إ ِ ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬ ‫ا ْ‬
‫مدنية ‪ -‬تحداهم بسورة منه ‪ ،‬وأخبر أنهم ل يستطيعون ذلك أبدا ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫قوا الّناَر { الية ‪ ] :‬البقرة ‪.[ 24 :‬‬ ‫فعَُلوا َفات ّ ُ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫فعَُلوا وَل َ ْ‬ ‫م تَ ْ‬‫ن لَ ْ‬ ‫} فَإ ِ ْ‬
‫هذا وقد كانت الفصاحة من سجاياهم ‪ ،‬وأشعارهم ومعلقاتهم إليها المنتهى‬
‫ل لحد به ‪ ،‬ولهذا آمن من آمن‬ ‫في هذا الباب ‪ ،‬ولكن جاءهم من الله ما ل قِب َ َ‬
‫منهم بما عرف من بلغة هذا الكلم وحلوته ‪ ،‬وجزالته وطلوته ‪ ،‬وإفادته‬
‫وبراعته ‪ ،‬فكانوا أعلم الناس به ‪ ،‬وأفهمهم له ‪ ،‬وأتبعهم له وأشدهم )‪ (6‬له‬
‫انقيادا ‪ ،‬كما عرف السحرة ‪ ،‬لعلمهم )‪ (7‬بفنون السحر ‪ ،‬أن هذا الذي فعله‬
‫سدد مرسل من الله ‪ ،‬وأن هذا‬ ‫م َ‬ ‫مؤّيد ُ‬ ‫موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ل يصدر إل عن ُ‬
‫ل يستطاع لبشر إل بإذن الله‪ .‬وكذلك عيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ب ُِعث في زمان‬
‫علماء الطب ومعالجة المرضى ‪ ،‬فكان يبرئ الكمه والبرص ‪ ،‬ويحيي الموتى‬
‫بإذن الله ‪ ،‬ومثل هذا ل مدخل للعلج والدواء فيه ‪ ،‬فعرف من عرف منهم أنه‬
‫عبد الله )‪ (8‬ورسوله ؛ ولهذا جاء في الصحيح ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أنه قال ‪" :‬ما من نبي من النبياء إل وقد أوتي من اليات ما آمن‬
‫على مثله البشر ‪ ،‬وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي ‪ ،‬فأرجو أن‬
‫أكون أكثرهم تابًعا )‪.(9‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬من مثله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فليعارضوه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وليستعينوا بمن شاءوا‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬ما" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬ما" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وأشهرهم"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بعلمهم"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬من عبد الله" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬من عند الله"‪.‬‬
‫)‪ (9‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (4981‬ومسلم في صحيحه برقم )‬
‫‪ (152‬من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬

‫) ‪(4/269‬‬

‫ريءٌ‬ ‫ل ِلي عَمِلي ول َك ُم عَمل ُك ُم أ َنتم بريُئون مما أ َعْم ُ َ‬ ‫ك فَ ُ‬


‫ق ْ‬ ‫ن ك َذ ُّبو َ‬
‫ل وَأَنا ب َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ْ ُْ ْ ََ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫كاُنوا لَ‬
‫م وَل َوْ َ‬ ‫ص ّ‬
‫معُ ال ّ‬
‫س ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِلي ْك أفَأن ْ َ‬
‫ت تُ ْ‬ ‫مُعو َ‬
‫ست َ ِ‬‫ن يَ ْ‬
‫م ْ‬
‫م َ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫ن )‪ (41‬وَ ِ‬ ‫ُ‬
‫ملو َ‬‫ما ت َعْ َ‬ ‫م ّ‬‫ِ‬
‫ن )‪(42‬‬ ‫ُ‬
‫قلو َ‬ ‫ي َعْ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه { يقول ‪ :‬بل كذب‬ ‫م ت َأِويل ُ ُ‬ ‫ما ي َأت ِهِ ْ‬ ‫مهِ وَل َ ّ‬ ‫طوا ب ِعِل ْ ِ‬ ‫حي ُ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ل ك َذ ُّبوا ب ِ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ب َ ْ‬
‫ه { أي ‪ :‬ولم‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ت َأِويل ُ‬ ‫ما ي َأت ِهِ ْ‬ ‫هؤلء بالقرآن ‪ ،‬ولم يفهموه ول عرفوه ‪ } ،‬وَل ّ‬
‫صلوا ما فيه من الهدى ودين الحق إلى حين تكذيبهم به جهل وسفًها‬ ‫ُيح ّ‬
‫ن‬‫َ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ف‬ ‫ي‬
‫ْ ْ ْ َ‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫ن‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫}‬ ‫السالفة‬ ‫المم‬ ‫من‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ل‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ِ َ ِ ْ ِِْ ْ‬‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫} كَ ِ‬
‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬
‫ما وعلوا ‪،‬‬ ‫ن { أي ‪ :‬فانظر كيف أهلكناهم بتكذيبهم رسلنا ظل ً‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫َ‬
‫وكفرا وعناًدا وجهل فاحذروا أيها المكذبون أن يصيبكم ما أصابهم‪.‬‬
‫وقوله ‪ } :‬ومنهم من يؤْمن به ومنهم من ل يؤْمن به ورب َ َ‬
‫م‬ ‫ك أعْل َ ُ‬ ‫ُ ِ ُ ِ ِ ََ ّ‬ ‫َ ِ ُْ ْ َ ْ ُ ِ ُ ِ ِ َ ِ ُْ ْ َ ْ‬
‫ت )‪ (1‬إليهم يا محمد من يؤمن )‪(2‬‬ ‫ن { أي ‪ :‬ومن هؤلء الذين ُبعث َ‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِبال ْ ُ‬
‫ن ب ِهِ { بل‬ ‫م ُ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫بهذا القرآن ‪ ،‬ويتبعك وينتفع بما أرسلت به ‪ } ،‬وَ ِ‬
‫يموت على ذلك ويبعث عليه ‪ } ،‬ورب َ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬وهو أعلم‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬‫م ِبال ْ ُ‬ ‫ك أعْل َ ُ‬ ‫ََ ّ‬
‫بمن يستحق الهداية فيهديه ‪ ،‬ومن يستحق الضللة فيضله ‪ ،‬وهو العادل الذي‬
‫ل يجور ‪ ،‬بل يعطي كل ما يستحقه ‪ ،‬تبارك وتعالى وتقدس وتنزه ‪ ،‬ل إله إل‬
‫هو‪.‬‬
‫ريٌء‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ق ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن كذ ُّبوك ف ُ‬ ‫َ‬
‫ل وَأَنا ب َ ِ‬ ‫ما أعْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫ريئو َ‬ ‫م َب َ ِ‬ ‫م أن ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫ملك ْ‬ ‫م عَ َ‬ ‫مِلي وَلك ْ‬ ‫ل ِلي عَ َ‬ ‫} وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫م وَلوْ كاُنوا ل‬ ‫َ‬ ‫ص ّ‬‫معُ ال ّ‬ ‫س ِ‬ ‫ت تُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِلي ْك أفأن ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ن )‪ (41‬وَ ِ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪{ (42‬‬ ‫قلو َ‬ ‫ُ‬ ‫ي َعْ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ت في ت ‪" :‬الذين من بعثت"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬سيؤمن"‪.‬‬

‫) ‪(4/270‬‬

‫ه َل‬ ‫ومنهم من ينظ ُر إل َي َ َ َ‬


‫ن الل ّ َ‬
‫ن )‪ (43‬إ ِ ّ‬ ‫كاُنوا َل ي ُب ْ ِ‬
‫صُرو َ‬ ‫ي وَل َوْ َ‬
‫م َ‬ ‫دي ال ْعُ ْ‬ ‫ك أفَأن ْ َ‬
‫ت ت َهْ ِ‬ ‫َ ِ ُْ ْ َ ْ َْ ُ ِ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(44‬‬ ‫مو َ‬‫م ي َظل ِ ُ‬
‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬‫س أن ْ ُ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫شي ًْئا وَلك ِ ّ‬
‫س َ‬ ‫ي َظ ْل ِ ُ‬
‫م الّنا َ‬
‫ي وَل َوْ َ‬ ‫} ومنهم من ينظ ُر إل َي َ َ َ‬
‫ن‬
‫ن )‪ (43‬إ ِ ّ‬ ‫صُرو َ‬ ‫كاُنوا ل ي ُب ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫دي ال ْعُ ْ‬ ‫ت ت َهْ ِ‬ ‫ك أفَأن ْ َ‬ ‫َ ِ ُْ ْ َ ْ َْ ُ ِ ْ‬
‫ْ‬ ‫شيًئا ول َكن الناس أ َ‬
‫ن )‪{ (44‬‬ ‫ُ َ‬‫مو‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ظ‬ ‫س َ ْ َ ِ ّ ّ َ ْ َ ُ ْ َ‬
‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫ف‬‫ن‬ ‫م الّنا َ‬ ‫ه ل ي َظ ْل ِ ُ‬ ‫الل ّ َ‬
‫يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ‪ :‬وإن كذبك )‪ (1‬هؤلء المشركون ‪،‬‬
‫م { كقوله تعالى ‪:‬‬ ‫مل ُك ُ ْ‬ ‫م عَ َ‬ ‫مِلي وَل َك ُ ْ‬ ‫ل ِلي عَ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫فتبرأ منهم ومن عملهم ‪ } ،‬فَ ُ‬
‫عابدون ما أ َعْبد * ول أناَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل َياأ َي َّها ال ْ َ‬ ‫} قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫م َ ِ ُ َ َ‬ ‫ن * َول أن ْت ُ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫ن * ل أعْب ُد ُ َ‬ ‫كافُِرو َ‬
‫ي ِدين { ] سورة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م وَل ِ َ‬ ‫م ِدين ُك ْ‬ ‫ما أعْب ُد ُ * لك ْ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫عاب ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م * َول أن ْت ُ ْ‬ ‫ما عَب َد ْت ُ ْ‬ ‫عاب ِد ٌ َ‬ ‫َ‬
‫الكافرون [‪ .‬وقال إبراهيم الخليل وأتباعه لقومهم المشركين ‪ } :‬إ ِّنا ب َُرآُء‬
‫ضاءُ‬‫داوَة ُ َوال ْب َغْ َ‬‫م ال ْعَ َ‬‫دا ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ُ‬ ‫م وَب َ َ‬ ‫فْرَنا ب ِك ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ك َ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫م ّ‬
‫م وَ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫حد َه ُ { ] الممتحنة ‪.[4 :‬‬ ‫مُنوا ِباللهِ وَ ْ‬ ‫حّتى ت ُؤْ ِ‬ ‫دا َ‬ ‫أب َ ً‬
‫ك { أي ‪ :‬يسمعون )‪ (2‬كلمك الحسن ‪،‬‬ ‫ن إ ِل َي ْ َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ ِ‬
‫والقرآن العظيم ‪ ،‬والحاديث الصحيحة الفصيحة )‪ (3‬النافعة في القلوب‬
‫والبدان والديان ‪ ،‬وفي هذا كفاية عظيمة ‪ ،‬ولكن ليس ذلك إليك ول إليهم ‪،‬‬
‫فإنك ل تقدر على إسماع الصم ‪ -‬وهو الطرش ‪ -‬فكذلك ل تقدر على هداية‬
‫هؤلء ‪ ،‬إل أن يشاء الله‪.‬‬
‫ك { أي ‪ :‬ينظرون إليك وإلى ما أعطاك الله من‬ ‫ن ي َن ْظ ُُر إ ِل َي ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫} وَ ِ‬
‫التؤدة ‪ ،‬والسمت الحسن ‪ ،‬والخلق العظيم ‪ ،‬والدللة الظاهرة ‪ ،‬على نبوءتك‬
‫لولي البصائر )‪ (4‬والنهى ‪ ،‬وهؤلء ينظرون كما ينظر‬
‫__________‬
‫"وإن كذبوك"‪.‬‬ ‫أ‪:‬‬ ‫في‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪" :‬يستمعون"‪.‬‬ ‫ت‬ ‫في‬ ‫)‪(2‬‬
‫‪" :‬الفصيحة الصحيحة"‪.‬‬ ‫ت‬ ‫في‬ ‫)‪(3‬‬
‫‪" :‬البصار"‪.‬‬ ‫ت‬ ‫في‬ ‫)‪(4‬‬

‫) ‪(4/270‬‬

‫َ‬
‫سَر‬ ‫م قَد ْ َ‬
‫خ ِ‬ ‫ن الن َّهارِ ي َت ََعاَرُفو َ‬
‫ن ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫م َ‬
‫ة ِ‬‫ساعَ ً‬ ‫م ي َل ْب َُثوا إ ِّل َ‬
‫ن لَ ْ‬‫م ك َأ ْ‬‫شُرهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫م يَ ْ‬
‫وَي َوْ َ‬
‫ن )‪(45‬‬ ‫دي َ‬‫مهْت َ ِ‬
‫كاُنوا ُ‬‫ما َ‬ ‫ّ‬
‫قاِء اللهِ وَ َ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ب ِل ِ َ‬
‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬

‫غيرهم ‪ ،‬ول يحصل لهم من الهداية شيء مما )‪ (1‬يحصل لغيرهم ‪ ،‬بل‬
‫المؤمنون ينظرون إليك بعين الوقار ‪ ،‬والكافرون ينظرون إليك بعين‬
‫ن‬‫سول * إ ِ ْ‬ ‫ه َر ُ‬ ‫ث الل ّ ُ‬ ‫ذي ب َعَ َ‬ ‫ذا ال ّ ِ‬ ‫ك ِإل هُُزًوا أ َهَ َ‬ ‫ذون َ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫ك إِ ْ‬ ‫الحتقار ‪ } ،‬وَإ َِذا َرأ َوْ َ‬
‫ن ال ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫ب‬
‫ذا َ‬ ‫ن ي ََروْ َ‬ ‫حي َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ف ي َعْل َ ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫صب َْرَنا عَل َي َْها وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫ن آل ِهَت َِنا ل َ ْ‬ ‫ضل َّنا عَ ْ‬ ‫كاد َ ل َي ُ ِ‬ ‫َ‬
‫سِبيل { ] الفرقان ‪.[ 42 ، 41 :‬‬ ‫ض ّ‬ ‫َ‬
‫ل َ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ثم أخبر تعالى أنه ل يظلم أحدا شيًئا ‪ ،‬وإن كان قد هدى به من هدى ]من‬
‫الغي[ )‪ (2‬وبصر به من العمى ‪ ،‬وفتح به أعينا عميا ‪ ،‬وآذانا صما ‪ ،‬وقلوًبا غلفا‬
‫‪ ،‬وأضل به عن اليمان )‪ (3‬آخرين ‪ ،‬فهو الحاكم المتصرف في ملكه بما يشاء‬
‫سأل عما يفعل وهم يسألون ‪ ،‬لعلمه وحكمته وعدله ؛ ولهذا قال‬ ‫‪ ،‬الذي ل ي ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ن { وفي‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َظل ِ ُ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫س أن ْ ُ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫شي ًْئا وَلك ِ ّ‬ ‫س َ‬ ‫م الّنا َ‬ ‫ه ل ي َظل ِ ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫الحديث عن أبي ذر )‪ (4‬عن النبي )‪ (5‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فيما يرويه‬
‫عنه ربه عز وجل ‪" :‬يا عبادي ‪ ،‬إني حّرمت الظلم على نفسي ‪ ،‬وجعلته بينكم‬
‫محرما فل تظالموا ‪ -‬إلى أن قال في آخره ‪ :‬يا عبادي ‪ ،‬إنما هي أعمالكم‬
‫أحصيها لكم ‪ ،‬ثم أوفيكم إياها ‪ ،‬فمن وجد خيرا فليحمد الله ‪ ،‬ومن وجد غير‬
‫ن إل نفسه"‪ .‬رواه مسلم بطوله‪(6) .‬‬ ‫م ّ‬ ‫ذلك فل ي َُلو َ‬
‫َ‬
‫سَر‬ ‫خ ِ‬ ‫م قَد ْ َ‬ ‫ن ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ن الن َّهارِ ي َت ََعاَرُفو َ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ساعَ ً‬ ‫م ي َل ْب َُثوا ِإل َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ك َأ ْ‬ ‫شُرهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫} وَي َوْ َ‬
‫ن )‪{ (45‬‬ ‫دي َ‬ ‫مهْت َ ِ‬ ‫كاُنوا ُ‬ ‫ما َ‬ ‫قاِء الل ّهِ وَ َ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ب ِل ِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫مذك ًّرا للناس قيام الساعة وحشرهم من أجداثهم إلى عََرصات‬ ‫يقول تعالى ُ‬
‫ن الن َّهارِ {‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ساعَ ً‬ ‫القيامة ‪ :‬كأنهم )‪ (7‬يوم يوافونها لم يلبثوا في الدنيا } ِإل َ‬
‫ها {‬ ‫حا َ‬ ‫كما قال تعالى ‪ } :‬ك َأ َنهم يوم يرونها ل َم يل ْبُثوا إل عَشي ً َ‬
‫ض َ‬ ‫ة أوْ ُ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ُّ ْ َ ْ َ ََ ََْ‬
‫ن‬
‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫شُر ال ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫صورِ وَن َ ْ‬ ‫خ ِفي ال ّ‬ ‫ف ُ‬ ‫م ي ُن ْ َ‬ ‫] النازعات ‪ ، [ 46 :‬وقال تعالى ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِذ ْ‬‫قولو َ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ن أعْل ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫شًرا * ن َ ْ‬ ‫م ِإل عَ ْ‬ ‫ن ل َب ِث ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ن ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫خافَُتو َ‬ ‫مئ ِذ ٍ ُزْرًقا * ي َت َ َ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما { ] طه ‪ ، [ 104 - 102 :‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫م ِإل ي َوْ ً‬ ‫ن لب ِث ْت ُ ْ‬ ‫ة إِ ْ‬ ‫ق ً‬ ‫ري َ‬ ‫مط ِ‬ ‫مث َلهُ ْ‬ ‫لأ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫َ‬
‫ساعَةٍ كذ َل ِك كاُنوا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما لب ُِثوا غي َْر َ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫م ال ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫ة يُ ْ‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫} وَي َوْ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ي ُؤْفَ ُ‬
‫ب اللهِ إ ِلى ي َوْم ِ‬ ‫م ِفي ك َِتا ِ‬ ‫قد ْ لب ِث ْت ُ ْ‬ ‫نل َ‬ ‫ما َ‬ ‫م َوالي َ‬ ‫ن أوُتوا العِل َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫ن * وَقا َ‬ ‫كو َ‬
‫ن { ] الروم ‪.[ 56 ، 55 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬ ‫م ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ث وَل َك ِن ّك ُ ْ‬ ‫م ال ْب َعْ ِ‬ ‫ذا ي َوْ ُ‬ ‫ث فَهَ َ‬ ‫ال ْب َعْ ِ‬
‫وهذا كله دليل على استقصار الحياة الدنيا في الدار الخرة كما قال ‪َ } :‬قا َ‬
‫ل‬
‫ك َم ل َبث ْتم في الرض عدد سنين * َقاُلوا ل َبث ْنا يوما أ َو بعض يوم َفا َ‬
‫ل ال َْعاّدي َ‬
‫ن‬ ‫سأ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ َ َ ْ ً ْ َْ َ َ ْ ٍ‬ ‫ْ ِ َ َ َ ِ ِ َ‬ ‫ْ ِ ُ ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ل إن ل َبث ْتم إل قَِليل ل َو أ َ‬
‫ن { ] المؤمنون ‪.[ 114 ، 112 :‬‬ ‫مو‬
‫ْ ّ ْ ُْ ْ َْ ُ َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫* َقا َ ِ ْ ِ ُ ْ ِ‬
‫م { أي ‪ :‬يعرف البناء الباء )‪ (8‬والقرابات بعضهم‬ ‫ن ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َت ََعاَرُفو َ‬
‫لبعض ‪ ،‬كما كانوا في‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬ما"‪.‬‬
‫زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫في ت ‪" :‬وأضل عن اليمان به"‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬حديث أبي ذر"‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬رسول الله"‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫صحيح مسلم برقم )‪.(2577‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وكأنهم"‪.‬‬ ‫)‪(7‬‬
‫في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الباء البناء‪.‬‬ ‫)‪(8‬‬

‫) ‪(4/271‬‬

‫ما‬‫شِهيد ٌ عََلى َ‬
‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫جعُهُ ْ‬
‫مْر ِ‬ ‫م أ َوْ ن َت َوَفّي َن ّ َ‬
‫ك فَإ ِل َي َْنا َ‬ ‫ذي ن َعِد ُهُ ْ‬ ‫ض ال ّ ِ‬ ‫ما ن ُرِي َن ّ َ‬
‫ك ب َعْ َ‬ ‫وَإ ِ ّ‬
‫م لَ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ط وَهُ ْ‬
‫س ِ‬
‫ق ْ‬ ‫م ِبال ِ‬ ‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬‫ض َ‬‫م قُ ِ‬‫سولهُ ْ‬ ‫جاَء َر ُ‬ ‫ل فَإ َِذا َ‬ ‫سو ٌ‬‫مةٍ َر ُ‬ ‫لأ ّ‬ ‫ن )‪ (46‬وَل ِك ّ‬ ‫فعَلو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن )‪(47‬‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫ي ُظل ُ‬‫ْ‬
‫َ‬
‫م‬
‫ب ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫سا َ‬ ‫صورِ َفل أن ْ َ‬ ‫خ ِفي ال ّ‬ ‫ف َ‬‫الدنيا ‪ ،‬ولكن كل مشغول بنفسه } فَإ َِذا ن ُ ِ‬
‫َ‬
‫م‬
‫مي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ل َ‬ ‫سأ ُ‬ ‫ن { ] المؤمنون ‪ ، [ 101 :‬وقال تعالى ‪َ } :‬ول ي َ ْ‬ ‫ساَءُلو َ‬ ‫مئ ِذ ٍ َول ي َت َ َ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫ه‬
‫حب َت ِ ِ‬‫صا ِ‬ ‫مئ ِذ ٍ ب ِب َِنيهِ وَ َ‬ ‫ب ي َوْ ِ‬‫ذا ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫فت َ ِ‬‫م لو ْ ي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫جرِ ُ‬‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫م ي َوَد ّ ال ُ‬ ‫صُرون َهُ ْ‬ ‫ما * ي ُب َ ّ‬ ‫مي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جيهِ * كل {‬ ‫م ي ُن ْ ِ‬ ‫ميًعا ث ُ ّ‬ ‫ج ِ‬‫ض َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صيلت ِهِ الِتي ت ُؤِْويهِ * وَ َ‬ ‫خيهِ * وَفَ ِ‬ ‫وَأ ِ‬
‫] المعارج ‪.[ 15 ، 10 :‬‬
‫ن { كقوله تعالى ‪:‬‬ ‫دي َ‬ ‫مهْت َ ِ‬‫ما كاُنوا ُ‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫قاِء اللهِ وَ َ‬ ‫ن كذ ُّبوا ب ِل ِ َ‬‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سَر ال ّ ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬قَد ْ َ‬
‫ن { ] المرسلت ‪ .[ 15 :‬لنهم خسروا أنفسهم وأهليهم‬ ‫مكذ ِّبي َ‬ ‫َ‬ ‫مئ ِذ ٍ ل ِل ْ ُ‬ ‫ل ي َوْ َ‬ ‫} وَي ْ ٌ‬
‫يوم القيامة ‪ ،‬أل ذلك هو الخسران المبين‪ .‬فهذه هي الخسارة العظيمة ‪ ،‬ول‬
‫خسارة من فُّرق بينه وبين أحبته )‪ (1‬يوم الحسرة‬ ‫خسارة أعظم من َ‬
‫والندامة‪.‬‬
‫شِهيد ٌ عََلى‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ُّ‬ ‫م ث ُّ‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ك بعض ال ّذي نعِدهُم أ َ‬ ‫َ‬
‫ِ َْ َ ْ ِ ُ ُ ْ‬ ‫ِ َ ُ ْ ْ ََ َ َّ‬ ‫ما ن ُ ِ َ ّ َ ْ َ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫} وَإ ِ ّ‬
‫ُ‬
‫ط‬
‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫م ِبال ْ ِ‬ ‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫م قُ ِ‬ ‫سول ُهُ ْ‬ ‫جاَء َر ُ‬ ‫ل فَإ َِذا َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫مةٍ َر ُ‬ ‫لأ ّ‬ ‫ن )‪ (46‬وَل ِك ُ ّ‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (47‬‬ ‫ُ َ‬ ‫مو‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ظ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫وَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫ذي‬ ‫ض ال ّ ِ‬ ‫ك ب َعْ َ‬ ‫ما ن ُرِي َن ّ َ‬ ‫يقول تعالى مخاطبا لرسوله صلى الله عليه وسلم ‪ } :‬وَإ ِ ّ‬
‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬ننتقم )‪ (2‬منهم في حياتك لتقّر عيُنك منهم ‪ } ،‬أوْ ن َت َوَفّي َن ّ َ‬
‫ك‬ ‫ن َعِد ُهُ ْ‬
‫قلبهم ‪ ،‬والله شهيد على أفعالهم بعدك‪.‬‬ ‫َ‬ ‫م { أي ‪ :‬مصيرهم ومت َ‬ ‫جعُهُ ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫فَإ ِل َي َْنا َ‬
‫وقد قال الطبراني ‪ :‬حدثنا عبد الله بن أحمد ‪ ،‬حدثنا عقبة بن مكرم ‪ ،‬حدثنا‬
‫أبو بكر الحنفي ‪ ،‬حدثنا داود بن الجارود ‪ ،‬عن أبي الطفيل )‪ (3‬عن حذيفة بن‬
‫ي أمتي البارحة‬ ‫عرضت عل ّ‬ ‫أسيد ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ُ " :‬‬
‫لدى هذه الحجرة ‪ ،‬أولها وآخرها‪ .‬فقال رجل ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬عرض عليك‬
‫وروا لي في الطين ‪ ،‬حتى إني‬ ‫ص ّ‬ ‫خِلق ‪ ،‬فكيف من لم يخلق ؟ فقال ‪ُ " :‬‬ ‫من ُ‬
‫ف بالنسان منهم من أحدكم بصاحبه"‪(4) .‬‬ ‫لعَْر ُ‬
‫ورواه عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة ‪ ،‬عن عقبة بن مكرم ‪ ،‬عن يونس‬
‫بن ب ُك َْير ‪ ،‬عن زياد بن المنذر ‪ ،‬عن أبي الطفيل ‪ ،‬عن حذيفة بن أسيد ‪ ،‬به‬
‫نحوه‪(5) .‬‬
‫ُ‬
‫م { قال مجاهد ‪ :‬يعني يوم‬ ‫سول ُهُ ْ‬ ‫جاَء َر ُ‬ ‫ل فَإ َِذا َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫مةٍ َر ُ‬ ‫لأ ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل ِك ُ ّ‬
‫القيامة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ت‬ ‫شَرقَ ِ‬ ‫ن { كما قال تعالى ‪ } :‬وَأ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي ُظل ُ‬ ‫ط وَهُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫م ِبال ِ‬ ‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫} قُ ِ‬
‫حق ّ )‬ ‫ْ‬
‫م ِبال َ‬ ‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ض َ‬‫داِء وَقُ ِ‬ ‫شهَ َ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫جيَء ِبالن ّب ِّيي َ‬ ‫ب وَ ِ‬ ‫ضعَ الك َِتا ُ‬‫ْ‬ ‫ض ب ُِنورِ َرب َّها وَوُ ِ‬ ‫الْر ُ‬
‫ن { ] الزمر ‪ ، [ 69 :‬فكل أمة تعرض على الله بحضرة‬ ‫م ل ي ُظ ْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫‪ (6‬وَهُ ْ‬
‫ب أعمالها من خير وشر موضوع ٌ شاهد عليهم ‪ ،‬وحفظتهم من‬ ‫رسولها ‪ ،‬وكتا ُ‬
‫الملئكة شهود ٌ أيضا أمة بعد أمة‪ .‬وهذه المة الشريفة وإن كانت آخر المم‬
‫في الخلق ‪ ،‬إل أنها أول المم يوم القيامة يفصل بينهم ‪ ،‬ويقضى لهم ‪ ،‬كما‬
‫جاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬نحن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أخيه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬ينتقم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في جميع النسخ ‪" :‬أبي السليل" والتصويب من المعجم الكبير‬
‫للطبراني‪.‬‬
‫)‪ (4‬المعجم الكبير )‪.(3/181‬‬
‫)‪ (5‬المعجم الكبير )‪ (3/181‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (10/69‬وفيه‬
‫زياد بن المنذر وهو كذاب"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وهو خطأ"‪.‬‬

‫) ‪(4/272‬‬

‫ضّرا وََل‬ ‫َ‬


‫سي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ك ل ِن َ ْ‬‫مل ِ ُ‬ ‫ل َل أ ْ‬ ‫ن )‪ (48‬قُ ْ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ذا ال ْوَعْد ُ إ ِ ْ‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫مَتى هَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫وَي َ ُ‬
‫ة وََل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ساعَ ً‬ ‫ن َ‬ ‫خُرو َ‬ ‫ست َأ ِ‬ ‫م فََل ي َ ْ‬ ‫جل ُهُ ْ‬‫جاَء أ َ‬ ‫ل إ َِذا َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫مةٍ أ َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫ه ل ِك ُ ّ‬‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫فًعا إ ِّل َ‬ ‫نَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫من ْ ُ‬‫ل ِ‬‫ج ُ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫ماَذا ي َ ْ‬ ‫ه ب ََياًتا أوْ ن ََهاًرا َ‬ ‫ذاب ُ ُ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ن أَتاك ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬ ‫ن )‪ (49‬قُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫قد ِ ُ‬
‫ست َ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(51‬‬ ‫جلو َ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫م ب ِهِ ت َ ْ‬ ‫ن وَقَد ْ ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م ب ِهِ آل َ‬ ‫ما وَقَعَ آ َ‬
‫من ْت ُ ْ‬ ‫م إ َِذا َ‬ ‫ن )‪ (50‬أث ُ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن)‬ ‫سُبو َ‬ ‫م ت َك ْ ِ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن إ ِّل ب ِ َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫ل تُ ْ‬ ‫خل ْد ِ هَ ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫موا ُذوُقوا عَ َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬
‫ذي َ‬‫ل ل ِل ّ ِ‬‫م ِقي َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫‪(52‬‬

‫الخرون السابقون يوم القيامة ‪ ،‬المقضى لهم قبل الخلئق" )‪ (1‬فأمته إنما‬
‫ما[ )‪(2‬‬ ‫صب السبق لشرف رسولها ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ]دائ ً‬ ‫حازت قَ َ‬
‫إلى يوم الدين‪.‬‬
‫َ‬
‫ضّرا‬ ‫سي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ك ل ِن َ ْ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫للأ ْ‬ ‫ن )‪ (48‬قُ ْ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ذا ال ْوَعْد ُ إ ِ ْ‬ ‫مَتى هَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫} وَي َ ُ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ه ل ِك ُ ّ‬ ‫ّ‬
‫ة َول‬ ‫ساعَ ً‬ ‫ن َ‬ ‫خُرو َ‬ ‫ست َأ ِ‬ ‫م َفل ي َ ْ‬ ‫جلهُ ْ‬ ‫جاَء أ َ‬ ‫ل إ َِذا َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫مةٍ أ َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫شاَء الل ُ‬ ‫ما َ‬ ‫فًعا ِإل َ‬ ‫َول ن َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫من ْ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫ماَذا ي َ ْ‬ ‫ه ب ََياًتا أوْ ن ََهاًرا َ‬ ‫ذاب ُ ُ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ن أَتاك ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬ ‫ن )‪ (49‬قُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫قد ِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(51‬‬ ‫جلو َ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫م ب ِهِ ت َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن وَقَد ْ كن ْت ُ ْ‬ ‫م ب ِهِ آل َ‬ ‫من ْت ُ ْ‬ ‫ما وَقَعَ آ َ‬ ‫م إ َِذا َ‬ ‫ن )‪ (50‬أث ُ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن)‬ ‫سُبو َ‬ ‫م ت َك ْ ِ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن ِإل ب ِ َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫ل تُ ْ‬ ‫خل ْد ِ هَ ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫موا ُذوُقوا عَ َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬ ‫م ِقي َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫‪{ (52‬‬
‫ذاب‬ ‫يقول تعالى مخبًرا عن كفر هؤلء المشركين في استعجالهم الع َ‬
‫وسؤالهم عن وقته قبل التعين ‪ ،‬مما ل فائدة فيه لهم )‪ (3‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫ن أ َن َّها‬ ‫مو َ‬ ‫من َْها وَي َعْل َ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫قو َ‬ ‫شفِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مُنوا ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ب َِها َوال ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ب َِها ال ّ ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫} يَ ْ‬
‫حقّ { ] الشورى ‪ [ 18 :‬أي ‪ :‬كائنة ل محالة وواقعة ‪ ،‬وإن لم يعلموا وقتها‬ ‫ال ْ َ‬
‫لل‬ ‫شد َ رسوله صلى الله عليه وسلم إلى جوابهم فقال ‪ } :‬قُ ْ‬ ‫عينا ‪ ،‬ولهذا أر َ‬
‫ه { أي ‪ :‬ل أقول إل ما عّلمني ‪ ،‬ول‬ ‫َ‬
‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫فًعا ِإل َ‬ ‫ضّرا َول ن َ ْ‬ ‫سي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ك ل ِن َ ْ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫أ ْ‬
‫أقدر على شيء مما استأثر به إل أن ُيطلعني عليه ‪ ،‬فأنا عبده ورسوله إليكم‬
‫‪ ،‬وقد أخبرتكم بمجيء الساعة وأنها كائنة ‪ ،‬ولم يطلعني على وقتها ‪] ،‬ولكن[‬
‫درة )‪ (5‬فإذا انقضى‬ ‫ج ٌ‬ ‫َ‬ ‫)‪ } (4‬ل ِك ُ ّ ُ‬
‫دة من العمر مق ّ‬ ‫ل { أي ‪ :‬لكل قرن م ّ‬ ‫مةٍ أ َ‬ ‫لأ ّ‬
‫ْ‬
‫خَر‬‫ن ي ُؤَ ّ‬ ‫ن { كما قال تعالى ‪ } :‬وَل َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫قد ِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬‫ة َول ي َ ْ‬ ‫ساعَ ً‬ ‫ن َ‬ ‫خُرو َ‬ ‫ست َأ ِ‬ ‫أجلهم } َفل ي َ ْ‬
‫جل َُها { ] المنافقون ‪ ، [ 11 :‬ثم أخبرهم أن عذاب الله‬ ‫َ‬
‫جاَء أ َ‬ ‫سا إ َِذا َ‬ ‫ف ً‬ ‫ه نَ ْ‬‫الل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ب ََياًتا أوْ ن ََهاًرا { أي ‪ :‬ليل أو‬ ‫ذاب ُ ُ‬‫م عَ َ‬ ‫ن أَتاك ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬ ‫سيأتيهم بغتة ‪ ،‬فقال ‪ } :‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫م ِبه { يعني ‪ :‬أنهم‬ ‫من ْت ُ ْ‬ ‫ما وَقَعَ آ َ‬ ‫م إ َِذا َ‬ ‫ن أث ُ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫ماَذا ي َ ْ‬ ‫نهارا ‪َ } ،‬‬
‫حا إ ِّنا‬ ‫ل‬‫صا‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫نا‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫نا‬ ‫ع‬‫م‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫نا‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قالوا‬ ‫العذاب‬ ‫إذا جاءهم‬
‫َ ِ ً‬ ‫ْ ِ ْ َ َْ َ‬ ‫َ َّ ْ َ ْ َ َ َ ِ ْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫مّنا ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سَنا َقاُلوا آ َ‬ ‫ما َرأْوا ب َأ َ‬ ‫ن { ] السجدة ‪ ، [ 12 :‬وقال تعالى ‪ } :‬فَل َ ّ‬ ‫موقُِنو َ‬ ‫ُ‬
‫ة‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سن ّ َ‬ ‫نا‬ ‫س‬ ‫أ‬‫ب‬ ‫وا‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ما‬
‫ْ َ َْ ُ ُ ْ ِ َ ُُ ْ ّ َ ْ َ َ َ ُ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫إي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫كي‬
‫ّ ِ ِ ُ ِ ِ َ‬‫ر‬ ‫ش‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫نا‬ ‫ك‬ ‫ما‬‫وَ ْ َ ُ َ ْ َ ِ َ‬
‫ب‬ ‫نا‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ح‬
‫ن { ] غافر ‪.[ 85 ، 84 :‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ْ‬
‫ك ال َ‬ ‫سَر هَُنال ِ َ‬ ‫خ ِ‬ ‫عَبادِهِ وَ َ‬ ‫ت ِفي ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫الل ّهِ ال ِّتي قَد ْ َ‬
‫خل ْد ِ { أي ‪ :‬يوم القيامة يقال لهم‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫موا ُذوُقوا عَ َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل )‪ (6‬ل ِل ّ ِ‬ ‫م ِقي َ‬ ‫} ثُ ّ‬
‫عا * هَذِهِ الّناُر‬ ‫م دَ ّ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ن إ ِلى َنارِ َ‬ ‫َ‬ ‫عو َ‬ ‫م ي ُد َ ّ‬ ‫هذا ‪ ،‬تبكيتا وتقريًعا ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫ها َفاصبروا أوَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ْ ُِ‬ ‫صلوْ َ‬ ‫ن*ا ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ل ت ُب ْ ِ‬ ‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫ذا أ ْ‬ ‫حٌر هَ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ن * أفَ ِ‬ ‫م ب َِها ت ُك َذ ُّبو َ‬ ‫ال ِّتي ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ن { ] الطور ‪.[ 16 - 13 :‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫م إ ِن ّ َ‬‫واٌء عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫س َ‬‫صب ُِروا َ‬ ‫ل تَ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬هذا اللفظ في صحيح مسلم برقم )‪ (856‬من حديث حذيفة رضي الله‬
‫عنه ‪ ،‬وروى البخاري أوله برقم )‪ (876‬من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لهم فيه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬تقدر"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬قل"‪.‬‬

‫) ‪(4/273‬‬

‫َ‬ ‫ويستنبُئون َ َ‬
‫ن )‪(53‬‬
‫زي َ‬
‫ج ِ‬
‫معْ ِ‬
‫م بِ ُ‬
‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫ه لَ َ‬
‫حق ّ و َ َ‬ ‫حقّ هُوَ قُ ْ‬
‫ل ِإي وََرّبي إ ِن ّ ُ‬ ‫كأ َ‬ ‫ََ ْ َِْ َ‬
‫َ‬ ‫} ويستنبُئون َ َ‬
‫ن )‪{ (53‬‬
‫زي َ‬
‫ج ِ‬
‫معْ ِ‬
‫م بِ ُ‬
‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫ه لَ َ‬
‫حق ّ و َ َ‬ ‫حقّ هُوَ قُ ْ‬
‫ل ِإي وََرّبي إ ِن ّ ُ‬ ‫كأ َ‬ ‫ََ ْ َِْ َ‬

‫) ‪(4/274‬‬

‫ما َرأ َُوا‬ ‫ة لَ ّ‬ ‫م َ‬ ‫دا َ‬ ‫سّروا الن ّ َ‬


‫َ‬
‫ت ب ِهِ وَأ َ‬ ‫ض َلفْت َد َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ما ِفي اْل َْر‬ ‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ظ َل َ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬
‫ف‬ ‫ن ل ِك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫وَل َوْ أ ّ‬
‫َ‬
‫ما ِفي‬ ‫ن ل ِل ّهِ َ‬ ‫ن )‪ (54‬أَل إ ِ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫م َل ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫ط وَهُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬‫م ِبال ْ ِ‬ ‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬
‫ض َ‬ ‫ب وَقُ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫السماوات واْل َرض أ ََل إن وعْد الل ّه حق ول َك َ‬
‫و‬
‫ن )‪ (55‬هُ َ‬ ‫مو َ‬ ‫م َل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫ِ َ ّ َ ِ ّ‬ ‫ِ ّ َ َ‬ ‫ّ َ َ ِ َ ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ن َرب ّك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫عظ ٌ‬ ‫مو ْ ِ‬‫م َ‬ ‫ُ‬
‫جاَءت ْك ْ‬ ‫س قَد ْ َ‬ ‫ن )‪َ (56‬يا أي َّها الّنا ُ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ت وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ‬ ‫مي ُ‬ ‫حِيي وَي ُ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫ه‬
‫مت ِ ِ‬
‫ح َ‬ ‫ّ‬
‫ل اللهِ وَب َِر ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫ن )‪ (57‬قُ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ة ل ِل ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫ح َ‬‫دى وََر ْ‬ ‫دورِ وَهُ ً‬ ‫ص ُ‬‫ما ِفي ال ّ‬ ‫فاٌء ل ِ َ‬ ‫ش َ‬‫وَ ِ‬
‫ن )‪(58‬‬ ‫مُعو َ‬ ‫ج َ‬
‫ما ي َ ْ‬
‫م ّ‬ ‫خي ٌْر ِ‬ ‫حوا هُوَ َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫فَب ِذ َل ِك فَلي َ ْ‬

‫ما َرأ َُوا‬‫ة لَ ّ‬ ‫م َ‬‫دا َ‬‫سّروا الن ّ َ‬


‫َ‬
‫ت ب ِهِ وَأ َ‬ ‫ض لفْت َد َ ْ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ظ َل َ َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫َ‬
‫} وَل َوْ أ ّ‬
‫ن ل ِك ُ ّ‬
‫ن )‪{ (54‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫ط وَهُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫م ِبال ْ ِ‬‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬
‫ض َ‬‫ب وَقُ ِ‬ ‫ذا َ‬‫ال ْعَ َ‬
‫حقّ هُوَ { أي ‪ :‬المعاد والقيامة من الجداث‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ويستخبرونك } أ َ‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫معْ ِ‬ ‫م بِ ُ‬
‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫ه لَ َ‬
‫حق ّ و َ َ‬ ‫ل ِإي وََرّبي إ ِن ّ ُ‬ ‫بعد صيرورة الجسام ترابا‪ } .‬قُ ْ‬
‫أي ‪ :‬ليس صيرورتكم ترابا بمعجز الله عن إعادتكم كما بدأكم من العدم ‪:‬‬
‫َ‬ ‫مُره ُ إ َِذا أ ََراد َ َ‬ ‫َ‬
‫ن { ] يس ‪(1) .[ 82 :‬‬ ‫كو ُ‬ ‫ن فَي َ ُ‬ ‫ه كُ ْ‬ ‫ل لَ ُ‬‫قو َ‬ ‫ن يَ ُ‬‫شي ًْئا أ ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫} إ ِن ّ َ‬
‫وهذه الية ليس لها نظير في القرآن إل آيتان أخريان ‪ ،‬يأمر الله تعالى‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬ ‫رسوله أن يقسم به على من أنكر المعاد في سورة سبأ ‪ } :‬وََقا َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫م { ] سبأ ‪ .[ 3 :‬وفي التغابن ‪:‬‬ ‫ل ب ََلى وََرّبي ل َت َأت ِي َن ّك ُ ْ‬ ‫ة قُ ْ‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫فُروا ل ت َأِتيَنا ال ّ‬ ‫كَ َ‬
‫َ‬
‫مل ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫م ل َت ُن َب ّؤُ ّ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫ل ب ََلى وََرّبي ل َت ُب ْعَث ُ ّ‬ ‫ن ي ُب ْعَُثوا قُ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫فُروا أ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫} َزعَ َ‬
‫سيٌر { ] التغابن ‪.[ 7 :‬‬ ‫ّ‬
‫ك عَلى اللهِ ي َ ِ‬ ‫َ‬ ‫وَذ َل ِ َ‬
‫ثم أخبر تعالى أنه إذا قامت القيامة يود ّ الكافر لو افتدى من عذاب الله بملء‬
‫ط { أي ‪:‬‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫م ِبال ْ ِ‬ ‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ب وَقُ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ما َرأ َُوا ال ْعَ َ‬ ‫ة لَ ّ‬ ‫م َ‬ ‫دا َ‬ ‫سّروا الن ّ َ‬
‫َ‬
‫الرض ذهبا ‪ } ،‬وَأ َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫بالحق ‪ } ،‬وَهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مل‬ ‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫حقّ وَلك ِ ّ‬ ‫ن وَعْد َ اللهِ َ‬ ‫ض أل إ ِ ّ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ن ل ِل ّهِ َ‬ ‫} أل إ ِ ّ‬
‫ن )‪{ (56‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫ت وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ‬ ‫مي ُ‬ ‫حِيي وَي ُ ِ‬ ‫ن )‪ (55‬هُوَ ي ُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫ن وعده حقّ كائن ل محالة ‪ ،‬وأنه‬ ‫يخبر تعالى أنه مالك السموات والرض ‪ ،‬وأ ّ‬
‫يحيي ويميت وإليه مرجعهم ‪ ،‬وأنه القادر على ذلك ‪ ،‬العليم بما تفّرق من‬
‫الجسام وتمّزق في سائر أقطار الرض والبحار والقفار ]سبحانه وتعالى‬
‫تقدست أسماؤه وجل ثناؤه[‪(2) .‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دى‬ ‫دورِ وَهُ ً‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫فاٌء ل ِ َ‬ ‫ش َ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ن َرب ّك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫عظ ٌ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جاَءت ْك ُ ْ‬ ‫س قَد ْ َ‬ ‫} َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫ما‬‫م ّ‬ ‫خي ٌْر ِ‬ ‫حوا هُوَ َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫ك فَل ْي َ ْ‬ ‫مت ِهِ فَب ِذ َل ِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل الل ّهِ وَب َِر ْ‬ ‫ض ِ‬‫ف ْ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫ن )‪ (57‬قُ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫وََر ْ‬
‫ن )‪{ (58‬‬ ‫مُعو َ‬ ‫ج َ‬ ‫يَ ْ‬
‫يقول تعالى ممتنا على خلقه بما أنزل إليهم من القرآن العظيم على رسوله‬
‫عظ َ ٌ‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬زاجر عن‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جاَءت ْك ُ ْ‬ ‫س قَد ْ َ‬ ‫الكريم ‪َ } :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫شَبه والشكوك ‪ ،‬وهو‬ ‫دورِ { أي ‪ :‬من ال ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫فاٌء ل ِ َ‬ ‫ش َ‬ ‫الفواحش ‪ } ،‬وَ ِ‬
‫ل لها الهداية‬ ‫ة { أي ‪ :‬محص ٌ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫دى وََر ْ‬ ‫إزالة ما فيها من رجس ود ََنس ‪ } ،‬وَهُ ً‬
‫والرحمة من الله تعالى‪ .‬وإنما ذلك للمؤمنين به والمصدقين الموقنين بما فيه‬
‫زيد ُ‬ ‫ن َول ي َ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫ح َ‬‫فاٌء وََر ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ما هُوَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَُننز ُ‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ل هُوَ ل ِل ِ‬ ‫ساًرا { ] السراء ‪ ، [ 82 :‬وقال تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ن ِإل َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬
‫ك ي َُناد َوْ َ‬ ‫مى ُأول َئ ِ َ‬ ‫م عَ ً‬ ‫م وَقٌْر وَهُوَ عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ن ِفي آَذان ِهِ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫فاٌء َوال ّ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫دى وَ ِ‬ ‫هُ ً‬
‫ن ب َِعيد ٍ { ] فصلت ‪.[ 44 :‬‬ ‫مكا ٍ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬إنما قوله" والصواب مل أثبتناه‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(4/274‬‬

‫ل َآلل ّ َ‬ ‫حَلًل قُ ْ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬ ‫قُ ْ َ َ‬


‫ن‬
‫ه أذِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫حَرا ً‬
‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫جعَل ْت ُ ْ‬
‫ق فَ َ‬‫ن رِْز ٍ‬
‫م ْ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫م َ‬‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬
‫ل َك ُ َ‬
‫م‬ ‫ن عََلى الل ّهِ ال ْك َذِ َ‬
‫ب ي َوْ َ‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ما ظ َ ّ‬‫ن )‪ (59‬وَ َ‬ ‫فت َُرو َ‬‫م عََلى الل ّهِ ت َ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫ذو فَضل عََلى الناس ول َكن أ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪(60‬‬ ‫ُ َ‬‫رو‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬
‫ش‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫َ ْ‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ث‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ّ ِ َ ِ ّ‬ ‫ْ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ق َ َ ِ ِ ّ‬
‫إ‬ ‫ة‬ ‫م‬‫يا‬ ‫ال ْ ِ‬

‫ما‬
‫م ّ‬
‫خي ٌْر ِ‬
‫حوا هُوَ َ‬‫فَر ُ‬ ‫ك فَل ْي َ ْ‬
‫مت ِهِ فَب ِذ َل ِ َ‬ ‫ل الل ّهِ وَب َِر ْ‬
‫ح َ‬ ‫ض ِ‬
‫ف ْ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ل بِ َ‬
‫ن { )‪ (1‬أي ‪ :‬بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق )‪(2‬‬ ‫مُعو َ‬
‫ج َ‬
‫يَ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬من‬ ‫مُعو َ‬
‫ج َ‬‫ما ي َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫خي ٌْر ِ‬
‫فليفرحوا ‪ ،‬فإنه أولى ما يفرحون به ‪ } ،‬هُوَ َ‬
‫حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة ل محالة ‪ ،‬كما قال ابن أبي‬
‫كر عن َبقّية )‪ - (3‬يعني ابن الوليد ‪ -‬عن‬ ‫حاتم ‪ ،‬في تفسير هذه الية ‪" :‬وذ ُ ِ‬
‫صفوان بن عمرو ‪ ،‬سمعت أيفع بن عبد الكلعي يقول ‪ :‬لما ُقدم خرا ُ‬
‫ج‬
‫مُر ومولى له فجعل عمر يعد البل‬ ‫العراق إلى عمر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬خرج عُ َ‬
‫‪ ،‬فإذا هي )‪ (4‬أكثر من ذلك ‪ ،‬فجعل عمر يقول ‪ :‬الحمد لله تعالى ‪ ،‬ويقول‬
‫موله ‪ :‬هذا والله من فضل الله ورحمته‪ .‬فقال عمر ‪ :‬كذبت‪ .‬ليس هذا ‪ ،‬هو‬
‫خي ٌْر‬‫حوا هُوَ َ‬ ‫فَر ُ‬‫ك فَل ْي َ ْ‬ ‫مت ِهِ فَب ِذ َل ِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل الل ّهِ وَب َِر ْ‬ ‫ض ِ‬
‫ف ْ‬ ‫ل بِ َ‬‫الذي يقول الله تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ن { وهذا مما يجمعون‪.‬‬ ‫مُعو َ‬ ‫ج َ‬ ‫ما ي َ ْ‬‫م ّ‬ ‫ِ‬
‫عة‬‫وقد )‪ (5‬أسنده )‪ (6‬الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ ،‬فرواه عن أبي ُزْر َ‬
‫شَريح ‪ ،‬عن بقية ‪ ،‬فذكره‪(7) .‬‬ ‫حيوة بن ُ‬ ‫الدمشقي ‪ ،‬عن َ‬
‫َ‬ ‫ما َأنز َ‬ ‫} قُ ْ َ َ‬
‫ن‬‫ه أذِ َ‬ ‫ل آلل ّ ُ‬‫حلل قُ ْ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫حَرا ً‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫جعَل ْت ُ ْ‬ ‫ق فَ َ‬ ‫ن رِْز ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫ه ل َك ُ ْ‬
‫ل الل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬
‫ل َك ُ َ‬
‫م‬
‫ب ي َوْ َ‬ ‫ن عََلى الل ّهِ ال ْك َذِ َ‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ما ظ َ ّ‬ ‫ن )‪ (59‬وَ َ‬ ‫فت َُرو َ‬‫م عََلى الل ّهِ ت َ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬
‫ذو فَضل عََلى الناس ول َكن أ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪{ (60‬‬ ‫ُ َ‬ ‫رو‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ث‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫ق َ َ ِ ّ‬
‫إ‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫يا‬ ‫ال ْ ِ‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن‬
‫أسلم ‪ :‬نزلت إنكاًرا على المشركين فيما كانوا يحرمون ويحلون من البحائر‬
‫َ‬
‫ث‬‫حْر ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫ما ذ ََرأ ِ‬ ‫م ّ‬‫جعَُلوا ل ِل ّهِ ِ‬ ‫والسوائب والوصايا ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫صيًبا { ] النعام ‪ [ 136 :‬اليات‪.‬‬ ‫َوالن َْعام ِ ن َ ِ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪،‬‬
‫سمعت أبا الحوص ‪ -‬وهو عوف بن ]مالك بن[ )‪ (8‬نضلة ‪ -‬يحدث عن أبيه‬
‫شف الهيئة ‪ ،‬فقال ‪" :‬هل‬ ‫قال ‪ :‬أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قَ ْ‬
‫لك مال ؟" قال ‪ :‬قلت ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪" :‬من أي المال ؟" قال ‪ :‬قلت ‪ :‬من كل‬
‫المال ‪ ،‬من البل والرقيق والخيل والغنم‪ .‬فقال )‪ (9‬إذا آتاك مال فَل ْي َُر عليك"‪.‬‬
‫مد إلى موسى فتقطع آذانها ‪،‬‬ ‫وقال ‪" :‬هل تنتج إبل قومك صحاحا آذاُنها ‪ ،‬فتع َ‬
‫فتقول ‪ :‬هذه بحر وتشقها ‪ ،‬أو تشق جلودها‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وبرحمة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬الله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬ذكر عن نفسه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬هو"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬وهذا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬أسند"‪.‬‬
‫)‪ (7‬أورده السيوطي في الدر المنثور )‪ (4/368‬وعزاه لبن أبي حاتم‬
‫والطبراني‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬والنعم قال"‪.‬‬

‫) ‪(4/275‬‬

‫صُرم ‪ ،‬وتحرمها )‪ (1‬عليك وعلى أهلك ؟" قال ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫وتقول ‪ :‬هذه ُ‬
‫"فإن ما آتاك الله لك حل ‪ ،‬وساعد الله أشد من ساعدك ‪ ،‬وموسى الله أحد‬
‫من موساك" وذكر تمام الحديث‪(2) .‬‬
‫ثم رواه عن سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن أبي الزعراء عمرو بن عمرو ‪ ،‬عن عمه‬
‫أبي الحوص )‪ (3‬وعن ب َْهز بن أسد ‪ ،‬عن حماد بن سلمة ‪ ،‬عن عبد الملك بن‬
‫عمير ‪ ،‬عن أبي الحوص ‪ ،‬به )‪ (4‬وهذا حديث جيد قوي السناد‪.‬‬
‫حّرم ما أحل الله ‪ ،‬أو أحل ما حرم بمجرد‬ ‫وقد أنكر ]الله[ )‪ (5‬تعالى على من َ‬
‫الراء والهواء ‪ ،‬التي )‪ (6‬ل مستند لها ول دليل عليها‪ .‬ثم توعدهم على ذلك‬
‫م‬
‫ب ي َوْ َ‬‫ن عََلى الل ّهِ ال ْك َذِ َ‬
‫فت َُرو َ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ما ظ َ ّ‬
‫يوم القيامة ‪ ،‬فقال ‪ } :‬وَ َ‬
‫مة { أي ‪ :‬ما ظنهم أن ُيصَنع بهم يوم مرجعهم إلينا يوم القيامة‪.‬‬ ‫ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬
‫س { قال ابن جرير ‪ :‬في تركه‬ ‫ض ٍ َ‬ ‫ه لَ ُ‬
‫ذو فَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ل عَلى الّنا ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫معاجلتهم )‪ (7‬بالعقوبة في الدنيا‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ويحتمل أن يكون المراد لذو فضل على الناس فيما أباح لهم مما خلقه‬
‫من المنافع في الدنيا ‪ ،‬ولم يحرم عليهم إل ما هو ضار لهم في دنياهم أو‬
‫دينهم‪.‬‬
‫َ‬
‫ن { بل يحرمون ما أنعم الله ]به[ )‪ (8‬عليهم ‪،‬‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫} وَل َك ِ ّ‬
‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬
‫م ل يَ ْ‬
‫ويضيقون على أنفسهم ‪ ،‬فيجعلون بعضا حلل وبعضا حراما‪ .‬وهذا قد وقع فيه‬
‫المشركون فيما شرعوه لنفسهم ‪ ،‬وأهل الكتاب فيما ابتدعوه في دينهم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم في تفسير هذه الية ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أحمد بن أبي‬
‫الحواري ‪ ،‬حدثنا رباح ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن سليمان ‪ ،‬حدثنا موسى بن الصباح‬
‫س { قال ‪ :‬إذا كان يوم‬ ‫ض ٍ َ‬ ‫ه لَ ُ‬
‫ذو فَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ل عَلى الّنا ِ‬ ‫في قول الله عز وجل ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫القيامة ‪ ،‬يؤتى بأهل ولية الله عز وجل ‪ ،‬فيقومون بين يدي الله عز وجل‬
‫ثلثة أصناف قال ‪ :‬فيؤتى برجل من الصنف الول فيقول ‪ :‬عبدي ‪ ،‬لماذا‬
‫عملت ؟ فيقول ‪ :‬يا رب ‪ :‬خلقت الجنة وأشجارها وثمارها وأنهارها ‪ ،‬وحورها‬
‫ت نهاري‬ ‫ت ليلي وأظمأ ُ‬ ‫ونعيمها ‪ ،‬وما أعددت لهل طاعتك فيها ‪ ،‬فأسهر ُ‬
‫شوقا إليها‪ .‬قال ‪ :‬فيقول الله تعالى ‪ :‬عبدي ‪ ،‬إنما عملت للجنة ‪ ،‬هذه الجنة‬
‫فادخلها ‪ ،‬ومن فضلي عليك أن أعتقتك من النار ‪] ،‬ومن فضلي عليك أن‬
‫أدخلك جنتي[ )‪ (9‬قال ‪ :‬فيدخل هو ومن معه الجنة‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ثم يؤتى برجل من الصنف الثاني ‪ ،‬قال ‪ :‬فيقول ‪ :‬عبدي ‪ ،‬لماذا‬
‫عملت ؟ فيقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬خلقت نارا وخلقت أغللها وسعيرها وسمومها‬
‫مومها ‪ ،‬وما أعددت لعدائك وأهل معصيتك فيها‬ ‫ويح ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬حرام ويحرمها"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(3/473‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(4/137‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(3/473‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬الذي"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬معالجتهم"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/276‬‬

‫َ‬ ‫كون في َ ْ‬
‫ل إ ِّل ك ُّنا عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م ٍ‬
‫ن عَ َ‬
‫م ْ‬ ‫مُلو َ‬
‫ن ِ‬ ‫ن وََل ت َعْ َ‬‫ن قُْرآ ٍ‬ ‫م ْ‬
‫ه ِ‬ ‫ما ت َت ُْلو ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ن وَ َ‬‫شأ ٍ‬ ‫ما ت َ ُ ُ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫ض وَل ِفي‬ ‫ل ذ َّرةٍ ِفي الْر ِ‬ ‫قا ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫ب عَ ْ‬ ‫ما ي َعُْز ُ‬
‫َ‬
‫ن ِفيهِ وَ َ‬ ‫ضو َ‬ ‫في ُ‬
‫َ‬
‫شُهوًدا إ ِذ ْ ت ُ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(61‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ك وَل أك ْب ََر إ ِل ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬
‫مِبي ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫م ْ‬
‫صغََر ِ‬ ‫ماِء وَل أ ْ‬ ‫س َ‬
‫ال ّ‬

‫فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري خوفا منها‪ .‬فيقول ‪ :‬عبدي ‪ ،‬إنما عملت ذلك‬
‫خوفا من ناري ‪ (1) ،‬فإني قد أعتقتك من النار ‪ ،‬ومن فضلي عليك أن أدخلك‬
‫جنتي‪ .‬فيدخل هو ومن معه الجنة‪.‬‬
‫ثم يؤتى برجل من الصنف الثالث ‪ ،‬فيقول ‪ :‬عبدي ‪ ،‬لماذا عملت ؟ فيقول ‪:‬‬
‫رب )‪ (2‬حًبا لك ‪ ،‬وشوقا إليك ‪ ،‬وعزتك لقد أسهرت ليلي وأظمأت نهاري‬
‫شوقا إليك وحبا لك ‪ ،‬فيقول تبارك وتعالى ‪ :‬عبدي ‪ ،‬إنما عملت حبا لي‬
‫وشوقا إلي ‪ ،‬فيتجلى له الرب جل جلله ‪ ،‬ويقول ‪ :‬ها أنا ذا ‪ ،‬انظر إلي ثم‬
‫يقول ‪ :‬من فضلي عليك أن أعتقك من النار ‪ ،‬وأبيحك جنتي ‪ ،‬وأزيَرك ملئكتي‬
‫‪ ،‬وأسلم عليك بنفسي‪ .‬فيدخل هو ومن معه الجنة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫كون في َ ْ‬
‫ل ِإل ك ُّنا‬ ‫م‬ ‫ع‬
‫َ ِ ْ َ َ ٍ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫م‬
‫ن َول ت َعْ َ‬ ‫ن قُْرآ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ما ت َت ُْلو ِ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫شأ ٍ‬ ‫ما ت َ ُ ُ ِ‬ ‫} وَ َ‬
‫ض‬‫ل ذ َّرةٍ ِفي الْر ِ‬ ‫قا ِ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ب عَ ْ‬ ‫ما ي َعُْز ُ‬ ‫ن ِفيهِ وَ َ‬ ‫ضو َ‬ ‫في ُ‬ ‫شُهوًدا إ ِذ ْ ت ُ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (61‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫ك َول أك ْب ََر ِإل ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صغََر ِ‬ ‫ماِء َول أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫َول ِفي ال ّ‬
‫يخبر تعالى نبيه ‪ ،‬صلوات الله عليه وسلمه )‪ (3‬أنه )‪ (4‬يعلم جميع أحواله‬
‫وأحوال أمته ‪ ،‬وجميع الخلئق في كل ساعة وآن ولحظة ‪ ،‬وأنه ل يعُزب عن‬
‫ل ذرة في حقارتها وصغرها في السموات ول في الرض ‪،‬‬ ‫علمه وبصره مثقا ُ‬
‫ب‬ ‫ْ‬
‫ح )‪ (5‬الغَي ْ ِ‬ ‫فات ِ ُ‬ ‫م َ‬‫عن ْد َه ُ َ‬ ‫ول أصغر منها ول أكبر إل في كتاب مبين ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬وَ ِ‬
‫مَها َول‬ ‫َ‬
‫ن وََرقَةٍ ِإل ي َعْل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫حرِ وَ َ‬ ‫ما ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مَها ِإل هُوَ وَي َعْل َ ُ‬ ‫ل ي َعْل َ ُ‬
‫ن { ] النعام ‪:‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫س ِإل ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫ب َول َياب ِ ٍ‬ ‫ض َول َرط ْ ٍ‬ ‫ت الْر ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫حب ّةٍ ِفي ظ ُل ُ َ‬ ‫َ‬
‫‪ ، [ 59‬فأخبر تعالى أنه يعلم حركة الشجار وغيرها من الجمادات وكذلك‬
‫ه‬
‫حي ْ ِ‬‫جَنا َ‬ ‫طيُر ب ِ َ‬ ‫طائ ِرٍ ي َ ِ‬ ‫ن َداب ّةٍ ِفي الْرض َول َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫الدواب السارحة في قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ِ‬ ‫إل أ ُم َ‬
‫ن{‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫م إ ِلى َرب ّهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫يٍء ث ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ما فَّرط َْنا ِفي ال ْك َِتا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مَثال ُك ُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ ٌ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ض ِإل عَلى اللهِ رِْزقَها‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫ّ‬ ‫ب‬ ‫دا‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫وقال‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬ ‫‪38‬‬ ‫‪:‬‬ ‫النعام‬ ‫]‬
‫ِ‬
‫ن { ] هود ‪.[ 6 :‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫ل ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫ست َوْد َعََها ك ُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ها وَ ُ‬ ‫قّر َ‬ ‫ست َ َ‬
‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫وَي َعْل َ ُ‬
‫وإذا كان هذا علمه بحركات هذه الشياء ‪ ،‬فكيف بعلمه بحركات المكلفين‬
‫ك‬‫ذي ي ََرا َ‬ ‫حيم ِ ال ّ ِ‬ ‫زيزِ الّر ِ‬ ‫ل عََلى ال ْعَ ِ‬ ‫المأمورين بالعبادة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَت َوَك ّ ْ‬
‫ن { ] الشعراء ‪ [ 219 - 217 :‬؛ ؛ ولهذا قال‬ ‫دي َ‬ ‫ج ِ‬‫سا ِ‬ ‫ك ِفي ال ّ‬ ‫قل ّب َ َ‬ ‫م وَت َ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫حي َ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ما ت َ ُ‬
‫ل ِإل‬ ‫م ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ملو َ‬ ‫ن َول ت َعْ َ‬ ‫ن قُْرآ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫ما ت َت ْلو ِ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫شأ ٍ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫كو ُ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن ِفيهِ { أي ‪ :‬إذ تأخذون في ذلك الشيء نحن‬ ‫ضو َ‬ ‫في ُ‬ ‫شُهوًدا إ ِذ ْ ت ُ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ك ُّنا عَل َي ْك ُ ْ‬
‫مشاهدون لكم راءون سامعون ‪ ،‬ولهذا قال ‪ ،‬عليه السلم )‪ (6‬لما سأله‬
‫جبريل عن الحسان ]قال[ )‪ (7‬أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه‬
‫يراك"‪(8) .‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬النار"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬ربي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬صلوات الله وسلمه عليه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬بأنه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬مفاتح"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (8‬من حديث عمر بن الخطاب الطويل‪.‬‬

‫) ‪(4/277‬‬

‫مُنوا وَ َ‬
‫كاُنوا‬ ‫ذي َ‬
‫نآ َ‬ ‫ن )‪ (62‬ال ّ ِ َ‬ ‫حَزُنو َ‬
‫م يَ ْ‬ ‫م وََل هُ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬
‫خو ْ ٌ‬ ‫ن أ َوْل َِياَء الل ّهِ َل َ‬‫أَل إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ت الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ما ِ‬ ‫ل ل ِك َل ِ َ‬
‫دي َ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي اْل َ ِ‬
‫خَرةِ َل ت َب ْ ِ‬ ‫شَرى ِفي ال ْ َ‬ ‫م ال ْب ُ ْ‬
‫ن )‪ (63‬ل َهُ ُ‬ ‫قو َ‬ ‫ي َت ّ ُ‬
‫م )‪(64‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫ْ‬
‫فوُْز العَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ذ َل ِك هُوَ ال َ‬
‫مُنوا وَ َ‬
‫كاُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن )‪ (62‬ال ّ ِ‬ ‫حَزُنو َ‬
‫م يَ ْ‬
‫م َول هُ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ن أ َوْل َِياَء الل ّهِ ل َ‬
‫خو ْ ٌ‬ ‫َ‬
‫} أل إ ِ ّ‬
‫ت الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ل ل ِك َل ِ َ‬
‫ما ِ‬ ‫دي َ‬‫خَرةِ ل ت َب ْ ِ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ‬‫شَرى ِفي ال ْ َ‬ ‫م ال ْب ُ ْ‬
‫ن )‪ (63‬ل َهُ ُ‬ ‫قو َ‬ ‫ي َت ّ ُ‬
‫م )‪{ (64‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫ْ‬
‫فوُْز العَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ذ َل ِك هُوَ ال َ‬

‫) ‪(4/277‬‬

‫يخبر تعالى أن أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتقون ‪ ،‬كما فسرهم )‪ (1‬ربهم ‪،‬‬
‫م { ]أي[ )‪ (2‬فيما‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫فكل من كان تقيا كان لله وليا ‪ :‬أنه } ل َ‬
‫ن { على ما وراءهم في الدنيا‪.‬‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬
‫يستقبلون من أهوال القيامة ‪َ } ،‬ول هُ ْ‬
‫وقال عبد الله بن مسعود ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬وغير واحد من السلف ‪ :‬أولياء الله‬
‫الذين إذا رءوا ذ ُ ِ‬
‫كر الله‪.‬‬
‫وقد ورد هذا في حديث مرفوع كما قال البزار ‪:‬‬
‫حْرب الرازي ‪ ،‬حدثنا محمد بن سعيد بن سابق ‪ ،‬حدثنا يعقوب‬ ‫حدثنا علي بن َ‬
‫بن عبد الله الشعري ‪ -‬وهو القمي ‪ -‬عن جعفر بن أبي المغيرة ‪ ،‬عن سعيد‬
‫ن أولياء الله ؟‬ ‫م ْ‬ ‫بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رجل ‪ :‬يا رسول الله ‪َ ،‬‬
‫قال ‪" :‬الذين إذا رُءوا ُذكر الله"‪ .‬ثم قال البزار ‪ :‬وقد روي عن سعيد مرسل‪.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو هشام الّرفاعي ‪ ،‬حدثنا ابن فضيل )‪ (4‬حدثنا أبي ‪،‬‬
‫جلي ‪ ،‬عن أبي‬ ‫عة بن عمرو بن جرير الب َ َ‬ ‫عن عمارة بن القعقاع ‪ ،‬عن أبي ُزْر َ‬
‫هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن‬
‫من عباد الله عبادا يغبطهم )‪ (5‬النبياء والشهداء"‪ .‬قيل ‪ :‬من هم يا رسول‬
‫الله ؟ لعلنا نحبهم‪ .‬قال ‪" :‬هم قوم تحابوا )‪ (6‬في الله من غير أموال ول‬
‫أنساب ‪ ،‬وجوههم نور على منابر من نور ‪ ،‬ل يخافون إذا خاف الناس ‪ ،‬ول‬
‫م‬
‫م َول هُ ْ‬‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬‫ن أ َوْل َِياَء الل ّهِ ل َ‬ ‫َ‬
‫يحزنون إذا حزن الناس"‪ .‬ثم قرأ ‪ } :‬أل إ ِ ّ‬
‫ن { )‪(7‬‬ ‫حَزُنو َ‬
‫يَ ْ‬
‫ثم رواه أيضا أبو داود ‪ ،‬من حديث جرير ‪ ،‬عن عمارة بن القعقاع ‪ ،‬عن أبي‬
‫زرعة بن عمرو بن جرير ‪ ،‬عن عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬بمثله‪(8) .‬‬
‫وهذا أيضا إسناد جيد ‪ ،‬إل أنه منقطع بين أبي زرعة وعمر بن الخطاب ‪ ،‬والله‬
‫أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فسر بهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (3‬مسند البزار برقم )‪" (3626‬كشف الستار"‪ .‬والمرسل رواه الطبري في‬
‫تفسيره )‪ (15/119‬من طريق أشعث بن إسحاق ‪ ،‬عن جعفر بن أبي المغيرة‬
‫عن سعيد بن جبير مرسل‪.‬‬
‫)‪ (4‬في جميع النسخ "أبو فضيل" ‪ ،‬وكذا وقع في مخطوطة الطبري وصوبه‬
‫المعلق‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬يعطيهم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬تحابون"‪.‬‬
‫)‪ (7‬تفسير الطبري )‪ (15/20‬ورواه النسائي في السنن الكبرى برقم )‬
‫‪ (11236‬عن واصل بن عبد العلى عن محمد بن فضيل عن أبيه وعمارة بن‬
‫القعقاع ‪ -‬هكذا مقرونا ‪ -‬كلهما عن أبي زرعة عن أبي هريرة به نحوه ‪،‬‬
‫ورواه ابن حبان في صحيحه برقم )‪ (2508‬من طريق عبد الرحمن بن صالح‬
‫عن ابن فضيل عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة به‪.‬‬
‫)‪ (8‬تفسير الطبري )‪ (15/121‬وسنن أبي داود برقم )‪.(3527‬‬

‫) ‪(4/278‬‬

‫وفي حديث المام أحمد ‪ ،‬عن أبي النضر ‪ ،‬عن عبد الحميد بن ب َهَْرام ‪ ،‬عن‬
‫شب ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن غَْنم ‪ ،‬عن أبي مالك الشعري قال ‪:‬‬ ‫حو ْ َ‬‫شْهر بن َ‬ ‫َ‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يأتي من أفناء الناس ونوازع القبائل‬
‫قوم لم تتصل )‪ (1‬بينهم أرحام متقاربة ‪ ،‬تحابوا في الله ‪ ،‬وتصافوا في الله ‪،‬‬
‫يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور ‪ ،‬فيجلسهم عليها ‪ ،‬يفزع الناس ول‬
‫يفزعون ‪ ،‬وهم أولياء الله ‪ ،‬الذين ل خوف عليهم ول هم يحزنون"‪ .‬والحديث‬
‫متطول‪(3) (2) .‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا سفيان ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن‬
‫وان أبي صالح ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن أبي الدرداء ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬عن النبي‬ ‫ذ َك ْ َ‬
‫خَرةِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ‬ ‫شَرى ِفي ال ْ َ‬ ‫م ال ْب ُ ْ‬
‫صلى الله عليه وسلم في قوله ‪ } :‬ل َهُ ُ‬
‫{ قال ‪" :‬الرؤيا الصالحة يراها المسلم ‪ ،‬أو ُترى له"‪(4) .‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني أبو السائب ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن‬
‫أبي صالح ‪ ،‬عن عطاء بن يسار ‪ ،‬عن رجل من أهل مصر ‪ ،‬عن أبي الدرداء‬
‫خَرةِ { قال ‪ :‬سأل رجل‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ‬ ‫شَرى ِفي ال ْ َ‬ ‫م ال ْب ُ ْ‬
‫في قوله ‪ } :‬ل َهُ ُ‬
‫دا[‬‫ت ]أح ً‬ ‫أبا الدرداء )‪ (5‬عن هذه الية ‪ ،‬فقال ‪ :‬لقد سألت عن شيء ما سمع ُ‬
‫ل الله ‪ ،‬فقال ‪" :‬هي الرؤيا الصالحة‬ ‫)‪ (6‬سأل عنه بعد رجل سأل عنه رسو َ‬
‫يراها الرجل المسلم ‪ ،‬أو ت َُرى له ‪ ،‬بشراه في الحياة الدنيا ‪ ،‬وبشراه في‬
‫الخرة ]الجنة[‪(7) .‬‬
‫سار ‪،‬‬ ‫َ‬
‫در ‪ ،‬عن عَطاء بن ي َ َ‬ ‫َ‬
‫ثم رواه ابن جرير من حديث سفيان ‪ ،‬عن ابن المن ْك ِ‬
‫عن رجل من أهل مصر ‪ ،‬أنه سأل أبا الدرداء عن هذه الية ‪ ،‬فذكر نحو ما‬
‫تقدم‪(8) .‬‬
‫من َْهال ‪ ،‬حدثنا حماد بن زيد‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني المثنى ‪ :‬حدثنا الحجاج بن ِ‬
‫‪ ،‬عن عاصم بن ب َهْد ََلة ‪ ،‬عن أبي صالح قال ‪ :‬سمعت أبا الدرداء ‪ ،‬وسئل عن ‪:‬‬
‫شَرى { فذكر نحوه سواء‪(9) .‬‬ ‫م ال ْب ُ ْ‬‫ن ل َهُ ُ‬
‫قو َ‬‫كاُنوا ي َت ّ ُ‬ ‫مُنوا وَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫} ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا أبان ‪ ،‬حدثنا يحيى ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪،‬‬
‫عن عبادة بن الصامت ؛ أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬يا‬
‫شَرى ِفي ال ْ َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي‬ ‫م ال ْب ُ ْ‬‫رسول الله ‪ ،‬أرأيت قول الله تعالى ‪ } :‬ل َهُ ُ‬
‫خَرةِ { ؟ فقال ‪" :‬لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي ‪ -‬أو ‪:‬‬ ‫ال ِ‬
‫أحد قبلك" قال ‪" :‬تلك الرؤيا الصالحة ‪ ،‬يراها الرجل الصالح أو ت َُرى له"‪.‬‬
‫طان ‪ ،‬عن يحيى بن أبي كثير ‪،‬‬ ‫ق ّ‬ ‫وكذا رواه أبو داود الطيالسي ‪ ،‬عن عمران ال َ‬
‫به )‪ (10‬ورواه‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬يتصل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يطول"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(5/343‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(6/445‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬سأل رجل من أهل مصر أبا الدرداء"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (8‬تفسير الطبري )‪ (15/128‬ورواه الترمذي في السنن برقم )‪ (3106‬من‬
‫طريق سفيان عن محمد بن المنكدر به نحوه‪.‬‬
‫)‪ (9‬تفسير الطبري )‪ (15/136‬ورواه الترمذي في السنن برقم )‪ (3106‬من‬
‫طريق أحمد بن عبدة عن حماد بن زيد به‪.‬‬
‫)‪ (10‬مسند المام أحمد )‪ (5/315‬وهو في مسند الطيالسي برقم )‪(583‬‬
‫عن حرب بن شداد ‪ ،‬عن يحيى بن أبي كثير ‪ ،‬عن أبي سلمة قال ‪ :‬نبئت أن‬
‫عبادة بن الصامت فذكره ‪ ،‬وهو منقطع قال ابن حجر ‪" :‬رجاله ثقات إل أنه‬
‫معلول ‪ ،‬فإن أبا سلمة لم يسمع من عبادة"‪.‬‬

‫) ‪(4/279‬‬

‫الوزاعي ‪ ،‬عن يحيى بن أبي كثير ‪ ،‬فذكره‪ .‬ورواه علي بن المبارك ‪ ،‬عن‬
‫يحيى ‪ ،‬عن أبي سلمة قال ‪ :‬ن ُّبئنا عن عبادة بن الصامت ‪ ،‬سأل رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم عن هذه الية ‪ ،‬فذكره‪.‬‬
‫ي ‪ ،‬حدثنا يحيى بن سعيد ‪ ،‬حدثنا‬ ‫مص ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني أبو حميد ال ِ‬
‫موسي ‪ ،‬عن حميد بن عبد الله المزني قال ‪ :‬أتى‬ ‫ح ُ‬‫عمر بن عمرو بن عبد ال ْ‬
‫رجل عبادة بن الصامت فقال ‪ :‬آية في كتاب الله أسألك عنها ‪ ،‬قول الله‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا { ؟ فقال عبادة ‪ :‬ما سألني عنها أحد‬ ‫شَرى ِفي ال ْ َ‬ ‫م ال ْب ُ ْ‬ ‫تعالى ‪ } :‬ل َهُ ُ‬
‫قبلك ‪ ،‬سألت عنها نبي الله فقال مثل ذلك ‪" :‬ما سألني عنها أحد قبلك ‪،‬‬
‫الرؤيا الصالحة ‪ ،‬يراها العبد المؤمن في المنام أو ت َُرى له"‪(1) .‬‬
‫فوان ‪ ،‬عن‬ ‫ص ْ‬‫ثم رواه من حديث موسى بن عبيدة ‪ ،‬عن أيوب بن خالد بن َ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫عبادة بن الصامت ؛ أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ } :‬لهُ ُ‬
‫خَرةِ { فقد عرفنا بشرى الخرة الجنة ‪ ،‬فما‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ‬ ‫شَرى ِفي ال ْ َ‬ ‫ال ْب ُ ْ‬
‫بشرى الدنيا ؟ قال ‪" :‬الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ت َُرى له ‪ ،‬وهي جزء من‬
‫أربعة وأربعين جزءا أو سبعين جزءا من النبوة"‪(2) .‬‬
‫وقال ]المام[ )‪ (3‬أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا ب َْهز ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬حدثنا أبو عمران ‪،‬‬
‫عن عبد الله بن الصامت ‪ ،‬عن أبي ذر ؛ أنه قال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬الرجل‬
‫يعمل العمل فيحمده )‪ (4‬الناس عليه ‪ ،‬ويثنون عليه به ‪ ،‬فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬تلك عاجل بشرى المؤمن"‪ .‬رواه مسلم‪(5) .‬‬
‫وقال أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا حسن ‪ -‬يعني الشيب ‪ -‬حدثنا ابن ل َِهيعة ‪ ،‬حدثنا‬
‫جب َْير ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو ‪ ،‬عن رسول الله‬ ‫د َّراج ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن ُ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي‬ ‫ْ‬
‫شَرى ِفي ال َ‬ ‫ْ‬
‫م الب ُ ْ‬ ‫َ‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ } :‬لهُ ُ‬
‫خَرةِ { قال ‪" :‬الرؤيا الصالحة يبشرها المؤمن ‪ ،‬هي جزء من تسعة‬ ‫ال ِ‬
‫وأربعين جزءا من النبوة ‪ ،‬فمن رأى ]ذلك[ )‪ (6‬فليخبر بها ‪ ،‬ومن رأى سوى‬
‫حُزنه ‪ ،‬فلينفث )‪ (7‬عن يساره ثلثا ‪ ،‬وليكبر )‪(8‬‬ ‫ذلك فإنما هو من الشيطان لي َ ْ‬
‫ول يخبر بها أحدا" )‪ (9‬لم يخرجوه‪.‬‬
‫هب ‪ ،‬حدثني عمرو بن الحارث ‪،‬‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يونس ‪ ،‬أنبأنا ابن وَ ْ‬
‫جب َْير ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو ‪،‬‬ ‫أن د َّراجا أبا السمح حدثه عن عبد الرحمن بن ُ‬
‫ة‬
‫حَيا ِ‬ ‫ْ‬
‫شَرى ِفي ال َ‬ ‫ْ‬
‫م الب ُ ْ‬ ‫َ‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ } :‬لهُ ُ‬
‫شرها المؤمن ‪ ،‬جزء من ستة وأربعين جزءا من‬ ‫الد ّن َْيا { الرؤيا الصالحة يب ّ‬
‫النبوة"‪(10) .‬‬
‫وقال أيضا ابن جرير ‪ :‬حدثني محمد بن أبي حاتم المؤّدب ‪ ،‬حدثنا عمار بن‬
‫محمد ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى‬
‫خَرةِ { قال ‪" :‬هي‬ ‫شَرى ِفي ال ْ َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ‬ ‫م ال ْب ُ ْ‬
‫الله عليه وسلم ‪ } :‬ل َهُ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(15/129‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(15/132‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ويحمده"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (5/156‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2642‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من أ ‪ ،‬والمسند ‪ ،‬وفي ت ‪" :‬تلك"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬فليتفت"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وليسكت"‪.‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪ (2/219‬وابن لهيعة ودراج ضعيفان‪.‬‬
‫)‪ (10‬تفسير الطبري )‪.(15/139‬‬

‫) ‪(4/280‬‬

‫في الدنيا الرؤيا الصالحة ‪ ،‬يراها العبد أو ت َُرى له ‪ ،‬وهي في الخرة الجنة"‪) .‬‬
‫‪(1‬‬
‫ثم رواه عن أبي ك َُرْيب ‪ ،‬عن أبي بكر بن عَّياش ‪ ،‬عن أبي حصين ‪ ،‬عن أبي‬
‫صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة أنه قال ‪ :‬الرؤيا الحسنة بشرى من الله ‪ ،‬وهي من‬
‫شرات‪(2) .‬‬ ‫المب ّ‬
‫هكذا رواه من هذه الطريق موقوفا‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا أبو ك َُرْيب ‪ ،‬حدثنا أبو بكر ‪ ،‬حدثنا هشام ‪ ،‬عن ابن سيرين ‪،‬‬
‫عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬الرؤيا الحسنة‬
‫هي البشرى ‪ ،‬يراها المسلم أو ت َُرى له"‪(3) .‬‬
‫دولبي ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عبيد‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني أحمد بن حماد ال ّ‬
‫ُ‬
‫سَباع بن ثابت ‪ ،‬عن أم كْرز الكعبية ‪:‬‬ ‫الله بن أبي يزيد ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ِ‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬ذهبت النبوة ‪ ،‬وبقيت‬
‫المبشرات"‪(4) .‬‬
‫وهكذا روي عن ابن مسعود ‪ ،‬وأبي هريرة ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعُْرَوة‬
‫خعي ‪ ،‬وعطاء بن أبي رباح ‪:‬‬ ‫بن الزبير ‪ ،‬ويحيى بن أبي كثير ‪ ،‬وإبراهيم الن ّ َ‬
‫أنهم فسروا ذلك بالرؤيا الصالحة‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد بذلك )‪ (5‬بشرى الملئكة للمؤمن عند احتضاره بالجنة‬
‫موا ت ََتنز ُ‬
‫ل‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫والمغفرة كما في قوله تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ة َأل ت َ َ‬
‫ن‬
‫ح ُ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫م ُتوعَ ُ‬ ‫جن ّةِ الِتي ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫شُروا ِبال َ‬ ‫حَزُنوا وَأب ْ ِ‬ ‫خاُفوا َول ت َ ْ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫عَل َي ْهِ ُ‬
‫م‬‫م وَل َك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ُ‬‫شت َِهي أ َن ْ ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫خَرةِ وَل َك ُ ْ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫أوْل َِياؤُك ُ ْ‬
‫َ‬
‫حيم ٍ { ] فصلت ‪.[ 32 - 30 :‬‬ ‫فورٍ َر ِ‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫م ْ‬‫ن نزل ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ت َد ّ ُ‬ ‫ِفيَها َ‬
‫وفي حديث البراء ‪" :‬أن المؤمن إذا حضره الموت ‪ ،‬جاءه ملئكة بيض‬
‫الوجوه ‪ ،‬بيض الثياب ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬اخرجي أيتها الروح الطيبة إلى روح وريحان ‪،‬‬
‫ورب غير غضبان‪ .‬فتخرج من فمه ‪ ،‬كما تسيل القطرة من فم السقاء"‪.‬‬
‫فَزعُ الك ْب َُر‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫حُزن ُهُ ُ‬
‫وأما بشراهم في الخرة ‪ ،‬فكما قال تعالى ‪ } :‬ل ي َ ْ‬
‫ن { ] النبياء ‪ .[ 103 :‬وقال‬ ‫دو َ‬ ‫م ُتوعَ ُ‬ ‫ذي ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫مك ُ ُ‬ ‫ة هَ َ‬
‫ذا ي َوْ ُ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫قاهُ ُ‬ ‫وَت َت َل َ ّ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬يوم ترى ال ْمؤْمِنين وال ْمؤْمنات يسعى نورهُم بي َ‬
‫مان ِهِ ْ‬
‫م وَب ِأي ْ َ‬‫ديهِ ْ‬
‫ن أي ْ ِ‬‫ُ ُ ْ َْ َ‬ ‫ُ ِ َ َ ُ ِ َ ِ َ ْ َ‬ ‫َ ْ َ ََ‬
‫فوُْز‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ِفيَها ذ َل ِك هُوَ ال َ‬ ‫دي َ‬‫خال ِ ِ‬‫حت َِها الن َْهاُر َ‬
‫ن تَ ْ‬
‫م ْ‬
‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٌ‬‫م َ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬
‫شَراك ُ ُ‬
‫بُ ْ‬
‫م { ] الحديد ‪(6) .[ 12 :‬‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫ظي ُ‬
‫ت الل ّهِ { أي ‪ :‬هذا الوعد ل يبدل ول يخلف ول يغير ‪،‬‬ ‫ما ِ‬‫ل ل ِك َل ِ َ‬
‫دي َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل ت َب ْ ِ‬
‫م { )‪(7‬‬ ‫فوُْز ال ْعَ ِ‬
‫ظي ُ‬ ‫ك هُوَ ال ْ َ‬
‫بل هو مقرر مثبت كائن ل محالة ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(15/131‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(15/130‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(15/130‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪ (15/133‬ورواه ابن ماجه في السنن برقم )‪(3896‬‬
‫من طريق هارون الحمال عن سفيان به ‪ ،‬وقال البوصيري في الزوائد )‬
‫‪" : (3/212‬هذا إسناد صحيح رجاله ثقات" وأبو زيد لم يوثقه سوى ابن‬
‫حبان ‪ ،‬ولم يرو عنه سوى ابنه‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬المراد من ذلك"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬وذلك الفوز العظيم"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬وذلك" وهو خطأ‪.‬‬

‫) ‪(4/281‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ل ِل ّهِ َ‬ ‫م )‪ (65‬أَل إ ِ ّ‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ميًعا هُوَ ال ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن ال ْعِّزة َ ل ِل ّهِ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ك قَوْل ُهُ ْ‬ ‫حُزن ْ َ‬ ‫وََل ي َ ْ‬
‫ن‬
‫كاَء إ ِ ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن اللهِ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ي َت ّب ِعُ ال ِ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ِفي ال ّ‬
‫سك ُُنوا‬ ‫ل ل ِت َ ْ‬ ‫ّ‬
‫م اللي ْ َ‬ ‫ل لك ُ ُ‬‫َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪ (66‬هُوَ ال ِ‬ ‫صو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫م إ ِل ي َ ْ‬‫ّ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن إ ِل الظ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي َت ّب ُِعو َ‬
‫دا‬ ‫َ‬
‫ه وَل ً‬ ‫ّ‬
‫خذ َ الل ُ‬ ‫ن )‪َ (67‬قالوا ات ّ َ‬‫ُ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬‫قوْم ٍ ي َ ْ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫َ‬
‫ك لَيا ٍ‬ ‫َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫صًرا إ ِ ّ‬ ‫مب ْ ِ‬ ‫ِفيهِ َوالن َّهاَر ُ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫سلطا ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عن ْد َك ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ض إِ ْ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫يل ُ‬ ‫ه هُوَ الغَن ِ ّ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬
‫ُ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن )‪ (68‬قُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ب ِهَ َ‬
‫ن عَلى الل ِ‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫ما ل ت َعْل ُ‬ ‫ن عَلى اللهِ َ‬ ‫قولو َ‬ ‫ذا أت َ ُ‬
‫ب‬
‫ذا َ‬ ‫ْ‬
‫م العَ َ‬ ‫قهُ ُ‬ ‫ذي ُ‬ ‫م نُ ِ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫جعُهُ ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫َ‬
‫م إ ِلي َْنا َ‬ ‫مَتاع ٌ ِفي الد ّن َْيا ث ُ ّ‬ ‫ن )‪َ (69‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫ب ل يُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ال ْك َذِ َ‬
‫ن )‪(70‬‬ ‫فُرو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ديد َ ب ِ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ن ل ِل ّهِ‬ ‫م )‪ (65‬أل إ ِ ّ‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ميًعا هُوَ ال ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن ال ْعِّزةَ ل ِل ّهِ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ك قَوْل ُهُ ْ‬ ‫حُزن ْ َ‬ ‫} َول ي َ ْ‬
‫هّ‬
‫ن الل ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ما ي َت ّب ِعُ ال ِ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫(‬ ‫‪66‬‬ ‫)‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫صو‬
‫ُ ُ‬ ‫ر‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫إل‬ ‫ْ ِ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫إ‬ ‫و‬
‫ّ َِ‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ظ‬ ‫ال‬ ‫إل‬‫ِ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫عو‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬‫ّ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ش‬‫ُ‬
‫ن )‪{ (67‬‬ ‫مُعو َ‬ ‫َ‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬
‫ْ ٍ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ت‬
‫ٍ‬ ‫يا‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫ّ‬ ‫إ‬
‫ً ِ‬ ‫را‬ ‫ص‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ها‬
‫َ َ َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫وال‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫في‬
‫ِ‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫الل ّي‬
‫ل هؤلء‬ ‫ك { قو ُ‬ ‫حُزن ْ َ‬ ‫يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ‪َ } :‬ول ي َ ْ‬
‫المشركين ‪ ،‬واستعن بالله عليهم ‪ ،‬وتوكل عليه ؛ فإن العزة لله جميعا ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫م { أي ‪ :‬السميع لقوال‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫جميعها له ولرسوله وللمؤمنين ‪ } ،‬هُوَ ال ّ‬
‫عباده العليم بأحوالهم‪(1) .‬‬
‫ثم أخبر تعالى أن له ملك السموات والرض ‪ ،‬وأن المشركين يعبدون‬
‫الصنام ‪ ،‬وهي ل تملك شيئا ‪ ،‬ل )‪ (2‬ضًرا ول نفعا ‪ ،‬ول دليل لهم على عبادتها‬
‫‪ ،‬بل إنما يتبعون في ذلك ظنونهم وتخرصهم وكذبهم وإفكهم‪.‬‬
‫ثم أخبر أنه الذي جعل لعباده الليل ليسكنوا فيه ‪ ،‬أي ‪ :‬يستريحون فيه من‬
‫صًرا { أي ‪ :‬مضيئا لمعاشهم وسعيهم‬ ‫مب ْ ِ‬ ‫حَركاتهم ‪َ } ،‬والن َّهاَر ُ‬ ‫صبهم وكللهم و َ‬ ‫نَ َ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫قوْم ٍ ي َ ْ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ك لَيا ٍ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫‪ ،‬وأسفارهم ومصالحهم ‪ } ،‬إ ِ ّ‬
‫يسمعون هذه الحجج والدلة ‪ ،‬فيعتبرون )‪ (3‬بها ‪ ،‬ويستدلون على عظمة‬
‫خالقها ‪ ،‬ومقدرها ومسيرها‪.‬‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ه وَل َ ً‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬ ‫} َقاُلوا ات ّ َ‬
‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫يل ُ‬ ‫ه هُوَ الغَن ِ ّ‬ ‫حان َ ُ‬
‫َ‬
‫سب ْ َ‬ ‫دا ُ‬
‫ن‬
‫ل إِ ّ‬ ‫ن )‪ (68‬قُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ما ل ت َعْل َ ُ‬ ‫ن )‪ (4‬عََلى الل ّهِ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ذا أت َ ُ‬ ‫ن ب ِهَ َ‬ ‫طا ٍ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عن ْد َك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫إِ ْ‬
‫م إ ِل َي َْنا‬‫مَتاع ٌ ِفي الد ّن َْيا ث ُّ‬ ‫َ‬ ‫(‬ ‫‪69‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫حو‬
‫ُ ِ ُ َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫ل‬ ‫ب‬‫ِ َ‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ال ّ ِ َ َ َ ُ َ َ‬
‫ع‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ذي‬
‫ن )‪{ (70‬‬ ‫فُرو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ديد َ ب ِ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫قهُ ُ‬ ‫ذي ُ‬ ‫م نُ ِ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫جعُهُ ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫َ‬
‫ي { أي ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫ُ ْ َ َ ُ َ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫حا‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫دا‬
‫ً‬ ‫ول‬ ‫له‬ ‫أن‬ ‫ادعى‬ ‫من‬ ‫على‬ ‫را‬‫ً‬ ‫منك‬ ‫تعالى‬ ‫يقول‬
‫ما‬ ‫ُ َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫إليه‬ ‫فقير‬ ‫شيء‬ ‫وكل‬ ‫‪،‬‬ ‫سواه‬ ‫ما‬ ‫كل‬ ‫عن‬ ‫الغني‬ ‫هو‬ ‫‪،‬‬ ‫تقدس عن ذلك‬
‫ض { أي ‪ :‬فكيف يكون له ولد مما خلق ‪ ،‬وكل‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ِفي ال ّ‬
‫ذا { أي ‪ :‬ليس‬ ‫ن ب ِهَ َ‬ ‫سلطا ٍ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عن ْد َك ُ ْ‬‫ن ِ‬ ‫شيء مملوك له ‪ ،‬عبد له ؟! } إ ِ ْ‬
‫ما ل‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن عَلى اللهِ َ‬ ‫قولو َ‬ ‫عندكم دليل على ما تقولونه من الكذب والبهتان! } أت َ ُ‬
‫خذ َ‬ ‫ُ‬
‫ن { إنكار ووعيد أكيد ‪ ،‬وتهديد شديد ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وََقالوا ات ّ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫ض‬
‫شقّ الْر ُ‬ ‫ه وَت َن ْ َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫فط ّْر َ‬ ‫ت ي َت َ َ‬ ‫ماَوا ُ‬ ‫س َ‬ ‫كاد ُ ال ّ‬ ‫شي ًْئا إ ِّدا ت َ َ‬ ‫م َ‬ ‫جئ ْت ُ ْ‬ ‫قد ْ ِ‬ ‫دا ل َ َ‬‫ن وَل َ ً‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬‫الّر ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫جَبا ُ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫دا إ ِ ْ‬ ‫خذ َ وَل ً‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ِ‬‫ح َ‬ ‫ما ي َن ْب َِغي ِللّر ْ‬ ‫دا وَ َ‬ ‫ن وَل ً‬ ‫م ِ‬‫ح َ‬ ‫وا ِللّر ْ‬ ‫ن د َعَ ْ‬ ‫دا أ ْ‬ ‫ل هَ ّ‬ ‫خّر ال ِ‬ ‫وَت َ ِ‬
‫دا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كُ ّ‬
‫م عَ ّ‬ ‫م وَعَد ّهُ ْ‬ ‫صاهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫قد ْ أ ْ‬ ‫دا ل َ‬ ‫ن عَب ْ ً‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ض ِإل آِتي الّر ْ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬
‫مةِ فَْرًدا { ] مريم ‪.[ 95 - 88 :‬‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫م آِتيهِ ي َوْ َ‬ ‫وَك ُل ّهُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عليم بهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ول"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬ويعتبرون"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬أيقولون"‪.‬‬

‫) ‪(4/282‬‬

‫ثم توعد تعالى الكاذبين عليه المفترين ‪ ،‬ممن زعم أنه له ولدا ‪ ،‬بأنهم ل‬
‫يفلحون في الدنيا ول في الخرة ‪ ،‬فأما في الدنيا فإنهم إذا استدرجهم وأملى‬
‫مَتاع ٌ ِفي‬‫لهم متعهم قليل ثم يضطرهم إلى عذاب غليظ ‪ ،‬كما قال ها هنا ‪َ } :‬‬
‫م { أي ‪ :‬يوم القيامة ‪ } ،‬ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫جعُهُ ْ‬ ‫م إ ِل َي َْنا َ‬
‫مْر ِ‬ ‫الد ّن َْيا { أي ‪ :‬مدة قريبة ‪ } ،‬ث ُ ّ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫فُرو َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما كاُنوا ي َك ُ‬
‫ديد َ { أي ‪ :‬الموجع المؤلم } ب ِ َ‬ ‫ب ال ّ‬
‫ش ِ‬ ‫م ال ْعَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫قهُ ُ‬
‫ذي ُ‬
‫نُ ِ‬
‫بسبب كفرهم وافترائهم وكذبهم على الله ‪ ،‬فيما ادعوه من الفك والزور‪.‬‬

‫) ‪(4/283‬‬

‫ري‬ ‫كي ِ‬ ‫مي وَت َذ ْ ِ‬ ‫قا ِ‬ ‫م َ‬‫م َ‬ ‫ن ك َب َُر عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫مهِ َيا قَوْم ِ إ ِ ْ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫م ن َب َأ َ ُنوٍح إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ل لِ َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬ ‫َوات ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مُرك ُ ْ‬
‫م‬ ‫نأ ْ‬‫م َل ي َ َك ُ ْ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫كاَءك ُ ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫مَرك ُ ْ‬ ‫مُعوا أ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت فَأ ْ‬ ‫ت الل ّهِ فَعََلى الل ّهِ ت َوَك ّل ْ ُ‬ ‫ب ِآ ََيا ِ‬
‫ة ث ُم اقْضوا إل َي وَل تنظرون )‪ (71‬فَإن تول ّيتم فَما سأل ْتك ُم م َ‬
‫ر‬
‫ج ٍ‬‫نأ ْ‬ ‫ِ ْ َ َ ُْ ْ َ َ ُ ْ ِ ْ‬ ‫ِ ّ َ ُْ ُِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫م ً ّ‬ ‫م غُ ّ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫جي َْناهُ‬ ‫ن )‪ (72‬فَك َذ ُّبوه ُ فَن َ ّ‬ ‫مي َ‬‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن أَ ُ‬ ‫تأ ْ‬
‫َ‬
‫مْر ُ‬
‫ُ‬
‫جرِيَ إ ِّل عََلى الل ّهِ وَأ ِ‬ ‫نأ ْ‬
‫إ َ‬
‫ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ف‬‫ن كذ ُّبوا ب ِآَيات َِنا َفان ْظْر كي ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف وَأغَْرقَْنا ال ِ‬ ‫خلئ ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫جعَلَناهُ ْ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫فل ِ‬ ‫ه ِفي ال ُ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫وَ َ‬
‫ن )‪(73‬‬ ‫من ْذ َِري َ‬ ‫ْ‬
‫ة ال ُ‬‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬

‫مي‬ ‫قا ِ‬‫م َ‬‫م َ‬ ‫ن ك َب َُر عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫مهِ َيا قَوْم ِ إ ِ ْ‬ ‫قو ْ ِ‬‫ل لِ َ‬ ‫م ن َب َأ َ ُنوٍح إ ِذ ْ َقا َ‬‫ل عَل َي ْهِ ْ‬‫} َوات ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ل َ ي َك ُ ْ‬
‫ن‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫كاَءك ُ ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫مَرك ُ ْ‬ ‫مُعوا أ ْ‬ ‫ج ِ‬‫ت فَأ ْ‬ ‫ت الل ّهِ فَعََلى الل ّهِ ت َوَك ّل ْ ُ‬ ‫ري ِبآَيا ِ‬ ‫كي ِ‬ ‫وَت َذ ْ ِ‬
‫َ‬
‫سأل ْت ُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ما َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫ن ت َوَل ّي ْت ُ ْ‬‫ن )‪ (71‬فَإ ِ ْ‬ ‫ي َول ت ُن ْظ ُِرو ِ‬ ‫ضوا إ ِل َ ّ‬
‫م اق ْ ُ‬ ‫ة ثُ ّ‬
‫م ً‬‫م غُ ّ‬ ‫م عَل َي ْك ُ ْ‬‫مُرك ُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ن )‪ (72‬فَك َذ ُّبوهُ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن أَ ُ‬ ‫تأ ْ‬
‫َ‬
‫مْر ُ‬
‫ُ‬
‫جرِيَ ِإل عََلى الل ّهِ وَأ ِ‬
‫من أ َجر إ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ِ ْ ْ ٍ ِ ْ‬
‫خلئ ِ َ َ‬
‫ن ك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا‬ ‫ذي َ‬‫ف وَأغَْرقَْنا ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جعَل َْناهُ ْ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫فل ْ ِ‬ ‫ه ِفي ال ْ ُ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫جي َْناه ُ وَ َ‬ ‫فَن َ ّ‬
‫ن )‪{ (73‬‬ ‫من ْذ َِري َ‬ ‫ة ال ْ ُ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫َفان ْظ ُْر ك َي ْ َ‬
‫م { أي ‪ :‬أخبرهم‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬ ‫يقول تعالى لنبيه ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪َ } :‬وات ْ ُ‬
‫َ‬
‫واقصص عليهم ‪ ،‬أي ‪ :‬على كفار مكة الذين يكذبونك ويخالفونك } ن َب َأ ُنوٍح {‬
‫مرهم بالغرق أجمعين‬ ‫أي ‪ :‬خبره مع قومه الذين كذبوه ‪ ،‬كيف أهلكهم الله ود َ ّ‬
‫عن آخرهم ‪ ،‬ليحذر هؤلء أن يصيبهم من الهلك والدمار ما أصاب أولئك‪.‬‬
‫مي {‬ ‫قا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ظم عليكم ‪َ } ،‬‬ ‫م { أي ‪ :‬عَ ُ‬ ‫ن ك َب َُر عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫مهِ َيا قَوْم ِ إ ِ ْ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫} إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ت اللهِ { أي ‪ :‬بحججه‬ ‫ّ‬ ‫ري { إياكم } ِبآَيا ِ‬ ‫كي ِ‬ ‫أي فيكم بين أظهركم ‪ } ،‬وَت َذ ْ ِ‬
‫ت { أي ‪ :‬فإني ل أبالي ول أكف عنكم )‪ (1‬سواء‬ ‫وبراهينه ‪ } ،‬فَعََلى الل ّهِ ت َوَك ّل ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬فاجتمعوا أنتم‬ ‫كاَءك ُ ْ‬
‫شَر َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫مَرك ُ ْ‬ ‫مُعوا أ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫عظم عليكم أو ل! } فَأ ْ‬
‫وشركاؤكم الذين تدعون من دون الله ‪ ،‬من صنم ووثن ‪ } ،‬ث ُم ل يك ُ َ‬
‫مُرك ُ ْ‬
‫م‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ‬
‫ة { أي ‪ :‬ول تجعلوا أمركم عليكم ملتبسا ‪ ،‬بل افصلوا حالكم‬ ‫م ً‬ ‫م غُ ّ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫معي ‪ ،‬فإن كنتم تزعمون أنكم محقون ‪ ،‬فاقضوا إلي ول تنظرون ‪ ،‬أي ‪ :‬ول‬
‫تؤخروني ساعة واحدة ‪ ،‬أي ‪ :‬مهما قدرتم فافعلوا ‪ ،‬فإني ل أباليكم )‪ (2‬ول‬
‫شهِد ُ‬ ‫أخاف منكم ‪ ،‬لنكم لستم على شيء ‪ ،‬كما قال هود لقومه ‪ } :‬إ ِّني أ ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ل ت ُن ْظ ُِرو ِ‬ ‫ميًعا ث ُ ّ‬ ‫ج ِ‬‫دوِني َ‬ ‫كي ُ‬‫ن ُدون ِهِ فَ ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ريٌء ِ‬ ‫دوا أّني ب َ ِ‬ ‫شهَ ُ‬ ‫ه َوا ْ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ن َرّبي عََلى‬ ‫صي َت َِها إ ِ ّ‬ ‫خذ ٌ ب َِنا ِ‬ ‫ن َداب ّةٍ ِإل هُوَ آ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت عََلى الل ّهِ َرّبي وََرب ّك ُ ْ‬ ‫إ ِّني ت َوَك ّل ْ ُ‬
‫قيم ٍ { ] هود ‪.[ 56 - 54 :‬‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫ِ‬
‫جرٍ {‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫أ‬‫س‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫الطاعة‬ ‫عن‬ ‫وأدبرتم‬ ‫كذبتم‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫َ َ ُ ْ ِ ْ ْ‬ ‫} ِ ْ َ َ ُْ ْ‬
‫ت‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ف‬
‫َ‬
‫جرِيَ ِإل عََلى الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫نأ ْ‬ ‫أي ‪ :‬لم أطلب منكم على نصحي إياكم شيئا ‪ } ،‬إ ِ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬وأنا ممتثل ما أمرت به‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن أَ ُ‬ ‫تأ ْ‬
‫َ‬
‫مْر ُ‬
‫ُ‬
‫وَأ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ول أفكر عنكم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أبالكم"‪.‬‬

‫) ‪(4/283‬‬

‫ما‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ل ِي ُؤْ ِ‬
‫مُنوا ب ِ َ‬ ‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬
‫ت فَ َ‬ ‫م فَ َ‬
‫جاُءوهُ ْ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫سًل إ َِلى قَوْ ِ‬
‫ن ب َعْدِهِ ُر ُ‬
‫م ْ‬‫م ب َعَث َْنا ِ‬
‫ثُ ّ‬
‫ن )‪(74‬‬ ‫دي َ‬ ‫معْت َ ِ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن قب ْل كذ َل ِك ن َطب َعُ عَلى قلو ِ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬‫ك َذ ُّبوا ب ِهِ ِ‬

‫من السلم لله عز وجل ‪ ،‬والسلم هو دين ]جميع[ )‪ (1‬النبياء من أولهم إلى‬
‫ل‬ ‫آخرهم ‪ ،‬وإن تنوعت شرائعهم وتعددت مناهلهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ل ِك ُ ّ‬
‫جا { ] المائدة ‪ .[ 48 :‬قال ابن عباس ‪ :‬سبيل وسنة‪.‬‬ ‫من َْها ً‬ ‫ة وَ ِ‬‫شْرعَ ً‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫جعَل َْنا ِ‬ ‫َ‬
‫ن { ] النمل ‪ ، [ 91 :‬وقال‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن أكو َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫مْر ُ‬ ‫فهذا نوح يقول ‪ } :‬وَأ ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م قا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫تعالى عن إبراهيم الخليل ‪ } :‬إ ِذ ْ قا َ‬
‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬ ‫ت ل َِر ّ‬ ‫م ُ‬ ‫سل ْ‬ ‫لأ ْ‬ ‫سل ِ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ه َرب ّ ُ‬ ‫لل ُ‬
‫ن‬
‫موت ُ ّ‬ ‫ن فل ت َ ُ‬ ‫َ‬ ‫دي َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ُ‬
‫فى لك ُ‬ ‫َ‬ ‫صط َ‬‫َ‬ ‫ها ْ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ي إِ ّ‬ ‫ب َياب َن ِ ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫م ب َِنيهِ وَي َعْ ُ‬ ‫هي ُ‬
‫صى ب َِها إ ِب َْرا ِ‬ ‫وَوَ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب قد ْ‬ ‫ن { ] البقرة ‪ ، [ 132 ، 131 :‬وقال يوسف ‪َ } :‬ر ّ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫إل وَأن ْت ُ ْ‬
‫ت‬ ‫ن‬ ‫آ ِتيتِني من ال ْمل ْك وعَل ّمتِني من تأ ْويل الحاديث َفاطر السماوات والرض أ َ‬
‫ّ َ َ ِ َ ْ ِ ْ َ‬ ‫َِ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ِ ْ َ ِ ِ‬ ‫ُ ِ َ ْ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ََْ‬
‫ن { ] يوسف ‪101 :‬‬ ‫حي‬ ‫ل‬‫صا‬ ‫بال‬ ‫ني‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ما‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ني‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫وال‬ ‫يا‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫يي‬
‫ُ ْ ِ ً َ ِ ِ ِ ّ ِ ِ َ‬ ‫َّْ َ ِ َ ِ َ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وَل ِ ّ‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫م ِبالل ّهِ فَعَل َي ْهِ ت َوَك ُّلوا إ ِ ْ‬ ‫من ْت ُ ْ‬‫مآ َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫سى } َيا قَوْم ِ إ ِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫[‪ .‬وََقا َ‬
‫َ‬
‫صب ًْرا‬ ‫ن { ] يونس ‪ .[ 84 :‬وقالت )‪ (2‬السحرة ‪َ } :‬رب َّنا أفْرِغ ْ عَل َي َْنا َ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ت‬ ‫ْ ُ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ني‬ ‫ّ‬ ‫إ‬
‫َ ّ ِ‬‫ب‬ ‫ر‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫لقيس‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫وقالت‬ ‫[‪.‬‬ ‫‪126‬‬ ‫‪:‬‬ ‫العراف‬ ‫]‬ ‫{‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫مي‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫ُ ْ‬ ‫م‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫وَ َ‬
‫و‬ ‫َ‬ ‫ت‬
‫ن { ] النمل ‪ .[ 44 :‬وقال ]الله[‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬ ‫ن ل ِلهِ َر ّ‬ ‫ما َ‬ ‫سلي ْ َ‬ ‫مع َ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫م ُ‬ ‫سل ْ‬ ‫سي وَأ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫)‪ (3‬تعالى ‪ } :‬إنا َأنزل ْنا التوراة َ فيها هُدى ونور يحك ُم بها النبيون ال ّذي َ‬
‫موا‬ ‫سل َ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِّّ َ‬ ‫َُ ٌ َ ْ ُ َِ‬ ‫ً‬ ‫ِ َ‬ ‫ّ َْ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ِبي‬ ‫نآ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫وارِّيي َ‬‫ح َ‬‫ت إ ِلى ال َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫{ ] المائدة ‪ ، [ 44 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَإ ِذ ْ أوْ َ‬
‫َ‬
‫ن { ] المائدة ‪ [ 111 :‬وقال خاتم‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫شهَد ْ ب ِأن َّنا ُ‬ ‫مّنا َوا ْ‬ ‫سوِلي َقاُلوا آ َ‬ ‫وَب َِر ُ‬
‫ب‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ل‬ ‫تي‬
‫َ َ ْ َ َ َ َ َ ِ ِ ِ َ ّ‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫يا‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫كي‬ ‫س‬
‫َُ ُ ِ‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫تي‬ ‫صل‬
‫ِ ّ َ ِ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫البشر‬ ‫وسيد‬ ‫الرسل‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك ل َه وبذ َل ِ َ ُ‬
‫ن { ] النعام ‪، 162 :‬‬ ‫مي‬
‫ُ ْ ِ ِ َ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ت وَ َ ّ‬
‫و‬ ‫أ‬ ‫نا‬ ‫أ‬ ‫مْر ُ‬ ‫كأ ِ‬ ‫ري َ ُ َ ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫نل َ‬ ‫مي َ‬ ‫ال َْعال َ ِ‬
‫‪ [ 163‬أي ‪ :‬من هذه المة ؛ ولهذا قال في الحديث الثابت عنه ‪" :‬نحن‬
‫علت ‪ ،‬ديننا واحد" )‪ (4‬أي ‪ :‬وهو عبادة الله وحده ل‬ ‫معاشر النبياء أولد َ‬
‫شريك له ‪ ،‬وإن تنوعت شرائعنا ‪ ،‬وذلك معنى قوله ‪" :‬أولد علت" ‪ ،‬وهم ‪:‬‬
‫الخوة من أمهات شتى والب واحد‪.‬‬
‫ك‬‫فل ِ‬‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه { )‪ (5‬أي ‪ :‬على دينه } ِفي ال ُ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫جي َْناه ُ وَ َ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬فَك َذ ُّبوه ُ فَن َ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ف { أي ‪ :‬في الرض ‪ } ،‬وَأغَْرقَْنا ال ّ ِ‬ ‫خلئ ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫جعَل َْناهُ ْ‬ ‫{ وهي ‪ :‬السفينة ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬يا محمد كيف أنجينا‬ ‫من ْذ َِري َ‬ ‫ة ال ُ‬‫ْ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ف كا َ‬ ‫َ‬ ‫ك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا َفان ْظ ُْر ك َي ْ َ‬
‫المؤمنين ‪ ،‬وأهلكنا المكذبين‪.‬‬
‫ما‬‫مُنوا ب ِ َ‬ ‫ما كاُنوا ل ِي ُؤْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫تف َ‬ ‫ْ‬
‫م ِبالب َي َّنا ِ‬ ‫جاُءوهُ ْ‬ ‫مف َ‬ ‫َ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫سل إ َِلى قوْ ِ‬
‫َ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ُر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ب َعَث َْنا ِ‬‫} ثُ ّ‬
‫ن )‪{ (74‬‬ ‫دي َ‬ ‫معْت َ ِ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن قب ْل كذ َل ِك ن َطب َعُ عَلى قلو ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك َذ ُّبوا ب ِهِ ِ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ثم بعثنا من بعد نوح رسل إلى قومهم ‪ ،‬فجاءوهم بالبينات ‪،‬‬
‫مُنوا‬ ‫كاُنوا ل ِي ُؤ ِْ‬ ‫ما َ‬ ‫أي ‪ :‬بالحجج والدلة والبراهين على صدق ما جاءوهم به ‪ } ،‬فَ َ‬
‫ل { أي ‪ :‬فما كانت المم لتؤمن بما جاءتهم به رسلهم ‪،‬‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ك َذ ُّبوا ب ِهِ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ب‬‫قل ّ ُ‬‫بسبب تكذيبهم إياهم أول ما أرسلوا إليهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَن ُ َ‬
‫مّرةٍ { ] النعام ‪.[ 110 :‬‬ ‫ل َ‬ ‫مُنوا ب ِهِ أ َوّ َ‬ ‫م ي ُؤْ ِ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫م كَ َ‬ ‫صاَرهُ ْ‬
‫َ‬
‫م وَأب ْ َ‬
‫َ‬
‫أفْئ ِد َت َهُ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬كما طبع الله على قلوب‬ ‫دي َ‬ ‫معْت َ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ك ن َط ْب َعُ عََلى قُُلو ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ك َذ َل ِ َ‬
‫هؤلء ‪ ،‬فما آمنوا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (3443‬من حديث أبي هريرة رضي‬
‫الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬والذين"‬

‫) ‪(4/284‬‬

‫َ‬
‫كاُنوا‬ ‫مل َئ ِهِ ب ِآَيات َِنا َفا ْ‬
‫ست َك ْب َُروا وَ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ن إ َِلى فِْرعَوْ َ‬ ‫هاُرو َ‬ ‫سى وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ب َعَث َْنا ِ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ن)‬ ‫مِبي ٌ‬‫حٌر ُ‬ ‫س ْ‬ ‫َ‬
‫ذا ل ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ُ‬
‫عن ْدَِنا َقالوا إ ِ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫جاَءهُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (75‬فَل ّ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬‫م ْ‬‫ما ُ‬ ‫قَوْ ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫حُرو َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح ال ّ‬ ‫فل ِ ُ‬
‫ذا وَل ي ُ ْ‬ ‫حٌر هَ َ‬ ‫س ْ‬ ‫مأ ِ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫حق ّ ل ّ‬ ‫ن ل ِل َ‬‫قولو َ‬ ‫سى أت َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬‫‪َ (76‬قا َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫ما الك ِب ْرَِياُء ِفي الْر ِ‬ ‫ن لك ُ َ‬ ‫كو َ‬ ‫جد َْنا عَلي ْهِ آَباَءَنا وَت َ ُ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫فت ََنا عَ ّ‬ ‫جئ ْت ََنا ل ِت َل ِ‬ ‫‪َ (77‬قاُلوا أ ِ‬
‫ن )‪(78‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫ما ب ِ ُ‬ ‫ن ل َك ُ َ‬ ‫ح ُ‬‫ما ن َ ْ‬ ‫وَ َ‬

‫بسبب تكذيبهم المتقدم ‪ ،‬هكذا يطبع الله على قلوب من أشبههم ممن بعدهم‬
‫‪ ،‬ويختم على قلوبهم ‪ ،‬فل يؤمنوا حتى يروا العذاب الليم‪.‬‬
‫والمراد ‪ :‬أن الله تعالى أهلك المم المكذبة للرسل ‪ ،‬وأنجى )‪ (1‬من آمن‬
‫بهم ‪ ،‬وذلك من بعد نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فإن الناس كانوا من قبله من )‪(2‬‬
‫زمان آدم عليه السلم على السلم ‪ ،‬إلى أن أحدث الناس عبادة الصنام ‪،‬‬
‫فبعث الله إليهم نوحا ‪ ،‬عليه السلم ؛ ولهذا يقول له المؤمنون يوم القيامة ‪:‬‬
‫أنت أول رسول بعثه الله إلى أهل الرض‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬كان بين آدم ونوح عشرة قرون ‪ ،‬كلهم على السلم‪.‬‬
‫ن ال ْ ُ‬ ‫وقال الله تعالى ‪ } :‬وك َ َ‬
‫ب‬‫ك ب ِذ ُ ُ ِ‬
‫نو‬ ‫فى ب َِرب ّ َ‬ ‫ن ب َعْد ِ ُنوٍح وَك َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫قُرو ِ‬ ‫م َ‬ ‫م أهْل َك َْنا ِ‬ ‫َ ْ‬
‫صيًرا { ] السراء ‪ ، [ 17 :‬وفي هذا إنذار عظيم لمشركي‬ ‫خِبيًرا ب َ ِ‬ ‫عَبادِهِ َ‬ ‫ِ‬
‫العرب الذين كذبوا بسيد الرسل وخاتم النبياء والمرسلين ‪ ،‬فإنه إذا كان قد‬
‫كال ‪ ،‬فماذا‬ ‫أصاب من كذب بتلك الرسل ما ذكره الله تعالى من العقاب والن ّ َ‬
‫)‪ (3‬ظن هؤلء وقد ارتكبوا أكبر من أولئك ؟‬
‫ست َك ْب َُروا‬ ‫ملئ ِهِ ِبآَيات َِنا َفا ْ‬ ‫َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ن إ َِلى فِْرعَوْ َ‬ ‫هاُرو َ‬ ‫سى وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ب َعَث َْنا ِ‬ ‫} ثُ ّ‬
‫حٌر‬ ‫س ْ‬ ‫ذا ل ِ‬ ‫َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ُ‬
‫عن ْدَِنا َقالوا إ ِ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫جاَءهُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (75‬فَل ّ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫كاُنوا قَوْ ً‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ح‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫ذا َول ي ُ ْ‬ ‫حٌر هَ َ‬ ‫س ْ‬ ‫مأ ِ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫حق ّ ل َ ّ‬ ‫ن ل ِل ْ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫سى أت َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن )‪َ (76‬قا َ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما‬ ‫ن لك َ‬ ‫جد َْنا عَلي ْهِ آَباَءَنا وَت َكو َ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫فت ََنا عَ ّ‬ ‫جئ ْت ََنا ل ِت َل ِ‬ ‫ن )‪َ (77‬قالوا أ ِ‬ ‫حُرو َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ن )‪{ (78‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما ب ِ ُ‬ ‫ن لك َ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ْ‬
‫الك ِب ْرَِياُء ِفي الْر ِ‬
‫ن إ َِلى فِْرعَوْ َ‬
‫ن‬ ‫هاُرو َ‬ ‫سى وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫م ب َعَث َْنا { من بعد تلك الرسل } ُ‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫ست َكب َُروا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ججنا وبراهيننا ‪ } ،‬فا ْ‬ ‫مل َئ ِهِ { أي ‪ :‬قومه‪ِ } (4) .‬بآَيات َِنا { أي ‪ :‬ح َ‬ ‫وَ َ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬استكبروا عن اتباع الحق والنقياد له ‪ } ،‬فل ّ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫َ‬
‫وَكاُنوا قوْ ً‬ ‫َ‬
‫ن { كأنهم ‪ -‬قّبحهم الله ‪-‬‬ ‫بي‬ ‫م‬
‫ِ ْ ٌ ُ ِ ٌ‬ ‫ر‬ ‫ح‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ه‬
‫ِ ّ َ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫نا‬
‫ح ّ ِ ْ ِ ْ َِ‬
‫د‬ ‫ن‬‫ع‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ق‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫جاَءهُ ُ‬ ‫َ‬
‫أقسموا على ذلك ‪ ،‬وهم يعلمون أن ما قالوه كذب وبهتان ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫ة‬
‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫وا َفان ْظ ُْر ك َي ْ َ‬ ‫ما وَعُل ُ ّ‬ ‫م ظ ُل ْ ً‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫قن َت َْها أ َن ْ ُ‬ ‫ست َي ْ َ‬ ‫دوا ب َِها َوا ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫} وَ َ‬
‫ن { ] النمل ‪.[14 :‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حٌر‬ ‫س ْ‬ ‫مأ ِ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫حق ّ ل ّ‬ ‫ن ل ِل َ‬ ‫قولو َ‬ ‫سى { منكرا عليهم ‪ } :‬أت َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ل { لهم } ُ‬ ‫} قَا َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬
‫جد َْنا عَلي ْ ِ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫فت ََنا { أي ‪ :‬تثنينا } عَ ّ‬ ‫جئ ْت ََنا ل ِت َل ِ‬ ‫ن َقالوا أ ِ‬ ‫حُرو َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح ال ّ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫ذا َول ي ُ ْ‬ ‫هَ َ‬
‫ما { أي ‪ :‬لك ولهارون‬ ‫ُ‬
‫ن لك َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫دين الذي كانوا عليه ‪ } ،‬وَت َكو َ‬ ‫آَباَءَنا { أي ‪ :‬ال ّ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما ب ِ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن لك َ‬ ‫َ‬ ‫ح ُ‬‫ما ن َ ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ْ‬
‫} الك ِب ْرَِياء { أي ‪ :‬العظمة والرياسة } ِفي الْر ِ‬
‫وكثيًرا ما يذكر الله تعالى قصة موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬مع فرعون في كتابه‬
‫حذر من موسى كل )‪(5‬‬ ‫العزيز ؛ لنها من أعجب القصص ‪ ،‬فإن فرعون َ‬
‫ذر‬ ‫الحذر ‪ ،‬فسخره القدر أن َرّبى هذا الذي ُيح ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ونجى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إلى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فما"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أي إلى قومه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬من"‪.‬‬

‫) ‪(4/285‬‬

‫منه على فراشه ومائدته بمنزلة الولد ‪ ،‬ثم ترعرع وعقد الله له سببا أخرجه‬
‫من بين أظهرهم ‪ ،‬ورزقه النبوة والرسالة والتكليم ‪ ،‬وبعثه إليه ليدعوه إلى‬
‫الله تعالى ليعبده )‪ (1‬ويرجع إليه ‪ ،‬هذا ما كان عليه فرعون من عظمة‬
‫المملكة والسلطان ‪ ،‬فجاءه برسالة الله ‪ ،‬وليس له وزير سوى أخيه هارون‬
‫عليه )‪ (2‬السلم ‪ ،‬فتمرد فرعون واستكبر وأخذته الحمية ‪ ،‬والنفس الخبيثة‬
‫البية ‪ ،‬وقوى رأسه وتوّلى بركنه ‪ ،‬وادعى ما ليس له ‪ ،‬وتجهرم على الله ‪،‬‬
‫وعتا وبغى وأهان حزب اليمان من بني إسرائيل ‪ ،‬والله تعالى يحفظ رسوله‬
‫موسى وأخاه هارون ‪ ،‬ويحوطهما ‪ ،‬بعنايته ‪ ،‬ويحرسهما بعينه التي ل تنام ‪،‬‬
‫ولم تزل )‪ (3‬المحاجة والمجادلة واليات تقوم على يدي موسى شيئا )‪ (4‬بعد‬
‫شيء ‪ ،‬ومرة )‪ (5‬بعد مرة ‪ ،‬مما يبهر العقول ويدهش اللباب ‪ ،‬مما ل يقوم‬
‫له شيء ‪ ،‬ول يأتي به إل من هو مؤيد من الله ‪ ،‬وما تأتيهم من آية إل هي‬
‫مَلؤه ‪ -‬قبحهم الله ‪ -‬على التكذيب بذلك كله‬ ‫أكبر من أختها ‪ ،‬وصمم فرعون وَ َ‬
‫‪ ،‬والجحد والعناد والمكابرة ‪ ،‬حتى أحل الله بهم بأسه الذي ل ي َُرد ‪ ،‬وأغرقهم‬
‫هّ‬
‫مد ُ ل ِل ِ‬ ‫موا َوال ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫قوْم ِ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قط ِعَ َداب ُِر ال ْ َ‬
‫في صبيحة )‪ (6‬واحدة أجمعين ‪ } ،‬فَ ُ‬
‫ن { ] النعام ‪.[ 45 :‬‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫َر ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيعبده"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عليهما"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬ولم يزل"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬شيء"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬وكره"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬صيحة"‪.‬‬

‫) ‪(4/286‬‬

‫ل ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫حَرةُ َقا َ‬ ‫س َ‬‫جاَء ال ّ‬‫ما َ‬ ‫حرٍ عَِليم ٍ )‪ (79‬فَل َ ّ‬ ‫سا ِ‬
‫ل َ‬ ‫ن ائ ُْتوِني ب ِك ُ ّ‬ ‫ل فِْرعَوْ ُ‬ ‫وََقا َ‬
‫َ‬
‫ما أل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حُر‬
‫س ْ‬
‫م ب ِهِ ال ّ‬ ‫جئ ْت ُ ْ‬
‫ما ِ‬ ‫سى َ‬ ‫مو َ‬‫ل ُ‬ ‫وا َقا َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن )‪ (80‬فَل َ ّ‬ ‫قو َ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫قوا َ‬ ‫سى أل ْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫ق‬
‫َ ّ‬‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫ح‬
‫ِ‬
‫َُ ّ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪81‬‬ ‫)‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫دي‬
‫ِ‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ح‬ ‫ِ‬ ‫ل‬
‫ُ ْ ُ‬‫ص‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫إ‬
‫ُ ِ ّ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ط‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫س‬
‫َ َ ُْ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫إِ ّ‬
‫ن )‪(82‬‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مات ِهِ وَلوْ ك َرِهَ ال ُ‬ ‫ب ِك َل ِ َ‬

‫ل ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫حَرةُ َقا َ‬ ‫س َ‬ ‫جاَء ال ّ‬ ‫ما َ‬ ‫حرٍ عَِليم ٍ )‪ (79‬فَل َ ّ‬ ‫سا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ائ ُْتوِني ب ِك ُ ّ‬ ‫ل فِْرعَوْ ُ‬ ‫} وََقا َ‬
‫َ‬
‫ما أل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حُر‬ ‫س ْ‬ ‫م ب ِهِ ال ّ‬ ‫جئ ْت ُ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫سى َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫وا َقا َ‬‫ق ْ‬ ‫ن )‪ (80‬فَل َ ّ‬ ‫قو َ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫قوا َ‬ ‫سى أل ْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫ق‬
‫َ ّ‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ق‬
‫َُ ِ ّ‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪81‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫دي‬
‫ُ ِ ِ َ‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ح‬ ‫ل‬
‫ُ ْ ِ ُ‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ه‬
‫َ َ ُْ ِ ُ ِ ّ‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ط‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫إِ ّ‬
‫ن )‪{ (82‬‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مات ِهِ وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ ُ‬ ‫ب ِك َل ِ َ‬
‫ذكر تعالى )‪ (1‬قصة السحرة مع موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬في سورة‬
‫العراف ‪ ،‬وقد تقدم الكلم عليها هناك‪ .‬وفي هذه السورة ‪ ،‬وفي سورة طه ‪،‬‬
‫وفي الشعراء ؛ وذلك أن فرعون ‪ -‬لعنه الله ‪ -‬أراد أن ي َت َهَّرج على الناس ‪،‬‬
‫ويعارض ما جاء به موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬من الحق المبين ‪ ،‬بزخارف )‪(2‬‬
‫كس عليه النظام ‪ ،‬ولم يحصل له ذلك المرام ‪،‬‬ ‫السحرة والمشعبذين ‪ ،‬فانع َ‬
‫ُ‬
‫حَرةُ‬ ‫س َ‬‫ي ال ّ‬ ‫ق َ‬ ‫وظهرت )‪ (3‬البراهين اللهية في ذلك المحفل العام ‪ ،‬و } فَأل ْ ِ‬
‫ن { ] الشعراء ‪- 46 :‬‬ ‫هاُرو َ‬ ‫سى وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫مّنا ب َِر ّ‬ ‫ن َقاُلوا آ َ‬ ‫دي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫َ‬
‫حار ‪ ،‬على رسول عالم السرار ‪،‬‬ ‫‪ [ 48‬فظن فرعون أن )‪ (4‬يستنصر بالس ّ‬
‫فخاب وخسر الجنة ‪ ،‬واستوجب النار‪.‬‬
‫سى‬ ‫مو َ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫حَرةُ قال لهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫جاَء ال ّ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حرٍ عَِليم ٍ فل ّ‬ ‫سا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ائ ُْتوِني ب ِك ُ ّ‬ ‫ل فِْرعَوْ ُ‬ ‫} وََقا َ‬
‫ن { )‪ (5‬؛ وإنما قال لهم ذلك لنهم اصطفوا ‪ -‬وقد وعدوا‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫أ َل ْ ُ‬
‫قو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫قوا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ما أ ْ‬ ‫ي وَإ ِ ّ‬ ‫ق َ‬ ‫ن ت ُل ْ ِ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫سى إ ِ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫من فرعون بالتقريب والعطاء الجزيل ‪َ } -‬قاُلوا َيا ُ‬
‫قوا { ] طه ‪ ، [ 66 ، 65 :‬فأراد موسى أن‬ ‫ل أ َل ْ ُ‬ ‫ل بَ ْ‬ ‫قى َقا َ‬ ‫ن أ َل ْ َ‬ ‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫ن أ َوّ َ‬ ‫كو َ‬ ‫نَ ُ‬
‫داءة منهم ‪ ،‬ليرى الناس ما صنعوا ‪ ،‬ثم يأتي بالحق بعده فيدمغ‬ ‫تكون الب َ َ‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ح ٍ‬ ‫س ْ‬ ‫جاُءوا ب ِ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ست َْرهَُبوهُ ْ‬ ‫س َوا ْ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫حُروا أعْي ُ َ‬ ‫س َ‬ ‫وا َ‬ ‫ق ْ‬
‫باطلهم ؛ ولهذا لما } أل َ‬
‫ظيم ٍ { ] العراف ‪، [ 116 :‬‬ ‫عَ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬ذكر الله سبحانه"‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬من خوارق"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وأظهرت"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬أنه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬سحار"‪.‬‬

‫) ‪(4/286‬‬

‫خوف من فرعَون ومل َئ ِه َ‬ ‫َ‬


‫م‬
‫فت ِن َهُ ْ‬
‫ن يَ ْ‬
‫مأ ْ‬‫مهِ عََلى َ ْ ٍ ِ ْ ِ ْ ْ َ َ َ ِ ْ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سى إ ِّل ذ ُّري ّ ٌ‬
‫ة ِ‬ ‫مو َ‬‫ن لِ ُ‬
‫م َ‬
‫ما آ َ‬‫فَ َ‬
‫ن )‪(83‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سرِِفي َ‬
‫م ْ‬
‫ن ال ُ‬
‫م َ‬
‫هل ِ‬ ‫ض وَإ ِن ّ ُ‬‫ل ِفي الْر ِ‬ ‫ن لَعا ٍ‬
‫ن فِْرعَوْ َ‬‫وَإ ِ ّ‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ف إن َ َ‬ ‫َ‬
‫ما ِفي‬ ‫ق َ‬ ‫ت العْلى وَأل َ ِ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫خ ْ ِّ‬ ‫سى قُل َْنا ل ت َ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ة ُ‬ ‫ف ً‬‫خي َ‬ ‫سهِ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫س ِفي ن َ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫} فَأوْ َ‬
‫ث أَتى {‬ ‫حي ْ ُ‬‫حُر َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح ال ّ‬ ‫فل ِ ُ‬‫حرٍ َول ي ُ ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫صن َُعوا ك َي ْد ُ َ‬ ‫ما َ‬ ‫صن َُعوا إ ِن ّ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ف َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ك ت َل ْ َ‬ ‫مين ِ َ‬ ‫يَ ِ‬
‫حُر‬ ‫س ْ‬ ‫م ب ِهِ ال ّ‬ ‫جئ ْت ُ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫] طه ‪ ، [ 69 ، 67 :‬فعند ذلك قال موسى لما ألقوا ‪َ } :‬‬
‫ه‬
‫مات ِ ِ‬ ‫حقّ ب ِك َل ِ َ‬ ‫ْ‬
‫ه ال َ‬ ‫ّ‬
‫حقّ الل ُ‬ ‫ن وَي ُ ِ‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ح عَ َ‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫ه ل يُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫سي ُب ْط ِل ُ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وَل َوْ ك َرِهَ ال ُ‬
‫ْ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن عمار بن الحارث ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن ‪-‬‬
‫ي ‪ -‬أخبرنا أبو جعفر الرازي ‪ ،‬عن ل َْيث ‪ -‬وهو ابن أبي سليم ‪-‬‬ ‫شت َك ِ ّ‬ ‫يعني الد ّ ْ‬
‫قال ‪ :‬بلغني أن هؤلء اليات شفاء من السحر بإذن الله تعالى ‪ ،‬تقرأ في إناء‬
‫فيه ماء ‪ ،‬ثم يصب على رأس المسحور ‪ :‬الية التي من سورة يونس ‪:‬‬
‫ح‬
‫صل ِ ُ‬ ‫ه ل يُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫سي ُب ْط ِل ُ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حُر إ ِ ّ‬ ‫س ْ‬ ‫م ب ِهِ ال ّ‬ ‫جئ ْت ُ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫سى َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫وا َقا َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ما أ َل ْ َ‬ ‫} فَل َ ّ‬
‫ن { والية الخرى‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬‫مات ِهِ وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ ُ‬ ‫حقّ ب ِك َل ِ َ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫حقّ الل ّ ُ‬ ‫ن وَي ُ ِ‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫عَ َ‬
‫ن { ] العراف ‪ ، [ 122 - 118 :‬وقوله‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حقّ وَب َطل َ‬ ‫ْ‬
‫‪ } :‬فوَقعَ ال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ث أ ََتى { ] طه ‪.[ 69 :‬‬ ‫ي‬ ‫ح‬
‫ّ ِ ُ َ ْ ُ‬ ‫ر‬ ‫ح‬ ‫سا‬ ‫ال‬ ‫ح‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ي‬
‫ْ ُ َ ِ ٍ َ ُ ِ ُ‬ ‫ول‬ ‫ر‬ ‫ح‬ ‫سا‬ ‫د‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫عوا‬ ‫صن َ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫} إ ِن ّ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مأ ْ‬ ‫مل َئ ِهِ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ن فِْرعَوْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫خو ْ ٍ‬ ‫مهِ عََلى َ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫سى ِإل ذ ُّري ّ ٌ‬ ‫مو َ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما آ َ‬ ‫} فَ َ‬
‫ن )‪{ (83‬‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه لَ ِ‬ ‫ض وَإ ِن ّ ُ‬ ‫ل ِفي الْر ِ‬ ‫ن ل ََعا ٍ‬ ‫ن فِْرعَوْ َ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫فت ِن َهُ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫يخبر تعالى أنه لم يؤمن بموسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬مع ما جاء به من اليات )‪(1‬‬
‫البينات والحجج القاطعات والبراهين الساطعات ‪ ،‬إل قليل من قوم فرعون ‪،‬‬
‫مَلئه ‪ ،‬أن يردوهم‬ ‫من الذرية ‪ -‬وهم الشباب )‪ - (2‬على وجل وخوف منه ومن َ‬
‫إلى ما كانوا عليه من الكفر ؛ لن فرعون كان جبارا عنيدا مسرفا في التمرد‬
‫مهابة ‪ ،‬تخاف رعيته منه خوفا شديدا‪.‬‬ ‫طوة و َ‬ ‫س ْ‬ ‫والعتوّ ‪ ،‬وكانت )‪ (3‬له َ‬
‫َ‬
‫مهِ عَلى‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫سى ِإل ذ ُّري ّ ٌ‬ ‫مو َ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما آ َ‬ ‫قال العوفي ‪ :‬عن ابن عباس ‪ } :‬فَ َ‬
‫م { قال ‪ :‬فإن الذرية التي آمنت لموسى ‪،‬‬ ‫خوف من فرعَون ومل َئ ِه َ‬
‫فت ِن َهُ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ ْ ٍ ِ ْ ِ ْ ْ َ َ َ ِ ْ‬
‫من أناس غير بني إسرائيل ‪ ،‬من قوم فرعون يسير ‪ ،‬منهم ‪ :‬امرأة فرعون ‪،‬‬
‫ومؤمن آل فرعون ‪ ،‬وخازن فرعون ‪ ،‬وامرأة خازنه‪.‬‬
‫سى ِإل‬ ‫مو َ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما آ َ‬ ‫َ‬
‫وروى علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬ف َ‬
‫مهِ { يقول ‪ :‬بني إسرائيل‪.‬‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ذ ُّري ّ ٌ‬
‫وعن ابن عباس ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة)الذرية( ‪ :‬القليل‪.‬‬
‫مهِ { يقول ‪ :‬بني إسرائيل‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫وقال مجاهد في قوله ‪ِ } :‬إل ذ ُّري ّ ٌ‬
‫هم أولد الذين أرسل إليهم موسى ‪ ،‬من طول الزمان ‪ ،‬ومات آباؤهم‪.‬‬
‫واختار ابن جرير قول مجاهد في الذرية ‪ :‬أنها من بني إسرائيل ل من قوم‬
‫فرعون ‪ ،‬لعود الضمير على أقرب المذكورين‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬اليمان"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬الشاب"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬فكانت"‪.‬‬

‫) ‪(4/287‬‬

‫م ِبالل ّهِ فَعَل َي ْهِ ت َوَك ُّلوا إ ِ ْ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ َ‬


‫ن )‪(84‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫من ْت ُ ْ‬‫مآ َ‬ ‫ْ‬ ‫سى َيا قَوْم ِ إ ِ ْ‬ ‫مو َ‬‫ل ُ‬ ‫وََقا َ‬
‫مت ِ َ‬
‫ك‬ ‫ح َ‬
‫جَنا ب َِر ْ‬‫ن )‪ (85‬وَن َ ّ‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫قوْم ِ الظال ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ة ل ِل َ‬ ‫ْ‬
‫جعَلَنا فِت ْن َ ً‬ ‫قاُلوا عَلى اللهِ ت َوَك ّلَنا َرب َّنا ل ت َ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫فَ َ‬
‫ن )‪(86‬‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫قوْم ِ الكافِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬‫م َ‬‫ِ‬

‫وفي هذا نظر ؛ لنه أراد بالذرية الحداث والشباب )‪ (1‬وأنهم من بني‬
‫إسرائيل ‪ ،‬فالمعروف أن بني إسرائيل كلهم آمنوا بموسى ‪ ،‬عليه السلم ‪،‬‬
‫واستبشروا به ‪ ،‬وقد كانوا يعرفون نعته وصفته والبشارة به من كتبهم‬
‫المتقدمة ‪ ،‬وأن الله تعالى سينقذهم به من أسر فرعون ويظهرهم عليه ؛‬
‫جد عنه شيئا‪ .‬ولما جاء موسى‬ ‫ذر كل الحذر فلم ي ُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ولهذا لما بلغ هذا فرعون َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ما‬
‫ن ب َعْد ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ت َأت ِي ََنا وَ ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ن قَب ْ ِ‬‫م ْ‬ ‫آذاهم فرعون )‪ (2‬أشد الذى ‪ ،‬و } َقالوا أوِذيَنا ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ل عَسى ربك ُ َ‬
‫ف‬‫ض فَي َن ْظَر كي ْ َ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫فك ْ‬ ‫خل ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫ك عَد ُوّك ُ ْ‬ ‫ن ي ُهْل ِ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ ّ ْ‬ ‫َ‬ ‫جئ ْت ََنا َقا َ‬ ‫ِ‬
‫ن { ] العراف ‪ .[129 :‬وإذا تقرر هذا فكيف يكون المراد إل ذرية من‬ ‫مُلو َ‬ ‫ت َعْ َ‬
‫قوم موسى ‪ ،‬وهم بنو إسرائيل ؟‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬وأشراف قومهم أن يفتنهم ‪ ،‬ولم‬ ‫مل َئ ِهِ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ن فِْرعَوْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫خو ْ ٍ‬ ‫} عََلى َ‬
‫ن عن اليمان سوى قارون ‪ ،‬فإنه‬ ‫يكن في بني إسرائيل من يخاف منه أن َيفت ِ َ‬
‫كان من قوم موسى ‪ ،‬فبغى عليهم ؛ لكنه كان طاويا )‪ (3‬إلى فرعون ‪ ،‬متصل‬
‫م { عائد‬ ‫مل َئ ِهِ ْ‬ ‫به ‪ ،‬متعلقا بحباله )‪ (4‬ومن قال ‪ :‬إن الضمير في قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫إلى فرعون ‪ ،‬وعظم الملك )‪ (5‬من أجل اتباعه أو بحذف "آل" فرعون ‪،‬‬
‫وإقامة المضاف إليه مقامه ‪ -‬فقد أبعد ‪ ،‬وإن كان ابن جرير قد حكاهما عن‬
‫بعض النحاة‪ .‬ومما يدل على أنه لم يكن في بني إسرائيل إل مؤمن قوله‬
‫تعالى ‪:‬‬
‫ن)‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م ِباللهِ فَعَلي ْهِ ت َوَك ّلوا إ ِ ْ‬ ‫ّ‬ ‫من ْت ُ ْ‬‫مآ َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫سى َيا قَوْم ِ إ ِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫} وََقا َ‬
‫جَنا‬ ‫ن )‪ (85‬وَن َ ّ‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫قوْم ِ الظال ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ة ل ِل َ‬ ‫ْ‬
‫جعَلَنا فِت ْن َ ً‬ ‫ْ‬
‫قالوا عَلى اللهِ ت َوَك ّلَنا َرب َّنا ل ت َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫‪ (84‬فَ َ‬
‫ن )‪{ (86‬‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫قوْم ِ الكافِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫مت ِ َ‬ ‫ح َ‬‫ب َِر ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫يقول تعالى مخبرا عن موسى أنه قال لبني إسرائيل ‪َ } :‬يا قَوْم ِ إ ِ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬فإن الله كاف من توكل‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م ِبالل ّهِ فَعَل َي ْهِ ت َوَك ُّلوا إ ِ ْ‬ ‫من ْت ُ ْ‬
‫آ َ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن ي َت َوَك ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل عَلى الل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ف عَب ْد َه ُ { ] الزمر ‪ } ، [ 36 :‬وَ َ‬ ‫ه ب ِكا ٍ‬ ‫س الل ُ‬ ‫عليه ‪ } ،‬ألي ْ َ‬
‫ه { ] الطلق ‪.[ 3 :‬‬ ‫سب ُ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫فَهُوَ َ‬
‫وكثيرا ما يقرن الله بين العبادة والتوكل ‪ ،‬كما في قوله تعالى ‪َ } :‬فاعْب ُد ْهُ‬
‫مّنا ب ِهِ وَعَل َي ْهِ ت َوَك ّل َْنا {‬ ‫نآ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ل هُوَ الّر ْ‬ ‫ل عَل َي ْهِ { ] هود ‪ } ، [ 123 :‬قُ ْ‬ ‫وَت َوَك ّ ْ‬
‫كيل {‬ ‫خذ ْه ُ وَ ِ‬ ‫ه ِإل هُوَ َفات ّ ِ‬ ‫ب ل إ ِل َ َ‬ ‫مغْرِ ِ‬ ‫ق َوال ْ َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫] الملك ‪َ } ، [ 29 :‬ر ّ‬
‫] المزمل ‪ ، [ 9 :‬وأمر الله تعالى المؤمنين أن يقولوا في كل صلواتهم )‪(6‬‬
‫ن { ] الفاتحة ‪.[ 5 :‬‬ ‫ست َِعي ُ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫ك ن َعْب ُد ُ وَإ ِّيا َ‬ ‫مرات متعددة ‪ } :‬إ ِّيا َ‬
‫جعَل َْنا فِت ْن َ ً‬
‫ة‬ ‫وقد امتثل بنو إسرائيل ذلك ‪ ،‬فقالوا ‪ } :‬عََلى الل ّهِ ت َوَك ّل َْنا َرب َّنا ل ت َ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬ل تظفرهم بنا ‪ ،‬وتسلطهم )‪ (7‬علينا ‪ ،‬فيظنوا أنهم‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫قوْم ال ّ‬ ‫ْ‬
‫ل ِل َ ِ‬
‫إنما سلطوا لنهم على الحق ونحن على الباطل ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" ،‬والشاب"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬لفرعون"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬طاويا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬بحاله"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬للملك"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬صلتهم"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬أي يظفركم ويسلطهم"‪.‬‬

‫) ‪(4/288‬‬

‫م قِب ْل َ ً‬ ‫ن ت َب َوّآ َ ل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫سى وَأ َ ِ‬ ‫َ‬


‫ة‬ ‫جعَُلوا ب ُُيوت َك ُ ْ‬
‫صَر ب ُُيوًتا َوا ْ‬
‫م ْ‬ ‫مك ُ َ‬
‫ما ب ِ ِ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫خيهِ أ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫حي َْنا إ َِلى ُ‬‫وَأوْ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(87‬‬ ‫مِني َ‬ ‫شرِ ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫صَلة َ وَب َ ّ‬
‫موا ال ّ‬ ‫وَأِقي ُ‬

‫ضحى‪.‬‬ ‫جَلز ‪ ،‬وأبي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫فيفتنوا )‪ (1‬بذلك‪ .‬هكذا روي عن أبي ِ‬


‫جيح وغيره واحد ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬ل تعذبنا بأيدي قوم فرعون ‪،‬‬ ‫وقال ابن أبي ن َ ِ‬
‫ول بعذاب من عندك ‪ ،‬فيقول قوم فرعون ‪ :‬لو كانوا على حق ما عذبوا ‪ ،‬ول‬
‫سّلطنا عليهم ‪ ،‬فيفتنوا )‪ (2‬بنا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪َ } :‬رب َّنا ل‬ ‫ة ‪ ،‬عن ابن ن َ ِ‬ ‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أنبأنا ابن عُي َي ْن َ َ‬
‫ن { ]أي[ )‪ (3‬ل تسلطهم علينا ‪ ،‬فيفتنونا‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫قوْم ال ّ‬ ‫جعَل َْنا فِت ْن َ ً ْ‬
‫ة ل ِل َ ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫قوْم ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫مت ِك { أي ‪ :‬خلصنا برحمة منك وإحسان ‪ِ } ،‬‬ ‫ح َ‬
‫جَنا ب َِر ْ‬ ‫} وَن َ ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬الذين كفروا الحق وستروه ‪ ،‬ونحن قد آمنا بك وتوكلنا علي‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫كا َفِ ِ‬
‫م قِب ْل َ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫جعَُلوا ب ُُيوت َك ُ ْ‬ ‫صَر ب ُُيوًتا َوا ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ب ِ ِ‬ ‫مك ُ َ‬ ‫قو ْ ِ‬‫وآ ل ِ َ‬
‫ن ت َب َ ّ‬ ‫خيهِ أ ْ‬ ‫سى وَأ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫حي َْنا إ َِلى ُ‬ ‫} وَأوْ َ‬
‫ن )‪{ (87‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مِني َ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫صلة َ وَب َشرِ ال ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫وَأِقي ُ‬
‫يذكر تعالى سبب إنجائه بني إسرائيل من فرعون وقومه ‪ ،‬وكيفية خلصهم‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫منهم )‪ (4‬وذلك أن الله تعالى أمر موسى وأخاه هارون ‪ ،‬عليهما السلم } أ ْ‬
‫ت َب َوَّءا { أي ‪ :‬يتخذا لقومهما بمصر بيوتا‪.‬‬
‫ة { )‪(5‬‬ ‫م قِب ْل َ ً‬ ‫جعَُلوا ب ُُيوت َك ُ ْ‬‫واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى ‪َ } :‬وا ْ‬
‫جعَلوا‬‫ُ‬ ‫رمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ } :‬وا ْ‬ ‫عك ْ ِ‬ ‫صْيف ‪ ،‬عن ِ‬ ‫خ َ‬ ‫فقال الثوري وغيره ‪ ،‬عن ُ‬
‫ة { قال ‪ :‬أمُروا أن يتخذوها مساجد‪.‬‬ ‫م قِب ْل َ ً‬‫ب ُُيوت َك ُ ْ‬
‫ة{‬ ‫َ‬
‫م قِب ْل ً‬ ‫ُ‬
‫جعَلوا ب ُُيوت َك ْ‬ ‫ُ‬ ‫وقال الثوري أيضا ‪ ،‬عن ابن منصور ‪ ،‬عن إبراهيم ‪َ } :‬وا ْ‬
‫قال ‪ :‬كانوا خائفين ‪ ،‬فأمروا أن يصلوا في بيوتهم‪.‬‬
‫وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وأبو مالك ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وعبد الرحمن بن‬
‫زيد بن أسلم ‪ ،‬وأبوه زيد بن أسلم ‪ :‬وكأن هذا ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬لما اشتد بهم‬
‫البلء من قَبل فرعون وقومه ‪ ،‬وضيقوا عليهم ‪ ،‬أمروا بكثرة الصلة ‪ ،‬كما قال‬
‫َ‬
‫صلةِ { ]البقرة ‪.[156 :‬‬ ‫صب ْرِ َوال ّ‬ ‫ست َِعيُنوا ِبال ّ‬ ‫مُنوا ا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫تعالى ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫وفي الحديث ‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى‪.‬‬
‫م‬‫جعَُلوا ب ُُيوت َك ُْ‬ ‫أخرجه أبو داود‪ (6) .‬ولهذا )‪ (7‬قال تعالى في هذه الية ‪َ } :‬وا ْ‬
‫قبل َ ً َ‬
‫ن { أي ‪ :‬بالثواب والنصر القريب‪.‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫شرِ ال ْ ُ‬ ‫صلة َ وَب َ ّ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ة وَأِقي ُ‬ ‫ِْ‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬في تفسير هذه الية قال ‪ :‬قالت بنو‬
‫إسرائيل لموسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬ل نستطيع أن نظهر صلتنا مع الفراعنة ‪،‬‬
‫فأذن الله تعالى لهم أن يصلوا في بيوتهم ‪ ،‬وأمروا أن يجعلوا بيوتهم قبل‬
‫ة { قال ‪ :‬لما خاف بنو إسرائيل‬ ‫م قِب ْل َ ً‬ ‫جعَُلوا ب ُُيوت َك ُ ْ‬ ‫القبلة‪ .‬وقال مجاهد ‪َ } :‬وا ْ‬
‫من‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيفتتنوا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيفتتنوا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬منه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬وجعلوا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬سنن أبي داود برقم )‪ (1319‬من حديث حذيفة ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وكذا"‪.‬‬

‫) ‪(4/289‬‬

‫ك آ َتيت فرعَون ومَل َه زين ً َ‬


‫حَياةِ الد ّن َْيا َرب َّنا‬ ‫واًل ِفي ال ْ َ‬
‫م َ‬
‫ة وَأ ْ‬ ‫سى َرب َّنا إ ِن ّ َ َ ْ َ ِ ْ ْ َ َ َ ُ ِ َ‬ ‫مو َ‬‫ل ُ‬ ‫وََقا َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مُنوا‬ ‫م فل ي ُؤْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫شد ُد ْ عَلى قلوب ِهِ ْ‬ ‫م َوا ْ‬‫وال ِهِ ْ‬
‫م َ‬
‫س عَلى أ ْ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫سِبيل ِك َرب َّنا اط ِ‬‫ن َ‬ ‫ضّلوا عَ ْ‬ ‫ل ِي ُ ِ‬
‫م )‪(88‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫حّتى ي ََرُوا العَ َ‬
‫ب الِلي َ‬ ‫ذا َ‬ ‫َ‬

‫فرعون أن يقتلوا )‪ (1‬في الكنائس الجامعة ‪ ،‬أمروا أن يجعلوا بيوتهم مساجد‬


‫مستقبلة الكعبة ‪ ،‬يصلون فيها سًرا‪ .‬وكذا قال قتادة ‪ ،‬والضحاك‪.‬‬
‫ة { أي ‪ :‬يقابل بعضها بعضا‪.‬‬ ‫م قِب ْل َ ً‬‫جعَُلوا ب ُُيوت َك ُ ْ‬‫وقال سعيد بن جبير ‪َ } :‬وا ْ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا َرب َّنا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫سى َرب َّنا إ ِن ّ َ‬ ‫} وََقا َ‬
‫وال ِفي ال َ‬ ‫م َ‬
‫ة وَأ ْ‬‫مله ُ ِزين َ ً‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ت فِْرعَوْ َ‬ ‫ك آت َي ْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م َفل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنوا‬ ‫شد ُد ْ عَلى قُلوب ِهِ ْ‬
‫م َوا ْ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬‫س عَلى أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫سِبيل ِك َرب َّنا اط ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ضّلوا عَ ْ‬‫ل ِي ُ ِ‬
‫م )‪{ (88‬‬ ‫ب الِلي َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ْ‬
‫حّتى ي ََرُوا العَ َ‬‫َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬أن يصلوا"‪.‬‬

‫) ‪(4/290‬‬

‫ُ‬
‫ن )‪(89‬‬ ‫ن َل ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سِبي َ‬ ‫ما وََل ت َت ّب َِعا ّ‬
‫ن َ‬ ‫قي َ‬
‫ست َ ِ‬ ‫ت د َعْوَت ُك ُ َ‬
‫ما َفا ْ‬ ‫ل قَد ْ أ ِ‬
‫جيب َ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ُ‬
‫ن )‪{ (89‬‬ ‫مو َ‬ ‫ن ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سِبي َ‬
‫ن َ‬ ‫ما َول ت َت ّب َِعا ّ‬ ‫قي َ‬ ‫ما َفا ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫ت د َعْوَت ُك ُ َ‬ ‫جيب َ ْ‬ ‫ل قَد ْ أ ِ‬ ‫} َقا َ‬
‫هذا إخبار من الله تعالى عما دعا به موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬على فرعون‬
‫مَلئه ‪ ،‬لما أبوا قبول الحق واستمروا على ضللهم وكفرهم معاندين جاحدين‬ ‫وَ َ‬
‫ة { أي ‪:‬‬ ‫ن‬ ‫زي‬ ‫ه‬ ‫مل‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ع‬
‫َْ َ ِ ْ َ ْ َ َ َ ُ ِ َ ً‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ي‬‫ت‬ ‫آ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ن‬‫إ‬
‫َ َّ ِّ‬ ‫نا‬ ‫ب‬‫ر‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫‪،‬‬ ‫وعتوا‬ ‫را‬
‫ً‬ ‫وتكب‬ ‫وعلوا‬ ‫ظلما‬ ‫‪،‬‬
‫من أثاث الدنيا ومتاعها ‪ } ،‬وأموال { أي ‪ :‬جزيلة كثيرة ‪ِ } ،‬في { هذه‬
‫ك { ‪ -‬بفتح الياء ‪ -‬أي ‪ :‬أعطيتهم ذلك‬ ‫سِبيل ِ َ‬
‫ن َ‬ ‫ضّلوا عَ ْ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا َرب َّنا ل ِي َ ِ‬ ‫} ال ْ َ‬
‫وأنت تعلم أنهم ل يؤمنون بما أرسلتني به إليهم استدراجا منك لهم ‪ ،‬كما قال‬
‫م ِفيهِ {‬ ‫فت ِن َهُ ْ‬‫تعالى ‪ } :‬ل ِن َ ْ‬
‫ضلوا { بضم الياء ‪ ،‬أي ‪ :‬ليفتتن بما أعطيتهم من شئت من‬ ‫ّ‬ ‫وقرأ آخرون ‪ } :‬ل ِي ُ ِ‬
‫خلقك ‪ ،‬ليظن من أغويته أنك إنما أعطيت هؤلء هذا لحبك إياهم )‪(1‬‬
‫واعتنائك بهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م { قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ :‬أي ‪ :‬أهلكها‪ .‬وقال‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬‫س عَلى أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫} َرب َّنا اط ْ ِ‬
‫الضحاك ‪ ،‬وأبو العالية ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪ :‬جعلها الله حجارة منقوشة كهيئة ما‬
‫كانت‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬بلغنا أن زروعهم تحولت حجارة‪.‬‬
‫سكرهم حجارة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫قَرظي ‪ :‬اجعل )‪ُ (2‬‬ ‫وقال محمد بن كعب ال ُ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث ‪ ،‬حدثنا يحيى بن أبي‬
‫شر ‪ ،‬حدثني محمد بن قيس ‪ :‬أن محمد بن كعب قرأ‬ ‫ب ُك َْير ‪ ،‬عن أبي َ‬
‫معْ َ‬
‫ن‬
‫ت فِْرعَوْ َ‬ ‫سى َرب َّنا إ ِن ّ َ‬
‫ك آت َي ْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫سورة يونس على عمر بن عبد العزيز ‪ } :‬وََقا َ‬
‫ل ُ‬
‫َ‬
‫م { إلى آخرها ]فقال له ‪ :‬عمر يا‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫س عََلى أ ْ‬
‫م َ‬ ‫م ْ‬ ‫مله ُ { إلى قوله ‪ } :‬اط ْ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫أبا حمزة )‪ (3‬أي شيء الطمس ؟ قال ‪ :‬عادت أموالهم كلها حجارة[ )‪(4‬‬
‫فقال عمر بن عبد العزيز لغلم له ‪ :‬ائتني بكيس‪] .‬فجاءه بكيس[ )‪ (5‬فإذا‬
‫فيه حمص وبيض ‪ ،‬قد قطع حول حجارة‪.‬‬
‫م { قال ابن عباس ‪ :‬أي اطبع عليها ‪َ } ،‬فل‬ ‫شد ُد ْ عََلى قُُلوب ِهِ ْ‬‫وقوله ‪َ } :‬وا ْ‬
‫م{‬ ‫ب الِلي َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ْ‬
‫حّتى ي ََرُوا العَ َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫مُنوا َ‬
‫وهذه الدعوة كانت من موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬غضًبا لله ولدينه على فرعون‬
‫وملئه ‪ ،‬الذين تبين له‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬جعل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬يا أبا جمرة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/290‬‬

‫َ‬
‫حّتى إ َِذا‬ ‫جُنود ُه ُ ب َغًْيا وَعَد ًْوا َ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫م فِْرعَوْ ُ‬ ‫حَر فَأت ْب َعَهُ ْ‬ ‫ل ال ْب َ ْ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫جاوَْزَنا ب ِب َِني إ ِ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه الغََرقُ َقا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ل وَأَنا ِ‬ ‫ت ب ِهِ ب َُنو إ ِ ْ‬ ‫من َ ْ‬‫ذي آ َ‬ ‫ه إ ِل ال ِ‬ ‫ه ل إ ِل َ‬ ‫ت أن ّ ُ‬ ‫من ْ ُ‬‫لآ َ‬ ‫أد َْرك ُ‬
‫م‬‫ن )‪َ (91‬فال ْي َوْ َ‬ ‫دي َ‬
‫س ِ‬‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ل وَك ُن ْ َ‬ ‫ت قَب ْ ُ‬ ‫صي ْ َ‬ ‫ن وَقَد ْ عَ َ‬ ‫ن )‪ (90‬آ َْل َ َ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن آ ََيات َِنا ل ََغافُِلو َ‬
‫ن)‬ ‫س عَ ْ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك َِثيًرا ِ‬ ‫ة وَإ ِ ّ‬ ‫ك آ َي َ ً‬ ‫ف َ‬‫خل ْ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫كو َ‬ ‫ك ل ِت َ ُ‬
‫ك ب ِب َد َن ِ َ‬ ‫جي َ‬ ‫ن ُن َ ّ‬
‫‪(92‬‬

‫أنه ل خير فيهم ‪ ،‬ول يجيء منهم شيء كما دعا نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فقال ‪} :‬‬
‫ك َول‬ ‫ضّلوا ِ‬
‫عَباد َ َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ن ت َذ َْرهُ ْ‬
‫ك إِ ْ‬‫ن د َّياًرا إ ِن ّ َ‬ ‫ري َ‬‫كافِ ِ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ض ِ‬ ‫َ‬
‫ب ل ت َذ َْر عَلى الْر ِ‬ ‫َر ّ‬
‫فاًرا { ]نوح ‪ [27 ، 26 :‬؛ ولهذا استجاب الله تعالى‬ ‫َ‬
‫جًرا ك ّ‬ ‫دوا ِإل َفا ِ‬ ‫ي َل ِ ُ‬
‫ن عليها أخوه‬ ‫م َ‬ ‫لموسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فيهم )‪ (1‬هذه الدعوة ‪ ،‬التي أ ّ‬
‫ُ‬
‫ما {‬ ‫ت د َعْوَت ُك ُ َ‬ ‫هارون ‪ ،‬فقال تعالى ‪ } :‬قَد ْ أ ِ‬
‫جيب َ ْ‬
‫قال أبو العالية ‪ ،‬وأبو صالح ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬ومحمد بن كعب القرظي ‪ ،‬والربيع‬
‫ن هارون ‪ ،‬أي ‪ :‬قد أجبناكما فيما سألتما من تدمير‬ ‫م َ‬ ‫بن أنس ‪ :‬دعا موسى وأ ّ‬
‫آل فرعون‪.‬‬
‫وقد يحتج بهذه الية من يقول ‪" :‬إن تأمين المأموم على قراءة الفاتحة ُينزل‬
‫منزلة )‪ (2‬قراءتها ؛ لن موسى دعا وهارون أمن"‪.‬‬
‫ُ‬
‫نل‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سِبي َ‬
‫ن َ‬‫ما ]َول ت َت ّب َِعا ّ‬ ‫قي َ‬ ‫ما َفا ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫ت د َعْوَت ُك ُ َ‬ ‫جيب َ ْ‬‫ل قَد ْ أ ِ‬
‫وقال تعالى ‪َ } :‬قا َ‬
‫ن [ { )‪ (3‬أي ‪ :‬كما أجيبت دعوتكما فاستقيما على أمري‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫ما { فامضيا لمري ‪ ،‬وهي‬ ‫قي َ‬ ‫ست َ ِ‬‫جَرْيج ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ } :‬فا ْ‬ ‫قال ابن ُ‬
‫الستقامة‪ .‬قال ابن جريج ‪ :‬يقولون ‪ :‬إن فرعون مكث بعد هذه الدعوة‬
‫أربعين سنة‪.‬‬
‫وقال محمد بن علي بن الحسين ‪ :‬أربعين يوما‪.‬‬
‫َ‬
‫حّتى إ َِذا‬ ‫جُنود ُه ُ ب َغًْيا وَعَد ًْوا َ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫م فِْرعَوْ ُ‬ ‫حَر فَأت ْب َعَهُ ْ‬ ‫ل ال ْب َ ْ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫جاوَْزَنا ب ِب َِني إ ِ ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫َ‬
‫سَراِئيل وَأَنا ِ‬ ‫ت ب ِهِ ب َُنو إ ِ ْ‬ ‫من َ ْ‬ ‫ذي آ َ‬ ‫ه ِإل ال ِ‬ ‫ه ل إ ِل َ‬ ‫ت أن ّ ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه الغََرقُ قال آ َ‬ ‫أد َْرك َ ُ‬
‫ن )‪َ (91‬فال ْي َوْ َ‬
‫م‬ ‫دي َ‬‫س ِ‬‫ف ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ل وَك ُن ْ َ‬ ‫ت قَب ْ ُ‬ ‫صي ْ َ‬ ‫ن وَقَد ْ عَ َ‬ ‫ن )‪ (90‬آل َ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن)‬ ‫ن آَيات َِنا ل ََغافُِلو َ‬ ‫س عَ ْ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك َِثيًرا ِ‬ ‫ة وَإ ِ ّ‬ ‫ك آي َ ً‬ ‫ف َ‬ ‫خل ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫كو َ‬ ‫ك ل ِت َ ُ‬
‫ك ب ِب َد َن ِ َ‬ ‫جي َ‬ ‫ن ُن َ ّ‬
‫‪{ (92‬‬
‫يذكر تعالى كيفية إغراقه فرعون وجنوده ؛ فإن بني إسرائيل لما خرجوا من‬
‫مصر صحبة موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وهم ‪ -‬فيما قيل ‪ -‬ستمائة ألف مقاتل‬
‫حل ِّيا كثيرا ‪ ،‬فخرجوا به معهم ‪،‬‬ ‫سوى الذرية ‪ ،‬وقد كانوا استعاروا من القبط ُ‬
‫حَنق فرعون عليهم ‪ ،‬فأرسل في المدائن حاشرين يجمعون له جنوده‬ ‫فاشتد َ‬
‫من أقاليمه ‪ ،‬فركب وراءهم في أبهة عظيمة ‪ ،‬وجيوش هائلة لما يريده الله‬
‫تعالى بهم ‪ ،‬ولم يتخلف عنه أحد ممن له دولة وسلطان في سائر مملكته ‪،‬‬
‫سى‬ ‫فلحقوهم وقت شروق الشمس ‪ } ،‬فَل َما تراَءى ال ْجمعان َقا َ َ‬
‫مو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َ ْ َ ِ‬ ‫ّ ََ‬
‫ن { ]الشعراء ‪ [61 :‬وذلك أنهم لما انتهوا إلى ساحل البحر ‪،‬‬ ‫كو َ‬ ‫مد َْر ُ‬ ‫إ ِّنا ل َ ُ‬
‫وأدركهم فرعون ‪ ،‬ولم يبق إل أن يتقاتل )‪ (4‬الجمعان ‪ ،‬وألح أصحاب‬
‫موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬عليه في السؤال كيف المخلص مما نحن فيه ؟‬
‫ن { ]الشعراء‬ ‫دي ِ‬ ‫سي َهْ ِ‬ ‫ي َرّبي َ‬ ‫معِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫كل إ ِ ّ‬ ‫فيقول ‪ :‬إني أمرت أن أسلك هاهنا ‪َ } ،‬‬
‫‪[62 :‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬فيما"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬يتنزل منزلة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬أن يتقابل"‪.‬‬

‫) ‪(4/291‬‬

‫فعندما ضاق المر اتسع ‪ ،‬فأمره الله تعالى أن يضرب البحر بعصاه ‪ ،‬فضربه‬
‫ظيم ِ { ]الشعراء ‪ [63 :‬أي ‪:‬‬ ‫كالط ّوْدِ ال ْعَ ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ل فِْر ٍ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫فانفلق البحر ‪ } ،‬فَ َ‬
‫كا َ‬
‫قا ‪ ،‬لكل سبط واحد‪ .‬وأمر الله الريح‬ ‫كالجبل العظيم ‪ ،‬وصار اثني عشر طري ً‬
‫ً‬
‫ف د ََركا َول‬
‫خا ُ‬
‫سا ل ت َ َ‬
‫حرِ ي َب َ ً‬ ‫ْ‬
‫قا ِفي الب َ ْ‬ ‫م طَ ِ‬
‫ري ً‬ ‫ب ل َهُ ْ‬ ‫شفت أرضه ‪َ } ،‬فا ْ‬
‫ضرِ ْ‬ ‫فن َ ّ‬
‫شى { ]طه ‪ [77 :‬وتخرق الماء بين الطرق كهيئة الشبابيك ‪ ،‬ليرى كل‬ ‫خ َ‬ ‫تَ ْ‬
‫قوم الخرين لئل يظنوا أنهم هلكوا‪ .‬وجازت بنو إسرائيل البحر ‪ ،‬فلما خرج‬
‫آخرهم منه انتهى فرعون وجنوده إلى حافته من الناحية الخرى ‪ ،‬وهو في‬
‫مائة ألف أدهم سوى بقية اللوان ‪ ،‬فلما رأى ذلك هاله وأحجم وهاب وهم‬
‫بالرجوع ‪ ،‬وهيهات ولت حين مناص ‪ ،‬نفذ القدر ‪ ،‬واستجيبت الدعوة‪ .‬وجاء‬
‫جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬على فرس ‪ -‬وديق حائل ‪ -‬فمر إلى جانب حصان‬
‫فرعون فحمحم إليها وتقدم جبريل فاقتحم البحر ودخله ‪ ،‬فاْقتحم الحصان‬
‫وراءه ‪ ،‬ولم يبق فرعون يملك من نفسه شيئا ‪ ،‬فتجلد لمرائه ‪ ،‬وقال لهم ‪:‬‬
‫ليس بنو إسرائيل بأحق بالبحر منا ‪ ،‬فاقتحموا كلهم عن آخرهم وميكائيل في‬
‫ساقتهم ‪ ،‬ل يترك أحدا منهم ‪ ،‬إل ألحقه بهم‪ .‬فلما استوسقوا فيه وتكاملوا ‪،‬‬
‫ه القدير البحَر أن يرتطم عليهم ‪ ،‬فارتطم‬ ‫وهم أولهم بالخروج منه ‪ ،‬أمر الل ُ‬
‫عليهم ‪ ،‬فلم ينج منهم أحد ‪ ،‬وجعلت المواج ترفعهم وتخفضهم ‪ ،‬وتراكمت‬
‫ت‬‫من ْ ُ‬
‫المواج فوق فرعون ‪ ،‬وغشيته سكرات الموت ‪ ،‬فقال وهو كذلك ‪ } :‬آ َ‬
‫أ َنه ل إل َه إل ال ّذي آمنت به بنو إسراِئي َ َ‬
‫ن { فآمن حيث ل‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫ل وَأَنا ِ‬ ‫َ َ ْ ِ ِ َُْ ِ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما كّنا ب ِ ِ‬ ‫فْرَنا ب ِ َ‬ ‫حد َه ُ وَك َ‬ ‫مّنا ِباللهِ وَ ْ‬ ‫سَنا قالوا آ َ‬ ‫ما َرأْوا ب َأ َ‬ ‫ينفعه اليمان ‪ } ،‬فل ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ِفي‬ ‫خل ْ‬ ‫َ‬
‫ة اللهِ الِتي قد ْ َ‬ ‫سن ّ َ‬ ‫سَنا ُ‬ ‫ما َرأْوا ب َأ َ‬ ‫مل ّ‬ ‫مان ُهُ ْ‬‫م ِإي َ‬ ‫فعُهُ ْ‬ ‫ك ي َن ْ َ‬‫م يَ ُ‬ ‫ن فَل َ ْ‬ ‫كي َ‬‫شرِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ن { ]غافر ‪.[85 ، 84 :‬‬ ‫رو‬
‫ِ ُ َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫س‬ ‫خ‬
‫ِ َ ِ ِ َ َ ِ َ ُ َ ِ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫با‬ ‫ع‬
‫د‬‫َ‬ ‫ق‬
‫َ َ ْ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫آل‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫ما‬ ‫قال‬ ‫حين‬ ‫فرعون‬ ‫جواب‬ ‫في‬ ‫تعالى‬ ‫الله‬ ‫وهكذا )‪ (1‬قال‬
‫ل { أي ‪ :‬أهذا )‪ (2‬الوقت تقول ‪ ،‬وقد عصيت الله قبل هذا فيما‬ ‫ت قَب ْ ُ‬‫صي ْ َ‬
‫عَ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬في الرض الذين أضلوا الناس ‪،‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫بينك وبينه ؟ } وَك ُن ْ َ‬
‫ن { ]القصص ‪[41 :‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫} وجعل ْناهُ َ‬
‫صُرو َ‬ ‫مةِ ل ي ُن ْ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ن إ ِلى الّنارِ وَي َوْ َ‬ ‫عو َ‬ ‫ة ي َد ْ ُ‬ ‫م ً‬
‫م أئ ِ ّ‬ ‫َ َ َ َ ْ‬
‫وهذا الذي حكى الله تعالى عن فرعون من قوله هذا في حاله )‪ (3‬ذاك من‬
‫أسرار الغيب التي )‪ (4‬أعلم الله بها رسوله ؛ ولهذا قال المام أحمد بن حنبل‬
‫‪ ،‬رحمه الله ‪:‬‬
‫حدثنا سليمان بن حرب ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪ ،‬عن‬
‫يوسف بن مْهران ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫َ‬
‫ل{‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ت ب ِهِ ب َُنو إ ِ ْ‬ ‫من َ ْ‬ ‫ذي آ َ‬ ‫ه ِإل ال ّ ِ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫ت أن ّ ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫وسلم ‪" :‬لما قال فرعون ‪ } :‬آ َ‬
‫قال ‪ :‬قال لي جبريل ‪] :‬يا محمد[ )‪ (5‬لو رأيتني وقد أخذت ]حال[ )‪ (6‬من‬
‫حال البحر ‪ ،‬فدسسته في فيه مخافة أن تناله الرحمة"‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬ولهذا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬هذا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬حالة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الذي"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬

‫) ‪(4/292‬‬

‫ورواه الترمذي ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم في تفاسيرهم ‪ ،‬من حديث حماد‬
‫بن سلمة ‪ ،‬به )‪ (1‬وقال الترمذي ‪ :‬حديث حسن‪.‬‬
‫وقال أبو داود الطيالسي ‪ :‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن عدي بن ثابت وعطاء بن‬
‫السائب ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬قال لي جبريل ‪ :‬لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر ‪،‬‬
‫فأدسه في فم فرعون مخافة أن تدركه الرحمة"‪ .‬وقد رواه أبو عيسى‬
‫الترمذي أيضا ‪ ،‬وابن جرير أيضا ‪ ،‬من غير وجه ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬به )‪ (2‬وقال‬
‫الترمذي ‪ :‬حسن غريب صحيح‪.‬‬
‫در ‪ ،‬عن‬ ‫ووقع في رواية عند ابن جرير ‪ ،‬عن محمد بن المثنى ‪ ،‬عن غُن ْ َ‬
‫شعبة ‪ ،‬عن عطاء وعَدِيّ ‪ ،‬عن سعيد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬رفعه أحدهما ‪ -‬وكأن‬
‫)‪ (3‬الخر لم يرفعه ‪ ،‬فالله )‪ (4‬أعلم‪.‬‬
‫ج ‪ ،‬حدثنا أبو خالد الحمر ‪ ،‬عن عمر‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد ال َ‬
‫ش ّ‬
‫جب َْير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬لما‬ ‫بن عبد الله بن ي َعَْلى الثقفي ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬
‫َ‬
‫ذي‬ ‫ه ِإل ال ّ ِ‬
‫ه ل إ ِل َ َ‬
‫ت أن ّ ُ‬‫من ْ ُ‬
‫أغرق )‪ (5‬الله فرعون ‪ ،‬أشار بأصبعه ورفع صوته ‪ } :‬آ َ‬
‫ل { )‪ (6‬قال ‪ :‬فخاف جبريل أن تسبق رحمة الله فيه‬ ‫سَراِئي َ‬
‫ت ب ِهِ ب َُنو إ ِ ْ‬
‫من َ ْ‬
‫آ َ‬
‫غضبه ‪ ،‬فجعل يأخذ الحال بجناحيه فيضرب به وجهه فيرمسه‪.‬‬
‫كيع ‪ ،‬عن أبي خالد ‪ ،‬به موقوفا )‪(7‬‬ ‫وكذا رواه ابن جرير ‪ ،‬عن سفيان بن وَ ِ‬
‫وقد روي من حديث أبي هريرة أيضا ‪ ،‬فقال ابن جرير ‪:‬‬
‫كام ‪ ،‬عن عَن َْبسة ‪ -‬هو ابن )‪ (8‬سعيد ‪ -‬عن كثير بن‬ ‫ح ّ‬‫حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫زاذان ‪ ،‬عن أبي حازم ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول‬
‫طه‬‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬قال لي جبريل ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬لو رأيتني وأنا أغ ّ‬
‫وأدس من الحال )‪ (9‬في فيه ‪ ،‬مخافة أن تدركه رحمة الله فيغفر له" يعني ‪:‬‬
‫فرعون )‪(10‬‬
‫عة وأبو حاتم ‪:‬‬
‫مِعين ‪ :‬ل أعرفه ‪ ،‬وقال أبو ُزْر َ‬
‫كثير بن زاذان هذا قال ابن َ‬
‫مجهول ‪ ،‬وباقي رجاله ثقات‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (1/309‬وسنن الترمذي برقم )‪.(3107‬‬
‫)‪ (2‬سنن الترمذي برقم )‪ (3108‬وتفسير الطبري )‪ (192 - 15/190‬ورواه‬
‫الحاكم في المستدرك )‪ (2/340‬من طريق النضر بن شميل عن شعبة به ‪،‬‬
‫وقال الحاكم ‪" :‬هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ؛ لن‬
‫أكثر أصحاب شعبة أوقفوه على ابن عباس" ورواه البيهقي في شعب اليمان‬
‫برقم )‪ (9392‬فذكرت روايات الرفع والوقف‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فكأن"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬والله"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لما غرق"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬أن ل إله"‪.‬‬
‫)‪ (7‬تفسير الطبري )‪ (15/193‬ورواه السرقسطي في غريب الحديث ‪ ،‬كما‬
‫في تخريج الكشاف )‪ (2/138‬عن موسى بن هارون ‪ ،‬عن يحيى الحماني عن‬
‫أبي خالد الحمر به نحوه‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أبو"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬الجبال"‪.‬‬
‫)‪ (10‬تفسير الطبري )‪ (15/191‬ورواه البيهقي في شعب اليمان برقم )‬
‫‪ (9390‬من طريق حكام الرازي به‪.‬‬

‫) ‪(4/293‬‬

‫خت َل َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬


‫حّتى‬
‫فوا َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫ن الط ّي َّبا ِ‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬‫ق وََرَزقَْناهُ ْ‬ ‫صد ْ ٍ‬ ‫مب َوّأ ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫وَل َ َ‬
‫قد ْ ب َوّأَنا ب َِني إ ِ ْ‬
‫ن )‪(93‬‬‫فو َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬
‫كاُنوا ِفيهِ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬‫مةِ ِفي َ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫م ي َوْ َ‬‫ضي ب َي ْن َهُ ْ‬
‫ق ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫ك يَ ْ‬ ‫م ال ْعِل ْ ُ‬
‫م إِ ّ‬ ‫جاَءهُ ُ‬ ‫َ‬

‫وقد أرسل هذا الحديث جماعة من السلف ‪ :‬قتادة ‪ ،‬وإبراهيم التيمي ‪،‬‬
‫مْهران‪ .‬ونقل عن الضحاك بن قيس ‪ :‬أنه خطب بهذا للناس ‪،‬‬ ‫وميمون بن ِ‬
‫فالله أعلم‪.‬‬
‫ة { قال ابن عباس وغيره‬ ‫َ‬
‫فك آي َ ً‬ ‫ْ‬
‫خل َ‬‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ن لِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫جيك ب ِب َد َن ِك ل ِت َكو َ‬‫َ‬ ‫م ن ُن َ ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬فالي َوْ َ‬
‫ّ‬
‫من السلف ‪ :‬إن بعض بني إسرائيل شكوا في موت فرعون ‪ ،‬فأمر الله‬
‫تعالى البحر أن يلقيه بجسده )‪ (1‬بل روح ‪ ،‬وعليه درعه المعروفة ]به[ )‪(2‬‬
‫على نجوة )‪ (3‬من الرض وهو المكان المرتفع ‪ ،‬ليتحققوا موته وهلكه ؛‬
‫ك { أي ‪ :‬نرفعك على َنشز )‪ (4‬من الرض ‪،‬‬ ‫جي َ‬ ‫ولهذا قال تعالى ‪َ } :‬فال ْي َوْ َ‬
‫م ن ُن َ ّ‬
‫} ب ِب َد َِنك { قال مجاهد ‪ :‬بجسدك‪ .‬وقال الحسن ‪ :‬بجسم ل روح فيه‪ .‬وقال‬
‫عبد الله بن شداد ‪ :‬سويا صحيحا ‪ ،‬أي ‪ :‬لم يتمزق ليتحققوه ويعرفوه‪ .‬وقال‬
‫أبو صخر ‪ :‬بدرعك )‪(5‬‬
‫وكل هذه القوال ل منافاة بينها ‪ ،‬كما تقدم ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫ة { أي ‪ :‬لتكون لبني إسرائيل دليل على موتك‬ ‫ك آي َ ً‬ ‫ف َ‬ ‫خل ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن لِ َ‬‫كو َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل ِت َ ُ‬
‫وهلكك ‪ ،‬وأن الله )‪ (6‬هو القادر الذي ناصية كل دابة بيده ‪ ،‬وأنه ل يقوم‬
‫ن ك َِثيًرا‬ ‫ة وَإ ِ ّ‬ ‫ك آي َ ً‬‫ق َ‬ ‫خل َ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن لِ َ‬‫كو َ‬ ‫لغضبه شيء ؛ ولهذا قرأ بعض السلف ‪ " :‬ل ِت َ ُ‬
‫ن" )‪ (7‬أي ‪ :‬ل يتعظون )‪ (8‬بها ‪ ،‬ول يعتبرون‪ .‬وقد‬ ‫ن آَيات َِنا ل ََغافُِلو َ‬ ‫س عَ ْ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫كان ]إهلك فرعون وملئه[ )‪ (9‬يوم عاشوراء ‪ ،‬كما قال البخاري ‪:‬‬
‫در ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن أبي بشر ‪ ،‬عن سعيد‬ ‫حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا غُن ْ َ‬
‫بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قدم النبي صلى الله عليه وسلم المديَنة ‪،‬‬
‫واليهود تصوم يوم عاشوراء فقالوا ‪ :‬هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون‪.‬‬
‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم لصحابه ‪" :‬أنتم أحق بموسى منهم ‪،‬‬
‫فصوموه" )‪(10‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫} وَل َ َ‬
‫حّتى‬‫فوا َ‬ ‫خت َل ُ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫ن الطي َّبا ِ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫ق وََرَزقَْناهُ ْ‬ ‫صد ْ ٍ‬ ‫مب َوّأ ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫قد ْ ب َوّأَنا ب َِني إ ِ ْ‬
‫ن)‬ ‫فو َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬‫كاُنوا ِفيهِ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫مةِ ِفي َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬‫م ي َوْ َ‬‫ضي ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫م ال ْعِل ْ ُ‬ ‫جاَءهُ ُ‬ ‫َ‬
‫‪{ (93‬‬
‫يخبر تعالى عما أنعم به على بني إسرائيل من النعم الدينية والدنيوية ف‬
‫ق { )‪ (11‬قيل ‪ :‬هو بلد مصر والشام ‪ ،‬مما يلي بيت المقدس‬ ‫َ‬
‫صد ْ ٍ‬ ‫مب َوّأ ِ‬ ‫} ُ‬
‫ونواحيه ‪ ،‬فإن الله تعالى لما أهلك فرعون وجنوده استقرت يد الدولة‬
‫م‬
‫قو ْ َ‬ ‫الموسوية على بلد مصر بكمالها ‪ ،‬كما قال الله تعالى ‪ } :‬وَأ َوَْرث َْنا ال ْ َ‬
‫ة‬ ‫ت ك َل ِ َ‬
‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مَغارِب ََها ال ِّتي َباَرك َْنا ِفيَها وَت َ ّ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫شارِقَ الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫فو َ‬ ‫ضعَ ُ‬ ‫ست َ ْ‬‫كاُنوا ي ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن‬
‫صن َعُ فِْرعَوْ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫مْرَنا َ‬ ‫صب َُروا وَد َ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫سَنى عََلى ب َِني إ ِ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫ن { ]العراف ‪ [137 :‬وقال في الية الخرى ‪:‬‬ ‫شو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْرِ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫وَقَوْ ُ‬
‫َ‬ ‫ريم ٍ ك َذ َل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ها ب َِني‬ ‫ك وَأوَْرث َْنا َ‬ ‫قام ٍ ك َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَك ُُنوزٍ وَ َ‬ ‫ت وَعُُيو ٍ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جَناهُ ْ‬ ‫خَر ْ‬ ‫} فَأ ْ‬
‫ل { ]الشعراء ‪ (12) [59 - 57 :‬ولكن‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫إِ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بجسده سويا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬نحوه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬يرفعك على بشر"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬تذرعك"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬وأنه تعالى"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬الغافلون"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬يتعضون"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬صحيح البخاري برقم )‪.(4680‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪" :‬فالمبوأ"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬كم تركوا من جنات وعيون وزروع"‪.‬‬

‫) ‪(4/294‬‬

‫استمروا مع موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬طالبين إلى بلد بيت المقدس ]وهي بلد‬
‫الخليل عليه السلم فاستمر موسى بمن معه طالبا بيت المقدس[ )‪ (1‬وكان‬
‫فيه قوم من العمالقة ‪] ،‬فنكل بنو إسرائيل عن قتال العمالقة[ )‪ (2‬فشردهم‬
‫الله تعالى في التيه أربعين سنة ‪ ،‬ومات فيه )‪ (3‬هارون ‪ ،‬ثم ‪ ،‬موسى ‪،‬‬
‫عليهما السلم ‪ ،‬وخرجوا بعدهما مع يوشع بن نون ‪ ،‬ففتح الله عليهم بيت‬
‫المقدس ‪ ،‬واستقرت أيديهم عليها إلى أن أخذها منهم بختنصر حينا من الدهر‬
‫‪ ،‬ثم عادت إليهم ‪ ،‬ثم أخذها ملوك اليونان ‪ ،‬وكانت تحت أحكامهم )‪ (4‬مدة‬
‫طويلة ‪ ،‬وبعث الله عيسى ابن مريم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬في تلك المدة ‪،‬‬
‫فاستعانت اليهود ‪ -‬قبحهم )‪ (5‬الله ‪ -‬على معاداة عيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪،‬‬
‫بملوك اليونان ‪ ،‬وكانت تحت أحكامهم ‪ ،‬ووشوا عندهم ‪ ،‬وأوحوا إليهم أن هذا‬
‫شّبه لهم‬ ‫يفسد عليكم الرعايا فبعثوا )‪ (6‬من يقبض عليه ‪ ،‬فرفعه الله إليه ‪ ،‬و ُ‬
‫بعض الحواريين بمشيئة الله وقدره )‪ (7‬فأخذوه فصلبوه ‪ ،‬واعتقدوا أنه هو ‪،‬‬
‫ما { ]النساء ‪:‬‬ ‫كي ً‬
‫ح ِ‬
‫زيًزا َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ه عَ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ه إ ِل َي ْهِ وَ َ‬
‫ه الل ّ ُ‬
‫ل َرفَعَ ُ‬ ‫قيًنا ب َ ْ‬ ‫ما قَت َُلوه ُ ي َ ِ‬
‫} وَ َ‬
‫‪ [158 ، 157‬ثم بعد المسيح ‪ ،‬عليه السلم بنحو ]من[ )‪ (8‬ثلثمائة سنة ‪،‬‬
‫دخل قسطنطين أحد ملوك اليونان ‪ -‬في دين النصرانية ‪ ،‬وكان فيلسوفا قبل‬
‫ذلك‪ .‬فدخل في دين النصارى قيل ‪ :‬تقية ‪ ،‬وقيل ‪ :‬حيلة ليفسده ‪ ،‬فوضعت له‬
‫عا أحدثوها ‪ ،‬فبنى لهم الكنائس والبَيع‬ ‫الساقفة منهم قوانين وشريعة وبد ً‬
‫الكبار والصغار ‪ ،‬والصوامع والهياكل ‪ ،‬والمعابد ‪ ،‬والقليات‪ .‬وانتشر دين‬
‫النصرانية )‪ (9‬في ذلك الزمان ‪ ،‬واشتهر على ما فيه من تبديل وتغيير‬
‫وتحريف ‪ ،‬ووضع وكذب ‪ ،‬ومخالفة لدين المسيح‪ .‬ولم يبق على دين المسيح‬
‫على الحقيقة منهم إل القليل من الرهبان ‪ ،‬فاتخذوا لهم الصوامع في البراري‬
‫والمهامه والقفار ‪ ،‬واستحوذت يد ُ النصارى على مملكة الشام والجزيرة وبلد‬
‫مامة ‪ ،‬وبيت لحم ‪،‬‬ ‫ق َ‬
‫الروم ‪ ،‬وبنى هذا الملك المذكور مدينة قسطنطينية ‪ ،‬وال ُ‬
‫وران كُبصرى وغيرها من البلدان‬ ‫ح ْ‬‫وكنائس ]بلد[ )‪ (10‬بيت المقدس ‪ ،‬ومدن َ‬
‫بناءات هائلة محكمة ‪ ،‬وعبدوا الصليب من حينئذ ‪ ،‬وصلوا إلى الشرق ‪،‬‬
‫وصوروا الكنائس ‪ ،‬وأحلوا لحم الخنزير ‪ ،‬وغير ذلك مما أحدثوه من )‪(11‬‬
‫الفروع في دينهم والصول ‪ ،‬ووضعوا له المانة الحقيرة ‪ ،‬التي يسمونها‬
‫الكبيرة ‪ ،‬وصنفوا له القوانين ‪،‬‬
‫وبسط هذا يطول‪.‬‬
‫والغرض أن يدهم لم تزل على هذه البلد إلى أن انتزعها )‪ (12‬منهم الصحابة‬
‫‪ ،‬رضي الله عنهم ‪ ،‬وكان فتح بيت المقدس على يدي أمير المؤمنين عمر بن‬
‫الخطاب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬ولله الحمد والمنة‪.‬‬
‫ت { أي ‪ :‬الحلل ‪ ،‬من الرزق الطيب النافع‬ ‫ن الط ّي َّبا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وََرَزقَْناهُ ْ‬
‫المستطاب طبعا وشرعا‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬ما اختلفوا في شيء من‬ ‫م ال ْعِل ْ ُ‬
‫جاَءهُ ُ‬ ‫حّتى َ‬ ‫فوا َ‬ ‫خت َل َ ُ‬
‫ما ا ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَ َ‬
‫المسائل إل من بعد ما جاءهم العلم ‪ ،‬أي ‪ :‬ولم يكن لهم أن يختلفوا ‪ ،‬وقد‬
‫بين الله لهم وأزال عنهم اللبس‪ .‬وقد ورد في‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬في أثنائها"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬حكامهم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬لعنهم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬فعثوا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬وقدرته"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬النصارى"‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (11‬في أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪" :‬انتزعتها"‪.‬‬

‫) ‪(4/295‬‬

‫ك لَ َ‬ ‫ك َفا َ‬ ‫ما أ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬


‫قد ْ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬‫ب ِ‬ ‫ن ال ْك َِتا َ‬ ‫قَرُءو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫سأ ِ‬ ‫ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫ت ِفي َ‬ ‫ن ك ُن ْ َ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫ن ك َذ ُّبوا‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫ن )‪ (94‬وََل ت َ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫مت َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫ك فََل ت َ ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫جاَء َ‬ ‫َ‬
‫ك لَ‬ ‫ة َرب ّ َ‬ ‫م ُ‬‫م ك َل َِ‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫إ‬ ‫(‬‫‪95‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫ري‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫خا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫كو‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫يا‬
‫َ‬ ‫بآ َ‬
‫ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫م )‪(97‬‬ ‫لي‬
‫ِ‬ ‫ب اْل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫وا‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫تى‬ ‫ّ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫ل آَ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫جا‬‫َ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪96‬‬ ‫)‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫نو‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫يُ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫الحديث ‪ :‬أن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة ‪ ،‬وأن النصارى اختلفوا‬
‫على اثنتين وسبعين فرقة ‪ ،‬وستفترق هذه المة على ثلث وسبعين فرقة ‪،‬‬
‫منها واحدة في الجنة ‪ ،‬وثنتان وسبعون في النار‪ .‬قيل ‪ :‬من هم )‪ (1‬يا رسول‬
‫الله ؟ قال ‪" :‬ما أنا عليه وأصحابي"‪.‬‬
‫رواه الحاكم في مستدركه بهذا اللفظ ‪ ،‬وهو في السنن والمسانيد )‪ (2‬ولهذا‬
‫ة‬
‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫م { أي ‪ :‬يفصل بينهم } ي َوْ َ‬ ‫ضي ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫قال الله تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ن{‬ ‫فو َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬ ‫كاُنوا ِفيهِ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ِفي َ‬
‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما أنزلَنا إ ِلي ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ش ّ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن الك َِتا َ‬ ‫قَرُءو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫سأ ِ‬ ‫ك َفا ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ك ِ‬ ‫ت ِفي َ‬ ‫ن كن ْ َ‬ ‫} فَإ ِ ْ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪َ (94‬ول ت َكون َ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫مت َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ُ‬
‫ن َرب ّك َفل ت َكون َ ّ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫ْ‬
‫جاَءك ال َ‬ ‫َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫لَ َ‬
‫ك‬‫ة َرب ّ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ك َل ِ َ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ن )‪ (95‬إ ِ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬‫خا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ت الل ّهِ فَت َ ُ‬ ‫ك َذ ُّبوا ِبآَيا ِ‬
‫م )‪{ (97‬‬ ‫ب الِلي َ‬ ‫ذا َ‬ ‫حّتى ي ََرُوا ال ْعَ َ‬ ‫ل آي َةٍ َ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬ ‫ن )‪ (96‬وَل َوْ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ل ي ُؤْ ِ‬
‫عامة ‪ :‬بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ل‬ ‫قال قتادة بن دِ َ‬
‫أشك ول أسأل" )‪(3‬‬
‫وكذا قال ابن عباس ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬وهذا فيه تثبيت )‬
‫‪ (4‬للمة ‪ ،‬وإعلم لهم أن صفة نبيهم صلى الله عليه وسلم موجودة )‪ (5‬في‬
‫ن‬‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫الكتب المتقدمة التي بأيدي أهل الكتاب ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫ل { الية‬ ‫جي ِ‬ ‫م ِفي الت ّوَْراةِ َوالن ْ ِ‬ ‫عن ْد َهُ ْ‬ ‫مك ُْتوًبا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫دون َ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ذي ي َ ِ‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫سو َ‬ ‫الّر ُ‬
‫]العراف ‪ .[157 :‬ثم مع هذا العلم يعرفونه من كتبهم كما يعرفون أبناءهم ‪،‬‬
‫يلبسون ذلك ويحرفونه ويبدلونه ‪ ،‬ول يؤمنون به مع قيام الحجة عليهم ؛ ولهذا‬
‫ة‬
‫ل آي َ ٍ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬ ‫ن وَل َوْ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ك ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ة َرب ّ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ك َل ِ َ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫م { أي ‪ :‬ل يؤمنون إيمانا ينفعهم ‪ ،‬بل حين ل ينفع‬ ‫ب الِلي َ‬ ‫ذا َ‬‫حّتى ي ََرُوا ال ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫سا إيمانها ؛ ولهذا لما دعا موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬على فرعون وملئه قال ‪:‬‬ ‫نف ً‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب‬‫ذا َ‬ ‫حّتى ي ََرُوا العَ َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫م َفل ي ُؤْ ِ‬ ‫شد ُد ْ عَلى قُلوب ِهِ ْ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫س عَلى أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫} َرب َّنا اط ِ‬
‫ةَ‬
‫ملئ ِك َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ال َ‬ ‫م { ]يونس ‪ ، [88 :‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَلوْ أن َّنا نزلَنا إ ِلي ْهِ ُ‬ ‫الِلي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫شاَء‬ ‫ن يَ َ‬ ‫مُنوا ِإل أ ْ‬ ‫َ‬
‫ما كاُنوا ل ِي ُؤْ ِ‬ ‫يٍء قُبل َ‬ ‫ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫مك ّ‬ ‫ُ‬ ‫شْرَنا عَلي ْهِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫موَْتى وَ َ‬ ‫م ال َ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫وَك َل ّ َ‬
‫َ‬
‫ن { ]النعام ‪ [111 :‬ثم قال تعالى ‪:‬‬ ‫جهَُلو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫ه وَل َك ِ ّ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬من هو"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المستدرك )‪ (1/129‬من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ‪ ،‬وجاء من‬
‫حديث معاوية وأنس وعوف بن مالك قال العراقي ‪" :‬أسانيدها جياد"‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه عبد الرزاق في تفسيره )‪ (15/202‬عن معمر عن قتادة به مرسل‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬تتبيت"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬صلوات الله وسلمه عليه موجود"‪.‬‬
‫) ‪(4/296‬‬

‫َ‬ ‫كان َت قَري َ ٌ َ‬


‫م‬
‫فَنا عَن ْهُ ْ‬ ‫مُنوا ك َ َ‬
‫ش ْ‬ ‫س لَ ّ‬
‫ما آ َ‬ ‫مان َُها إ ِّل قَوْ َ‬
‫م ُيون ُ َ‬ ‫فعََها ِإي َ‬ ‫ت فَن َ َ‬
‫من َ ْ‬‫ةآ َ‬ ‫فَل َوَْل َ ْ ْ‬
‫ن )‪(98‬‬ ‫حي ٍ‬‫م إ َِلى ِ‬‫مت ّعَْناهُ ْ‬‫حَياةِ الد ّن َْيا وَ َ‬‫ي ِفي ال ْ َ‬ ‫ب ال ْ ِ‬
‫خْز ِ‬ ‫عَ َ‬
‫ذا َ‬

‫م‬
‫فَنا عَن ْهُ ْ‬ ‫مُنوا ك َ َ‬
‫ش ْ‬ ‫س لَ ّ‬
‫ما آ َ‬ ‫مان َُها ِإل قَوْ َ‬
‫م ُيون ُ َ‬ ‫فعََها ِإي َ‬ ‫ت فَن َ َ‬‫من َ ْ‬
‫ةآ َ‬ ‫قَْري َ ٌ‬ ‫ت‬ ‫ول َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫} فَل َ ْ‬
‫ن )‪{ (98‬‬ ‫حي ٍ‬‫م إ َِلى ِ‬‫مت ّعَْناهُ ْ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا وَ َ‬‫ِفي ال ْ َ‬ ‫ي‬
‫خْز ِ‬ ‫ب ال ْ ِ‬‫ذا َ‬ ‫عَ َ‬

‫) ‪(4/296‬‬

‫يقول تعالى ‪ :‬فهل كانت قرية آمنت بكمالها من المم السالفة الذين بعثنا‬
‫إليهم الرسل ‪ ،‬بل ما أرسلنا من قبلك يا محمد من رسول إل كذبه قومه ‪ ،‬أو‬
‫ْ‬
‫كاُنوا‬‫ل ِإل َ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ي َأِتيهِ ْ‬ ‫سَرةً عََلى ال ْعَِباد ِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫أكثرهم كما قال تعالى ‪َ } :‬يا َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ِإل‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬
‫ما أَتى ال ِ‬ ‫ن { ] يس ‪ } ، [30 :‬كذ َل ِك َ‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫ب ِهِ ي َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن قب ْل ِك ِفي‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫سلَنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]الذاريات ‪ } ، [52 :‬وَكذ َل ِك َ‬ ‫جُنو ٌ‬ ‫م ْ‬
‫حٌر أوْ َ‬ ‫سا ِ‬ ‫َقاُلوا َ‬
‫ُ‬
‫مةٍ وَإ ِّنا عََلى آَثارِهِ ْ‬
‫م‬ ‫جد َْنا آَباَءَنا عََلى أ ّ‬ ‫ها إ ِّنا وَ َ‬ ‫مت َْرُفو َ‬
‫ل ُ‬ ‫ذيرٍ ِإل َقا َ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قَْري َةٍ ِ‬
‫ن { ]الزخرف ‪ (2) (1) [23 :‬وفي الحديث الصحيح ‪" :‬عرض علي‬ ‫دو َ‬ ‫قت َ ُ‬‫م ْ‬
‫ُ‬
‫النبياء ‪ ،‬فجعل النبي يمر ومعه الفئام من الناس ‪ ،‬والنبي معه الرجل والنبي‬
‫معه الرجلن ‪ ،‬والنبي ليس معه أحد" )‪ (3‬ثم ذكر كثرة أتباع موسى ‪ ،‬عليه‬
‫السلم ‪ ،‬ثم ذكر كثرة أمته ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ ،‬كثرة سدت‬
‫الخافقين الشرقي )‪ (4‬والغربي‪.‬‬
‫والغرض أنه لم توجد )‪ (5‬قرية آمنت بكمالها بنبيهم ممن سلف من القرى ‪،‬‬
‫إل قوم يونس ‪ ،‬وهم أهل ِنيَنوى ‪ ،‬وما كان إيمانهم إل خوفا من وصول‬
‫العذاب الذي أنذرهم به رسولهم ‪ ،‬بعد ما عاينوا أسبابه ‪ ،‬وخرج رسولهم من‬
‫بين أظهرهم ‪ ،‬فعندها جأروا إلى الله واستغاثوا به ‪ ،‬وتضرعوا )‪ (6‬لديه‪.‬‬
‫واستكانوا وأحضروا أطفالهم ودوابهم ومواشيهم ‪ ،‬وسألوا الله تعالى أن يرفع‬
‫عنهم العذاب الذي أنذرهم به نبيهم‪ .‬فعندها رحمهم الله ‪ ،‬وكشف عنهم‬
‫م‬ ‫فَنا عَن ْهُ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫مُنوا ك َ َ‬ ‫ما آ َ‬ ‫س لَ ّ‬ ‫م ُيون ُ َ‬ ‫العذاب وأخروا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ِ } :‬إل قَوْ َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫حي ٍ‬ ‫م إ َِلى ِ‬ ‫مت ّعَْناهُ ْ‬‫حَياةِ الد ّن َْيا وَ َ‬ ‫ي ِفي ال ْ َ‬ ‫خْز ِ‬ ‫ب ال ْ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫عَ َ‬
‫واختلف المفسرون ‪ :‬هل كشف عنهم العذاب الخروي مع الدنيوي ؟ أو إنما‬ ‫ُ‬
‫كشف عنهم في الدنيا فقط ؟ على قولين ‪ ،‬أحدهما ‪ :‬إنما كان ذلك في‬
‫الحياة الدنيا ‪ ،‬كما هو مقيد في هذه الية‪ .‬والقول الثاني فيهما لقوله تعالى ‪:‬‬
‫م إ َِلى ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]الصافات ‪:‬‬ ‫حي ٍ‬ ‫مت ّعَْناهُ ْ‬ ‫مُنوا فَ َ‬ ‫ن َفآ َ‬‫دو َ‬ ‫زي ُ‬ ‫ف أوْ ي َ ِ‬ ‫مائ َةِ أل ْ ٍ‬‫سل َْناه ُ إ َِلى ِ‬ ‫} وَأْر َ‬
‫‪ [148 ، 147‬فأطلق عليهم اليمان ‪ ،‬واليمان منقذ من العذاب الخروي ‪،‬‬
‫وهذا هو الظاهر ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫قال قتادة في تفسير هذه الية ‪ :‬لم ينفع قرية كفرت ثم آمنت حين حضرها‬
‫العذاب ‪ ،‬فتركت ‪ ،‬إل قوم يونس ‪ ،‬لما فقدوا نبيهم وظنوا أن العذاب قد دنا‬
‫منهم ‪ ،‬قذف الله في قلوبهم التوبة ‪ ،‬ولبسوا المسوح ‪ ،‬وفَّرقوا بين كل بهيمة‬
‫جوا إلى الله أربعين ليلة‪ .‬فلما عرف الله منهم الصدق من‬ ‫وولدها ثم عَ ّ‬
‫قلوبهم ‪ ،‬والتوبة والندامة على ما مضى منهم كشف الله عنهم العذاب بعد‬
‫أن تدلى عليهم ‪ -‬قال قتادة ‪ :‬وذكر أن قوم يونس كانوا بنينوى أرض‬
‫الموصل‪.‬‬
‫وكذا روي عن ابن مسعود ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وغير واحد من‬
‫ت"‪.‬‬
‫من َ ْ‬ ‫ت قَْري َ ٌ‬
‫ةآ َ‬ ‫السلف ‪ ،‬وكان ابن مسعود يقرؤها ‪" :‬فََهل َ‬
‫كان َ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وما أرسلنا في قرية من نبي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬مهتدون" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (5752‬ومسلم في صحيحه برقم )‬
‫‪ (220‬من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬والشرقي"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬يوجد"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وضرعوا"‪.‬‬

‫) ‪(4/297‬‬

‫َ َ‬ ‫َْ‬
‫حّتى ي َ ُ‬
‫كوُنوا‬ ‫س َ‬ ‫ت ت ُك ْرِهُ الّنا َ‬ ‫ميًعا أفَأن ْ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫ض ك ُل ّهُ ْ‬ ‫ن ِفي ال ْ َر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م َ‬‫ك َل َ َ‬ ‫شاَء َرب ّ َ‬ ‫وَل َوْ َ‬
‫س عََلى‬ ‫ج َ‬ ‫ل الّر ْ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫ن الل ّهِ وَي َ ْ‬ ‫ن إ ِّل ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ت ُؤْ ِ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ن ل ِن َ ْ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫ن )‪ (99‬وَ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ما ت ُغِْني‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ماَذا ِفي ال ّ‬ ‫ل ان ْظُروا َ‬ ‫ن )‪ (100‬ق ِ‬ ‫قلو َ‬ ‫ن ل ي َعْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ِ‬
‫ل ِأ َ‬
‫ن‬ ‫ذي‬‫ّ‬
‫ّ ِ ِ َ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫يا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫إ‬ ‫ن‬
‫َ ََْ ُِ َ ِ ِ‬ ‫رو‬ ‫ظ‬ ‫ت‬‫ن‬ ‫ي‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬ ‫‪101‬‬ ‫)‬ ‫اْل َ َ ُ َ ّ ُ َ ْ ْ ٍ ُ ِ ُ َ‬
‫ن‬ ‫نو‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫ن‬ ‫وال‬ ‫ت‬ ‫يا‬
‫جي‬ ‫م ن ُن َ ّ‬ ‫ن )‪ (102‬ث ُ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫من ْت َظ ِ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬‫معَك ُ ْ‬ ‫ل َفان ْت َظ ُِروا إ ِّني َ‬ ‫م قُ ْ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(103‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫قا عَل َي َْنا ن ُن ِْج ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬
‫ك َ‬ ‫مُنوا ك َذ َل ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سل ََنا َوال ّ ِ‬ ‫ُر ُ‬

‫جْلد قال ‪ :‬لما نزل بهم )‪ (1‬العذاب ‪ ،‬جعل يدور‬ ‫وقال أبو عمران ‪ ،‬عن أبي ال َ‬
‫على رءوسهم كقطع الليل المظلم ‪ ،‬فمشوا إلى رجل من علمائهم فقالوا ‪:‬‬
‫علمنا دعاء ندعوا به ‪ ،‬لعل الله يكشف )‪ (2‬عنا العذاب ‪ ،‬فقال ‪ :‬قولوا ‪ :‬يا‬
‫ي ‪ ،‬يا محيي الموتى )‪ (3‬ل إله إل أنت‪ .‬قال ‪ :‬فكشف عنهم‬ ‫ي حين ل ح ّ‬ ‫ح ّ‬
‫العذاب‪.‬‬
‫وتمام القصة سيأتي مفصل في سورة الصافات إن شاء الله‪.‬‬
‫َ َ‬
‫حّتى‬ ‫س َ‬ ‫ت ت ُك ْرِهُ الّنا َ‬ ‫ميًعا أفَأن ْ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫ض ك ُل ّهُ ْ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م َ‬ ‫كل َ‬ ‫شاَء َرب ّ َ‬ ‫} وَل َوْ َ‬
‫َ‬
‫س‬
‫ج َ‬ ‫ل الّر ْ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫ن الل ّهِ وَي َ ْ‬ ‫ن ِإل ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ت ُؤْ ِ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ن ل ِن َ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن )‪ (99‬وَ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫كوُنوا ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫ن )‪{ (100‬‬ ‫قلو َ‬ ‫ُ‬ ‫ن ل ي َعْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫عَلى ال ِ‬ ‫َ‬
‫ك { ‪ -‬يا محمد ‪ -‬لذن لهل الرض كلهم في‬ ‫شاَء َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى ‪ } :‬وَلوْ َ‬
‫اليمان بما جئتهم به ‪ ،‬فآمنوا كلهم ‪ ،‬ولكن له حكمة فيما يفعله تعالى كما‬ ‫ّ‬
‫ُ‬
‫ن ِإل‬ ‫في َ‬ ‫خت َل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫حد َة ً َول ي ََزاُلو َ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬ ‫سأ ّ‬ ‫ل الّنا َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫شاَء َرب ّ َ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬وَل َوْ َ‬
‫س‬
‫جن ّةِ َوالّنا َ ِ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مل ّ‬ ‫كل ْ‬ ‫ة َرب ّ َ‬ ‫م ُ‬‫ت ك َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَت َ ّ‬ ‫قهُ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ك وَل ِذ َل ِ َ‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬
‫س ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫م ي َي ْأ‬ ‫ن { ]هود ‪ ، [119 ، 118 :‬وقال تعالى ‪ } :‬أفَل ْ‬ ‫َ‬ ‫مِعي‬‫ج َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ َ‬
‫ميًعا { ]الرعد ‪ [31 :‬؛ ولهذا قال تعالى ‪ } :‬أفَأن ْ َ‬
‫ت‬ ‫ج ِ‬ ‫س َ‬ ‫دى الّنا َ‬ ‫ه ل َهَ َ‬ ‫شاُء الل ّ ُ‬ ‫ل َوْ ي َ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ليس ذلك‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫كوُنوا ُ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫س { أي ‪ :‬تلزمهم وتلجئهم } َ‬ ‫ت ُك ْرِهُ الّنا َ‬
‫شاُء َفل‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫شاُء وَي َهْ ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫عليك ول إليك ‪ ،‬بل ]إلى[ )‪ (4‬الله } ي ُ ِ‬
‫ن الل َّ‬
‫ه‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬
‫ُ َ ُ ْ َ ِ ّ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫دا‬ ‫ه‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬
‫ْ َ َ ْ‬ ‫ع‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬ ‫‪8‬‬ ‫ت { ]فاطر ‪:‬‬ ‫سَرا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫ك عَل َي ْهِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ب نَ ْ‬ ‫ت َذ ْهَ ْ‬
‫ك أل ي َ ُ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫شاُء { ]البقرة ‪ } ، [272 :‬ل َعَل ّ َ‬
‫ن{‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫كوُنوا ُ‬ ‫ف َ‬ ‫خع ٌ ن َ ْ‬ ‫ك َبا ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ي َهْ ِ‬
‫ما عَل َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫]الشعراء ‪ } ، [3 :‬إ ِن ّ َ‬
‫ك‬ ‫ت { ]القصص ‪ } ، [56 :‬فَإ ِن ّ َ‬ ‫حب َب ْ َ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫دي َ‬ ‫ك ل ت َهْ ِ‬
‫َ‬
‫م‬‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫مذ َك ٌّر ل َ ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫ب { ]الرعد ‪ } ، [40 :‬فَذ َك ّْر إ ِن ّ َ‬ ‫سا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ال َْبلغ ُ وَعَل َي َْنا ال ْ ِ‬
‫مصي ْط ِرٍ { ]الغاشية ‪ [22 ، 21 :‬إلى غير ذلك من اليات الدالة على أن الله‬ ‫بِ ُ‬
‫تعالى هو الفعال لما يريد ‪ ،‬الهادي من يشاء ‪ ،‬المضل لمن يشاء ‪ ،‬لعلمه‬
‫َ‬
‫ل‬‫جعَ ُ‬‫ن الل ّهِ وَي َ ْ‬ ‫ن ِإل ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ت ُؤْ ِ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ن ل ِن َ ْ‬‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫وحكمته وعدله ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫قلو َ‬ ‫ُ‬ ‫ن ل ي َعْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫س { )‪ (5‬وهو الخبال )‪ (6‬والضلل ‪ } ،‬عَلى ال ِ‬ ‫ج َ‬ ‫الّر ْ‬
‫ج الله وأدلته ‪ ،‬وهو العادل في كل ذلك ‪ ،‬في هداية من هدى ‪ ،‬وإضلل‬ ‫حج َ‬
‫من ضل‪.‬‬
‫ن قَوْم ٍ ل‬ ‫ت َوالن ّذ ُُر عَ ْ‬ ‫ما ت ُغِْني الَيا ُ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر َ ِ‬ ‫ماَوا ِ‬
‫س َ‬‫ماَذا ِفي ال ّ‬ ‫ل ان ْظ ُُروا َ‬ ‫} قُ ِ‬
‫ل َفان ْت َظ ُِروا‬ ‫م قُ ْ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل أّيام ِ ال ّ ِ‬ ‫مث ْ َ‬‫ن ِإل ِ‬ ‫ن )‪ (101‬فَهَ ْ‬
‫ل ي َن ْت َظ ُِرو َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫قا‬‫ح ّ‬‫ك َ‬ ‫مُنوا ك َذ َل ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫سلَنا َوال ِ‬ ‫َ‬ ‫جي ُر ُ‬ ‫م ن ُن َ ّ‬‫ن )‪ (102‬ث ُ ّ‬ ‫ري َ‬
‫من ْت َظ ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬‫معَك ُ ْ‬ ‫إ ِّني َ‬
‫ن )‪{ (103‬‬ ‫مِني َ‬ ‫عَل َي َْنا ن ُن ِْج ال ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬لما نزل بقوم يونس"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬أن يكشف"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬يا محيي الموتى يا حي"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬يؤمن"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬الجبال"‪.‬‬

‫) ‪(4/298‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ن ُدو ِ‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬‫دو َ‬ ‫ن ت َعْب ُ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ن ِديِني فََل أعْب ُد ُ ال ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫س إِ ْ‬ ‫ل َيا أي َّها الّنا ُ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ن )‪ (104‬وَأ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫نأ ُ‬ ‫تأ ْ‬ ‫مْر ُ‬ ‫م وَأ ِ‬ ‫ذي ي َت َوَّفاك ُ ْ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ن أعْب ُد ُ الل ّ َ‬ ‫الل ّهِ وَل َك ِ ْ‬
‫ن اللهِّ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫فا وَل ت َ ُ‬ ‫جهَ َ‬ ‫َ‬
‫ن ُدو ِ‬‫م ْ‬‫ن )‪ (105‬وَل ت َد ْع ُ ِ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫حِني ً‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ك ِلل ّ‬ ‫م وَ ْ‬ ‫أقِ ْ‬
‫ن )‪(106‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫ك إ ًِذا ِ‬ ‫ت فَإ ِن ّ َ‬ ‫ن فَعَل ْ َ‬ ‫ك فَإ ِ ْ‬ ‫ضّر َ‬ ‫ك وََل ي َ ُ‬ ‫فعُ َ‬ ‫ما َل ي َن ْ َ‬ ‫َ‬

‫يرشد ُ تعالى عباده إلى التفكر في آلئه )‪ (1‬وما خلق في السموات والرض‬
‫من اليات الباهرة لذوي اللباب ‪ ،‬مما في السموات )‪ (2‬من كواكب نيرات ‪،‬‬
‫ثوابت وسيارات ‪ ،‬والشمس والقمر ‪ ،‬والليل والنهار ‪ ،‬واختلفهما ‪ ،‬وإيلج‬
‫أحدهما في الخر ‪ ،‬حتى يطول هذا ويقصر هذا ‪ ،‬ثم يقصر هذا ويطول هذا ‪،‬‬
‫وارتفاع السماء واتساعها ‪ ،‬وحسنها وزينتها ‪ ،‬وما أنزل الله منها من مطر‬
‫فأحيا به الرض بعد موتها ‪ ،‬وأخرج فيها من أفانين الثمار والزروع والزاهير ‪،‬‬
‫ب مختلفة الشكال واللوان والمنافع ‪،‬‬ ‫وصنوف النبات ‪ ،‬وما ذرأ فيها من دوا ّ‬
‫وما فيها من جبال وسهول )‪ (3‬وقفار وعمران وخراب‪ .‬وما في البحر من‬
‫العجائب والمواج ‪ ،‬وهو مع هذا ]مسخر[ )‪ (4‬مذلل للسالكين ‪ ،‬يحمل سفنهم‬
‫‪ ،‬ويجري بها برفق بتسخير القدير له ‪ ،‬ل إله إل هو ‪ ،‬ول رب سواه‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬وأي شيء ُتجدي‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن قَوْم ٍ ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ت َوالن ّذ ُُر عَ ْ‬ ‫ما ت ُغِْني الَيا ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫اليات السماوية والرضية ‪ ،‬والرسل بآياتها وحججها وبراهينها الدالة على‬
‫َ‬
‫ة َرب ّك ل‬ ‫م ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬
‫م ك َل ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫صدقها ‪ ،‬عن قوم ل يؤمنون ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫م { ]يونس ‪.[69 ، 96 :‬‬ ‫ب الِلي َ‬ ‫ذا َ‬ ‫حّتى ي ََرُوا ال ْعَ َ‬ ‫ل آي َةٍ َ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬ ‫ن وَل َوْ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫م { أي ‪ :‬فهل‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫يا‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫إل‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫ظ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقوله‬
‫ّ ِ ِ َ َ ْ ِ ْ ِِْ ْ‬ ‫َ ََْ ُِ َ ِ ِ‬
‫ينتظر هؤلء المكذبون لك يا محمد من النقمة والعذاب إل مثل أيام الله في‬
‫م‬‫معَك ُ ْ‬‫ل َفان ْت َظ ُِروا إ ِّني َ‬ ‫الذين خلوا من قبلهم من المم المكذبة لرسلهم ‪ } ،‬قُ ْ‬
‫مُنوا { )‪ (5‬أي ‪ :‬ونهلك المكذبين‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سل ََنا َوال ّ ِ‬ ‫جي ُر ُ‬ ‫م ن ُن َ ّ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫من ْت َظ ِ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬‫ِ‬
‫ن { ]أي[ )‪ (6‬حقا ‪ :‬أوجبه تعالى‬ ‫َ‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫قا‬‫ّ‬ ‫ح‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫بالرسل‬
‫ِ‬
‫ة { ]النعام ‪ [12 :‬كما‬ ‫م َ‬ ‫ح‬
‫ْ‬
‫ّ َ‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫}‬ ‫كقوله‬ ‫‪:‬‬ ‫على نفسه الكريمة‬
‫جاء في الصحيحين ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إن الله‬
‫كتب كتابا فهو عنده فوق العرش ‪ :‬إن رحمتي سبقت )‪ (7‬غضبي" )‪(8‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ن ت َعْب ُ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ن ِديِني َفل أعْب ُد ُ ال ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫س إِ ْ‬ ‫ل َيا أي َّها الّنا ُ‬ ‫} قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(104‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫نأ ُ‬ ‫تأ ْ‬ ‫مْر ُ‬ ‫م وَأ ِ‬ ‫ذي ي َت َوَّفاك ُ ْ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ن أعْب ُد ُ الل ّ َ‬ ‫ن الل ّهِ وَل َك ِ ْ‬ ‫ُدو ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ن ُدو ِ‬‫م ْ‬‫ن )‪َ (105‬ول ت َد ْع ُ ِ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫فا َول ت َ ُ‬ ‫حِني ً‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬‫ك ِلل ّ‬ ‫جهَ َ‬ ‫م وَ ْ‬ ‫ن أقِ ْ‬ ‫وَأ ْ‬
‫ن )‪{ (106‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫ك إ ًِذا ِ‬ ‫ت فَإ ِن ّ َ‬ ‫ن فَعَل ْ َ‬ ‫ك فَإ ِ ْ‬ ‫ضّر َ‬ ‫ك َول ي َ ُ‬ ‫فعُ َ‬ ‫ما ل ي َن ْ َ‬ ‫الل ّهِ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬إلى التفكر في الية لياته"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬السماء"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬وهول"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬فإنى"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تغلب"‪.‬‬
‫)‪ (8‬صحيح البخاري برقم )‪ (7554‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2751‬من حديث‬
‫أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬

‫) ‪(4/299‬‬

‫ه‬
‫ضل ِ ِ‬ ‫خي ْرٍ فََل َراد ّ ل ِ َ‬
‫ف ْ‬ ‫ن ي ُرِد ْ َ‬
‫ك بِ َ‬ ‫ه إ ِّل هُوَ وَإ ِ ْ‬
‫ف لَ ُ‬
‫ش َ‬ ‫فََل َ‬
‫كا ِ‬ ‫ضّر‬ ‫ك الل ّ ُ‬
‫ه بِ ُ‬ ‫س َ‬ ‫س ْ‬
‫م َ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫وَإ ِ ْ‬
‫م )‪(107‬‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫ْ‬
‫عَبادِهِ وَهُوَ الغَ ُ‬
‫ِ‬ ‫ن‬‫م ْ‬‫شاُء ِ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬
‫ب ب ِهِ َ‬‫صي ُ‬ ‫يُ ِ‬

‫ضل ِهِ‬ ‫خي ْرٍ َفل َراد ّ ل ِ َ‬


‫ف ْ‬ ‫ن ي ُرِد ْ َ‬
‫ك بِ َ‬ ‫ف لَ ُ‬
‫ه ِإل هُوَ وَإ ِ ْ‬ ‫ش َ‬
‫كا ِ‬‫ضّر َفل َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬
‫ه بِ ُ‬ ‫س َ‬
‫س ْ‬‫م َ‬‫ن يَ ْ‬‫} وَإ ِ ْ‬
‫م )‪{ (107‬‬ ‫حي ُ‬‫فوُر الّر ِ‬ ‫ْ‬
‫عَبادِهِ وَهُوَ الغَ ُ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن ي َشاُء ِ‬ ‫م ْ‬‫ب ب ِهِ َ‬‫صي ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫يقول تعالى لرسوله محمد ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ :‬قل ‪ :‬يا أيها الناس ‪،‬‬
‫إن كنتم في شك من‬

‫) ‪(4/299‬‬

‫َ‬
‫سهِ‬‫ف ِ‬ ‫دي ل ِن َ ْ‬ ‫دى فَإ ِن ّ َ‬
‫ما ي َهْت َ ِ‬ ‫ن اهْت َ َ‬
‫م ِ‬‫م فَ َ‬‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬‫حق ّ ِ‬‫م ال ْ َ‬
‫جاَءك ُ ُ‬ ‫س قَد ْ َ‬‫ل َيا أي َّها الّنا ُ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫حى إ ِلي ْ َ‬ ‫ما ُيو َ‬ ‫ل )‪َ (108‬وات ّب ِعْ َ‬ ‫كي ٍ‬
‫م ب ِوَ ِ‬‫ما أَنا عَلي ْك ُ ْ‬ ‫ل عَلي َْها وَ َ‬ ‫ض ّ‬
‫ما ي َ ِ‬‫ل فَإ ِن ّ َ‬
‫ض ّ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(109‬‬ ‫مي َ‬ ‫حاك ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫خي ُْر ال َ‬‫ه وَهُوَ َ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫ُ‬
‫حك َ‬ ‫حّتى ي َ ْ‬ ‫صب ِْر َ‬‫َوا ْ‬

‫صحة ما جئتكم من الدين الحنيف ‪ ،‬الذي أوحاه الله إلي ‪ ،‬فها أنا ل أعبد‬
‫الذين تعبدون من دون الله ‪ ،‬ولكن أعبد الله وحده ل شريك له ‪ ،‬وهو الذي‬
‫يتوفاكم كما أحياكم ‪ ،‬ثم إليه مرجعكم ؛ فإن كانت آلهتكم التي تدعون من‬
‫دون الله )‪ (1‬حقا ‪ ،‬فأنا ل أعبدها )‪ (2‬فادعوها فلتضرني ‪ ،‬فإنها ل تضر ول‬
‫تنفع ‪ ،‬وإنما الذي بيده الضر والنفع هو الله وحده ل شريك له ‪ ،‬وأمرت أن‬
‫أكون من المؤمنين‪.‬‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وأ َ َ‬
‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫ن ال ُ‬
‫م َ‬
‫ن ِ‬
‫فا َول ت َكون َ ّ‬
‫حِني ً‬
‫ن َ‬
‫دي ِ‬
‫جهَك ِلل ّ‬
‫م وَ ْ‬‫ن أقِ ْ‬‫َ ْ‬
‫أخلص العبادة لله وحده حنيفا ‪ ،‬أي ‪ :‬منحرفا عن الشرك ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬ول‬
‫ن‬
‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫ن أَ ُ‬
‫كو َ‬
‫َ‬
‫تأ ْ‬ ‫مْر ُ‬
‫ُ‬
‫ن { وهو معطوف على قوله ‪ } :‬وَأ ِ‬ ‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬‫تَ ُ‬
‫ن{‬ ‫مِني َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫ضّر { إلى آخرها ‪ ،‬بيان لن الخير والشر‬ ‫ه بِ ُ‬ ‫ك الل ّ ُ‬‫س َ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن يَ ْ‬‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫والنفع والضر إنما هو راجع إلى الله تعالى وحده ل يشاركه )‪ (3‬في ذلك‬
‫أحد ‪ ،‬فهو الذي يستحق العبادة وحده ‪ ،‬ل شريك له‪.‬‬
‫روى الحافظ ابن عساكر ‪ ،‬في ترجمة صفوان بن سليم ‪ ،‬من طريق عبد الله‬
‫بن وهب ‪ :‬أخبرني يحيى بن أيوب عن عيسى بن موسى ‪ ،‬عن صفوان بن‬
‫سليم ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"اطلبوا الخير دهركم كله ‪ ،‬وتعرضوا لنفحات رحمة الله ‪ ،‬فإن لله نفحات من‬
‫رحمته ‪ ،‬يصيب بها من يشاء من عباده واسألوه أن يستر عوراتكم ‪ ،‬ويؤمن‬
‫روعاتكم" )‪(4‬‬
‫ثم رواه من طريق الليث ‪ ،‬عن عيسى بن موسى ‪ ،‬عن صفوان ‪ ،‬عن رجل‬
‫من أشجع ‪ ،‬عن أبي هريرة مرفوعا ؛ بمثله سواء )‪(5‬‬
‫ي‬
‫م { أي ‪ :‬لمن تاب إليه وتوكل عليه ‪ ،‬ولو من أ ّ‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَهُوَ ال ْغَ ُ‬
‫ذنب كان ‪ ،‬حتى من الشرك به ‪ ،‬فإنه يتوب عليه‪.‬‬
‫َ‬
‫ه‬
‫س ِ‬‫ف ِ‬‫دي ل ِن َ ْ‬‫ما ي َهْت َ ِ‬ ‫َ‬
‫دى فإ ِن ّ َ‬ ‫ن اهْت َ َ‬
‫م ِ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬
‫م فَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫جاَءك ُ ُ‬ ‫س قَد ْ َ‬ ‫ل َيا أي َّها الّنا ُ‬ ‫} قُ ْ‬
‫حى إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ما ُيو َ‬ ‫ل )‪َ (108‬وات ّب ِعْ َ‬ ‫كي ٍ‬
‫م ب ِوَ ِ‬ ‫ما أَنا عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ل عَل َي َْها وَ َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ما ي َ ِ‬ ‫ل فَإ ِن ّ َ‬ ‫ض ّ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫وَ َ‬
‫ن )‪{ (109‬‬ ‫مي َ‬ ‫حاك ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫خي ُْر ال َ‬ ‫ه وَهُوَ َ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫ُ‬
‫حك َ‬ ‫حّتى ي َ ْ‬ ‫صب ِْر َ‬‫َوا ْ‬
‫يقول تعالى آمرا لرسوله ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ ،‬أن يخبر الناس أن‬
‫الذي جاءهم به من عند‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬من دون الله من شيء حقا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬أعبد"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" ،‬ل يشركه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬تاريخ دمشق )‪" (8/328‬المخطوط"( ورواه البيهقي في شعب اليمان‬
‫برقم )‪ (1121‬من طريق عبد الله بن وهب به ‪ ،‬ورواه ابن عبد البر في‬
‫التمهيد )‪ (5/339‬والبيهقي في شعب اليمان برقم )‪ (1122‬من طريق عمرو‬
‫بن الربيع بن طاق عن يحيى بن أيوب به نحوه ورمز له السيوطي بالضعف‬
‫في الجامع‪.‬‬
‫)‪ (5‬تاريخ دمشق )‪" 8/328‬المخطوط"( ورواه ابن أبي الدنيا في الفرج بعد‬
‫الشدة برقم )‪ (27‬من طريق رويم بن يزيد عن الليث به مرفوعا ‪ ،‬ورواه‬
‫البيهقي في شعب اليمان برقم )‪ (1123‬من طريق يحيى بن بكير عن الليث‬
‫به مرفوعا‪ .‬وقال البيهقي ‪" :‬هذا هو المحفوظ دون الول" والول حديث‬
‫أنس‪.‬‬

‫) ‪(4/300‬‬

‫الله هو الحق الذي ل مرية فيه ول شك ‪ ،‬فمن اهتدى به واتبعه فإنما يعود‬
‫نفع ذلك التباع على نفسه ‪] ،‬ومن ضل عنه )‪ (1‬فإنما يرجع وبال ذلك عليه )‬
‫‪(3) [ (2‬‬
‫ل { أي ‪ :‬وما أنا موكل بكم حتى تكونوا مؤمنين به ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كي ٍ‬‫م ب ِوَ ِ‬
‫ما أَنا عَلي ْك ْ‬
‫} وَ َ‬
‫وإنما أنا نذير لكم ‪ ،‬والهداية على الله تعالى‪.‬‬
‫صب ِْر { أي ‪ :‬تمسك بما أنزل الله عليك‬ ‫ك َوا ْ‬ ‫حى إ ِل َي ْ َ‬
‫ما ُيو َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وات ّب ِعْ َ‬
‫ه{‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫ُ‬
‫حك َ‬‫حّتى ي َ ْ‬
‫وأوحاه )‪ (4‬واصبر على مخالفة من خالفك من الناس ‪َ } ،‬‬
‫ن { أي ‪ :‬خير الفاتحين بعدله )‪(5‬‬ ‫مي َ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬
‫حاك ِ ِ‬ ‫أي ‪ :‬يفتح بينك وبينهم ‪ } ،‬وَهُوَ َ‬
‫وحكمته‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬عن ذلك"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬على نفسه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وأوحاه إليك"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لعدله"‪.‬‬

‫) ‪(4/301‬‬

‫تفسير سورة هود‬


‫]وهي مكية[ )‪.(1‬‬
‫قال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا خلف بن هشام البزار ‪ ،‬حدثنا أبو الحوص ‪ ،‬عن‬
‫رمة قال ‪ :‬قال أبو بكر ‪ :‬سألت رسول الله صلى الله‬ ‫عك ْ ِ‬‫أبي إسحاق ‪ ،‬عن ِ‬
‫شّيبك ؟ قال ‪ " :‬شيبتني هود ‪ ،‬والواقعة ‪ ،‬وعم يتساءلون ‪،‬‬ ‫عليه وسلم ‪ :‬ما َ‬
‫وإذا الشمس كورت " )‪.(2‬‬
‫وقال أبو عيسى الترمذي ‪ :‬حدثنا أبو ك َُرْيب محمد بن العلء ‪ ،‬حدثنا معاوية بن‬
‫هشام ‪ ،‬عن شيبان ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪:‬‬
‫قال أبو بكر ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬قد شبت ؟ قال ‪ " :‬شيبتني هود ‪ ،‬والواقعة ‪،‬‬
‫والمرسلت ‪ ،‬وعم يتساءلون ‪ ،‬وإذا الشمس كورت " )‪ (3‬وفي رواية ‪ " :‬هود‬
‫وأخواتها "‪.‬‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا عبدان بن أحمد ‪ ،‬حدثنا حماد )‪ (4‬بن الحسن ‪ ،‬حدثنا‬
‫سعيد بن سلم ‪ ،‬حدثنا عمر بن محمد ‪ ،‬عن أبي حازم ‪ ،‬عن سهل بن سعد‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬شيبتني هود وأخواتها ‪:‬‬
‫الواقعة ‪ ،‬والحاقة ‪ ،‬وإذا الشمس كورت " وفي رواية ‪ " :‬هود وأخواتها " )‪.(5‬‬
‫وقد روي من حديث ابن مسعود ‪ ،‬فقال الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد‬
‫الطبراني في معجمه الكبير ‪ :‬حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا‬
‫أحمد بن طارق الرائشي )‪ ، (6‬حدثنا عمرو بن ثابت ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن‬
‫عبد الله بن مسعود ‪ ،‬رضي الله عنه ؛ أن أبا بكر قال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ما‬
‫شيبك ؟ قال ‪ " :‬هود ‪ ،‬والواقعة " )‪.(7‬‬
‫عمرو بن ثابت متروك ‪ ،‬وأبو إسحاق لم يدرك ابن مسعود‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬مسند أبي يعلى )‪ (1/102‬وهو منقطع وقد تكلم عليه والذي بعده ‪،‬‬
‫الحافظ الدارقطني في العلل )‪ (211 - 3/193‬بما يكفي‪.‬‬
‫)‪ (3‬سنن الترمذي برقم )‪ (3297‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن غريب ل‬
‫نعرفه من حديث ابن عباس إل من هذا الوجه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬جميع النسخ ‪" :‬حجاج" والتصويب من المعجم الكبير‪.‬‬
‫)‪ (5‬المعجم الكبير )‪ (6/183‬ورواه الدارقطني في العلل )‪ (1/210‬من‬
‫طريق أحمد بن طارق به ‪ ،‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (3/192‬عمر بن‬
‫صهبان متروك" وسعيد بن سلم كذاب‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمعجم الكبير ‪" :‬الوابشي" ولم أجد ترجمته‪.‬‬
‫)‪ (7‬المعجم الكبير )‪ (126 ، 10/125‬وهو عنده من طريق عمرو بن ثابت‬
‫عن أبي إسحاق عن أبي الحوص عن ابن مسعود فلعله سقط من نسخة ابن‬
‫كثير والله أعلم‪ .‬وللستزادة في أحاديث الباب ‪ :‬فقد توسع الفاضل محمد‬
‫طرهوني في تتبعها انظر كتابه ‪ :‬موسوعة فضائل القرآن _‪.(308 - 1/295‬‬

‫) ‪(4/302‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬


‫دوا إ ِّل الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫خِبيرٍ )‪ (1‬أّل ت َعْب ُ ُ‬ ‫كيم ٍ َ‬ ‫ح ِ‬‫ن َ‬ ‫ن ل َد ُ ْ‬‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫صل َ ْ‬
‫م فُ ّ‬ ‫ه ثُ ّ‬
‫ت آَيات ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حك ِ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫الر ك َِتا ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عا‬
‫مَتا ً‬‫م َ‬ ‫مت ّعْك ُ ْ‬‫م ُتوُبوا إ ِلي ْهِ ي ُ َ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫فُروا َرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬
‫نا ْ‬ ‫شيٌر )‪ (2‬وَأ ِ‬ ‫ذيٌر وَب َ ِ‬ ‫ه نَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫إ ِن ِّني ل َك ُ ْ‬
‫ف‬‫خا ُ‬ ‫وا فَإ ِّني أ َ َ‬ ‫ن ت َوَل ّ ْ‬
‫ه وَإ ِ ْ‬ ‫ضل َ ُ‬
‫ل فَ ْ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ل ِذي فَ ْ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫مى وَي ُؤْ ِ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬
‫ل ُ‬ ‫ج ٍ‬
‫َ‬
‫سًنا إ َِلى أ َ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ديٌر )‪(4‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م وَهُوَ عَلى ك ّ‬ ‫ُ‬
‫جعُك ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ب ي َوْم ٍ كِبيرٍ )‪ (3‬إ ِلى اللهِ َ‬ ‫َ‬ ‫ذا َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫عَلي ْك ْ‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫َ‬ ‫ُ‬
‫دوا ِإل الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫خِبيرٍ )‪ (1‬أل ت َعْب ُ ُ‬ ‫كيم ٍ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ل َد ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫صل َ ْ‬ ‫م فُ ّ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ت آَيات ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حك ِ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫} الر ك َِتا ٌ‬
‫َ‬
‫عا‬‫مَتا ً‬
‫م َ‬ ‫مت ّعْك ُ ْ‬ ‫م ُتوُبوا إ ِل َي ْهِ ي ُ َ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫فُروا َرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬
‫نا ْ‬ ‫شيٌر )‪ (2‬وَأ ِ‬ ‫ذيٌر وَب َ ِ‬ ‫ه نَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫إ ِن ِّني ل َك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫خا ُ‬ ‫وا فَإ ِّني أ َ‬ ‫ن ت َوَل ْ‬ ‫ه وَإ ِ ْ‬ ‫ضل ُ‬ ‫ل فَ ْ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ل ِذي فَ ْ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫مى وَي ُؤْ ِ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫سًنا إ َِلى أ َ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ديٌر )‪{ (4‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫و‬
‫ْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ر‬
‫َ ْ ِ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫(‬‫‪3‬‬ ‫)‬ ‫ر‬
‫ْ ٍ ِ ٍ‬ ‫بي‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬
‫قد تقدم الكلم على حروف الهجاء في أول سورة البقرة بما أغنى عن‬
‫إعادته هاهنا ‪ ،‬وبالله التوفيق‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ت { أي ‪ :‬هي محكمة في لفظها ‪،‬‬ ‫صل ْ‬ ‫م فُ ّ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ت آَيات ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حك ِ َ‬ ‫وأما قوله ‪ } :‬أ ْ‬
‫مفصلة في معناها ‪ ،‬فهو كامل صورة ومعنى‪ .‬هذا معنى ما روي عن مجاهد ‪،‬‬
‫وقتادة ‪ ،‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫خِبيرٍ { أي ‪ :‬من عند الله الحكيم في أقواله ‪،‬‬ ‫كيم ٍ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ل َد ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ِ } :‬‬
‫وأحكامه ‪ ،‬الخبير بعواقب المور‪.‬‬
‫َ‬
‫ه { أي ‪ :‬نزل هذا القرآن المحكم المفصل لعبادة )‪ (1‬الله‬ ‫دوا ِإل الل ّ َ‬ ‫} أل ت َعْب ُ ُ‬
‫َ‬
‫ل ِإل‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫وحده ل شريك له ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { ]النبياء ‪ ، [25 :‬قال ‪ } :‬وَل َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قد ْ ب َعَث َْنا ِفي‬ ‫دو ِ‬ ‫ه ِإل أَنا َفاعْب ُ ُ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫حي إ ِل َي ْهِ أن ّ ُ‬ ‫ُنو ِ‬
‫جت َن ُِبوا ال ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ت { ]النحل ‪.[36 :‬‬ ‫غو َ‬ ‫طا ُ‬ ‫ه َوا ْ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ن ا ُعْب ُ ُ‬ ‫سول أ ِ‬ ‫مةٍ َر ُ‬ ‫لأ ّ‬ ‫كُ ّ‬
‫شيٌر { )‪ (2‬أي ‪ :‬إني لكم نذير من العذاب إن‬ ‫ذيٌر وَب َ ِ‬ ‫ه نَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِن ِّني ل َك ُ ْ‬
‫خالفتموه ‪ ،‬وبشير بالثواب إن أطعتموه ‪ ،‬كما جاء في الحديث الصحيح ‪ :‬أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد الصفا ‪ ،‬فدعا بطون قريش القرب ثم‬
‫القرب ‪ ،‬فاجتمعوا ‪ ،‬فقال )‪ (3‬يا معشر قريش ‪ ،‬أرأيتم لو أخبرتكم أن خيل‬
‫تصبحكم )‪ ، (4‬ألستم مصدقي ؟" فقالوا ‪ :‬ما جربنا عليك كذبا‪ .‬قال ‪" :‬فإني‬
‫نذير لكم بين )‪ (5‬يدي عذاب شديد" )‪.(6‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫ج ٍ‬ ‫سًنا إ ِلى أ َ‬ ‫ح َ‬ ‫عا َ‬ ‫مَتا ً‬ ‫م َ‬ ‫مت ّعْك ْ‬ ‫م ُتوُبوا إ ِلي ْهِ ي ُ َ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫فُروا َرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأ ِ‬
‫ه { أي ‪ :‬وآمركم )‪ (7‬بالستغفار من الذنوب‬ ‫ضل َ ُ‬ ‫ل فَ ْ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ل ِذي فَ ْ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫مى وَي ُؤْ ِ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫السالفة والتوبة منها إلى الله عز وجل فيما تستقبلونه ‪ ،‬وأن تستمروا )‪(8‬‬
‫َ‬
‫ت‬‫مى وَي ُؤْ ِ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫سًنا { أي ‪ :‬في الدنيا } إ َِلى أ َ‬ ‫ح َ‬ ‫عا َ‬ ‫مَتا ً‬ ‫م َ‬ ‫مت ّعْك ُ ْ‬ ‫على ذلك ‪ } ،‬ي ُ َ‬
‫ن‬‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫كقوله‬ ‫‪،‬‬ ‫قتادة‬ ‫قاله‬ ‫‪،‬‬ ‫الخرة‬ ‫الدار‬ ‫في‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ل فَ ْ ُ‬ ‫ل‬‫ض‬ ‫ض ٍ‬ ‫ل ِذي فَ ْ‬ ‫كُ ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬‫جزِي َن ّهُ ْ‬ ‫ة وَل َن َ ْ‬ ‫حَياة ً ط َي ّب َ ً‬ ‫ه َ‬ ‫حي ِي َن ّ ُ‬ ‫ن فَل َن ُ ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ذ َك َرٍ أوْ أن َْثى وَهُوَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫عَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]النحل ‪(10) (9) ، [97 :‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ب ِأ ْ‬ ‫جَرهُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بعباده"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إني"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬فقالوا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬تصحبكم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫)‪ (6‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (4971‬من حديث ابن عباس ‪ ،‬رضي‬
‫الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يأمركم"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يستقبلونه وأن يستمروا"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" ،‬فليحيينه"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬بأحسن الذي كانوا"‪.‬‬

‫) ‪(4/303‬‬

‫ما‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫ن ث َِياب َهُ ْ‬ ‫ست َغْ ُ‬
‫شو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ه أ ََل ِ‬
‫حي َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫فوا ِ‬‫خ ُ‬‫ست َ ْ‬‫م ل ِي َ ْ‬
‫دوَرهُ ْ‬ ‫ص ُ‬
‫ن ُ‬ ‫م ي َث ُْنو َ‬
‫َ‬
‫أَل إ ِن ّهُ ْ‬
‫دورِ )‪(5‬‬
‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬
‫ما ي ُعْل ُِنو َ‬
‫ن وَ َ‬ ‫سّرو َ‬ ‫يُ ِ‬

‫وقد جاء في الصحيح ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسعد ‪:‬‬
‫جْرت بها ‪ ،‬حتى ما تجعل في‬ ‫"وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله ‪ ،‬إل أ ِ‬
‫ِفي )‪ (1‬امرأتك" )‪.(2‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثت عن المسيب بن شريك ‪ ،‬عن أبي بكر ‪ ،‬عن سعيد بن‬
‫ه { قال ‪ :‬من‬ ‫ضل َ ُ‬ ‫ل فَ ْ‬ ‫ض ٍ‬‫ل ِذي فَ ْ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫جبير ‪ ،‬عن ابن مسعود في قوله ‪ } :‬وَي ُؤْ ِ‬ ‫ُ‬
‫عمل سيئة كتبت عليه سيئة ‪ ،‬ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات‪ .‬فإن‬
‫عوقب بالسيئة التي كان عملها في الدنيا بقيت له عشر حسنات ‪ ،‬وإن لم‬
‫يعاقب بها في الدنيا أخذ من الحسنات العشر واحدة وبقيت له تسع حسنات‪.‬‬
‫ثم يقول ‪ :‬هلك من غلب آحاده أعشاره )‪.(3‬‬
‫ب ي َوْم ٍ ك َِبيرٍ { هذا تهديد شديد‬ ‫ذا َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ف عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫وا فَإ ِّني أ َ َ‬ ‫ن ت َوَل ّ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫لمن تولى عن أوامر الله تعالى ‪ ،‬وكذب رسله ‪ ،‬فإن العذاب يناله يوم معاده‬
‫م { أي ‪ :‬معادكم يوم القيامة ‪ } ،‬وَهُوَ عََلى‬ ‫جعُك ُ ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫)‪ (4‬ل محالة ‪ } ،‬إ َِلى الل ّهِ َ‬
‫ديٌر { أي ‪ :‬وهو القادر على ما يشاء من إحسانه إلى أوليائه ‪،‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫وانتقامه من أعدائه ‪ ،‬وإعادة )‪ (5‬الخلئق يوم القيامة ‪ ،‬وهذا مقام الترهيب ‪،‬‬
‫كما أن الول مقام ترغيب‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫م َ‬ ‫م ي َعْل ُ‬ ‫ن ث َِياب َهُ ْ‬ ‫شو َ‬ ‫ست َغْ ُ‬‫ن يَ ْ‬ ‫حي َ‬ ‫ه أل ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫فوا ِ‬ ‫خ ُ‬‫ست َ ْ‬ ‫م ل ِي َ ْ‬
‫دوُرهُ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ي َث ُْنو َ‬ ‫} أل إ ِن ّهُ ْ‬
‫دورِ )‪{ (5‬‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫ما ي ُعْل ُِنو َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫سّرو َ‬ ‫يُ ِ‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬كانوا يكرهون أن يستقبلوا السماء بفروجهم ‪ ،‬وحال وقاعهم‬
‫جَرْيج ‪ ،‬عن محمد بن‬ ‫‪ ،‬فأنزل الله هذه الية‪ .‬رواه البخاري من حديث ابن ُ‬
‫َ‬
‫هم" ‪ ،‬فقلت ‪:‬‬ ‫دور ُ‬ ‫ص ُ‬‫م ت َْثنوني )‪ُ (6‬‬ ‫عباد بن جعفر ؛ أن ابن عباس قرأ ‪" :‬أل إ ِن ّهُ ْ‬
‫يا أبا عباس ‪ ،‬ما تثنوني )‪ (7‬صدورهم ؟ قال ‪ :‬الرجل كان يجامع امرأته‬
‫َ‬
‫هم"‪.‬‬ ‫دور ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫م ت َْثنوني )‪ُ (8‬‬ ‫فيستحيي ‪ -‬أو ‪ :‬يتخلى فيستحيي فنزلت ‪" :‬أل إ ِن ّهُ ْ‬
‫وفي لفظ آخر له ‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬أناس كانوا يستحيون أن يتخلوا ‪،‬‬
‫فيفضوا إلى السماء ‪ ،‬وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء ‪ ،‬فنزل ذلك‬
‫فيهم‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬حدثنا الحميدي ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬حدثنا عمرو قال ‪ :‬قرأ )‪ (9‬ابن‬
‫ن ث َِياب َُهم"‪.‬‬‫شو َ‬ ‫ستغْ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫حي َ‬‫ه َأل ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫فوا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫هم ل ِي َ ْ‬ ‫دور ُ‬ ‫ص ُ‬‫م ي َْثنوني ُ‬
‫َ‬
‫عباس "أل إ ِن ّهُ ْ‬
‫__________‬
‫في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬في فم"‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫صحيح البخاري برقم )‪ (6373‬وصحيح مسلم برقم )‪.(1628‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫تفسير الطبري )‪.(15/231‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫في ت ‪" :‬معاذه"‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وإعادته"‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تثنون"‪.‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تثنون"‪.‬‬ ‫)‪(7‬‬
‫في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يثنون"‪.‬‬ ‫)‪(8‬‬
‫في ت ‪" :‬قال"‪.‬‬ ‫)‪(9‬‬

‫) ‪(4/304‬‬

‫ن { يغطون رءوسهم‬ ‫شو َ‬ ‫ست َغْ ُ‬


‫قال البخاري ‪ :‬وقال غيره ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫)‪.(1‬‬
‫وقال ابن عباس في رواية أخرى في تفسير هذه الية ‪ :‬يعني به الشك في‬
‫الله ‪ ،‬وعمل السيئات ‪ ،‬وكذا روي عن مجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬أي أنهم‬
‫كانوا يثنون صدورهم إذا قالوا شيًئا أو عملوه ‪ ،‬يظنون أنهم يستخفون من‬
‫الله بذلك ‪ ،‬فأعلمهم الله تعالى أنهم )‪ (2‬حين يستغشون ثيابهم عند منامهم‬
‫ه‬
‫ن إ ِن ّ ُ‬
‫ما ي ُعْل ُِنو َ‬
‫ن { )‪ (3‬من القول ‪ } :‬وَ َ‬ ‫سّرو َ‬
‫ما ي ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫في ظلمة الليل ‪ } ،‬ي َعْل َ ُ‬
‫دورِ { أي ‪ :‬يعلم ما تكن صدورهم من النيات والضمائر‬ ‫ص ُ‬‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫والسرائر‪ .‬وما أحسن ما قال زهير بن أبي سلمى في معلقته المشهورة ‪:‬‬
‫ن الله ما في نفوسكم‪ ...‬ليخفى ‪ ،‬فمهما ُيكتم )‪ (4‬الله ي َْعلم‪...‬‬ ‫َفل ت َك ْت ُ ُ‬
‫م ّ‬
‫خر‪ ...‬ليوم حساب ‪ ،‬أو ي َُعجل فَي ُْنقم ِ )‪(6) (5‬‬ ‫ضع في كتاب فَُيد َ‬ ‫خر فيو َ‬ ‫ُيؤ َ‬
‫فقد اعترف هذا الشاعر الجاهلي بوجود الصانع وعلمه بالجزئيات ‪ ،‬وبالمعاد‬
‫وبالجزاء ‪ ،‬وبكتابة العمال في الصحف ليوم القيامة‪.‬‬
‫وقال عبد الله بن شداد ‪ :‬كان أحدهم إذا مر برسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ثنى )‪ (7‬صدره ‪ ،‬وغطى رأسه فأنزل الله ذلك‪.‬‬
‫م‬ ‫َ‬
‫م ي َعْل ُ‬ ‫ن ث َِياب َهُ ْ‬
‫شو َ‬‫ست َغْ ُ‬‫ن يَ ْ‬
‫حي َ‬ ‫وعود الضمير )‪ (8‬على الله أولى ؛ لقوله ‪َ } :‬أل ِ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫ما ي ُعْل ُِنو َ‬
‫ن وَ َ‬‫سّرو َ‬ ‫ما ي ُ ِ‬‫َ‬
‫هم" ‪ ،‬برفع الصدور على‬ ‫دوُر ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ص ُ‬
‫م ت َثنوني )‪ُ (9‬‬ ‫وقرأ ابن عباس ‪" :‬أل إ ِن ّهُ ْ‬
‫الفاعلية ‪ ،‬وهو قريب المعنى‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪.(4683 - 4681‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أنه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يسرونه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬تكتم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬فينتقم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬البيت في تفسير الطبري )‪.(15/233‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ثنى عنه"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الضمير أول"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يثنوني"‪.‬‬

‫) ‪(4/305‬‬
‫َْ‬
‫ست َوْد َعََها ك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫م ْ‬
‫ها وَ ُ‬
‫قّر َ‬
‫ست َ َ‬
‫م ْ‬ ‫ض إ ِّل عََلى الل ّهِ رِْزقَُها وَي َعْل َ ُ‬
‫م ُ‬ ‫ن َداب ّةٍ ِفي الْر ِ‬
‫م ْ‬‫ما ِ‬
‫وَ َ‬
‫ن )‪(6‬‬ ‫بي‬ ‫م‬
‫َِ ٍ ُ ِ ٍ‬ ‫ب‬ ‫تا‬ ‫ك‬ ‫في‬‫ِ‬

‫ست َوْد َعََها ك ُ ّ‬


‫ل‬ ‫م ْ‬ ‫ها وَ ُ‬
‫قّر َ‬‫ست َ َ‬
‫م ْ‬‫م ُ‬ ‫ض ِإل عََلى الل ّهِ رِْزقَُها وَي َعْل َ ُ‬ ‫ن َداب ّةٍ ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬‫ما ِ‬ ‫} وَ َ‬
‫ن )‪{ (6‬‬ ‫مِبي ٍ‬
‫ب ُ‬ ‫ِفي ك َِتا ٍ‬
‫أخبر تعالى أنه متكفل بأرزاق المخلوقات ‪ ،‬من سائر دواب الرض ‪ ،‬صغيرها‬
‫ست َوْد َعََها { أي ‪ :‬يعلم‬ ‫م ْ‬‫ها وَ ُ‬ ‫قّر َ‬ ‫ست َ َ‬
‫م ْ‬
‫م ُ‬‫وكبيرها ‪ ،‬بحريها ‪ ،‬وبريها ‪ ،‬وأنه } ي َعْل َ ُ‬
‫منتهى سيرها في الرض ‪ ،‬وأين تأوي إليه من وكرها ‪ ،‬وهو مستودعها‪.‬‬ ‫أين ُ‬
‫ها { أي ‪:‬‬ ‫قّر َ‬‫ست َ َ‬
‫م ْ‬
‫م ُ‬ ‫َ‬
‫وقال علي بن أبي طلحة وغيره ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬وَي َعْل ُ‬
‫ست َوْد َعََها { حيث تموت‪.‬‬ ‫م ْ‬‫حيث تأوي ‪ } ،‬وَ ُ‬
‫ست َوْد َعََها { في الصلب ‪،‬‬ ‫م ْ‬ ‫ها { في الرحم ‪ } ،‬وَ ُ‬ ‫قّر َ‬
‫ست َ َ‬
‫م ْ‬‫وعن مجاهد ‪ُ } :‬‬
‫كالتي في النعام ‪ :‬وكذا روي عن ابن عباس والضحاك ‪ ،‬وجماعة‪ .‬وذكر )‪(1‬‬
‫ابن أبي حاتم أقوال المفسرين هاهنا ‪ ،‬كما ذكره‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬وقال"‪.‬‬

‫) ‪(4/305‬‬

‫ماءِ‬‫ه عََلى ال ْ َ‬ ‫ش ُ‬ ‫ن عَْر ُ‬ ‫كا َ‬‫ست ّةِ أ َّيام ٍ وَ َ‬ ‫ض ِفي ِ‬ ‫َ‬


‫ت َواْلْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قول َ ّ‬
‫ن‬ ‫ت ل َي َ ُ‬
‫مو ْ ِ‬‫ن ب َعْدِ ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مب ُْعوُثو َ‬ ‫م َ‬ ‫ن قُل ْ َ‬
‫ت إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫مًل وَل َئ ِ ْ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م أي ّك ُ ْ‬ ‫ل ِي َب ْل ُوَك ُ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م ٍ‬‫ب إ َِلى أ ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫خْرَنا عَن ْهُ ُ‬‫نأ ّ‬ ‫ن ْ)‪ (7‬وَل َئ ِ ْ‬ ‫مِبي ٌ‬‫حٌر ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ذا إ ِّل ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫فُروا إ ِ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ما‬
‫م َ‬ ‫حاقَ ب ِهِ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫صُروًفا عَن ْهُ ْ‬ ‫م ْ‬‫س َ‬ ‫م ل َي ْ َ‬ ‫م ي َأِتيهِ ْ‬‫ه أَل ي َوْ َ‬ ‫س ُ‬‫حب ِ ُ‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قول ُ ّ‬ ‫دود َةٍ ل َي َ ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(8‬‬ ‫ُ‬
‫ست َهْزِئو َ‬ ‫كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ‬ ‫َ‬

‫عند تلك الية ‪ (1) :‬فالله أعلم ‪ ،‬وأن جميع ذلك مكتوب في كتاب عند الله‬
‫ر‬
‫طائ ِ ٍ‬ ‫ن َداب ّةٍ ِفي الْرض َول َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫مبين عن جميع ذلك ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ِ‬ ‫يطير بجناحيه إل أ ُم َ‬
‫م‬
‫م إ ِلى َرب ّهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫يٍء ث ُ ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ما فَّرط َْنا ِفي الك َِتا ِ‬
‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫مَثال ُك ُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َ ِ ُ ِ َ َ َ ْ ِ ِ‬
‫مَها ِإل‬ ‫َ‬
‫ب ل ي َعْل ُ‬ ‫ْ‬
‫ح الغَي ْ ِ‬ ‫فات ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫عن ْد َه ُ َ‬ ‫ن { ]النعام ‪ ، [38 :‬وقوله )‪ } : (2‬وَ ِ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫يُ ْ‬
‫حب ّةٍ ِفي‬ ‫مَها َول َ‬ ‫َ‬
‫ن وََرقةٍ ِإل ي َعْل ُ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬‫قط ِ‬ ‫ُ‬ ‫س ُ‬
‫ما ت َ ْ‬ ‫حرِ وَ َ‬ ‫ْ‬
‫ما ِفي الب َّر َوالب َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫هُوَ وَي َعْل ُ‬
‫ن { ]النعام ‪.[59 :‬‬ ‫ْ‬ ‫ظ ُل ُ َ‬
‫مِبي ٍ‬ ‫ب ُ‬
‫َ‬
‫س ِإل ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫ب َول َياب ِ ٍ‬ ‫ض َول َرط ٍ‬ ‫ت الْر ِ‬ ‫ما ِ‬
‫ماِء‬ ‫ه عََلى ال ْ َ‬ ‫ش ُ‬ ‫ن عَْر ُ‬ ‫كا َ‬‫ست ّةِ أّيام ٍ وَ َ‬ ‫ض ِفي ِ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫} وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫ل ِيبل ُوك ُ َ‬
‫قول َ ّ‬
‫ن‬ ‫ت ل َي َ ُ‬‫مو ْ ِ‬ ‫ن ب َعْدِ ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مب ُْعوُثو َ‬ ‫م َ‬‫ت إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫ن قُل ْ َ‬ ‫مل وَل َئ ِ ْ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م أي ّك ُ ْ‬ ‫َْ َ ْ‬
‫ذاب إَلى أ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ذا إل سحر مبين )‪ (7‬ول َئ ِن أ َ‬
‫ة‬
‫ّ ٍ‬‫م‬ ‫َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ل‬
‫ُْ ُ َ‬‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫نا‬ ‫ر‬
‫ْ َ‬ ‫خ‬
‫ّ‬ ‫َ ْ‬ ‫ِ ْ ٌ ُ ِ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫ِ ْ َ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫روا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫م َ‬ ‫حاقَ ب ِهِ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫صُروًفا عَن ْهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫م ل َي ْ َ‬ ‫م ي َأِتيهِ ْ‬ ‫ه أل ي َوْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫حب ِ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قول ُ ّ‬ ‫دود َةٍ ل َي َ ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (8‬‬ ‫ُ‬
‫ئو‬ ‫ز‬
‫ِ َ ْ ْ ِ َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫كا‬
‫يخبر تعالى عن قدرته على كل شيء ‪ ،‬وأنه خلق السموات والرض في ستة‬
‫أيام ‪ ،‬وأن عرشه كان على الماء قبل ذلك ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حرِْز‬
‫م ْ‬ ‫داد ‪ ،‬عن صفوان بن ُ‬ ‫ش ّ‬ ‫حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن جامع بن َ‬
‫‪ ،‬عن عمران بن حصين قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬اقبلوا‬
‫البشرى يا بني تميم"‪ .‬قالوا ‪ :‬قد بشرتنا فأعطنا‪ .‬قال ‪" :‬اقبلوا البشرى يا‬
‫أهل اليمن"‪ .‬قالوا ‪ :‬قد قبلنا ‪ ،‬فأخبرنا عن أول هذا المر كيف كان ؟ قال ‪:‬‬
‫"كان الله قبل كل شيء ‪ ،‬وكان عرشه على الماء ‪ ،‬وكتب في اللوح‬
‫المحفوظ ذكر كل شيء"‪ .‬قال ‪ :‬فأتاني آت فقال ‪ :‬يا عمران ‪ ،‬انحلت ناقتك‬
‫من عقالها‪ .‬قال ‪ :‬فخرجت في إثرها ‪ ،‬فل أدري ما كان بعدي )‪.(3‬‬
‫وهذا الحديث مخرج في صحيحي البخاري ومسلم بألفاظ كثيرة )‪ (4‬؛ فمنها ‪:‬‬
‫قالوا ‪ :‬جئناك نسألك عن أول هذا المر فقال ‪" :‬كان الله ولم يكن شيء قبله‬
‫‪ -‬وفي رواية ‪ :‬غيره ‪ -‬وفي رواية ‪ :‬معه ‪ -‬وكان عرشه على الماء ‪ ،‬وكتب في‬
‫ل شيء ‪ ،‬ثم خلق السموات والرض"‪.‬‬ ‫الذكر ك ّ‬
‫وفي صحيح مسلم ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫در مقادير الخلئق قبل أن يخلق السموات‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن الله ق ّ‬
‫والرض بخمسين ألف سنة ‪ ،‬وكان عرشه على الماء" )‪.(5‬‬
‫وقال البخاري في تفسير هذه الية ‪ :‬حدثنا أبو اليمان ‪ ،‬أخبرنا شعيب ‪ ،‬حدثنا‬
‫أبو الّزَناد ِ ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ؛ أن رسول الله‬
‫ق‬ ‫ُ‬
‫فق أنف ْ‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬قال الله عز وجل ‪ :‬أن ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬عند تفسير الية ‪ 98 :‬من سورة النعام‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وقال تعالى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(4/431‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (7418 ، 4386 ، 4365 ، 3191 ، 3190‬ولم‬
‫أعثر عليه في صحيح مسلم‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم برقم )‪.(2653‬‬

‫) ‪(4/306‬‬

‫ل والنهار" وقال‬ ‫حاَء اللي َ‬ ‫عليك"‪ .‬وقال ‪" :‬يد الله ملى ل َيغيضها نفقة ‪ ،‬س ّ‬
‫"أفرأيتم )‪ (1‬ما أنفق منذ خلق السموات والرض ‪ ،‬فإنه لم َيغض ما في‬
‫يده ‪ ،‬وكان عرشه على الماء ‪ ،‬وبيده الميزان يخفض ويرفع" )‪.(2‬‬
‫َ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أخبرنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن ي َعْلى‬
‫قيط بن عامر‬ ‫دس ‪ ،‬عن عمه أبي َرِزين ‪ -‬واسمه ل َ ِ‬ ‫كيع بن عُ ُ‬ ‫بن عَ َ‬
‫طاء ‪ ،‬عن وَ ِ‬
‫قْيلي ‪ -‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أين كان ربنا قبل أن‬ ‫بن المنتفق )‪ (3‬العُ َ‬
‫ماء ‪ ،‬ما تحته هواء وما فوقه هواء ‪ ،‬ثم خلق‬ ‫يخلق خلقه ؟ قال ‪" :‬كان في عَ َ‬
‫العرش بعد ذلك"‪.‬‬
‫وقد رواه الترمذي في التفسير ‪ ،‬وابن ماجه في السنن من حديث يزيد بن‬
‫هارون به )‪ (4‬وقال الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن‪.‬‬
‫ماِء { قبل أن يخلق شيئا‪ .‬وكذا قال‬ ‫ه عََلى ال ْ َ‬ ‫ش ُ‬ ‫ن عَْر ُ‬ ‫وقال مجاهد ‪ } :‬وَ َ‬
‫كا َ‬
‫منّبه ‪ ،‬وضمرة بن حبيب ‪ ،‬وقاله قتادة ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬ ‫وهب بن ُ‬
‫ماِء { ينبئكم كيف كان بدء‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه عَلى ال َ‬ ‫ش ُ‬‫ن عَْر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫وقال قتادة في قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫خلقه قبل أن يخلق السموات والرض‪.‬‬
‫ماِء { فلما خلق السموات‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه عَلى ال َ‬ ‫ش ُ‬‫ن عَْر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫وقال الربيع بن أنس ‪ } :‬وَ َ‬
‫والرض ‪ ،‬قسم ذلك الماء قسمين ‪ ،‬فجعل نصفا تحت العرش ‪ ،‬وهو البحر‬
‫المسجور‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬إنما سمي العرش عرشا لرتفاعه‪.‬‬
‫وقال إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬سمعت سعدا الطائي يقول ‪ :‬العرش ياقوتة‬
‫حمراء‪.‬‬
‫ت‬‫ماَوا ِ‬
‫س َ‬ ‫َ‬
‫خلقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وقال محمد بن إسحاق في قوله تعالى ‪ } :‬وَهُوَ ال ِ‬
‫ماِء { فكان كما )‪ (5‬وصف نفسه‬ ‫ه عََلى ال ْ َ‬ ‫ش ُ‬ ‫ن عَْر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ست ّةِ أ َّيام ٍ وَ َ‬ ‫ض ِفي ِ‬ ‫َوالْر َ‬
‫تعالى ‪ ،‬إذ ليس إل الماء وعليه العرش ‪ ،‬وعلى العرش ذو الجلل والكرام ‪،‬‬
‫والعزة والسلطان ‪ ،‬والملك والقدرة ‪ ،‬والحلم والعلم ‪ ،‬والرحمة والنعمة ‪،‬‬
‫الفعال لما يريد‪.‬‬
‫من َْهال بن عمرو ‪ ،‬عن سعيد بن جبير قال ‪ :‬سئل ابن‬ ‫وقال العمش ‪ ،‬عن ال ِ‬
‫ماِء { على أي شيء كان‬ ‫ه عََلى ال ْ َ‬ ‫ش ُ‬ ‫ن عَْر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫عباس عن قول الله ‪ } :‬وَ َ‬
‫الماء ؟ قال ‪ :‬على متن الريح‪.‬‬
‫َ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬ل ِيبل ُوك ُ َ‬
‫مل { أي ‪ :‬خلق السموات والرض‬ ‫ن عَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م أي ّك ُ ْ‬ ‫َْ َ ْ‬
‫لنفع عباده الذين خلقهم ليعبدوه وحده ل شريك له ‪ ،‬ولم يخلق ذلك عبثا ‪،‬‬
‫ن‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ك ظَ ّ‬ ‫طل ذ َل ِ َ‬ ‫ما َبا ِ‬
‫ما ب َي ْن َهُ َ‬
‫ض وَ َ‬ ‫ماَء َوالْر َ‬ ‫س َ‬‫قَنا ال ّ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫كما قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن الّنارِ { ]ص ‪ (6) ، [27 :‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫م َ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫فُروا فَوَي ْ ٌ‬ ‫كَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬‫ك ال ْ َ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫مل ِ ُ‬ ‫ن فَت ََعاَلى الل ّ ُ‬ ‫جُعو َ‬ ‫م إ ِل َي َْنا ل ت ُْر َ‬ ‫م عَب ًَثا وَأن ّك ُ ْ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَناك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م أن ّ َ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬
‫ح ِ‬‫} أفَ َ‬
‫ريم ِ { ]المؤمنون ‪، [116 ، 115 :‬‬ ‫َ‬
‫ش الك ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ل إ ِل َ َ‬
‫ب العَْر ِ‬ ‫ه ِإل هُوَ َر ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أرأيت"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪.(4684‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬المتفق"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (4/11‬وسنن الترمذي برقم )‪ (3109‬وسنن ابن ماجه برقم )‬
‫‪.(182‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬مما"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬السموات"‪.‬‬

‫) ‪(4/307‬‬

‫ن { ]الذاريات ‪.[56 :‬‬ ‫دو ِ‬ ‫س ِإل ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ن َوالن ْ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مل { ولم يقل ‪ :‬أكثر‬ ‫ن عَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ُ‬
‫م { أي ‪ :‬ليختبركم } أي ّك ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل ِي َب ُْلوك ُ ْ‬
‫مل { ول يكون العمل حسنا حتى يكون خالصا لله عز‬ ‫َ‬
‫ن عَ َ‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬ ‫عمل بل } أ ْ‬
‫وجل ‪ ،‬على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فمتى فقد العمل‬
‫واحدا من هذين الشرطين بطل وحبط‪.‬‬
‫ن‬
‫فُروا إ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫َ‬
‫قول ّ‬ ‫َ‬
‫ت لي َ ُ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ب َعْدِ ال َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مب ُْعوُثو َ‬ ‫م َ‬ ‫ت إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫ن قُل ْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َئ ِ ْ‬
‫ن { يقول تعالى ‪ :‬ولئن أخبرت يا محمد هؤلء المشركين أن‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫حٌر ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ذا ِإل ِ‬ ‫هَ َ‬
‫الله سيبعثهم بعد مماتهم كما بدأهم ‪ ،‬مع أنهم يعلمون أن الله تعالى هو الذي‬
‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫قهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫سأل ْت َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫خلق السموات والرض ‪] ،‬كما قال تعالى ‪ }َ :‬وَل َئ ِ ْ‬
‫ت‬
‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خلقَ ال ّ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫سأل ْت َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ه { ]الزخرف ‪ } ، [87 :‬وَل َئ ِ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫قول ُ ّ‬‫ل َي َ ُ‬
‫ه { ]العنكبوت ‪ (1) ، [61 :‬وهم‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫قول ُ ّ‬ ‫مَر ل َي َ ُ‬ ‫ق َ‬‫س َوال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫خَر ال ّ‬ ‫س ّ‬ ‫ض[ وَ َ‬ ‫َوالْر َ‬
‫مع هذا ينكرون البعث والمعاد يوم القيامة ‪ ،‬الذي هو بالنسبة إلى القدرة‬
‫و‬
‫م ي ُِعيد ُه ُ وَهُ َ‬ ‫خل ْقَ ث ُ ّ‬ ‫ذي ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ‬ ‫أهون من البداءة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫خل ْ ُ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫ف ٍ‬ ‫م ِإل ك َن َ ْ‬ ‫م َول ب َعْث ُك ُ ْ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن عَل َي ْهِ { ]الروم ‪ ، [27 :‬وقال تعالى ‪َ } :‬‬ ‫أهْوَ ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬يقولون‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫حٌر ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ذا ِإل ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫حد َةٍ { ]لقمان ‪ [28 :‬وقولهم )‪ } : (2‬إ ِ ْ‬ ‫َوا ِ‬
‫كفرا وعنادا ما نصدقك )‪ (3‬على وقوع البعث ‪ ،‬وما يذكر ذلك )‪ (4‬إل من‬
‫سحرته ‪ ،‬فهو يتبعك على ما تقول‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫ن أَ ّ‬
‫ه{‬ ‫س ُ‬‫حب ِ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قول ّ‬ ‫دود َةٍ لي َ ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫مةٍ َ‬ ‫ب إ ِلى أ ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫خْرَنا عَن ْهُ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َئ ِ ْ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ولئن أخرنا العذاب والمؤاخذة عن هؤلء المشركين إلى أجل‬
‫معدود وأمد محصور ‪ ،‬وأوعدناهم به إلى مدة مضروبة ‪ ،‬ليقولن تكذيبا‬
‫ه { أي ‪ :‬يؤخر هذا العذاب عنا ‪ ،‬فإن سجاياهم قد ألفت‬ ‫س ُ‬ ‫حب ِ ُ‬‫ما ي َ ْ‬ ‫واستعجال } َ‬
‫التكذيب والشك ‪ ،‬فلم يبق لهم محيص عنه ول محيد‪.‬‬
‫و"المة" تستعمل في القرآن والسنة في معان متعددة ‪ ،‬فيراد بها ‪ :‬المد ‪،‬‬
‫ُ‬
‫دود َةٍ { وقوله في ]سورة[ )‪ (5‬يوسف ‪:‬‬ ‫معْ ُ‬ ‫مةٍ َ‬ ‫كقوله في هذه الية ‪ } :‬إ َِلى أ ّ‬
‫ُ‬
‫مةٍ { ]يوسف ‪ ، [45 :‬وتستعمل في‬ ‫ما َواد ّك ََر ب َعْد َ أ ّ‬ ‫من ْهُ َ‬‫جا ِ‬ ‫ذي ن َ َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫} وََقا َ‬
‫م يَ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫م َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫فا وَل ْ‬ ‫ة َقان ًِتا ل ِلهِ َ‬
‫حِني ً‬ ‫م ً‬
‫نأ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫هي َ‬‫ن إ ِب َْرا ِ‬ ‫المام المقتدى به ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ن { ]النحل ‪ ، [120 :‬وتستعمل في الملة والدين ‪ ،‬كقوله إخبارا عن‬ ‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫ُ‬
‫ن{‬ ‫دو َ‬ ‫قت َ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫مةٍ وَإ ِّنا عََلى آَثارِهِ ْ‬ ‫جد َْنا آَباَءَنا عََلى أ ّ‬ ‫المشركين أنهم قالوا ‪ } :‬إ ِّنا وَ َ‬
‫ن‬‫مد ْي َ َ‬ ‫ماَء َ‬ ‫ما وََرد َ َ‬ ‫َ‬
‫]الزخرف ‪ ، [23 :‬وتستعمل في الجماعة ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬وَل ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫قد ْ‬‫ن { ]القصص ‪ ، [23 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَل َ‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫س يَ ْ‬
‫ن الّنا َِ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫جد َ عَل َي ْهِ أ ّ‬
‫م ً‬ ‫وَ َ‬
‫ت { ]النحل ‪، [36 :‬‬ ‫ّ‬
‫جت َن ُِبوا الطا ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ب َعَث َْنا ِفي ك ّ‬
‫غو َ‬ ‫ه َوا ْ‬ ‫دوا الل َ‬ ‫ن اعْب ُ ُ‬ ‫سول أ ِ‬ ‫مةٍ َر ُ‬ ‫لأ ّ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫ط وَهُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫م ِبال ِ‬ ‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫م قُ ِ‬ ‫سولهُ ْ‬ ‫جاَء َر ُ‬ ‫ل فَإ َِذا َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫مةٍ َر ُ‬ ‫لأ ّ‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬وَل ِك ّ‬
‫ن { ]يونس ‪.[47 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫ل ي ُظ ْل َ ُ‬
‫والمراد من المة هاهنا ‪ :‬الذين يبعث فيهم الرسول )‪ (6‬مؤمنهم وكافرهم ‪،‬‬
‫كما ]جاء[ )‪ (7‬في‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وقوله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬ما يصدقك"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وما تذكره من ذلك"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬الرسل"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت‪.‬‬

‫) ‪(4/308‬‬

‫فور )‪ (9‬ول َئ ِ َ‬ ‫ول َئ ِ َ‬


‫ن أذ َقَْناهُ‬‫َ ْ‬ ‫س كَ ُ ٌ‬ ‫ه ل َي َُئو ٌ‬ ‫ه إ ِن ّ ُ‬‫من ْ ُ‬
‫ها ِ‬ ‫م ن ََزعَْنا َ‬‫ة ثُ ّ‬‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫مّنا َر ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫ن أذ َقَْنا اْل ِن ْ َ‬
‫َ ْ‬
‫خوٌر )‪ (10‬إ ِلّ‬ ‫َ‬
‫حف ُ‬ ‫فرِ ٌ‬ ‫َ‬
‫هل َ‬ ‫ت عَّني إ ِن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫سي ّئا ُ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ن ذ َهَ َ‬ ‫َ‬
‫قول ّ‬ ‫َ‬
‫ه لي َ ُ‬
‫ست ْ ُ‬
‫م ّ‬ ‫ضّراَء َ‬ ‫ماَء ب َعْد َ َ‬
‫ن َعْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫جٌر كِبيٌر )‪(11‬‬ ‫فَرةٌ وَأ ْ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ت أولئ ِك لهُ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ملوا ال ّ‬ ‫صب َُروا وَعَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫صحيح مسلم ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬ل يسمع بي أحد من هذه المة ‪ ،‬يهودي‬
‫ول نصراني ‪ ،‬ثم ل يؤمن بي إل دخل النار" )‪.(1‬‬
‫ة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م ٍ‬ ‫خي َْر أ ّ‬ ‫م َ‬ ‫وأما أمة التباع ‪ ،‬فهم المصدقون للرسل ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬كن ْت ُ ْ‬
‫س { ]آل عمران ‪ [110 :‬وفي الصحيح ‪ " :‬فأقول ‪ :‬أمتي أمتي"‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ت ِللّنا‬ ‫ج ْ‬ ‫خرِ َ‬ ‫أُ ْ‬
‫ُ‬
‫ة‬
‫م ٌ‬
‫سى أ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫ن قَوْم ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وتستعمل المة في الفرقة والطائقة ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ } :‬وَ ِ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن { ]العراف ‪ ، [159 :‬وقال تعالى ‪ِ } :‬‬ ‫حقّ وَب ِهِ ي َعْدُِلو َ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ي َهْ ُ‬
‫ن { ]آل عمران ‪:‬‬ ‫دو‬ ‫ج‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫ء‬‫نا‬ ‫آ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫يا‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ئ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ال ْك ِ َ ِ ّ ٌ‬
‫أ‬ ‫ب‬ ‫تا‬
‫ْ ِ َ ُ ْ َ ْ ُ ُ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ َ ٌ َْ َ َ ِ‬
‫‪.[113‬‬
‫َ‬
‫فوٌر )‪ (9‬وَل َئ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫س كَ ُ‬ ‫ه ل َي َُئو ٌ‬
‫ه إ ِن ّ ُ‬‫من ْ ُ‬
‫ها ِ‬ ‫م نزعَْنا َ‬ ‫ة ثُ ّ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬ ‫مّنا َر ْ‬ ‫ن ِ‬‫سا َ‬ ‫ن أذ َقَْنا الن ْ َ‬ ‫} وَل َئ ِ ْ‬
‫ه لَ َ‬ ‫َ‬
‫خوٌر )‬ ‫ح فَ ُ‬ ‫فرِ ٌ‬ ‫ت عَّني إ ِن ّ ُ‬ ‫سي َّئا ُ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ن ذ َهَ َ‬ ‫قول َ ّ‬ ‫ه ل َي َ ُ‬‫ست ْ ُ‬
‫م ّ‬ ‫ضّراَء َ‬ ‫ماَء ب َعْد َ َ‬ ‫أذ َقَْناه ُ ن َعْ َ‬
‫َ‬ ‫ت ُأول َئ ِ َ‬
‫جٌر ك َِبيٌر )‪{ (11‬‬ ‫فَرةٌ وَأ ْ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫صب َُروا وَعَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ِ (10‬إل ال ّ ِ‬
‫يخبر تعالى عن النسان وما فيه من الصفات الذميمة ‪ ،‬إل من رحم الله من‬
‫عباده المؤمنين ‪ ،‬فإنه إذا أصابته شدة بعد نعمة ‪ ،‬حصل له يأس )‪ (2‬وقنوط‬
‫من الخير بالنسبة إلى المستقبل ‪ ،‬وكفر وجحود لماضي الحال ‪ ،‬كأنه لم ير‬
‫خيرا ‪ ،‬ولم ي َْرج )‪ (3‬بعد ذلك فرجا‪ .‬وهكذا إن )‪ (4‬أصابته نعمة بعد نقمة‬
‫ت عَّني { أي ‪ :‬يقول ‪ :‬ما بقي ينالني بعد هذا ضيم ول‬ ‫سي َّئا ُ‬
‫ب ال ّ‬ ‫ن ذ َهَ َ‬ ‫قول َ ّ‬ ‫} ل َي َ ُ‬
‫خوٌر { أي ‪ :‬فرح بما في يده ‪ ،‬بطر فخور على غيره‪.‬‬ ‫ح فَ ُ‬ ‫ه لَ َ‬
‫فرِ ٌ‬ ‫سوء ‪ } ،‬إ ِن ّ ُ‬
‫مُلوا‬ ‫صب َُروا { أي ‪ :‬في الشدائد والمكاره ‪ } ،‬وَعَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال الله تعالى ‪ِ } :‬إل ال ّ ِ‬
‫فَرة ٌ { أي ‪ :‬بما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ت { أي ‪ :‬في الرخاء والعافية ‪ } ،‬أولئ ِ َ‬
‫مغْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك لهُ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫جٌر ك َِبيٌر { بما أسلفوه في زمن الرخاء ‪ ،‬كما جاء‬ ‫َ‬
‫يصيبهم من الضراء ‪ } ،‬وَأ ْ‬
‫صب‬ ‫م ‪ ،‬ول ن َ َ‬ ‫م ول غَ ّ‬ ‫في الحديث ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬ل يصيب المؤمن هَ ّ‬
‫ه عنه بها من خطاياه )‬ ‫فَر الل ُ‬ ‫حَزن حتى الشوكة يشاكها ‪ ،‬إل ك َ ّ‬ ‫صب ‪ ،‬ول َ‬ ‫ول وَ َ‬
‫‪ ، (6) (5‬وفي الصحيحين ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬ل يقضي الله للمؤمن قضاء‬
‫إل كان خيرا له ‪ ،‬إن أصابته سراء فشكر كان )‪ (7‬خيرا له ‪ ،‬وإن أصابته ضراء‬
‫فصبر كان خيرا له ‪ ،‬وليس ذلك لحد غير المؤمن" )‪ (8‬وهكذا قال الله تعالى‬
‫وا‬‫ص ْ‬
‫وا َ‬ ‫ت وَت َ َ‬‫حا ِ‬‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫سرٍ ِإل ال ّ ِ‬
‫خ ْ‬ ‫في ُ‬ ‫ن لَ ِ‬ ‫سا َ‬ ‫ن الن ْ َ‬ ‫صرِ إ ِ ّ‬ ‫‪َ } :‬وال ْعَ ْ‬
‫ق‬
‫خل ِ َ‬‫ن ُ‬ ‫سا َ‬ ‫ن الن ْ َ‬ ‫صب ْرِ { ] سورة العصر[ ‪ ،‬وقال تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫وا ِبال ّ‬ ‫ص ْ‬‫وا َ‬ ‫حقّ وَت َ َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ن { الية‬ ‫صّلي َ‬ ‫عا ِإل ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫مُنو ً‬ ‫خي ُْر َ‬ ‫ه ال ْ َ‬‫س ُ‬
‫م ّ‬‫عا وَإ َِذا َ‬
‫جُزو ً‬ ‫شّر َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫س ُ‬ ‫م ّ‬ ‫عا إ َِذا َ‬ ‫هَُلو ً‬
‫]المعارج ‪.[22 - 19 :‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم برقم )‪ (153‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬إياس"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ول يرجوا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬إذا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ول حزن إل كفر الله بها من خطاياه حتى الشوكة يشاكها"‪.‬‬
‫)‪ (6‬روى مسلم نحوه في صحيحه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد )‪(2573‬‬
‫ومن حديث أبي هريرة وحده )‪.(2574‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬فكان"‪.‬‬
‫)‪ (8‬صحيح مسلم برقم )‪ (299‬بلفظ ‪" :‬عجبا للمؤمن إن أمره كله خير" من‬
‫حديث صهيب الرومي رضي الله عنه وليس في صحيح البخاري‪.‬‬

‫) ‪(4/309‬‬

‫ه‬ ‫قوُلوا ل َوَْل أ ُن ْزِ َ‬


‫ل عَل َي ْ ِ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫به صدر َ َ‬
‫كأ ْ‬ ‫ِ ِ َ ُْ‬ ‫ضائ ِقٌ‬ ‫ك وَ َ‬‫حى إ ِل َي ْ َ‬ ‫ما ُيو َ‬ ‫ض َ‬ ‫ك ب َعْ َ‬ ‫فَل َعَل ّ َ‬
‫ك َتارِ ٌ‬
‫عََلى ك ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل )‪(12‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫و‬
‫ْ َ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬‫ي‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ه‬‫ذيٌر َوالل ّ ُ‬‫ت نَ ِ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫مل َ ٌ‬
‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫ه َ‬
‫معَ ُ‬ ‫ك َن ٌْز أوْ َ‬
‫جاَء َ‬
‫ول ُأنز َ‬
‫ل‬ ‫قوُلوا ل َ ْ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ك وضائ ِق به صدر َ َ‬
‫كأ ْ‬ ‫حى إ ِل َي ْ َ َ َ ٌ ِ ِ َ ْ ُ‬ ‫ما ُيو َ‬ ‫ض َ‬‫ك ب َعْ َ‬ ‫} فَل َعَل ّ َ‬
‫ك َتارِ ٌ‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل )‪{ (12‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫يٍء وَ ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ذيٌر َوالل ّ ُ‬
‫ت نَ ِ‬
‫ما أن ْ َ‬ ‫مل َ ٌ‬
‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫ه َ‬‫معَ ُ‬
‫جاَء َ‬‫كنز أوْ َ‬‫عَل َي ْهِ َ‬

‫) ‪(4/310‬‬

‫ست َط َعْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫نا ْ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫عوا َ‬‫ت َواد ْ ُ‬ ‫فت ََرَيا ٍ‬ ‫مث ْل ِهِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫سوَرٍ ِ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ل فَأ ُْتوا ب ِعَ ْ‬ ‫ن افْت ََراه ُ قُ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫ل‬‫ما أ ُن ْزِ َ‬ ‫َ‬
‫موا أن ّ َ‬ ‫م َفاعْل َ ُ‬‫جيُبوا ل َك ُ ْ‬‫ست َ ِ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ن )‪ (13‬فَإ ِ ْ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ إ ِ ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫حَياةَ الد ّن َْيا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫د‬ ‫ري‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫(‬‫‪14‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫مو‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫َ ُ ِ ُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ ُ ْ ُ َ‬‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بِ‬
‫ن ل َي ْ َ‬
‫س‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪ُ (15‬أول َئ ِ َ‬
‫ك ال ّ ِ‬ ‫سو َ‬ ‫م ِفيَها َل ي ُب ْ َ‬
‫خ ُ‬ ‫م ِفيَها وَهُ ْ‬‫مال َهُ ْ‬
‫َ‬
‫أعْ َ‬ ‫ف إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫م‬ ‫وَِزين َت ََها ن ُوَ ّ‬
‫ن )‪(16‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫صن َُعوا ِفيَها وََباط ِ ٌ‬ ‫ما َ‬ ‫ط َ‬‫حب ِ َ‬‫الّناُر وَ َ‬ ‫خَرةِ إ ِلّ‬ ‫م ِفي اْل َ ِ‬ ‫ل َهُ ْ‬

‫م‬‫ست َط َعْت ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ِ‬ ‫م‬


‫عوا َ‬ ‫ت َواد ْ ُ‬ ‫فت ََرَيا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫مث ْل ِهِ ُ‬ ‫سوَرٍ ِ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ل فَأ ُْتوا ب ِعَ ْ‬ ‫ن افْت ََراه ُ قُ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫}أ ْ‬
‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما أنز َ‬
‫ل‬ ‫موا أن ّ َ‬ ‫م َفاعْل َ ُ‬ ‫جيُبوا ل َك ُ ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ن )‪ (13‬فَإ ِ ْ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ إ ِ ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪{ (14‬‬ ‫َ‬ ‫ه ِإل هُوَ فَهَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫ن ل إ ِل َ‬ ‫ب ِعِلم ِ اللهِ وَأ ْ‬
‫يقول تعالى مسلّيا لرسوله الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬عما كان يتعنت به‬
‫المشركون ‪ ،‬فيما كانوا يقولونه عن الرسول ‪ -‬كما أخبر تعالى عنهم ‪: -‬‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ل إ ِلي ْ ِ‬ ‫ول ُأنز َ‬ ‫ق لَ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫سْ َ‬ ‫شي ِفي ال ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫ل الط َّعا َ‬ ‫ل ي َأ ْك ُ ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫ذا الّر ُ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫} وََقاُلوا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫من َْها وََقا َ‬
‫ل‬ ‫ل ِ‬ ‫ة ي َأك ُ ُ‬ ‫جن ّ ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫كنز أوْ ت َ ُ‬ ‫قى إ ِل َي ْهِ َ‬ ‫ذيًرا أوْ ي ُل ْ َ‬ ‫ه نَ ِ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كو َ‬ ‫ك فَي َ ُ‬ ‫مل َ ٌ‬ ‫َ‬
‫حوًرا { ]الفرقان ‪ .[8 ، 7 :‬فأمر الله تعالى‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫جل‬
‫ِ ُ َ ِ ْ َُِّ َ ِ َ ُ َ ْ ُ‬ ‫ر‬ ‫إل‬ ‫ن‬ ‫عو‬ ‫ب‬ ‫ت‬‫ت‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫مو‬ ‫ل‬ ‫ّ‬
‫ظا‬ ‫ال‬
‫رسوله ‪ ،‬صلوات الله تعالى وسلمه عليه ‪ ،‬وأرشده إلى أل يضيق بذلك منهم‬
‫صد ُْره ‪ ،‬ول يهيدنه ذلك ول ي ُْثنيّنه عن دعائهم إلى الله عز وجل آناء الليل‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫قو‬‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫ص‬ ‫ق‬ ‫ضي‬ ‫ي‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫قد نعل َم أ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫قال‬ ‫كما‬ ‫‪،‬‬ ‫النهار‬ ‫وأطراف‬
‫َ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫َ ْ َ ْ ُ ّ َ ِ ُ َْ ْ ُ‬
‫ن{‬ ‫َ ُ‬ ‫قي‬‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫حّتى ي َأت ِي َ‬ ‫ك َ‬ ‫ن * َواعْب ُد ْ َرب ّ َ‬ ‫دي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ك وَك ُ ْ‬ ‫مد ِ َرب ّ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ْ‬ ‫* فَ َ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫حى إ ِلي ْ َ‬ ‫ما ُيو َ‬ ‫ض َ‬ ‫ك ب َعْ َ‬ ‫ك َتارِ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫] الحجر ‪ ، [99 - 97 :‬وقال هاهنا ‪ } :‬فَلعَل َ‬
‫قوُلوا { أي ‪ :‬لقولهم ذلك ‪ ،‬فإنما أنت نذير ‪ ،‬ولك أسوة‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫وضائ ِق به صدر َ َ‬
‫كأ ْ‬ ‫َ َ ٌ ِ ِ َ ُْ‬
‫بإخوانك من الرسل قبلك ‪ ،‬فإنهم كذُبوا وأوُذوا فصبروا حتى أتاهم نصر الله‬ ‫ُ‬
‫عز وجل‪.‬‬
‫ثم بين تعالى إعجاز القرآن ‪ ،‬وأنه ل يستطيع البشر التيان بمثله ‪ ،‬ول بعشر‬
‫سور ]من[ )‪ (1‬مثله ‪ ،‬ول بسورة من مثله ؛ لن كلم الرب ل يشبهه كلم‬
‫المخلوقين ‪ ،‬كما أن صفاته ل تشبه صفات المحدثات )‪ ، (2‬وذاته ل يشبهها‬
‫شيء ‪ ،‬تعالى وتقدس وتنزه ‪ ،‬ل إله إل هو ول رب سواه‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬فإن لم يأتوا بمعارضة ما‬ ‫جيُبوا ل َك ُ ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬فَإ ِ ْ‬
‫دعوتموهم )‪ (3‬إليه ‪ ،‬فاعلموا أنهم عاجزون عن ذلك ‪ ،‬وأن هذا الكلم منزل‬
‫م‬ ‫من عند الله ‪ ،‬متضمن )‪ (4‬علمه وأمره ونهيه ‪ } ،‬وأ َن ل إل َه إل هُو فَه ْ َ‬
‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫َ ْ‬
‫ن { )‪.(5‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫م ِفيَها ل‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ما‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫ّ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ها‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫زي‬ ‫و‬ ‫يا‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫يا‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫د‬ ‫ري‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫}‬
‫َ َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫ِ ِْ ْ‬ ‫ُ‬
‫ّ َ َ ِ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ِ ُ َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫صن َُعوا‬ ‫ما‬ ‫َ‬
‫ط‬ ‫ب‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫إل‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ئ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫أو‬ ‫خسون )‪ُ (15‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ُ َ ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ي ُب ْ َ ُ‬
‫ن )‪{ (16‬‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫ِفيَها وََباط ِ ٌ‬
‫قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬في هذه الية ‪ :‬إن أهل الرياء يعطون‬
‫بحسناتهم في الدنيا ‪ ،‬وذلك أنهم ل يظلمون نقيرا ‪ ،‬يقول ‪ :‬من عمل صالحا‬
‫التماس الدنيا ‪ ،‬صوما أو صلة أو تهجدا بالليل ‪ ،‬ل‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬المخلوقين"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ما دعوتهم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬متضمنا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬وأنه"‪.‬‬

‫) ‪(4/310‬‬
‫ن َرب ّهِ وَي َت ُْلوه ُ َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫ما ً‬
‫سى إ ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ك َِتا ُ‬ ‫م ْ‬
‫ه وَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫شاهِد ٌ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن عََلى ب َي ّن َةٍ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫أفَ َ‬
‫ك ِفي‬ ‫عد ُه ُ فََل ت َ ُ‬ ‫ب َفالّناُر َ‬
‫مو ْ ِ‬ ‫حَزا ِ‬ ‫ن اْل َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬
‫فْر ب ِهِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ب ِهِ وَ َ‬‫مُنو َ‬ ‫ة ُأول َئ ِ َ‬
‫ك ي ُؤْ ِ‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬‫وََر ْ‬
‫ن )‪(17‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مُنو َ‬ ‫س ل ي ُؤ ِ‬ ‫ن أكثَر الّنا ِ‬ ‫ن َرب ّك وَلك ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫حقّ ِ‬ ‫ه ال َ‬‫ه إ ِن ّ ُ‬
‫من ْ ُ‬
‫مْري َةٍ ِ‬ ‫ِ‬

‫يعمله )‪ (1‬إل التماس الدنيا ‪ ،‬يقول الله ‪ :‬أوفيه الذي التمس في الدنيا من‬
‫المثابة ‪ ،‬وحبط عمله الذي كان يعمله التماس الدنيا ‪ ،‬وهو في الخرة من‬
‫الخاسرين‪.‬‬
‫وهكذا روي عن مجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫وقال أنس بن مالك ‪ ،‬والحسن ‪ :‬نزلت في اليهود والنصارى‪ .‬وقال مجاهد‬
‫وغيره ‪ :‬نزلت في أهل الرياء )‪.(2‬‬
‫دمه )‪ (3‬وط َل َِبته ونيته ‪ ،‬جازاه الله‬ ‫وقال قتادة ‪ :‬من كانت الدنيا همه َ َ َ‬
‫س‬ ‫و‬
‫بحسناته في الدنيا ‪ ،‬ثم يفضي إلى الخرة وليس له حسنة يعطى بها جزاء‪.‬‬
‫وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الخرة‪.‬‬
‫وقد ورد في الحديث المرفوع نحو من هذا )‪.(4‬‬
‫ريد ُ ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫ن نُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء ل ِ َ‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫ه ِفيَها َ‬ ‫جل َْنا ل َ ُ‬ ‫ة عَ ّ‬ ‫جل َ َ‬ ‫ريد ُ ال َْعا ِ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وقال تعالى ‪َ } :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫و‬
‫سعْي ََها وَهُ َ‬ ‫سَعى لَها َ‬ ‫خَرةَ وَ َ‬ ‫ن أَراد َ ال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حوًرا وَ َ‬ ‫مد ْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫مو ً‬ ‫مذ ْ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫صل َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ه َ‬ ‫جعَل َْنا ل َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن عَطاِء َرب ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ؤلِء وَهَ ُ‬ ‫مد ّ ه َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫ن فَأولئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما‬
‫ك وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ؤلِء ِ‬ ‫شكوًرا كل ن ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫سعْي ُهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ك كا َ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫خَرةُ أكب َُر‬ ‫ض وَلل ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ض‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫را‬ ‫ظو‬ ‫ُ‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫طا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬
‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫وقال‬ ‫(‬‫‪5‬‬ ‫)‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬ ‫‪21‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪:‬‬ ‫]السراء‬ ‫{‬ ‫ضيل‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ر‬‫ت وَأك ْب ُ‬
‫َ‬ ‫جا ٍ‬ ‫د ََر َ‬
‫ما‬‫من َْها وَ َ‬ ‫ث الد ّن َْيا ن ُؤْت ِهِ ِ‬ ‫حْر َ‬ ‫ريد ُ َ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫َ‬
‫ن كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫حْرث ِهِ وَ َ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫َ‬
‫خَرةِ نزد ْ ل ُ‬ ‫ث ال ِ‬ ‫حْر َ‬ ‫ريد ُ َ‬ ‫يُ ِ‬
‫ب { ]الشورى ‪.[20 :‬‬ ‫صي ٍ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خَرةِ ِ‬ ‫ه ِفي ال ِ‬ ‫لَ ُ‬
‫ن َرب ّهِ وَي َت ُْلوه ُ َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ما ً‬‫سى إ ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ك َِتا ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫شاهِد ٌ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن عََلى ب َي ّن َةٍ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫} أفَ َ‬
‫عد ُه ُ َفل ت َ ُ‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬ ‫ة أول َئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫ك ِفي‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ب َفالّناُر َ‬ ‫حَزا ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫فْر ب ِهِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ب ِهِ وَ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ك ي ُؤْ ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫وََر ْ‬
‫ن )‪{ (17‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مُنو َ‬ ‫س ل ي ُؤ ِ‬ ‫ن أكثَر الّنا ِ‬ ‫ن َرب ّك وَلك ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫حقّ ِ‬ ‫ه ال َ‬ ‫ه إ ِن ّ ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫مْري َةٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫يخبر تعالى عن حال المؤمنين الذين هم على فطرة الله تعالى التي فطر‬
‫َ‬
‫عليها عباده ‪ ،‬من العتراف له بأنه ل إله إل هو ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬فَأقِ ْ‬
‫م‬
‫ق الل ّهِ ذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫خل ِ‬
‫ل لِ َ ْ‬ ‫دي َ‬ ‫س عَل َي َْها ل ت َب ْ ِ‬ ‫فا فِط َْرةَ الل ّهِ ال ِّتي فَط ََر الّنا َ‬ ‫حِني ً‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ك ِلل ّ‬ ‫جهَ َ‬ ‫وَ ْ‬
‫م { ]الروم ‪ ، [30 :‬وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال‬ ‫قي ّ ُ‬ ‫ن ال َ‬‫ْ‬ ‫دي ُ‬ ‫ال ّ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل مولود يولد على الفطرة ‪ ،‬فأبواه‬
‫سون‬ ‫ح ّ‬ ‫معاء ‪ ،‬هل ت ُ ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫جسانه ‪ ،‬كما تولد البهيمة بهيمة َ‬ ‫م ّ‬ ‫صرانه وي ُ َ‬ ‫ودانه وي ُن َ ّ‬ ‫ي ُهَ ّ‬
‫فيها من جدعاء ؟" )‪ .(6‬وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار ‪ ،‬عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬ل يعلمه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬الربا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وشدته"‪.‬‬
‫)‪ (4‬لعل الحافظ يقصد الحديث الذي رواه البزار والطبراني من حديث أنس‬
‫ولفظه ‪" :‬من كانت الدنيا همته وسدمه ‪ ،‬ولها شخص وإياها ‪+‬ينوى ‪ ،‬جعل‬
‫الله الفقر بين عينيه وشتت عليه ضيعته ‪ ،‬ولم يأته منها إل ما كتب له منها ‪،‬‬
‫ومن كانت الخرة همته وسدمه ‪ ،‬ولها شخص ‪ ،‬وإياها ‪+‬ينوى ‪ ،‬جعل الله عز‬
‫وجل الغنى في قلبه وجمع عليه ضيعته وأتته الدنيا وهي صاغرة"‪ .‬ورواه‬
‫الترمذي في السنن برقم )‪ (2465‬عن أنس بأخصر من هذا ‪ ،‬ورواه ابن‬
‫ماجه في السنن عن زيد بن ثابت مرفوعا بنحوه‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬ما يشاء"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪ (1385‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2658‬‬

‫) ‪(4/311‬‬

‫فاء ‪ ،‬فجاءتهم الشياطين‬ ‫حن َ َ‬‫قال ‪" :‬يقول الله تعالى ‪ :‬إني خلقت عبادي ُ‬
‫ت عليهم ما أحللت لهم" )‪ .(1‬وفي المسند‬ ‫م ْ‬ ‫حّر َ‬ ‫فاجتالتهم عن دينهم ‪ ،‬و َ‬
‫رب عنه لسانه" )‪(2‬‬ ‫والسنن ‪" :‬كل مولود يولد على هذه الملة ‪ ،‬حتى ُيع ِ‬
‫ه{‬ ‫من ْ ُ‬
‫شاهِد ٌ ِ‬ ‫ُ‬
‫الحديث ‪ ،‬فالمؤمن باق على هذه الفطرة‪] .‬وقوله ‪ } :‬وَي َت ْلوه ُ َ‬
‫أي[ )‪ : (3‬وجاءه شاهد من الله ‪ ،‬وهو ما أوحاه إلى النبياء ‪ ،‬من الشرائع‬
‫مةِ بشريعة محمد ‪ ،‬صلوات الله وسلمه‬ ‫خت َت َ َ‬‫م ْ‬‫ظمة ال ُ‬ ‫مَلة المع ّ‬ ‫مك َ ّ‬ ‫المطهَرة ال ُ‬
‫رمة ‪ ،‬وأبو العالية‬ ‫ْ‬
‫عك ِ‬ ‫عليه وعليهم أجمعين‪ .‬ولهذا قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫دي ‪ ،‬وغير واحد في قوله تعالى ‪:‬‬ ‫س ّ‬
‫خعي ‪ ،‬وال ّ‬ ‫‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وإبراهيم الن ّ َ‬
‫ه { إنه جبريل عليه السلم‪.‬‬ ‫من ْ ُ‬ ‫شاهِد ٌ ِ‬ ‫} وَي َت ُْلوه ُ َ‬
‫وعن علي ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬هو محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وكلهما قريب في المعنى ؛ لن كل من جبريل ومحمد ‪ ،‬صلوات الله عليهما ‪،‬‬
‫بّلغ رسالة الله تعالى ‪ ،‬فجبريل إلى محمد ‪ ،‬ومحمد إلى المة )‪.(4‬‬
‫ي‪ .‬وهو ضعيف ل يثبت له قائل ‪ ،‬والول والثاني هو الحق ؛‬ ‫وقيل ‪ :‬هو عل ّ‬
‫وذلك أن المؤمن عنده من الفطرة ما يشهد للشريعة من حيث الجملة ‪،‬‬
‫والتفاصيل تؤخذ من الشريعة ‪ ،‬والفطرة تصدقها وتؤمن بها ؛ ولهذا قال‬
‫ّ‬ ‫ن َرب ّهِ وَي َت ُْلوه ُ َ‬ ‫َ‬
‫ه { وهو القرآن ‪ ،‬بلغه‬ ‫من ْ ُ‬
‫شاهِد ٌ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن عََلى ب َي ّن َةٍ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫تعالى ‪ } :‬أفَ َ‬
‫جبريل إلى النبي ]محمد[ )‪ (5‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وبلغه النبي محمد إلى‬
‫أمته‪.‬‬
‫سى { أي ‪ :‬ومن قبل ]هذا[ )‪ (6‬القرآن‬ ‫مو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ك َِتا ُ‬ ‫م ْ‬‫ثم قال تعالى ‪ } :‬وَ ِ‬
‫ة { أي ‪ :‬أنزل الله تعالى إلى تلك‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬‫ما وََر ْ‬ ‫ما ً‬ ‫كتاب موسى ‪ ،‬وهو التوراة ‪ } ،‬إ ِ َ‬
‫المة إماما لهم ‪ ،‬وقدوة )‪ (7‬يقتدون بها ‪ ،‬ورحمة من الله بهم‪ .‬فمن آمن بها‬
‫حق اليمان قاده ذلك إلى اليمان بالقرآن ؛ ولهذا قال تعالى ‪ُ } :‬أول َئ ِ َ‬
‫ك‬
‫ن ب ِهِ {‪.‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫فْر ب ِهِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ي َك ُ‬ ‫م ْ‬
‫ثم قال تعالى متوعدا لمن كذب بالقرآن أو بشيء منه ‪ } :‬وَ َ‬
‫عد ُهُ { أي ‪ :‬ومن كفر بالقرآن من سائر أهل الرض‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ب َفالّناُر َ‬ ‫حَزا ِ‬ ‫ال ْ‬
‫مشركيهم ‪ :‬أهل )‪ (8‬الكتاب وغيرهم ‪ ،‬من سائر طوائف بني آدم على‬
‫اختلف ألوانهم وأشكالهم وأجناسهم ‪ ،‬ممن بلغه القرآن ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ن ب َل َغَ { ]النعام ‪ ، [19 :‬وقال تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬
‫س‬
‫ل َيا أي َّها الّنا ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ب ِهِ وَ َ‬ ‫} لن ْذَِرك ُ ْ‬
‫فْر‬‫ن ي َك ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫ميًعا { ]العراف ‪ .[158 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ إ ِلي ْك ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫إ ِّني َر ُ‬
‫عد ُه ُ { وفي صحيح مسلم ‪ ،‬من حديث شعبة ‪ ،‬عن‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ب َفالّناُر َ‬ ‫حَزا ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬‫ب ِهِ ِ‬
‫أبي بشر عن سعيد بن جبير عن أبي موسى الشعري ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬ل يسمع بي‬
‫أحد من هذه المة يهودي أو نصراني ‪ ،‬ثم ل يؤمن بي إل دخل النار" )‪.(9‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم برقم )‪.(2865‬‬
‫)‪ (2‬رواه المام أحمد في المسند )‪ (3/353‬من طريق أبي جعفر عن الربيع‬
‫بن أنس عن الحسن عن جابر به‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬أمته"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬وقد"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬وأهل"‪.‬‬
‫)‪ (9‬كذا ‪ ،‬والحديث في صحيح مسلم برقم )‪ (153‬من حديث أبي هريرة ‪،‬‬
‫وإنما رواه بهذا السند الطبري في تفسيره )‪ (15/281‬وأحمد في مسنده )‬
‫‪ (4/396‬وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد )‪.(8/261‬‬

‫) ‪(4/312‬‬

‫قو ُ‬
‫ل‬ ‫م وَي َ ُ‬‫ن عََلى َرب ّهِ ْ‬‫ضو َ‬‫ك ي ُعَْر ُ‬ ‫ن افْت ََرى عََلى الل ّهِ ك َذًِبا ُأول َئ ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫م ّ‬
‫م ِ‬
‫وم َ‬
‫ن أظ ْل َ ُ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫اْل َ ْ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬
‫ن )‪ (18‬ال ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ة اللهِ عَلى الظال ِ ِ‬ ‫م أل لعْن َ ُ‬ ‫ن كذ َُبوا عَلى َرب ّهِ ْ‬ ‫شَهاد ُ هَؤُلِء ال ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن )‪(19‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م َ‬
‫خَرةِ هُ ْ‬ ‫م ِباْل َ ِ‬ ‫جا وَهُ ْ‬ ‫عوَ ً‬ ‫ل الل ّهِ وَي َب ُْغون ََها ِ‬
‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫دو َ‬‫ص ّ‬ ‫يَ ُ‬

‫وقال أيوب السختياني ‪ ،‬عن سعيد بن جبير قال ‪ :‬كنت ل أسمع بحديث عن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهه إل وجدت مصداقه ‪ -‬أو قال ‪:‬‬
‫تصديقه ‪ -‬في القرآن ‪ ،‬فبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ل‬
‫يسمع بي أحد من هذه المة ‪ ،‬ول يهودي ول نصراني ‪ ،‬فل يؤمن بي إل دخل‬
‫النار"‪ .‬فجعلت أقول ‪ :‬أين مصداقه في كتاب الله ؟ قال ‪ :‬وقلما سمعت عن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم إل وجدت له تصديقا في القرآن ‪ ،‬حتى‬
‫عد ُهُ { قال ‪" :‬من‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ب َفالّناُر َ‬ ‫حَزا ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫فْر ب ِهِ ِ‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وجدت هذه الية ‪ } :‬وَ َ‬
‫الملل كلها" )‪.(1‬‬
‫ن َرب ّك { أي ‪ :‬القرآن حق من‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫حقّ ِ‬ ‫ه ال َ‬‫ْ‬ ‫ه إ ِن ّ ُ‬‫من ْ ُ‬ ‫مْري َةٍ ِ‬ ‫ك ِفي ِ‬ ‫قوله ‪َ } :‬فل ت َ ُ‬
‫ه‬
‫ب ِفي ِ‬ ‫ب ل َري ْ َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫الله ‪ ،‬ل مرية فيه ول شك ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬الم َتنزي ُ‬
‫بل‬ ‫ك ال ْك َِتا ُ‬‫ن { ]السجدة ‪ ، [2 ، 1 :‬وقال تعالى ‪ } :‬الم ذ َل ِ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن[ { ] البقرة ‪.(2) [2 ، 1 :‬‬ ‫ُ ِّ َ‬ ‫قي‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫دى‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫]‬ ‫َر ْ َ ِ ِ‬
‫ه‬ ‫في‬ ‫ب‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س‬‫ما أك ْث َُر َ الّنا ِ‬ ‫ن { كما قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫س ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َك ِ ّ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ت ُط ِعْ أك ْث ََر َ‬ ‫ن { ]يوسف ‪ ، [103 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت بِ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫حَر ْ‬ ‫وَل َوْ َ‬
‫قد ْ‬‫ل الل ّهِ { ]النعام ‪ ، [116 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَل َ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫ضّلو َ‬ ‫ض يُ ِ‬ ‫ِفي الْر ِ‬
‫ن { ]سبأ ‪.[20 :‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫قا ِ‬ ‫ري ً‬ ‫ه َفات ّب َُعوه ُ ِإل فَ ِ‬ ‫س ظن ّ ُ‬‫َ‬ ‫م إ ِب ِْلي ُ‬ ‫صد ّقَ عَل َي ْهِ ْ‬ ‫َ‬
‫قو ُ‬
‫ل‬ ‫م وَي َ ُ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ضو‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫أو‬ ‫ُ‬ ‫با‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫رى‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ظ‬ ‫} ومن أ َ‬
‫َ ِ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ّ‬‫ِ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫(‬ ‫‪18‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫مي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ظا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫أل‬ ‫ؤلِء ال ّذي ِن ك َذ َبوا عََلى ربهم َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫شَها‬‫ال ْ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪{ (19‬‬ ‫م كافُِرو َ‬ ‫َ‬ ‫خَرةِ هُ ْ‬ ‫م ِبال ِ‬ ‫جا وَهُ ْ‬ ‫عوَ ً‬ ‫ل اللهِ وَي َب ُْغون ََها ِ‬ ‫ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬‫يَ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(15/280‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/313‬‬

‫ن أ َوْل َِياءَ‬
‫م ْ‬‫ن الل ّهِ ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫َ‬
‫كا َ‬ ‫ما‬
‫ض وَ َ‬
‫َْ‬
‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫زي َ‬‫ج ِ‬
‫معْ ِ‬
‫كوُنوا ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫ك لَ ْ‬
‫ن )‪(20‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي ُب ْ ِ‬ ‫مع َ و َ َ‬‫س ْ‬‫ال ّ‬ ‫ن‬
‫طيُعو َ‬‫ست َ ِ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫م ال ْعَ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫ف ل َهُ ُ‬‫ضاعَ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫فترون )‪َ (21‬ل جر َ‬ ‫سُروا أ َن ْ ُ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫م‬
‫م أن ّهُ ْ‬
‫َ َ َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َ ْ َ ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫ض ّ‬
‫ل عَن ْهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬
‫سهُ ْ‬‫ف َ‬ ‫خ ِ‬‫ن َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن )‪(22‬‬ ‫سُرو َ‬ ‫خ َ‬‫م اْل َ ْ‬
‫خَرةِ هُ ُ‬ ‫ِفي اْل َ ِ‬

‫ن أ َوْل َِياَء‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬


‫م ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬‫ن ل َهُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬‫معْ ِ‬ ‫كوُنوا ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ك لَ ْ‬ ‫} ُأول َئ ِ َ‬
‫ن )‪(20‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي ُب ْ ِ‬ ‫مع َ و َ َ‬‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫ف ل َهُ ُ‬ ‫ضاعَ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ض ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م أن ّهُ ْ‬ ‫جَر َ‬‫ن )‪ (21‬ل َ‬ ‫فت َُرو َ‬‫ما كاُنوا ي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل عَن ْهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬‫سُروا أن ْ ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫أولئ ِك ال ِ‬
‫ن )‪{ (22‬‬ ‫سُرو َ‬ ‫خ َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫خَرةِ هُ ُ‬ ‫ِفي ال ِ‬
‫يبين تعالى حال المفترين عليه وفضيحتهم في الدار الخرة على رءوس‬
‫الخلئق ؛ من الملئكة ‪ ،‬والرسل ‪ ،‬والنبياء ‪ ،‬وسائر البشر والجان ‪ ،‬كما قال‬
‫المام أحمد ‪:‬‬
‫رز قال ‪:‬‬ ‫ح‬
‫ُ ْ ِ‬‫م‬ ‫بن‬ ‫صفوان‬ ‫عن‬ ‫‪،‬‬ ‫قتادة‬ ‫حدثنا‬ ‫‪،‬‬ ‫مام‬ ‫َ ّ‬ ‫ه‬ ‫أخبرنا‬ ‫قال‬ ‫وعفان‬ ‫حدثنا ب َْهز‬
‫ذا بيد ابن عمر ‪ ،‬إذ عرض له رجل قال ‪ :‬كيف سمعت رسول الله‬ ‫كنت آخ ً‬
‫صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى يوم القيامة ؟ قال ‪ :‬سمعت رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬يقول ‪" :‬إن الله عز وجل يدني المؤمن ‪ ،‬فيضع‬
‫فه ‪ ،‬ويستره من الناس ‪ ،‬ويقرره بذنوبه ‪ ،‬ويقول له ‪ :‬أتعرف ذنب كذا‬ ‫عليه كن َ َ‬
‫)‪ (1‬؟ أتعرف ذنب كذا )‪ (2‬؟ أتعرف ذنب كذا )‪ (3‬؟ حتى إذا قَّرره بذنوبه ‪،‬‬
‫ورأى في نفسه أنه قد هلك قال ‪ :‬فإني قد سترتها عليك في الدنيا ‪ ،‬وإني‬
‫أغفرها لك اليوم‪ .‬ثم يعطى كتاب حسناته ‪ ،‬وأما الكفار والمنافقون فيقول ‪:‬‬
‫ن{‬ ‫مي َ‬ ‫ة الل ّهِ عََلى ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫م َأل ل َعْن َ ُ‬ ‫ن ك َذ َُبوا عََلى َرب ّهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ؤلِء ال ّ ِ‬ ‫شَهاد ُ هَ ُ‬ ‫} ال ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬كذا وكذا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬كذا وكذا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬كذا وكذا"‪.‬‬

‫) ‪(4/313‬‬

‫أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين ‪ ،‬من حديث قتادة به )‪.(1‬‬


‫س‬‫جا { أي يرّدون النا َ‬ ‫عوَ ً‬‫ل الل ّهِ وَي َب ُْغون ََها ِ‬ ‫سِبي ِ‬‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫عن اتباع الحق وسلوك طريق )‪ (2‬الهدى الموصلة إلى الله عز وجل‬
‫جا { أي ‪ :‬ويريدون أن يكون طريقهم )‬ ‫عوَ ً‬ ‫ويجنبونهم )‪ (3‬الجنة ‪ } ،‬وَي َب ُْغون ََها ِ‬
‫ن { أي ‪ :‬جاحدون بها‬ ‫م كافُِرو َ‬ ‫َ‬ ‫خَرةِ هُ ْ‬ ‫م ِبال ِ‬ ‫‪ (4‬عوجا غير معتدلة ‪ } ،‬وَهُ ْ‬
‫مكذبون بوقوعها وكونها‪.‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ن لهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ما كا َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫معْ ِ‬ ‫كوُنوا ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫} ُأول َئ ِ َ‬
‫ك لَ ْ‬
‫أ َوْل َِياَء { أي ‪ :‬بل كانوا تحت قهره وغلبته ‪ ،‬وفي قبضته وسلطانه ‪ ،‬وهو قادر‬
‫م ل ِي َوْم ٍ‬
‫خُرهُ ْ‬ ‫على النتقام منهم في الدار الدنيا قبل الخرة ‪ ،‬ولكن } ي ُؤَ ّ‬
‫صاُر { ]إبراهيم ‪ ، [42 :‬وفي الصحيحين ‪" :‬إن الله لُيملي‬ ‫ص ِفيهِ الب ْ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫تَ ْ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ف لهُ ُ‬ ‫ضاعَ ُ‬ ‫فلته" ؛ )‪ (5‬ولهذا قال تعالى ‪ } :‬ي ُ َ‬ ‫ذه لم ي ُ ْ‬ ‫للظالم ‪ ،‬حتى إذا أخ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬يضاعف عليهم‬ ‫رو‬ ‫ص‬
‫ُ ُْ ِ ُ َ‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫نوا‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫ع‬
‫ّ ْ َ َ َ‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ست َ ِ ُ َ‬
‫عو‬ ‫طي‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫العذاب ‪ ،‬وذلك لن الله تعالى جعل لهم سمعا وأبصارا وأفئدة ‪ ،‬فما أغنى‬
‫ما عن‬ ‫ص ّ‬‫عنهم سمعهم ول أبصارهم ول أفئدتهم ]من شيء[ )‪ ، (6‬بل كانوا ُ‬
‫عميا عن اتباعه ‪ ،‬كما أخبر تعالى عنهم حين دخولهم النار ‪:‬‬ ‫سماع الحق ‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سِعيرِ { ] الملك ‪، [10 :‬‬ ‫ب ال ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ما ك ُّنا ِفي أ ْ‬ ‫ل َ‬‫ق ُ‬ ‫معُ أوْ ن َعْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫} وََقاُلوا ل َوْ ك ُّنا ن َ ْ‬
‫ب‬ ‫ذاًبا فَوْقَ ال ْعَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ل الل ّهِ زِد َْناهُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دوا عَ ْ‬ ‫ص ّ‬‫فُروا وَ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫ن { ]النحل ‪ [88 :‬؛ ولهذا يعذبون على كل أمر تركوه ‪،‬‬ ‫دو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫كاُنوا ي ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫بِ َ‬
‫ح القوال أنهم مكلفون بفروع الشرائع‬ ‫وعلى كل نهي ارتكبوه ؛ ولهذا كان أص ّ‬
‫أمرها ونهيها بالنسبة إلى الدار الخرة‪.‬‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫رو‬
‫ُ َ َُ َ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫نوا‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫م‬
‫َُْ ْ َ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ض‬
‫سهُ ْ َ َ‬
‫و‬ ‫م‬ ‫ف َ‬ ‫سُروا أ َن ْ ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫وقوله ‪ُ } :‬أول َئ ِ َ‬
‫فّتر عنهم‬ ‫خسروا أنفسهم لنهم دخلوا )‪ (7‬نارا حامية ‪ ،‬فهم معذبون فيها ل ي ُ َ‬
‫سِعيًرا {‬ ‫م َ‬ ‫ت زِد َْناهُ ْ‬ ‫خب َ ْ‬‫ما َ‬ ‫من عذابها طرفة عين ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ك ُل ّ َ‬
‫]السراء ‪.[97 :‬‬
‫ن { من دون الله من‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م { أي ‪ :‬ذهب عنهم } َ‬ ‫ل عَن ْهُ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫و} َ‬
‫جد عنهم شيًئا ‪ ،‬بل ضرتهم كل الضرر ‪ ،‬كما قال‬ ‫النداد والصنام ‪ ،‬فلم ت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬ ‫م كافِ ِ‬ ‫داًء وَكاُنوا ب ِعَِباد َت ِهِ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫س كاُنوا لهُ ْ‬ ‫شَر الّنا ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَإ َِذا ُ‬
‫عّزا‬‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ة ل ِي َكوُنوا لهُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن اللهِ آل ِهَ ً‬ ‫ّ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫]الحقاف ‪ ، [6 :‬وقال تعالى ‪َ } :‬وات ّ َ‬
‫دا { ]مريم ‪ (8) ، [82 ، 81 :‬وقال‬ ‫ض ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬ ‫كوُنو َ‬ ‫م وَي َ ُ‬ ‫ن ب ِعَِباد َت ِهِ ْ‬ ‫فُرو َ‬ ‫سي َك ْ ُ‬‫كل َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫موَد ّة َ ب َي ْن ِك ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ أوَْثاًنا َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬ ‫ما ات ّ َ‬ ‫الخليل لقومه ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ما‬
‫م الّناُر وَ َ‬ ‫ُ‬
‫مأَواك ُ‬ ‫ضا وَ َ‬ ‫م ب َعْ ً‬ ‫ُ‬
‫ضك ْ‬ ‫ن ب َعْ ُ‬ ‫ض وَي َلعَ ُ‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضك ْ‬ ‫ُ‬ ‫فُر ب َعْ ُ‬ ‫مةِ ي َك ْ ُ‬ ‫قَيا َ‬‫م ال ْ ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ن { ]العنكبوت ‪ (9) ، [25 :‬وقال تعالى ‪ } :‬إ ِذ ْ ت َب َّرأ ال ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ن َنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ل َك ْ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ب { ]البقرة ‪[166 :‬‬ ‫سَبا ُ‬ ‫م ال ْ‬ ‫ت ب ِهِ ُ‬ ‫قط ّعَ ْ‬ ‫ب وَت َ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن ات ّب َُعوا وََرأُوا ال ْعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ات ّب ُِعوا ِ‬
‫؛‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (2/74‬وصحيح البخاري برقم )‪ (4685‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪.(1768‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬طرق"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وبحبحة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬طريق الحق"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم "‪ "4086‬وصحيح مسلم برقم "‪ "2583‬من حديث‬
‫أبي موسى الشعري رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬أدخلوا"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬ويكونوا"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬ويوم"‪.‬‬

‫) ‪(4/314‬‬

‫خبتوا إَلى ربهم ُأول َئ ِ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬


‫م‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫جن ّةِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬‫ص َ‬
‫كأ ْ‬ ‫َ ِّ ْ‬ ‫ت وَأ ْ َ ُ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ن ال ّ ِ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ميِع هَ ْ‬
‫ل‬ ‫س ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬ ‫مث َ ُ‬
‫صيرِ َوال ّ‬
‫م َوالب َ ِ‬ ‫ص ّ‬
‫مى َوال َ‬‫كالعْ َ‬ ‫قي ْ ِ‬
‫ري َ‬ ‫ف ِ‬‫ل ال َ‬ ‫ن )‪َ (23‬‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬
‫ِفيَها َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ن )‪(24‬‬ ‫مث َل أفَل ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫ن َ‬ ‫ست َوَِيا ِ‬
‫يَ ْ‬

‫إلى غير ذلك من اليات الدالة على خسرهم )‪ (1‬ودمارهم ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ل‬
‫ن { يخبر تعالى عن حالهم أنهم أخسر‬ ‫جر َ‬
‫سُرو َ‬
‫خ َ‬
‫م ال ْ‬
‫خَرةِ هُ ُ‬
‫م ِفي ال ِ‬ ‫م أن ّهُ ْ‬
‫َ َ َ‬
‫الناس صفقة في الدار الخرة ؛ لنهم استبدلوا بالدركات عن الدرجات ‪،‬‬
‫موم‬
‫واعتاضوا عن نعيم الجنان بحميم آن ‪ ،‬وعن شرب الرحيق المختوم ‪َ ،‬بس ُ‬
‫سلين ‪ ،‬وعن‬ ‫ل من يحموم ‪ ،‬وعن الحور العين بطعام من ِغ ْ‬ ‫وحميم ‪ ،‬وظ ِ ّ‬
‫القصور العالية بالهاوية ‪ ،‬وعن قرب الرحمن ‪ ،‬ورؤيته بغضب الديان‬
‫وعقوبته ‪ ،‬فل جرم أنهم في الخرة هم الخسرون‪.‬‬
‫خبتوا إَلى ربهم ُأول َئ ِ َ َ‬ ‫َ‬
‫جن ّةِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫كأ ْ‬ ‫َ ِّ ْ‬ ‫ت وَأ ْ َ ُ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫} إِ ّ‬
‫ميِع هَلْ‬ ‫س ِ‬ ‫صيرِ َوال ّ‬ ‫ْ‬
‫م َوالب َ ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫مى َوال َ‬ ‫ن كالعْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قي ْ ِ‬
‫ري َ‬‫ف ِ‬ ‫مثل ال َ‬ ‫ن )‪َ (23‬‬ ‫دو َ‬
‫َ‬
‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫هُ ْ‬
‫ن )‪{ (24‬‬ ‫ّ‬
‫مثل أفل ت َذكُرو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫ست َوَِيا ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫سَعداء ‪ ،‬وهم الذين آمنوا وعملوا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫بذكر‬ ‫نى‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫الشقياء‬ ‫حال‬ ‫تعالى‬ ‫ذكر‬ ‫لما‬
‫عملت جوارحهم العمال الصالحة قول وفعل من‬ ‫الصالحات ‪ ،‬فآمنت قلوبهم و َ‬
‫التيان بالطاعات وترك المنكرات ‪ ،‬وبهذا ورثوا الجنات ‪ ،‬المشتملة على‬
‫الغرف العاليات ‪ ،‬والسرر المصفوفات ‪ ،‬والقطوف الدانيات ‪ ،‬والفرش‬
‫المرتفعات ‪ ،‬والحسان الخيرات ‪ ،‬والفواكه المتنوعات ‪ ،‬والمآكل المشتهيات )‬
‫‪ (2‬والمشارب المستلذات ‪ ،‬والنظر إلى خالق الرض والسموات ‪ ،‬وهم في‬
‫ذلك خالدون ‪ ،‬ل يموتون ول يهرمون ول يمرضون ‪ ،‬وينامون )‪ (3‬ول‬
‫مسك يعرقون‪.‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ش ُ‬ ‫طون ‪ ،‬ول يبصقون ول يتمخطون ‪ ،‬إن هو إل َر ْ‬ ‫يتغ ّ‬
‫ل‬‫مث َ ُ‬ ‫ثم ضرب ]الله[ )‪ (4‬تعالى مثل الكافرين والمؤمنين ‪ ،‬فقال ‪َ } :‬‬
‫سَعداء ‪ ،‬فأولئك‬ ‫ن { أي ‪ :‬الذين وصفهم أول بالشقاء والمؤمنين ال ّ‬ ‫قي ْ ِ‬
‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫كالعمى والصم ‪ ،‬وهؤلء كالبصير والسميع‪ .‬فالكافر أعمى عن وجه الحق‬
‫في الدنيا ‪ ،‬وفي الخرة ل يهتدي إلى خير ول يعرفه ‪ ،‬أصم عن سماع‬
‫وَ‬
‫م وَل ْ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫خي ًْرا ل ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِفيهِ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫جج ‪ ،‬فل )‪ (5‬يسمع ما ينتفع به ‪ } ،‬وَل َوْ عَل ِ َ‬ ‫الح َ‬
‫طن ذكي‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫المؤمن‬ ‫وأما‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬ ‫‪23‬‬ ‫‪:‬‬ ‫]النفال‬ ‫{‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫م َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ ْ ُ ْ ِ ُ َ‬
‫ضو‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫وا‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫س َ‬ ‫أ ْ‬
‫لبيب ‪ ،‬بصير بالحق ‪ ،‬يميز )‪ (6‬بينه وبين الباطل ‪ ،‬فيتبعُ الخير ويترك الشر ‪،‬‬
‫سميع للحجة ‪ ،‬يفرق بينها وبين الشبهة ‪ ،‬فل ي َُروج )‪ (7‬عليه باطل ‪ ،‬فهل‬
‫يستوي هذا وهذا‪.‬‬
‫َ‬
‫ن { أفل تعتبرون وتفرقون بين هؤلء وهؤلء ‪ ،‬كما قال في الية‬ ‫} أَفل ت َذ َك ُّرو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫جن ّةِ هُ ُ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫جن ّةِ أ ْ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫ب الّنارِ وَأ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫وي أ ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫الخرى ‪ } :‬ل ي َ ْ‬
‫ت‬ ‫ما ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫صيُر َول الظل َ‬ ‫ْ‬
‫مى َوالب َ ِ‬ ‫وي العْ َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫ن { ]الحشر ‪ [20 :‬وقال } وَ َ‬ ‫فائ ُِزو َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ع‬
‫م ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه يُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ت إِ ّ‬ ‫وا ُ‬ ‫م َ‬
‫حَياُء َول ال ْ‬ ‫وي ال ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫حُروُر وَ َ‬ ‫ل َول ال ْ َ‬ ‫َول الّنوُر َول الظ ّ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ك ِبال ْ َ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫ذيٌر إ ِّنا أْر َ‬ ‫ت ِإل ن َ ِ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫قُبورِ إ ِ ْ‬ ‫ن ِفي ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مٍع َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت بِ ُ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫شاُء وَ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ذيٌر { ]فاطر ‪.[24 - 19 :‬‬ ‫ُ‬
‫خل ِفيَها ن َ ِ‬ ‫مةٍ ِإل َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذيًرا وَإ ِ ْ‬ ‫شيًرا وَن َ ِ‬ ‫بَ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬خسارهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬المشهوات"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ل ينامون"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ول"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬مميز"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬فل يزوح"‪.‬‬

‫) ‪(4/315‬‬

‫َ‬ ‫ول َ َ َ‬
‫ه إ ِّني‬‫دوا إ ِّل الل ّ َ‬‫ن َل ت َعْب ُ ُ‬ ‫ن )‪ (25‬أ ْ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ذيٌر ُ‬‫م نَ ِ‬ ‫مهِ إ ِّني ل َك ُ ْ‬ ‫حا إ َِلى قَوْ ِ‬ ‫سل َْنا ُنو ً‬ ‫قد ْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫ما ن ََرا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل ال ْمَل ُ‬ ‫ذاب يوم أ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬
‫ك‬ ‫مهِ َ‬‫ن قَوْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫روا‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬‫‪26‬‬ ‫)‬ ‫ٍ‬ ‫م‬ ‫لي‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ف‬‫ُ‬ ‫خا‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ك إّل ال ّذين هُ َ‬
‫ما ن ََرى ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ي وَ َ‬ ‫م أَراذِل َُنا َبادِيَ الّرأ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ك ات ّب َعَ َ ِ‬ ‫ما ن ََرا َ‬ ‫مث ْل ََنا وَ َ‬‫شًرا ِ‬ ‫إ ِّل ب َ َ‬
‫ن )‪(27‬‬ ‫كاذِِبي َ‬‫م َ‬ ‫ل ن َظ ُن ّك ُ ْ‬‫ل بَ ْ‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ض ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫عَل َي َْنا ِ‬
‫َ‬ ‫} ول َ َ َ‬
‫دوا ِإل الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن ل ت َعْب ُ ُ‬ ‫ن )‪ (25‬أ ْ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ذيٌر ُ‬ ‫م نَ ِ‬ ‫مهِ إ ِّني ل َك ُ ْ‬ ‫حا إ َِلى قَوْ ِ‬ ‫سل َْنا ُنو ً‬ ‫قد ْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مهِ َ‬ ‫ن قوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مل ال ِ‬ ‫قال ال َ‬ ‫ب ي َوْم ٍ أِليم ٍ )‪ (26‬ف َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ف عَلي ْك ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫إ ِّني أ َ‬
‫ما ن ََرى‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن ََرا َ‬
‫ي وَ َ‬ ‫م أَراذِلَنا َبادِيَ الّرأ ِ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ن ََراك ات ّب َعَك ِإل ال ِ‬ ‫مثلَنا وَ َ‬ ‫ك ِإل ب َشًرا ِ‬
‫ن )‪{ (27‬‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ن َظ ُن ّك ُ ْ‬ ‫ل بَ ْ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م عَل َي َْنا ِ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫يخبر تعالى عن نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل‬
‫ن{‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ذيٌر ُ‬ ‫م نَ ِ‬ ‫الرض من المشركين عََبدة الصنام أنه قال لقومه ‪ } :‬إ ِّني ل َك ُ ْ‬
‫ذاَرة لكم من عذاب الله إن أنتم عبدتم غير الله ؛ ولهذا قال ‪:‬‬ ‫أي ‪ :‬ظاهر الن ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ب ي َوْم ٍ أِليم ٍ { أي إن‬ ‫ذا َ‬‫م عَ َ‬ ‫ف عَلي ْك ُ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ه { وقوله } إ ِّني أ َ‬ ‫دوا ِإل الل َ‬ ‫ن ل ت َعْب ُ ُ‬ ‫}أ ْ‬
‫موجًعا شاًقا في الدار‬ ‫ذبكم الله عذابا أليما ُ‬ ‫استمررتم على ما أنتم عليه عَ ّ‬
‫الخرة‪.‬‬
‫مهِ { والمل هم ‪ :‬السادة والكبراء من‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫نك َ‬‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫مل ال ِ‬ ‫ْ‬
‫ل ال َ‬ ‫قا َ‬ ‫} فَ َ‬
‫مث ْلَنا { أي ‪ :‬لست بملك ‪ ،‬ولكنك بشر ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫شًرا ِ‬ ‫ما ن ََراك ِإل ب َ َ‬‫َ‬ ‫الكافرين منهم ‪َ } :‬‬
‫فكيف أوحي إليك من دوننا ؟ ثم ما نراك )‪ (1‬اتبعك إل أراذلنا )‪ (2‬كالباعة‬
‫والحاكة وأشباههم ولم يتبعك الشراف ول الرؤساء ]منا[ )‪ (3‬ثم هؤلء الذين‬
‫اتبعوك لم يكن عن ت ََروّ منهم ول فكرة ول نظر ‪ ،‬بل بمجرد ما دعوتهم‬
‫م أ ََراذِلَنا‬
‫ُ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ِإل ال ّ ِ‬ ‫ك ات ّب َعَ َ‬ ‫ما ن ََرا َ‬ ‫أجابوك فاتبعوك )‪ (4‬؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ل{‬ ‫ض‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫رى‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫ي { أي ‪ :‬في أول بادئ الرأي‬ ‫ْ‬
‫ْ ٍ‬ ‫ْ َ َْ ِ ْ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫َبادِيَ الّرأ ِ‬
‫ما‬‫خُلق ‪ ،‬ول رزق ول حال ‪ ،‬ل َ ّ‬ ‫خْلق ول ُ‬ ‫يقولون ‪ :‬ما رأينا لكم علينا فضيلة في َ‬
‫دعونه )‪ (5‬لكم من‬ ‫ن { أي ‪ :‬فيما ت َ ّ‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ن َظ ُن ّك ُ ْ‬ ‫دخلتم في دينكم هذا ‪ } ،‬ب َ ْ‬
‫البر والصلح والعبادة ‪ ،‬والسعادة في الدار الخرة إذا صرتم إليها‪.‬‬
‫هذا اعتراض الكافرين على نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وأتباعه ‪ ،‬وذلك دليل على‬
‫جهلهم وقلة علمهم وعقلهم ‪ ،‬فإنه ليس بعار على الحق َرَذالة من اتبعه ‪ ،‬فإن‬
‫الحق في نفسه صحيح ‪ ،‬وسواء اتبعه الشراف أو الراذل )‪ (6‬بل الحق الذي‬
‫ل شك فيه أن أتباع الحق هم الشراف ‪ ،‬ولو كانوا فقراء ‪ ،‬والذين يأبونه هم‬
‫الراذل ‪ ،‬ولو كانوا أغنياء‪ .‬ثم الواقع غالبا أن ما يتبع الحق ضعفاء الناس ‪،‬‬
‫ما‬ ‫ك َ‬ ‫والغالب على الشراف والكبراء مخالفته ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م ٍ‬ ‫جد َْنا آَباَءَنا عََلى أ ّ‬ ‫ها إ ِّنا وَ َ‬ ‫مت َْرُفو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ذيرٍ ِإل َقا َ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِفي قَْري َةٍ ِ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫أْر َ‬
‫ن { ]الزخرف ‪ (7) ، [23 :‬ولما سأل هرقل ملك‬ ‫دو َ‬ ‫قت َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫وَإ ِّنا عََلى آَثارِهِ ْ‬
‫الروم أبا سفيان صخر بن حرب عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫قال له فيما قال ‪ :‬أشراف الناس اتبعوه أو ضعفاؤهم ؟ قال ‪ :‬بل ضعفاؤهم‪.‬‬
‫فقال هرقل ‪ :‬هم أتباع الرسل‪.‬‬
‫وقولهم )‪َ } (8‬بادِيَ الّرَأي { ليس بمذمة ول عيب ؛ لن الحق إذا وضح ل‬
‫يبقى للتروي )‪ (9‬ول للفكر مجال ‪ ،‬بل ل بد من اتباع الحق والحالة هذه لكل‬
‫ي أو غبي )‪ .(10‬والرسل ‪،‬‬ ‫ذي زكاء وذكاء ول يفكر وينزوي هاهنا إل عَي ِ ّ‬
‫صلوات الله وسلمه عليهم أجمعين ‪ ،‬إنما جاءوا بأمر جلي واضح‪.‬‬
‫وقد‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ل نراك‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬أرذلنا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬واتبعوك"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬تدعوهم" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬تدعونهم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الرذال"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬من نبي"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬وقوله"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬للروي" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬للردي"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬غني"‪.‬‬

‫) ‪(4/316‬‬

‫َ َ‬
‫ت‬ ‫عن ْدِهِ فَعُ ّ‬
‫مي َ ْ‬ ‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ة ِ‬
‫م ً‬ ‫ن َرّبي وَآ ََتاِني َر ْ‬
‫ح َ‬ ‫ت عََلى ب َي ّن َةٍ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ك ُن ْ ُ‬ ‫م إِ ْ‬‫ل َيا قَوْم ِ أَرأي ْت ُ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(28‬‬ ‫هو َ‬ ‫م لَها َ‬
‫كارِ ُ‬ ‫ها وَأن ْت ُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫مك ُ ُ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م أن ُلزِ ُ‬

‫دا‬‫جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ما دعوت أح ً‬
‫وة ‪ ،‬غير أبي بكر ‪ ،‬فإنه لم ي َت َل َعَْثم" )‪ (1‬أي ‪ :‬ما‬ ‫إلى السلم إل كانت له ك َب ْ َ‬
‫تردد ول ترّوى ‪ ،‬لنه رأى أمرا جليا عظيما واضحا ‪ ،‬فبادر إليه وسارع‪.‬‬
‫مي عن‬ ‫ل { هم ل يرون ذلك ؛ لنهم عُ ْ‬ ‫ض ٍ‬‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م عَل َي َْنا ِ‬ ‫ما ن ََرى ل َك ُ ْ‬ ‫وقولهم ‪ } :‬وَ َ‬
‫الحق ‪ ،‬ل يسمعون ول يبصرون ‪ :‬بل هم في ريبهم يترددون ‪ ،‬في ظلمات‬
‫الجهل يعمهون ‪ ،‬وهم الفاكون الكاذبون ‪ ،‬القلون الرذلون ‪ ،‬وفي الخرة هم‬
‫الخسرون‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫عن ْدِ ِ‬‫ن ِ‬‫م ْ‬‫ة ِ‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬‫ن َرّبي َوآَتاِني َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت عَلى ب َي ّن َةٍ ِ‬ ‫ن ك ُن ْ ُ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ أَرأي ْت ُ ْ‬ ‫} َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (28‬‬ ‫هو َ‬ ‫م لَها كارِ ُ‬ ‫ها وَأن ْت ُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫مك ُ‬ ‫م أن ُلزِ ُ‬ ‫ت عَلي ْك ْ‬ ‫مي َ ْ‬ ‫فَعُ ّ‬
‫َ‬
‫ت عَلى‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن كن ْ ُ‬ ‫م إِ ْ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن نوح ما رد ّ على قومه في ذلك ‪ } :‬أَرأي ْت ُ ْ‬
‫ن َرّبي { أي ‪ :‬على يقين وأمر جلي ‪ ،‬ونبوة صادقة ‪ ،‬وهي الرحمة‬ ‫م ْ‬ ‫ب َي ّن َةٍ ِ‬
‫م { أي ‪ :‬خفيت عليكم ‪ ،‬فلم‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت عَلي ْك ْ‬ ‫مي َ ْ‬ ‫العظيمة من الله به وبهم ‪ } ،‬فَعُ ّ‬
‫تهتدوا إليها ‪ ،‬ول عرفتم قدرها ‪ ،‬بل بادرتم إلى تكذيبها وردها ‪،‬‬
‫َ‬
‫ها { أي ‪ :‬ن َْغضبكم )‪ (2‬بقبولها وأنتم لها كارهون‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫مك ُ ُ‬‫} أن ُل ْزِ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ذكره المؤلف في البداية والنهاية )‪ (3/27‬عن ابن إسحاق وهو منقطع‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬نغصبكم"‪.‬‬

‫) ‪(4/317‬‬

‫ذي َ‬ ‫ما أ ََنا ب ِ َ‬ ‫ويا قَوم َل أ َسأ َل ُك ُم عَل َيه ماًل إ َ‬


‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫طارِدِ ال ّ ِ َ‬ ‫جرِيَ إ ِّل عََلى الل ّهِ وَ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ْ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ََ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫صُرِني ِ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ (29‬وََيا قَوْم ِ َ‬ ‫جهَلو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م قَوْ ً‬ ‫م وَلك ِّني أَراك ُ ْ‬ ‫ملُقو َرب ّهِ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫إ ِن ّهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ن اللهِ وَل أعْل ُ‬ ‫خَزائ ِ ُ‬‫دي َ‬ ‫عن ْ ِ‬‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ل لك ْ‬ ‫ن )‪ (30‬وَل أُقو ُ‬ ‫ّ‬
‫م أفَل ت َذ َكُرو َ‬ ‫ن طَرد ْت ُهُ ْ‬ ‫الل ّهِ إ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خي ًْرا‬‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫ن ي ُؤْت ِي َهُ ُ‬‫م لَ ْ‬ ‫ن ت َْزد َِري أعْي ُن ُك ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬ ‫ك وََل أُقو ُ‬ ‫مل َ ٌ‬
‫ل إ ِّني َ‬ ‫ب وََل أُقو ُ‬ ‫ال ْغَي ْ َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(31‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م إ ِّني إ ًِذا ل َ ِ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬‫ما ِفي أن ْ ُ‬ ‫م بِ َ‬‫ه أعْل َ ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ما أ ََنا ب ِ َ‬ ‫} ويا قَوم ل أ َسأ َل ُك ُم عَل َيه مال إ َ‬
‫ن‬ ‫طارِدِ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫جرِيَ ِإل عََلى الل ّهِ وَ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ْ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫صُرِني‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫يا‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪29‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫را‬‫آمنوا إنهم ِ ملُقو ربهم ول َكني أ َ‬
‫ْ‬
‫ْ ِ َ ْ َ ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ْ ً‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِّ ْ َ‬ ‫َ ُ ِ ُ ْ ُ‬
‫ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (30‬‬ ‫م أَفل ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫ن طَرد ْت ُهُ ْ‬‫ن الل ّهِ إ ِ ْ‬‫م َ‬
‫ِ‬
‫يقول لقومه ‪ :‬ل أسألكم على نصحي ]لكم[ )‪ (1‬مال ؛ أجرة آخذها منكم ‪،‬‬
‫مُنوا { كأنهم‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫طارِدِ ال ّ ِ‬ ‫ما أ ََنا ب ِ َ‬ ‫إنما أبتغي الجر من الله عز وجل ‪ } ،‬وَ َ‬
‫طلبوا منه أن يطرد المؤمنين عنه ‪ ،‬احتشاما ونفاسة منهم أن يجلسوا معهم ‪،‬‬
‫كما سأل أمثالهم خاتم )‪ (2‬الرسل صلى الله عليه وسلم أن يطرد عنهم )‪(3‬‬
‫جماعة من الضعفاء ويجلس معهم مجلسا خاصا ‪ ،‬فأنزل الله تعالى ‪َ } :‬ول‬
‫ك‬‫س َ‬‫ف َ‬ ‫صب ِْر ن َ ْ‬ ‫ي { ]النعام ‪َ } ، [52 :‬وا ْ‬ ‫ش ّ‬ ‫داةِ َوال ْعَ ِ‬ ‫م ِبال ْغَ َ‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ت َط ُْردِ ال ّ ِ‬
‫م{‬ ‫ك عَن ْهُ ْ‬ ‫ه َول ت َعْد ُ عَي َْنا َ‬ ‫جهَ ُ‬‫ن وَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ي يُ ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫داةِ َوال ْعَ ِ‬ ‫م ِبال ْغَ َ‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬‫ذي َ‬ ‫معَ ال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ّ‬‫قولوا أهَؤلِء َ‬ ‫ض ل ِي َ ُ‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬‫ضهُ ْ‬ ‫]الكهف ‪ ، [28 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَكذل ِك فت َّنا ب َعْ َ‬
‫الل ّه عل َيهم من بيننا أ َل َيس الل ّ َ‬
‫ن { اليات ]النعام ‪.[53 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫شاك ِ‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫ه ب ِأعْل َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ َ ِْ ْ ِ ْ ََِْ‬
‫ك َول أ َُقو ُ‬
‫ل‬ ‫مل َ ٌ‬
‫َ‬ ‫ني‬ ‫ِّ‬ ‫إ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ُ‬
‫قو‬ ‫خزائ ِن الل ّه ول أ َعْل َم ال ْغَيب ول أ َ‬
‫ْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫دي‬ ‫ع ْ ِ‬
‫ن‬ ‫م ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫} َول أ َُقو ُ‬
‫م إ ِّني إ ًِذا‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬‫ما ِفي أ َن ْ ُ‬ ‫م بِ َ‬
‫خيرا الل ّ َ‬
‫ه أعْل َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه َ ًْ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ن ي ُؤْت ِي َهُ ُ‬ ‫م لَ ْ‬
‫َ‬
‫ن ت َْزد َِري أعْي ُن ُك ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫ن )‪{ (31‬‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫ن الظال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫لَ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬لخاتم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬عنه"‪.‬‬

‫) ‪(4/317‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬
‫ت ِ‬‫ن ك ُن ْ َ‬ ‫ما ت َعِد َُنا إ ِ ْ‬ ‫دال ََنا فَأت َِنا ب ِ َ‬‫ج َ‬ ‫ت ِ‬ ‫جاد َل ْت ََنا فَأك ْث َْر َ‬ ‫ح قَد ْ َ‬ ‫َقاُلوا َيا ُنو ُ‬
‫ن )‪ (33‬وََل ي َن ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫فعُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫زي َ‬‫ج ِ‬ ‫معْ ِ‬‫م بِ ُ‬ ‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫شاَء وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫م ب ِهِ الل ّ ُ‬ ‫ما ي َأِتيك ُ ْ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬‫‪َ (32‬قا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م وَإ ِل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫م هُوَ َرب ّك ُ ْ‬ ‫ن ي ُغْوِي َك ُ ْ‬‫ريد ُ أ ْ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ح ل َك ُ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ن أَرد ْ ُ‬ ‫حي إ ِ ْ‬ ‫ص ِ‬‫نُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫م ّ‬‫ريٌء ِ‬ ‫مي وَأَنا ب َ ِ‬ ‫جَرا ِ‬ ‫ي إِ ْ‬ ‫ه فَعَل َ ّ‬ ‫ن افْت ََري ْت ُ ُ‬ ‫ل إِ ِ‬ ‫ن افْت ََراه ُ قُ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ن )‪ (34‬أ ْ‬ ‫جُعو َ‬‫ت ُْر َ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫مو َ‬‫جرِ ُ‬‫تُ ْ‬

‫يخبرهم أنه رسول من الله ‪ ،‬يدعو إلى عبادة الله وحده ل شريك له ‪ ،‬بإذن‬
‫الله له في ذلك ‪ ،‬ول يسألهم على ذلك أجرا ‪ ،‬بل هو يدعو من لقيه من‬
‫در على‬ ‫شريف ووضيع ‪ ،‬فمن استجاب له فقد نجا‪ .‬ويخبرهم )‪ (1‬أنه ل َيق ِ‬
‫التصرف في خزائن الله ‪ ،‬ول يعلم من الغيب إل ما أطلعه الله عليه ‪ ،‬وليس‬
‫ل عن‬ ‫ملك من الملئكة ‪ ،‬بل بشر مرسل ‪ ،‬مؤيد بالمعجزات‪ .‬ول أقو ُ‬ ‫هو ب َ‬
‫هؤلء الذين تحتقرونهم وتزدرونهم )‪ : (2‬إنه )‪ (3‬ليس لهم عند الله ثواب‬
‫على إيمانهم الله أعمل بما في أنفسهم ‪ ،‬فإن كانوا مؤمنين باطًنا ‪ ،‬كما هو‬
‫الظاهر من حالهم ‪ ،‬فلهم جزاء الحسنى ‪ ،‬ولو قطع لهم أحد بشر بعد ما آمنوا‬
‫‪ ،‬لكان ظالما قائل ما ل علم له به‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن ك ُن ْ َ‬ ‫ما ت َعِد َُنا إ ِ ْ‬ ‫دالَنا فَأت َِنا ب ِ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ت ِ‬ ‫جاد َل ْت ََنا فَأك ْث َْر َ‬ ‫ح قَد ْ َ‬ ‫} َقاُلوا َيا ُنو ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬‫فعُك ُ ْ‬ ‫ن )‪َ (33‬ول ي َن ْ َ‬ ‫زي َ‬‫ج ِ‬ ‫معْ ِ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫شاَء وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫م ب ِهِ الل ّ ُ‬ ‫ما ي َأِتيك ُ ْ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬‫)‪َ (32‬قا َ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م وَإ ِلي ْ ِ‬ ‫م هُوَ َرب ّك ْ‬ ‫ن ي ُغْوِي َك ْ‬ ‫ريد ُ أ ْ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫ن كا َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ح لك ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ن أَرد ْ ُ‬ ‫حي إ ِ ْ‬ ‫ص ِ‬ ‫نُ ْ‬
‫ن )‪{ (34‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫ت ُْر َ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن استعجال قوم نوح نقمة الله وعذابه وسخطه ‪ ،‬والبلء‬
‫دال ََنا { أي ‪ :‬حاججتنا‬ ‫َ‬
‫ج َ‬
‫ت ِ‬ ‫جاد َل ْت ََنا فَأك ْث َْر َ‬ ‫ح قَد ْ َ‬ ‫موكل بالمنطق ‪َ } :‬قاُلوا َيا ُنو ُ‬
‫ْ‬
‫ما ت َعِد َُنا { أي ‪ :‬من النقمة‬ ‫فأكثرت من ذلك ‪ ،‬ونحن ل نتبعك } فَأت َِنا ب ِ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن ك ُن ْ َ‬ ‫والعذاب ‪ ،‬ادع علينا بما شئت ‪ ،‬فليأتنا ما تدعو به )‪ } ، (4‬إ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬إنما الذي‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫معْ ِ‬ ‫م بِ ُ‬‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫شاَء وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫م ب ِهِ الل ّ ُ‬ ‫ما ي َأِتيك ُ ْ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬‫ن َقا َ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬‫حي إ ِ ْ‬ ‫ص ِ‬ ‫م نُ ْ‬ ‫فعُك ُ ْ‬ ‫جُزه شيء ‪َ } ،‬ول ي َن ْ َ‬ ‫يعاقبكم ويعجلها لكم الله الذي ل ُيع ِ‬
‫َ‬ ‫أ َردت أ َ َ‬
‫دي‬ ‫م { أي ‪ :‬أي شيء ُيج ِ‬ ‫ن ي ُغْوِي َك ُ ْ‬ ‫ريد ُ أ ْ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ح ل َك ُ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫َ ْ ُ ْ‬
‫عليكم إبلغي لكم وإنذاري إياكم ونصحي ‪ ،‬إن كان الله يريد إغواءكم‬
‫ن { أي ‪ :‬هو مالك أزمة المور ‪،‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫م وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ‬ ‫ودماركم ‪ } ،‬هُوَ َرب ّك ُ ْ‬
‫والمتصرف )‪ (5‬الحاكم العادل الذي ل يجور ‪ ،‬له الخلق وله المر ‪ ،‬وهو‬
‫المبدئ المعيد ‪ ،‬مالك الدنيا والخرة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬‫مو َ‬‫جرِ ُ‬
‫ما ت ُ ْ‬
‫م ّ‬‫ريٌء ِ‬ ‫مي وَأَنا ب َ ِ‬ ‫جَرا ِ‬ ‫ي إِ ْ‬ ‫َ‬
‫ه فعَل ّ‬ ‫ن افْت ََري ْت ُ ُ‬ ‫ل إِ ِ‬ ‫قوُلو َ‬
‫ن افْت ََراه ُ قُ ْ‬ ‫م يَ ُ‬
‫}أ ْ‬
‫‪{ (35‬‬
‫هذا كلم معترض في وسط هذه القصة ‪ ،‬مؤكد لها ومقرر بشأنها )‪ .(6‬يقول‬
‫تعالى لمحمد )‪ (7‬صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أم يقول )‪ (8‬هؤلء الكافرون‬
‫مي {‬ ‫جَرا ِ‬ ‫ه فَعَل َ ّ‬
‫ي إِ ْ‬ ‫ن افْت ََري ْت ُ ُ‬
‫ل إِ ِ‬‫الجاحدون ‪ :‬افترى هذا وافتعله من عنده } قُ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬ليس ذلك مفتعل ول‬ ‫َ‬
‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬‫ما ت ُ ْ‬
‫م ّ‬ ‫ريٌء ِ‬ ‫أي ‪ :‬فإثم ذلك علي ‪ } ،‬وَأَنا ب َ ِ‬
‫مفترى )‪ ، (9‬لني أعلم ما عند الله من العقوبة لمن كذب عليه‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وتخبرهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يحتقرونهم ويزدرونهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬إنهم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬من تدعونه" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬بدعوته"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬المتصرف"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬لشأنها"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لنبيه"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬أم يقولون"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬مفتريا"‪.‬‬

‫) ‪(4/318‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫وَُأو ِ‬


‫كاُنوا‬ ‫ما َ‬‫س بِ َ‬‫ن فََل ت َب ْت َئ ِ ْ‬ ‫ن قَد ْ آ َ‬
‫م َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك إ ِّل َ‬‫م َ‬ ‫ن قَوْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬
‫َ‬ ‫م َ‬‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫ه لَ ْ‬
‫ي إ َِلى ُنوٍح أن ّ ُ‬‫ح َ‬
‫م‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬
‫موا إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫خاط ِب ِْني ِفي ال ّ ِ‬ ‫حي َِنا وََل ت ُ َ‬
‫ك ب ِأعْي ُن َِنا وَوَ ْ‬‫فل ْ َ‬‫صن َِع ال ْ ُ‬
‫ن )‪َ (36‬وا ْ‬ ‫فعَُلو َ‬
‫يَ ْ‬
‫ن )‪(37‬‬ ‫مغَْرُقو َ‬ ‫ُ‬
‫ه لَ‬ ‫َ‬ ‫} وَُأو ِ‬
‫ما َ‬
‫كاُنوا‬ ‫س بِ َ‬ ‫ن َفل ت َب ْت َئ ِ ْ‬ ‫م َ‬‫ن قَد ْ آ َ‬
‫م ْ‬
‫ك ِإل َ‬ ‫م َ‬‫ن قَوْ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬
‫ْ‬ ‫ي إ َِلى ُنوٍح أن ّ ُ‬
‫َ‬ ‫ح‬
‫فل ْ َ َ‬
‫م‬
‫موا إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫خاط ِب ِْني ِفي ال ّ ِ‬ ‫حي َِنا َول ت ُ َ‬
‫ك ب ِأعْي ُن َِنا وَوَ ْ‬ ‫صن َِع ال ْ ُ‬
‫ن )‪َ (36‬وا ْ‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن )‪{ (37‬‬ ‫مغَْرُقو َ‬ ‫ُ‬

‫) ‪(4/319‬‬

‫مّنا‬
‫خُروا ِ‬ ‫س َ‬‫ن تَ ْ‬
‫ل إِ ْ‬ ‫ه َقا َ‬‫من ْ ُ‬‫خُروا ِ‬ ‫س ِ‬
‫مهِ َ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫مَل ٌ ِ‬
‫م ْ‬ ‫مّر عَل َي ْهِ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك وَك ُل ّ َ‬ ‫فل ْ َ‬
‫صن َعُ ال ْ ُ‬
‫وَي َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫زيهِ‬‫خ ِ‬
‫ب يُ ْ‬
‫ذا ٌ‬‫ن ي َأِتيهِ عَ َ‬
‫م ْ‬‫ن َ‬ ‫مو َ‬‫ف ت َعْل ُ‬ ‫ن )‪ (38‬فَ َ‬
‫سو ْ َ‬ ‫خُرو َ‬ ‫س َ‬‫ما ت َ ْ‬‫مك َ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫خُر ِ‬ ‫فَإ ِّنا ن َ ْ‬
‫س َ‬
‫م )‪(39‬‬ ‫قي ٌ‬ ‫م ِ‬‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫َ‬
‫ل عَلي ْهِ عَ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫وَي َ ِ‬

‫مّنا‬ ‫خُروا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ه َقا َ‬


‫ل إِ ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫خُروا ِ‬ ‫س ِ‬ ‫مهِ َ‬‫ن قَوْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫مّر عَل َي ْهِ َ‬
‫مل ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ك وَك ُل ّ َ‬ ‫فل ْ َ‬‫صن َعُ ال ْ ُ‬ ‫} وَي َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫زي ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫ب يُ ْ‬‫ذا ٌ‬ ‫ن ي َأِتيهِ عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬‫مو َ‬ ‫ف ت َعْل ُ‬
‫سو ْ َ‬‫ن )‪ (38‬فَ َ‬‫خُرو َ‬ ‫س َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م كَ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫خُر ِ‬ ‫س َ‬ ‫فَإ ِّنا ن َ ْ‬
‫م )‪{ (39‬‬ ‫قي ٌ‬‫م ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫َ‬
‫ل عَلي ْهِ عَ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫وَي َ ِ‬
‫مه نقمة الله بهم وعذابه لهم ‪،‬‬ ‫يخبر تعالى أنه أوحى إلى ُنوح لما استعجل قو ُ‬
‫ب‬‫ح دعوته التي قال الله تعالى )‪ (1‬مخبًرا عنه أنه قال ‪َ } :‬ر ّ‬ ‫فدعا عليهم نو ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن د َّياًرا { ]نوح ‪ } ، [26 :‬فَد َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب‬
‫مغْلو ٌ‬ ‫ه أّني َ‬ ‫عا َرب ّ ُ‬
‫َ‬
‫ري َ‬‫ن الكافِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ل ت َذ َْر عَلى الْر ِ‬
‫ن‬ ‫م َ‬‫ن ي ُؤْ ِ‬‫ه لَ ْ‬ ‫صْر { ]القمر ‪ ، [10 :‬فعند ذلك أوحى الله تعالى إليه ‪ } :‬أن ّ ُ‬ ‫َفان ْت َ ِ‬
‫منك أمرهم‪.‬‬ ‫ن { فل تحزن عليهم ول ي َهُ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن قَد ْ آ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مك ِإل َ‬ ‫َ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫حي َِنا {‬ ‫َ‬ ‫فل ْ َ‬
‫صن َِع ال ْ ُ‬
‫ك { يعني ‪ :‬السفينة } ب ِأعْي ُن َِنا { أي ‪ :‬بمرأى منا ‪ } ،‬وَوَ ْ‬ ‫} َوا ْ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫مغَْرقو َ‬ ‫م ُ‬ ‫موا إ ِن ّهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫خاط ِب ِْني ِفي ال ِ‬ ‫أي ‪ :‬وتعليمنا لك ماذا تصنعه ‪َ } ،‬ول ت ُ َ‬
‫{‪.‬‬
‫طعه وييبسه ‪،‬‬ ‫رز )‪ (2‬الخشب ويق ّ‬ ‫ِ‬ ‫يغ‬ ‫أن‬ ‫تعالى‬ ‫الله‬ ‫أمره‬ ‫‪:‬‬ ‫السلف‬ ‫بعض‬ ‫فقال‬
‫جرها في مائة سنة أخرى ‪ ،‬وقيل ‪ :‬في أربعين‬ ‫فكان ذلك في مائة سنة ‪ ،‬ون َ َ‬
‫سنة ‪ ،‬فالله )‪ (3‬أعلم‪.‬‬
‫وذكر محمد بن إسحاق عن التوراة ‪ :‬أن الله أمره أن يصنعها من خشب‬
‫الساج ‪ ،‬وأن يجعل طولها ثمانين ذراعا وعرضها خمسين ذراعا‪.‬‬
‫وأن يطلي باطنها وظاهرها بالقار ‪ ،‬وأن يجعل لها جؤجؤا أزور يشق الماء‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬كان طولها ثلثمائة ذراع ‪ ،‬في عرض خمسين‪.‬‬
‫وعن الحسن ‪ :‬طولها ستمائة ذراع وعرضها ثلثمائة ذراع‪.‬‬
‫وعنه مع ابن عباس ‪ :‬طولها ألف ومائتا ذراع ‪ ،‬في عرض ستمائة‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬طولها ألفا ذراع ‪ ،‬وعرضها مائة ذراع ‪ ،‬فالله أعلم‪.‬‬
‫قالوا كلهم ‪ :‬وكان ارتفاعها في السماء ثلثين ذراعا ‪ ،‬ثلث طبقات ‪ ،‬كل‬
‫طبقة عشرة أذرع ‪ ،‬فالسفلى للدواب والوحوش ‪ :‬والوسطى للنس ‪ :‬والعليا‬
‫للطيور‪ .‬وكان بابها في عرضها ‪ ،‬ولها غطاء من فوقها مطبق عليها‪.‬‬
‫وقد ذكر المام أبو جعفر بن جرير أثرا غريبا ‪ ،‬من حديث علي بن زيد بن‬
‫مْهران ‪ ،‬عن عبد الله بن عباس ؛ أنه قال ‪ :‬قال‬ ‫عان ‪ ،‬عن يوسف بن ِ‬ ‫جد ْ َ‬
‫ُ‬
‫دثنا عنها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فح‬ ‫السفينة‬ ‫شهد‬ ‫رجل‬ ‫لنا‬ ‫بعثت‬ ‫لو‬ ‫‪:‬‬ ‫مريم‬ ‫ابن‬ ‫لعيسى‬ ‫الحواريون‬
‫كثيب من تراب ‪ ،‬فأخذ كفا من ذلك‬ ‫قال ‪ :‬فانطلق بهم حتى أتى )‪ (4‬إلى َ‬
‫التراب بكفه ‪ ،‬قال )‪ (5‬أتدرون ما هذا ؟ قالوا ‪ :‬الله ورسوله أعلم ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫هذا كعب )‪ (6‬حام بن نوح‪ .‬قال ‪ :‬وضرب الكثيب بعصاه ‪ ،‬قال ‪ :‬قم بإذن الله‬
‫فض التراب عن رأسه ‪ ،‬قد شاب‪ .‬قال له‬ ‫فإذا هو قائم ين ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬يغرس"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬والله"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬انتهى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬قبر"‪.‬‬

‫) ‪(4/319‬‬

‫ن وَأ َهْل َ َ‬
‫ك إ ِّل‬ ‫ن اث ْن َي ْ ِ‬
‫جي ْ ِ‬
‫ل َزوْ َ‬‫ن كُ ّ‬‫م ْ‬ ‫ل ِفيَها ِ‬‫م ْ‬
‫ح ِ‬ ‫مُرَنا وََفاَر الت ّّنوُر قُل َْنا ا ْ‬
‫َ‬
‫جاَء أ ْ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬
‫َ‬
‫ل )‪(40‬‬ ‫ّ‬
‫ه إ ِل قَِلي ٌ‬ ‫ع‬‫م‬ ‫ن‬ ‫م‬‫َ‬ ‫آ‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫م‬‫َ‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫َ‬
‫َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م ْ َ َ‬
‫ق‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫َ‬

‫ب‪،‬‬‫ت وأنا شا ّ‬
‫عيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬هكذا هلكت ؟ قال ‪ :‬ل‪ .‬ولكني م ّ‬
‫دثنا عن سفينة نوح ؟‬ ‫م شبت‪ .‬قال ‪ :‬ح ّ‬
‫ولكنني ظننت أنها الساعة ‪ ،‬فمن ث ّ‬
‫قال ‪ :‬كان طولها ألف ذراع ومائتي )‪ (1‬ذراع ‪ ،‬وعرضها ستمائة ذراع ‪ ،‬وكانت‬
‫ثلث طبقات ‪ ،‬فطبقة فيها الدواب والوحوش ‪ ،‬وطبقة فيها النس ‪ ،‬وطبقة‬
‫فيها الطير ‪ ،‬فلما كثر أرواث الدواب ‪ ،‬أوحى الله عز وجل إلى نوح ‪ ،‬عليه‬
‫السلم ‪ ،‬أن اغمز ذ ََنب الفيل ‪ ،‬فغمزه ‪ ،‬فوقع منه خنزير وخنزيرة ‪ ،‬فأقبل‬
‫خَرزِ السفينة يقرضه وحبالها ‪ ،‬أوحى إلى نوح ؛‬
‫على الروث ‪ ،‬فلما وقع الفأر ب َ‬
‫أن اضرب بين عيني السد ‪ ،‬فخرج من منخره سّنور وسنورة ‪ ،‬فأقبل على‬
‫الفأر‪ .‬فقال له عيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬كيف علم نوح أن البلد قد غرقت ؟‬
‫قال ‪ :‬بعث الغراب يأتيه بالخبر ‪ ،‬فوجد جيفة فوقع عليها ‪ ،‬فدعا عليه بالخوف‬
‫‪ ،‬فلذلك ل يألف البيوت قال ‪ :‬ثم بعث الحمامة ‪ ،‬فجاءت بورق زيتون‬
‫رقت‪ .‬قال ‪ :‬فطوَّقها الخضرة‬ ‫بمنقارها ‪ ،‬وطين برجليها ‪ ،‬فعلم أن البلد قد غَ ِ‬
‫التي في عنقها ‪ ،‬ودعا لها أن تكون في أنس وأمان ‪ ،‬فمن ثم تألف البيوت‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فقلنا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أل ننطلق به )‪ (2‬إلى أهلينا فيجلس معنا ويحدثنا‬
‫؟ قال ‪ :‬كيف يتبعكم من ل رزق له ؟ قال ‪ :‬فقال له ‪ :‬عد بإذن الله ‪ ،‬فعاد‬
‫ترابا )‪(3‬‬
‫ه { أي ‪:‬‬ ‫من ْ ُ‬ ‫خُروا ِ‬ ‫س ِ‬ ‫مهِ َ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫م ْ‬‫مل ِ‬ ‫َ‬
‫مّر عَلي ْهِ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ك وَكل َ‬ ‫فل َ‬‫ْ‬ ‫ْ‬
‫صن َعُ ال ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَي َ ْ‬
‫مّنا فَإ ِّنا‬ ‫خُروا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫طنزون به ويكذبون بما يتوعدهم به من الغرق ‪َ } ،‬قا َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن { وعيد شديد ‪ ،‬وتهديد أكيد ‪،‬‬ ‫مو َ‬ ‫ف ت َعْل َ ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫خُرو َ‬ ‫س َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م كَ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫خُر ِ‬ ‫س َ‬ ‫نَ ْ‬
‫م{‬ ‫ل عَلي ْهِ عَ َ‬‫َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ْ‬
‫ن ي َأِتيهِ عَ َ‬
‫قي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫زيهِ { أي ‪ :‬يهنه في الدنيا ‪ } ،‬وَي َ ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫ب يُ ْ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫} َ‬
‫أي ‪ :‬دائم مستمر أبدا‪.‬‬
‫ن وَأ َهْل َكَ‬ ‫ْ‬
‫ن اثن َي ْ ِ‬ ‫جي ْ ِ‬ ‫ن كل َزوْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مل ِفيَها ِ‬ ‫ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫مُرَنا وَفاَر الت ّّنوُر قلَنا ا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جاَء أ ْ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫} َ‬
‫ه ِإل قِليل )‪{ (40‬‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫معَ ُ‬‫ن َ‬‫م َ‬ ‫ما آ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫قوْل وَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سب َقَ عَلي ْهِ ال َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِإل َ‬
‫مواعدة من الله تعالى لنوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬إذا جاء أمر الله من المطار‬ ‫هذه ُ‬
‫حَنا‬
‫فت َ ْ‬‫قلع ول َيفُتر ‪ ،‬بل هو كما قال تعالى ‪ } :‬فَ َ‬ ‫المتتابعة ‪ ،‬والهَّتان الذي ل ي ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مرٍ قَد ْ قُدَِر‬ ‫ماُء عََلى أ ْ‬ ‫قى ال ْ َ‬ ‫ض عُُيوًنا َفال ْت َ َ‬ ‫جْرَنا الْر َ َ‬ ‫مرٍ وَفَ ّ‬ ‫من ْهَ ِ‬ ‫ماٍء ُ‬ ‫ماِء ب ِ َ‬ ‫س َ‬‫ب ال ّ‬ ‫وا َ‬ ‫أب ْ َ‬
‫َ‬
‫فَر { ]القمر ‪:‬‬ ‫ن كُ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫جَزاًء ل ِ َ‬ ‫ري ب ِأعْي ُن َِنا َ‬ ‫ج ِ‬ ‫سرٍ ت َ ْ‬ ‫واٍح وَد ُ ُ‬ ‫ت أل ْ َ‬ ‫مل َْناه ُ عََلى َذا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫وَ َ‬
‫‪.[14 - 11‬‬
‫وأما قوله ‪ } :‬وََفاَر الت ّّنوُر { فعن ابن عباس ‪ :‬التنور ‪ :‬وجه الرض ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫صارت الرض عيونا تفور ‪ ،‬حتى فار الماء من التنانير التي هي مكان النار ‪،‬‬
‫صارت تفور ماء ‪ ،‬وهذا قول جمهور السلف وعلماء الخلف‪.‬‬
‫وعن علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬التنور ‪ :‬فََلق الصبح ‪ ،‬وتنوير‬
‫الفجر ‪ ،‬وهو ضياؤه وإشراقه‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬ومائتا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬بنا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(15/311‬‬

‫) ‪(4/320‬‬

‫والول أظهر‪.‬‬
‫وقال مجاهد والشعبي ‪ :‬كان هذا التنور بالكوفة ‪ ،‬وعن ابن عباس ‪ :‬عين‬
‫بالهند‪ .‬وعن قتادة ‪ :‬عين بالجزيرة ‪ ،‬يقال لها ‪ :‬عين الوردة‪.‬‬
‫وهذه أقوال غريبة‪.‬‬
‫فحينئذ أمر الله نوحا ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أن يحمل معه في السفينة من كل‬
‫زوجين ‪ -‬من صنوف المخلوقات ذوات الرواح ‪ ،‬قيل ‪ :‬وغيرها من النباتات ‪-‬‬
‫اثنين‪ .‬ذكرا وأنثى ‪ ،‬فقيل ‪ :‬كان أول من أدخل من الطيور الدرة ‪ ،‬وآخر من‬
‫قا بذنبه ‪ ،‬فدخل بيده )‪، (1‬‬
‫أدخل من الحيوانات الحمار ‪ ،‬فدخل إبليس متعل ً‬
‫وجعل يريد أن ينهض فيثقله إبليس وهو متعلق بذنبه ‪ ،‬فجعل يقول له نوح ‪:‬‬
‫مالك ؟ ويحك‪ .‬ادخل‪ .‬فينهض ول يقدر ‪ ،‬فقال ‪ :‬ادخل وإن كان إبليس معك‬
‫فدخل في السفينة‪.‬‬
‫وذكر أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود أنهم لم يستطيعوا أن يحملوا معهم‬
‫السد ‪ ،‬حتى ألقيت عليه الحمى‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث ‪،‬‬
‫حدثني الليث ‪ ،‬حدثني هشام بن سعد ‪ ،‬عن زيد بن أسلم‪ .‬عن أبيه أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬لما حمل نوح في السفينة من كل زوجين‬
‫اثنين ‪ ،‬قال أصحابه ‪ :‬وكيف يطمئن أو ‪ :‬تطمئن ‪ -‬المواشي ومعها )‪(2‬‬
‫مى نزلت الرض ‪ ،‬ثم شكوا‬ ‫ح ّ‬‫السد ؟ فسلط الله عليه الحمى ‪ ،‬فكانت أول ُ‬
‫ويسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا‪ .‬فأوحى الله إلى‬ ‫ف َ‬
‫الفأرة فقالوا ‪ :‬ال ُ‬
‫السد ‪ ،‬فعطس ‪ ،‬فخرجت الهرة منه ‪ ،‬فتخبأت الفأرة منها )‪.(3‬‬
‫ل { أي ‪" :‬واحمل فيها أهلك ‪ ،‬وهم‬ ‫سب َقَ عَل َي ْهِ ال ْ َ‬
‫قو ْ ُ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬‫ك ِإل َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأ َهْل َ َ‬
‫أهل بيته وقرابته" إل من سبق عليه القول منهم ‪ ،‬ممن لم يؤمن بالله ‪ ،‬فكان‬
‫منهم ابنه "يام" الذي انعزل وحده ‪ ،‬وامرأة نوح وكانت كافرة بالله ورسوله‪.‬‬
‫ل { أي ‪ :‬نزر‬ ‫ه ِإل قَِلي ٌ‬
‫معَ ُ‬
‫ن َ‬
‫م َ‬‫ما آ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬من قومك ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫)‪ (4‬يسير مع طول المدة والمقام بين أظهرهم ألف سنة إل خمسين عاما ‪،‬‬
‫فعن ابن عباس ‪ :‬كانوا ثمانين نفسا منهم )‪ (5‬نساؤهم‪ .‬وعن كعب الحبار ‪:‬‬
‫كانوا اثنين وسبعين نفسا‪ .‬وقيل ‪ :‬كانوا عشرة‪ .‬وقيل ‪ :‬إنما كانوا نوح وبنوه )‬
‫‪ (6‬الثلثة سام ‪ ،‬وحام ‪ ،‬ويافث ‪ ،‬وكنائ ِِنه الربع نساء هؤلء الثلثة وامرأة يام‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬بل امرأةُ نوح كانت‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬بيديه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬ومعنا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬وهذا مرسل ‪ ،‬وقد ورد في سفينة نوح غير ما ذكره الحافظ وأكثرها من‬
‫رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪ .‬قال ابن حبان ‪" :‬كان ممن يقلب الخبار‬
‫حتى كثر ذلك في روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف ‪ ،‬فاستحق‬
‫الترك"‪ .‬ومما رواه في شأن سفينة نوح ما أورده ابن حجر في التهذيب )‬
‫‪ (6/179‬عن الساجي قال ‪ :‬حدثنا الربيع ‪ ،‬حدثنا الشافعي قال ‪ :‬قيل لعبد‬
‫الرحمن بن زيد ‪ :‬حدثك أبوك عن جدك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال ‪ " :‬إن سفينة نوح طافت بالبيت وصلت خلف المقام ركعتين ؟!" قال ‪:‬‬
‫نعم‪ .‬وقد ذكر رجل لمالك حديثا منقطعا ‪ ،‬فقال ‪ :‬اذهب إلى عبد الرحمن بن‬
‫زيد يحدثك عن أبيه عن نوح!!‪ .‬وانظر كتاب ‪ :‬السرائيليات في كتب التفسير‬
‫لمحمد أبو شهبة )ص ‪.(218‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬نفر"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬معهم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬إنما كان وبنوه"‪.‬‬

‫) ‪(4/321‬‬

‫ي‬
‫م )‪ (41‬وَهِ َ‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ن َرّبي ل َغَ ُ‬ ‫ها إ ِ ّ‬‫سا َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ها وَ ُ‬ ‫جَرا َ‬
‫م ْ‬‫سم ِ الل ّهِ َ‬ ‫ل اْرك َُبوا ِفيَها ب ِ ْ‬ ‫وََقا َ‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫ي اْرك ْ‬ ‫ل َيا ب ُن َ ّ‬ ‫معْزِ ٍ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫ه وَكا َ‬‫َ‬ ‫ح اب ْن َ ُ‬ ‫ل وََناَدى ُنو ٌ‬ ‫جَبا ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫موٍْج كال ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ري ب ِهِ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬
‫ماِء قا َ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (42‬قا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫مِني ِ‬ ‫ص ُ‬‫ل ي َعْ ِ‬ ‫جب َ ٍ‬
‫سآِوي إ ِلى َ‬ ‫ل َ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫معَ ال‬
‫ن َ‬ ‫معََنا وَل ت َك ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َل َ‬
‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫ج فكا َ‬ ‫موْ ُ‬ ‫ما ال َ‬ ‫حال ب َي ْن َهُ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ِ‬‫م ْ‬ ‫مرِ اللهِ إ ِل َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫م الي َوْ َ‬ ‫ص َ‬ ‫عا ِ‬
‫ن )‪(43‬‬ ‫مغَْرِقي َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫معهم في السفينة ‪ ،‬وهذا فيه ن َظ ٌَر ‪ ،‬بل الظاهر أنها هلكت ؛ لنها كانت على‬
‫دين قومها ‪ ،‬فأصابها ما أصابهم ‪ ،‬كما أصاب امرأة لوط ما أصاب َقومها ‪،‬‬
‫والله أعلم وأحكم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫م )‪(41‬‬ ‫حي‬
‫َ ٌ َ ِ ٌ‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫غ‬ ‫ل‬ ‫بي‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ها‬
‫ِ َ ْ َ َ َ ُ ْ َ َ ِ ّ َ ّ‬ ‫سا‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫را‬ ‫ج‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل اْرك َُبوا ِفي َ ِ ْ ِ‬
‫م‬ ‫س‬ ‫ب‬ ‫ها‬ ‫} وََقا َ‬
‫ي‬
‫ل َيا ب ُن َ ّ‬ ‫معْزِ ٍ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ح اب ْن َ ُ‬ ‫ل وََناَدى ُنو ٌ‬ ‫جَبا ِ‬ ‫كال ْ ِ‬ ‫موٍْج َ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ري ب ِهِ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ي تَ ْ‬ ‫وَهِ َ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫مِني ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ل ي َعْ ِ‬ ‫جب َ ٍ‬ ‫سآِوي إ َِلى َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن )‪َ (42‬قا َ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫معَ ال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫معََنا َول ت َك ُ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫اْرك َ ْ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫كا َ‬ ‫ج فَ َ‬ ‫موْ ُ‬ ‫ما ال َ‬ ‫ل ب َي ْن َهُ َ‬ ‫حا َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مرِ اللهِ ِإل َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م الي َوْ َ‬ ‫ص َ‬ ‫عا ِ‬ ‫لل َ‬ ‫ماِء َقا َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن )‪{ (43‬‬ ‫مغَْرِقي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫يقول تعالى إخباًرا عن نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنه قال للذين أمر بحملهم معه‬
‫ها { أي ‪ :‬بسم الله‬ ‫سا َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ها وَ ُ‬ ‫جَرا َ‬ ‫م ْ‬ ‫سم ِ الل ّهِ َ‬ ‫في السفينة ‪ } :‬اْرك َُبوا ِفيَها ب ِ ْ‬
‫سوها‪.‬‬ ‫جْرُيها على وجه الماء ‪ ،‬وبسم الله يكون منتهى سيرها ‪ ،‬وهو ُر ُ‬ ‫يكون َ‬
‫سيَها"‪.‬‬ ‫مْر ِ‬ ‫جرَِيها و ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سم ِ اللهِ ُ‬ ‫وقرأ أبو رجاء الَعطاردي ‪" :‬ب ْ‬
‫ْ‬ ‫ك فَ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مد ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ق ِ‬ ‫فل ِ‬ ‫معَك عَلى ال ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ت أن ْ َ‬ ‫ست َوَي ْ َ‬ ‫وقال الله تعالى )‪ } : (1‬فَإ َِذا ا ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قوْم ال ّ‬ ‫م َ ْ‬
‫خي ُْر‬ ‫ت َ‬ ‫مَباَركا وَأن ْ َ‬ ‫ً‬ ‫منزل ُ‬ ‫ب أنزلِني ُ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ُ‬
‫ن وَق ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ن ال َ ِ‬ ‫جاَنا ِ‬ ‫ذي ن َ ّ‬ ‫ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬
‫ن { ]المؤمنون ‪ [29 ، 28 :‬؛ )‪ (2‬؛ ولهذا تستحب التسمية في ابتداء‬ ‫منزِلي َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ذي‬ ‫المور ‪ :‬عند الركوب على السفينة وعلى الدابة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ووا عََلى‬ ‫ست َ ُ‬ ‫ن ل ِت َ ْ‬ ‫ما ت َْرك َُبو َ‬ ‫ك َوالن َْعام ِ َ‬ ‫فل ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ج ك ُل َّها وَ َ‬ ‫خل َقَ الْزَوا َ‬ ‫َ‬
‫خَر ل ََنا‬ ‫س ّ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬
‫ُ ْ َ َ‬ ‫حا‬ ‫ب‬‫س‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫و‬
‫ْ ِ ََ‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬‫ْ َ َُْ ْ‬‫ت‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫م‬
‫ِْ َ َ َ ّ ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫روا‬ ‫ُ‬ ‫ك‬
‫ُ ِ ِ ّ َ ُ‬‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫هو‬ ‫ُ‬ ‫ظ‬
‫ن { ] الزخرف ‪، [14 - 12 :‬‬ ‫بو‬
‫َ َّ ُ ْ ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ه ُ ِ َ َ ِّ ِ‬
‫إ‬ ‫نا‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫ما ك ُّنا ل َ ُ‬ ‫ذا وَ َ‬ ‫هَ َ‬
‫وجاءت السنة بالحث على ذلك ‪ ،‬والندب إليه ‪ ،‬كما سيأتي في سورة‬
‫"الزخرف" ‪ ،‬إن شاء الله وبه الثقة‪.‬‬
‫وقال أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫أبي بكر المقدمي ‪ -‬وحدثنا زكريا بن يحيى الساجي ‪ ،‬حدثنا محمد بن موسى‬
‫حرشي ‪ -‬قال حدثنا عبد الحميد بن الحسن الهللي ‪ ،‬عن ن َْهشل بن سعيد ‪،‬‬ ‫ال َ‬
‫عن الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬أمان‬
‫ما‬ ‫أمتي من الغرق إذا ركبوا في السفن أن يقولوا ‪ :‬بسم الله الملك ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ت‬ ‫مط ْوِّيا ٌ‬ ‫ت َ‬ ‫سماَوا ُ‬ ‫مةِ َوال ّ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ه ي َوْ َ‬ ‫ضت ُ ُ‬ ‫ميًعا قَب ْ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫حقّ قَد ْرِهِ َوالْر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫قَد َُروا الل ّ َ‬
‫ها‬
‫جَرا َ‬ ‫م ْ‬ ‫سم ِ الل ّهِ َ‬ ‫ن { ]الزمر ‪ } ، [67 :‬ب ِ ْ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ه وَت ََعاَلى عَ ّ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫مين ِهِ ُ‬ ‫ب ِي َ ِ‬
‫م { )‪.(3‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ن َرّبي لغَ ُ‬ ‫َ‬ ‫ها إ ِ ّ‬ ‫سا َ‬ ‫مْر َ‬ ‫وَ ُ‬
‫م { مناسب عند )‪ (4‬ذكر النتقام من الكافرين‬ ‫َ ٌ َ ِ ٌ‬‫حي‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫فو‬
‫ُ‬ ‫غ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫بي‬ ‫ر‬
‫ِ ّ َ ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقوله‬
‫ب‬
‫ِ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬
‫َ ِ ُ ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ع‬ ‫ري‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬
‫ِ ّ َ ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫كما‬ ‫‪،‬‬ ‫رحيم‬ ‫غفور‬ ‫أنه‬ ‫ر‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ذ‬ ‫أجمعين‬ ‫بإغراقهم‬
‫م { ]العراف ‪ ، [167 :‬وقال ‪} :‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه ل َغَ ُ‬ ‫وَإ ِن ّ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" ،‬وإذا" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (3‬المعجم الكبير )‪ (12/124‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (10/132‬فيه‬
‫نهشل بن سعيد وهو متروك"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عندما"‪.‬‬

‫) ‪(4/322‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ي اْل ْ‬
‫مُر‬ ‫ض َ‬ ‫ض ال ْ َ‬
‫ماءُ وَقُ ِ‬ ‫ماُء أقْل ِِعي وَِغي َ‬ ‫س َ‬
‫ك وََيا َ‬
‫ماَء ِ‬‫ض اب ْل َِعي َ‬
‫ل َيا أْر ُ‬ ‫وَِقي َ‬
‫ن )‪(44‬‬ ‫مي َ‬ ‫قوْم ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ل ب ُعْ ً ْ‬ ‫ت عََلى ال ْ ُ‬
‫جودِيّ وَِقي َ‬
‫دا ل ِل َ ِ‬ ‫ست َوَ ْ‬‫َوا ْ‬
‫ب { ]الرعد ‪:‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ديد ُ ال ْعِ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫س عََلى ظ ُل ْ ِ‬ ‫فَرةٍ ِللّنا ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫ذو َ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫وَإ ِ ّ‬
‫‪ ، [6‬إلى غير ذلك من اليات التي يقرن فيها بين انتقامه ورحمته‪.‬‬
‫ل { أي ‪ :‬السفينة سائرة بهم على‬ ‫جَبا ِ‬ ‫كال ْ ِ‬ ‫موٍْج َ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ري ب ِهِ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ي تَ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَهِ َ‬
‫وجه الماء ‪ ،‬الذي قد ط َّبق )‪ (1‬جميع الرض ‪ ،‬حتى طفت )‪ (2‬على رءوس‬
‫الجبال ‪ ،‬وارتفع عليها بخمسة عشر ذراعا ‪ ،‬وقيل ‪ :‬بثمانين ميل وهذه السفينة‬
‫على وجه الماء سائرة بإذن الله وتحت ك ََنفه وعنايته )‪ (3‬وحراسته وامتنانه‬
‫م ت َذ ْك َِرةً‬ ‫جعَل ََها ل َك ُ ْ‬ ‫جارِي َةِ ل ِن َ ْ‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫مل َْناك ُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ماُء َ‬ ‫ما ط ََغى ال ْ َ‬ ‫كما قال تعالى ‪ } :‬إ ِّنا ل َ ّ‬
‫ُ‬
‫ت‬ ‫مل َْناه ُ عََلى َذا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ة { ]الحاقة ‪ ، [12 ، 11 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬ ‫عي َ ٌ‬ ‫ن َوا ِ‬ ‫وَت َعِي ََها أذ ُ ٌ‬
‫فَر وَل َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫مد ّك ِ ٍ‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ة فَهَ ْ‬ ‫ها آي َ ً‬‫قد ْ ت ََرك َْنا َ‬ ‫ن كُ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫جَزاًء ل ِ َ‬ ‫ري ب ِأعْي ُن َِنا َ‬ ‫ج ِ‬ ‫سرٍ ت َ ْ‬ ‫واٍح وَد ُ ُ‬ ‫أل ْ َ‬
‫{ ] القمر ‪.[15 - 13 :‬‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫ُ‬
‫معََنا َول ت َك ْ‬ ‫ب َ‬ ‫َ‬
‫ي اْرك ْ‬ ‫ل َيا ب ُن َ ّ‬ ‫معْزِ ٍ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫َ‬
‫ه وَكا َ‬ ‫ح اب ْن َ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وََناَدى ُنو ٌ‬
‫ن { هذا هو البن الرابع ‪ ،‬واسمه "يام" ‪ ،‬وكان كافرا ‪ ،‬دعاه أبوه عند‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ركوب السفينة أن يؤمن ويركب معهم ول يغرق مثل ما يغرق الكافرون ‪،‬‬
‫ماِء { وقيل ‪ :‬إنه اتخذ له مركبا من‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫مِني ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ل ي َعْ ِ‬ ‫جب َ ٍ‬ ‫سآِوي إ َِلى َ‬ ‫ل َ‬ ‫} َقا َ‬
‫ُزجاج ‪ ،‬وهذا من السرائيليات ‪ ،‬والله أعلم بصحته‪ .‬والذي نص عليه القرآن‬
‫ماِء { اعتقد بجهله أن‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫مِني ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ل ي َعْ ِ‬ ‫سآِوي إ َِلى َ‬
‫جب َ ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫أنه قال ‪َ } :‬قا َ‬
‫جاه ذلك‬ ‫الطوفان ل يبلغ إلى رءوس الجبال ‪ ،‬وأنه لو تعلق في رأس جبل لن ّ‬
‫َ‬
‫مرِ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬ ‫ص َ‬‫عا ِ‬ ‫من الغرق ‪ ،‬فقال له أبوه نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ } :‬ل َ‬
‫م { أي ‪ :‬ليس شيء يعصم اليوم من أمر الله‪ .‬وقيل ‪ :‬إن عاصما‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِإل َ‬
‫سو ّ ‪،‬‬ ‫بمعنى معصوم ‪ ،‬كما يقال ‪" :‬طاعم وكاس" ‪ ،‬بمعنى مطعوم ومك ُ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫مغَْرِقي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ج فَ َ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫ل ب َي ْن َهُ َ‬ ‫حا َ‬ ‫} وَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مُر‬ ‫ي ال ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ماُء وَقُ ِ‬ ‫ض ال َ‬ ‫ماُء أقْل ِِعي وَِغي َ‬ ‫س َ‬ ‫ك وََيا َ‬ ‫ماَء ِ‬ ‫ض اب ْلِعي َ‬ ‫ل َيا أْر ُ‬ ‫} وَِقي َ‬
‫ن )‪{ (44‬‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫قوْم ِ الظال ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫دا ل ِل َ‬ ‫ل ب ُعْ ً‬ ‫جودِيّ وَِقي َ‬ ‫ْ‬
‫ت عَلى ال ُ‬ ‫َ‬ ‫ست َوَ ْ‬ ‫َوا ْ‬
‫يخبر تعالى أنه لما غرق )‪ (4‬أهل الرض إل أصحاب السفينة ‪ ،‬أمر )‪ (5‬الرض‬
‫أن تبلع ماءها الذي نبع منها واجتمع عليها ‪ ،‬وأمر السماء أن ُتقلعَ عن المطر ‪،‬‬
‫مُر { أي ‪ُ :‬فرغَ من‬ ‫ي ال ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ماُء { أي ‪ :‬شرع في النقص ‪ } ،‬وَقُ ِ‬ ‫ض ال ْ َ‬ ‫} وَِغي َ‬
‫ت{‬ ‫ست َوَ ْ‬ ‫أهل الرض قاطبة ‪ ،‬ممن كفر بالله ‪ ،‬لم يبق منهم د َّيار ‪َ } ،‬وا ْ‬
‫جودِيّ { قال مجاهد ‪ :‬وهو جبل بالجزيرة ‪،‬‬ ‫السفينة بمن فيها } عََلى ال ْ ُ‬
‫تشامخت الجبال يومئذ من الغرق وتطاولت ‪ ،‬وتواضع هو لله عز وجل ‪ ،‬فلم‬
‫يغرق ‪ ،‬وأرست عليه سفينة نوح عليه السلم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬استوت عليه شهرا حتى نزلوا منها ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬قد أبقى )‪(6‬‬
‫عبرة وآية‬ ‫جودي من أرض الجزيرة ِ‬ ‫الله سفينة نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬على ال ُ‬
‫حتى رآها أوائل هذه المة ‪ ،‬وكم من سفينة قد‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬طبق به"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬طفف"‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وغايته" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬ورعايته"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أغرق"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أنه أمر"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أقفى"‪.‬‬

‫) ‪(4/323‬‬
‫كانت بعدها فهلكت ‪ ،‬وصارت رماًدا )‪.(1‬‬
‫جوديّ ‪ :‬جبل بالموصل ‪ :‬وقال بعضهم ‪ :‬هو الطور‪.‬‬ ‫وقال الضحاك ‪ :‬ال ُ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عمرو بن رافع ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫حَبيش يصلي في الزاوية‬ ‫عبيد ‪ ،‬عن توبة )‪ (2‬بن سالم قال ‪ :‬رأيت زِّر بن ُ‬
‫كندة على يمينك فسألته إنك لكثير )‪ (3‬الصلة هاهنا‬ ‫حين ُيدخل من أبواب ِ‬
‫ت من هاهنا‪.‬‬ ‫س ْ‬
‫يوم الجمعة ‪ ! :‬قال ‪ :‬بلغني أن سفينة نوح أْر َ‬
‫رمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬كان مع نوح في‬ ‫عْلباء بن أحمد ‪ ،‬عن ِ‬
‫عك ْ ِ‬ ‫وقال ِ‬
‫السفينة ثمانون رجل معهم أهلوهم ‪ ،‬وإنهم كانوا في السفينة مائة وخمسين‬
‫جه السفينة إلى مكة فدارت بالبيت أربعين يوما ‪ ،‬ثم وجهها‬ ‫يوما ‪ ،‬وإن الله و ّ‬
‫ب ليأتيه بخبر الرض ‪،‬‬ ‫جودِيّ فاستقرت عليه ‪ ،‬فبعث نوح الغرا َ‬ ‫الله إلى ال ُ‬
‫فذهب فوقع على الجيف فأبطأ عليه فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون ‪،‬‬
‫ولطخت رجليها بالطين ‪ ،‬فعرف نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أن الماء قد نضب ‪،‬‬
‫جودِيّ ‪ ،‬فابتنى قرية وسماها ثمانين ‪ ،‬فأصبحوا ذات يوم‬ ‫فهبط إلى أسفل ال ُ‬
‫وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة ‪ ،‬إحداها اللسان )‪ (4‬العربي‪ .‬فكان‬
‫بعضهم ل يفقه كلم بعض ‪ ،‬وكان نوح عليه السلم ُيعّبر عنهم‪.‬‬
‫وقال كعب الحبار ‪ :‬إن السفينة طافت ما بين المشرق والمغرب قبل أن‬
‫ي‪.‬‬
‫تستقر على الجود ّ‬
‫وقال قتادة وغيره ‪ :‬ركبوا في عاشر شهر رجب فساروا مائة وخمسين‬
‫واستقرت بهم على الجودي شهًرا ‪ ،‬وكان خروجهم من السفينة في يوم‬
‫عاشوراء من المحرم‪ .‬وقد ورد نحو هذا في حديث مرفوع رواه ابن جرير )‬
‫‪ .(5‬وأنهم صاموا يومهم ذاك )‪ ، (6‬فالله أعلم‪.‬‬
‫حِبيب الزدي ‪ ،‬عن‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو جعفر ‪ ،‬حدثنا عبد الصمد بن َ‬
‫شَبيل ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬مر النبي صلى الله‬ ‫أبيه حبيب بن عبد الله ‪ ،‬عن ُ‬
‫عليه وسلم بأناس من اليهود ‪ ،‬وقد صاموا يوم عاشوراء ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما هذا‬
‫الصوم ؟ قالوا ‪ :‬هذا اليوم الذي نجى الله موسى وبني إسرائيل من الغرق ‪،‬‬
‫جودِيّ ‪ ،‬فصامه‬ ‫وغرق فيه فرعون ‪ ،‬وهذا يوم استوت )‪ (7‬فيه السفينة على ال ُ‬
‫)‪ (8‬نوح وموسى ‪ ،‬عليهما السلم ‪ ،‬شكًرا لله عز وجل‪ .‬فقال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬أنا أحق بموسى ‪ ،‬وأحق بصوم هذا اليوم"‪ .‬فصام ‪ ،‬وقال‬
‫لصحابه ‪" :‬من كان أصبح منكم صائما فليتم صومه ‪ ،‬ومن كان أصاب من‬
‫غذاء أهله ‪ ،‬فليتم بقية يومه" )‪(9‬‬ ‫َ‬
‫ب من هذا الوجه ‪ ،‬ولبعضه شاهد ٌ في الصحيح )‪.(10‬‬ ‫ث غري ٌ‬ ‫وهذا حدي ٌ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬مدادا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تربة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ" "لتكثر"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬لسان"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪ (15/335‬وهو موضوع‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬ذلك"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬استقرت"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فصام"‪.‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪.(2/359‬‬
‫)‪ (10‬في صحيح البخاري برقم )‪ (4680‬من حديث عبد الله بن عباس رضي‬
‫الله عنهما قال ‪ :‬قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تصوم‬
‫عاشوراء ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون ‪ ،‬فقال النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم لصحابه ‪" :‬أنتم أحق بموسى منهم ‪ ،‬فصوموا"‪.‬‬

‫) ‪(4/324‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل رب إن ابِني م َ‬


‫حك َ ُ‬
‫م‬ ‫تأ ْ‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫حقّ وَأن ْ َ‬ ‫ن وَعْد َ َ‬
‫ن أهِْلي وَإ ِ ّ‬
‫ِ ْ‬ ‫ه فَ َ‬
‫قا َ َ ّ ِ ّ ْ‬ ‫ح َرب ّ ُ‬
‫وََناَدى ُنو ٌ‬
‫ن )‪(45‬‬ ‫مي َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫حاك ِ ِ‬

‫كا وخساًرا )‪ (1‬لهم وبعدا )‬ ‫ن { أي ‪ :‬هل ً‬ ‫مي َ‬ ‫قوْم ال ّ‬


‫ظال ِ ِ‬ ‫ل ب ُعْ ً ْ‬‫وقوله ‪ } :‬وَِقي َ‬
‫دا ل ِل َ ِ‬
‫‪ (2‬من رحمة الله ‪ ،‬فإنهم قد هلكوا عن آخرهم ‪ ،‬فلم يبق لهم بقية‪.‬‬
‫وقد روى المام أبو جعفر بن جرير والحبر أبو محمد بن أبي حاتم في‬
‫تفسيريهما )‪ (3‬من حديث موسى بن يعقوب )‪ (4‬الزمعي ‪ ،‬عن قائد ‪ -‬مولى‬
‫عبيد الله بن أبي رافع ‪ -‬أن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة أخبره ‪ :‬أن‬
‫عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته ‪ :‬أن النبي صلى الله عليه‬
‫دا لرحم أم الصبي" ‪ ،‬قال رسول‬ ‫وسلم قال ‪" :‬لو رحم الله من قوم نوح أح ً‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬كان نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬مكث في قومه ألف‬
‫سنة ]إل خمسين عاما[ )‪ ، (5‬يعني وغرس مائة سنة الشجر ‪ ،‬فعظمت‬
‫وذهبت كل مذهب ‪ ،‬ثم قطعها ‪ ،‬ثم جعلها سفينة ويمرون عليه ويسخرون منه‬
‫ويقولون ‪ :‬تعمل )‪ (6‬سفينة في الب َّر ‪ ،‬فكيف تجري ؟ قال ‪ :‬سوف تعلمون‪.‬‬
‫م الصبي عليه ‪ ،‬وكانت تحبه‬ ‫شيت أ ّ‬ ‫فلما فرغ ون ََبع الماء ‪ ،‬وصار في السكك خ ِ‬
‫دا ‪ ،‬فخرجت إلى الجبل ‪ ،‬حتى بلغت ثلثه )‪ (7‬فلما بلغها الماء‬ ‫حبا شدي ً‬
‫]ارتفعت حتى بلغت ثلثيه ‪ ،‬فلما بلغها الماء[ )‪ (8‬خرجت به حتى استوت على‬
‫الجبل ‪ ،‬فلما بلغ رقبتها رفعته بيديها فغرقا فلو رحم الله منهم أحدا لرحم أم‬
‫الصبي" )‪.(9‬‬
‫وهذا حديث غريب من هذا الوجه ‪ ،‬وقد روي عن كعب الحبار ‪ ،‬ومجاهد بن‬
‫ة هذا الصبي وأمه بنحو من هذا‪.‬‬ ‫جبر قص ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حك َ ُ‬
‫م‬ ‫تأ ْ‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫حقّ وَأن ْ َ‬ ‫ن وَعْد َ َ‬‫ن أهِْلي وَإ ِ ّ‬‫م ْ‬
‫ن اب ِْني ِ‬ ‫ب إِ ّ‬
‫ل َر ّ‬ ‫ه فَ َ‬
‫قا َ‬ ‫ح َرب ّ ُ‬
‫} وََناَدى ُنو ٌ‬
‫ن )‪{ (45‬‬ ‫مي َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫حاك ِ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬هلك وخسارا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وبعد"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تفسيرهما"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يعقوب بن موسى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من الدر المنثور‪ .‬مستفاد من ط‪ .‬الشعب‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬يعمل"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬قتله"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من الدر المنثور‪ .‬مستفاد من ط‪ .‬الشعب‪.‬‬
‫)‪ (9‬تفسير الطبري )‪ (15/310‬ورواه الحاكم في المستدرك )‪ (2/342‬من‬
‫طريق سعيد بن أبي مريم عن موسى بن يعقوب به نحوه ‪ ،‬وقال الحاكم ‪:‬‬
‫"صحيح السناد ولم يخرجاه" وتعقبه الذهبي قلت ‪" :‬إسناده مظلم وموسى‬
‫بن يعقوب ليس بذاك"‪.‬‬

‫) ‪(4/325‬‬
‫ك ب ِهِ‬ ‫س لَ َ‬ ‫َ‬ ‫ما ل َي ْ‬
‫ن َ‬ ‫سأ َل ْ‬
‫صال ٍِح فََل ت َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل غَي ُْر‬ ‫م ٌ‬‫ه عَ َ‬ ‫ك إ ِن ّ ُ‬‫ن أ َهْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ه ل َي ْ َ‬‫ح إ ِن ّ ُ‬‫ل َيا ُنو ُ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سأل َ َ‬
‫ك‬ ‫نأ ْ‬ ‫كأ ْ‬ ‫عوذ ُ ب ِ َ‬ ‫ب إ ِّني أ ُ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ن )‪َ (46‬قا َ‬ ‫جاهِِلي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن تَ ُ‬‫كأ ْ‬ ‫عظ ُ َ‬ ‫م إ ِّني أ ِ‬ ‫عل ْ ٌ‬
‫ِ‬
‫ن )‪(47‬‬ ‫ري‬ ‫س‬ ‫خا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ني‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬
‫ََْ َ ْ ِ‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫لي‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫ت‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫م‬
‫َ ْ َ ِ ِ ِ ِ ٌ َِ َ ِ ْ ِ‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫لي‬ ‫س‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ما‬
‫ِ ِ َ‬ ‫ْ ِ َ‬

‫ك ب ِهِ‬ ‫س لَ َ‬ ‫َ‬ ‫ما ل َي ْ‬‫ن َ‬ ‫سأ َل ْ‬ ‫صال ٍِح َفل ت َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل غَي ُْر‬
‫م ٌ‬‫ه عَ َ‬ ‫ك إ ِن ّ ُ‬‫ن أ َهْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ه ل َي ْ َ‬ ‫ح إ ِن ّ ُ‬‫ل َيا ُنو ُ‬ ‫} َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سأل َكَ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ‬
‫عوذ ُ ب ِك أ ْ‬ ‫ب إ ِّني أ ُ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ن )‪َ (46‬قا َ‬ ‫جاهِِلي َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ُ‬
‫ن ت َكو َ‬ ‫عظك أ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫م إ ِّني أ ِ‬ ‫عل ْ ٌ‬
‫ِ‬
‫ن )‪{ (47‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ري َ‬ ‫س ِ‬‫خا ِ‬‫ن ال َ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫مِني أك ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫فْر ِلي وَت َْر َ‬ ‫م وَِإل ت َغْ ِ‬‫عل ٌ‬ ‫س ِلي ب ِهِ ِ‬ ‫ما لي ْ َ‬ ‫َ‬
‫هذا سؤال استعلم وكشف من نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬عن حال ولده الذي غرق‬
‫ل رب إن ابِني م َ‬ ‫‪ } ،‬فَ َ‬
‫دك‬ ‫ن أهِْلي { أي ‪ :‬وقد وعدتني بنجاة أهلي ‪ ،‬ووع ُ‬ ‫ِ ْ‬ ‫قا َ َ ّ ِ ّ ْ‬
‫ه‬ ‫ح إ ِن ّ ُ‬ ‫ل َيا ُنو ُ‬ ‫الحق الذي ل يخلف ‪ ،‬فكيف غرق وأنت أحكم الحاكمين ؟ } َقا َ‬
‫ك { أي ‪ :‬الذين وعدت إنجاءهم )‪ (1‬؛ لني )‪ (2‬إنما وعدتك )‪(3‬‬ ‫ن أ َهْل ِ َ‬
‫م ْ‬‫س ِ‬ ‫ل َي ْ َ‬
‫ل{‬ ‫قو ْ ُ‬‫سب َقَ عَل َي ْهِ ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫بنجاة من آمن من أهلك ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَأهْل َ َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِإل َ‬
‫]هود ‪ ، [40 :‬فكان هذا الولد‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬نجاتهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬الذين أي ‪ :‬ليس من أهلك وعدت بنجاتهم لنما"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وعدناك"‪.‬‬

‫) ‪(4/325‬‬

‫ي الله نوحا ‪ ،‬عليه‬ ‫سَبق عليه القول بالغرق لكفره ومخالفته أباه نب ّ‬ ‫ممن َ‬
‫السلم‪.‬‬
‫وقد نص غير واحد من الئمة على تخطئة من ذهب في تفسير هذا إلى أنه‬
‫ليس بابنه ‪ ،‬وإنما كان ابن زِْنية )‪ ، (1‬ويحكى القول بأنه ليس بابنه ‪ ،‬وإنما‬
‫مير ‪ ،‬وأبي جعفر الباقر ‪،‬‬ ‫كان ابن امرأته عن مجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وعَُبيد بن عُ َ‬
‫صال ٍِح { وبقوله ‪:‬‬ ‫ل غَي ُْر َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫جَريج ‪ ،‬واحتج بعضهم بقوله ‪ } :‬إ ِن ّ ُ‬ ‫وابن ُ‬
‫ما { ]التحريم ‪ ، [10 :‬فممن قاله الحسن البصري ‪ ،‬احتج بهاتين‬ ‫خان ََتاه ُ‬ ‫} فَ َ‬
‫اليتين‪ .‬وبعضهم يقول ‪ :‬كان ابن امرأته‪ .‬وهذا يحتمل )‪ (2‬أن يكون أراد ما‬
‫أراد الحسن ‪ ،‬أو أراد أنه نسب إليه مجازا ‪ ،‬لكونه كان ربيًبا عنده ‪ ،‬فالله‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ ،‬وغير واحد من السلف ‪ :‬ما زنت امرأة نبي قط ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ك { أي ‪ :‬الذين وعدتك نجاتهم )‪.(3‬‬ ‫ن أ َهْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ه ل َي ْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِن ّ ُ‬
‫ل ابن عباس في هذا هو الحق الذي ل محيد عنه ‪ ،‬فإن الله سبحانه )‪(4‬‬ ‫وقو ُ‬
‫أغير من أن يمكن )‪ (5‬امرأة نبي من الفاحشة )‪ (6‬ولهذا غضب الله على‬
‫ديق زوج النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ت الص ّ‬ ‫موا أم المؤمنين عائشة بن َ‬ ‫الذين ر َ‬
‫)‪ ، (7‬وأنكر على المؤمنين الذين تكلموا بهذا وأشاعوه ؛ ولهذا قال تعالى ‪} :‬‬
‫م ل ِك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬‫ل هُوَ َ‬ ‫م بَ ْ‬ ‫شّرا ل َك ُ ْ‬ ‫سُبوه ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ة ِ‬ ‫صب َ ٌ‬
‫ك عُ ْ‬ ‫جاُءوا ِبالفْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫م{‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫م لَ ُ‬‫من ْهُ ْ‬ ‫ذي ت َوَّلى ك ِب َْره ُ ِ‬ ‫ن الث ْم ِ َوال ّ ِ‬ ‫م َ‬‫ب ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما اك ْت َ َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ئ ِ‬ ‫مرِ ٍ‬ ‫ا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عل ْ ٌ‬
‫م‬ ‫م ب ِهِ ِ‬ ‫س ل َك ُ ْ‬‫ما ل َي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫واهِك ُ ْ‬ ‫ن ب ِأفْ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م وَت َ ُ‬ ‫سن َت ِك ُ ْ‬ ‫ه ب ِأل ْ ِ‬ ‫قوْن َ ُ‬‫إلى قوله } إ ِذ ْ ت َل َ ّ‬
‫م { ]النور ‪.[15 - 11 :‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ عَ ِ‬ ‫ه هَي ًّنا وَهُوَ ِ‬ ‫سُبون َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وَت َ ْ‬
‫رمة ‪ ،‬عن ابن‬ ‫عك ْ ِ‬ ‫مر ‪ ،‬عن قتادة وغيره ‪ ،‬عن ِ‬ ‫معْ َ‬ ‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا َ‬
‫عباس قال ‪ :‬هو ابنه غير أنه خالفه في العمل والنية‪ .‬قال عكرمة ‪ :‬في بعض‬
‫مل عمل غير صالح" ‪ ،‬والخيانة تكون على غير باب‪.‬‬ ‫الحروف ‪" :‬إنه عَ ِ‬
‫وقد ورد في الحديث أن رسول الله قرأ بذلك ‪ ،‬فقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا‬
‫شب ‪،‬‬ ‫حو ْ َ‬‫شْهر بن َ‬ ‫يزيد بن هارون ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن َ‬
‫عن أسماء بنت يزيد قالت ‪ ،‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ‪:‬‬
‫سَرُفوا عََلى‬ ‫عبادي ال ّذي َ‬
‫نأ ْ‬ ‫صاِلح" ‪ ،‬وسمعته يقول )‪َ } : (8‬يا ِ َ ِ َ ِ َ‬ ‫ل غَي َْر َ‬ ‫م َ‬‫ه عَ ِ‬ ‫"إ ِن ّ ُ‬
‫ميًعا { ول يبالي‬ ‫ج ِ‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬
‫ب َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ي َغْ ِ‬ ‫مةِ الل ّهِ إ ِ ّ‬‫ح َ‬‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬‫طوا ِ‬ ‫قن َ ُ‬‫م ل تَ ْ‬ ‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫م { ]الزمر ‪.(9) [53 :‬‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫ه هُوَ ال ْغَ ُ‬ ‫} إ ِن ّ ُ‬
‫كيع ‪ ،‬حدثنا هارون النحوي ‪ ،‬عن ثابت الب َُناني ‪ ،‬عن‬ ‫وقال أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا وَ ِ‬
‫مل غَي َْر َ‬
‫صاِلح"‬ ‫شب ‪ ،‬عن أم سلمة أن رسول الله قرأها ‪" :‬إنه عَ ِ‬ ‫حو ْ َ‬ ‫شْهر بن َ‬ ‫َ‬
‫)‪.(10‬‬
‫أعاده أحمد أيضا في مسنده )‪.(11‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ليس منك إنما هو ولد زنية"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬محتمل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬بنجاتهم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬تعالى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬يمكن من"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬هذه الفاحشة"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬زوج النبي صلى الله عليه وسلم بالفاحشة"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬يقرأ"‪.‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪.(6/454‬‬
‫)‪ (10‬المسند )‪.(6/294‬‬
‫)‪ (11‬المسند )‪.(6/322‬‬

‫) ‪(4/326‬‬

‫ك وعََلى أ ُمم ممن مع َ ُ‬


‫م‬
‫م ٌ‬
‫ك وَأ َ‬‫َ ٍ ِ ّ ْ َ َ‬ ‫ت عَل َي ْ َ َ‬‫كا ٍ‬ ‫سَلم ٍ ِ‬
‫مّنا وَب ََر َ‬ ‫ح اهْب ِ ْ‬
‫ط بِ َ‬ ‫ل َيا ُنو ُ‬ ‫ِقي َ‬
‫َ‬
‫م )‪(48‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫مّنا عَ َ‬‫م ِ‬
‫سهُ ْ‬‫م ّ‬ ‫م ثُ ّ‬
‫م يَ َ‬ ‫مت ّعُهُ ْ‬
‫سن ُ َ‬
‫َ‬

‫أم سلمة هي )‪ (1‬أم المؤمنين والظاهر ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬أنها أسماء )‪ (2‬بنت‬
‫يزيد ‪ ،‬فإنها تكنى بذلك أيضا )‪.(3‬‬
‫ضا ‪ :‬أخبرنا الثوري وابن عيينة ‪ ،‬عن موسى بن أبي‬ ‫وقال عبد الرزاق أي ً‬
‫جْنب‬
‫سِئل ‪ -‬وهو إلى َ‬ ‫عائشة ‪ ،‬عن سليمان بن قَّتة قال ‪ :‬سمعت ابن عباس ‪ُ -‬‬
‫ما { ]التحريم ‪ ، [10 :‬قال ‪ :‬أما وإنه لم‬ ‫خان ََتاهُ َ‬‫الكعبة ‪ -‬عن قول الله ‪ } :‬فَ َ‬
‫يكن بالزنا ‪ ،‬ولكن كانت هذه تخبر الناس أنه مجنون ‪ ،‬وكانت هذه تدل على‬
‫صال ٍِح { قال ابن عيينة ‪ :‬وأخبرني عمار‬‫ل غَي ُْر َ‬ ‫م ٌ‬‫ه عَ َ‬‫الضياف‪ .‬ثم قرأ ‪ } :‬إ ِن ّ ُ‬
‫الد ُهِْبي )‪ (4‬أنه سأل سعيد بن جبير عن ذلك فقال ‪ :‬كان ابن نوح ‪ ،‬إن الله ل‬
‫ه { قال ‪ :‬وقال بعض العلماء ‪ :‬ما فجرت‬ ‫ح اب ْن َ ُ‬‫يكذب! قال تعالى ‪ } :‬وََناَدى ُنو ٌ‬
‫امرأة نبي قط )‪.(5‬‬
‫مْهران وثابت‬‫ضا ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وميمون بن ِ‬ ‫وكذا روي عن مجاهد أي ً‬
‫بن الحجاج ‪ ،‬وهو اختيار أبي جعفر بن جرير ‪ ،‬وهو الصواب ]الذي[ )‪ (6‬ل شك‬
‫فيه‪.‬‬
‫]وقوله[ )‪: (7‬‬
‫ك وعََلى أ ُمم ممن مع َ ُ‬
‫م‬
‫م ٌ‬ ‫ك وَأ َ‬ ‫َ ٍ ِ ّ ْ َ َ‬ ‫ت عَل َي ْ َ َ‬ ‫كا ٍ‬‫مّنا وَب ََر َ‬
‫سلم ٍ ِ‬ ‫ط بِ َ‬‫ح اهْب ِ ْ‬ ‫ل َيا ُنو ُ‬ ‫} ِقي َ‬
‫م )‪{ (48‬‬ ‫َ‬ ‫مّنا عَ َ‬ ‫ُ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م ِ‬‫سهُ ْ‬
‫م ّ‬ ‫م يَ َ‬‫مث ّ‬ ‫مت ّعُهُ ْ‬
‫سن ُ َ‬‫َ‬
‫يخبر تعالى عما قيل لنوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬حين أرست السفينة على‬
‫الجوديّ ‪ ،‬من السلم عليه ‪ ،‬وعلى من معه من المؤمنين ‪ ،‬وعلى كل مؤمن‬
‫من ذريته إلى يوم القيامة ‪ ،‬كما قال محمد بن كعب ‪ :‬دخل في هذا السلم‬
‫ل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة ‪ ،‬وكذلك في العذاب والمتاع كل كافر‬ ‫ك ّ‬
‫وكافرة إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬ولما أراد أن يكف )‪ (8‬الطوفان أرسل ريحا على‬
‫وجه الرض ‪ ،‬فسكن الماء ‪ ،‬وانسدت ينابيع الرض الغمر الكبر )‪ (9‬وأبواب‬
‫َ‬
‫ماُء‬ ‫س َ‬ ‫ك ]وََيا َ‬ ‫ماَء ِ‬‫ض اب ْل َِعي َ‬‫ل َيا أْر ُ‬‫السماء ‪ ،‬يقول الله تعالى )‪ } : (10‬وَِقي َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قوْم ِ‬ ‫دا ل ِل َ‬
‫ل ب ُعْ ً‬‫جودِيّ وَِقي َ‬ ‫ت عَلى ال ُ‬ ‫ست َوَ ْ‬
‫مُر َوا ْ‬ ‫ي ال ْ‬ ‫ض َ‬‫ماُء وَقُ ِ‬‫ض ال ْ َ‬‫أقْل ِِعي وَِغي َ‬
‫ن[ { )‪(11‬‬ ‫مي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬هند"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬إنما هي أسماء"‪.‬‬
‫)‪ (3‬قال الطبري في تفسيره )‪" : (15/348‬ول نعلم هذه القراءة قرأ بها أحد‬
‫من قرأة المصار إل بعض المتأخرين ‪ ،‬واعتل في ذلك بخبر روي عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ ذلك كذلك ‪ ،‬غير صحيح السند ‪ ،‬وذلك‬
‫حديث روي عن شهر بن حوشب ‪ ،‬فمرة يقول ‪ :‬عن أم سلمة ‪ ،‬ومرة يقول‬
‫عن أسماء بنت يزيد‪ ، .‬ول نعلم أبنت يزيد يريد ؟ ول نعلم لشهر سماعا يصح‬
‫عن أم سلمة"‪ .‬وانظر ‪ :‬حاشية الستاذ محمود شاكر عليه فقد أفاد وأجاد‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬الذهبي"‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(15/343‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬يكف ذلك"‪.‬‬
‫)‪ (9‬قال الستاذ محمود شاكر في حاشيته على الطبري )‪" : (15/239‬هكذا‬
‫في المخطوطة والمطبوعة ‪" :‬الغمر الكبر"‪ .‬وأنا أرجح أنه خطأ محض ‪ ،‬وأن‬
‫الصواب ‪" :‬الغوط الكبر" وبهذا اللفظ رواه صاحب اللسان في مادة‬
‫)غوط("‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (11‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬

‫) ‪(4/327‬‬

‫َ‬ ‫كم َ‬
‫ذا‬ ‫ن قَب ْ ِ‬
‫ل هَ َ‬ ‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ت وََل قَوْ ُ‬
‫م َ‬ ‫ت ت َعْل َ ُ‬
‫مَها أن ْ َ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫حيَها إ ِل َي ْ َ‬
‫ك َ‬ ‫ب ُنو ِ‬ ‫ن أن َْباِء ال ْغَي ْ ِ‬ ‫ت ِل ْ َ ِ ْ‬
‫ن )‪(49‬‬ ‫قي َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫ن ال َْعاقِب َ َ‬ ‫َفا ْ‬
‫صب ِْر إ ِ ّ‬

‫فجعل الماء ينقص وَيغيض وي ُد ْب ُِر ‪ ،‬وكان استواء الفلك على الجودي ‪ ،‬فيما‬
‫يزعم أهل التوراة ‪ ،‬في الشهر السابع لسبع عشرة ليلة مضت منه ‪ ،‬وفي‬
‫أول يوم من الشهر العاشر ‪ُ ،‬رئي رءوس الجبال‪ .‬فلما مضى بعد ذلك أربعون‬
‫ب لينظر له ما‬‫فْلك التي ركب )‪ (1‬فيها ‪ ،‬ثم أرسل الغرا َ‬ ‫ما ‪ ،‬فتح نوح ك ُ ّ‬
‫وة ال ُ‬ ‫يو ً‬
‫صنع الماء ‪ ،‬فلم يرجع إليه‪ .‬فأرسل الحمامة فرجعت إليه ‪ ،‬لم تجد لرجليها‬
‫موضعا ‪ ،‬فبسط يده للحمامة فأخذها فأدخلها‪ .‬ثم مضى )‪ (2‬سبعة أيام ‪ ،‬ثم‬
‫أرسلها لتنظر له‪ .‬فرجعت حين أمست ‪ ،‬وفي فيها وََرق زيتون )‪ (3‬فعلم نوح‬
‫ل عن وجه الرض‪ .‬ثم مكث سبعة أيام ‪ ،‬فلم ترجع ‪ ،‬فعلم نوح‬ ‫أن الماء قد قَ ّ‬
‫أن الرض قد ب ََرَزت ‪ ،‬فلما كملت السنة فيما بين أن أرسل الله الطوفان إلى‬
‫أن أرسل نوح الحمامة ‪ ،‬ودخل يوم واحد من الشهر الول من سنة اثنتين ‪،‬‬
‫برز وجه الرض ‪ ،‬وظهر الي ََبس )‪ (4‬وكشف نوح غطاء الفلك ورأى وجه‬
‫الرض ‪ ،‬وفي الشهر الثاني من سنة اثنتين ‪ ،‬في سبع وعشرين ليلة منه‬
‫ُ‬
‫ك[ { )‪(5‬‬ ‫معَ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫مم ٍ ِ‬ ‫ك وَعََلى أ َ‬ ‫ت عَل َي ْ َ‬ ‫كا ٍ‬‫مّنا ]وَب ََر َ‬ ‫سلم ٍ ِ‬ ‫ط بِ َ‬ ‫ح اهْب ِ ْ‬ ‫ل َيا ُنو ُ‬ ‫} ِقي َ‬
‫]إلى آخر[ )‪ (6‬الية )‪.(7‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كم َ‬
‫ل هَ َ‬
‫ذا‬ ‫ن قَب ْ ِ‬ ‫م ْ‬‫ك ِ‬‫م َ‬ ‫ت َول قَوْ ُ‬ ‫مَها أن ْ َ‬ ‫ت ت َعْل ُ‬ ‫ُ‬
‫ما كن ْ َ‬ ‫ك َ‬‫حيَها إ ِلي ْ َ‬ ‫ب ُنو ِ‬ ‫ن أن َْباِء ال ْغَي ْ ِ‬ ‫} ت ِل ْ َ ِ ْ‬
‫ن )‪{ (49‬‬ ‫قي َ‬‫مت ّ ِ‬‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫ن ال َْعاقِب َ َ‬ ‫َفا ْ‬
‫صب ِْر إ ِ ّ‬
‫يقول تعالى لنبيه ]ورسوله محمد[ )‪ (8‬صلى الله عليه وسلم )‪ .(9‬هذه‬
‫القصة وأشباهها )‪ } (10‬م َ‬
‫ب { يعني ‪ :‬من أخبار الغيوب السالفة‬ ‫ن أن َْباِء ال ْغَي ْ ِ‬‫ِ ْ‬ ‫َ‬
‫حيَها إ ِل َي ْكَ‬ ‫نوحيها إليك على وجهها ]وجليتها[ )‪ ، (11‬كأنك شاهدها )‪ُ } ، (12‬نو ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫مك ِ‬ ‫َ‬ ‫ت َول قَوْ ُ‬ ‫مَها أن ْ َ‬ ‫ت ت َعْل َ ُ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫{ أي ‪ :‬نعلمك بها وحيا )‪ (13‬منا إليك ‪َ } ،‬‬
‫ذا { أي ‪ :‬لم يكن عندك ول عند أحد من قومك علم بها ‪ ،‬حتى يقول‬ ‫ل هَ َ‬ ‫قَب ْ ِ‬
‫من يكذبك ‪ :‬إنك تعلمتها )‪ (14‬منه ‪ ،‬بل أخبرك الله بها مطابقة لما كان عليه‬
‫المر الصحيح ‪ ،‬كما تشهد به كتب النبياء قبلك ‪ ،‬فاصبر على تكذيب من‬
‫كذبك من قومك ‪ ،‬وأذاهم لك ‪ ،‬فإنا سننصرك )‪ (15‬ونحوطك بعنايتنا ‪ ،‬ونجعل‬
‫العاقبة لك ولتباعك في الدنيا والخرة ‪ ،‬كما فعلنا ]بإخوانك[ )‪(16‬‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫سل ََنا َوال ِ‬
‫ّ‬ ‫صُر ُر ُ‬ ‫بالمرسلين )‪ (17‬حيث نصرناهم على أعدائهم ‪ } ،‬إ ِّنا ل َن َن ْ ُ‬
‫م‬
‫معْذَِرت ُهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مي َ‬‫ظال ِ ِ‬ ‫فعُ ال ّ‬ ‫م ل ي َن ْ َ‬ ‫شَهاد ُ ي َوْ َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫مُنوا ]ِفي ال ْ َ‬ ‫آ َ‬
‫داِر[ { ]غافر ‪، [52 ، 51 :‬‬ ‫سوُء ال ّ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫ة وَلهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫م اللعْن َ ُ‬ ‫َ‬
‫وَلهُ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬صنع"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مضت"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬زيتونة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬النسر" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬البشر"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬تفسير الطبري )‪.(15/338‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬صلوات الله وسلمه عليه"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬وما أشبهها"‪.‬‬
‫)‪ (11‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪" :‬مشاهد لها"‪.‬‬
‫)‪ (13‬في ت ‪" :‬بوحي"‪.‬‬
‫)‪ (14‬في أ ‪" :‬تعلمها"‪.‬‬
‫)‪ (15‬في ت ‪" :‬سنؤيدك ‪ :‬ونبصرك" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬فإنا سنؤيدك"‪.‬‬
‫)‪ (16‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (17‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬من المرسلين"‪.‬‬

‫) ‪(4/328‬‬
‫م إ ِّل‬ ‫ل يا قَوم اعْبدوا الل ّه ما ل َك ُم من إل َه غَيره إ َ‬ ‫عاد ٍ أ َ َ‬ ‫وَإ َِلى َ‬
‫ن أن ْت ُ ْ‬‫ْ ِ ْ ِ ٍ ُْ ُ ِ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ِ ُ ُ‬ ‫هوًدا َقا َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫خاهُ ْ‬
‫ذي فَط ََرِني‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جرِيَ إ ِّل عََلى ال ّ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫جًرا إ ِ ْ‬ ‫م عَل َي ْهِ أ ْ‬ ‫سأل ُك ُ ْ‬ ‫ن )‪َ (50‬يا قَوْم ِ َل أ ْ‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ماَء عَلي ْك ْ‬ ‫س َ‬
‫ل ال ّ‬ ‫س ِ‬
‫م ُتوُبوا إ ِلي ْهِ ي ُْر ِ‬ ‫مث ّ‬ ‫فُروا َرب ّك ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫ن )‪ (51‬وََيا قوْم ِ ا ْ‬ ‫قلو َ‬ ‫أفل ت َعْ ِ‬
‫جئ ْت ََنا‬
‫ما ِ‬ ‫هود ُ َ‬‫ن )‪َ (52‬قاُلوا َيا ُ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وا ُ‬ ‫م وََل ت َت َوَل ّ ْ‬ ‫م قُوّة ً إ َِلى قُوّت ِك ُ ْ‬ ‫مد َْراًرا وَي َزِد ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪(53‬‬ ‫ني‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫نا‬ ‫ت‬ ‫ه‬‫ل‬ ‫َ‬ ‫آ‬ ‫كي‬
‫بِ َ ّ َ ٍ َ َ َ ْ ُ ِ َ ِ ِ‬
‫ر‬‫تا‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬
‫ِ ُ ِ ِ َ‬ ‫َ َ َ ْ ُ‬ ‫ْ ِْ‬ ‫َِ َِ‬

‫م‬‫م ل َهُ ُ‬‫ن إ ِن ّهُ ْ‬‫سِلي َ‬‫مْر َ‬ ‫مت َُنا ل ِعَِبادَِنا ال ْ ُ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫)‪ (1‬وقال تعالى ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫ن[ { ]الصافات ‪(2) ، [173 - 171 :‬‬ ‫م ال َْغال ُِبو َ‬ ‫جن ْد ََنا ل َهُ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن ]وَإ ِ ّ‬ ‫صوُرو َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن {‪.‬‬ ‫قي َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫ن ال َْعاقِب َ َ‬ ‫صب ِْر إ ِ ّ‬ ‫وقال تعالى ‪َ } :‬فا ْ‬
‫َ‬ ‫عاد ٍ أ َ َ‬
‫م‬
‫ن أن ْت ُ ْ‬‫ن إ ِل َهٍ غَي ُْره ُ إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫هوًدا َقا َ‬ ‫م ُ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫} وَإ َِلى َ‬
‫ذي فَط ََرِني‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جرِيَ ِإل عََلى ال ّ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫جًرا إ ِ ْ‬ ‫م عَل َي ْهِ أ ْ‬ ‫سأل ُك ُ ْ‬ ‫ن )‪َ (50‬يا قَوْم ِ ل أ ْ‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫م ْ‬‫ِإل ُ‬
‫َ‬
‫ماَء عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫س َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫س ِ‬‫م ُتوُبوا إ ِل َي ْهِ ي ُْر ِ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫فُروا َرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ن )‪ (51‬وََيا قَوْم ِ ا ْ‬ ‫قُلو َ‬ ‫أَفل ت َعْ ِ‬
‫ن )‪{ (52‬‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وا ُ‬ ‫م َول ت َت َوَل ّ ْ‬ ‫م قُوّة ً إ َِلى قُوّت ِك ُ ْ‬ ‫مد َْراًرا وَي َزِد ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫هوًدا { آمرا لهم بعبادة الله‬ ‫م ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫خا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫عا‬
‫َ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫أرسلنا‬ ‫ولقد‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫يقول‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وحده ل شريك له ‪ ،‬ناهيا لهم )‪ (3‬عن ]عبادة[ )‪ (4‬الوثان التي افتروها‬
‫واختلقوا لها أسماء اللهة ‪ ،‬وأخبرهم أنه ل يريد منهم أجرة على هذا النصح‬
‫والبلغ من الله ‪ ،‬إنما يبغي ثوابه ]على ذلك وأجره[ )‪ (5‬من الله الذي فطره‬
‫َ‬
‫ن { من يدعوكم إلى ما يصلحكم في الدنيا والخرة من غير‬ ‫قُلو َ‬ ‫} أَفل ت َعْ ِ‬
‫أجرة )‪.(6‬‬
‫ثم أمرهم بالستغفار الذي فيه تكفير الذنوب السالفة ‪ ،‬وبالتوبة عما‬
‫يستقبلون ]من العمال السابقة[ )‪ (7‬ومن اتصف بهذه الصفة يسر الله عليه‬
‫رزقه ‪ ،‬وسهل عليه أمره وحفظ ]عليه[ )‪ (8‬شأنه ]وقوته[ )‪ (9‬؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫مد َْراًرا { ]نوح ‪ ، [11 :‬و]كما جاء[ )‪ (10‬وفي‬ ‫م ِ‬ ‫ماَء عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫س ِ‬ ‫} ي ُْر ِ‬
‫هم فرجا ‪ ،‬ومن كل‬ ‫الحديث ‪" :‬من لزم )‪ (11‬الستغفار جعل الله له من كل َ‬
‫ضيق مخرجا ‪ ،‬ورزقه من حيث ل يحتسب"‪.‬‬
‫ن لَ َ‬
‫ك‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ن قَوْل ِ َ‬ ‫كي آل ِهَت َِنا عَ ْ‬ ‫ن ب َِتارِ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫جئ ْت ََنا ب ِب َي ّن َةٍ وَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫هود ُ َ‬ ‫} َقاُلوا َيا ُ‬
‫ن )‪{ (53‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫بِ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ونهاهم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬من غير جعل ول أجر"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أكثر من"‪.‬‬

‫) ‪(4/329‬‬
‫َ‬ ‫ل إ ِّني أ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ريءٌ‬ ‫دوا أّني ب َ ِ‬ ‫ه َوا ْ‬
‫شهَ ُ‬ ‫شهِد ُ الل ّ َ‬ ‫سوٍء َقا َ‬ ‫ض آل ِهَت َِنا ب ِ ُ‬‫ك ب َعْ ُ‬ ‫ل إ ِّل اعْت ََرا َ‬
‫قو ُ‬ ‫ن نَ ُ‬ ‫إِ ْ‬
‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪ (55‬إ ِّني ت َوَكل ُ‬ ‫م ل ت ُن ْظ ُِرو ِ‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫ميًعا ث ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫دوِني َ‬ ‫كي ُ‬ ‫َ‬
‫ن ُدون ِهِ ف ِ‬ ‫م ْ‬‫ن )‪ِ (54‬‬ ‫ُ‬
‫شرِكو َ‬ ‫ما ت ُ ْ‬‫م ّ‬ ‫ِ‬
‫ط‬‫صَرا ٍ‬ ‫َ‬
‫ن َرّبي عَلى ِ‬ ‫صي َت َِها إ ِ ّ‬ ‫ٌ‬
‫خذ ب َِنا ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن َداب ّةٍ إ ِل هُوَ آ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ما ِ‬‫م َ‬‫عَلى اللهِ َرّبي وََرب ّك ْ‬
‫قيم ٍ )‪(56‬‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ُ‬

‫دوا أ َّني‬ ‫شهَ ُ‬ ‫ه َوا ْ‬ ‫شهِد ُ الل ّ َ‬ ‫ل إ ِّني أ ُ ْ‬


‫سوٍء َقا َ‬ ‫ض آل ِهَت َِنا ب ِ ُ‬ ‫ك ب َعْ ُ‬ ‫ل ِإل اعْت ََرا َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن نَ ُ‬ ‫} إِ ْ‬
‫ن )‪ (55‬إ ِّني‬ ‫م ل ت ُن ْظ ُِرو ِ‬ ‫ميًعا ث ُ ّ‬ ‫ج ِ‬
‫دوِني َ‬ ‫ن ُدون ِهِ فَ ِ‬
‫كي ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ِ (54‬‬ ‫ُ‬
‫شرِكو َ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ريٌء ِ‬ ‫بَ ِ‬
‫َ‬
‫ن َرّبي عَلى‬ ‫صي َت َِها إ ِ ّ‬‫خذ ٌ ب َِنا ِ‬‫ن َداب ّةٍ ِإل هُوَ آ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ما ِ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ت عَلى اللهِ َرّبي وََرب ّك ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ت َوَكل ُ‬
‫قيم ٍ )‪{ (56‬‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬
‫جئت ََنا‬‫ما ِ‬ ‫يخبر )‪ (1‬تعالى ]إخباًرا عن قوم هود[ )‪ (2‬أنهم قالوا لنبيهم ‪َ } :‬‬
‫ما‬
‫َ َ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫تدعيه‬ ‫ب ِب َي ّن َةٍ { أي ‪ :‬بحجة ]ول دللة[ )‪] (3‬ول[ )‪ (4‬وبرهان على ما‬
‫ك { أي ‪ :‬بمجرد قولك ‪" :‬اتركوهم" نتركهم ‪،‬‬ ‫ن قَوْل ِ َ‬
‫كي آل ِهَت َِنا عَ ْ‬ ‫ن ب َِتارِ ِ‬ ‫ح ُ‬‫نَ ْ‬
‫ض‬
‫ك ب َعْ ُ‬ ‫ل ِإل اعْت ََرا َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن نَ ُ‬‫ن { ]أي[ )‪ (5‬بمصدقين ‪ } ،‬إ ِ ْ‬ ‫مؤْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ك بِ ُ‬‫ن لَ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫سوٍء { يقولون ‪ :‬ما نظن إل أن بعض اللهة أصابك بجنون وخَبل في‬ ‫آل ِهَت َِنا ب ِ ُ‬
‫عقلك بسبب نهيك عن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يقول"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/329‬‬

‫م وََل‬ ‫ُ‬ ‫فَإن تول ّوا فَ َ َ‬


‫ما غَي َْرك ُ ْ‬ ‫ف َرّبي قَوْ ً‬ ‫خل ِ ُ‬‫ست َ ْ‬
‫م وَي َ ْ‬ ‫ت ب ِهِ إ ِل َي ْك ُ ْ‬‫سل ْ ُ‬ ‫ما أْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫قد ْ أب ْل َغْت ُك ُ ْ‬ ‫ِ ْ َ َ ْ‬
‫هوًدا‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ج‬ ‫ن‬ ‫نا‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ء‬‫جا‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫(‬ ‫‪57‬‬ ‫)‬ ‫ٌ‬
‫ظ‬ ‫في‬ ‫ح‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫ي‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫بي‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ً‬
‫ئا‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ه‬
‫ْ ُ َ َ ّ َْ ُ‬ ‫َ ّ َ‬ ‫ْ َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ ِ ّ َ ّ‬ ‫ضّرون َ ُ‬ ‫تَ ُ‬
‫دوا‬
‫ح ُ‬‫ج َ‬‫عاد ٌ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ظ )‪ (58‬وَت ِل ْ َ‬ ‫ب غَِلي ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جي َْناهُ ْ‬ ‫مّنا وَن َ ّ‬ ‫مةٍ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ه ب َِر ْ‬ ‫معَ ُ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫جّبارٍ عَِنيد ٍ )‪ (59‬وَأت ْب ُِعوا ِفي هَذِ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫مَر ك ُ ّ‬ ‫ه َوات ّب َُعوا أ ْ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫وا ُر ُ‬ ‫ص ْ‬‫م وَعَ َ‬ ‫ت َرب ّهِ ْ‬ ‫ب ِآ ََيا ِ‬
‫فروا ربه َ‬ ‫َ‬
‫هودٍ )‪(60‬‬ ‫دا ل َِعادٍ قَوْم ِ ُ‬ ‫م أَل ب ُعْ ً‬ ‫َ ُّ ْ‬ ‫عاًدا ك َ َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مةِ أَل إ ِ ّ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ة وَي َوْ َ‬ ‫الد ّن َْيا ل َعْن َ ً‬

‫دوا { ]أي أنتم أيضا[ )‪ } (1‬أ َّني‬ ‫شهَ ُ‬‫ه َوا ْ‬ ‫شهِد ُ الل ّ َ‬‫ل إ ِّني أ ُ ْ‬ ‫عبادتها وعيبك لها } َقا َ‬
‫ن ُدون ِهِ { )‪ .(2‬يقول ‪ :‬إني بريء من جميع النداد‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ت ُ ْ‬‫م ّ‬‫ريٌء ِ‬‫بَ ِ‬
‫ميًعا { أي ‪ :‬أنتم وآلهتكم إن كانت حقا ‪] ،‬ف ذروها‬ ‫ج‬
‫َ ِ‬ ‫ني‬ ‫دو‬
‫ِ ُ ِ‬ ‫كي‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫والصنام‬
‫ن { أي ‪ :‬طرفة عين ]واحدة[ )‪.(4‬‬ ‫رو‬
‫ُْ ُِ ِ‬‫ظ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫تكيدني[ )‪ } ، (3‬ث ُ ّ‬
‫م‬
‫صي َت َِها {‬ ‫خذ ٌ ب َِنا ِ‬
‫ن َداب ّةٍ ِإل هُوَ آ ِ‬ ‫م ْ‬‫ما ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت عََلى الل ّهِ َرّبي وََرب ّك ُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِّني ت َوَك ّل ْ ُ‬
‫أي ‪] :‬هي[ )‪ (5‬تحت قهره وسلطانه ‪ ،‬وهو الحاكم العادل الذي ل يجور في‬
‫حكمه ‪ ،‬فإنه على صراط مستقيم‪.‬‬
‫قال الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن صفوان بن عمرو )‪ (6‬عن أيفع بن عبد الكلعي‬
‫ن َرّبي عََلى‬ ‫خذ ٌ ب َِنا ِ‬
‫صي َت َِها إ ِ ّ‬ ‫ن َداب ّةٍ ِإل هُوَ آ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ما ِ‬ ‫أنه قال في قوله تعالى ‪َ } :‬‬
‫قيم ٍ { قال ‪ :‬فيأخذ بنواصي عباده فيلقى المؤمن )‪ (7‬حتى يكون‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ط ُ‬‫صَرا ٍ‬‫ِ‬
‫ريم ِ {‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما غَّرك ب َِرب ّك الك ِ‬ ‫له )‪ (8‬أشفق من الوالد لولده )‪ (9‬ويقال للكافر ‪َ } :‬‬
‫]النفطار ‪.[6 :‬‬
‫وقد تضمن هذا المقام حجة بالغة ودللة قاطعة على صدق ما جاءهم به ‪،‬‬
‫ماد ل‬ ‫ج َ‬
‫وبطلن ما هم عليه من عبادة الصنام التي ل تنفع ول تضر ‪ ،‬بل هي َ‬
‫تسمع ول تبصر ‪ ،‬ول ُتوالي ول ُتعادي ‪ ،‬وإنما يستحق إخلص العبادة الله‬
‫وحده ل شريك له ‪ ،‬الذي بيده الملك ‪ ،‬وله التصرف ‪ ،‬وما من شيء إل تحت‬
‫ملكه وقهره وسلطانه ‪ ،‬فل إله إل هو ‪ ،‬ول رب سواه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫} فَإن تول ّوا فَ َ َ‬
‫م َول‬ ‫ما غَي َْرك ُ ْ‬ ‫ف َرّبي قَوْ ً‬ ‫خل ِ ُ‬‫ست َ ْ‬
‫م وَي َ ْ‬ ‫ت ب ِهِ إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫سل ْ ُ‬ ‫ما أْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫قد ْ أب ْل َغْت ُك ُ ْ‬ ‫ِ ْ َ َ ْ‬
‫هوًدا‬ ‫جي َْنا ُ‬ ‫ن‬ ‫نا‬ ‫ر‬‫م‬‫ظ )‪ (57‬ول َما جاَء أ َ‬ ‫ٌ‬ ‫في‬ ‫ح‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫ي‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫بي‬ ‫ً‬ ‫ه َ‬
‫ْ ُ َ َ ّ‬ ‫َ ّ َ‬ ‫ْ َ ِ‬ ‫َ‬ ‫شْ ِ ّ َ ّ‬
‫ر‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ئا‬ ‫ي‬ ‫ضّرون َ ُ‬ ‫تَ ُ‬
‫دوا‬
‫ح ُ‬‫ج َ‬ ‫عاد ٌ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ْ‬
‫ظ )‪ (58‬وَت ِل َ‬ ‫ب غَِلي ٍ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جي َْناهُ ْ‬ ‫مّنا وَن َ ّ‬ ‫مةٍ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ه ب َِر ْ‬ ‫معَ ُ‬‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫َوال ِ‬
‫ه‬ ‫ُ‬ ‫مَر ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جّبارٍ عَِنيد ٍ )‪ (59‬وَأت ْب ُِعوا ِفي هَذِ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ه َوات ّب َُعوا أ ْ‬ ‫سل ُ‬ ‫وا ُر ُ‬ ‫ص ْ‬‫م وَعَ َ‬ ‫ت َرب ّهِ ْ‬ ‫ِبآَيا ِ‬
‫هودٍ )‪{ (60‬‬ ‫دا ل َِعادٍ قَوْم ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫عاًدا ك َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م أل ب ُعْ ً‬ ‫فُروا َرب ّهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مةِ أل إ ِ ّ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ة وَي َوْ َ‬ ‫الد ّن َْيا لعْن َ ً‬
‫يقول لهم ]رسولهم[ )‪ (10‬هود ‪ :‬فإن تولوا عما جئتكم به من عبادة الله‬
‫ربكم وحده ل شريك له ‪ ،‬فقد قامت عليكم الحجة بإبلغي إياكم رسالة الله‬
‫م { )‪ (11‬يعبدونه وحده ل‬ ‫ما غَي َْرك ُ ْ‬ ‫ف َرّبي قَوْ ً‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫التي بعثني بها ‪ } ،‬وَي َ ْ‬
‫يشركون به ]شيًئا[ )‪ (12‬ول يبالي بكم ‪ :‬فإنكم ل تضرونه بكفركم بل )‪(13‬‬
‫ظ { أي ‪ :‬شاهد‬ ‫في ٌ‬ ‫ح ِ‬‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن َرّبي عََلى ك ُ ّ‬ ‫يعود وََبال ذلك عليكم ‪ } ،‬إ ِ ّ‬
‫وحافظ لقوال عباده وأفعالهم ويجزيهم )‪ (14‬عليها إن خيرا فخير ‪ ،‬وإن شرا‬
‫فشر‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬تدعون" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬محرز"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬للمؤمن"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬لهم"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬بولده"‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الله" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (12‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (13‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وكفركم وإنما"‪.‬‬
‫)‪ (14‬في ت ‪" :‬وتجزيهم"‪.‬‬

‫) ‪(4/330‬‬

‫ن إ ِل َهٍ غَي ُْرهُ هُ َ‬


‫و‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫حا َقا َ‬ ‫صال ِ ً‬
‫م َ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫مود َ أ َ َ‬ ‫وَإ َِلى ث َ ُ‬
‫ن اْل َْر‬ ‫أ َن َ َ‬
‫ب‬‫ري ٌ‬ ‫ن َرّبي قَ ِ‬ ‫م ُتوُبوا إ ِل َي ْهِ إ ِ ّ‬ ‫فُروهُ ث ُ ّ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م ِفيَها َفا ْ‬ ‫مَرك ُ ْ‬ ‫ست َعْ َ‬ ‫ض َوا ْ‬ ‫ِ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫شأك ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وا قَب ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ما ي َعْب ُد ُ‬‫ن ن َعْب ُد َ َ‬
‫ذا أت َن َْهاَنا أ ْ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ج ّ‬‫مْر ُ‬ ‫ت ِفيَنا َ‬ ‫ح قَد ْ كن ْ َ‬ ‫صال ِ ُ‬ ‫ب )‪َ (61‬قالوا َيا َ‬ ‫جي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ب )‪(62‬‬ ‫ري‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫عو‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ّ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ؤ‬‫با‬ ‫َ‬ ‫آَ‬
‫ِ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َِ‬
‫َ‬
‫مُرَنا { وهو ]ما أرسل الله عليهم من[ )‪ (1‬الريح العقيم ]التي ل‬
‫جاَء أ ْ‬ ‫} وَل َ ّ‬
‫ما َ‬
‫تمر بشيء إل جعلته كالرميم[ )‪ (2‬فأهلكهم الله عن آخرهم ‪ ،‬ونجى ]من‬
‫بينهم رسولهم[ )‪ (3‬هودا وأتباعه ]المؤمنين[ )‪ (4‬من عذاب غليظ برحمته‬
‫تعالى ولطفه‪.‬‬
‫صوا رسل الله ‪،‬‬ ‫م { ]أي[ )‪ (5‬كفروا بها ‪ ،‬وعَ َ‬ ‫ت َرب ّهِ ْ‬ ‫دوا ِبآَيا ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫عاد ٌ َ‬ ‫ك َ‬ ‫} وَت ِل ْ َ‬
‫وذلك أن من كفر بنبي فقد كفر بجميع النبياء ‪ ،‬لنه ل فرق بين أحد منهم في‬
‫وجوب اليمان به ‪ ،‬فعاد كفروا بهود ‪ ،‬فنزل كفرهم ]به[ )‪ (6‬منزلة من كفر‬
‫جّبارٍ عَِنيد ٍ { تركوا اتباع رسولهم الرشيد ‪،‬‬ ‫مَر ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ل َ‬ ‫بجميع الرسل ‪َ } ،‬وات ّب َُعوا أ ْ‬
‫واتبعوا أمر كل جبار عنيد‪ .‬فلهذا أتبعوا في هذه الدنيا لعنة من الله ومن‬
‫عباده المؤمنين كلما ذكروا وينادى عليهم يوم القيامة على رءوس الشهاد )‬
‫هوٍد[ { )‪.(8‬‬ ‫دا ل َِعادٍ قَوْم ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫عاًدا ك َ َ‬ ‫َ‬
‫م ]أل ب ُعْ ً‬ ‫فُروا َرب ّهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫‪ } ، (7‬أل إ ِ ّ‬
‫دي ‪ :‬ما ُبعث نبي بعد عاد إل لعنوا على لسانه‪.‬‬ ‫س ّ‬ ‫قال ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِلهٍ غَي ُْرهُ هُ َ‬
‫و‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما لك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا الل َ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫حا َقا َ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫م َ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫مود َ أ َ‬ ‫} وَإ َِلى ث َ ُ‬
‫أ َن َ َ‬
‫ب‬ ‫ري ٌ‬ ‫ن َرّبي قَ ِ‬ ‫م ُتوُبوا إ ِل َي ْهِ إ ِ ّ‬ ‫فُروهُ ث ُ ّ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م ِفيَها َفا ْ‬ ‫مَرك ُ ْ‬ ‫ست َعْ َ‬ ‫ض َوا ْ‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫شأك ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫ب )‪{ (61‬‬ ‫جي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫مود َ { وهم الذين كانوا يسكنون )‪ (9‬مدائن‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ولقد أرسلنا } إ ِلى ث َ ُ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫خاهُ ْ‬ ‫الحجر بين تبوك والمدينة ‪ ،‬وكانوا بعد عاد ‪ ،‬فبعث الله منهم )‪ } (10‬أ َ‬
‫حا { فأمرهم )‪ (11‬بعبادة الله وحده ]ل شريك له الخالق الرازق[ )‪ (12‬؛‬ ‫صال ِ ً‬ ‫َ‬
‫ض { أي ‪ :‬ابتدأ خلقكم منها ‪] ،‬من الرض‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ولهذا قال ‪ } :‬هُوَ أن ْ َ‬
‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫شأك ْ‬
‫م ِفيَها { أي ‪ :‬جعلكم ]فيها[ )‬ ‫ُ‬
‫مَرك ْ‬ ‫ست َعْ َ‬‫التي[ )‪ (13‬خلق منها أباكم آدم ‪َ } ،‬وا ْ‬
‫م ُتوُبوا إ ِل َي ْهِ { فيما‬ ‫مارا تعمرونها وتستغلونها ‪ ،‬لسالف ذنوبكم ‪ } ،‬ث ُّ‬ ‫‪ (14‬عُ ّ‬
‫َ‬
‫سأل َ َ‬
‫عَباِدي‬ ‫ك ِ‬ ‫ب { كما قال تعالى ‪ } :‬وَإ َِذا َ‬ ‫جي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ن َُرّبي قَ ِ‬ ‫تستقبلونه ؛ } إ ِ ّ‬
‫ن { الية ]البقرة ‪.[186 :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عا ِ‬ ‫داِع إ َِذا د َ َ‬ ‫ب د َعْوَةَ ال ّ‬ ‫جي ُ‬ ‫بأ ِ‬ ‫ري ٌ‬ ‫عَّني فَإ ِّني قَ ِ‬
‫ما ي َعْب ُد ُ آَباؤَُنا وَإ ِن َّنا‬‫ن ن َعْب ُد َ َ‬ ‫ذا أت َن َْهاَنا أ ْ‬‫ل هَ َ‬ ‫وا قَب ْ َ‬ ‫ج ّ‬‫مْر ُ‬ ‫ت ِفيَنا َ‬ ‫ح قَد ْ ك ُن ْ َ‬ ‫صال ِ ُ‬ ‫} َقاُلوا َيا َ‬
‫ب )‪{ (62‬‬ ‫ري ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫عوَنا إ ِلي ْهِ ُ‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬ ‫م ّ‬
‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫في َ‬ ‫لَ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬عليهم على رءوس الخلئق يوم القيامة"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬يستكبرون"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيهم"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في أ ‪" :‬فأمره"‪.‬‬
‫)‪ (12‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (13‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (14‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/331‬‬

‫َ َ‬
‫صُرِني‬
‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫ة فَ َ‬
‫م ْ‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬
‫ه َر ْ‬ ‫ن َرّبي وَآ ََتاِني ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت عََلى ب َي ّن َةٍ ِ‬‫ن ك ُن ْ ُ‬‫م إِ ْ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ أَرأي ْت ُ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫سيرٍ )‪(63‬‬ ‫خ ِ‬ ‫َ‬
‫دون َِني غي َْر ت َ ْ‬ ‫زي ُ‬‫ما ت َ ِ‬ ‫َ‬
‫هف َ‬ ‫صي ْت ُ ُ‬
‫ن عَ َ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ إ ِ ْ‬‫م َ‬
‫ِ‬
‫َ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ة فَ َ‬‫م ً‬
‫ح َ‬ ‫ه َر ْ‬‫من ْ ُ‬
‫ن َرّبي َوآَتاِني ِ‬ ‫ت عََلى ب َي ّن َةٍ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ك ُن ْ ُ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ أَرأي ْت ُ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫} َقا َ‬
‫سيرٍ )‪{ (63‬‬ ‫خ ِ‬ ‫دون َِني غَي َْر ت َ ْ‬‫زي ُ‬ ‫ه فَ َ‬
‫ما ت َ ِ‬ ‫صي ْت ُ ُ‬
‫ن عَ َ‬ ‫ن الل ّهِ إ ِ ْ‬ ‫م َ‬
‫صُرِني ِ‬ ‫ي َن ْ ُ‬
‫يذكر تعالى ما كان من الكلم بين صالح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وبين قومه ‪ ،‬وما كان‬
‫ل هَ َ‬
‫ذا {‬ ‫وا قَب ْ َ‬‫ج ّ‬
‫مْر ُ‬ ‫ت ِفيَنا َ‬‫عليه قومه من الجهل والعناد في قولهم ‪ } :‬قَد ْ ك ُن ْ َ‬
‫أي ‪ :‬كنا نرجوك في عقلك قبل أن تقول ما‬

‫) ‪(4/331‬‬

‫سوءٍ‬ ‫ها ب ِ ُ‬ ‫سو َ‬ ‫م ّ‬ ‫ض الل ّهِ وََل ت َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ل ِفي أ َْر‬ ‫ها ت َأ ْك ُ ْ‬ ‫ة فَذ َُرو َ‬ ‫م آ َي َ ً‬ ‫ة الل ّهِ ل َك ُ ْ‬ ‫وََيا قَوْم ِ هَذِهِ َناقَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ك‬‫ة أّيام ٍ ذ َل ِ َ‬ ‫م ث َلث َ َ‬ ‫مت ُّعوا ِفي َدارِك ْ‬ ‫ل تَ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ها فَ َ‬ ‫قُرو َ‬ ‫ب )‪ (64‬فَعَ َ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ب قَ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫خذ َك ُ ْ‬ ‫فَي َأ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ه ب َِر ْ‬ ‫معَ ُ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫حا َوال ّ ِ َ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫جي َْنا َ‬ ‫مُرَنا ن َ ّ‬ ‫جاَء أ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ب )‪ (65‬فَل َ ّ‬ ‫ذو ٍ‬ ‫مك ْ ُ‬ ‫وَعْد ٌ غَي ُْر َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫موا‬ ‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫خذ َ ال ِ‬ ‫زيُز )‪ (66‬وَأ َ‬ ‫قوِيّ العَ ِ‬ ‫ن َرب ّك هُوَ ال َ‬ ‫مئ ِذ ٍ إ ِ ّ‬ ‫ي ي َوْ ِ‬ ‫خْز ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مّنا وَ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مود َ‬ ‫ن ثَ ُ‬ ‫وا ِفيَها أل إ ِ ّ‬ ‫م ي َغْن َ ْ‬
‫نل ْ‬ ‫ن )‪ (67‬كأ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫جاث ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫حوا ِفي دَِيارِهِ ْ‬ ‫صب َ ُ‬ ‫ة فَأ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫صي ْ َ‬
‫ال ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كَ َ‬
‫شَرى قالوا‬ ‫م ِبالب ُ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫سلَنا إ ِب َْرا ِ‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫مود َ )‪ (68‬وَل َ‬ ‫دا ل ِث َ ُ‬ ‫م أل ب ُعْ ً‬ ‫فُروا َرب ّهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ص ُ‬
‫ل‬ ‫م َل ت َ ِ‬ ‫ما َرأى أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫حِنيذ ٍ )‪ (69‬فَل َ ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ٍ‬ ‫جاَء ب ِعِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ثأ ْ‬ ‫ما ل َب ِ َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سَل ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫سَل ً‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ط )‪(70‬‬ ‫سلَنا إ ِلى قوْم ِ لو ٍ‬ ‫َ‬ ‫ف إ ِّنا أْر ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫ة قالوا ل ت َ َ‬ ‫َ‬ ‫ف ً‬ ‫خي َ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ج َ‬ ‫م وَأوْ َ‬ ‫إ ِل َي ْهِ ن َك َِرهُ ْ‬
‫وا َ‬
‫ب )‪(71‬‬ ‫قو َ‬ ‫حاقَ ي َعْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ن وََراِء إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫حاقَ وَ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ها ب ِإ ِ ْ‬ ‫شْرَنا َ‬ ‫ت فَب َ ّ‬ ‫حك َ ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ه َقائ ِ َ‬ ‫مَرأت ُ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫في‬ ‫ما ي َعْب ُد ُ آَباؤَُنا { وما كان عليه أسلفنا ‪ } ،‬وَإ ِن َّنا ل َ ِ‬ ‫ن ن َعْب ُد َ َ‬ ‫قلت! } أت َن َْهاَنا أ ْ‬
‫ب { أي ‪] :‬في[ )‪ (1‬شك كثير )‪.(2‬‬ ‫ري ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫عوَنا إ ِل َي ْهِ ُ‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َرّبي { فيما أرسلني به إليكم على‬ ‫م ْ‬ ‫ت عَلى ب َي ّن َةٍ ِ‬ ‫ن كن ْ ُ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ أَرأي ْت ُ ْ‬ ‫} َقا َ‬
‫ن‬‫ن اللهِ إ ِ ْ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫صُرِني ِ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ةف َ‬ ‫َ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫ه َر ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫يقين وبرهان ]من الله[ )‪َ } ، (3‬وآَتاِني ِ‬
‫ه { وتركت دعوتكم إلى الحق وعبادة الله وحده ‪ ،‬فلو تركته )‪ (4‬لما‬ ‫صي ْت ُ ُ‬ ‫عَ َ‬
‫سيرٍ { أي ‪ :‬خسارة‪.‬‬ ‫خ ِ‬ ‫َ‬
‫نفعتموني ولما زدتموني } غي ْر ت َ ْ‬
‫ها‬ ‫سو‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ول‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫في‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫} ويا قَوم هذه ناقَة الل ّه ل َك ُم آ َية فَذ َروها تأ ْ‬
‫ِ َ َ َ ّ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ْ ًَ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ِ َ ِ ِ َ ُ‬ ‫ََ‬
‫م‬ ‫يا‬‫ة أَ‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ثل‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫دا‬ ‫في‬ ‫عوا‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫قا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ها‬ ‫رو‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬ ‫‪64‬‬ ‫)‬ ‫ب‬ ‫ري‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ب‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫سوٍء فَيأ ْ‬
‫َ ّ ٍ‬ ‫َ ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ ُّ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ِ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫بِ ُ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫معَ ُ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫حا َوال ّ ِ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫جي َْنا َ‬ ‫مُرَنا ن َ ّ‬ ‫جاَء أ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ب )‪ (65‬فَل َ ّ‬ ‫ذو ٍ‬ ‫مك ْ ُ‬ ‫ك وَعْد ٌ غَي ُْر َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫خذ َ ال ّ ِ‬ ‫زيُز )‪ (66‬وَأ َ‬ ‫قوِيّ ال ْعَ ِ‬ ‫ك هُوَ ال ْ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫مئ ِذ ٍ إ ِ ّ‬ ‫ي ي َوْ ِ‬ ‫خْز ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مّنا وَ ِ‬ ‫مةٍ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ب َِر ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫وا ِفيَها أل إ ِ ّ‬ ‫م ي َغْن َ ْ‬ ‫نل ْ‬ ‫ن )‪ (67‬ك َأ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫جاث ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫حوا ِفي دَِيارِهِ ْ‬ ‫صب َ ُ‬ ‫ة فَأ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫صي ْ َ‬
‫موا ال ّ‬ ‫ظ َل َ ُ‬
‫فروا ربه َ‬
‫مود َ )‪{ (68‬‬ ‫دا ل ِث َ ُ‬ ‫م أل ب ُعْ ً‬ ‫َ ُّ ْ‬ ‫مود َ ك َ َ ُ‬ ‫ثَ ُ‬
‫وتقدم الكلم على هذه القصة مستوفى في سورة "العراف" )‪ (5‬بما أغنى‬
‫عن إعادته ها هنا ‪ ،‬وبالله التوفيق‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫م ِبال ْب ُ ْ‬
‫جاَء‬ ‫ن َ‬ ‫ثأ ْ‬ ‫ما لب ِ َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫سل ً‬ ‫شَرى َقالوا َ‬ ‫هي َ‬ ‫سل َُنا إ ِب َْرا ِ‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫} وَل َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ف ً‬ ‫خي َ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ج َ‬ ‫م وَأوْ َ‬ ‫ل إ ِل َي ْهِ ن َك َِرهُ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫م ل تَ ِ‬ ‫ما َرأى أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫حِنيذ ٍ )‪ (69‬فَل َ ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ب ِعِ ْ‬
‫ها‬ ‫شْرَنا َ‬ ‫ت فب َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َقاُلوا ل ت َ َ‬
‫حك ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ةف َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ه قائ ِ َ‬ ‫مَرأت ُ ُ‬ ‫ط )‪َ (70‬وا ْ‬ ‫سلَنا إ ِلى قوْم ِ لو ٍ‬ ‫ف إ ِّنا أْر ِ‬ ‫خ ْ‬
‫ب )‪{ (71‬‬ ‫قو َ‬ ‫حاقَ ي َعْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ن وََراِء إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫حاقَ وَ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب ِإ ِ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬كبير"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فلو تركت ذلك"‪.‬‬
‫)‪ (5‬عند تفسير اليات ‪.78 - 73‬‬
‫) ‪(4/332‬‬

‫ذا ل َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬


‫ب )‪(72‬‬ ‫جي ٌ‬ ‫يٌء عَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫خا إ ِ ّ‬ ‫ذا ب َعِْلي َ‬
‫شي ْ ً‬ ‫جوٌز وَهَ َ‬ ‫ت َيا وَي ْل ََتا أأل ِد ُ وَأَنا عَ ُ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ميد ٌ‬
‫ح ِ‬
‫ه َ‬
‫ت إ ِن ّ ُ‬‫ل ال ْب َي ْ ِ‬
‫م أهْ َ‬ ‫ه عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫كات ُ ُ‬‫ة الل ّهِ وَب ََر َ‬
‫م ُ‬‫ح َ‬‫مرِ الل ّهِ َر ْ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫جِبي َ‬ ‫َقاُلوا أت َعْ َ‬
‫جيد ٌ )‪(73‬‬ ‫م ِ‬‫َ‬

‫ذا ل َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬


‫ب )‪(72‬‬ ‫جي ٌ‬‫يٌء عَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫خا إ ِ ّ‬‫شي ْ ً‬ ‫ذا ب َعِْلي َ‬ ‫جوٌز وَهَ َ‬ ‫ت َيا وَي ْل ََتا أأل ِد ُ وَأَنا عَ ُ‬ ‫} َقال َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ميد ٌ‬
‫ح ِ‬
‫ه َ‬ ‫ت إ ِن ّ ُ‬
‫ل الب َي ْ ِ‬‫م أهْ َ‬ ‫ه عَلي ْك ُ ْ‬ ‫ة اللهِ وَب ََر َ‬
‫كات ُ ُ‬ ‫م ُ‬‫ح َ‬
‫مرِ اللهِ َر ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫َقاُلوا أت َعْ َ‬
‫جِبي َ‬
‫جيد ٌ )‪{ (73‬‬ ‫م ِ‬
‫َ‬
‫سلَنا { وهم الملئكة ‪ ،‬إبراهيم بالبشرى ‪ ،‬قيل ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ ُ‬‫ر‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫جا‬
‫َ‬ ‫ما‬‫َ ّ‬‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫يقول‬
‫تبشره )‪ (1‬بإسحاق ‪ ،‬وقيل ‪ :‬بهلك قوم لوط‪ .‬ويشهد للول قوله تعالى ‪:‬‬
‫ط { ]هود‬ ‫جادِل َُنا ِفي قَوْم ِ ُلو ٍ‬ ‫شَرى ي ُ َ‬ ‫ه ال ْب ُ ْ‬
‫جاَءت ْ ُ‬ ‫م الّروْع ُ وَ َ‬ ‫هي َ‬ ‫ن إ ِب َْرا ِ‬ ‫ب عَ ْ‬ ‫ما ذ َهَ َ‬ ‫} فَل َ ّ‬
‫م { أي ‪ :‬عليكم‪.‬‬ ‫سل ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫سل ً‬ ‫‪َ } ، [74 :‬قاُلوا َ‬
‫حّيوه به ؛ لن الرفع يدل على الثبوت‬ ‫قال علماء )‪ (2‬البيان ‪ :‬هذا أحسن مما َ‬
‫والدوام )‪.(3‬‬
‫حِنيذ ٍ { أي ‪ :‬ذهب )‪ (4‬سريعا ‪ ،‬فأتاهم بالضيافة ‪،‬‬ ‫} فَما ل َب َ َ‬
‫ل َ‬ ‫ج ٍ‬ ‫جاَء ب ِعِ ْ‬ ‫ن َ‬‫ثأ ْ‬ ‫َ ِ‬
‫وهو عجل ‪ :‬فتى البقر ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬تبشيره"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬علمنا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬والستقرار"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬فذهب"‪.‬‬

‫) ‪(4/332‬‬

‫ضف ‪ ،‬وهي الحجارة‬ ‫جا[ )‪ (2‬على الّر ْ‬ ‫شوي ]شًيا ناض ً‬ ‫م ْ‬


‫حِنيذ ‪] :‬وهو[ )‪َ (1‬‬ ‫َ‬
‫حماة‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫ال ُ‬
‫هذا معنى ما روي عن ابن عباس ]ومجاهد[ )‪ (3‬وقتادة ]والضحاك ‪،‬‬
‫َ‬
‫جاَء‬‫والسدي[ )‪ (4‬وغير واحد ‪ ،‬كما قال في الية الخرى ‪ } :‬فََراغ َ إ َِلى أهْل ِهِ ف َ‬
‫َ‬
‫قربه إل َيهم َقا َ َ ْ‬
‫ن { ]الذاريات ‪.[27 ، 26 :‬‬ ‫ل أل ت َأك ُُلو َ‬ ‫ن فَ َ ّ َ ُ ِ ْ ِ ْ‬ ‫مي ٍ‬‫س ِ‬ ‫ل َ‬
‫ج ٍ‬ ‫ب ِعِ ْ‬
‫منت هذه الية آداب الضيافة من وجوه كثيرة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تض‬ ‫وقد‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ج‬‫و‬‫ل إل َيه نكرهُم { تنكرهم ‪ } ،‬وأ َ‬ ‫ُ‬ ‫ص‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَل َما رَأى أ َ‬
‫َ ْ َ َ ِ ُْ ْ‬ ‫ََ‬ ‫َ ِ ِ ْ ِ َ َِ ْ‬ ‫ْ َُِ ْ‬ ‫ّ َ‬
‫ة { وذلك أن الملئكة ل همة لهم إلى الطعام ول يشتهونه ول يأكلونه ؛‬ ‫ف ً‬‫خي َ‬ ‫ِ‬
‫فلهذا رأى حالهم معرضين )‪ (5‬عما جاءهم به ‪ ،‬فارغين عنه بالكلية فعند ذلك‬
‫ة {‪.‬‬ ‫ف ً‬‫خي َ‬‫م ِ‬ ‫َ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ج َ‬‫َنكرهم ‪ } ،‬وَأوْ َ‬
‫صور‬ ‫دي ‪ :‬لما بعث الله الملئكة لقوم لوط )‪ (6‬أقبلت تمشي في ُ‬ ‫قال الس ّ‬
‫رجال شبان )‪ (7‬حتى نزلوا على إبراهيم فتضيفوه ‪ ،‬فلما رآهم ]إبراهيم[ )‪(8‬‬
‫َ‬
‫ن { فذبحه ثم شواه في الرضف )‬ ‫مي ٍ‬
‫س ِ‬‫ل َ‬ ‫ج ٍ‬ ‫جاَء ب ِعِ ْ‬ ‫جّلهم ‪ } ،‬فََراغ َ إ َِلى أهْل ِهِ فَ َ‬ ‫أ َ‬
‫‪] .(9‬فهو الحنيد حين شواه[ )‪ (10‬وأتاهم به فقعد معهم ‪ ،‬وقامت سارة‬
‫تخدمهم )‪ (11‬فذلك حين يقول ‪" :‬وامرأته قائمة وهو جالس" في قراءة ابن‬
‫مسعود ‪" :‬فلما َقربه إليهم قال أل تأكلون قالوا ‪ :‬يا إبراهيم إنا ل نأكل طعاما‬
‫إل بثمن‪ .‬قال فإن لهذا ثمنا‪ .‬قالوا )‪ (12‬وما ثمنه ؟ قال ‪ :‬تذكرون اسم الله‬
‫حق لهذا‬ ‫على أوله ‪ ،‬وتحمدونه على آخره فنظر جبريل إلى ميكائيل فقال ‪ُ :‬‬
‫َ َ‬
‫م { يقول ‪ :‬فلما‬ ‫ل إ ِل َي ْهِ ن َك َِرهُ ْ‬
‫ص ُ‬
‫م ل تَ ِ‬ ‫أن يتخذه ربه خليل" ‪ } ،‬فَل َ ّ‬
‫ما َرأى أي ْدِي َهُ ْ‬
‫رآهم ل يأكلون فزع منهم ‪ ،‬وأوجس منهم خيفة ‪ ،‬فلما نظرت إليه )‪(13‬‬
‫سارة أنه قد أكرمهم وقامت هي تخدمهم ‪ ،‬ضحكت وقالت ‪ :‬عجبا لضيافنا‬
‫هؤلء ‪] ،‬إنا[ )‪ (14‬نخدمهم بأنفسنا كرامة )‪ (15‬لهم ‪ ،‬وهم ل يأكلون طعامنا‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا نصر بن علي ‪] ،‬حدثنا[ )‬
‫حصن في ضيف إبراهيم قال ‪ :‬كانوا‬ ‫م ْ‬ ‫‪ (16‬نوح بن قيس ‪ ،‬عن عثمان بن ِ‬
‫أربعة ‪ :‬جبريل ‪ ،‬وميكائيل ‪ ،‬وإسرافيل ‪ ،‬ورفائيل‪ .‬قال نوح بن قيس ‪ :‬فزعم‬
‫نوح بن أبي شداد أنهم لما دخلوا على إبراهيم ‪ ،‬فقرب إليهم العجل ‪ ،‬مسحه‬
‫جبريل بجناحه ‪ ،‬فقام يدرج حتى لحق بأمه ‪ ،‬وأم العجل في الدار‪.‬‬
‫ُ‬
‫سل َْنا إ َِلى قَوْم ِ لو ٍ‬
‫ط‬ ‫ُ‬ ‫ف ]إ ِّنا أْر ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫وقوله تعالى إخبارا عن الملئكة ‪َ } :‬قاُلوا ل ت َ َ‬
‫وا َ‬
‫ت[ { )‪ (17‬أي قالوا ‪ :‬ل تخف منا ‪ ،‬إنا ملئكة أرسلنا‬ ‫حك َ ْ‬ ‫ة فَ َ‬
‫ض ِ‬ ‫ه َقائ ِ َ‬
‫م ٌ‬ ‫مَرأت ُ ُ‬
‫َ ْ‬
‫إلى قوم لوط لنهلكهم )‪ .(18‬فضحكت )‪ (19‬سارة استبشاًرا ]منها[ )‪(20‬‬
‫بهلكهم ‪ ،‬لكثرة فسادهم ‪ ،‬وِغَلظ كفرهم وعنادهم ‪ ،‬فلهذا جوزيت بالبشارة‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬معرضا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الملئكة لمهلك قوم لوط"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬شباب"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬الرصف"‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عليهم"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫)‪ (13‬في ت ‪" :‬إليهم"‪.‬‬
‫)‪ (14‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (15‬في ت ‪" :‬تكرمة"‪.‬‬
‫)‪ (16‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (17‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (18‬في ت ‪" :‬إلى قوم لوط لندمر عليهم ونهلكهم كما ذكر في الية‬
‫الخرى"‪.‬‬
‫)‪ (19‬في ت ‪" :‬وضحكت"‪.‬‬
‫)‪ (20‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/333‬‬

‫بالولد بعد الياس‪.‬‬


‫وقال قتادة ‪ :‬ضحكت ]امرأته[ )‪ (1‬وعجبت ]من[ )‪ (2‬أن قوما يأتيهم )‪(3‬‬
‫العذاب وهم في غفلة ]فضحكت من ذلك وعجبت فبشرناها بإسحاق[‪.‬‬
‫ب { قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪:‬‬‫قو َ‬
‫حاقَ ي َعْ ُ‬
‫س َ‬
‫ن وََراِء إ ِ ْ‬
‫م ْ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَ ِ‬
‫ت { أي ‪ :‬حاضت‪.‬‬ ‫حك َ ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫} فَ َ‬
‫وقول محمد بن قيس ‪ :‬إنها إنما ضحكت من أنها ظنت أنهم يريدون أن‬
‫يعملوا كما يعمل قوم لوط ‪ ،‬وقول الكلبي إنها إنما ضحكت لما رأت من‬
‫الروع بإبراهيم ‪ -‬ضعيفان جدا ‪ ،‬وإن كان ابن جرير قد رواهما بسنده إليهما ‪،‬‬
‫فل يلتفت إلى ذلك ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫من َّبه ‪ :‬إنما ضحكت لما بشرت بإسحاق‪ .‬وهذا مخالف لهذا‬ ‫وقال وهب بن ُ‬
‫مرتبة على‪.‬‬ ‫السياق ‪ ،‬فإن البشارة صريحة ُ‬
‫ب { أي ‪ :‬بولد لها يكون له‬ ‫قو َ‬ ‫حاقَ ي َعْ ُ‬ ‫س َ‬‫ن وََراِء إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫حاقَ وَ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ها )‪ (4‬ب ِإ ِ ْ‬ ‫شْرَنا َ‬ ‫} فَب َ ّ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ولد وعقب ونسل ؛ فإن يعقوب ولد إسحاق ‪ ،‬كما قال في آية البقرة ‪ } :‬أ ْ‬
‫دي َقاُلوا‬ ‫ن ب َعْ ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬‫ل ل ِب َِنيهِ َ‬ ‫ت إ ِذ ْ َقا َ‬‫مو ْ ُ‬‫ب ال ْ َ‬ ‫قو َ‬ ‫ضَر ي َعْ ُ‬ ‫ح َ‬‫داَء إ ِذ ْ َ‬ ‫شهَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ن لَ ُ‬
‫ه‬ ‫ح ُ‬‫دا وَن َ ْ‬ ‫ح ً‬‫حاقَ إ ِل ًَها َوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ل وَإ ِ ْ‬‫عي َ‬ ‫ما ِ‬‫س َ‬‫م وَإ ِ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫ك إ ِب َْرا ِ‬ ‫ه آَبائ ِ َ‬‫ك وَإ ِل َ َ‬ ‫ن َعْب ُد ُ إ ِل َهَ َ‬
‫ن { ]البقرة ‪.[133 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ومن هاهنا استدل من استدل بهذه الية ‪ ،‬على أن الذبيح إنما هو إسماعيل ‪،‬‬
‫وأنه يمتنع أن يكون هو إسحاق ؛ لنه وقعت البشارة به ‪ ،‬وأنه سيولد له‬
‫يعقوب ‪ ،‬فكيف يؤمر إبراهيم بذبحه وهو طفل )‪ (5‬صغير ‪ ،‬ولم يولد له بعد‬
‫ف فيه ‪ ،‬فيمتنع أن يؤمر بذبح‬ ‫خل ْ َ‬ ‫يعقوب الموعود بوجوده‪ .‬ووعد الله حق ل ُ‬
‫هذا والحالة هذه ‪ ،‬فتعين أن يكون هو إسماعيل وهذا من أحسن الستدلل‬
‫وأصحه وأبينه ‪ ،‬ولله الحمد‪.‬‬
‫ذا ل َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫ب[ { )‬ ‫جي ٌ‬ ‫يٌء عَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫خا ]إ ِ ّ‬ ‫شي ْ ً‬‫ذا ب َعِْلي َ‬ ‫جوٌز وَهَ َ‬ ‫ت َيا وَي ْل ََتى أأل ِد ُ وَأَنا عَ ُ‬ ‫} َقال َ ْ‬
‫‪ (6‬حكى قولها في هذه الية ‪ ،‬كما حكى فعلها في الية الخرى ‪ ،‬فإنها ‪:‬‬
‫} َقال َت يا ويل َتى أ َأ َل ِد وأ َنا عَجوز { وفي الذاريات ‪ } :‬فَأ َقْبل َت ا َ‬
‫صّرةٍ‬‫ه ِفي َ‬ ‫مَرأت ُ ُ‬ ‫َ ِ ْ‬ ‫ُ ٌ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ْ َ َْ َ‬
‫م { ]الذاريات ‪ ، [29 :‬كما جرت به عادة‬ ‫قي ٌ‬‫جوٌز عَ ِ‬ ‫ت عَ ُ‬ ‫َ‬
‫جهََها وََقال ْ‬ ‫ت وَ ْ‬ ‫صك ّ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مرِ اللهِ { أي‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫جِبي َ‬ ‫النساء في أقوالهن وأفعالهن عند التعجب‪َ } .‬قالوا أت َعْ َ‬
‫‪ :‬قالت الملئكة لها ‪ ،‬ل تعجبي من أمر الله ‪ ،‬فإنه إذا أراد شيًئا أن )‪ (7‬يقول‬
‫له ‪" :‬كن" فيكون ‪ ،‬فل تعجبي من هذا ‪ ،‬وإن كنت عجوزا ]كبيرة[ )‪ (8‬عقيما ‪،‬‬
‫وبعلك ]وهو زوجها الخليل عليه السلم ‪ ،‬وإن كان[ )‪ (9‬شيخا كبيرا ‪ ،‬فإن الله‬
‫على ما يشاء قدير‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬أتاهم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬فبشرت"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬غلم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ "الية"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬إنما"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/334‬‬

‫ن‬
‫ط )‪ (74‬إ ِ ّ‬ ‫جادِل َُنا ِفي قَوْم ِ ُلو ٍ‬ ‫شَرى ي ُ َ‬‫ه ال ْب ُ ْ‬‫جاَءت ْ ُ‬ ‫م الّروْع ُ وَ َ‬
‫هي َ‬ ‫ن إ ِب َْرا ِ‬ ‫ب عَ ْ‬ ‫ما ذ َهَ َ‬‫فَل َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مُر َرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫جاَء أ ْ‬‫ه قَد ْ َ‬ ‫ن هَ َ‬
‫ذا إ ِن ّ ُ‬ ‫ض عَ ْ‬
‫م أعْرِ ْ‬ ‫هي ُ‬ ‫ب )‪َ (75‬يا إ ِب َْرا ِ‬ ‫مِني ٌ‬
‫م أّواه ٌ ُ‬ ‫حِلي ٌ‬‫م لَ َ‬ ‫هي َ‬
‫إ ِب َْرا ِ‬
‫مْرُدود ٍ )‪(76‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب غي ُْر َ‬ ‫م عَذا ٌ‬ ‫م آِتيهِ ْ‬ ‫وَإ ِن ّهُ ْ‬
‫جيد ٌ { أي ‪ :‬هو الحميد في‬ ‫م ِ‬ ‫ميد ٌ َ‬ ‫ح ِ‬‫ه َ‬ ‫ت إ ِن ّ ُ‬ ‫ل ال ْب َي ْ ِ‬ ‫م أ َهْ َ‬ ‫ه عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫كات ُ ُ‬ ‫ة الل ّهِ وَب ََر َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫} َر ْ‬
‫جميع أفعاله وأقواله محمود ‪ ،‬ممجد في صفاته وذاته ؛ ولهذا ثبت في‬
‫الصحيحين أنهم قالوا ‪ :‬قد علمنا السلم عليك ‪ ،‬فكيف الصلة عليك يا رسول‬
‫الله ؟ قال ‪ :‬قولوا ‪" :‬اللهم صل على محمد ‪ ،‬وعلى آل محمد ‪ ،‬كما صليت‬
‫على إبراهيم وآل إبراهيم ‪ ،‬وبارك على محمد وعلى آل محمد ‪ ،‬كما باركت‬
‫على ]إبراهيم و[ )‪ (1‬آل إبراهيم ‪ ،‬إنك حميد مجيد" )‪.(2‬‬
‫ط )‪(74‬‬ ‫جادِل َُنا ِفي قَوْم ِ لو ٍ‬
‫ُ‬ ‫شَرى ي ُ َ‬ ‫ه ال ْب ُ ْ‬ ‫جاَءت ْ ُ‬ ‫م الّروْع ُ وَ َ‬ ‫هي َ‬ ‫ن إ ِب َْرا ِ‬ ‫ب عَ ْ‬ ‫ما ذ َهَ َ‬ ‫} فَل َ ّ‬
‫َ‬ ‫إن إبراهيم ل َحِليم أ َواه مِنيب )‪ (75‬يا إبراهي َ‬
‫مُر‬
‫جاَء أ ْ‬ ‫ه قَد ْ َ‬ ‫ذا إ ِن ّ ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ض عَ ْ‬ ‫م أعْرِ ْ‬ ‫َ ِْ َ ِ ُ‬ ‫ِ ّ ِْ َ ِ َ َ ٌ ّ ٌ ُ ٌ‬
‫مْرُدودٍ )‪{ (76‬‬ ‫ب غَي ُْر َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫م آِتيهِ ْ‬ ‫ك وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫يخبر تعالى عن ]خليله[ )‪ (3‬إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنه لما ذهب عنه الروع ‪،‬‬
‫جس من الملئكة خيفة ‪ ،‬حين لم يأكلوا ‪ ،‬وبشروه بعد ذلك بالولد‬ ‫وهو ما أوْ َ‬
‫]وطابت نفسه[ )‪ (4‬وأخبروه بهلك قوم لوط ‪ ،‬أخذ يقول كما قال )‪] (5‬عنه[‬
‫)‪ (6‬سعيد بن جبير في الية )‪ (7‬قال ‪ :‬لما جاءه جبريل ومن معه ‪ ،‬قالوا له )‬
‫ن[ { ]العنكبوت ‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫كاُنوا َ‬ ‫ن أ َهْل ََها َ‬ ‫قْري َةِ ]إ ِ ّ‬ ‫ل هَذِهِ ال ْ َ‬ ‫‪ } (8‬إنا مهل ِ ُ َ‬
‫كو أهْ ِ‬ ‫ِّ ُ ْ‬
‫‪ (9) ، [31‬قال لهم ]إبراهيم[ )‪ (10‬أتهلكون قرية فيها ثلثمائة مؤمن ؟‬
‫قالوا ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪ :‬أفتهلكون قرية فيها مائتا مؤمن ؟ قالوا ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪ :‬أفتهلكون‬
‫قرية فيها أربعون مؤمنا ؟ قالوا ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪ :‬ثلثون ؟ قالوا ل حتى بلغ خمسة‬
‫قالوا ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪ :‬أرأيتكم إن كان فيها رجل واحد مسلم أتهلكونها ؟ قالوا ‪ :‬ل‪.‬‬
‫طا َقاُلوا نح َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ن أعْل َ ُ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ن ِفيَها ُلو ً‬ ‫فقال إبراهيم عليه السلم عند ذلك ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ه { الية ]العنكبوت ‪ ، [32 :‬فسكت عنهم‬ ‫فيها ل َننجينه وأ َهْل َه إل ا َ‬
‫مَرأت َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ َ َُ ّ َّ ُ َ‬
‫واطمأنت نفسه‪.‬‬
‫وقال قتادة وغيره قريبا من هذا ‪ -‬زاد ابن إسحاق ‪ :‬أفرأيتم إن كان فيها‬
‫مؤمن واحد ؟ قالوا ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪ :‬فإن كان فيها لوط يدفع به عنهم العذاب ‪،‬‬
‫قالوا ‪ } :‬نحن أ َعْل َم بمن فيها ]ل َننجينه وأ َهْل َه إل ا َ‬
‫ن[ {‬ ‫ري َ‬ ‫ن ال َْغاب ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كان َ ْ‬‫ه َ‬ ‫مَرأت َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ِ‬ ‫َُ ّ َّ ُ َ‬ ‫ُ ِ َ ْ ِ َ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫]العنكبوت ‪(11) .[32 :‬‬
‫َ‬
‫ب { مدح )‪ (12‬إبراهيم بهذه الصفات‬ ‫مِني ٌ‬ ‫م أّواه ٌ ُ‬ ‫حِلي ٌ‬ ‫م لَ َ‬ ‫هي َ‬ ‫ن إ ِب َْرا ِ‬‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫الجميلة ‪ ،‬وقد تقدم تفسيرها ]في سورة براءة[ )‪.(13‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬يا إبراهي َ‬
‫ب‬
‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫م آِتيهِ ْ‬ ‫مُر َرب ّك ]وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫جاَء أ ْ‬ ‫ه قَد ْ َ‬ ‫ذا إ ِن ّ ُ‬‫ن هَ َ‬ ‫ض عَ ْ‬ ‫م أعْرِ ْ‬ ‫َ ِْ َ ِ ُ‬
‫مْرُدوٍد[ { )‪(14‬‬ ‫غَي ُْر َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (4797‬وصحيح مسلم برقم )‪ (406‬من حديث‬
‫كعب بن عجرة ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬قاله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬في قوله ‪ :‬يجادلنا في قوم لوط"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬فقالوا لبراهيم"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (11‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪ .‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مدح له"‪.‬‬
‫)‪ (13‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (14‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬

‫) ‪(4/335‬‬

‫ب)‬ ‫صي ٌ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫ذا ي َوْ ٌ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫عا وََقا َ‬‫م ذ َْر ً‬


‫ضاقَ ب ِهِ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫سيَء ب ِهِ ْ‬ ‫طا ِ‬ ‫سل َُنا ُلو ً‬ ‫ت ُر ُ‬
‫جاَء ْ‬ ‫ما َ‬ ‫وَل َ ّ‬
‫ل َيا قَوْم ِ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ل َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫ن إ ِل َي ْهِ وَ ِ‬
‫م ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ه ي ُهَْر ُ‬
‫م ُ‬‫جاَءهُ قَوْ ُ‬
‫‪ (77‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ج ٌ‬
‫ل‬ ‫م َر ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫س ِ‬ ‫في ألي ْ َ‬ ‫ضي ْ ِ‬
‫ن ِفي َ‬ ‫خُزو ِ‬ ‫ه وَل ت ُ ْ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫م َفات ّ ُ‬ ‫ن أطهَُر لك ُ ْ‬ ‫هَؤَُلِء ب ََناِتي هُ ّ‬
‫ريد ُ )‬ ‫ما ن ُ ِ‬‫م َ‬ ‫ك ل َت َعْل َ ُ‬ ‫حقّ وَإ ِن ّ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬‫ما ل ََنا ِفي ب ََنات ِ َ‬ ‫ت َ‬ ‫م َ‬ ‫قد ْ عَل ِ ْ‬‫شيد ٌ )‪َ (78‬قاُلوا ل َ َ‬ ‫َر ِ‬
‫‪(79‬‬

‫قت عليهم الكلمة بالهلك ‪ ،‬وحلول البأس‬ ‫ح ّ‬‫أي ‪ :‬إنه قد نفذ فيهم القضاء ‪ ،‬و َ‬
‫الذي ل ُيرد عن القوم المجرمين‪.‬‬
‫ب)‬ ‫صي ٌ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫ذا ي َوْ ٌ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫عا وََقا َ‬ ‫م ذ َْر ً‬ ‫ضاقَ ب ِهِ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫سيَء ب ِهِ ْ‬ ‫طا ِ‬ ‫سل َُنا ُلو ً‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫جاَء ْ‬
‫ما َ‬ ‫} وَل َ ّ‬
‫ُ‬ ‫ل َ‬ ‫َ‬
‫ل َيا قَوْم ِ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫سي َّئا ِ‬
‫َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ملو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن إ ِلي ْهِ وَ ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ه ي ُهَْر ُ‬ ‫م ُ‬
‫َ‬
‫جاَءهُ قَوْ ُ‬‫‪ (77‬وَ َ‬
‫ل‬‫ج ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫س ِ‬ ‫في ألي ْ َ‬‫َ‬ ‫ضي ْ ِ‬
‫ن ِفي َ‬ ‫خُزو ِ‬ ‫ه َول ت ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫قوا الل َ‬ ‫م َفات ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ن أطهَُر لك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ؤلِء ب ََناِتي هُ ّ‬ ‫هَ ُ‬
‫ريد ُ )‬ ‫ما ن ُ ِ‬‫م َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك لت َعْل ُ‬ ‫حقّ وَإ ِن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما لَنا ِفي ب ََنات ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ت َ‬ ‫م َ‬ ‫قد ْ عَل ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫شيد ٌ )‪َ (78‬قالوا ل َ‬ ‫َر ِ‬
‫‪{ (79‬‬
‫يخبر تعالى عن ُقدوم رسله من الملئكة )‪ (1‬بعد ما أعلموا )‪ (2‬إبراهيم‬
‫بهلكهم ‪ ،‬وفارقوه وأخبروه بإهلك الله قوم لوط هذه الليلة‪ .‬فانطلقوا من‬
‫عنده ‪ ،‬فأتوا لوطا )‪ (3‬عليه السلم ‪ ،‬وهو ‪ -‬على ما )‪ (4‬قيل ‪ -‬في أرض له‬
‫]يعمرها[ )‪ (5‬وقيل ‪] :‬بل كان[ )‪ (6‬في منزله ‪ ،‬ووردوا عليه وهم في أجمل‬
‫صورة تكون ‪ ،‬على هيئة شبان )‪ (7‬حسان الوجوه ‪ ،‬ابتلء من الله ]واختبارا[‬
‫)‪ (8‬وله الحكمة والحجة البالغة ‪] ،‬فنزلوا عليه[ )‪ (9‬فساءه شأنهم وضاقت‬
‫فهم )‪ (10‬أن يضيفهم أحد من قومه ‪،‬‬ ‫ض ْ‬ ‫نفسه بسببهم ‪ ،‬وخشي إن لم ي ُ ِ‬
‫ب {‪.‬‬ ‫صي ٌ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫ذا ي َوْ ٌ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫فينالهم بسوء ‪ } ،‬وََقا َ‬
‫قال ابن عباس ]ومجاهد وقتادة ومحمد بن إسحاق[ )‪ (11‬وغير واحد ]من‬
‫الئمة[ )‪ (12‬شديد بلؤه وذلك أنه علم أنه سيدافع ]قومه[ )‪ (13‬عنهم ‪،‬‬
‫ويشق عليه ذلك‪.‬‬
‫وذكر قتادة أنهم أتوه وهو في أرض له ]يعمل فيها[ )‪ (14‬فتضّيفوه )‪(15‬‬
‫فاستحيا منهم ‪ ،‬فانطلق أمامهم وقال )‪ (16‬لهم في أثناء الطريق ‪،‬‬
‫كالمعرض لهم بأن ينصرفوا عنه ‪ :‬إنه والله يا هؤلء ما أعلم على وجه الرض‬
‫أهل بلد أخبث من هؤلء‪ .‬ثم مشى قليل ثم أعاد ذلك عليهم ‪ ،‬حتى كرره أربع‬
‫مرات قال قتادة ‪ :‬وقد كانوا أمروا أل يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم بذلك‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬خرجت الملئكة من عند إبراهيم نحو قرية )‪ (17‬لوط )‪(18‬‬
‫فبلغوا )‪ (19‬نهر سدون نصف النهار ‪ ،‬ولقوا بنت )‪ (20‬لوط تستقي ]من‬
‫الماء لهلها وكانت له ابنتان اسم الكبرى رثيا والصغرى زغرتا[ )‪ (21‬فقالوا‬
‫]لها[ )‪ (22‬يا جارية ‪ ،‬هل من منزل ؟ فقالت ]لهم[ )‪ (23‬مكانكم حتى‬
‫آتيكم ‪ ،‬وَفرقت عليهم من قومها ‪ ،‬فأتت أباها فقالت ‪ :‬يا أبتاه ‪ ،‬أدرك فتيانا‬
‫على باب المدينة ‪ ،‬ما رأيت‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬من الملئكة الذين فارقوا إبراهيم الخليل عليه السلم بعد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أعلموه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬فأتوا على لوط" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬فأتوا لوط"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وهو فيما"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬شباب"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يضيفهم"‪.‬‬
‫)‪ (11‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (12‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (13‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (14‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (15‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيضيفوه"‪.‬‬
‫)‪ (16‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (17‬في ت ‪" :‬قوم"‪.‬‬
‫)‪ (18‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لوط فأتوها نصف النهار ‪ ،‬فبلغوا"‪.‬‬
‫)‪ (19‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فلما بلغوا"‪.‬‬
‫)‪ (20‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ابنة"‪.‬‬
‫)‪ (21‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (22‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (23‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/336‬‬

‫وجوه قوم ]هي[ )‪ (1‬أحسن منهم ‪ ،‬ل يأخذهم قومك فيفضحوهم ‪ ،‬و]قد[ )‪(2‬‬
‫ضف )‪ (3‬الرجال‪ .‬فجاء‬ ‫كان قومه نهوه أن يضيف رجل فقالوا ‪ :‬خل عنا فل ْن ُ ِ‬
‫بهم ‪ ،‬فلم يعلم بهم أحد إل أهل بيته )‪ (4‬فخرجت امرأته فأخبرت قومها‬
‫]فقالت ‪ :‬إن في بيت لوط رجال ما رأيت مثل وجوههم قط[ )‪ ، (5‬فجاءوا )‬
‫‪ (6‬يهرعون إليه‪.‬‬
‫ن إ ِلي ْهِ { أي ‪ :‬يسرعون ويهرولون ]في مشيتهم ويجمرون[‬ ‫َ‬ ‫عو َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي ُهَْر ُ‬
‫)‪ (7‬من فرحهم بذلك ]وروي في هذا عن ابن عباس ومجاهد والضحاك‬
‫والسدي وقتادة وشمر بن عطية وسفيان بن عيينة[ )‪.(8‬‬
‫ت { أي ‪ :‬لم يزل هذا من سجيتهم‬ ‫سي َّئا ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ ِ‬
‫]إلى وقت آخر[ )‪ (9‬حتى أخذوا وهم على ذلك الحال‪.‬‬
‫ؤلِء بناِتي هُ َ‬
‫م { يرشدهم إلى نسائهم ‪،‬‬ ‫ن أط ْهَُر ل َك ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ََ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ هَ ُ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬قا َ‬
‫فإن النبي للمة بمنزلة الوالد ]للرجال والنساء[ )‪ ، (10‬فأرشدهم إلى ما هو‬
‫ن‬ ‫َ ْ‬
‫أنفع )‪ (11‬لهم في الدنيا والخرة ‪ ،‬كما قال لهم في الية الخرى ‪ } :‬أت َأُتو َ‬
‫خل َق ل َك ُم ربك ُم من أ َزواجك ُم ب ْ َ‬
‫م قَوْ ٌ‬
‫م‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫ْ َ ّ ْ ِ ْ ْ َ ِ ْ َ‬ ‫ما َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن وَت َذ َُرو َ‬ ‫مي َ‬ ‫ن ال َْعال َ ِ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫الذ ّك َْرا َ‬
‫َ‬
‫م‬‫ن { ]الشعراء ‪ ، [166 ، 165 :‬وقوله في الية الخرى ‪َ } :‬قاُلوا أوَل َ ْ‬ ‫عاُدو َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]الحجر ‪ [70 :‬أي ‪ :‬ألم )‪ (12‬ننهك عن ضيافة الرجال }‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬
‫ن الَعال ِ‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن َن ْهَك عَ ِ‬
‫ن{‬ ‫مُهو َ‬ ‫م ي َعْ َ‬ ‫ْ‬
‫سكَرت ِهِ ْ‬ ‫في َ‬ ‫َ‬
‫مل ِ‬ ‫َ‬
‫مُرك إ ِن ّهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‪ .‬لعَ ْ‬‫عِلي َ‬ ‫َ‬
‫م فا ِ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ؤلِء ب ََناِتي إ ِ ْ‬ ‫ل هَ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ن أط ْهَُر‬‫َ‬ ‫]الحجر ‪ ، [72 ، 71 :‬وقال في هذه الية الكريمة ‪ } :‬هَ ُ‬
‫ؤلِء ب ََناِتي هُ ّ‬
‫مت ِهِ ‪ ،‬وكل نبي أبو‬ ‫م { قال )‪ (13‬مجاهد ‪ :‬لم يكن بناته ‪ ،‬ولكن كن من أ ّ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫مِته‪.‬‬
‫أ ّ‬
‫وكذا روي عن قتادة ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫جَرْيج ‪ :‬أمرهم أن يتزوجوا النساء ‪ ،‬ولم يعرض عليهم سفاحا‪.‬‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ :‬يعني نساءهم ‪ ،‬هن ب ََناته ‪ ،‬وهو أب لهم )‪ (14‬ويقال‬
‫في بعض القراءات )‪ (15‬النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم‬
‫وهو أب لهم‪.‬‬
‫وكذا روي عن الربيع بن أنس ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق ‪،‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫في { أي ‪ :‬اقبلوا ما آمركم به من‬ ‫ضي ْ ِ‬
‫ن ِفي َ‬ ‫خُزو ِ‬
‫ه َول ت ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬فات ّ ُ‬
‫قوا الل َ‬
‫شيد ٌ { أي ‪] :‬ليس منكم‬ ‫ج ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل َر ِ‬ ‫م َر ُ‬
‫من ْك ْ‬‫س ِ‬ ‫القتصار على نسائكم )‪ } ، (16‬ألي ْ َ‬
‫رجل[ )‪ (17‬فيه خير ‪ ،‬يقبل ما آمره به ‪ ،‬ويترك ما أنهاه‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فلنضيف"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بيت لوط"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فجاءه قومه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪" :‬النفع"‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أو لم"‪.‬‬
‫)‪ (13‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (14‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬هن بناته هو نبيهم"‪.‬‬
‫)‪ (15‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬القراءة"‪.‬‬
‫)‪ (16‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أي اقبلوا ما آمركم به من إتيانكم نساءكم واقتصاركم‬
‫عليهن وترككم الفواحش من إتيان الذكران من العالمين"‪.‬‬
‫)‪ (17‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/337‬‬

‫س ُ‬
‫ل‬ ‫ط إ ِّنا ُر ُ‬ ‫ديد ٍ )‪َ (80‬قاُلوا َيا ُلو ُ‬ ‫ن َ‬
‫ش ِ‬ ‫ٍ‬ ‫م قُوّة ً أ َوْ آ َِوي إ َِلى ُرك ْ‬‫ن ِلي ب ِك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ل ل َوْ أ ّ‬ ‫َقا َ‬
‫حد ٌ إ ِلّ‬ ‫ك بقط ْع من الل ّيل وَل يل ْتفت منك ُم أ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ْ ِ َ َ َ ِ ْ ِ ْ ْ َ‬ ‫سرِ ب ِأهْل ِ َ ِ ِ ٍ ِ َ‬ ‫ك فَأ ْ‬ ‫صلوا إ ِلي ْ َ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫كل ْ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫ب )‪(81‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مَرأت َ َ‬
‫ري ٍ‬ ‫ق ِ‬‫ح بِ َ‬
‫صب ْ ُ‬
‫س ال ّ‬
‫ح ألي ْ َ‬‫صب ْ ُ‬
‫م ال ّ‬‫عد َهُ ُ‬‫مو ْ ِ‬
‫ن َ‬
‫م إِ ّ‬
‫صاب َهُ ْ‬
‫ما أ َ‬ ‫صيب َُها َ‬ ‫م ِ‬
‫ه ُ‬ ‫ك إ ِن ّ ُ‬ ‫ا ْ‬

‫عنه ؟‬
‫حقّ { أي ‪ :‬إنك تعلم )‪ (1‬أن نساءنا ل‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما ل ََنا ِفي ب ََنات ِ َ‬ ‫ت َ‬ ‫م َ‬‫قد ْ عَل ِ ْ‬‫} َقاُلوا ل َ َ‬
‫ريد ُ { أي ‪ :‬ليس لنا غرض إل‬ ‫ما ن ُ ِ‬
‫م َ‬‫ك ل َت َعْل َ ُ‬
‫أرب لنا فيهن ول نشتهيهن ‪ } ،‬وَإ ِن ّ َ‬
‫في الذكور ‪ ،‬وأنت تعلم ذلك ‪ ،‬فأي حاجة في تكرار القول علينا في ذلك ؟‬
‫ريد ُ { إنما نريد الرجال‪.‬‬ ‫ما ن ُ ِ‬ ‫ك ل َت َعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫قال السدي ‪ } :‬وَإ ِن ّ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫س ُ‬‫ديد ٍ )‪َ (80‬قالوا َيا لوط إ ِّنا ُر ُ‬‫ش ِ‬ ‫ن َ‬‫م قُوّة ً أوْ آِوي إ ِلى ُرك ْ ٍ‬ ‫ن ِلي ب ِك ُ ْ‬ ‫ل ل َوْ أ ّ‬ ‫} َقا َ‬
‫ك بقط ْع من الل ّيل ول يل ْتفت منك ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ك ل َن يصُلوا إل َي َ َ‬
‫حد ٌ ِإل‬‫مأ َ‬ ‫ْ ِ َ َ َ ِ ْ ِ ْ ْ‬ ‫سرِ ب ِأهْل ِ َ ِ ِ ٍ ِ َ‬ ‫ك فَأ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َرب ّ َ ْ َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫مَرأ َت َ َ‬
‫ب )‪{ (81‬‬ ‫ري ٍ‬ ‫ق ِ‬‫ح بِ َ‬‫صب ْ ُ‬
‫س ال ّ‬‫ح أل َي ْ َ‬
‫صب ْ ُ‬
‫م ال ّ‬ ‫عد َهُ ُ‬
‫مو ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ّ‬
‫صاب َهُ ْ‬
‫ما أ َ‬ ‫صيب َُها َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك إ ِن ّ ُ‬ ‫ا ْ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن نبيه لوط ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬إن لوطا توعدهم بقوله )‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ديد ٍ [ { )‪ (3‬أي ‪ :‬لكنت نكلت‬ ‫ش ِ‬ ‫م قُوّة ً ]أوْ آِوي إ ِلى ُرك ْ ٍ‬
‫ن َ‬ ‫ن ِلي ب ِك ُ ْ‬ ‫‪ } : (2‬ل َوْ أ ّ‬
‫بكم وفعلت بكم الفاعيل ]من العذاب والنقمة وإحلل البأس بكم[ )‪(4‬‬
‫بنفسي وعشيرتي ‪ ،‬ولهذا ورد في الحديث ‪ ،‬من طريق محمد بن عمرو بن‬
‫علقمة ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال ‪" :‬رحمة الله على لوط ‪ ،‬لقد كان يأوي إلى ركن شديد ‪ -‬يعني ‪ :‬الله عز‬
‫وجل ‪ -‬فما بعث الله بعده من نبي إل في ثروة من قومه" )‪.(5‬‬
‫]وروي من حديث الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة‬
‫عا ومن حديث أبي الزناد عن العرج عن أبي هريرة به ‪ ،‬ومن حديث‬ ‫مرفو ً‬
‫ابن لهيعة عن أبي يونس سمع أبا هريرة به وأرسله الحسن وقتادة[ )‪.(6‬‬
‫فعند ذلك أخبرته الملئكة أنهم )‪ُ (7‬رسل الله إليه ‪ ،‬و]وبشروه[ )‪ (8‬أنهم ل‬
‫صُلوا إ ِل َي ْكَ‬
‫ن يَ ِ‬ ‫ك لَ ْ‬‫ل َرب ّ َ‬
‫س ُ‬‫ط إ ِّنا ُر ُ‬‫وصول لهم إليه ]ول خلوص[ )‪َ } (9‬قاُلوا َيا ُلو ُ‬
‫{ وأمروه أن يسري بأهله من آخر الليل ‪ ،‬وأن يّتبع أدبارهم ‪ ،‬أي ‪ :‬يكون‬
‫حد ٌ { أي ‪ :‬إذا سمعت )‪ (10‬ما نزل بهم ‪،‬‬ ‫ساقة لهله ‪ } ،‬ول يل ْتفت منك ُ َ‬
‫مأ َ‬ ‫َ َ َ ِ ْ ِ ْ ْ‬
‫ول تهولّنكم )‪ (11‬تلك الصوات المزعجة ‪ ،‬ولكن استمروا ذاهبين ]كما أنتم[‬
‫)‪.(12‬‬
‫ك { قال الكثرون ‪ :‬هو استثناء من المثبت )‪ (13‬وهو قوله ‪:‬‬ ‫َ‬
‫مَرأت َ َ‬ ‫} ِإل ا ْ‬
‫َ‬
‫مَرأت َ َ‬ ‫َ‬
‫سرِ ب ِأهْل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ك { وكذلك قرأها ابن مسعود ونصب‬ ‫ك { تقديره } ِإل ا ْ‬ ‫} فَأ ْ‬
‫هؤلء امرأتك ؛ لنه من مثبت )‪، (14‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لتعلم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عليه السلم إنه توعدهم بهذا الكلم وهو قوله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه الترمذي في السنن برقم )‪ (3116‬من طريق الفضل بن موسى‬
‫عن محمد بن عمرو به ‪ ،‬ورواه عن طريق عبدة وعبد الرحيم عن محمد بن‬
‫عمرو ونحو حديث الفضل بن موسى ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬وهذا ‪ -‬أي الطريق‬
‫الثاني ‪ -‬أصح من رواية الفضل بن موسى وهذا حديث حسن"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬بأنهم"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إذا سمعتم"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪+" :‬ولتهيلنكم"‪.‬‬
‫)‪ (12‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (13‬في ت ‪" :‬من المبيت"‪.‬‬
‫)‪ (14‬في ت ‪" :‬من مبيت"‪.‬‬

‫) ‪(4/338‬‬
‫فوجب نصبه عندهم‪.‬‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫من ْك ْ‬‫ت ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ْ‬
‫وقال آخرون من القراء والنحاة ‪ :‬هو استثناء من قوله ‪َ } :‬ول ي َلت َ ِ‬
‫جوزوا الرفع والنصب ‪ ،‬وذكر هؤلء ]وغيرهم من‬ ‫ك{ف ّ‬ ‫مَرأ َت َ َ‬ ‫حد ٌ ِإل ا ْ‬
‫َ‬
‫أ َ‬
‫جَبة التفتت وقالت‬ ‫السرائيليات[ )‪ (1‬أنها خرجت معهم ‪ ،‬وأنها لما سمعت الوَ ْ‬
‫)‪ (2‬واقوماه‪ .‬فجاءها حجر من السماء فقتلها )‪.(3‬‬
‫ثم قربوا له هلك قومه تبشيًرا له ؛ لنه قال لهم ‪" :‬أهلكوهم الساعة" ‪،‬‬
‫عدهُم الصب َ‬
‫ط وُقوف‬ ‫م ُلو ِ‬ ‫ب { هذا وقو ُ‬ ‫ري ٍ‬‫ق ِ‬
‫ح بِ َ‬
‫صب ْ ُ‬
‫س ال ّ‬ ‫ح أل َي ْ َ‬ ‫ّ ْ ُ‬ ‫مو ْ ِ َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫فقالوا ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫عكوف قد جاءوا ُيهرعون إليه من كل جانب ‪ ،‬ولوط واقف على‬ ‫على الباب و ُ‬
‫)‪ (4‬الباب يدافعهم ويردعهم وينهاهم عما هم فيه ‪ ،‬وهم ل يقبلون منه ‪ ،‬بل‬
‫يتوعدونه ‪ ،‬فعند ذلك خرج عليهم جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فضرب وجوههم‬
‫بجناحه ‪ ،‬فطمس أعينهم ‪ ،‬فرجعوا وهم ل يهتدون الطريق ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫ذاِبي وَن ُذ ُرِ ]وَل َ َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫حهُ ْ‬‫صب ّ َ‬
‫قد ْ َ‬ ‫ذوُقوا عَ َ‬ ‫م فَ ُ‬‫سَنا أعْي ُن َهُ ْ‬
‫م ْ‬ ‫فهِ فَط َ َ‬ ‫ضي ْ ِ‬
‫ن َ‬ ‫قد ْ َراوَُدوه ُ عَ ْ‬ ‫} وَل َ َ‬
‫ذاِبي وَن ُذ ُِر[ { ]القمر ‪.(5) [39 - 37 :‬‬ ‫ذوُقوا عَ َ‬ ‫قّر فَ ُ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ب ُك َْرةً عَ َ‬
‫مر ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن حذيفة بن اليمان قال ‪ :‬كان إبراهيم ‪ ،‬عليه‬ ‫معْ َ‬ ‫وقال َ‬
‫السلم ‪ ،‬يأتي )‪ (6‬قوم لوط ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أَنهاكم )‪ (7‬الله أن ت َعَّرضوا لعقوبته ؟‬
‫فلم يطيعوه ‪ ،‬حتى إذا بلغ الكتاب أجله ]لمحل عذابهم وسطوات الرب بهم‬
‫قال[ )‪ (8‬انتهت الملئكة إلى لوط وهو يعمل في أرض له ‪ ،‬فدعاهم إلى‬
‫الضيافة فقالوا ‪ :‬إنا ضيوفك )‪ (9‬الليلة ‪ ،‬وكان الله قد عهد إلى جبريل أل‬
‫شهادات فلما توجه بهم لوط إلى‬ ‫ُيعذبهم حتى يشهد عليهم لوط ثلث َ‬
‫الضيافة ‪ ،‬ذكر ما يعمل قومه من الشر ]والدواهي العظام[ )‪ ، (10‬فمشى‬
‫معهم ساعة ‪ ،‬ثم التفت إليهم فقال ‪ :‬أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية ؟‬
‫ما أعلم على وجه الرض شرا منهم‪ .‬أين أذهب بكم ؟ إلى قومي وهم ]من[‬
‫)‪ (11‬أشر خلق الله ‪ ،‬فالتفت جبريل إلى الملئكة فقال ‪ :‬احفظوها )‪(12‬‬
‫هذه واحدة‪ .‬ثم مشى معهم ساعة ‪ ،‬فلما توسط القرية وأشفق عليهم‬
‫واستحيا منهم قال ‪ :‬أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية ؟ ما أعلم على‬
‫وجه الرض أشر منهم ‪ ،‬إن قومي أشر خلق الله‪ .‬فالتفت جبريل إلى‬
‫الملئكة فقال ‪ :‬احفظوا ‪ ،‬هاتان اثنتان ‪ ،‬فلما انتهى إلى باب الدار بكى حياء‬
‫منهم وشفقة عليهم فقال )‪ (13‬إن قومي أشر من خلق الله ؟ أما تعلمون ما‬
‫يعمل أهل هذه القرية ؟ ما أعلم على وجه الرض أهل قرية شًرا )‪ (14‬منهم‪.‬‬
‫فقال جبريل للملئكة ‪ :‬احفظوا ‪ ،‬هذه ثلث ‪ ،‬قد حق العذاب‪ .‬فلما دخلوا‬
‫ذهبت عجوز السوء فصعدت فلوحت بثوبها ‪ ،‬فأتاها الفساق ُيهَرعون سراعا ‪،‬‬
‫طا قوم )‪ (15‬ما رأيت قط أحسن وجوها‬ ‫ضّيف لو ً‬ ‫قالوا ‪ :‬ما عندك ؟ قالت ‪َ :‬‬
‫حا منهم‪ .‬فُهرعوا يسارعون إلى الباب ‪ ،‬فعالجهم لوط‬ ‫منهم ‪ ،‬ول أطيب ري ً‬
‫على الباب ‪ ،‬فدافعوه طويل هو داخل وهم خارج ‪ ،‬يناشدهم الله ويقول ‪:‬‬
‫ؤلِء بناِتي هُ َ‬
‫م { فقام‬ ‫ن أط ْهَُر ل َك ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ََ‬ ‫} هَ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬فقالت"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬فقتلتها"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يأتيهم يعني"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أنهاكم الله عنه"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬مضيفوك"‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (11‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬احفظوا"‪.‬‬
‫)‪ (13‬في ت ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (14‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أشر"‪.‬‬
‫)‪ (15‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الليلة\"‪.‬‬

‫) ‪(4/339‬‬

‫الملك فَل َّز )‪ (1‬بالباب ‪ -‬يقول فسده )‪ - (2‬واستأذن جبريل في عقوبتهم ‪،‬‬
‫فأذن الله له ‪ ،‬فقام في الصورة التي يكون فيها في السماء ‪ ،‬فنشر جناحه‪.‬‬
‫ولجبريل جناحان ‪ ،‬وعليه وشاح من دّر منظوم ‪ ،‬وهو براق الثنايا ‪ ،‬أجلى‬
‫حُبك مثل المرجان وهو اللؤلؤ ‪ ،‬كأنه الثلج ‪ ،‬ورجله إلى‬ ‫ك ُ‬‫حب ُ ٌ‬
‫الجبين ‪ ،‬ورأسه ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صلوا إ ِلي ْك { امض يا لوط عن‬ ‫ُ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سل َرب ّك ل ْ‬‫الخضرة‪ .‬فقال يا لوط ‪ } :‬إ ِّنا ُر ُ‬
‫الباب ودعني وإياهم ‪ ،‬فتنحى لوط عن الباب ‪ ،‬فخرج إليهم ‪ ،‬فنشر جناحه ‪،‬‬
‫مًيا ل يعرفون الطريق ]ول‬ ‫فضرب به وجوههم ضربة شدخ أعينهم ‪ ،‬فصاروا عُ ْ‬
‫َ‬
‫سرِ ب ِأهْل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫يهتدون بيوتهم[ )‪ (3‬ثم أمر لوط فاحتمل بأهله في ليلته قال ‪ } :‬فَأ ْ‬
‫ل { )‪.(4‬‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬ ‫قط ٍْع ِ‬
‫م َ‬ ‫بِ ِ‬
‫وروي عن محمد بن كعب ]القرظي[ )‪ (5‬وقتادة ‪ ،‬والسدي نحو هذا‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬فكن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬فشده" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬نسده"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(15/429‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/340‬‬

‫مط َْرَنا عَل َي َْها ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ضود ٍ )‬
‫من ْ ُ‬
‫ل َ‬
‫جي ٍ‬
‫س ّ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫جاَرة ً ِ‬
‫ح َ‬ ‫سافِل ََها وَأ ْ‬ ‫جعَل َْنا َ‬
‫عال ِي ََها َ‬ ‫مُرَنا َ‬‫جاَء أ ْ‬‫ما َ‬‫فَل َ ّ‬
‫ن ب ِب َِعيد ٍ )‪(83‬‬
‫مي َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬‫ما هِ َ‬
‫ك وَ َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّ َ‬
‫ة ِ‬
‫م ً‬‫سو ّ َ‬
‫م َ‬‫‪ُ (82‬‬

‫مط َْرَنا عَل َي َْها ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ل‬
‫جي ٍ‬
‫س ّ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫جاَرة ً ِ‬
‫ح َ‬ ‫سافِل ََها وَأ ْ‬ ‫عال ِي ََها َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫مُرَنا َ‬
‫جاَء أ ْ‬
‫ما َ‬‫} فَل َ ّ‬
‫ن ب ِب َِعيدٍ )‪{ (83‬‬‫مي َ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ما هِ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّ َ‬‫ة ِ‬ ‫م ً‬‫سو ّ َ‬
‫م َ‬‫ضود ٍ )‪ُ (82‬‬ ‫من ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جعَلَنا‬ ‫مُرَنا { وكان ذلك عند طلوع الشمس ‪َ } ،‬‬ ‫جاَء أ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬فَل ّ‬
‫دوم ]ومعاملتها[ )‪(2‬‬ ‫س ُ‬‫عال ِي ََها { وهي ]قريتهم العظيمة وهي[ )‪َ (1‬‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ما غ ّ‬ ‫َ‬
‫وى[ فغَ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫شى { ]النجم ‪53 :‬‬ ‫ها َ‬ ‫شا َ‬ ‫ة أهْ َ‬ ‫فك َ‬ ‫مؤْت َ ِ‬‫سافِلَها { كقوله )‪َ] } (3‬وال ُ‬ ‫} َ‬
‫‪ (4) [54 ،‬أي ‪ :‬أمطرنا )‪ (5‬عليها حجارة من "سجيل" وهي بالفارسية ‪:‬‬
‫حجارة من طين ‪ ،‬قاله ابن عباس وغيره‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬أي من "سنك" وهو الحجر ‪ ،‬و"كل" )‪ (6‬وهو الطين ‪ ،‬وقد قال‬
‫ن { ]الذاريات ‪ [33 :‬أي ‪ :‬مستحجرة‬ ‫طي ٍ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جاَرةً ِ‬ ‫ح َ‬ ‫في الية الخرى ‪ِ } :‬‬
‫قوية شديدة‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬مشوية ‪] ،‬وقال بعضهم ‪ :‬مطبوخة قوية صلبة[ )‬
‫سجيل" ‪ :‬الشديد الكبير‪ .‬سجيل وسجين واحد ‪ ،‬اللم‬ ‫‪ (7‬وقال البخاري‪ِ " .‬‬
‫مقِبل ‪:‬‬ ‫والنون أختان ‪ ،‬وقال تميم بن ُ‬
‫جينا )‪(9‬‬
‫س ّ‬
‫صت به البطال )‪ِ (8‬‬‫ضْرًبا توا َ‬
‫ة‪َ ...‬‬ ‫حي ٌ‬
‫ضا ِ‬‫ض َ‬‫ضرُبون الب َي ْ َ‬ ‫جل َةٍ ي َ ْ‬
‫وََر ْ‬
‫ضود ٍ { قال بعضهم ‪ :‬منضودة في السماء ‪ ،‬أي ‪ :‬معدة لذلك‪.‬‬ ‫من ْ ُ‬
‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫ضود ٍ { أي ‪ :‬يتبع بعضها بعضا في نزولها عليهم‪.‬‬ ‫ن‬
‫َ ْ ُ‬ ‫م‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫آخرون‬ ‫وقال‬
‫مة مختومة ‪ ،‬عليها أسماء أصحابها ‪ ،‬كل حجر‬ ‫مْعل َ‬‫ة { أي ُ‬ ‫م ً‬
‫سو ّ َ‬‫م َ‬ ‫وقوله ‪ُ } :‬‬
‫مكتوب عليه اسم الذي ينزل عليه‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬كما قال تعالى"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أمطر"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬وحل" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬وجيل"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬الباطيل"‪.‬‬
‫)‪ (9‬صحيح البخاري )‪" (8/352‬فتح"‪.‬‬

‫) ‪(4/340‬‬

‫رة‪.‬‬‫م ٍ‬‫ح ّ‬ ‫ح من ُ‬ ‫ض ٌ‬ ‫مط َ ّ‬


‫وقة ‪ ،‬بها ن َ ْ‬ ‫ة { ]أي[ )‪ُ (1‬‬ ‫م ً‬
‫سو ّ َ‬‫م َ‬
‫رمة ‪ُ } :‬‬ ‫عك ْ ِ‬ ‫وقال قتادة و ِ‬
‫وذكروا أنها نزلت على أهل البلد ‪ ،‬وعلى المتفرقين في القرى مما حولها ‪،‬‬
‫دث ‪ ،‬إذ جاءه حجر من السماء فسقط‬ ‫فبينا أحدهم يكون عند )‪ (2‬الناس يتح ّ‬
‫دمره ‪ ،‬فتتبعهم )‪ (3‬الحجارة من سائر البلد ‪ ،‬حتى‬ ‫عليه من بين الناس ‪ ،‬ف ّ‬
‫أهلكتهم عن آخرهم فلم يبق منهم أحد‪.‬‬
‫سْرحهم ودورهم ‪ ،‬حملهم بمواشيهم‬ ‫ل قوم لوط من َ‬ ‫وقال مجاهد ‪ :‬أخذ جبري ُ‬
‫وأمتعتهم ‪ ،‬ورفعهم حتى سمع أهل السماء ُنباح كلبهم ثم أكفأهم )‪] (4‬وقال[‬
‫)‪ (5‬وكان حملهم على خوافي )‪ (6‬جناحه اليمن‪ .‬قال ‪ :‬ولما قلبها كان أول‬
‫شذانها )‪.(7‬‬ ‫ما سقط منها ُ‬
‫وى بها‬ ‫وقال قتادة ‪ :‬بلغنا أن جبريل أخذ بعروة )‪ (8‬القرية الوسطى ‪ ،‬ثم أل َ‬
‫إلى جو السماء ‪ ،‬حتى سمع أهل السماء )‪ (9‬ضواغي كلبهم ‪ ،‬ثم دمر بعضها‬
‫خًرا )‪ - (10‬قال ‪ :‬وذكر لنا أنهم كانوا أربع‬ ‫س ْ‬‫ذاذ القوم ُ‬ ‫ش ّ‬‫على بعض ‪ ،‬ثم أتبع ُ‬
‫قرى ‪ ،‬في كل قرية مائة ألف ‪ -‬وفي رواية ‪] :‬كانوا[ )‪ (11‬ثلث قرى ‪،‬‬
‫دوم‪ .‬قال ‪ :‬وبلغنا أن إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬كان يشرف على‬ ‫س ُ‬‫الكبرى منها َ‬
‫َ‬
‫م ‪ ،‬ما لك ؟‪.‬‬ ‫سدوم ‪ ،‬ويقول ‪ :‬سدوم ‪ ،‬يو ٌ‬
‫وفي رواية عن قتادة وغيره ‪ :‬بلغنا أن جبريل عليه السلم ‪ ،‬لما أصبح نشر‬
‫صورها ودوابها وحجارتها وشجرها ‪،‬‬ ‫جناحه ‪ ،‬فانتسف به أرضهم بما فيها من قُ ُ‬
‫وجميع ما فيها ‪ ،‬فضمها في جناحه ‪ ،‬فحواها وطواها في جوف جناحه ‪ ،‬ثم‬
‫صعد بها إلى السماء الدنيا ‪ ،‬حتى سمع سكان السماء أصوات الناس والكلب‬
‫دم‬
‫م َ‬‫‪ ،‬وكانوا أربعة آلف ألف ‪ ،‬ثم قلبها ‪ ،‬فأرسلها إلى الرض منكوسة ‪ ،‬وَد َ ْ‬
‫بعضها على بعض ‪ ،‬فجعل عاليها سافلها ‪ ،‬ثم أتبعها حجارة من سجيل‪.‬‬
‫قَرظي ‪ :‬كانت قرى قوم لوط خمس قريات ‪:‬‬ ‫وقال محمد بن كعب ال ُ‬
‫"سدوم" ‪ ،‬وهي العظمى ‪ ،‬و"صعبة" )‪ (12‬و"صعوة" و"عثرة" )‪(13‬‬
‫ن أهل السماء الدنيا‬ ‫و"دوما" ‪ ،‬احتملها جبريل بجناحه ‪ ،‬ثم صعد بها ‪ ،‬حتى إ ّ‬
‫ليسمعون نابحة كلبها ‪ ،‬وأصوات دجاجها ‪ ،‬ثم كفأها على وجهها ‪ ،‬ثم أتبعها‬
‫مط َْرَنا عَل َي َْها‬ ‫َ‬
‫سافِل ََها وَأ ْ‬ ‫جعَل َْنا َ‬
‫عال ِي ََها َ‬ ‫الله بالحجارة ‪ ،‬يقول الله تعالى ‪َ } :‬‬
‫ل { )‪ (14‬فأهلكها الله وما حولها من المؤتفكات‪.‬‬ ‫جي ٍ‬
‫س ّ‬
‫ن ِ‬‫م ْ‬
‫جاَرةً ِ‬
‫ح َ‬
‫ِ‬
‫وقال السدي ‪ :‬لما أصبح قوم لوط ‪ ،‬نزل جبريل فاقتلع الرض من سبع‬
‫أرضين ‪ ،‬فحملها حتى بلغ بها السماء ‪ ،‬حتى سمع أهل السماء الدنيا نباح‬
‫كلبهم ‪ ،‬وأصوات ديوكهم ‪ ،‬ثم قلبها فقتلهم ‪ ،‬فذلك‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بين"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬فيتبعهم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أكفأها"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬حوافي"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬شرفاتها"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬بعزوة"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬سمع الملئكة"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬صخرا"‪.‬‬
‫)‪ (11‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬صبعة"‪.‬‬
‫)‪ (13‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وعمرة"‪.‬‬
‫)‪ (14‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فجعلنا"‪.‬‬

‫) ‪(4/341‬‬

‫ن إ ِل َهٍ غَي ُْره ُ وََل‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬


‫ه َ‬ ‫دوا الل ّ َ‬
‫ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ‬
‫شعَي ًْبا َقا َ‬‫م ُ‬ ‫خاهُ ْ‬‫ن أَ َ‬ ‫وَإ َِلى َ‬
‫مد ْي َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب ي َوْم ٍ‬
‫ذا َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ف عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫خي ْرٍ وَإ ِّني أ َ‬ ‫ن إ ِّني أَراك ُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫ميَزا َ‬‫ل َوال ْ ِ‬‫مك َْيا َ‬‫صوا ال ْ ِ‬
‫ق ُ‬‫ت َن ْ ُ‬
‫ط )‪(84‬‬ ‫حي ٍ‬
‫م ِ‬ ‫ُ‬

‫وى { ]النجم ‪ ، [53 :‬ومن لم يمت حين سقط‬ ‫قوله )‪ } (1‬وال ْمؤْتفك َ َ َ‬
‫ة أهْ َ‬ ‫َ ُ َِ‬
‫للرض ‪ ،‬أمطر الله عليه وهو تحت الرض الحجارة ‪ ،‬ومن كان منهم شاذا في‬
‫الرض يتبعهم في القرى ‪ ،‬فكان الرجل يتحدث فيأتيه الحجر فيقتله ‪ ،‬فذلك‬
‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬في القرى حجارة من سجيل‪.‬‬ ‫مط َْرَنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫قوله )‪ (2‬عز وجل ‪ } :‬وَأ ْ‬
‫هكذا قال السدي‪.‬‬
‫شّبه بهم‬ ‫ن ب ِب َِعيد ٍ { أي ‪ :‬وما هذه النقمة ممن ت َ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫ن الظال ِ ِ‬ ‫م َ‬‫ي ِ‬ ‫ما هِ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫في ظلمهم ‪ ،‬ببعيد )‪ (3‬عنه‪.‬‬
‫عا )‪" (5‬‬ ‫وقد ورد في الحديث المروي في السنن )‪ (4‬عن ابن عباس مرفو ً‬
‫من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط ‪ ،‬فاقتلوا الفاعل والمفعول به" )‪.(6‬‬
‫وذهب المام الشافعي في قول عنه وجماعة من العلماء إلى أن اللئط يقتل‬
‫‪ ،‬سواء كان محصًنا أو غير )‪ (7‬محصن ‪ ،‬عمل بهذا الحديث‪.‬‬
‫وذهب المام أبو حنيفة ]رحمه الله إلى[ )‪ (8‬أنه يلقى من شاهق ‪ ،‬وُيتَبع‬
‫بالحجارة ‪ ،‬كما فعل الله بقوم لوط ‪ ،‬والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب‪.‬‬
‫ن إ ِل َهٍ غَي ُْره ُ َول‬
‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫دوا الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫شعَي ًْبا َقا َ‬ ‫م ُ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫ن أَ َ‬‫مد ْي َ َ‬ ‫} وَإ َِلى َ‬
‫ب ي َوْم ٍ‬‫ذا َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ف عَل َي ْك ُ ْ‬
‫خا ُ‬‫خي ْرٍ وَإ ِّني أ َ َ‬
‫م بِ َ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِّني أَراك ُ ْ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫ل َوال ْ ِ‬ ‫مك َْيا َ‬ ‫صوا ال ْ ِ‬
‫ق ُ‬ ‫ت َن ْ ُ‬
‫ط )‪{ (84‬‬ ‫حي ٍ‬ ‫م ِ‬‫ُ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ولقد أرسلنا إلى مدين ‪ -‬وهم قبيلة من العرب ‪ ،‬كانوا يسكنون‬
‫بين الحجاز والشام ‪ ،‬قريًبا من بلد معان ‪ ،‬في بلد يعرف بهم ‪ ،‬يقال لها‬
‫"مدين" فأرسل الله إليهم شعيبا ‪ ،‬وكان من أشرفهم )‪ (9‬نسًبا‪ .‬ولهذا قال ‪:‬‬
‫شعَي ًْبا { يأمرهم بعبادة الله تعالى وحده ‪ ،‬وينهاهم عن التطفيف )‬ ‫م ُ‬‫خاهُ ْ‬ ‫} أَ َ‬
‫ب ي َوْم ٍ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ف عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫خي ْرٍ وَإ ِّني أ َ َ‬
‫خا ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫َ‬
‫‪ (10‬في المكيال والميزان } إ ِّني أَراك ُ ْ‬
‫ط { أي ‪ :‬في معيشتكم ورزقكم فأخاف أن ُتسَلبوا ما أنتم فيه بانتهاككم‬ ‫حي ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ط { )‪ (11‬أي ‪ :‬في الدار‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حي ٍ‬
‫م ِ‬ ‫م‬
‫ْ ٍ ُ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ب‬
‫َ‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ك‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ف‬
‫ُ‬ ‫خا‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ني‬ ‫ّ‬ ‫إ‬
‫َِ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫الله‬ ‫محارم‬
‫الخرة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فذلك حين يقول"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬قول الله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬ببعد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬في السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال"‪.‬‬
‫)‪ (6‬سنن أبي داود برقم )‪ (4462‬وسنن الترمذي برقم )‪ (1456‬وسنن ابن‬
‫ماجة برقم )‪ ، (2561‬وقال الترمذي ‪" :‬وإنما يعرف هذا الحديث عن ابن‬
‫عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الوجه ‪ ،‬وروى محمد بن‬
‫إسحاق هذا الحديث عن عمرو بن أبي عمرو فقال ‪" :‬ملعون من عمل عمل‬
‫قوم لوط" ولم يذكر فيه القتل وذكر فيه ‪" :‬ملعون من أتى بهيمة"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أو لم يكن محصنا"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أشرافهم"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬الطفيف"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪" :‬عظيم"‪.‬‬

‫) ‪(4/342‬‬

‫م وََل ت َعْث َ ْ‬
‫وا‬ ‫شَياَءهُ ْ‬‫س أَ ْ‬ ‫سوا الّنا َ‬ ‫خ ُ‬‫ط وََل ت َب ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬‫ن ِبال ْ ِ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫ل َوال ْ ِ‬‫مك َْيا َ‬ ‫َ‬
‫وََيا قَوْم ِ أوُْفوا ال ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ِفي اْل َْر‬
‫م‬‫ما أَنا عَل َي ْك ُ ْ‬‫ن وَ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬‫ة الل ّهِ َ‬ ‫قي ّ ُ‬‫ن )‪ (85‬ب َ ِ‬ ‫َ‬ ‫دي‬
‫س ِ‬‫ف ِ‬ ‫م ْ‬
‫ض ُ‬‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫ك تأ ْمر َ َ‬ ‫َ‬
‫فعَ َ‬
‫ل‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫ما ي َعْب ُد ُ آ ََباؤَُنا أوْ أ ْ‬‫ك َ‬ ‫ن ن َت ُْر َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫صَلت ُ َ َ ُ ُ‬ ‫بأ َ‬ ‫شعَي ْ ُ‬ ‫ظ )‪َ (86‬قاُلوا َيا ُ‬ ‫في ٍ‬ ‫ح ِ‬
‫بِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شيد ُ )‪(87‬‬ ‫م الّر ِ‬ ‫حِلي ُ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫ك َلن ْ َ‬ ‫شاُء إ ِن ّ َ‬ ‫ما ن َ َ‬‫وال َِنا َ‬
‫م َ‬ ‫ِفي أ ْ‬

‫م َول‬ ‫س أَ ْ‬
‫شَياَءهُ ْ‬ ‫سوا الّنا َ‬ ‫خ ُ‬‫ط َول ت َب ْ َ‬ ‫س ِ‬‫ق ْ‬ ‫ن ِبال ْ ِ‬ ‫ل َوال ْ ِ‬
‫ميَزا َ‬ ‫مك َْيا َ‬ ‫َ‬
‫} وََيا قَوْم ِ أوُْفوا ال ْ ِ‬
‫ما أ ََنا‬‫ن وَ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م ُ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م إِ ْ‬‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬
‫ة الل ّهِ َ‬ ‫قي ّ ُ‬
‫ن )‪ (85‬ب َ ِ‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬‫ف ِ‬ ‫م ْ‬‫ض ُ‬‫وا ِفي الْر ِ‬ ‫ت َعْث َ ْ‬
‫ظ )‪{ (86‬‬ ‫في ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫عَل َي ْك ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫ُ‬
‫ينهاهم )‪ (1‬أول عن نقص المكيال والميزان إذا أعطوا الناس ‪ ،‬ثم أمرهم‬
‫بوفاء الكيل والوزن بالقسط آخذين ومعطين ‪ ،‬ونهاهم عن العيث )‪ (2‬في‬
‫الرض بالفساد ‪ ،‬وقد كانوا يقطعون الطريق‪.‬‬
‫خْير لكم‪.‬‬ ‫م { قال ابن عباس ‪ :‬رزق الله َ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬‫ة الل ّهِ َ‬
‫قي ّ ُ‬
‫وقوله ‪ } :‬ب َ ِ‬
‫وقال الحسن ‪ :‬رزق الله خير ]لكم[ )‪ (3‬من بخسكم الناس‪.‬‬
‫وقال الربيع بن أنس ‪ :‬وصية الله خير لكم‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬طاعة الله ]خير لكم[ )‪.(4‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬حظكم من الله خير لكم‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪" :‬الهلك" في العذاب ‪ ،‬و"البقية" في‬
‫الرحمة‪.‬‬
‫ضل لكم من‬ ‫ُ‬ ‫يف‬ ‫ما‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫خ‬
‫ِ َ ٌْ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ة‬ ‫ي‬
‫َِ ّ ُ‬ ‫ق‬ ‫ب‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫جرير‬ ‫بن‬ ‫جعفر‬ ‫أبو‬ ‫وقال‬
‫م { أي ‪ :‬من أخذ أموال الناس‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬ ‫الربح بعد وفاء الكيل والميزان } َ‬
‫قال ‪ :‬وقد روي هذا عن ابن عباس‪.‬‬
‫ك ك َث َْرةُ‬
‫جب َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫قلت ‪ :‬ويشبه قوله تعالى ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ب وَلوْ أعْ َ‬ ‫ث َوالطي ّ ُ‬ ‫خِبي ُ‬ ‫وي ال َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ل ل يَ ْ‬
‫ث { ]المائدة ‪.[100 :‬‬ ‫خِبي ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ظ { أي ‪ :‬برقيب ول حفيظ ‪ ،‬أي ‪ :‬افعلوا ذلك‬ ‫في ٍ‬ ‫ح ِ‬‫م بِ َ‬ ‫ما أَنا عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫لله عز وجل‪ .‬ل تفعلوه )‪ (5‬ليراكم الناس ‪ ،‬بل لله عز وجل‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫ن ن َت ُْر َ‬ ‫ك تأ ْمر َ َ‬ ‫َ‬ ‫} َقاُلوا َيا ُ‬
‫ل ِفي‬ ‫فعَ َ‬‫ن نَ ْ‬ ‫ما ي َعْب ُد ُ آَباؤَُنا أوْ أ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫صلت ُ َ َ ُ ُ‬ ‫بأ َ‬ ‫شعَي ْ ُ‬
‫َ‬
‫شيد ُ )‪{ (87‬‬ ‫م الّر ِ‬ ‫حِلي ُ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫ك لن ْ َ‬ ‫شاُء إ ِن ّ َ‬ ‫ما ن َ َ‬
‫وال َِنا َ‬
‫م َ‬‫أ ْ‬
‫صلت ُ َ‬ ‫َ‬
‫ك { )‪ ، (6‬قال‬ ‫يقولون له على سبيل التهكم ‪ْ ،‬قَّبحهم الله ‪ } :‬أ َ‬
‫ما ي َعْب ُد ُ آَباؤَُنا { أي ‪ :‬الوثان‬ ‫ن ن َت ُْر َ‬ ‫العمش ‪ :‬أي ‪ :‬قرآنك )‪ } (7‬تأمر َ َ‬
‫ك َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫شاُء { فنترك التطفيف )‪ (8‬على‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫َ‬ ‫فعَ َ‬ ‫َ َ‬
‫وال َِنا َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِفي أ ْ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫والصنام ‪ } ،‬أوْ أ ْ‬
‫قولك ‪ ،‬هي أموالنا نفعل فيها ما نريد‪.‬‬
‫ما ي َعْب ُد ُ آَباؤَُنا { )‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ر‬‫ت‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ك أَ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ك تأ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ َُْ‬ ‫صلت ُ َ ُ ُ‬
‫م‬ ‫]قال الحسن[ )‪ (9‬في قوله ‪ } :‬أ َ‬
‫‪ (10‬إيْ والله ‪ ،‬إن صلته‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬نهاهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬العيب"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" ،‬ل تفعلوا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬أصلواتك"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬قراءتك"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬الطفيف"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬أصلواتك"‪.‬‬

‫) ‪(4/343‬‬

‫َ َ‬
‫ما‬
‫سًنا وَ َ‬
‫ح َ‬‫ه رِْزًقا َ‬ ‫ن َرّبي وََرَزقَِني ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت عََلى ب َي ّن َةٍ ِ‬ ‫ن ك ُن ْ ُ‬‫م إِ ْ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ أَرأي ْت ُ ْ‬‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما‬
‫ت وَ َ‬‫ست َطعْ ُ‬
‫ما ا ْ‬ ‫ح َ‬ ‫صل َ‬‫ن أِريد ُ إ ِل ال ِ ْ‬ ‫ه إِ ْ‬‫م عَن ْ ُ‬ ‫ما أن َْهاك ُ ْ‬ ‫م إ ِلى َ‬ ‫فك ُ ْ‬ ‫خال ِ َ‬
‫نأ َ‬‫أِريد ُ أ ْ‬
‫ُ‬
‫ب )‪(88‬‬ ‫ت وَإ ِل َي ْهِ أِني ُ‬ ‫قي إ ِّل ِبالل ّهِ عَل َي ْهِ ت َوَك ّل ْ ُ‬ ‫ت َوِْفي ِ‬

‫لتأمرهم أن يتركوا ما كان يعبد آباؤهم‪.‬‬


‫شاُء { يعنون الزكاة‪.‬‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫نا‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫م‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫في‬ ‫فعَ َ‬ ‫َ َ‬
‫ْ َ َِ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫وقال الثوري في قوله ‪ } :‬أوْ أ ْ‬
‫مهَْران ‪،‬‬ ‫شيد ُ { قال ابن عباس ‪ ،‬وميمون بن ِ‬ ‫م الّر ِ‬ ‫حِلي ُ‬ ‫ت ال ْ َ‬‫ك لن ْ َ‬ ‫وقولهم ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫جَرْيج ‪ ،‬وابن أسلم ‪ ،‬وابن جرير ‪ :‬يقولون ذلك ‪ -‬أعداء الله ‪ -‬على سبيل‬ ‫وابن ُ‬
‫الستهزاء ‪ ،‬قبحهم الله ولعنهم عن رحمته ‪ ،‬وقد فَعَ ْ‬
‫ل‪.‬‬
‫َ َ‬
‫ما‬
‫سًنا وَ َ‬ ‫ه رِْزًقا َ‬
‫ح َ‬ ‫ن َرّبي وََرَزقَِني ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ت عََلى ب َي ّن َةٍ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ك ُن ْ ُ‬ ‫م إِ ْ‬‫ل َيا قَوْم ِ أَرأي ْت ُ ْ‬ ‫} َقا َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما‬
‫ت وَ َ‬‫ست َطعْ ُ‬
‫ما ا ْ‬ ‫ح َ‬ ‫صل َ‬ ‫ن أِريد ُ ِإل ال ْ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫م عَن ْ ُ‬ ‫ما أن َْهاك ُ ْ‬ ‫م إ ِلى َ‬ ‫فك ُ ْ‬ ‫خال ِ َ‬
‫نأ َ‬‫أِريد ُ أ ْ‬
‫ُ‬
‫ب )‪{ (88‬‬ ‫ت وَإ ِل َي ْهِ أِني ُ‬ ‫قي ِإل ِبالل ّهِ عَل َي ْهِ ت َوَك ّل ْ ُ‬ ‫ت َوِْفي ِ‬
‫ن َرّبي { أي ‪ :‬على بصيرة‬ ‫م ْ‬ ‫ت عَلى ب َي ّن َةٍ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْ ُ‬ ‫يقول لهم أرأيتم يا قوم } إ ِ ْ‬
‫سًنا { قيل ‪ :‬أراد النبوة‪ .‬وقيل ‪ :‬أراد‬ ‫ح َ‬ ‫ً‬
‫ه رِْزقا َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫فيما أدعو إليه ‪ } ،‬وََرَزقَِني ِ‬
‫الرزق الحلل ‪ ،‬ويحتمل المرين‪.‬‬
‫َ‬ ‫ن أُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه { أي ‪ :‬ل أنهاكم عن‬ ‫م عَن ْ ُ‬ ‫ما أن َْهاك ُ ْ‬ ‫م إ َِلى َ‬ ‫فك ُ ْ‬ ‫خال ِ َ‬ ‫ما أِريد ُ أ ْ‬ ‫وقال الثوري ‪ } :‬وَ َ‬
‫شيء )‪ (1‬وأخالف أنا في السر فأفعله خفية )‪ (2‬عنكم ‪ ،‬كما قال قتادة في‬
‫َ‬ ‫ن أُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه { يقول ‪ :‬لم أكن لنهاكم‬ ‫م عَن ْ ُ‬ ‫ما أن َْهاك ُ ْ‬ ‫م إ َِلى َ‬ ‫فك ُ ْ‬ ‫خال ِ َ‬ ‫ما أِريد ُ أ ْ‬‫قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ت { أي ‪ :‬فيما آمركم‬ ‫ست َطعْ ُ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ح َ‬ ‫صل َ‬ ‫ن أِريد ُ ِإل ال ْ‬ ‫عن أمر وأرك ََبه )‪ } (3‬إ ِ ْ‬
‫قي { أي ‪ :‬في‬ ‫ما ت َوِْفي ِ‬ ‫وأنهاكم ‪ ،‬إنما مرادي إصلحكم جهدي وطاقتي ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ت { في جميع أموري ‪ } ،‬وَإ ِلي ْ ِ‬ ‫إصابة الحق فيما أريده } ِإل ِبالل ّهِ عَل َي ْهِ ت َوَك ّل ْ ُ‬
‫ب { أي ‪ :‬أرجع ‪ ،‬قاله مجاهد وغيره‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أِني ُ‬
‫ويد‬‫س َ‬ ‫ة ُ‬ ‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬حدثنا أبو قَْزعَ َ‬
‫كا قال ‪:‬‬ ‫جير )‪ (4‬الباهلي ‪ ،‬عن حكيم بن معاوية ‪ ،‬عن أبيه ‪ :‬أن أخاه مال ً‬ ‫ح َ‬‫بن ُ‬
‫دا أخذ جيراني ‪ ،‬فانطلق إليه ‪ ،‬فإنه قد كلمك وعرفك ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫يا معاوية ‪ ،‬إن محم ً‬
‫فانطلقت معه فقال ‪ :‬دع لي جيراني ‪ ،‬فقد كانوا أسلموا‪ .‬فأعرض عنه‪.‬‬
‫ت إن الناس يزعمون أنك تأمر‬ ‫طا[ )‪ (5‬فقال ‪ :‬أما والله لئن َفعل َ‬ ‫مع ً‬ ‫مت َ َ‬
‫]فقام ُ‬
‫بالمر وتخالف إلى غيره‪ .‬وجعلت أجّره وهو يتكلم ‪ ،‬فقال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم "ما تقول ؟" فقال ‪ :‬إنك والله لئن فعلت ذلك‪ .‬إن الناس‬
‫ليزعمون أنك لتأمر بالمر وتخالف إلى غيره‪ .‬قال ‪ :‬فقال ‪" :‬أوَ قد قالوها ‪ -‬أو‬
‫ي ‪ ،‬وما عليهم من ذلك من شيء ‪،‬‬ ‫قائلهم ‪ -‬ولئن فعلت ذلك ما ذاك إل عل ّ‬
‫أرسلوا له جيرانه )‪.(6‬‬
‫مر ‪ ،‬عن ب َْهز )‪ (7‬بن حكيم ‪،‬‬ ‫معْ َ‬ ‫وقال أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫عن أبيه ‪ ،‬عن جده‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الشيء"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬خيفة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬وأرتكبه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬ابن حجر"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪، .‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪.(4/447‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬شهر"‪.‬‬

‫) ‪(4/344‬‬

‫سا من قومي في ت َُهمة فحبسهم ‪،‬‬ ‫قال ‪ :‬أخذ النبي صلى الله عليه وسلم نا ً‬
‫فجاء رجل من قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب ‪،‬‬
‫صمت رسول الله صلى الله عليه‬ ‫فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬علم تحبس جيرتي ؟ ف َ‬
‫سا ليقولون ‪ :‬إنك تنهى عن الشيء وتستخلي‬ ‫وسلم ]عنه[ )‪ (1‬فقال ‪ :‬إن نا ً‬
‫به ‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما يقول ؟" قال ‪ :‬فجعلت أعرض‬
‫دا‬
‫بينهما الكلم مخافة أن يسمعها فيدعو على قومي َدعوة ل يفلحون بعدها أب ً‬
‫‪ ،‬فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم به حتى فهمها ‪ ،‬فقال ‪" :‬أو قد‬
‫ي وما كان عليهم ‪ ،‬خلوا له‬ ‫ت لكان عل ّ‬ ‫قالوها ‪ -‬أو ‪ :‬قائلها منهم ‪ -‬والله لو فعل ُ‬
‫عن جيرانه" )‪.(2‬‬
‫ومن هذا القبيل الحديث الذي رواه المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو عامر ‪ ،‬حدثنا‬
‫سليمان بن بلل ‪ ،‬عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ‪ ،‬عن عبد الملك بن سعيد‬
‫بن سويد النصاري قال ‪ :‬سمعت أبا حميد وأبا أسيد يقولن ‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم ‪ ،‬وتلين له‬
‫أشعاركم وأبشاركم ‪ ،‬وترون أنه منكم قريب ‪ ،‬فأنا أولكم به ‪ ،‬وإذا سمعتم‬
‫الحديث عني ُتنكره قلوبكم ‪ ،‬وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم ‪ ،‬وترون أنه‬
‫منكم بعيد فأنا أبعدكم منه" )‪.(3‬‬
‫هذا )‪ (4‬إسناد صحيح ‪ ،‬وقد أخرج مسلم بهذا السند حديث ‪" :‬إذا دخل أحدكم‬
‫المسجد فليقل ‪ :‬اللهم ‪ ،‬افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل ‪ :‬اللهم ‪،‬‬
‫إني أسألك من فضلك" )‪.(5‬‬
‫ومعناه ‪ -‬والله أعلم ‪ : -‬مهما بلغكم عني من خير فأنا أولكم به ومهما يكن‬
‫َ‬ ‫ن أُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه[ { )‬ ‫ما أن َْهاك ُ ْ‬
‫م ]عَن ْ ُ‬ ‫م إ َِلى َ‬ ‫فك ُ ْ‬‫خال ِ َ‬ ‫ما أِريد ُ أ ْ‬ ‫من مكروه فأنا أبعدكم منه ‪ } ،‬وَ َ‬
‫‪.(6‬‬
‫وقال قتادة ‪ ،‬عن عَْزَرة )‪ (7‬عن الحسن العَُرني ‪ ،‬عن يحيى بن الجزار ‪ ،‬عن‬
‫مسروق ‪ ،‬أن امرأة جاءت ابن مسعود قالت )‪ (8‬أتنهى عن الواصلة ؟ قال ‪:‬‬
‫نعم‪ .‬فقالت ]المرأة[ )‪ (9‬فلعله في بعض نسائك ؟ فقال ‪ :‬ما حفظت إذا‬
‫َ‬ ‫ن أُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه {‪.‬‬ ‫م عَن ْ ُ‬‫ما أن َْهاك ُ ْ‬ ‫م إ َِلى َ‬ ‫فك ُ ْ‬‫خال ِ َ‬ ‫ما أِريد ُ أ ْ‬ ‫وصية العبد الصالح ‪ } :‬وَ َ‬
‫وقال عثمان بن أبي شيبة ‪ :‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن أبي سليمان العتبي )‪ (10‬قال ‪:‬‬
‫كانت تجيئنا كتب عمر بن عبد العزيز فيها المر والنهي ‪ ،‬فيكتب في آخرها ‪:‬‬
‫قي ِإل ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ما ت َوِْفي ِ‬ ‫وما كانت )‪ (11‬من ذلك إل كما قال العبد الصالح ‪ } :‬وَ َ‬
‫ُ‬
‫ب {‪.‬‬ ‫ت وَإ ِل َي ْهِ أِني ُ‬
‫عَل َي ْهِ ت َوَك ّل ْ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (5/2‬ورواه أبو داود في السنن برقم )‪ (3630‬عن عبد الرزاق‬
‫والترمذي في السنن برقم )‪ (1417‬عن ابن المبارك كلهما من طريق معمر‬
‫به مختصرا جدا ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬حديث بهز عن أبيه عن جده حديث‬
‫حسن"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(3/497‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وهذا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم برقم )‪.(713‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عروة"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬فقالت"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الضبي"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪" :‬وما كنت" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬وما كتب"‪.‬‬

‫) ‪(4/345‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫هودٍ‬ ‫م ُ‬ ‫م ُنوٍح أوْ قَوْ َ‬ ‫ب قَوْ َ‬
‫صا َ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ُ‬
‫م ِ‬ ‫صيب َك ُ ْ‬‫ن يُ ِ‬‫قاِقي أ ْ‬ ‫ش َ‬‫م ِ‬ ‫من ّك ُ ْ‬
‫جرِ َ‬ ‫وََيا قَوْم ِ َل ي َ ْ‬
‫َ‬
‫م ُتوُبوا إ ِل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫فُروا َرب ّك ُ ْ‬
‫م ثُ ّ‬ ‫ست َغْ ِ‬
‫م ب ِب َِعيد ٍ )‪َ (89‬وا ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ط ِ‬ ‫م ُلو ٍ‬ ‫ما قَوْ ُ‬ ‫صال ٍِح وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫أوْ قَوْ َ‬
‫ك‬‫ل وَإ ِّنا ل َن ََرا َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ت َ ُ‬ ‫ه ك َِثيًرا ِ‬
‫م ّ‬ ‫ق ُ‬
‫ف َ‬‫ما ن َ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫شعَي ْ ُ‬ ‫م وَُدود ٌ )‪َ (90‬قاُلوا َيا ُ‬ ‫حي ٌ‬ ‫ن َرّبي َر ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫زيزٍ )‪ (91‬قال َيا قوْم ِ‬ ‫ت عَلي َْنا ب ِعَ ِ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫مَناك وَ َ‬ ‫ج ْ‬‫فا وَلوْل َرهْطك لَر َ‬ ‫ضِعي ً‬‫ِفيَنا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مُلو َ‬
‫ن‬ ‫ما ت َعْ َ‬
‫ن َرّبي ب ِ َ‬ ‫موه ُ وََراَءك ُ ْ‬
‫م ظ ِهْرِّيا إ ِ ّ‬ ‫ن الل ّهِ َوات ّ َ‬
‫خذ ْت ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫طي أعَّز عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫أَرهْ ِ‬
‫ط )‪(92‬‬ ‫حي ٌ‬‫م ِ‬
‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ُنوٍح أوْ قَوْ َ‬
‫م‬ ‫ب قَوْ َ‬ ‫صا َ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫صيب َك ُ ْ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫قاِقي أ ْ‬ ‫ش َ‬‫م ِ‬ ‫من ّك ُ ْ‬ ‫جرِ َ‬ ‫} وََيا قَوْم ِ ل ي َ ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م ُتوُبوا‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫فُروا َرب ّك ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م ب ِب َِعيد ٍ )‪َ (89‬وا ْ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫ط ِ‬ ‫م لو ٍ‬ ‫ما قَوْ ُ‬ ‫صال ٍِح وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫هود ٍ أوْ قَوْ َ‬ ‫ُ‬
‫م وَُدود ٌ )‪{ (90‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ن َرّبي َر ِ‬ ‫إ ِلي ْهِ إ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫قاِقي { أي ‪ :‬ل تحملنكم عداوتي‬ ‫ش َ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫من ّك ْ‬ ‫جرِ َ‬ ‫يقول لهم ‪ } :‬وََيا قَوْم ِ ل ي َ ْ‬
‫وبغضي على الصرار على ما أنتم عليه من الكفر والفساد ‪ ،‬فيصيبكم مثل ما‬
‫أصاب قوم نوح ‪ ،‬وقوم هود ‪ ،‬وقوم صالح ‪ ،‬وقوم لوط من النقمة والعذاب‪.‬‬
‫قاِقي { يقول ‪ :‬ل يحملنكم فراقي‪.‬‬ ‫ش َ‬ ‫م ِ‬ ‫من ّك ُ ْ‬ ‫جرِ َ‬ ‫قال قتادة ‪ } :‬وََيا قَوْم ِ ل ي َ ْ‬
‫وقال السدي ‪ :‬عداوتي ‪ ،‬على أن تتمادوا في الضلل والكفر ‪ ،‬فيصيبكم من‬
‫العذاب ما أصابهم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن عوف ‪ ،‬حدثنا أبو المغيرة عبد القدوس‬
‫غنّية ‪ ،‬حدثني عبد الملك بن أبي سليمان ‪ ،‬عن‬ ‫بن الحجاج ‪ ،‬حدثنا ابن أبي َ‬
‫أبي ليلى الكندي قال ‪ :‬كنت مع مولي أمسك دابته ‪ ،‬وقد أحاط الناس‬
‫م‬‫من ّك ُ ْ‬‫جرِ َ‬ ‫بعثمان بن عفان ؛ إذ أشرف علينا من داره فقال ‪ } :‬وََيا قَوْم ِ ل ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صال ٍِح { يا‬ ‫م َ‬ ‫هود ٍ أوْ قَوْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ُنوٍح أوْ قَوْ َ‬ ‫ب قَوْ َ‬ ‫صا َ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫صيب َك ُ ْ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫قاِقي أ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ِ‬
‫شّبك بين أصابعه‪.‬‬ ‫قوم ‪ ،‬ل تقتلوني ‪ ،‬إنكم إن تقتلوني كنتم هكذا ‪ ،‬و َ‬
‫م ب ِب َِعيد ٍ { ]قيل ‪ :‬المراد في الزمان ‪ ،‬كما قال‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ط ِ‬ ‫م ُلو ٍ‬ ‫ما قَوْ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫م ب ِب َِعيد ٍ { يعني[ )‪ (1‬إنما أهلكوا )‪(2‬‬ ‫من ْك ْ‬‫ُ‬ ‫ط ِ‬ ‫م لو ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ما قَوْ ُ‬ ‫قتادة في قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫فُروا‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫بين أيديكم بالمس ‪ ،‬وقيل ‪ :‬في المكان ‪ ،‬ويحتمل المران ‪َ } ،‬وا ْ‬
‫م ُتوُبوا إ ِل َي ْهِ { أي ‪ :‬استغفروه من سالف الذنوب ‪ ،‬وتوبوا فيما‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫َرب ّك ُ ْ‬
‫م وَُدود ٌ { أي ‪ :‬لمن تاب‬ ‫حي ٌ‬ ‫ن َرّبي َر ِ‬ ‫تستقبلونه من العمال السيئة ‪ } ،‬إ ِ ّ‬
‫وأناب‪.‬‬
‫ك‬‫ول َرهْط ُ َ‬ ‫فا وَل َْ‬ ‫ضِعي ً‬‫ِ َ َ‬ ‫نا‬ ‫في‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫را‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ل‬
‫َ ِّ َ َ‬ ‫نا‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫را‬
‫َ ْ ُ َ َ ُ ِ ً ِ ّ َ‬ ‫ثي‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫ش‬‫ُ‬ ‫يا‬‫} َقا ُ َ‬
‫لوا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫طي أعَّز عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ أَرهْ ِ‬ ‫زيزٍ )‪َ (91‬قا َ‬ ‫ت عَل َي َْنا ب ِعَ ِ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫مَنا َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ل ََر َ‬
‫ط )‪{ (92‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ن َرّبي ب ِ َ‬ ‫م ظ ِهْرِّيا إ ِ ّ‬ ‫موه ُ وََراَءك ُ ْ‬ ‫خذ ْت ُ ُ‬ ‫َوات ّ َ‬
‫ل { أي ‪ :‬ما نفهم ول نعقل كثيًرا‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ت َ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ك َِثيًرا ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫شعَي ْ ُ‬ ‫يقولون ‪َ } :‬يا ُ‬
‫ك ِفيَنا‬ ‫َ‬
‫من قولك ‪ ،‬وفي آذاننا وقر ‪ ،‬ومن بيننا وبينك حجاب‪ } .‬وَإ ِّنا لن ََرا َ‬
‫فا {‪.‬‬ ‫ضِعي ً‬ ‫َ‬
‫قال )‪ (3‬سعيد بن جبير ‪ ،‬والثوري ‪ :‬كان ضرير البصر‪ .‬قال الثوري ‪ :‬وكان‬
‫يقال له ‪ :‬خطيب النبياء‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬هلكوا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وقال"‪.‬‬

‫) ‪(4/346‬‬

‫ه‬
‫زي ِ‬
‫خ ِ‬
‫ب يُ ْ‬ ‫ن ي َأ ِْتيهِ عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ف ت َعْل َ ُ‬‫سو ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫م ٌ‬ ‫عا ِ‬
‫م إ ِّني َ‬ ‫كان َت ِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫مُلوا عََلى َ‬ ‫وََيا قَوْم ِ اعْ َ‬
‫َ‬
‫شعَي ًْبا‬‫جي َْنا ُ‬‫مُرَنا ن َ ّ‬‫جاَء أ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ب )‪ (93‬وَل َ ّ‬ ‫م َرِقي ٌ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫قُبوا إ ِّني َ‬ ‫ب َواْرت َ ِ‬ ‫كاذِ ٌ‬ ‫ن هُوَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫حوا ِفي‬ ‫ة فَأ ْ‬
‫صب َ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫صي ْ َ‬
‫موا ال ّ‬ ‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ال ِ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫مّنا وَأ َ‬ ‫مةٍ ِ‬
‫َ‬
‫ح َ‬
‫ه ب َِر ْ‬‫معَ ُ‬‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫َوال ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مود ُ )‪(95‬‬ ‫ت ثَ ُ‬ ‫ما ب َعِد َ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫مد ْي َ َ‬‫دا ل ِ َ‬ ‫وا ِفيَها أل ب ُعْ ً‬ ‫م ي َغْن َ ْ‬‫نل ْ‬ ‫ن )‪ (94‬ك َأ ْ‬ ‫مي َ‬‫جاث ِ ِ‬‫م َ‬‫دَِيارِهِ ْ‬
‫فا { قال ‪ :‬أنت واحد[ )‪.(1‬‬ ‫ضِعي ً‬ ‫ك ِفيَنا َ‬ ‫]وقال السدي ‪ } :‬وَإ ِّنا ل َن ََرا َ‬
‫فا { يعنون ‪ :‬ذليل ؛ لن عشيرتك‬ ‫ضِعي ً‬ ‫ك ِفيَنا َ‬ ‫]وقال أبو روق ‪ } :‬وَإ ِّنا ل َن ََرا َ‬
‫ليسوا على دينك ‪ ،‬فأنت ذليل ضعيف[ )‪.(2‬‬
‫ك { أي ‪ :‬قومك وعشيرتك ؛ لول معزة قومك علينا لرجمناك ‪،‬‬ ‫ول َرهْط ُ َ‬ ‫} وَل َ ْ‬
‫َ‬
‫زيزٍ { أي ‪ :‬ليس لك‬ ‫ت عَل َي َْنا ب ِعَ ِ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫قيل )‪ (3‬بالحجارة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬لسب َب َْناك ‪ } ،‬وَ َ‬
‫عندنا معزة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن اللهِ { يقول ‪ :‬أتتركوني لجل قومي ‪،‬‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫طي أعَّز عَلي ْك ُ ْ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ أَرهْ ِ‬ ‫} َقا َ‬
‫ول تتركوني إعظاما لجناب الله أن تنالوا نبيه بمساءة‪ .‬وقد اتخذتم جانب الله‬
‫ن‬‫م ظ ِهْرِّيا { أي ‪ :‬نبذتموه خلفكم ‪ ،‬ل تطيعونه ول تعظمونه ‪ } ،‬إ ِ ّ‬ ‫} وََراَءك ُ ْ‬
‫حيط { أي ‪ :‬هو يعلم جميع أعمالكم وسيجزيكم بها‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫َرّبي ب ِ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب‬‫ذا ٌ‬ ‫ن ي َأِتيهِ عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ف ت َعْل ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫م ٌ‬ ‫عا ِ‬ ‫م إ ِّني َ‬ ‫مكان َت ِك ْ‬ ‫ملوا عَلى َ‬ ‫} وََيا قَوْم ِ اعْ َ‬
‫جي َْنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مُرَنا ن َ ّ‬ ‫جاَء أ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ب )‪ (93‬وَل ّ‬ ‫م َرِقي ٌ‬ ‫معَك ْ‬ ‫قُبوا إ ِّني َ‬ ‫ب َواْرت َ ِ‬ ‫ن هُوَ كاذِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫زيهِ وَ َ‬ ‫خ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫حوا ِفي‬ ‫صب َ ُ‬ ‫ة فَأ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫صي ْ َ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ال ِ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫مّنا وَأ َ‬ ‫مةٍ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ه ب َِر ْ‬
‫َ‬
‫معَ ُ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫شعَي ًْبا َوال ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مود ُ )‬ ‫ت ثَ ُ‬ ‫ما ب َعِد َ ْ‬ ‫نك َ‬ ‫مد ْي َ َ‬ ‫دا ل ِ َ‬ ‫وا ِفيَها أل ب ُعْ ً‬ ‫م ي َغْن َ ْ‬ ‫نل ْ‬ ‫ن )‪ (94‬كأ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫جاث ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫دَِيارِهِ ْ‬
‫‪{ (95‬‬
‫ملوا‬‫ُ‬ ‫ي الله شعيب من استجابة قومه له ‪ ،‬قال ‪ :‬يا قوم ‪ } ،‬اعْ َ‬ ‫لما يئس نب ّ‬
‫ل‬‫م ٌ‬
‫َ ِ‬‫عا‬ ‫ني‬ ‫ِّ‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫شديد‬ ‫ووعيد‬ ‫تهديد‬ ‫وهذا‬ ‫‪،‬‬ ‫طريقتكم‬ ‫على‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫م‬‫كان َت ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫عََلى َ‬
‫ْ‬
‫زيهِ { أي ‪ :‬في‬ ‫خ ِ‬ ‫ب يُ ْ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ن ي َأِتيهِ عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ف ت َعْل َ ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫{ على طريقتي ومنهجي } َ‬
‫قُبوا { أي ‪:‬‬ ‫ب { أي ‪ :‬مني ومنكم ‪َ } ،‬واْرت َ ِ‬ ‫كاذِ ٌ‬ ‫ن هُوَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫الدار الخرة ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ب {‪.‬‬ ‫م َرِقي ٌ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫انتظروا } إ ِّني َ‬
‫مّنا‬ ‫ّ‬ ‫جي َْنا ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مةٍ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ه ب َِر ْ‬ ‫معَ ُ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫شعَي ًْبا َوال ِ‬ ‫مُرَنا ن َ ّ‬ ‫جاَء أ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫قال الله تعالى ‪ } :‬وَل ّ‬
‫َ‬
‫م‬‫حوا ِفي دَِيارِهِ ْ‬ ‫صب َ ُ‬ ‫ة فَأ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫صي ْ َ‬ ‫موا { وهم قومه ‪ } ،‬ال ّ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ال ّ ِ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫وَأ َ َ‬
‫حَراك بهم‪ .‬وذكر هاهنا أنه أتتهم‬ ‫ن { أي ‪ :‬هامدين ل ِ‬ ‫مي ِ َ‬‫جاث ِ‬ ‫ن { وقوله } َ‬ ‫مي َ‬ ‫جاث ِ ِ‬ ‫َ‬
‫صيحة ‪ ،‬وفي العراف رجفة ‪ ،‬وفي الشعراء عذاب يوم الظلة ‪ ،‬وهم أمة‬
‫م كلها‪ .‬وإنما ذكر في كل سياق ما‬ ‫ق ُ‬ ‫واحدة ‪ ،‬اجتمع عليهم يوم عذابهم هذه الن َ‬
‫معَكَ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ب َوال ِ‬ ‫شعَي ْ ُ‬ ‫جن ّك َيا ُ‬ ‫َ‬ ‫خرِ َ‬ ‫يناسبه ‪ ،‬ففي العراف لما قالوا ‪ } :‬ل َن ُ ْ‬
‫ن قَْري َت َِنا { ]العراف ‪ ، [88 :‬ناسب أن يذكر هناك الرجفة ‪ ،‬فرجفت بهم‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫الرض التي ظلموا بها ‪ ،‬وأرادوا إخراج نبيهم منها ‪ ،‬وهاهنا لما أساءوا الدب‬
‫في مقالتهم على نبيهم ناسب ذكر الصيحة التي أسكتتهم )‪ (4‬وأخمدتهم ‪،‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن ك ُن ْ َ‬ ‫ماِء إ ِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫فا ِ‬ ‫س ً‬ ‫ط عَل َي َْنا ك ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫س ِ‬ ‫وفي الشعراء لما قالوا ‪ } :‬فَأ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ب ي َوْم ِ الظ ّل ّةِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م عَ َ‬ ‫خذ َهُ ْ‬ ‫ن { ]الشعراء ‪ ، [189 :‬قال } فَأ َ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظيم ٍ { ]الشعراء ‪ ، [189 :‬وهذا من السرار الغريبة الدقيقة ‪،‬‬ ‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫عَ َ‬
‫ما‪.‬‬ ‫ولله الحمد والمنة كثيًرا دائ ً‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬قتل"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أسكنتهم"‪.‬‬

‫) ‪(4/347‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ول َ َ َ‬


‫مل َئ ِهِ َفات ّب َُعوا أ ْ‬
‫مَر‬ ‫ن )‪ (96‬إ َِلى فِْرعَوْ َ‬
‫ن وَ َ‬ ‫مِبي ٍ‬
‫ن ُ‬ ‫سل ْ َ‬
‫طا ٍ‬ ‫سى ب ِآَيات َِنا وَ ُ‬
‫مو َ‬ ‫سل َْنا ُ‬
‫قد ْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫شيد ٍ )‪(97‬‬ ‫َ‬
‫ن ب َِر ِ‬ ‫مُر فِْرعَوْ َ‬
‫ما أ ْ‬‫ن وَ َ‬‫فِْرعَوْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫دا‬
‫وا ِفيَها { أي ‪ :‬يعيشوا في دارهم قبل ذلك ‪ } ،‬أل ب ُعْ ً‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م ي َغْن َ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ك َأ ْ‬
‫مود ُ { وكانوا جيرانهم قريًبا منهم في الدار ‪ ،‬وشبيًها بهم‬ ‫ت ثَ ُ‬ ‫ما ب َعِد َ ْ‬ ‫ن كَ َ‬‫مد ْي َ َ‬
‫لِ َ‬
‫في الكفر وقطع الطريق ‪ ،‬وكانوا عَربا شبههم‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مل َئ ِهِ َفات ّب َُعوا‬ ‫َ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫} ول َ َ َ‬
‫و‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫ر‬
‫ِ ْ َ ْ َ َ َ‬ ‫ف‬ ‫لى‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫(‬‫‪96‬‬ ‫ن)‬
‫مِبي ٍ‬
‫ن ُ‬
‫طا ٍ‬ ‫سى ِبآَيات َِنا وَ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫سل َْنا ُ‬ ‫قد ْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫شيد ٍ )‪{ (97‬‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫أ َمر فرعَون وما أ َ‬
‫ْ َ ِ ْ ْ َ َ َ ْ ُ ِ ْ ْ َ َِ ِ‬

‫) ‪(4/348‬‬

‫موُْرود ُ )‪ (98‬وَأ ُت ْب ُِعوا ِفي‬ ‫َ‬


‫س ال ْوِْرد ُ ال ْ َ‬
‫م الّناَر وَب ِئ ْ َ‬‫مةِ فَأوَْرد َهُ ُ‬‫قَيا َ‬‫م ال ْ ِ‬
‫ه ي َوْ َ‬ ‫م قَوْ َ‬
‫م ُ‬ ‫قد ُ ُ‬
‫يَ ْ‬
‫مْرُفود ُ )‪(99‬‬ ‫ْ‬
‫س الّرفْد ُ ال َ‬ ‫مةِ ب ِئ ْ َ‬‫قَيا َ‬ ‫ْ‬
‫م ال ِ‬ ‫ة وَي َوْ َ‬ ‫َ‬
‫هَذِهِ لعْن َ ً‬

‫موُْرود ُ )‪ (98‬وَأ ُت ْب ُِعوا‬ ‫َ‬


‫س ال ْوِْرد ُ ال ْ َ‬ ‫م الّناَر وَب ِئ ْ َ‬ ‫مةِ فَأوَْرد َهُ ُ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫ه ي َوْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م قَوْ َ‬ ‫قد ُ ُ‬ ‫} يَ ْ‬
‫مْرُفود ُ )‪{ (99‬‬ ‫س الّرفْد ُ ال ْ َ‬ ‫مةِ ب ِئ ْ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ة وَي َوْ َ‬ ‫ِفي هَذِهِ ل َعْن َ ً‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن إرسال موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬بآياته وبيناته ‪ ،‬وحججه‬
‫ودلئله الباهرة القاطعة إلى فرعون لعنه الله ‪ ،‬وهو ملك ديار مصر على أمة‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬مسلكه ومنهجه وطريقته في الغي‬ ‫مَر فِْرعَوْ َ‬ ‫القبط ‪َ } ،‬فات ّب َُعوا أ ْ‬
‫شيد ٍ { أي ‪ :‬ليس فيه رشد ول هدى ‪ ،‬وإنما‬ ‫َ‬
‫ن ب َِر ِ‬ ‫مُر فِْرعَوْ َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫والضلل ‪ } ،‬وَ َ‬
‫قدمهم‬ ‫م َ‬ ‫هو جهل وضلل ‪ ،‬وكفر وعناد ‪ ،‬وكما أنهم اتبعوه في الدنيا ‪ ،‬وكان ُ‬
‫ورئيسهم ‪ ،‬كذلك هو ُيقدمهم يوم القيامة إلى نار جهنم ‪ ،‬فأوردهم إياها ‪،‬‬
‫وشربوا من حياض )‪َ (1‬رَداها ‪ ،‬وله في ذلك الحظ الوفر ‪ ،‬من العذاب‬
‫الكبر ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬فَعصى فرعون الرسو َ َ‬
‫ذا وَِبيل {‬ ‫خ ً‬ ‫خذ َْناه ُ أ َ ْ‬ ‫ل فَأ َ‬ ‫ِ ْ َ ْ ُ ّ ُ‬ ‫َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شَر فَناَدى‬ ‫ح َ‬ ‫سَعى ف َ‬ ‫م أد ْب ََر ي َ ْ‬ ‫صى ث ُ ّ‬ ‫ب وَعَ َ‬ ‫]المزمل ‪ ، [16 :‬وقال تعالى ‪ } :‬فكذ ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قا َ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِك لعِب َْرةً ل ِ َ‬‫َ‬ ‫خَرةِ َوالولى إ ِ ّ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ه نَ َ‬ ‫خذ َهُ الل ّ ُ‬ ‫م العَْلى فَأ َ‬ ‫ل أَنا َرب ّك ُ ُ‬ ‫فَ َ‬
‫ة‬
‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ه ي َوْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م قَوْ َ‬ ‫قد ُ ُ‬ ‫شى { ]النازعات ‪ ، [26 - 21 :‬وقال تعالى ‪ } :‬ي َ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫موُْرود ُ { وكذلك شأن المتبوعين يكونون‬ ‫س ال ْوِْرد ُ ال َْ‬ ‫ْ‬ ‫ئ‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ه‬‫د‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫فَأ َ‬
‫َْ َ ُ ُ ّ َ َِ َ‬
‫ن‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬
‫ِ ْ ٌ َ ِ ْ‬ ‫و‬ ‫ف‬ ‫ع‬ ‫ض‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ل[‬ ‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫]‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫قال‬ ‫كما‬ ‫‪،‬‬ ‫المعاد‬ ‫يوم‬ ‫موفرين في العذاب‬ ‫ُ‬
‫فرة أنهم‬ ‫ن { ]العراف ‪ (2) ، [38 :‬وقال تعالى إخباًرا عن الك َ َ‬ ‫مو‬
‫َْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬‫ت‬ ‫ل‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫آ‬ ‫نا‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫نا‬ ‫لو‬ ‫ّ‬ ‫ض‬ ‫يقولون في النار ‪ } :‬ربنا إنا أ َط َعنا سادتنا وك ُبراَءنا فَأ َ‬
‫ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ‬ ‫ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ ّ ِ‬ ‫َ‬
‫م ل َعًْنا ك َِبيًرا { ]الحزاب ‪.[68 ، 67 :‬‬ ‫ب َوال ْعَن ْهُ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن ال ْعَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫في ْ ِ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫ِ‬
‫شْيم ‪ ،‬حدثنا أبو الجهم ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن أبي‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا هُ َ‬
‫سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬امرؤ‬
‫القيس حامل لواء شعراء الجاهلية إلى النار" )‪.(3‬‬
‫مْرُفود ُ { أي ‪:‬‬ ‫ْ‬
‫س الّرفْد ُ ال َ‬ ‫مةِ ب ِئ ْ َ‬
‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ة وَي َوْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأ ُت ْب ُِعوا ِفي هَذِهِ ل َعْن َ ً‬
‫أتبعناهم زيادة على ما جازيناهم من عذاب النار لعنة في هذه الحياة الدنيا ‪،‬‬
‫مْرُفود ُ {‪.‬‬ ‫س الّرفْد ُ ال ْ َ‬ ‫مةِ ب ِئ ْ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫} وَي َوْ َ‬
‫قال مجاهد ‪ :‬زيدوا لعنة يوم القيامة ‪ ،‬فتلك لعنتان‪.‬‬
‫مْرفود ُ { قال ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫س الّرفد ُ ال َ‬ ‫ْ‬ ‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬ب ِئ ْ َ‬
‫لعنة الدنيا والخرة ‪ ،‬وكذا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬خاص"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(2/228‬‬
‫) ‪(4/348‬‬

‫م‬‫مَناهُ ْ‬ ‫ما ظ َل َ ْ‬ ‫صيد ٌ )‪ (100‬وَ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫من َْها َقائ ِ ٌ‬ ‫ك ِ‬ ‫ه عَل َي ْ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ق ّ‬ ‫قَرى ن َ ُ‬ ‫ن أ َن َْباِء ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫فسهم فَما أغْن َت عَن ْه َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ن الل ّهِ ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫م ال ِّتي ي َد ْ ُ‬ ‫م آل ِهَت ُهُ ُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫موا أن ْ ُ َ ُ ْ َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫وَل َك ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خذ َ‬‫ك إ َِذا أ َ‬ ‫خذ ُ َرب ّ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ب )‪ (101‬وَك َذ َل ِ َ‬ ‫م غَي َْر ت َت ِْبي ٍ‬ ‫ما َزاُدوهُ ْ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫مُر َرب ّ َ‬ ‫جاَء أ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫يٍء ل َ ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي ذ َل ِك لي َ ً‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ف‬‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة لِ َ‬ ‫ديد ٌ )‪ (102‬إ ِ ّ‬ ‫ش ِ‬ ‫خذ َه ُ أِلي ٌ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ة إِ ّ‬‫م ٌ‬‫ي ظال ِ َ‬ ‫قَرى وَهِ َ‬
‫خُرهُ‬ ‫ما ن ُؤَ ّ‬‫شُهود ٌ )‪ (103‬وَ َ‬ ‫م ْ‬‫م َ‬ ‫ك ي َوْ ٌ‬ ‫س وَذ َل ِ َ‬ ‫ه الّنا ُ‬ ‫موع ٌ ل َ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك ي َوْ ٌ‬‫خَرةِ ذ َل ِ َ‬ ‫ب اْل َ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫عَ َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سِعيد ٌ )‬ ‫ي وَ َ‬ ‫ق ّ‬ ‫ش ِ‬‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫َ‬
‫س إ ِل ب ِإ ِذ ْن ِهِ ف ِ‬ ‫ف ٌ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫َ‬
‫ت ل ت َكل ُ‬ ‫م ي َأ ِ‬ ‫دود ٍ )‪ (104‬ي َوْ َ‬ ‫معْ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ٍ‬ ‫إ ِّل ِل َ‬
‫‪(105‬‬

‫ن إ َِلى‬ ‫قال الضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وهكذا قوله )‪ (1‬تعالى ‪ } :‬وجعل ْناهُ َ‬


‫عو َ‬ ‫ة ي َد ْ ُ‬ ‫م ً‬
‫م أئ ِ ّ‬ ‫َ َ َ َ ْ‬
‫ْ‬ ‫م ِفي هَذِهِ الد ّن َْيا ل َعْن َ ً‬ ‫َ‬
‫م‬‫مةِ هُ ْ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ة وَي َوْ َ‬ ‫ن وَأت ْب َعَْناهُ ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫مةِ ل ي ُن ْ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫الّنارِ وَي َوْ َ‬
‫َ‬
‫ن عَلي َْها‬ ‫ضو َ‬ ‫ن { ]القصص ‪ ، [42 ، 41 :‬وقال تعالى ‪ } :‬الّناُر ي ُعَْر ُ‬ ‫حي َ‬ ‫قُبو ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ب { ]غافر ‪:‬‬ ‫ْ‬
‫شد ّ العَ َ‬ ‫نأ َ‬‫َ‬ ‫خلوا آ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ذا ِ‬ ‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫ة أد ْ ِ‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫شّيا وَي َوْ َ‬ ‫غد ُّوا وَعَ ِ‬
‫‪.[46‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫مَناهُ ْ‬ ‫ما ظل ْ‬ ‫صيد ٌ )‪ (100‬وَ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫من َْها قائ ِ ٌ‬ ‫ه عَلي ْك ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ق ّ‬ ‫قَرى ن َ ُ‬ ‫ن أن َْباِء ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫} ذ َل ِك ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ِ ِ ْ‬‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫دو‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬
‫َ ْ َُْ ْ َِ ُُ ُ ِ َ ْ ُ َ ِ ْ ُ ِ‬ ‫عو‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫تي‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫آ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫ع‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ف‬
‫ْ َ ُ ْ َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫موا‬ ‫ن ظَ ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫وَل َك ِ ْ‬
‫َ‬
‫ب )‪{ (101‬‬ ‫م غَي َْر ت َت ِْبي ٍ‬ ‫ما َزاُدوهُ ْ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫مُر َرب ّ َ‬ ‫جاَء أ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫يٍء ل َ ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫لما ذكر تعالى خبر هؤلء النبياء ‪ ،‬وما جرى لهم مع أممهم ‪ ،‬وكيف أهلك‬
‫قَرى { أي ‪ :‬من أخبارها‬ ‫ن أ َن َْباِء ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫جى المؤمنين قال ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬ ‫الكافرين ون َ ّ‬
‫صيد ٌ { أي ‪ :‬هالك دائر ‪،‬‬ ‫ح ِ‬ ‫م { )‪ (2‬أي ‪ :‬عامر ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫من َْها َقائ ِ ٌ‬ ‫ك ِ‬ ‫ه عَل َي ْ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ق ّ‬ ‫} نَ ُ‬
‫م { أي ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫موا أن ْ ُ‬ ‫ن ظل ُ‬ ‫م { أي ‪ :‬إذ أهلكناهم ‪ } ،‬وَلك ِ ْ‬ ‫مَناهُ ْ‬ ‫ما ظل ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬أصنامهم‬ ‫م آل ِهَت ُهُ ُ‬ ‫ت عَن ْهُ ْ‬ ‫ما أغْن َ ْ‬ ‫بتكذيبهم رسلنا وكفرهم بهم ‪ } ،‬فَ َ‬
‫يٍء { أي ‪ :‬ما‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن اللهِ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وأوثانهم التي كانوا يعبدونها ويدعونها ‪ِ } ،‬‬
‫ب{)‬ ‫م غَي َْر ت َت ِْبي ٍ‬ ‫ما َزاُدوهُ ْ‬ ‫نفعوهم ول أنقذوهم لما جاء أمر الله بإهلكهم ‪ } ،‬وَ َ‬
‫‪.(3‬‬
‫قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهما ‪ :‬أي غير تخسير ‪ ،‬وذلك أن سبب هلكهم‬
‫مارهم إنما كان باتباعهم تلك اللهة وعبادتهم إياها )‪ (4‬فبهذا أصابهم ما‬ ‫ود َ َ‬
‫أصابهم ‪ ،‬وخسروا بهم ‪ ،‬في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ديد ٌ )‪{ (102‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي َ‬ ‫خذ َ ال ْ ُ‬ ‫ك إ َِذا أ َ َ‬ ‫خذ ُ َرب ّ َ‬ ‫ك أَ ْ‬ ‫} وَك َذ َل ِ َ‬
‫مش ِ‬ ‫خذه ُ أِلي ٌ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ة إِ ّ‬ ‫م ٌ‬ ‫ظال ِ َ‬ ‫قَرى وَهِ َ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬وكما أهلكنا أولئك القرون الظالمة المكذبة لرسلنا كذلك نفعل‬
‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ن أَ ْ‬
‫ديد ٌ { وفي الصحيحين عن‬ ‫ش ِ‬ ‫خذ َه ُ أِلي ٌ‬ ‫بنظائرهم وأشباههم وأمثالهم ‪ } ،‬إ ِ ّ‬
‫أبي موسى الشعري ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬إن الله لُيملي للظالم ‪ ،‬حتى إذا أخذه لم ُيفلته" ‪ ،‬ثم قرأ رسول الله‬
‫ن‬‫ة إِ ّ‬ ‫م ٌ‬ ‫ظال ِ َ‬ ‫ي َ‬ ‫قَرى وَهِ َ‬ ‫خذ َ ال ْ ُ‬ ‫ك إ َِذا أ َ َ‬ ‫خذ ُ َرب ّ َ‬ ‫ك أَ ْ‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ } :‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫م َ‬ ‫َ‬ ‫أَ ْ‬
‫ديد ٌ { )‪.(5‬‬ ‫ش ِ‬ ‫خذ َه ُ أِلي ٌ‬
‫س وَذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ه الّنا ُ‬ ‫موع ٌ ل َ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك ي َوْ ٌ‬ ‫خَرةِ ذ َل ِ َ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ف عَ َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة لِ َ‬ ‫ك لي َ ً‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫} إِ ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫س‬
‫ف ٌ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ت ل ت َكل ُ‬ ‫م ي َأ ِ‬ ‫دود ٍ )‪ (104‬ي َوْ َ‬ ‫معْ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ٍ‬ ‫خُرهُ ِإل ل َ‬ ‫ما ن ُؤَ ّ‬ ‫شُهود ٌ )‪ (103‬وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ي َوْ ٌ‬
‫سِعيد ٌ )‪{ (105‬‬ ‫ي وَ َ‬ ‫ق ّ‬ ‫ش ِ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ِإل ب ِإ ِذ ْن ِهِ فَ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وهذا كقوله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬نقصها" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬تثبيت"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬إياهم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪ (4686‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2583‬‬

‫) ‪(4/349‬‬

‫ن‬‫ذي َ‬ ‫سل ََنا َوال ّ ِ‬ ‫صُر ُر ُ‬ ‫عودنا في الدار الخرة ‪ } ،‬إ ِّنا ل َن َن ْ ُ‬ ‫واعتبارا على صدق مو ُ‬
‫شَهاد ُ { ]غافر ‪ ، [51 :‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫م ال ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫مُنوا ِفي ال ْ َ‬ ‫آ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫م الْر َ‬ ‫سك ِن َن ّك ُ ُ‬ ‫ن وَلن ُ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ن الظال ِ ِ‬ ‫م لن ُهْل ِك َ ّ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫حى إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫} فَأوْ َ‬
‫عيد ِ { ]إبراهيم ‪.[14 ، 13 :‬‬ ‫ف وَ ِ‬ ‫خا َ‬ ‫مي وَ َ‬ ‫قا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫لِ َ‬
‫س { )‪ (1‬أي ‪ :‬أولهم وآخرهم ‪ ،‬فل‬ ‫ه الّنا ُ‬ ‫َ‬
‫موع ٌ ل ُ‬ ‫ج ُ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك ي َوْ ٌ‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫دا { ]الكهف ‪:‬‬ ‫ح ً‬ ‫مأ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫م ن َُغادِْر ِ‬ ‫م فَل ْ‬ ‫شْرَناهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫يبقى منهم أحد ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫‪.[47‬‬
‫شُهود ٌ { أي ‪ :‬يوم عظيم تحضره الملئكة كلهم ‪ ،‬ويجتمع فيه‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫} وَذ َل ِك ي َوْ ٌ‬
‫الرسل جميعهم ‪ ،‬وتحشر فيه الخلئق بأسرهم ‪ ،‬من النس والجن والطير‬
‫والوحوش والدواب ‪ ،‬ويحكم فيهم )‪ (2‬العادل الذي ل يظلم مثقال ذرة ‪ ،‬وإن‬
‫تك حسنة يضاعفها‪.‬‬
‫دودٍ { أي ‪ :‬ما نؤخر إقامة يوم القيامة إل‬ ‫ع‬
‫َ ٍ َ ْ ُ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫ل‬ ‫إل‬‫خ ُ ُ ِ‬
‫ه‬ ‫ر‬ ‫ما ن ُؤَ ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫لنه )‪ (3‬قد سبقت كلمة الله وقضاؤه وقدره ‪ ،‬في وجود أناس معدودين من‬
‫ذرية آدم ‪ ،‬وضرب مدة معينة إذا انقضت وتكامل وجود أولئك المقدر‬
‫ل‬
‫ج ٍ‬‫خُره ُ ِإل ل َ‬ ‫ما ن ُؤَ ّ‬ ‫خروجهم من ذرية آدم ‪ ،‬أقام الله الساعة ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫م‬‫ت ل ت َك َل ُ‬ ‫م ي َأ ِ‬ ‫دود ٍ { أي ‪ :‬لمدة مؤقتة ل يزاد عليها ول ينتقص منها ‪ } ،‬ي َوْ َ‬ ‫معْ ُ‬ ‫َ‬
‫س ِإل ب ِإ ِذ ْن ِهِ { )‪ (4‬يقول ‪ :‬يوم يأتي هذا اليوم وهو يوم القيامة ‪ ،‬ل يتكلم‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫نَ‬
‫ح‬
‫م الّرو ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫أحد ]يومئذ[ )‪ (5‬إل بإذن الله تعالى ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫فا ل يتك َل ّمون إل م َ‬
‫واًبا { ]النبأ ‪، [38 :‬‬ ‫ص َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن وََقا َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ه الّر ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ن أذِ َ‬ ‫ََ ُ َ ِ َ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫ة َ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫سا { ]طه ‪:‬‬ ‫م ً‬ ‫معُ ِإل هَ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن َفل ت َ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ت ِللّر ْ‬ ‫وا ُ‬ ‫ص َ‬
‫ت ال ْ‬ ‫شعَ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫‪ ، [108‬وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث‬
‫الشفاعة الطويل ‪" :‬ول يتكلم يومئذ إل الرسل ‪ ،‬ودعوى الرسل يومئذ ‪ :‬اللُهم‬
‫سّلم سّلم )‪.(7) (6‬‬ ‫َ‬
‫سِعيد ٌ { أي ‪ :‬فمن أهل الجمع شقي ومنهم سعيد ‪،‬‬ ‫ي وَ َ‬ ‫ق ّ‬ ‫ش ِ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫َ‬
‫وقوله ‪ } :‬ف ِ‬
‫سِعيرِ { ]الشورى ‪.[7 :‬‬ ‫ريقٌ ِفي ال ّ‬ ‫َ‬
‫جن ّةِ وَف ِ‬ ‫ْ‬
‫ريقٌ ِفي ال َ‬ ‫َ‬
‫كما قال ‪ } :‬ف ِ‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده ‪ :‬حدثنا موسى بن حيان ‪ ،‬حدثنا عبد الملك‬
‫بن عمرو ‪ ،‬حدثنا سليمان بن )‪ (8‬سفيان ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن دينار ‪ ،‬عن ابن‬
‫ي‬
‫ق ّ‬ ‫ش ِ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫عمر ‪ ،‬عن عمر )‪ (9‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬لما نزلت } فَ ِ‬
‫سِعيد ٌ { سألت النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬قلت ‪ (10) :‬يا رسول الله ‪،‬‬ ‫وَ َ‬
‫علم نعمل )‪ (11‬؟ على شيء قد ُفرغ منه ‪ ،‬أم على شيء لم يفرغ منه ؟‬
‫فقال ‪" :‬على شيء قد فرغ منه يا عمر وجرت به القلم ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬قبلها في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إن في ذلك لية لمن خاف عذاب الخرة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬فيه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إل أنه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬يأتي" وفي أ‪" .‬يأتيهم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬اللهم سلم اللهم سلم"‪.‬‬
‫)‪ (7‬صحيح البخاري برقم )‪ (806‬وصحيح مسلم برقم )‪.(182‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أبو"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬عمر بن الخطاب"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬فقلت"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪" :‬على ما يعمل"‪.‬‬

‫) ‪(4/350‬‬

‫َ‬
‫ما‬
‫ن ِفيَها َ‬
‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬ ‫شِهيقٌ )‪َ (106‬‬ ‫م ِفيَها َزِفيٌر وَ َ‬‫في الّنارِ ل َهُ ْ‬ ‫قوا فَ ِ‬‫ش ُ‬‫ن َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫فَأ ّ‬
‫َ‬
‫ريد ُ )‪(107‬‬ ‫ما ي ُ ِ‬
‫ل لِ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫ك فَّعا ٌ‬ ‫شاَء َرب ّ َ‬
‫ك إِ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ض إ ِّل َ‬ ‫ت َواْلْر ُ‬ ‫وا ُ‬‫م َ‬
‫س َ‬‫ت ال ّ‬ ‫م ِ‬‫َدا َ‬

‫ولكن كل ميسر لما خلق له" )‪.(1‬‬


‫ثم بين )‪ (2‬تعالى حال الشقياء وحال السعداء ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫ن ِفيَها َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫شِهيقٌ )‪َ (106‬‬ ‫م ِفيَها َزِفيٌر وَ َ‬ ‫في الّنارِ ل َهُ ْ‬ ‫قوا فَ ِ‬ ‫ش ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬ ‫} فَأ ّ‬
‫ريد ُ )‪{ (107‬‬ ‫ما ي ُ ِ‬‫ل لِ َ‬‫ك فَّعا ٌ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ك إِ ّ‬ ‫شاَء َرب ّ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ض ِإل َ‬ ‫ت َوالْر ُ‬ ‫ماَوا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫َدا َ‬
‫شِهيقٌ { قال ابن عباس ‪ :‬الزفير في الحلق ‪،‬‬ ‫م ِفيَها َزِفيٌر وَ َ‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى ‪ } :‬لهُ ْ‬
‫والشهيق في الصدر أي ‪ :‬تنفسهم زفير ‪ ،‬وأخذهم النفس شهيق ‪ ،‬لما هم فيه‬
‫من العذاب ‪ ،‬عياذا بالله من ذلك‪.‬‬
‫ض { قال المام أبو جعفر بن جرير ‪:‬‬ ‫ت َوالْر ُ‬ ‫ماَوا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ما َدا َ‬ ‫ن ِفيَها َ‬ ‫دي َ‬‫خال ِ ِ‬ ‫} َ‬
‫دا قالت ‪" :‬هذا دائم‬ ‫من عادة العرب إذا أرادت أن تصف الشيء بالدوام أب ً‬
‫ل والنهار ‪،‬‬ ‫م السموات والرض" ‪ ،‬وكذلك يقولون ‪ :‬هو باق ما اختلف اللي ُ‬ ‫دوا َ‬
‫فر )‪ (3‬بأذنابها‪ .‬يعنون بذلك كلمة ‪:‬‬ ‫سمير ‪ ،‬وما للت العُ ْ‬ ‫وما سمر ابنا َ‬
‫ما‬
‫ن ِفيَها َ‬ ‫دي َ‬‫خال ِ ِ‬ ‫"أبدا" ‪ ،‬فخاطبهم جل ثناؤه بما يتعارفونه بينهم ‪ ،‬فقال ‪َ } :‬‬
‫ض {‪.‬‬ ‫ت َوالْر ُ‬ ‫ماَوا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫َدا َ‬
‫ّ‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫لنه‬ ‫؛‬ ‫الجنس‬ ‫‪:‬‬ ‫والرض‬ ‫السموات‬ ‫دامت‬ ‫بما‬ ‫المراد‬ ‫أن‬ ‫ويحتمل‬ ‫‪:‬‬ ‫قلت‬
‫ض‬
‫ل الْر ُ‬ ‫م ت ُب َد ّ ُ‬‫في عالم الخرة من سموات وأرض ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫ت { ]إبراهيم ‪ [48 :‬؛ ولهذا قال الحسن البصري في‬ ‫ماَوا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ض َوال ّ‬ ‫غَي َْر الْر ِ‬
‫ض { قال ‪ :‬تبدل سماء غير )‪ (4‬هذه‬ ‫ت َوالْر ُ‬ ‫ماَوا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ما َدا َ‬ ‫قوله ‪َ } :‬‬
‫السماء ‪ ،‬وأرض غير هذه الرض ‪ ،‬فما دامت تلك السماء وتلك الرض‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬ذكر عن سفيان بن حسين ‪ ،‬عن الحكم ‪ ،‬عن مجاهد ‪،‬‬
‫ض { قال ‪ :‬لكل جنة سماء‬ ‫ت َوالْر ُ‬ ‫ماَوا ُ‬ ‫س َ‬‫ت ال ّ‬ ‫م ِ‬‫ما َدا َ‬ ‫عن ابن عباس قوله ‪َ } :‬‬
‫وأرض‪.‬‬
‫ضا ‪ ،‬والسماء سماًء‪.‬‬ ‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬ما دامت الرض أر ً‬
‫ريد ُ { كقوله تعالى ‪ } :‬الّناُر‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫ل لِ َ‬‫ك فَّعا ٌ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ك إِ ّ‬ ‫شاَء َرب ّ َ‬ ‫ما َ‬ ‫وقوله ‪ِ } :‬إل َ‬
‫م { ]النعام ‪.[128 :‬‬ ‫م عَِلي ٌ‬
‫كي ٌ‬‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّك َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫ّ‬
‫شاَء الل ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ِفيَها ِإل َ‬ ‫دي َ‬‫خال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫واك ُ ْ‬ ‫مث ْ َ‬‫َ‬
‫وقد اختلف المفسرون في المراد من هذا الستثناء ‪ ،‬على أقوال كثيرة ‪،‬‬
‫حكاها الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في كتابه "زاد المسير" )‪ (5‬وغيره من‬
‫علماء التفسير ‪ ،‬ونقل كثيًرا منها المام أبو جعفر بن جرير ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬في‬
‫دان ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وأبي‬ ‫معْ َ‬ ‫كتابه )‪ (6‬واختار هو ما نقله عن خالد بن َ‬
‫ضا ‪ :‬أن الستثناء عائد‬ ‫سَنان ‪ ،‬ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن أي ً‬ ‫ِ‬
‫على الُعصاة من أهل التوحيد ‪ ،‬ممن يخرجهم الله من النار بشفاعة‬
‫الشافعين ‪ ،‬من الملئكة والنبيين والمؤمنين ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ورواه الترمذي في السنن برقم )‪ (3111‬عن بندار ‪ ،‬عن أبي عامر‬
‫العقدي ‪ -‬عبد الملك بن عمرو به ‪ -‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن غريب‬
‫من هذا الوجه ل نعرفه إل من حديث عبد الملك بن عمرو"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬وبين"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ : :‬الغفر"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬يبدل بهما غير"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زاد المسير )‪.(161 ، 4/160‬‬
‫)‪ (6‬تفسير الطبري )‪.(15/485‬‬

‫) ‪(4/351‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ض إ ِّل َ‬
‫ما‬ ‫ت َواْلْر ُ‬
‫وا ُ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ت ال ّ‬
‫م ِ‬
‫ما َدا َ‬
‫ن ِفيَها َ‬
‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬ ‫في ال ْ َ‬
‫جن ّةِ َ‬ ‫دوا فَ ِ‬‫سعِ ُ‬‫ن ُ‬‫ذي َ‬‫ما ال ّ ِ‬
‫وَأ ّ‬
‫ذوذ ٍ )‪(108‬‬ ‫ج ُ‬
‫م ْ‬ ‫ك عَ َ‬
‫طاًء غَي َْر َ‬ ‫شاَء َرب ّ َ‬ ‫َ‬

‫حين يشفعون في أصحاب الكبائر ‪ ،‬ثم تأتي رحمة أرحم الراحمين ‪ ،‬فتخرج‬
‫من النار من لم يعمل خيرا قط ‪ ،‬وقال يوما من الدهر ‪ :‬ل إله إل الله‪ .‬كما‬
‫وردت بذلك الخبار الصحيحة المستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بمضمون ذلك من حديث أنس ‪ ،‬وجابر ‪ ،‬وأبي سعيد ‪ ،‬وأبي هريرة ‪،‬‬
‫وغيرهم من الصحابة )‪ ، (1‬ول يبقى بعد ذلك في النار إل من وجب عليه‬
‫الخلود فيها ول محيد له عنها‪ .‬وهذا الذي عليه كثير من العلماء قديما وحديثا‬
‫في تفسير هذه الية الكريمة‪ .‬وقد روي في تفسيرها عن أمير المؤمنين عمر‬
‫بن الخطاب ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬وابن مسعود )‪ ، (2‬وأبي هريرة ‪ ،‬وعبد الله بن‬
‫جَلز ‪ ،‬والشعبي ‪،‬‬ ‫م ْ‬‫عمرو ‪ ،‬وجابر ‪ ،‬وأبي سعيد ‪ ،‬من الصحابة‪ .‬وعن أبي ِ‬
‫وغيرهما من التابعين‪ .‬وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬وإسحاق بن‬
‫راهويه وغيرهما من الئمة ‪ -‬أقوال غريبة‪ .‬وورد حديث غريب في معجم‬
‫جلن الباهلي ‪ ،‬ولكن سنده‬ ‫صد َىّ بن عَ ْ‬ ‫الطبراني الكبير ‪ ،‬عن أبي أمامة ُ‬
‫ضعيف ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬الله أعلم بثنياه‪.‬‬
‫دا { ]النساء ‪.[57 :‬‬ ‫َ‬
‫ن ِفيَها أب َ ً‬ ‫دي َ‬‫خال ِ ِ‬
‫وقال السدي ‪ :‬هي منسوخة بقوله ‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ض ِإل‬ ‫ت َوالْر ُ‬ ‫ماَوا ُ‬ ‫س َ‬
‫ت ال ّ‬ ‫م ِ‬‫ما َدا َ‬‫ن ِفيَها َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫جن ّةِ َ‬ ‫في ال ْ َ‬ ‫دوا فَ ِ‬ ‫سعِ ُ‬
‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬‫ما ال ّ ِ‬
‫} وَأ ّ‬
‫ذوذ ٍ )‪{ (108‬‬ ‫ج ُ‬ ‫م ْ‬‫طاًء غَي َْر َ‬ ‫ك عَ َ‬ ‫شاَء َرب ّ َ‬‫ما َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫جن ّةِ { أي ‪:‬‬ ‫في ال َ‬ ‫دوا { وهم أتباع الرسل ‪ } ،‬فَ ِ‬ ‫سعِ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ما‬
‫َ ّ‬ ‫أ‬‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫يقول‬
‫ت‬ ‫م ِ‬ ‫ما َدا َ‬‫ن ِفيَها { أي ‪ :‬ماكثين مقيمين فيها أبدا ‪َ } ،‬‬ ‫َ‬ ‫دي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫خا‬
‫َ‬ ‫فمأواهم الجنة ‪} ،‬‬
‫شاَء َرب ّك { معنى الستثناء هاهنا ‪ :‬أن دوامهم فيما‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬ ‫ض ِإل َ‬ ‫ت َوالْر ُ‬ ‫ماَوا ُ‬‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫هم فيه من النعيم ‪ ،‬ليس أمرا واجبا بذاته ‪ ،‬بل هو موكول إلى مشيئة الله‬
‫ما[ )‪ ، (3‬ولهذا يلهمون التسبيح والتحميد كما‬ ‫تعالى ‪ ،‬فله المنة عليهم ]دائ ً‬
‫يلهمون الّنفس‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬والحسن البصري ‪ :‬هي في حق عصاة الموحدين الذين كانوا‬
‫ذوذ ٍ { أي ‪:‬‬ ‫ج ُ‬ ‫طاًء غَي َْر َ‬
‫م ْ‬ ‫في النار ‪ ،‬ثم أخرجوا منها‪ .‬وعقب ذلك بقوله ‪ } :‬عَ َ‬
‫غير مقطوع )‪ - (4‬قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وأبو العالية وغير واحد ‪ ،‬لئل‬
‫عا ‪ ،‬أو لبسا ‪ ،‬أو شيًئا )‪ (5‬بل‬ ‫يتوهم متوهم بعد ذكره المشيئة أن ثم انقطا ً‬
‫ختم له بالدوام وعدم النقطاع‪ .‬كما بين هنا )‪ (6‬أن عذاب أهل النار في النار‬
‫ن‬‫دله وحكمته عذبهم ؛ ولهذا قال ‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫دائما مردود إلى مشيئته ‪ ،‬وأنه )‪ (7‬بعَ ْ‬
‫م‬ ‫فعَ ُ‬
‫ل وَهُ ْ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫سأ َ ُ‬
‫ل عَ ّ‬ ‫ل } ل يُ ْ‬ ‫ريد ُ { ]هود ‪ [107 :‬ك َ َ‬
‫ما َقا َ‬ ‫ما ي ُ ِ‬
‫ل لِ َ‬ ‫ك فَّعا ٌ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫َ‬
‫ن { ]النبياء ‪ ، [23 :‬وهنا طيب القلوب وث َّبت المقصود بقوله ‪:‬‬ ‫سأُلو َ‬ ‫يُ ْ‬
‫ُ‬
‫جذوذ ٍ {‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫} عَطاًء غي َْر َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬انظر أحاديث الشفاعة عند تفسير سورة السراء في أولها‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وابن مسعود وابن عباس"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬منقطع"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬ثم انقطاع أو لبس أو شيء"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬هناك"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬وأن"‪.‬‬

‫) ‪(4/352‬‬

‫خُلود فل )‪ (1‬موت ‪ ،‬ويا أهل النار ‪ ،‬خلود فل )‪ (2‬موت )‪.(3‬‬ ‫يا أهل الجنة ‪ُ ،‬‬
‫وفي الصحيحين )‪ (4‬أيضا ‪" :‬فيقال )‪ (5‬يا أهل الجنة ‪ ،‬إن لكم أن تعيشوا فل‬
‫تموتوا أبدا ‪ ،‬وإن لكم أن تشبوا فل تهَْرموا أبدا ‪ ،‬وإن لكم أن تصحوا فل‬
‫تسقموا أبدا ‪ ،‬وإن لكم أن تنعموا فل تَبأسوا أبدا" )‪.(6‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (4730‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2849‬من حديث‬
‫أبي سعيد الخدري رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬وفي الصحيح"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح مسلم برقم )‪ (2837‬من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله‬
‫عنهما ‪ ،‬ولم أعثر عليه في البخاري‪.‬‬

‫) ‪(4/353‬‬

‫َ‬
‫ل وَإ ِّنا‬‫ن قَب ْ ُ‬‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما ي َعْب ُد ُ آَباؤُهُ ْ‬ ‫ن إ ِّل ك َ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ي َعْب ُ ُ‬ ‫ما ي َعْب ُد ُ هَؤَُلِء َ‬ ‫م ّ‬
‫مْري َةٍ ِ‬ ‫ك ِفي ِ‬ ‫فََل ت َ ُ‬
‫سى ال ْك َِتا َ‬ ‫َ‬ ‫ص )‪ (109‬وَل َ َ‬
‫ه‬
‫ف ِفي ِ‬ ‫ب َفا ْ‬
‫خت ُل ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫قد ْ آت َي َْنا ُ‬ ‫قو ٍ‬ ‫م غَي َْر َ‬
‫من ْ ُ‬ ‫صيب َهُ ْ‬ ‫م نَ ِ‬ ‫موَّفوهُ ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫ب )‪(110‬‬ ‫ري ٍ‬‫م ِ‬
‫ه ُ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬
‫في َ‬ ‫م لَ ِ‬‫م وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬‫ض َ‬‫ق ِ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬
‫ة َ‬ ‫م ٌ‬ ‫وَل َوَْل ك َل ِ َ‬
‫َ‬
‫خِبيٌر )‪(111‬‬ ‫ن َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫مال َهُ ْ‬
‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ك أعْ َ‬ ‫م َرب ّ َ‬‫ما ل َي ُوَفّي َن ّهُ ْ‬‫ن ك ُّل ل َ ّ‬ ‫وَإ ِ ّ‬

‫ل وَإ ِّنا‬‫ن قَب ْ ُ‬‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما ي َعْب ُد ُ آَباؤُهُ ْ‬‫ن ِإل ك َ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ي َعْب ُ ُ‬ ‫ؤلِء َ‬ ‫ما ي َعْب ُد ُ هَ ُ‬ ‫م ّ‬‫مْري َةٍ ِ‬ ‫ك ِفي ِ‬ ‫} َفل ت َ ُ‬
‫ه‬
‫ف ِفي ِ‬ ‫ب َفا ْ‬
‫خت ُل ِ َ‬ ‫سى ال ْك َِتا َ‬ ‫مو َ‬ ‫قد ْ آت َي َْنا ُ‬ ‫ص )‪ (109‬وَل َ َ‬ ‫قو ٍ‬ ‫م غَي َْر َ‬
‫من ْ ُ‬ ‫صيب َهُ ْ‬ ‫م نَ ِ‬ ‫موَّفوهُ ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫ب )‪(110‬‬ ‫ري ٍ‬‫م ِ‬‫ه ُ‬‫من ْ ُ‬‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫في َ‬ ‫م لَ ِ‬
‫م وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬‫ض َ‬‫ق ِ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬
‫ة َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ول ك َل ِ َ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫َ‬
‫خِبيٌر )‪{ (111‬‬ ‫ن َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬‫م إ ِن ّ ُ‬‫مال َهُ ْ‬ ‫ك أعْ َ‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫ما ل َي ُوَفّي َن ّهُ ْ‬‫كل ل َ ّ‬ ‫ن ُ‬‫وَإ ِ ّ‬
‫ؤلِء { المشركون ‪ ،‬إنه باطل‬ ‫ما ي َعْب ُد ُ هَ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫مْري َةٍ ِ‬ ‫ك ِفي ِ‬ ‫يقول تعالى ‪َ } :‬فل ت َ ُ‬
‫جهل وضلل ‪ ،‬فإنهم إنما يعبدون ما يعبد آباؤهم من قبل ‪ ،‬أي ‪ :‬ليس لهم‬ ‫و َ‬
‫مست ََند فيما هم فيه إل اتباع الباء في الجهالت ‪ ،‬وسيجزيهم الله على ذلك‬ ‫ُ‬
‫أتم الجزاء فيعذب كافرهم عذاًبا ل يعذبه أحدا من العالمين ‪ ،‬وإن كان لهم‬
‫حسنات فقد وفاهم الله إياها في الدنيا قبل الخرة‪.‬‬
‫جْعفي ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬وَإ ِّنا‬ ‫قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن جابر ال ُ‬
‫ص { قال ‪ :‬ما )‪ (1‬وعدوا فيه من خير أو شر‪.‬‬ ‫قو ٍ‬ ‫م غَي َْر َ‬
‫من ْ ُ‬ ‫صيب َهُ ْ‬‫م نَ ِ‬ ‫موَّفوهُ ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬لموفوهم من العذاب نصيبهم غير‬
‫منقوص‪ .‬ثم ذكر تعالى أنه آتى موسى الكتاب ‪ ،‬فاختلف الناس فيه ‪ ،‬فمن‬
‫مؤمن به ‪ ،‬ومن كافر به ‪ ،‬فلك بمن سلف من النبياء قبلك يا محمد أسوة ‪،‬‬
‫فل يغيظنك تكذيبهم لك ‪ ،‬ول يهيدّنك ذلك‪.‬‬
‫م { قال ابن جرير ‪ :‬لول ما تقدم‬ ‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬‫ض َ‬‫ق ِ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬
‫ة َ‬ ‫م ٌ‬‫ول ك َل ِ َ‬ ‫} وَل َ ْ‬
‫من تأجيله العذاب )‪ (2‬إلى أجل معلوم ‪ ،‬لقضى الله بينهم‪.‬‬
‫ويحتمل أن يكون المراد بالكلمة ‪ ،‬أنه ل يعذب أحدا إل بعدم )‪ (3‬قيام الحجة‬
‫ث‬‫حّتى ن َب ْعَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ما ك ُّنا ُ‬
‫معَذ ِّبي َ‬ ‫عليه ‪ ،‬وإرسال الرسول إليه ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ة‬
‫م ٌ‬ ‫َ‬
‫ول كل ِ َ‬ ‫َ‬
‫سول { ]السراء ‪ [15 :‬؛ فإنه قد قال في الية الخرى ‪ } :‬وَل ْ‬ ‫َر ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]طه ‪:‬‬ ‫قولو َ‬ ‫ما ي َ ُ‬
‫صب ِْر عَلى َ‬ ‫مى َفا ْ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬‫ل ُ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ما وَأ َ‬ ‫ن ل َِزا ً‬‫ن َرب ّك لكا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬‫َ‬
‫‪.[130 ، 129‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وبما"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬العباد" وفي أ ‪" :‬الميعاد"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إل بعد"‪.‬‬

‫) ‪(4/353‬‬

‫صيٌر )‪ (112‬وََل‬ ‫َفاستقم ك َ ُ‬


‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬‫ه بِ َ‬
‫وا إ ِن ّ ُ‬‫ك وََل ت َط ْغَ ْ‬ ‫معَ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬‫ت وَ َ‬ ‫مْر َ‬
‫ما أ ِ‬ ‫ْ َِ ْ َ‬
‫م لَ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أوْل َِياَء ث ُ ّ‬ ‫م ْ‬‫ن اللهِ ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ما لك ْ‬ ‫م الّناُر وَ َ‬ ‫ُ‬
‫سك ُ‬ ‫م ّ‬ ‫موا فَت َ َ‬ ‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬‫ت َْرك َُنوا إ َِلى ال ِ‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫ت‬‫سَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ي الن َّهارِ وَُزل َ ً‬ ‫صَلة َ ط ََرفَ ِ‬ ‫ن )‪ (113‬وَأقِم ِ ال ّ‬ ‫صُرو َ‬ ‫ت ُن ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫جَر‬‫ضيعُ أ ْ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫صب ِْر فَإ ِ ّ‬
‫ن )‪َ (114‬وا ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ذاك ِ ِ‬‫ت ذ َل ِك ذِكَرى ِلل ّ‬ ‫سي َّئا ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ي ُذ ْهِب ْ َ‬
‫ن )‪(115‬‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬

‫ثم أخبر أن الكافرين في شك ‪ -‬مما جاءهم به الرسول ‪ -‬قوي ‪ ،‬فقال‬


‫ب {‪.‬‬ ‫ري ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫في َ‬ ‫م لَ ِ‬‫} وَإ ِن ّهُ ْ‬
‫ثم أخبرنا )‪ (1‬تعالى أنه سيجمع الولين والخرين من المم ‪ ،‬ويجزيهم‬
‫ما ل َي ُوَفّي َن ّهُ ْ‬
‫م‬ ‫كل ل َ ّ‬‫ن ُ‬ ‫بأعمالهم ‪ ،‬إن خيًرا فخير ‪ ،‬وإن شًرا فشر ‪ ،‬فقال ‪ } :‬وَإ ِ ّ‬
‫رب َ َ‬
‫خِبيٌر { أي ‪ :‬عليم بأعمالهم جميعها ‪ ،‬جليلها‬ ‫ن َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫مال َهُ ْ‬
‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ك أعْ َ‬ ‫َ ّ‬
‫وحقيرها ‪ ،‬صغيرها وكبيرها‪.‬‬
‫وفي هذه الية قراءات كثيرة ‪ ،‬ويرجع معناها إلى هذا الذي ذكرناه ‪ ،‬كما في‬
‫ن { ]يس ‪.[32 :‬‬ ‫ضُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫ميعٌ ل َد َي َْنا ُ‬
‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ل لَ ّ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫قوله تعالى ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫صيٌر )‪(112‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫} َفاستقم ك َ ُ‬
‫ن بَ ِ‬ ‫ملو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬‫ه بِ َ‬‫وا إ ِن ّ ُ‬
‫معَك َول ت َطغَ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫ْ َِ ْ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ن أوْل َِياَء ث ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن اللهِ ِ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ما لك ْ‬ ‫م الّناُر وَ َ‬‫سك ُ‬ ‫ُ‬ ‫م ّ‬ ‫َ‬
‫موا فت َ َ‬ ‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫َول ت َْرك َُنوا إ َِلى ال ِ‬
‫ّ‬
‫ن )‪{ (113‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫ل ت ُن ْ َ‬
‫يأمر تعالى رسوله وعباده المؤمنين بالثبات والدوام على الستقامة ‪ ،‬وذلك‬
‫من أكبر العون على النصر على العداء ومخالفة الضداد ونهى عن‬
‫مصَرعة حتى ولو كان على مشرك‪ .‬وأعلم تعالى‬ ‫الطغيان ‪ ،‬وهو البغي ‪ ،‬فإنه َ‬
‫أنه بصير بأعمال العباد ‪ ،‬ل يغفل عن شيء ‪ ،‬ول يخفى عليه شيء‪.‬‬
‫موا { قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬ول ت َْرك َُنوا إ َِلى ال ّ ِ‬
‫عباس ‪ :‬ل ُتدهُنوا وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬هو الركون إلى الشرك‪.‬‬
‫وقال أبو العالية ‪ :‬ل ترضوا أعمالهم‪.‬‬
‫جَرْيج ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬ول تميلوا إلى الذين ظلموا وهذا القول‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫حسن ‪ ،‬أي ‪ :‬ل تستعينوا بالظلمة فتكونوا كأنكم قد رضيتم بباقي صنيعهم ‪} ،‬‬
‫فَتمسك ُم النار وما ل َك ُم من دون الل ّه م َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ليس‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ل ت ُن ْ َ‬ ‫ن أوْل َِياَء ث ُ ّ‬ ‫ِ ِ ْ‬ ‫ْ ِ ْ ُ ِ‬ ‫َ َ ّ ُ ّ ُ َ َ‬
‫لكم من دونه )‪ (2‬من ولي ينقذكم ‪ ،‬ول ناصر يخلصكم من عذابه‪.‬‬
‫َ‬
‫سي َّئا ِ‬
‫ت‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ت ي ُذ ْهِب ْ َ‬ ‫سَنا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬
‫ل إِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ي الن َّهارِ وَُزل َ ً‬‫ِ‬ ‫صلة َ ط ََرفَ‬ ‫} وَأقِم ِ ال ّ‬
‫َ‬
‫ن )‪{ (115‬‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جَر ال ْ ُ‬‫ضيعُ أ ْ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫صب ِْر فَإ ِ ّ‬‫ن )‪َ (114‬وا ْ‬ ‫ري َ‬ ‫ك ذِك َْرى ِلل ّ‬
‫ذاك ِ ِ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ي الن َّهارِ {‬‫صلة َ طَرفَ ِ‬ ‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬وَأقِم ِ ال ّ‬
‫قال ‪ :‬يعني الصبح والمغرب وكذا قال الحسن ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن‬
‫أسلم‪.‬‬
‫وقال الحسن ‪ -‬في رواية ‪ -‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬هي الصبح والعصر‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬هي الصبح في أول النهار ‪ ،‬والظهر والعصر من آخره‪ .‬وكذا‬
‫قَرظي ‪ ،‬والضحاك في رواية عنه‪.‬‬ ‫قال محمد بن كعب ال ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ثم أخبر"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬من دون الله"‪.‬‬

‫) ‪(4/354‬‬

‫ل { قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وغيرهم ‪:‬‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬‫م َ‬‫فا ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَُزل َ ً‬
‫يعني صلة العشاء‪.‬‬
‫فا‬ ‫َ‬
‫ضالة ‪ ،‬عنه ‪ } :‬وَُزل ً‬ ‫وقال الحسن ‪ -‬في رواية ابن المبارك ‪ ،‬عن مبارك بن فَ َ‬
‫ل { يعني المغرب والعشاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬
‫م َ‬ ‫ِ‬
‫فَتا )‪ (1‬الليل ‪ :‬المغرب والعشاء" )‪ .(2‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬ومحمد بن‬ ‫ْ‬
‫"هما ُزل َ‬
‫كعب ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ :‬إنها صلة المغرب والعشاء‪.‬‬
‫وقد يحتمل أن تكون هذه الية نزلت قبل فرض الصلوات الخمس ليلة‬
‫السراء ؛ فإنه إنما كان يجب من الصلة صلتان ‪ :‬صلة قبل طلوع الشمس ‪،‬‬
‫وصلة قبل غروبها‪ .‬وفي أثناء الليل قيام عليه وعلى المة ‪ ،‬ثم نسخ في حق‬
‫ضا ‪ ،‬في قول ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬ ‫المة ‪ ،‬وثبت وجوبه عليه ‪ ،‬ثم نسخ عنه أي ً‬
‫ت { يقول ‪ :‬إن فعل الخيرات يكفر‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫ت ي ُذ ْهِب ْ َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫سَنا ِ‬‫ح َ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫الذنوب السالفة ‪ ،‬كما جاء في الحديث الذي رواه المام أحمد وأهل السنن ‪،‬‬
‫ت من رسول الله‬ ‫عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال ‪ :‬كنت إذا سمع ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه ‪ ،‬وإذا حدثني‬
‫عنه أحد استحلفته ‪ ،‬فإذا حلف لي صدقته ‪ ،‬وحدثني أبو بكر ‪ -‬وصدق أبو بكر‬
‫‪ -‬أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬ما من مسلم يذنب ذنبا‬
‫‪ ،‬فيتوضأ ويصلي ركعتين ‪ ،‬إل غفر له" )‪.(3‬‬
‫ضوء‬‫وفي الصحيحين عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان ‪ :‬أنه توضأ لهم كو ُ‬
‫ت رسول الله يتوضأ ‪،‬‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬هكذا رأي ُ‬
‫دث فيهما نفسه ‪،‬‬ ‫ح ّ‬‫وقال ‪" :‬من توضأ نحو وضوئي هذا ‪ ،‬ثم صلى ركعتين ل ي ُ َ‬
‫فَر له ما تقدم من ذنبه" )‪.(4‬‬ ‫غُ ِ‬
‫قيل ُزهَْرة بن‬‫وروى المام أحمد ‪ ،‬وأبو جعفر بن جرير ‪ ،‬من حديث أبي عَ ِ‬
‫معَْبد ‪ :‬أنه سمع الحارث مولى عثمان يقول ‪ :‬جلس عثمان يوما وجلسنا‬ ‫َ‬
‫مد ّ ‪،‬‬
‫معه ‪ ،‬فجاءه المؤذن فدعا عثمان بماء في إناء أظنه سيكون فيه قدر ُ‬
‫فتوضأ ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوئي‬
‫فر‬ ‫ُ‬
‫هذا ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬من توضأ وضوئي هذا ‪ ،‬ثم قام فصلى )‪ (5‬صلة الظهر ‪ ،‬غ ِ‬
‫له ما كان بينه وبين صلة الصبح ‪ ،‬ثم صلى العصر غفر له ما بينه وبين صلة‬
‫الظهر ‪ ،‬ثم صلى المغرب غفر له ما بينه وبين صلة العصر ‪ ،‬ثم صلى العشاء‬
‫غفر له ما بينه وبين صلة المغرب ‪ ،‬ثم لعله يبيت يتمرغ ليلته ‪ ،‬ثم إن قام‬
‫فتوضأ وصلى الصبح غفر له ما بينها وبين صلة العشاء ‪ ،‬وهن الحسنات‬
‫يذهبن السيئات" )‪.(6‬‬
‫وفي الصحيح )‪ (7‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أنه قال ‪" :‬أرأيتم لو أن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬زلفيا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(15/508‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪ (1/2‬وسنن أبي داود برقم )‪ (1521‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪ (406‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪ (10247‬وسنن ابن ماجه برقم )‬
‫‪ (1395‬وقال الترمذي ‪" :‬حديث علي حديث حسن ‪ ،‬ل نعرفه إل من هذا‬
‫الوجه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (159‬وصحيح مسلم برقم )‪.(245‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬يصلي"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (1/71‬وتفسير الطبري )‪.(15/511‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬وفي الصحيحين"‪.‬‬

‫) ‪(4/355‬‬

‫مًرا يغتسل فيه كل يوم خمس مرات ‪ ،‬هل ُيبقي من درنه‬ ‫بباب أحدكم نهًرا غَ ْ‬
‫شيئا ؟" قالوا ‪ :‬ل يا رسول الله ‪ :‬قال ‪" :‬وكذلك الصلوات الخمس ‪ ،‬يمحو‬
‫الله بهن الذنوب والخطايا" )‪.(1‬‬
‫وقال مسلم في صحيحه ‪ :‬حدثنا أبو الطاهر )‪ (2‬وهارون بن سعيد قال حدثنا‬
‫دثه عن أبيه ‪،‬‬ ‫ح َ‬ ‫هب ‪ ،‬عن أبي صخر ‪ :‬أن عمر بن إسحاق مولى زائدة َ‬ ‫ابن وَ ْ‬
‫عن أبي هريرة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول ‪" :‬الصلوات‬
‫فَرات ما بينهن‬ ‫مك َ ّ‬
‫الخمس ‪ ،‬والجمعة إلى الجمعة ‪ ،‬ورمضان إلى رمضان ‪ُ ،‬‬
‫إذا )‪ (3‬اجتنبت الكبائر" )‪.(4‬‬
‫كم بن نافع )‪ (5‬حدثنا إسماعيل بن عياش ‪ ،‬عن‬ ‫ح َ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا ال َ‬
‫دث ‪ :‬أن‬ ‫هم السمعي كان يح ّ‬ ‫شَرْيح بن عبيد ‪ ،‬أن أبا ُر ْ‬ ‫عة ‪ ،‬عن ُ‬ ‫ضم بن ُزْر َ‬‫م َ‬‫ض ْ‬
‫َ‬
‫أبا أيوب النصاري حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ‪" :‬إن كل‬
‫ط ما بين يديها من خطيئة" )‪(6‬‬ ‫صلة تح ّ‬
‫وقال أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن عوف )‪ (7‬حدثنا محمد بن‬
‫إسماعيل ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن ضمضم بن زرعة ‪ ،‬عن شريح بن عبيد ‪ ،‬عن أبي‬
‫مالك الشعري قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "جعلت الصلوات‬
‫ت { )‪.(8‬‬ ‫سي َّئا ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫ت ي ُذ ْهِب ْ َ‬
‫سَنا ِ‬‫ح َ‬‫ن ال ْ َ‬
‫كفارات لما بينهن ؛ فإن الله قال ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا قتيبة بن سعيد ‪ ،‬حدثنا يزيد بن ُزَريع ‪ ،‬عن سليمان‬
‫التيمي ‪ ،‬عن أبي عثمان النهدي ‪ ،‬عن ابن مسعود ؛ أن رجل أصاب من امرأة‬
‫َ‬
‫صلةَ‬‫قُب َْلة ‪ ،‬فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ‪ ،‬فأنزل الله ‪ } :‬وَأقِم ِ ال ّ‬
‫ت { فقال الرجل ‪:‬‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫ت ي ُذ ْهِب ْ َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫سَنا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬
‫ل إِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ي الن َّهارِ وَُزل َ ً‬
‫فا ِ‬ ‫ط ََرفَ ِ‬
‫إلى هذا يا رسول الله ؟ )‪ (9‬قال ‪" :‬لجميع أمتي كلهم"‪.‬‬
‫دد ‪ ،‬عن يزيد بن‬‫س ّ‬
‫م َ‬ ‫هكذا رواه في كتاب الصلة ‪ ،‬وأخرجه في التفسير عن ُ‬
‫ُزَريع ‪ ،‬بنحوه )‪ (10‬ورواه مسلم ‪ ،‬وأحمد ‪ ،‬وأهل السنن إل أبا داود ‪ ،‬من‬
‫ل ‪ ،‬به )‪.(11‬‬ ‫م ّ‬ ‫طرق عن أبي عثمان النهدي ‪ ،‬واسمه عبد الرحمن بن ُ‬
‫وروى المام أحمد ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن جرير ‪-‬‬
‫وهذا لفظه ‪-‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪ (528‬وصحيح مسلم برقم )‪.(667‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬أبو طاهر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬ما"‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم برقم )‪.(233‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬بن رافع"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪.(5/413‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬عون"‪.‬‬
‫)‪ (8‬تفسير الطبري )‪ (15/513‬ومحمد بن إسماعيل ضعيف ولم يسمع من‬
‫أبيه‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬يا رسول ‪+‬ألى هذا"‪.‬‬
‫)‪ (10‬صحيح البخاري برقم )‪ (526‬وبرقم )‪.(4687‬‬
‫)‪ (11‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2763‬والمسند )‪ (1/385‬وسنن الترمذي برقم‬
‫)‪ (3114‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪ (11247‬وسنن ابن ماجه برقم‬
‫)‪.(1398‬‬

‫) ‪(4/356‬‬

‫دث عن‬ ‫ماك بن حرب ‪ :‬أنه سمع إبراهيم بن يزيد ُيح ّ‬ ‫من ط ُُرق ‪ :‬عن ِ‬
‫س َ‬
‫علقمة والسود ‪ ،‬عن ابن مسعود قال ‪ :‬جاء رجل إلى النبي )‪ (1‬صلى الله‬
‫عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إني وجدت امرأة في بستان ‪ ،‬ففعلت بها‬
‫كل شيء ‪ ،‬غير أني لم أجامعها ‪ ،‬قَّبلتها ولزمتها ‪ ،‬ولم أفعل غير ذلك ‪ ،‬فافعل‬
‫بي ما شئت‪ .‬فلم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ‪ ،‬فذهب الرجل‬
‫‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬لقد ستر الله عليه ‪ ،‬لو ستر على نفسه‪ .‬فأتبعه رسول الله‬
‫ي"‪ .‬فرّدوه عليه ‪ ،‬فقرأ عليه ‪:‬‬ ‫صلى الله عليه وسلم بصَره ثم قال ‪" :‬ردوه عل ّ‬
‫َ‬
‫ت‬‫سي َّئا ِ‬ ‫ت ي ُذ ْهِب ْ َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫سَنا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬
‫ل إِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ي الن َّهارِ وَُزل َ ً‬
‫فا ِ‬ ‫صلة َ ط ََرفَ ِ‬ ‫} وَأقِم ِ ال ّ‬
‫ن { فقال معاذ ‪ -‬وفي رواية عمر ‪ : -‬يا رسول الله ‪ ،‬أله‬ ‫ري َ‬ ‫ك ذِك َْرى ِلل ّ‬
‫ذاك ِ ِ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫وحده ‪ ،‬أم للناس كافة ؟ فقال ‪" :‬بل للناس كافة" )‪.(2‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن عبيد ‪ ،‬حدثنا أبان بن إسحاق ‪ ،‬عن الصباح‬
‫مداني ‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود قال ‪ :‬قال رسول‬ ‫مّرة الهَ ْ‬ ‫بن محمد ‪ ،‬عن ُ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن الله قسم بينكم أخلقكم )‪ (3‬كما قسم‬
‫بينكم أرزاقكم ‪ ،‬وإن الله يعطي )‪ (4‬الدنيا من يحب ومن ل يحب ‪ ،‬ول يعطي‬
‫الدين )‪ (5‬إل من أحب‪ .‬فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه ‪ ،‬والذي نفسي‬
‫بيده ‪ ،‬ل يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه ‪ ،‬ول يؤمن حتى يأمن جاره‬
‫بوائقه"‪ .‬قال ‪ :‬قلنا ‪ :‬وما بوائقه يا نبي الله )‪ (6‬؟ قال ‪" :‬غشه وظلمه ‪ ،‬ول‬
‫ب عبد مال حراما فينفق منه فيبارك له فيه ‪ ،‬ول يتصدق فيقبل منه ‪ ،‬ول‬ ‫س ُ‬ ‫يك ِ‬
‫يتركه خلف ظهره إل كان زاَده إلى النار ‪ ،‬إن الله ل يمحو السيئ بالسيئ ‪،‬‬
‫ولكنه يمحو السيئ بالحسن ‪ ،‬إن الخبيث ل يمحو الخبيث" )‪.(7‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو السائب ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن‬
‫إبراهيم قال ‪ :‬كان فلن ابن معتب رجل من النصار ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪،‬‬
‫ت منها ما ينال الرجل من أهله ‪ ،‬إل أني لم أجامعها فلم‬ ‫دخلت على امرأة فن ِل ْ ُ‬
‫يدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجيبه ‪ ،‬حتى نزلت هذه الية ‪:‬‬
‫َ‬
‫سي َّئا ِ‬
‫ت‬ ‫ت ي ُذ ْهِب ْ َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫سَنا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬
‫ل إِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ي الن َّهارِ وَُزل َ ً‬
‫فا ِ‬ ‫صلة َ ط ََرفَ ِ‬ ‫} وَأقِم ِ ال ّ‬
‫ن { )‪ (8‬فدعاه رسول الله ‪ ،‬فقرأها عليه )‪.(9‬‬ ‫ري َ‬ ‫ك ذِك َْرى ِلل ّ‬
‫ذاك ِ ِ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫وعن ابن عباس ‪ :‬أنه عمرو بن غَزِّية النصاري التمار‪ .‬وقال مقاتل ‪ :‬هو أبو‬
‫نفيل عامر بن قيس النصاري ‪ ،‬وذكر الخطيب البغدادي أنه أبو الَيسر ‪ :‬كعب‬
‫بن عمرو‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬رسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (1/445‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2763‬وسنن أبي داود برقم )‬
‫‪ (4468‬وسنن الترمذي برقم )‪ (3112‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‬
‫‪ (7323‬وتفسير الطبري )‪.(15/515‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬آجالكم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬معطى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الخرة"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬يا رسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪.(1/387‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أقم" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (9‬تفسير الطبري )‪.(15/519‬‬

‫) ‪(4/357‬‬

‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يونس وعفان قال حدثنا حماد ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن سلمة ‪-‬‬
‫مْهران ‪،‬‬ ‫عن علي بن زيد ‪ -‬قال عفان ‪ :‬أنبأنا علي بن زيد ‪ ،‬عن يوسف بن ٍ‬
‫عن ابن عباس ؛ أن رجل أتى عمر قال )‪ (1‬امرأة جاءت تبايعه ‪ ،‬فأدخلتها‬
‫مِغيبة في سبيل‬ ‫الدولج ‪ ،‬فأصبت منها ما دون الجماع ‪ ،‬فقال ‪ :‬ويحك‪ .‬لعلها ُ‬
‫الله ؟ قال ‪ :‬أجل‪ .‬قال ‪ :‬فائت أبا بكر فاسأله )‪ (2‬قال ‪ :‬فأتاه فسأله ‪،‬‬
‫مغيبة في سبيل الله ؟ فقال مثل قول عمر ‪ ،‬ثم أتى النبي صلى‬ ‫فقال ‪ :‬لعلها ُ‬
‫مغيبة في سبيل الله"‪.‬‬ ‫الله عليه وسلم فقال له مثل ذلك ‪ ،‬قال ‪" :‬فلعلها ُ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ي الن َّهارِ وَُزل َ ً‬ ‫َ‬
‫ت‬
‫سَنا ِ‬‫ح َ‬‫ن ال َ‬
‫ل إِ ّ‬
‫ن اللي ْ ِ‬
‫م َ‬‫فا ِ‬ ‫صلة َ ط ََرفَ ِ‬
‫ونزل القرآن ‪ } :‬وَأقِم ِ ال ّ‬
‫ت { )‪ (3‬إلى آخر الية ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ألي خاصة أم‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫ي ُذ ْهِب ْ َ‬
‫ن ال ّ‬
‫مة‬
‫للناس عامة ؟ فضرب ‪ -‬يعني ‪ :‬عمر ‪ -‬صدره )‪ (4‬بيده وقال ‪ :‬ل ول ُنع َ‬
‫عين ‪ ،‬بل للناس عامة‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬صدق‬
‫عمر" )‪.(5‬‬
‫وروى المام أبو جعفر بن جرير من حديث قيس بن الربيع ‪ ،‬عن عثمان بن‬
‫موهب ‪ ،‬عن موسى بن طلحة ‪ ،‬عن أبي اليسر كعب بن عمرو النصاري‬
‫قال ‪ :‬أتتني امرأة تبتاع مني بدرهم تمرا ‪ ،‬فقلت ‪ :‬إن في البيت تمرا أطيب‬
‫وأجود من هذا ‪ ،‬فدخلت ‪ ،‬فأهويت إليها فقبلتها ‪ ،‬فأتيت عمر فسألته ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫ن أحدا‪ .‬فلم أصبر حتى أتيت أبا بكر‬ ‫اتق الله ‪ ،‬واستر على نفسك ‪ ،‬ول تخبر ّ‬
‫ن أحدا‪ .‬قال ‪ :‬فلم‬ ‫فسألته ‪ ،‬فقال ‪ :‬اتق الله ‪ ،‬واستر على نفسك ‪ ،‬ول تخبر ّ‬
‫ت رجل‬ ‫َ‬
‫خلف َ‬ ‫أصبر حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فأخبرته ‪ ،‬فقال ‪" :‬أ َ‬
‫غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا ؟" حتى ظننت أني من أهل النار ‪،‬‬
‫حتى تمنيت أني أسلمت ساعتئذ‪ .‬فأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ساعة ‪ ،‬فنزل جبريل ‪ ،‬فقال ‪]" :‬أين[ )‪ (6‬أبو اليسر ؟"‪ .‬فجئت ‪ ،‬فقرأ علي ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬‫ذاك ِ ِ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬
‫ل { إلى } ذِك َْرى ِلل ّ‬ ‫م َ‬‫فا ِ‬‫ي الن َّهارِ وَُزل َ ً‬
‫صلة َ ط ََرفَ ِ‬
‫} وَأقِم ِ ال ّ‬
‫فقال إنسان ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أله خاصة أم للناس عامة ؟ قال )‪ِ " (7‬للّناس‬
‫عامة" )‪.(8‬‬
‫وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني ‪ :‬حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي‬
‫‪ ،‬حدثنا يوسف بن موسى ‪ ،‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن عبد الملك بن عمير ‪ ،‬عن عبد‬
‫الرحمن بن أبي ليلى ‪ ،‬عن معاذ بن جبل ؛ أنه كان قاعدا عند النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فجاءه رجل فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ما تقول في رجل أصاب من‬
‫امرأة ل تحل له ‪ ،‬فلم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته إل قد أصاب منها ‪،‬‬
‫غير أنه لم يجامعها ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬توضأ وضوءا‬
‫سنا ‪ ،‬ثم قم فصل" )‪ (9‬قال ‪ :‬فأنزل الله عز وجل هذه الية ‪ ،‬يعني قوله ‪:‬‬ ‫ح َ‬
‫َ‬
‫ل { فقال معاذ ‪ :‬أهي له خاصة أم‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن اللي ْ ِ‬ ‫م َ‬‫فا ِ‬‫ي الن َّهارِ وَُزل ً‬ ‫صلة َ طَرف ِ‬ ‫} وَأقِم ِ ال ّ‬
‫للمسلمين عامة ؟ قال ‪" :‬بل للمسلمين عامة"‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬فسله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أقم" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬عن صدره"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (1/245‬وعلى بن زيد ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (8‬تفسير الطبري )‪.(15/523‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬فصلى"‪.‬‬

‫) ‪(4/358‬‬

‫ورواه ابن جرير من طرق ‪ ،‬عن عبد الملك بن عمير ‪ ،‬به )‪.(1‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا محمد بن مسلم ‪ ،‬عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن يحيى‬
‫بن جعدة ؛ أن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذكر امرأة وهو‬
‫جالس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فاستأذنه لحاجة ‪ ،‬فأذن له ‪،‬‬
‫فذهب يطلبها فلم يجدها ‪ ،‬فأقبل الرجل يريد أن يبشر النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بالمطر ‪ ،‬فوجد المرأة جالسة على غدير ‪ ،‬فدفع في صدرها وجلس‬
‫دبة ‪ ،‬فقام نادما حتى أتى النبي صلى الله‬ ‫بين رجليها ‪ ،‬فصار ذكره مثل الهُ ْ‬
‫ل أربع ركعات"‪.‬‬ ‫عليه وسلم فأخبره بما صنع ‪ ،‬فقال له ‪" :‬استغفر ربك ‪ ،‬وص ّ‬
‫َ‬
‫ل { الية )‪.(2‬‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬
‫م َ‬ ‫ي الن َّهارِ وَُزل َ ً‬
‫فا ِ‬ ‫صلة َ ط ََرفَ ِ‬‫قال ‪ :‬وتل عليه ‪ } :‬وَأقِم ِ ال ّ‬
‫شّبويه ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني عبد الله بن أحمد بن َ‬
‫إبراهيم ‪ ،‬حدثني عمرو بن الحارث حدثني عبد الله بن سالم ‪ ،‬عن الزبيدي ‪،‬‬
‫عن سليم بن عامر ؛ أنه سمع أبا أمامة يقول ‪ :‬إن رجل أتى النبي صلى الله‬
‫ي حد الله ‪ -‬مرة أو ثن ِْتين ‪ -‬فأعرض‬ ‫عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أقم ف ّ‬
‫عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ثم أقيمت الصلة ‪ ،‬فلما فرغ النبي‬
‫ي حد‬ ‫صلى الله عليه وسلم من الصلة قال ‪" :‬أين هذا الرجل القائل ‪ :‬أقم ف ّ‬
‫الله ؟" قال ‪ :‬أنا ذا ‪ :‬قال ‪" :‬أتممت الوضوء وصليت معنا آنفا ؟" قال ‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال ‪" :‬فإنك من خطيئتك كما ولدتك أمك ‪ ،‬ول تعد"‪ .‬وأنزل الله على رسول‬
‫َ‬
‫ن الل ّي ْ ِ‬
‫ل‬ ‫م َ‬
‫فا ِ‬ ‫ي الن َّهارِ وَُزل َ ً‬
‫صلة َ ط ََرفَ ِ‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم )‪ } : (3‬وَأقِم ِ ال ّ‬
‫ن { )‪.(4‬‬ ‫ري َ‬ ‫ك ذِك َْرى ِلل ّ‬
‫ذاك ِ ِ‬ ‫ت ذ َل ِ َ‬ ‫سي َّئا ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ت ي ُذ ْهِب ْ َ‬‫سَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫إِ ّ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬أنبأنا علي بن زيد ‪،‬‬
‫عن أبي عثمان قال ‪ :‬كنت مع سلمان الفارسي تحت شجرة ‪ ،‬فأخذ منها‬
‫ت ورقة )‪ ، (5‬ثم قال ‪ :‬يا أبا عثمان ‪ ،‬أل تسألني‬ ‫صنا يابسا فهّزه حتى تحا ّ‬ ‫غُ ْ‬
‫لم أفعل هذا ؟ فقلت ‪ :‬لم تفعله )‪ (6‬؟ قال ‪ :‬هكذا فعل بي رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وأنا معه تحت شجرة ‪ ،‬فأخذ منها يابسا فهزه حتى تحات‬
‫ورقة ‪ ،‬فقال ‪" :‬يا سلمان ‪ ،‬أل تسألني ‪ :‬لم أفعل هذا ؟"‪ .‬قلت ‪ :‬ولم تفعله ؟‬
‫فقال ‪" :‬إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء ‪ ،‬ثم صلى الصلوات الخمس ‪،‬‬
‫َ‬
‫صلة َ ط ََرفَ ِ‬
‫ي‬ ‫تحاتت خطاياه كما يتحات )‪ (7‬هذا الورق‪ .‬وقال ‪ } :‬وَأقِم ِ ال ّ‬
‫ن{)‬ ‫ري َ‬ ‫ك ذِك َْرى ِلل ّ‬
‫ذاك ِ ِ‬ ‫ت ذ َل ِ َ‬
‫سي َّئا ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ت ي ُذ ْهِب ْ َ‬
‫سَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬
‫ل إِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫فا ِ‬‫الن َّهارِ وَُزل َ ً‬
‫‪(9) (8‬‬
‫كيع ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن حبيب بن أبي ثابت ‪ ،‬عن‬ ‫َ ِ‬ ‫و‬ ‫حدثنا‬ ‫‪:‬‬ ‫أحمد‬ ‫المام‬ ‫وقال‬
‫ميمون بن أبي‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن الدارقطني )‪ (1/134‬وتفسير الطبري )‪ (522 - 15/520‬ورواه‬
‫الترمذي في السنن برقم )‪ (3113‬من طريق عبد الملك بن عمير به ‪ ،‬وقال‬
‫الترمذي ‪" :‬هذا حديث ليس إسناده بمتصل ‪ ،‬عبد الله بن أبي ليلى لم يسمع‬
‫من معاذ ‪ ،‬وروى شعبة هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير ‪ ،‬عن عبد‬
‫الرحمن بن أبي ليلى ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬مرسل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير عبد الرزاق )‪.(1/274‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬على رسوله"‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪ (15/521‬ورواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (2765‬من‬
‫طريق شداد بن عبد الله ‪ ،‬عن أبي أمامة بنحوه‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ورقه"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬قلت ولم يفعله"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬يتحاتت"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬أقم" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (9‬المسند )‪.(5/437‬‬

‫) ‪(4/359‬‬

‫ض إ ِّل‬ ‫َْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫قرون من قَبل ِك ُ ُ‬


‫سادِ ِفي الْر ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫م أوُلو ب َ ِ‬
‫قي ّةٍ ي َن ْهَوْ َ‬ ‫ن ال ْ ُ ُ ِ ِ ْ ْ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬‫كا َ‬ ‫فَل َوَْل َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن)‬‫مي َ‬
‫جرِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ما أت ْرُِفوا ِفيهِ وَ َ‬
‫كاُنوا ُ‬ ‫موا َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫م َوات ّب َعَ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫جي َْنا ِ‬
‫ن أن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬‫قَِليًل ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪(117‬‬ ‫حو َ‬ ‫صل ِ ُ‬
‫م ْ‬‫قَرى ب ِظ ُل ْم ٍ وَأهْل َُها ُ‬ ‫ك ال ْ ُ‬‫ك ل ِي ُهْل ِ َ‬
‫ن َرب ّ َ‬‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫‪ (116‬وَ َ‬

‫شبيب ‪ ،‬عن معاذ ‪ ،‬رضي الله عنه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‬
‫له ‪" :‬يا معاذ ‪ ،‬أتبع السيئة الحسنة تمحها ‪ ،‬وخالق الناس بخلق حسن" )‪.(1‬‬
‫كيع ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن حبيب ‪،‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬حدثنا وَ ِ‬
‫عن ميمون بن أبي شبيب ‪ ،‬عن أبي ذر ؛ أن رسول )‪ (2‬الله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬اتق الله حيثما كنت ‪ ،‬وأتبع السيئة الحسنة تمحها ‪ ،‬وخالق‬
‫الناس بخلق حسن" )‪.(3‬‬
‫مر بن عطية ‪ ،‬عن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫عن‬ ‫‪،‬‬ ‫العمش‬ ‫حدثنا‬ ‫‪،‬‬ ‫معاوية‬ ‫وقال أحمد ‪ :‬حدثنا أبو‬
‫أشياخه ‪ ،‬عن أبي ذر قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أوصني‪ .‬قال ‪" :‬إذا عملت‬
‫سيئة فأتبعها حسنة تمحها"‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أمن الحسنات ‪ :‬ل‬
‫إله إل الله ؟ قال ‪" :‬هي أفضل الحسنات" )‪.(4‬‬
‫ماني ‪ ،‬حدثنا‬ ‫ج ّ‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ :‬حدثنا هذيل بن إبراهيم ال ُ‬
‫عثمان بن عبد الرحمن الزهري ‪ ،‬من ولد سعد بن أبي وقاص ‪ ،‬عن الزهري ‪،‬‬
‫عن أنس بن مالك قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما قال‬
‫عَْبد ‪ :‬ل إله إل الله ‪ ،‬في ساعة من ليل أو نهار ‪ ،‬إل ط ََلست ما في الصحيفة‬
‫من السيئات ‪ ،‬حتى تسكن إلى مثلها من الحسنات" )‪.(5‬‬
‫عثمان بن عبد الرحمن ‪ ،‬يقال له ‪ :‬الوقاصي‪ .‬فيه ضعف‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا بشر بن آدم وزيد بن أخرم قال حدثنا‬
‫خَلد ‪ ،‬حدثنا مستور بن عباد ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس ؛ أن رجل‬ ‫م ْ‬ ‫الضحاك بن َ‬
‫قال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ما تركت من حاجة ول داجة ‪ ،‬فقال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬تشهد أن ل إله إل الله وأني رسول الله ؟"‪ .‬قال ‪ :‬بلى‪.‬‬
‫قال ‪" :‬فإن هذا يأتي على ذلك" )‪.(6‬‬
‫تفرد به من هذا الوجه مستور‪.‬‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ض ِإل‬
‫سادِ ِفي الْر ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫م أوُلو ب َ ِ‬
‫قي ّةٍ ي َن ْهَوْ َ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫قُرو ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬‫ول َ‬ ‫} فَل َ ْ‬
‫ما أت ْرُِفوا ِفيهِ وَ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن)‬‫مي َ‬
‫جرِ ِ‬
‫م ْ‬
‫كاُنوا ُ‬ ‫موا َ‬ ‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َوات ّب َعَ ال ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫جي َْنا ِ‬ ‫ن أن ْ َ‬‫م ْ‬ ‫قَِليل ِ‬
‫م ّ‬
‫ن )‪{ (117‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ك ل ِي ُهْل ِ َ‬‫ن َرب ّ َ‬ ‫ما َ‬
‫حو َ‬ ‫صل ِ ُ‬
‫م ْ‬‫قَرى ب ِظلم ٍ وَأهْلَها ُ‬ ‫ك ال ُ‬ ‫كا َ‬ ‫‪ (116‬وَ َ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬فهل وجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير ‪ ،‬ينهون عما‬
‫كان يقع بينهم من‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪.(5/228‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أن النبي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(5/153‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪.(5/169‬‬
‫)‪ (5‬مسند أبي يعلى )‪ (6/204‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (10/82‬فيه‬
‫عثمان بن عبد الرحمن الزهري ‪ ،‬وهو متروك"‪.‬‬
‫)‪ (6‬مسند البزار برقم )‪" (3067‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع )‬
‫‪" : (10/83‬رجاله ثقات"‪.‬‬

‫) ‪(4/360‬‬

‫الشرور والمنكرات والفساد في الرض‪.‬‬


‫وقوله ‪ِ } :‬إل قَِليل { أي ‪ :‬قد وجد منهم من هذا الضرب قليل ‪ ،‬لم يكونوا‬
‫قمه ؛ ولهذا أمر‬ ‫كثيرا ‪ ،‬وهم الذين أنجاهم الله عند حلول ِغَيره ‪ ،‬وفجأة ن ِ َ‬
‫تعالى هذه المة الشريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن‬
‫ْ‬ ‫المنكر ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ول ْتك ُن منك ُ ُ‬
‫ن‬
‫مُرو َ‬ ‫ن إ َِلى ال ْ َ‬
‫خي ْرِ وَي َأ ُ‬ ‫عو َ‬‫ة ي َد ْ ُ‬‫م ٌ‬ ‫مأ ّ‬‫َ َ ْ ِ ْ ْ‬
‫ن { ]آل عمران ‪.[104 :‬‬ ‫حو َ‬‫فل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫م ال ُ‬ ‫من ْك َرِ وَُأول َئ ِ َ‬
‫ك هُ ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫ن عَ ِ‬
‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫معُْرو ِ‬
‫مُهم الله‬‫وفي الحديث ‪" :‬إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغّيروه ‪ ،‬أوشك أن ي َعُ ّ‬
‫قرون من قَبل ِك ُ ُ‬
‫م أوُلو ب َ ِ‬
‫قي ّةٍ‬ ‫ن ال ْ ُ ُ ِ ِ ْ ْ ْ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬‫كا َ‬‫ول َ‬‫بعقاب" ؛ ولهذا قال تعالى ‪ } :‬فَل َ ْ‬
‫َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م {‪.‬‬‫من ْهُ ْ‬
‫جي َْنا ِ‬
‫ن أن ْ َ‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬‫ض ِإل قَِليل ِ‬ ‫سادِ ِفي الْر ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ي َن ْهَوْ َ‬
‫ما أت ْرِفوا ِفيهِ { أي ‪ :‬استمروا على ما هم فيه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫موا َ‬ ‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وات ّب َعَ ال ِ‬
‫جأهم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫حتى‬ ‫‪،‬‬ ‫أولئك‬ ‫إنكار‬ ‫إلى‬ ‫يلتفتوا‬ ‫ولم‬ ‫‪،‬‬ ‫والمنكرات‬ ‫من المعاصي‬
‫ن {‪.‬‬‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كاُنوا ُ‬ ‫ب ‪ } ،‬وَ َ‬ ‫العذا ُ‬
‫ثم أخبر تعالى أنه لم يهلك قرية إل وهي ظالمة ]لنفسها[ )‪ (1‬ولم يأت قرية‬
‫ما‬
‫مصلحة بأسه وعذابه قط حتى يكونوا هم الظالمين ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ك ب ِظلم ٍ‬ ‫ما َرب ّ َ‬ ‫م { ] هود ‪ ، [101 :‬وقال } وَ َ‬ ‫سهُ ْ‬
‫ف َ‬ ‫موا أ َن ْ ُ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬
‫م وَل َك ِ ْ‬ ‫ظ َل َ ْ‬
‫مَناهُ ْ‬
‫ل ِل ْعَِبيد ِ { ]فصلت ‪.[46 :‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/361‬‬

‫ُ‬
‫م‬
‫ح َ‬
‫ن َر ِ‬‫م ْ‬ ‫ن )‪ (118‬إ ِّل َ‬ ‫في َ‬ ‫خت َل ِ ِ‬‫م ْ‬‫ن ُ‬‫حد َة ً وََل ي ََزاُلو َ‬‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬‫سأ ّ‬ ‫ل الّنا َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫شاَء َرب ّ َ‬ ‫وَل َوْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫مِعي َ‬‫ج َ‬‫سأ ْ‬ ‫ن ال ْ ِ‬
‫جن ّةِ َوالّنا ِ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬‫جهَن ّ َ‬
‫ن َ‬ ‫مَل ّ‬‫ك َل ْ‬ ‫ة َرب ّ َ‬
‫م ُ‬‫ت ك َل ِ َ‬‫م ْ‬
‫م وَت َ ّ‬‫قهُ ْ‬‫خل َ َ‬
‫ك َ‬ ‫ك وَل ِذ َل ِ َ‬
‫َرب ّ َ‬
‫‪(119‬‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ن )‪ِ (118‬إل َ‬ ‫في َ‬ ‫خت َل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫حد َة ً َول ي ََزاُلو َ‬‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬‫سأ ّ‬ ‫ل الّنا َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫شاَء َرب ّ َ‬ ‫} وَل َوْ َ‬
‫س‬ ‫ن ال ْ ِ‬
‫جن ّةِ َوالّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫جهَن ّ َ‬‫ن َ‬‫مل ّ‬ ‫كل ْ‬ ‫ة َرب ّ َ‬‫م ُ‬‫ت ك َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَت َ ّ‬ ‫قهُ ْ‬‫خل َ َ‬
‫ك َ‬ ‫ك وَل ِذ َل ِ َ‬
‫م َرب ّ َ‬ ‫ح َ‬ ‫َر ِ‬
‫ن )‪{ (119‬‬ ‫َ‬
‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬‫أ ْ‬
‫يخبر تعالى أنه قادر على جعل الناس ك ُّلهم أمة واحدة ‪ ،‬من إيمان أو كفران‬
‫ميًعا {‬ ‫ج ِ‬ ‫ض ك ُل ّهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬
‫م َ‬‫كل َ‬ ‫شاَء َرب ّ َ‬ ‫)‪ (1‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَل َوْ َ‬
‫]يونس ‪.[99 :‬‬
‫ف بين‬‫ُ ُ‬‫ْ‬ ‫ل‬‫خ‬ ‫ال‬ ‫يزال‬ ‫ول‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ب‬‫ر‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫إل‬
‫َ ُ ْ َِ ِ َ ِ َ ْ َ ِ َ َ ّ‬ ‫ن‬ ‫في‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫خ‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫زا‬ ‫وقوله ‪َ } :‬ول َ َ‬
‫ي‬
‫الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم‪.‬‬
‫ن { في الهدى )‪ .(3‬وقال الحسن البصري ‪:‬‬ ‫في َ‬ ‫خت َل ِ ِ‬
‫م ْ‬‫قال )‪ (2‬عكرمة ‪ُ } :‬‬
‫خر بعضهم بعضا ‪ ،‬والمشهوُر الصحيح الول‪.‬‬ ‫ن { في الرزق ‪ُ ،‬يس ّ‬ ‫في َ‬‫خت َل ِ ِ‬
‫م ْ‬‫} ُ‬
‫ك { أي ‪ :‬إل المرحومين من أتباع الرسل ‪ ،‬الذين‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫ح َ‬‫ن َر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ِ } :‬إل َ‬
‫تمسكوا بما أمروا به من الدين )‪ .(4‬أخبرتهم به رسل الله إليهم ‪ ،‬ولم يزل‬
‫ذلك دأبهم ‪ ،‬حتى كان النبي صلى الله عليه وسلم المي خاتم الرسل‬
‫والنبياء ‪ ،‬فاتبعوه وصدقوه ‪ ،‬ونصروه ووازروه ‪ ،‬ففازوا بسعادة الدنيا والخرة‬
‫؛ لنهم الفرقة الناجية ‪ ،‬كما جاء في الحديث المروي في المسانيد والسنن ‪،‬‬
‫من طرق يشد بعضها بعضا ‪" :‬إن اليهود افترقت على‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وكفران"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الهوى"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬الذي" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬الذين"‪.‬‬

‫) ‪(4/361‬‬
‫إحدى )‪ (1‬وسبعين فرقة ‪ ،‬وإن النصارى افترقوا على ثنتين وسبعين فرقة ‪،‬‬
‫وستفترق أمتي )‪ (2‬على ثلث وسبعين فرقة ‪ ،‬كلها في النار إل فرقة‬
‫واحدة"‪ .‬قالوا ‪ :‬ومن هم يا رسول الله ؟ قال ‪" :‬ما أنا عليه وأصحابي"‪.‬‬
‫رواه الحاكم في مستدركه بهذه الزيادة )‪(3‬‬
‫ن { يعني ‪ :‬اليهود والنصارى والمجوس‬ ‫في َ‬ ‫خت َل ِ ِ‬
‫م ْ‬‫ن ُ‬‫وقال عطاء ‪َ } :‬ول ي ََزاُلو َ‬
‫ك { يعني ‪ :‬الحَنيفّية‪.‬‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫م ْ‬‫} ِإل َ‬
‫ل رحمة الله أهل الجماعة ‪ ،‬وإن تفرقت ديارهم وأبدانهم ‪،‬‬ ‫وقال قتادة ‪ :‬أه ُ‬
‫وأهل معصيته أهل فرقة ‪ ،‬وإن اجتمعت ديارهم وأبدانهم‪.‬‬
‫م { قال الحسن البصري ‪ -‬في رواية عنه ‪: -‬‬ ‫خل َ َ‬
‫قهُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل ِذ َل ِ َ‬
‫خَلقهم‪.‬‬ ‫وللختلف َ‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬خلقهم فريقين ‪ ،‬كقوله ‪:‬‬
‫سِعيد ٌ { ]هود ‪.[105 :‬‬ ‫ي وَ َ‬ ‫ق ّ‬ ‫ش ِ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫} فَ ِ‬
‫وقيل ‪ :‬للرحمة خلقهم‪ .‬قال ابن وهب ‪ :‬أخبرني مسلم بن خالد ‪ ،‬عن ابن أبي‬
‫جيح ‪ ،‬عن طاوس ؛ أن رجلين اختصما إليه فأكثرا )‪ (4‬فقال طاوس ‪:‬‬ ‫نَ ِ‬
‫اختلفتما فأكثرتما )‪ ! (5‬فقال أحد الرجلين ‪ :‬لذلك خلقنا‪ .‬فقال طاوس ‪:‬‬
‫ك‬‫م َرب ّ َ‬‫ح َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِإل َ‬ ‫في َ‬ ‫خت َل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫كذبت‪ .‬فقال ‪ :‬أليس الله يقول ‪َ } :‬ول ي ََزاُلو َ‬
‫ن ُ‬
‫م { قال ‪ :‬لم يخلقهم ليختلفوا ‪ ،‬ولكن خلقهم للجماعة والرحمة‪.‬‬ ‫قهُ ْ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ك َ‬ ‫وَل ِذ َل ِ َ‬
‫رمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬للرحمة خلقهم‬ ‫عك ْ ِ‬ ‫كما قال الحكم بن أبان ‪ ،‬عن ِ‬
‫ولم يخلقهم للعذاب‪ .‬وكذا قال مجاهد والضحاك وقتادة‪ .‬ويرجع معنى هذا‬
‫ن { ]الذاريات ‪:‬‬ ‫دو ِ‬ ‫س ِإل ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ن َوالن ْ َ‬ ‫ت ال ْ ِ‬
‫ج ّ‬ ‫ق ُ‬‫خل َ ْ‬‫ما َ‬ ‫القول إلى قوله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫‪.[56‬‬
‫وقيل ‪ :‬بل المراد ‪ :‬وللرحمة والختلف خلقهم ‪ ،‬كما قال الحسن البصري في‬
‫م{‬ ‫خل َ َ‬
‫قهُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ك وَل ِذ َل ِ َ‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِإل َ‬‫في َ‬‫خت َل ِ ِ‬
‫م ْ‬‫ن ُ‬ ‫رواية عنه في قوله ‪َ } :‬ول ي ََزاُلو َ‬
‫ك { فمن رحم‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قال ‪ :‬الناس مختلفون على أديان شتى ‪ِ } ،‬إل َ‬
‫ربك غير مختلف‪ .‬قيل له ‪ :‬فلذلك خلقهم ؟ ]قال[ )‪ (6‬خلق هؤلء لجنته ‪،‬‬
‫وخلق هؤلء لناره ‪ ،‬وخلق هؤلء لرحمته ‪ ،‬وخلق هؤلء لعذابه‪.‬‬
‫وكذا )‪ (7‬قال عطاء بن أبي َرَباح ‪ ،‬والعمش‪.‬‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ن ِإل َ‬ ‫في َ‬ ‫خت َل ِ ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ُ‬ ‫ُ‬
‫هب ‪ :‬سألت مالكا عن قوله تعالى ‪َ } :‬ول ي ََزالو َ‬ ‫وقال ابن وَ ْ‬
‫م { قال ‪ :‬فريق في الجنة وفريق في السعير‪.‬‬ ‫قهُ ْ‬ ‫َ‬
‫خل َ‬ ‫َ‬
‫ك وَل ِذ َل ِك َ‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫ح َ‬ ‫َر ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬اثنين"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬هذه المة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬سبق تخريجه عند تفسير الية ‪ 93 :‬من سورة يونس‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬فأكثروا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬وأكثرتما"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬وكذلك"‪.‬‬

‫) ‪(4/362‬‬

‫كم َ‬
‫حقّ‬ ‫ك ِفي هَذِهِ ال ْ َ‬ ‫جاَء َ‬‫ك وَ َ‬‫ؤاد َ َ‬ ‫ت ب ِهِ فُ َ‬ ‫ما ن ُث َب ّ ُ‬
‫ل َ‬‫س ِ‬
‫ن أن َْباِء الّر ُ‬ ‫ص عَل َي ْ َ ِ ْ‬ ‫ق ّ‬ ‫وَك ُّل ن َ ُ‬
‫كان َت ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫مُلوا عََلى َ‬ ‫ن اع ْ َ‬‫مُنو َ‬‫ن َل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬‫ل ل ِل ّ ِ‬‫ن )‪ (120‬وَقُ ْ‬ ‫مؤْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ة وَذِك َْرى ل ِل ْ ُ‬
‫عظ َ ٌ‬ ‫مو ْ ِ‬‫وَ َ‬
‫ن )‪(122‬‬ ‫من ْت َظ ُِرو َ‬ ‫ن )‪َ (121‬وان ْت َظ ُِروا إ ِّنا ُ‬ ‫ملو َ‬‫ُ‬ ‫عا ِ‬ ‫إ ِّنا َ‬
‫وقد اختار هذا القول ابن جرير ‪ ،‬وأبو عبيدة )‪ (1‬والفراء‪.‬‬
‫م { قال ‪ :‬للرحمة ‪،‬‬ ‫قهُ ْ‬ ‫خل َ َ‬‫ك َ‬ ‫وعن مالك فيما رويناه عنه في التفسير ‪ } :‬وَل ِذ َل ِ َ‬
‫وقال قوم ‪ :‬للختلف‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن { يخبر‬ ‫عي‬ ‫م‬‫ج‬ ‫أ‬ ‫س‬
‫ِ ّ ِ َ ّ ِ ْ َ ِ َ‬ ‫نا‬ ‫وال‬ ‫ة‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ن‬
‫ْ ّ َ َ ّ َ ِ َ‬‫ه‬‫ج‬ ‫ن‬ ‫مل‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫م ُ َ ّ‬
‫ب‬ ‫ر‬ ‫ة‬ ‫ت ك َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَت َ ّ‬
‫تعالى أنه قد سبق في قضائه وقدره ‪ ،‬لعلمه التام وحكمته النافذة ‪ ،‬أن ممن‬
‫)‪ (2‬خلقه من يستحق الجنة ‪ ،‬ومنهم من يستحق النار ‪ ،‬وأنه ل بد أن يمل‬
‫جهنم من هذين الثقلين الجن والنس ‪ ،‬وله الحجة البالغة والحكمة التامة‪.‬‬
‫وفي الصحيحين عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬اختصمت الجنة والنار ‪ ،‬فقالت الجنة ‪ :‬ما لي ل‬
‫طهم ؟ وقالت النار ‪ :‬أوثرت بالمتكبرين‬ ‫سق ُ‬ ‫ة الناس و َ‬ ‫ف ُ‬‫ضعَ َ‬ ‫يدخلني إل َ‬
‫والمتجبرين‪ .‬فقال الله عز وجل للجنة ‪ ،‬أنت رحمتي أرحم بك من أشاء‪.‬‬
‫وقال للنار ‪ :‬أنت عذابي ‪ ،‬أنتقم بك ممن أشاء ‪ ،‬ولكل واحدة منكما ملؤها‪.‬‬
‫فأما الجنة فل يزال فيها فضل ‪ ،‬حتى ينشئ الله لها خلقا يسكن فضل الجنة ‪،‬‬
‫ب العزة َقدمه ‪،‬‬ ‫وأما النار فل تزال تقول ‪ :‬هل من مزيد ؟ حتى يضع عليه ر ّ‬
‫ط قط ‪ ،‬وعزتك" )‪.(3‬‬ ‫فتقول ‪ :‬قَ ْ‬
‫َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ك ِفي هَذِهِ ال ْ َ‬ ‫جاَء َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ؤاد َ َ‬‫ت ب ِهِ فُ َ‬ ‫ما ن ُث َب ّ ُ‬
‫ل َ‬‫س ِ‬
‫ن أن َْباِء الّر ُ‬ ‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫ص عَل َي ْ َ‬ ‫ق ّ‬ ‫كل ن َ ُ‬ ‫} وَ ُ‬
‫ن )‪{ (120‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ة وَذِك َْرى ل ِل ْ ُ‬ ‫عظ َ ٌ‬ ‫مو ْ ِ‬
‫وَ َ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬وكل أخبار نقصها عليك ‪ ،‬من أنباء الرسل المتقدمين قبلك مع‬
‫أممهم ‪ ،‬وكيف جرى لهم من المحاجات والخصومات ‪ ،‬وما احتمله النبياء من‬
‫التكذيب والذى ‪ ،‬وكيف نصر الله حزبه المؤمنين وخذل أعداءه الكافرين ‪-‬‬
‫كل هذا مما نثبت به فؤادك ‪ -‬يا محمد ‪ -‬أي ‪ :‬قلبك ‪ ،‬ليكون لك بمن مضى‬
‫ة‪.‬‬
‫سو ً‬ ‫من إخوانك من المرسلين أ ْ‬
‫حقّ { أي ‪] :‬في[ )‪ (4‬هذه السورة‪ .‬قاله ابن‬ ‫ك ِفي هَذِهِ ال ْ َ‬ ‫جاَء َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وجماعة من السلف‪ .‬وعن الحسن ‪ -‬في رواية عنه ‪-‬‬
‫وقتادة ‪ :‬في هذه الدنيا‪.‬‬
‫جاهم )‪(5‬‬ ‫والصحيح ‪ :‬في هذه السورة المشتملة على قصص النبياء وكيف ن َ ّ‬
‫ص حق ‪ ،‬ونبأ صدق ‪،‬‬ ‫ص ُ‬ ‫الله والمؤمنين بهم ‪ ،‬وأهلك الكافرين ‪ ،‬جاءك فيها قَ َ‬
‫وموعظة يرتدع بها الكافرون ‪ ،‬وذكرى يتوقر )‪ (6‬بها المؤمنون‪.‬‬
‫ن )‪َ (121‬وان ْت َظ ُِروا إ ِّنا‬ ‫مُلو َ‬ ‫عا ِ‬‫م إ ِّنا َ‬ ‫كان َت ِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫مُلوا عََلى َ‬ ‫ن اع ْ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬‫ل ل ِل ّ ِ‬ ‫} وَقُ ْ‬
‫ن )‪{ (122‬‬ ‫من ْت َظ ُِرو َ‬ ‫ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وأبو عبيد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (7449‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2846‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أنجاهم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يتذكر"‪.‬‬

‫) ‪(4/363‬‬

‫َ‬ ‫َْ‬
‫ل عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫ما‬ ‫مُر ك ُل ّ ُ‬
‫ه َفاعْب ُد ْه ُ وَت َوَك ّ ْ‬ ‫جعُ اْل ْ‬
‫ض وَإ ِل َي ْهِ ي ُْر َ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ب ال ّ‬‫وَل ِل ّهِ غَي ْ ُ‬
‫ن )‪(123‬‬ ‫مُلو َ‬
‫ما ت َعْ َ‬‫ل عَ ّ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫ك ب َِغافِ ٍ‬
‫يقول تعالى آمرا رسوله أن يقول للذين ل يؤمنون بما جاء به من ربه على‬
‫م { أي ‪ :‬على طريقتكم ومنهجكم ‪ } ،‬إ ِّنا‬ ‫كان َت ِك ُ ْ‬‫م َ‬ ‫مُلوا عََلى َ‬ ‫وجه التهديد ‪ } :‬اعْ َ‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫من ْت َظ ُِرو َ‬ ‫ن { أي ‪ :‬على طريقتنا ومنهجنا ‪َ } ،‬وان ْت َظ ُِروا إ ِّنا ُ‬ ‫مُلو َ‬ ‫عا ِ‬
‫َ‬
‫فستعلمون من تكون له عاقبة الدار ‪ ،‬إنه ل يفلح الظالمون‪.‬‬
‫وقد أنجز الله لرسوله وعده ‪ ،‬ونصره وأيده ‪ ،‬وجعل كلمته هي العليا ‪ ،‬وكلمة‬
‫الذين كفروا السفلى ‪ ،‬والله عزيز حكيم‪.‬‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫ل عَلي ْهِ وَ َ‬‫ه َفاعْب ُد ْه ُ وَت َوَك ّ ْ‬ ‫ّ‬
‫مُر ك ُل ُ‬
‫جعُ ال ْ‬ ‫ض وَإ ِل َي ْهِ ي ُْر َ‬ ‫} وَل ِل ّهِ غَي ْ ُ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬
‫ن )‪{ (123‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬‫ل عَ ّ‬ ‫ك ب َِغافِ ٍ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫يخبر تعالى أنه عالم غيب السموات والرض ‪ ،‬وأنه إليه المرجع والمآب ‪،‬‬
‫َوسي ُوَّفى كل عامل عمله يوم الحساب ‪ ،‬فله الخلق والمر‪ .‬فأمر تعالى‬
‫بعبادته والتوكل عليه ؛ فإنه كاف من توكل عليه وأناب إليه‪.‬‬
‫ن { )‪ (1‬أي ‪ :‬ليس يخفى عليه ما عليه‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬‫ل عَ ّ‬‫ك ب َِغافِ ٍ‬ ‫ما َرب ّ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫مكذبوك يا محمد ‪ ،‬بل هو عليم بأحوالهم وأقوالهم وسيجزيهم على ذلك أتم‬
‫الجزاء في الدنيا والخرة ‪ ،‬وسينصرك وحزبك عليهم في الدارين‪ .‬وقال ابن‬
‫كيع ‪ ،‬حدثنا زيد بن الحباب ‪ ،‬عن جعفر بن سليمان ‪ ،‬عن‬ ‫جرير ‪ :‬حدثنا ابن وَ ِ‬
‫وني ‪ ،‬عن عبد الله بن رباح ‪ ،‬عن كعب )‪ (2‬قال ‪ :‬خاتمة‬ ‫ج ْ‬‫أبي عمران ال َ‬
‫"التوراة" خاتمة "هود" ]والله أعلم[ )‪ (3‬تم تفسير سورة هود‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬يعملون"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬كعب الحبار"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(4/364‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫الر ت ِل ْ َ َ‬


‫قُلو َ‬
‫ن )‪(2‬‬ ‫ن )‪ (1‬إ ِّنا أن َْزل َْناه ُ قُْرآًنا عََرب ِّيا ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م ت َعْ ِ‬ ‫مِبي ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬‫ت ال ْك َِتا ِ‬ ‫ك آَيا ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ك ُن ْ َ‬
‫ت ِ‬ ‫ن وَإ ِ ْ‬‫قْرآ َ َ‬‫ذا ال ْ ُ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫ك هَ َ‬ ‫ما أوْ َ‬‫ص بِ َ‬‫ص ِ‬
‫ق َ‬‫ن ال ْ َ‬‫س َ‬ ‫ح َ‬‫كأ ْ‬ ‫ص عَل َي ْ َ‬‫ق ّ‬ ‫ن نَ ُ‬
‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫ن )‪(3‬‬ ‫ْ‬
‫ن الَغافِِلي َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫قَب ْل ِهِ ل ِ‬

‫تفسير سورة يوسف‬


‫]وهي مكية[ )‪(1‬‬
‫سلم بن سليم ‪ -‬ويقال ‪ :‬سليم ‪ -‬المدائني ‪،‬‬ ‫روى الثعلبي وغيره ‪ ،‬من طريق َ‬
‫ص على جهالته أبو حاتم ‪ -‬عن زيد‬ ‫وهو متروك ‪ ،‬عن هارون بن كثير ‪ -‬وقد ن ّ‬
‫بن أسلم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي أمامة ‪ ،‬عن أبي بن كعب قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬علموا أرقاءكم سورة يوسف ‪ ،‬فإنه أيما مسلم‬
‫ون الله عليه سكرات الموت‬ ‫تلها ‪ ،‬أو علمها أهله ‪ ،‬أو ما )‪ (2‬ملكت يمينه ‪ ،‬هَ ّ‬
‫‪ ،‬وأعطاه من القوة أل يحسد مسلما " )‪.(3‬‬
‫وهذا من هذا الوجه ل يصح ‪ ،‬لضعف إسناده بالكلية‪ .‬وقد ساقه له )‪(4‬‬
‫الحافظ ابن عساكر متابعا من طريق القاسم بن الحكم ‪ ،‬عن هارون بن كثير‬
‫شَبابة ‪ ،‬عن مخلد بن عبد الواحد البصري )‪ (5‬عن علي بن‬ ‫‪ ،‬به ‪ -‬ومن طريق َ‬
‫ُ‬
‫حَبيش ‪ ،‬عن أبي بن‬ ‫زيد بن جدعان ‪ -‬وعن عطاء بن أبي ميمونة ‪ ،‬عن زر بن ُ‬
‫كعب ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فذكر نحوه )‪ (6‬وهو منكر من سائر‬
‫طرقه‪.‬‬
‫وروى البيهقي في " الدلئل " أن طائفة من اليهود حين سمعوا رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يتلو هذه السورة أسلموا لموافقتها ما عندهم‪ .‬وهو من‬
‫رواية الكلبي ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن ابن عباس‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫ن )‪(2‬‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫يا‬ ‫ب‬ ‫ر‬‫ع‬ ‫نا‬‫رآ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫أنز‬‫َ‬ ‫نا‬ ‫إ‬ ‫(‬ ‫‪1‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫ت ال ْك َِتا ِ ْ‬ ‫} الر ت ِل ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ ُ ْ ً َ َ ِّ َ ْ َْ ِ‬
‫َ‬
‫ِّ‬ ‫ب ال ُ ِ ِ‬
‫بي‬ ‫م‬
‫َ‬
‫ك آَيا ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن ك ُن ْ َ‬‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫ك هَ َ‬ ‫ما أوْ َ‬ ‫ص بِ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫س َ‬‫ح َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ص عَل َي ْ َ‬ ‫ق ّ‬ ‫ن نَ ُ‬‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫ن )‪{ (3‬‬ ‫ن ال َْغافِِلي َ‬ ‫قَب ْل ِهِ ل َ ِ‬
‫م َ‬
‫أما الكلم على الحروف المقطعة فقد تقدم في أول سورة "البقرة"‪.‬‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ت ال ْك َِتا ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ت ِل ْ َ‬
‫مِبي ِ‬
‫ب { أي ‪ :‬هذه آيات الكتاب ‪ ،‬وهو القرآن ‪ } ،‬ال ُ‬ ‫ك آَيا ُ‬
‫{ أي ‪ :‬الواضح الجلي ‪ ،‬الذي يفصح عن الشياء المبهمة ويفسرها ويبينها )‬
‫‪.(7‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن { وذلك لن لغة العرب أفصح اللغات‬ ‫قلو َ‬ ‫} إ ِّنا أنزلَناهُ قُْرآًنا عََرب ِّيا لعَلك ْ‬
‫م ت َعْ ِ‬
‫وأبينها وأوسعها ‪ ،‬وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس ؛ فلهذا أنز َ‬
‫ل‬
‫أشرف الكتب بأشرف اللغات ‪ ،‬على أشرف الرسل ‪ ،‬بسفارة )‪ (8‬أشرف‬
‫الملئكة ‪ ،‬وكان ذلك في أشرف بقاع الرض ‪ ،‬وابتدئ إنزاله في أشرف‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وما"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الثعلبي )‪/7‬ل ‪" 61‬المحمودية"( وأورده الزيلعي في تخريج‬
‫الكشاف )‪ (2/179‬من رواية الثعلبي في تفسيره ‪ ،‬ورواه الواحدي في‬
‫الوسيط )‪ (2/599‬من طريق إبراهيم بن شريف عن أحمد بن يونس عن‬
‫سلم بن سليم به‪.‬‬
‫)‪ (4‬في جميع النسخ ‪" :‬وقد ساقه" وهذا التعبير غير صحيح"‪.‬‬
‫)‪ (5‬جميع النسخ ‪" :‬محمد بن عبد الواحد النضري" ‪ ،‬وفي أ ‪ ،‬ت ‪" :‬مخلد بن‬
‫عبد الواحد النضري" والصواب ما أثبتناه‪.‬‬
‫)‪ (6‬نقله الزيلعي في تخريج الكشاف )‪ (2/180‬عن المؤلف‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬وتفسيرها وتبينها"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬كسفارة"‪.‬‬

‫) ‪(4/365‬‬

‫ن‬
‫ح ُ‬‫شهور السنة وهو رمضان ‪ ،‬فكمل من كل الوجوه ؛ ولهذا قال تعالى ‪ } :‬ن َ ْ‬
‫ن { بسبب إيحائنا إليك‬ ‫ذا ال ْ ُ‬
‫ك هَ َ‬‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫قص عَل َي َ َ‬
‫قْرآ َ‬ ‫ما أوْ َ‬ ‫ص بِ َ‬
‫ص ِ‬ ‫ق َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬
‫كأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫نَ ُ ّ‬
‫هذا القرآن‪.‬‬
‫وقد وََرد َ في سبب نزول هذه اليات ما رواه ابن جرير ‪:‬‬
‫حدثني نصر بن عبد الرحمن الوْدِيّ )‪ .(1‬حدثنا حكام الرازي ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن‬
‫عمرو ‪ -‬هو ابن قيس الملئي ‪ -‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪،‬‬
‫ص { )‪.(2‬‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫قص عَل َي َ َ‬
‫ص ِ‬ ‫ق َ‬ ‫س َ‬
‫ح َ‬‫كأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن نَ ُ ّ‬ ‫ح ُ‬‫لو قصصت علينا ؟ فنزلت ‪ } :‬ن َ ْ‬
‫ورواه من وجه آخر ‪ ،‬عن عمرو بن قيس مرسل‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا محمد بن سعيد )‪ (3‬العطار )‪ ، (4‬حدثنا عمرو بن محمد ‪،‬‬
‫مّرة )‪ ، (5‬عن مصعب‬ ‫خلد الصفار ‪ ،‬عن عمرو بن قيس ‪ ،‬عن عمرو بن ُ‬ ‫أنبأنا َ‬
‫بن سعد عن عن سعد قال ‪ :‬أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن ‪،‬‬
‫ت علينا‪ .‬فأنزل الله‬ ‫قال ‪ :‬فتل عليهم زمانا ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬لو قصص َ‬
‫ن{)‬ ‫ُ‬
‫قلو َ‬ ‫ن { إلى قوله ‪ } :‬ل َعَلك ْ‬
‫م ت َعْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ت ال ْك َِتا ِ‬ ‫عز وجل ‪ } :‬الر ت ِل ْ َ‬
‫مِبي ِ‬ ‫ك آَيا ُ‬
‫‪ .(6‬ثم تل عليهم زمانا ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬لو حدثتنا‪ .‬فأنزل الله عز‬
‫وجل ‪ } :‬الل ّه نز َ َ‬
‫ث { الية ]الزمر ‪ ، [23 :‬وذكر الحديث‪.‬‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ُ‬
‫هويه ‪ ،‬عن عمرو بن محمد القَرشي‬ ‫ورواه الحاكم من حديث إسحاق بن َرا َ‬
‫العَْنقزي ‪ ،‬به )‪.(7‬‬
‫ون بن عبد الله قال ‪:‬‬ ‫وروى ابن جرير بسنده )‪ ، (8‬عن المسعودي ‪ ،‬عن عَ ْ‬
‫ة ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪،‬‬ ‫مل ّ َ‬‫ب رسول الله صلى الله عليه وسلم َ‬ ‫ل أصحا ُ‬ ‫م ّ‬ ‫َ‬
‫ملوا ملة أخرى فقالوا ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ثم‬ ‫{‬ ‫ث‬ ‫دي‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫نز‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫الله‬ ‫]فأنزل‬ ‫حدثنا‪.‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫يا رسول الله ‪ ،‬حدثنا[ )‪ (9‬فوق الحديث ودون القرآن ‪ -‬يعنون القصص ‪-‬‬
‫َ‬
‫ن إ ِّنا أنزل َْناه ُ قُْرآًنا عََرب ِّيا ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ِ‬ ‫مِبي‬ ‫ب ال ْ ُ‬‫ت ال ْك َِتا ِ‬ ‫ك آَيا ُ‬ ‫فأنزل الله ‪ } :‬الر ت ِل ْ َ‬
‫ذا ال ْ ُ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫قص عَل َي َ َ‬
‫ن ك ُن ْ َ‬
‫ت‬ ‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ك هَ َ‬ ‫ما أوْ َ‬ ‫ص بِ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ق َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن نَ ُ ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫قُلو َ‬
‫ن نَ ْ‬ ‫ت َعْ ِ‬
‫ن { فأرادوا الحديث ‪ ،‬فدلهم على أحسن الحديث ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ن الَغافِِلي َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن قَب ْل ِهِ ل ِ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫وأرادوا القصص فدلهم على أحسن القصص )‪.(10‬‬
‫ومما يناسب ذكره عند هذه الية الكريمة ‪ ،‬المشتملة على مدح القرآن ‪ ،‬وأنه‬
‫كاف عن كل ما سواه من الكتب ما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫شْيم ‪ ،‬أنبأنا مجالد ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن‬ ‫سَرْيج بن النعمان ‪ ،‬أخبرنا هُ َ‬ ‫حدثنا ُ‬
‫جابر بن عبد الله ؛ أن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬الوذي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(15/552‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬سعد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬القطان"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬قرة"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪)" :‬لعلكم تعقلون( الية"‪.‬‬
‫)‪ (7‬تفسير الطبري )‪ (15/553‬والمستدرك )‪ (2/345‬وقال ‪" :‬حديث صحيح‬
‫السناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي ‪ ،‬وحسنه الحافظ ابن حجر في المطالب‬
‫العالية برقم )‪.(3652‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬بسند"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (10‬تفسير الطبري )‪.(15/552‬‬

‫) ‪(4/366‬‬

‫عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل‬
‫مَتهوكون‬‫الكتاب ‪ ،‬فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم فغضب وقال ‪" :‬أ ُ‬
‫فيها يا ابن الخطاب ؟ والذي نفسي بيده ‪ ،‬لقد جئتكم بها بيضاء نقية ‪ ،‬ل‬
‫ذبونه ‪ ،‬أو بباطل فتصدقونه ‪ ،‬والذي‬ ‫تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتك ّ‬
‫نفسي بيده ‪ ،‬لو أن موسى كان حيا ‪ ،‬لما )‪ (1‬وسعه إل أن يتبعني" )‪(2‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا سفيان ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬عن‬
‫الشعبي ‪ ،‬عن عبد الله بن ثابت قال ‪ :‬جاء عمر إلى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إني مررت بأخ لي من قريظة ‪ ،‬فكتب لي‬
‫جوامع من التوراة ‪ ،‬أل أعرضها عليك ؟ قال ‪ :‬فتغير وجه رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ .‬قال عبد الله بن ثابت ‪ :‬فقلت له ‪ :‬أل ترى ما بوجه )‪(3‬‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عمر ‪ :‬رضينا بالله ربا ‪ ،‬وبالسلم‬
‫سّري عن النبي )‪ (4‬صلى الله عليه وسلم‬ ‫دينا ‪ ،‬وبمحمد رسول‪ .‬قال ‪ :‬ف ُ‬
‫وقال ‪" :‬والذي نفس محمد بيده ‪ ،‬لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه‬
‫ظي من المم ‪ ،‬وأنا حظكم من النبيين" )‪.(5‬‬ ‫ح ّ‬ ‫وتركتموني لضللتم ‪ ،‬إنكم َ‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ :‬حدثنا عبد الغفار بن عبد الله بن الزبير ‪،‬‬
‫سِهر ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن إسحاق ‪ ،‬عن خليفة بن قيس ‪،‬‬ ‫م ْ‬ ‫حدثنا علي بن ُ‬
‫عن خالد بن عُْرَفطة قال ‪ :‬كنت جالسا عند عمر ‪ ،‬إذ أتي برجل من عبد‬
‫القيس مسكنه بالسوس ‪ ،‬فقال له عمر ‪ :‬أنت فلن بن فلن العبدي ؟ قال ‪:‬‬
‫نعم‪ .‬قال ‪ :‬وأنت النازل بالسوس ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم‪ .‬فضربه بقناة معه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فقال الرجل ‪ :‬ما لي يا أمير المؤمنين ؟ فقال له عمر ‪ :‬اجلس‪ .‬فجلس ‪،‬‬
‫ن إ ِّنا‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫مِبي ِ‬ ‫ت ال ْك َِتا ِ‬ ‫حيم ِ الر ت ِل ْ َ‬
‫ك آَيا ُ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫م ِ‬‫ح َ‬ ‫سم ِ الّله الّر ْ‬ ‫فقرأ عليه ‪ } :‬ب ِ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ص[ { )‪(6‬‬ ‫ص ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ص عَلي ْك ]أ ْ‬ ‫ق ّ‬ ‫ن نَ ُ‬
‫ح ُ‬ ‫ن نَ ْ‬
‫قلو َ‬ ‫أنزل َْناهُ قُْرآًنا عََرب ِّيا لعَلك ْ‬
‫م ت َعْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن { فقرأها )‪ (7‬ثلثا ‪ ،‬وضربه ثلثا ‪ ،‬فقال له الرجل‬ ‫ن ال َْغافِِلي َ‬ ‫م َ‬‫إلى قوله ‪ } :‬ل َ ِ‬
‫‪ :‬ما لي يا أمير المؤمنين ؟ فقال ‪ :‬أنت الذي نسخت كتاب دانيال! قال ‪:‬‬
‫مرني بأمرك أتبعه‪ .‬قال ‪ :‬انطلق فامحه بالحميم والصوف البيض ‪ ،‬ثم ل‬
‫قرأه )‪ (8‬ول ُتقرئه أحدا من الناس ‪ ،‬فلئن بلغني عنك أنك قرأته أو أقرأته‬ ‫ت ْ‬
‫أحدا من الناس لنهكّنك عقوبة ‪ ،‬ثم قال له ‪ :‬اجلس ‪ ،‬فجلس بين يديه ‪ ،‬فقال‬
‫‪ :‬انطلقت أنا فانتسخت كتابا من أهل الكتاب ‪ ،‬ثم جئت به في أديم ‪ ،‬فقال‬
‫لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما هذا في يدك يا عمر ؟"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬كتاب نسخته لنزداد )‪ (9‬به علما إلى علمنا‪ .‬فغضب‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمّرت وجنتاه ‪ ،‬ثم نودي بالصلة‬
‫جامعة ‪ ،‬فقالت النصار ‪ :‬أغضب نبيكم صلى الله عليه وسلم ؟ السلح‬
‫السلح‪ .‬فجاءوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫صر لي اختصارا ‪،‬‬ ‫"يا أيها الناس ‪ ،‬إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه ‪ ،‬واخت ُ ِ‬
‫ولقد أتيتكم بها‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬ما"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(3/378‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬ما توجه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬رسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪.(3/365‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقرأها عليه"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬ل يقرأه"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬ليزداد"‪.‬‬

‫) ‪(4/367‬‬

‫وكون"‪ .‬قال عمر ‪ :‬فقمت فقلت ‪:‬‬ ‫وكوا ‪ ،‬ول يغرنكم المته ّ‬
‫بيضاء نقية فل َتته ّ‬
‫رضيت بالله ربا وبالسلم دينا ‪ ،‬وبك رسول‪ .‬ثم نزل رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم )‪.(1‬‬
‫وقد رواه ابن أبي حاتم في تفسيره مختصرا ‪ ،‬من حديث عبد الرحمن بن‬
‫إسحاق ‪ ،‬به‪ .‬وهذا حديث غريب من هذا الوجه‪ .‬وعبد الرحمن بن إسحاق هو‬
‫شيَبة )‪ (2‬الواسطي ‪ ،‬وقد ضعفوه وشيخه‪ .‬قال البخاري ‪ :‬ل يصح حديثه‪.‬‬ ‫أبو َ‬
‫قلت ‪ :‬وقد روي له شاهد من وجه آخر ‪ ،‬فقال الحافظ أبو بكر أحمد بن‬
‫إبراهيم السماعيلي ‪ :‬أخبرني الحسن بن سفيان ‪ ،‬حدثنا يعقوب بن سفيان ‪،‬‬
‫حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن العلء الزبيدي ‪ ،‬حدثني عمرو بن الحارث ‪ ،‬حدثنا‬
‫جَبير‬
‫عبد الله بن سالم الشعري ‪ ،‬عن الزبيدي ‪ ،‬حدثنا سليم بن عامر ‪ :‬أن ُ‬
‫دثهم ‪ :‬أن رجلين كانا بحمص في خلفة عمر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪،‬‬ ‫ح ّ‬
‫فير َ‬
‫بن ن ُ َ‬
‫فأرسل إليهما فيمن أرسل من أهل حمص ‪ ،‬وكانا قد اكتتبا من اليهود‬
‫صلصفة )‪ (3‬فأخذاها معهما يستفتيان فيها أمير المؤمنين ويقولون ‪ :‬إن‬
‫رضيها لنا أمير المؤمنين ازددنا فيها رغبة‪ .‬وإن نهانا عنها رفضناها ‪ ،‬فلما قدما‬
‫عليه قال إنا بأرض أهل الكتابين ‪ ،‬وإنا نسمع منهم كلما تقشعر منه جلودنا ‪،‬‬
‫أفنأخذ منه أو نترك ؟ فقال ‪ :‬لعلكما كتبتما منه شيئا‪ .‬قال )‪ (4‬ل‪ .‬قال ‪:‬‬
‫سأحدثكما ‪ ،‬انطلقت في حياة رسول الله )‪ (5‬صلى الله عليه وسلم حتى‬
‫أتيت خيبر ‪ ،‬فوجدت يهوديا يقول قول أعجبني ‪ ،‬فقلت ‪ :‬هل أنت مكتبي ما‬
‫تقول ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬فأتيت بأديم ‪ ،‬فأخذ يملي علي ‪ ،‬حتى كتبت في الكُرع‪.‬‬
‫فلما رجعت قلت ‪ :‬يا نبي الله ‪ ،‬وأخبرته ‪ ،‬قال ‪" :‬ائتني به"‪ .‬فانطلقت أرغب‬
‫عن المشي رجاء أن أكون أتيت )‪ (6‬رسول الله ببعض ما يحب ‪ ،‬فلما أتيت‬
‫ي"‪ .‬فقرأت ساعة ‪ ،‬ثم نظرت إلى وجهه فإذا هو‬ ‫به قال ‪" :‬اجلس اقرأ عل ّ‬
‫فرق ‪ ،‬فما استطعت أجيز )‪ (7‬منه حرفا ‪ ،‬فلما رأى‬ ‫ون ‪ ،‬فتحيرت من ال َ‬ ‫يتل ّ‬
‫الذي بي د ََفعه )‪ (8‬ثم جعل يتبعه رسما رسما فيمحوه بريقه ‪ ،‬وهو يقول ‪" :‬ل‬
‫وكوا" ‪ ،‬حتى محا آخره حرًفا حرفا‪ .‬قال‬ ‫هوكوا وت َهَ ّ‬ ‫تتبعوا هؤلء ‪ ،‬فإنهم قد َ‬
‫عمر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬فلو علمت أنكما كتبتما منه شيًئا جعلتكما نكال لهذه‬
‫المة! قال والله ما نكتب منه شيًئا أبدا‪ .‬فخرجا بصلصفتهما )‪ (9‬فحفرا لها )‬
‫قا ‪ ،‬ودفناها‬ ‫‪ (10‬فلم يأُلوا أن يع ّ‬
‫م َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬لم أعثر عليه في المطبوع من مسند أبي يعلى ‪ ،‬وأورده الهيثمي في‬
‫المجمع )‪ (1/182‬وقال ‪" :‬رواه أبو يعلى ‪ ،‬وفيه عبد الرحمن بن إسحاق‬
‫الواسطي ‪ ،‬ضعفه أحمد وجماعة"‪ .‬ورواه المقدسي في المختارة برقم )‬
‫‪ (115‬من طريق أبي يعلى وقال ‪" :‬عبد الرحمن بن إسحاق أخرج له مسلم‬
‫وابن حبان"‪ .‬يقصد عبد الرحمن بن إسحاق المدني وهو أثبت من الواسطي‬
‫وفترتهما متقاربة ‪ ،‬لكن المزني ذكر علي بن مسهر من الرواة عن الواسطي‬
‫الضعيف ‪ ،‬وقد رجح المؤلف هنا أنه الواسطي‪ .‬وكذا في مسند عمر بن‬
‫الخطاب )‪ (2/591‬وقال ‪" :‬وزعم الحافظ الضياء المقدسي في كتابه‬
‫"المختارة" أنه الذي روى له مسلم كما )أظن صوابه كذا( قال ‪ :‬وأما شيخه‬
‫خليفة بن قيس فقال فيه أبو حاتم الرازي ‪ :‬شيخ ليس بالمعروف‪ .‬وقال‬
‫البخاري ‪ :‬لم يصح حديثه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬ابن شيبة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في هـ ‪" :‬ملصق" بدون نقط ‪ ،‬والمثبت من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬جئت"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬أحبر"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬دفعته"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في هـ ‪ ،‬ت ‪" :‬بصفيهما" والمثبت من أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬فحفراها"‪.‬‬
‫) ‪(4/368‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫مَر‬ ‫س َوال ْ َ‬
‫ق َ‬ ‫م َ‬ ‫شَر ك َوْك ًَبا َوال ّ‬
‫ش ْ‬ ‫حد َ ع َ َ‬
‫تأ َ‬ ‫ف ِل َِبيهِ َيا أب َ ِ‬
‫ت إ ِّني َرأي ْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ل ُيو ُ‬
‫ن )‪(4‬‬ ‫َ‬
‫دي َ‬ ‫ج ِ‬‫سا ِ‬
‫م ِلي َ‬ ‫َرأي ْت ُهُ ْ‬

‫فكان آخر العهد منها )‪.(1‬‬


‫جْعفي ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن عبد الله‬ ‫وكذا روى الثوري ‪ ،‬عن جابر بن يزيد ال ُ‬
‫بن ثابت النصاري ‪ ،‬عن عمر بن الخطاب ‪ ،‬بنحوه )‪ (2‬وروى أبو داود في‬
‫المراسيل ‪ ،‬من حديث أبي ِقلبة ‪ ،‬عن عمر نحوه )‪ .(3‬والله أعلم‪.‬‬
‫مَر‬ ‫ْ‬ ‫شَر ك َوْك ًَبا َوال ّ‬
‫حد َ ع َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫} إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ق َ‬
‫س َوال َ‬ ‫م َ‬‫ش ْ‬ ‫تأ َ‬ ‫ت إ ِّني َرأي ْ ُ‬‫ف لِبيهِ َيا أب َ ِ‬ ‫س ُ‬‫ل ُيو ُ‬
‫ن )‪{ (4‬‬ ‫َ‬
‫دي َ‬
‫ج ِ‬
‫سا ِ‬
‫م ِلي َ‬ ‫َرأي ْت ُهُ ْ‬
‫صصك عليهم من قصة يوسف إذ‬ ‫يقول تعالى ‪ :‬اذكر لقومك يا محمد في قَ َ‬
‫قال لبيه ‪ ،‬وأبوه هو ‪ :‬يعقوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا عبد الصمد ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫ابن عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬الكريم ‪ ،‬ابن الكريم ‪،‬‬
‫ابن الكريم ‪ ،‬ابن الكريم ‪ ،‬يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم"‪.‬‬
‫انفرد بإخراجه البخاري ‪ ،‬فرواه )‪ (4‬عن عبد الله بن محمد ‪ ،‬عن عبد الصمد‬
‫به )‪ (5‬وقال البخاري أيضا ‪:‬‬
‫حدثنا محمد ‪ ،‬أخبرنا عبدة ‪ ،‬عن عُب َْيد الله ‪ ،‬عن سعيد بن أبي سعيد ‪ ،‬عن أبي‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أي‬ ‫سِئل رسو ُ‬ ‫هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ُ :‬‬
‫الناس أكرم ؟ قال ‪" :‬أكرمهم عند الله أتقاهم"‪ .‬قالوا ‪ :‬ليس عن هذا نسألك‪.‬‬
‫قال ‪" :‬فأكرم الناس يوسف نبي الله ‪ ،‬ابن نبي الله ‪ ،‬ابن نبي الله ‪ ،‬ابن خليل‬
‫الله"‪ .‬قالوا ‪ :‬ليس عن هذا نسألك‪ .‬قال ‪" :‬فعن معادن العرب تسألوني ؟"‬
‫قهوا"‪ .‬ثم‬ ‫قالوا ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪" :‬فخياركم في الجاهلية خياركم في السلم إذا فَ ِ‬
‫قال ‪ :‬تابعه أبو أسامة ‪ ،‬عن عبيد الله )‪.(6‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬رؤيا النبياء وحي‪.‬‬
‫وقد تكلم المفسرون على تعبير هذا المنام ‪ :‬أن الحد عشر كوكبا عبارة عن‬
‫إخوته ‪ ،‬وكانوا أحد عشر رجل ]سواه[ )‪ (7‬والشمس والقمر عبارة عن أبيه‬
‫وأمه‪ُ .‬روي هذا عن ابن عباس ‪ ،‬والضحاك ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ورواه أبو نعيم في الحلية )‪ (5/136‬عن الطبراني ‪ ،‬عن عمرو بن إسحاق‬
‫بن إبراهيم بن العلء الحمصي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عمرو بن الحارث به‪.‬‬
‫)‪ (2‬سبق تخريجه في المسند‪.‬‬
‫)‪ (3‬المراسيل برقم )‪.(455‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬ورواه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (2/96‬وصحيح البخاري برقم )‪.(4688‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪.(4689‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت‪.‬‬

‫) ‪(4/369‬‬
‫وقتادة وسفيان الثوري ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬وقد وقع تفسيرها‬
‫بعد أربعين سنة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ثمانين سنة ‪ ،‬وذلك حين رفع أبويه على العرش ‪،‬‬
‫ذا ت َأ ِْوي ُ‬
‫ل‬ ‫ت هَ َ‬ ‫َ‬ ‫دا وََقا َ‬
‫ل َيا أب َ ِ‬ ‫ج ً‬‫س ّ‬
‫ه ُ‬ ‫خّروا ل َ ُ‬‫وهو سريره ‪ ،‬وإخوته بين يديه ‪ } :‬وَ َ‬
‫قا { ]يوسف ‪.[100 :‬‬ ‫ح ّ‬‫جعَل ََها َرّبي َ‬‫ل قَد ْ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫ُرؤَْيايَ ِ‬
‫م ْ‬
‫وقد جاء في حديث تسمية هذه الحد عشر كوكبا ‪ -‬فقال المام أبو جعفر بن‬
‫جرير‪.‬‬
‫حدثني علي بن سعيد الكندي ‪ ،‬حدثنا الحكم بن ظهير ‪ ،‬عن السدي ‪ ،‬عن عبد‬
‫الرحمن بن سابط ‪] ،‬عن جابر[ )‪ (1‬قال ‪ :‬أتى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫رجل من يهود يقال له ‪" :‬بستانة اليهودي" ‪ ،‬فقال له ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬أخبرني عن‬
‫الكواكب التي رآها يوسف أنها ساجدة له ‪ ،‬ما أسماؤها ؟ قال ‪ :‬فسكت النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ساعة فلم يجبه بشيء ‪ ،‬ونزل ]عليه[ )‪ (2‬جبريل ‪،‬‬
‫عليه السلم ‪ ،‬فأخبره بأسمائها‪ .‬قال ‪ :‬فبعث رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم إليه فقال ‪" :‬هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها ؟" فقال ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فات ‪ ،‬وقابس ‪ ،‬ووَّثاب ‪،‬‬ ‫"خرتان )‪ (3‬والطارِقُ ‪ ،‬والذ ّّيال )‪ (4‬وذو الك َن َ َ‬
‫ضي َُاء ‪ ،‬والّنور" ‪،‬‬ ‫ح ‪ ،‬وذو الفرغ ‪ ،‬وال ّ‬ ‫ضُرو ُ‬
‫ح ‪ ،‬وال ّ‬ ‫صب ّ ُ‬
‫م َ‬‫فيل َقُ ‪ ،‬وال ُ‬
‫موَدان ‪ ،‬وال ْ َ‬ ‫وع َ ُ‬
‫فقال اليهودي ‪ :‬إيْ والله ‪ ،‬إنها لسماؤها )‪.(5‬‬
‫ورواه البيهقي في "الدلئل" ‪ ،‬من حديث سعيد )‪ (6‬بن منصور ‪ ،‬عن الحكم‬
‫بن ظهير‪ .‬وقد روى هذا الحديث الحافظان أبو يعلى الموصلي وأبو بكر البزار‬
‫في مسنديهما ‪ ،‬وابن أبي حاتم في تفسيره )‪ (7‬أما أبو يعلى فرواه عن أربعة‬
‫من شيوخه عن الحكم بن ظهير ‪ ،‬به وزاد ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫صها على أبيه يعقوب ‪ ،‬فقال له أبوه ‪ :‬هذا أمر‬ ‫وسلم ‪" :‬لما رآها يوسف قَ ّ‬
‫متشتت يجمعه الله من بعد ؛ قال ‪ :‬والشمس أبوه ‪ ،‬والقمر أمه"‪.‬‬
‫ضّعفه الئمة ‪ ،‬وتركه الكثرون ‪،‬‬ ‫تفرد به الحكم بن ظهير الفزاري )‪ (8‬وقد َ‬
‫سن يوسف‪.‬‬ ‫ح ْ‬ ‫وقال الجوزجاني ‪ :‬ساقط ‪ ،‬وهو صاحب حديث ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ، :‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (3‬في هـ ‪" :‬حرثان" وفي ت ‪ ،‬أ ‪" :‬جريان" والمثبت من ميزان العتدال‬
‫‪ .1/572‬مستفاد من ط‪ .‬الشعب‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬والدثال"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(15/555‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬سعد"‪.‬‬
‫)‪ (7‬دلئل النبوة للبيهقي )‪ (6/277‬ومسند البزار برقم )‪" (2220‬كشف‬
‫الستار"‪ .‬وقد وقع اختلف في أسماء الكواكب في هذه المصادر وليست‬
‫بالمهمة ‪ ،‬والحديث حكم عليه ابن الجوزي بالوضع‪.‬‬
‫)‪ (8‬لم يتفرد به بل توبع ‪ ،‬فرواه الحاكم في المستدرك )‪ (4/396‬من طريق‬
‫طلحة عن أسباط بن نصر ‪ ،‬عن السدي ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن سابط ‪ ،‬عن‬
‫جابر به نحوه ‪ ،‬وقال ‪" :‬هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"‬
‫قال الزيلعي ‪" :‬وسند الحاكم وارد على البزار في قوله ‪ :‬ل نعلم له طريقا‬
‫غيره ‪ ،‬وعلى البيهقي في قوله ‪ :‬تفرد به الحكم بن ظهير ولهما عذرهما"‬
‫تخريج الكشاف )‪.(2/161‬‬

‫) ‪(4/370‬‬
‫ن‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫دا إ ِ ّ‬ ‫دوا ل َ َ‬
‫ك ك َي ْ ً‬ ‫كي ُ‬ ‫ك عََلى إ ِ ْ‬
‫خوَت ِ َ‬
‫ك فَي َ ِ‬ ‫ص ُرؤَْيا َ‬
‫ص ْ‬‫ق ُ‬‫ي َل ت َ ْ‬
‫ل َيا ب ُن َ ّ‬‫َقا َ‬
‫ن )‪(5‬‬‫مِبي ٌ‬‫ن عَد ُوّ ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫ل ِْل ِن ْ َ‬

‫ن‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫دا إ ِ ّ‬ ‫دوا ل َ َ‬
‫ك ك َي ْ ً‬ ‫كي ُ‬ ‫ك عََلى إ ِ ْ‬
‫خوَت ِ َ‬
‫ك فَي َ ِ‬ ‫ص ُرؤَْيا َ‬
‫ص ْ‬
‫ق ُ‬‫ي ل تَ ْ‬
‫ل َيا ب ُن َ ّ‬‫} َقا َ‬
‫ن )‪{ (5‬‬‫مِبي ٌ‬‫ن عَد ُوّ ُ‬ ‫سا ِ‬‫ِللن ْ َ‬

‫) ‪(4/370‬‬

‫ْ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫ك وَعََلى آ ِ‬ ‫ه عَل َي ْ َ‬
‫مت َ ُ‬
‫م ن ِعْ َ‬
‫ث وَي ُت ِ ّ‬ ‫حاِدي ِ‬‫ل اْل َ َ‬ ‫ن ت َأِوي ِ‬‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك وَي ُعَل ّ ُ‬
‫ك َرب ّ َ‬ ‫جت َِبي َ‬ ‫وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك يَ ْ‬
‫َ‬
‫مَها عََلى أب َوَي ْ َ‬ ‫َ‬
‫م)‬‫كي ٌ‬‫ح ِ‬
‫م َ‬
‫ك عَِلي ٌ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫حاقَ إ ِ ّ‬ ‫س َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬
‫هي َ‬
‫ل إ ِب َْرا ِ‬‫ن قَب ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما أت َ ّ‬‫ب كَ َ‬ ‫قو َ‬ ‫ي َعْ ُ‬
‫‪(6‬‬

‫ص عليه ما رأى من‬ ‫يقول تعالى مخبًرا عن قول يعقوب لبنه يوسف حين قَ ّ‬
‫دا ‪،‬‬ ‫هذه الرؤيا ‪ ،‬التي تعبيرها خضوع إخوته له وتعظيمهم إياه تعظيما زائ ً‬
‫بحيث يخرون له ساجدين إجلل وإكراما واحتراما )‪ (1‬فخشي يعقوب ‪ ،‬عليه‬
‫السلم ‪ ،‬أن يحدث بهذا المنام أحدا من إخوته فيحسدوه )‪ (2‬على ذلك ‪،‬‬
‫َ‬
‫ك عَلى‬ ‫ص ُرؤَْيا َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫فيبغوا له الغوائل ‪ ،‬حسدا منهم له ؛ ولهذا قال له ‪ } :‬ل ت َ ْ‬
‫ة ي ُْرُدوَنك فيها‪ .‬ولهذا ثبتت‬ ‫دا { أي ‪ :‬يحتالوا لك حيل ً‬ ‫ك ك َي ْ ً‬ ‫دوا ل َ َ‬ ‫كي ُ‬‫ك فَي َ ِ‬ ‫خوَت ِ َ‬ ‫إِ ْ‬
‫السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إذا رأى أحدكم ما‬
‫ول إلى جنبه الخر وليتفل عن‬ ‫يحب فليحدث به ‪ ،‬وإذا رأى ما يكره فليتح ّ‬
‫دا ‪ ،‬فإنها لن تضره" )‬ ‫يساره ثلثا ‪ ،‬وليستعذ بالله من شرها ‪ ،‬ول يحدث بها أح ً‬
‫‪ .(3‬وفي الحديث الخر الذي رواه المام أحمد ‪ ،‬وبعض أهل السنن ‪ ،‬من‬
‫رواية معاوية بن حيدة القشيري أنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫عبرت وقعت" )‪ (4‬ومن هذا‬ ‫وسلم ‪" :‬الرؤيا على رجل طائر ما لم ت َُعبر ‪ ،‬فإذا ُ‬
‫يؤخذ المر بكتمان النعمة حتى توجد وتظهر ‪ ،‬كما ورد في حديث ‪" :‬استعينوا‬
‫على قضاء الحوائج بكتمانها ‪ ،‬فإن كل ذي نعمة محسود" )‪(5‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬
‫ه عَلي ْك وَعَلى آ ِ‬ ‫َ‬ ‫مت َ ُ‬
‫م ن ِعْ َ‬ ‫ث وَي ُت ِ ّ‬ ‫حاِدي ِ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ن ت َأِوي ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫م َ‬‫ك وَي ُعَل ّ ُ‬ ‫ك َرب ّ َ‬ ‫جت َِبي َ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫} وَك َذ َل ِ َ‬
‫َ‬
‫مَها عََلى أب َوَي ْ َ‬ ‫َ‬
‫م)‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك عَِلي ٌ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫حاقَ إ ِ ّ‬ ‫س َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫ل إ ِب َْرا ِ‬‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما أت َ ّ‬ ‫ب كَ َ‬ ‫قو َ‬ ‫ي َعْ ُ‬
‫‪{ (6‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عن قول يعقوب لولده يوسف ‪ :‬إنه كما اختارك )‪ (6‬ربك ‪،‬‬
‫جت َِبي َ‬
‫ك‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫وأراك هذه الكواكب مع الشمس والقمر ساجدة لك ‪ } ،‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫ْ‬
‫ث { قال‬ ‫حاِدي ِ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ن ت َأِوي ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك { أي ‪ :‬يختارك ويصطفيك لنبوته ‪ } ،‬وَي ُعَل ّ ُ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫مجاهد وغير واحد ‪ :‬يعني تعبير الرؤيا‪.‬‬
‫َ‬ ‫ه عَل َي ْ َ‬
‫مَها‬‫ما أت َ ّ‬ ‫ك { أي ‪ :‬بإرسالك واليحاء إليك ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ك َ َ‬ ‫مت َ ُ‬ ‫م ن ِعْ َ‬ ‫} وَي ُت ِ ّ‬
‫حاقَ { ولده ‪ ،‬وهو الذبيح‬ ‫س َ‬ ‫م { وهو الخليل ‪ } ،‬وَإ ِ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫ل إ ِب َْرا ِ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫عََلى أ َب َوَي ْ َ‬
‫م { أي ‪] :‬هو[ )‪ (7‬أعلم‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك عَِلي ٌ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫في قول ‪ ،‬وليس بالرجيح ‪ } ،‬إ ِ ّ‬
‫حيث يجعل رسالته ‪ ،‬كما قال في الية الخرى‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬واحتراما وإكراما"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬فيحسدونه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬جاء من حديث جابر ‪ ،‬وأم سلمة ‪ ،‬وأبي قتادة ‪ :‬أما حديث جابر ‪ ،‬فرواه‬
‫مسلم في صحيحه برقم )‪ ، (2262‬وأما حديث أم سلمة ‪ ،‬فرواه النسائي‬
‫في السنن الكبرى برقم )‪ ، (10741‬وأما حديث أبي قتادة ‪ ،‬فرواه أحمد في‬
‫المسند )‪ (5/296‬وهذا لفظه‪.‬‬
‫)‪ (4‬لم أعثر عليه من حديث معاوية ‪ ،‬وإنما من حديث لقيط بن عامر رضي‬
‫الله عنه ‪ ،‬رواه أحمد في المسند )‪ (4/10‬وأبو داود في السنن برقم )‪(5020‬‬
‫والترمذي في السنن برقم )‪ (2278‬وابن ماجه في السنن برقم )‪.(3914‬‬
‫)‪ (5‬رواه العقيلي في الضعفاء )‪ (2/109‬وابن عدي في الكامل )‪(3/404‬‬
‫وأبو نعيم في الحلية )‪ (6/96‬من طريق سعيد بن سالم العطار عن ثور بن‬
‫يزيد ‪ ،‬عن خالد بن معدان عن معاذ به مرفوعا ‪ ،‬وأورده ابن الجوزي في‬
‫الموضوعات )‪ (2/165‬وقال أبو حاتم في العلل )‪" : (2/258‬حديث منكر"‪.‬‬
‫وآفته سعيد بن سلم العطار فهو كذاب‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬اختار"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت‪.‬‬

‫) ‪(4/371‬‬

‫َ‬ ‫ف وَأ َ ُ‬ ‫َ‬


‫ب‬ ‫ح ّ‬‫خوه ُ أ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن )‪ (7‬إ ِذ ْ َقاُلوا ل َُيو ُ‬ ‫سائ ِِلي َ‬‫ت ِلل ّ‬ ‫خوَت ِهِ آَيا ٌ‬ ‫ف وَإ ِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ُيو ُ‬ ‫قد ْ َ‬
‫كا َ‬ ‫لَ َ‬
‫ف أوَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س َ ِ‬ ‫ن )‪ (8‬اقْت ُُلوا ُيو ُ‬ ‫مِبي ٍ‬‫ل ُ‬ ‫ضَل ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ن أَباَنا ل َ ِ‬ ‫ة إِ ّ‬‫صب َ ٌ‬‫ن عُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫مّنا وَن َ ْ‬ ‫إ َِلى أِبيَنا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪َ (9‬قا َ‬
‫ل‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬
‫ما َ‬ ‫ن ب َعْدِهِ قَوْ ً‬ ‫م ْ‬ ‫كوُنوا ِ‬ ‫م وَت َ ُ‬‫ه أِبيك ُ ْ‬ ‫ج ُ‬‫م وَ ْ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫خ ُ‬ ‫ضا ي َ ْ‬ ‫حوهُ أْر ً‬ ‫اط َْر ُ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫سّياَرةِ إ ِ ْ‬
‫ض ال ّ‬ ‫ه ب َعْ ُ‬ ‫قط ْ ُ‬ ‫ب ي َل ْت َ ِ‬
‫ج ّ‬‫قوه ُ ِفي غََياب َةِ ال ْ ُ‬ ‫ف وَأل ْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫قت ُُلوا ُيو ُ‬ ‫م َل ت َ ْ‬‫من ْهُ ْ‬‫ل ِ‬ ‫َقائ ِ ٌ‬
‫ن )‪(10‬‬ ‫عِلي َ‬‫م َفا ِ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬

‫خوهُ‬ ‫ف وَأ َ ُ‬‫س ُ‬ ‫ن )‪ (7‬إ ِذ ْ َقاُلوا ل َُيو ُ‬ ‫سائ ِِلي َ‬ ‫ت ِلل ّ‬ ‫خوَت ِهِ آَيا ٌ‬ ‫ف وَإ ِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ُيو ُ‬ ‫كا َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫} لَ َ‬
‫ف أوَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س َ ِ‬ ‫ن )‪ (8‬اقْت ُُلوا ُيو ُ‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ن أَباَنا ل َ ِ‬ ‫ة إِ ّ‬ ‫صب َ ٌ‬ ‫ن عُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫مّنا وَن َ ْ‬ ‫ب إ َِلى أِبيَنا ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫أ َ‬
‫ل ل َك ُم وج َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪َ (9‬قا َ‬
‫ل‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬
‫ما َ‬ ‫ن ب َعْدِهِ قَوْ ً‬ ‫م ْ‬ ‫كوُنوا ِ‬ ‫م وَت َ ُ‬ ‫ه أِبيك ُ ْ‬ ‫ْ َ ْ ُ‬ ‫خ ُ‬‫ضا ي َ ْ‬ ‫حوهُ أْر ً‬ ‫اط َْر ُ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫سّياَرةِ إ ِ ْ‬ ‫ض ال ّ‬ ‫ه ب َعْ ُ‬ ‫قط ْ ُ‬ ‫ب ي َل ْت َ ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫قوه ُ ِفي غََياب َةِ ال ْ ُ‬ ‫ف وَأل ْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫قت ُُلوا ُيو ُ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫َقائ ِ ٌ‬
‫ن )‪{ (10‬‬ ‫عِلي َ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬لقد كان في قصة يوسف وخبره مع إخوته آيات ‪ ،‬أي عبرةٌ‬
‫ظ للسائلين عن ذلك ‪ ،‬المستخبرين عنه ‪ ،‬فإنه خبر عجيب ‪ ،‬يستحق‬ ‫ومواع ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مّنا { أي ‪ :‬حلفوا‬ ‫ب إ َِلى أِبيَنا ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫خوه ُ أ َ‬ ‫ف وَأ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫أن يستخبر عنه ‪ } ،‬إ ِذ ْ َقاُلوا ل َُيو ُ‬
‫فيما يظنون ‪ :‬والله ليوسف وأخوه ‪ -‬يعنون بنيامين ‪ ،‬وكان شقيقه لمه ‪-‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة { أي ‪ :‬جماعة ‪ ،‬فكيف أحب ذينك الثنين‬ ‫صب َ ٌ‬ ‫ن عُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫مّنا وَن َ ْ‬ ‫ب إ َِلى أِبيَنا ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫}أ َ‬
‫أكثر من الجماعة ؛ } إ َ‬
‫ن { يعنون في تقديمهما علينا ‪،‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ن أَباَنا ل َ ِ‬ ‫ِ ّ‬
‫ومحبته إياهما أكثر منا‪.‬‬
‫واعلم أنه لم يقم دليل على نبوة إخوة يوسف ‪ ،‬وظاهر هذا السياق يدل على‬
‫خلف ذلك ‪ ،‬ومن الناس من يزعم أنهم أوحي إليهم بعد ذلك ‪ ،‬وفي هذا نظر‪.‬‬
‫وى قوله تعالى ‪ُ } :‬قوُلوا آ َ‬
‫مّنا‬ ‫دعي ذلك إلى دليل ‪ ،‬ولم يذكروا س َ‬ ‫م ّ‬ ‫ويحتاج ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب‬‫قو َ‬ ‫حاقَ وَي َعْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫عيل وَإ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫ما أنزل إ ِلى إ ِب َْرا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما أنزل إ ِلي َْنا وَ َ‬ ‫ِبالل ّهِ وَ َ‬
‫ط { ]البقرة ‪ ، [136 :‬وهذا فيه احتمال ؛ لن بطون بني إسرائيل‬ ‫سَبا ِ‬ ‫َوال ْ‬
‫يقال لهم ‪ :‬السباط ‪ ،‬كما يقال للعرب ‪ :‬قبائل ‪ ،‬وللعجم ‪ :‬شعوب ؛ يذكر‬
‫تعالى أنه أوحى إلى النبياء من أسباط بني إسرائيل ‪ ،‬فذكرهم إجمال لنهم‬
‫كثيرون ‪ ،‬ولكن كل سبط من نسل رجل من إخوة يوسف ‪ ،‬ولم يقم دليل‬
‫على أعيان هؤلء أنهم أوحي إليهم ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫} اقْتُلوا يوس َ َ‬
‫م { يقولون ‪ :‬هذا الذي‬ ‫ه أِبيك ُ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫م وَ ْ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫خ ُ‬‫ضا ي َ ْ‬ ‫حوهُ أْر ً‬ ‫ف أوِ اط َْر ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫يزاحمكم في محبة أبيكم لكم ‪ ،‬أعدموه من وجه أبيكم ‪ ،‬ليخلو لكم وحدكم ‪،‬‬
‫إما بأن تقتلوه ‪ ،‬أو تلقوه في أرض من الراضي ‪ -‬تستريحوا منه ‪ ،‬وتختلوا‬
‫أنتم بأبيكم ‪ ،‬وتكونوا من )‪ (1‬بعد إعدامه قوما صالحين‪ .‬فأضمروا التوبة قبل‬
‫الذنب‪.‬‬
‫م { قال قتادة ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق ‪ :‬كان أكبرهم واسمه‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ٌ‬
‫ل ِ ِ ُْ ْ‬
‫ل‬ ‫ئ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫} َقا َ‬
‫روبيل‪ .‬وقال السدي ‪ :‬الذي قال ذلك يهوذا‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬هو شمعون } ل‬
‫صلوا )‪ (2‬في عداوته وبغضه إلى قتله ‪ ،‬ولم يكن‬ ‫ف { أي ‪ :‬ل ت َ ِ‬ ‫س َ‬ ‫قت ُُلوا ُيو ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫ل إلى قتله ؛ لن الله تعالى كان يريد منه أمًرا ل بد ّ من إمضائه‬ ‫لهم )‪ (3‬سبي ٌ‬
‫وإتمامه ‪ ،‬من اليحاء إليه بالنبوة ‪ ،‬ومن التمكين له ببلد مصر والحكم بها ‪،‬‬
‫فصرفهم الله عنه بمقالة روبيل فيه وإشارته عليهم بأن يلقوه في غيابة‬
‫الجب ‪ ،‬وهو أسفله‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬وهي بئر بيت المقدس‪.‬‬
‫سّياَرةِ { أي ‪ :‬المارة من المسافرين ‪ ،‬فتستريحوا بهذا ‪ ،‬ول‬ ‫ض ال ّ‬‫ه ب َعْ ُ‬ ‫قط ْ ُ‬ ‫} ي َل ْت َ ِ‬
‫حاجة إلى قتله‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬إن كنتم عازمين على ما تقولون‪.‬‬ ‫م َفا ِ‬
‫عِلي َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫} إِ ْ‬
‫قال محمد بن إسحاق بن يسار ‪ :‬لقد اجتمعوا على أمر عظيم ‪ ،‬من قطيعة‬
‫الرحم ‪ ،‬وعقوق‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬وتكونوا من بعده ‪ ،‬أي من بعد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬ل تغلوا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬له"‪.‬‬

‫) ‪(4/372‬‬

‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬


‫معََنا غَ ً‬
‫دا‬ ‫ه َ‬ ‫سل ْ ُ‬
‫ن )‪ (11‬أْر ِ‬ ‫حو َ‬ ‫ص ُ‬‫ه ل ََنا ِ‬ ‫ف وَإ ِّنا ل َ ُ‬‫س َ‬ ‫مّنا عََلى ُيو ُ‬‫ك َل ت َأ َ‬ ‫ما ل َ َ‬ ‫َقاُلوا َيا أَباَنا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫فأ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ن ت َذ ْهَُبوا ب ِهِ وَأ َ‬‫حُزن ُِني أ ْ‬ ‫ل إ ِّني ل َي َ ْ‬ ‫ن )‪َ (12‬قا َ‬ ‫ظو َ‬‫حافِ ُ‬ ‫ه لَ َ‬‫ب وَإ ِّنا ل َ ُ‬‫ي َْرت َعْ وَي َل ْعَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ة إ ِّنا إ ًِذا‬‫صب َ ٌ‬ ‫ن عُ ْ‬ ‫ح ُ‬‫ب وَن َ ْ‬ ‫ن أك َل َ ُ‬
‫ه الذ ّئ ْ ُ‬ ‫ن )‪َ (13‬قاُلوا ل َئ ِ ْ‬ ‫غافُِلو َ‬‫ه َ‬ ‫م عَن ْ ُ‬ ‫ه الذ ّئ ْ ُ‬
‫ب وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ي َأك ُل َ ُ‬
‫ن )‪(14‬‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫لَ َ‬

‫ضَرع الذي ل ذنب له ‪ ،‬وبالكبير الفاني ذي‬ ‫الوالد ‪ ،‬وقلة الرأفة بالصغير ال ّ‬
‫الحق والحرمة والفضل ‪ ،‬وخطره عند الله ‪ ،‬مع حق الوالد على ولده ‪،‬‬
‫ليفرقوا بينه وبين ابنه )‪ (1‬وحبيبه ‪ ،‬على كبر سنه ‪ ،‬ورِّقة عظمه ‪ ،‬مع مكانه‬
‫من الله فيمن أحبه طفل صغيرا ‪ ،‬وبين أبيه على ضعف قوته وصغر سنه ‪،‬‬
‫وحاجته إلى لطف والده وسكونه إليه ‪ ،‬يغفر الله لهم وهو أرحم الراحمين ‪،‬‬
‫فقد احتملوا أمرا عظيما‪.‬‬
‫رواه ابن أبي حاتم من طريق سلمة بن الفضل ‪ ،‬عنه‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫معََنا‬‫ه َ‬ ‫سل ُ‬‫ن )‪ (11‬أْر ِ‬ ‫حو َ‬ ‫ه ل ََنا ِ‬
‫ص ُ‬ ‫ف وَإ ِّنا ل َ ُ‬ ‫مّنا عََلى ُيو ُ‬
‫س َ‬ ‫ك ل ت َأ َ‬ ‫ما ل َ َ‬‫} َقاُلوا َيا أَباَنا َ‬
‫ن )‪{ (12‬‬ ‫ظو َ‬ ‫حافِ ُ‬ ‫ه لَ َ‬‫ب وَإ ِّنا ل َ ُ‬ ‫دا ي َْرت َعْ وَي َل ْعَ ْ‬
‫غَ ً‬
‫لما تواطئوا على أخذه وط َْرحه في البئر ‪ ،‬كما أشار عليهم أخوهم الكبير‬
‫مّنا‬ ‫ْ‬ ‫ما ل َ َ‬ ‫َ‬
‫ك ل ت َأ َ‬ ‫ُروبيل ‪ ،‬جاءوا أباهم يعقوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فقالوا ‪َ } :‬يا أَباَنا َ‬
‫ن { وهذه توطئة وسلف ودعوى ‪ ،‬وهم يريدون‬ ‫حو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ه ل ََنا ِ‬‫ف وَإ ِّنا ل َ ُ‬
‫س َ‬ ‫عََلى ُيو ُ‬
‫َ‬
‫معََنا { أي‬ ‫ه َ‬ ‫سل ْ ُ‬ ‫خلف ذلك ؛ لما له في قلوبهم من الحسد لحب أبيه له ‪ } ،‬أْر ِ‬
‫ب{‬ ‫ْ‬
‫ب { وقرأ بعضهم بالياء } ي َْرت َعْ وَي َلعَ ْ‬ ‫دا ن َْرت َعْ وَن َل ْعَ ْ‬ ‫‪ :‬ابعثه معنا ‪ } ،‬غَ ً‬
‫دي ‪،‬‬ ‫ّ‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬يسعى وينشط‪ .‬وكذا قال قتادة ‪ ،‬والضحاك والس ّ‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫ن { يقولون ‪ :‬ونحن نحفظه ونحوطه من أجلك‪.‬‬ ‫حافِظو َ‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫هل َ‬ ‫} وَإ ِّنا ل َ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫غافُِلو َ‬
‫ن)‬ ‫ه َ‬ ‫م عَن ْ ُ‬ ‫ب وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ه الذ ّئ ْ ُ‬‫ن ي َأك ُل َ ُ‬ ‫فأ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ن ت َذ ْهَُبوا ب ِهِ وَأ َ‬ ‫حُزن ُِني أ ْ‬ ‫ل إ ِّني ل َي َ ْ‬ ‫} َقا َ‬
‫ة إ ِّنا إ ًِذا ل َ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (14‬‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫صب َ ٌ‬ ‫ن عُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ب وَن َ ْ‬ ‫ه الذ ّئ ْ ُ‬ ‫ن أك َل َ ُ‬ ‫‪َ (13‬قاُلوا ل َئ ِ ْ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن نبيه )‪ (2‬يعقوب أنه قال لبنيه في جواب ما سألوا من‬
‫َ‬
‫ن ت َذ ْهَُبوا‬ ‫حُزن ُِني أ ْ‬ ‫إرسال يوسف معهم إلى الرعي في الصحراء ‪ } :‬إ ِّني ل َي َ ْ‬
‫فْرط‬ ‫ه مدة ذهابكم به إلى أن يرجع ‪ ،‬وذلك ل َ‬ ‫ب ِهِ { أي ‪ :‬يشق علي مفارقت ُ ُ‬
‫محبته له ‪ ،‬لما يتوسم فيه من الخير العظيم ‪ ،‬وشمائل النبوة والكمال في‬
‫خُلق والخلق ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه‪.‬‬ ‫ال ُ‬
‫ُ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { يقول ‪ :‬وأخشى أن‬ ‫غافِلو َ‬ ‫م عَن ْ ُ‬‫ب وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ه الذ ّئ ْ ُ‬ ‫ن ي َأكل ُ‬ ‫فأ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأ َ‬
‫عيتكم )‪ (3‬فيأتيه ذئب فيأكله وأنتم ل تشعرون ‪،‬‬ ‫تشتغلوا عنه برميكم وَر ْ‬
‫فأخذوا من فمه هذه الكلمة ‪ ،‬وجعلوها عذرهم فيما فعلوه ‪ ،‬وقالوا مجيبين‬
‫ة إ ِّنا إ ًِذا ل َ َ‬ ‫عنها في الساعة الراهنة ‪ } :‬ل َئ ِ َ‬
‫ن{‬‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫صب َ ٌ‬‫ن عُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ب وَن َ ْ‬ ‫ه الذ ّئ ْ ُ‬ ‫ن أك َل َ ُ‬‫ْ‬
‫يقولون ‪ :‬لئن عدا عليه الذئب فأكله من بيننا ‪ ،‬ونحن جماعة ‪ ،‬إنا إًذا لهالكون‬
‫عاجزون‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬أبيه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عن نبي الله"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬ورعيكم"‪.‬‬

‫) ‪(4/373‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫حي َْنا إ ِل َي ْهِ ل َت ُن َب ّئ َن ّهُ ْ‬
‫م‬ ‫ب وَأوْ َ‬ ‫جعَُلوه ُ ِفي غََياب َةِ ال ْ ُ‬
‫ج ّ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫مُعوا أ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ما ذ َهَُبوا ب ِهِ وَأ ْ‬
‫ن )‪(15‬‬ ‫م َل ي َ ْ‬ ‫م هَ َ‬ ‫َ‬
‫شعُُرو َ‬ ‫ذا وَهُ ْ‬ ‫مرِهِ ْ‬ ‫ب ِأ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حي َْنا إ ِل َي ْهِ ل َت ُن َب ّئ َن ّهُ ْ‬
‫م‬ ‫ب وَأوْ َ‬ ‫جعَُلوه ُ ِفي غََياب َةِ ال ْ ُ‬
‫ج ّ‬ ‫ن يَ ْ‬‫مُعوا أ ْ‬
‫ج َ‬‫ما ذ َهَُبوا ب ِهِ وَأ ْ‬‫} فَل َ ّ‬
‫ن )‪{ (15‬‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫م هَ َ‬ ‫َ‬
‫شعُُرو َ‬ ‫ذا وَهُ ْ‬ ‫مرِهِ ْ‬ ‫ب ِأ ْ‬

‫) ‪(4/373‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫س َ‬ ‫ن )‪َ (16‬قاُلوا َيا أَباَنا إ ِّنا ذ َهَب َْنا ن َ ْ‬
‫ست َب ِقُ وَت ََرك َْنا ُيو ُ‬ ‫شاًء ي َب ْ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ع َ‬ ‫م ِ‬ ‫جاُءوا أَباهُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جاُءوا‬‫ن )‪ (17‬وَ َ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن لَنا وَلوْ كّنا َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ٍ‬ ‫ت بِ ُ‬‫ما أن ْ َ‬‫ب وَ َ‬ ‫ه الذ ّئ ْ ُ‬‫عَنا فَأكل ُ‬ ‫مَتا ِ‬ ‫عن ْد َ َ‬‫ِ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مي ٌ‬
‫ل َوالل ُ‬ ‫ج ِ‬‫صب ٌْر َ‬‫مًرا فَ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سك ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫م أن ْ ُ‬
‫ت لك ْ‬ ‫سوّل ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ل بَ ْ‬‫ب َقا َ‬ ‫صهِ ب ِد َم ٍ كذِ ٍ‬ ‫مي ِ‬ ‫عَلى قَ ِ‬
‫ن )‪(18‬‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ت َ ِ‬
‫ن عَلى َ‬ ‫َ‬ ‫ست ََعا ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬

‫يقول تعالى ‪ :‬فلما ذهب )‪ (1‬به إخوته من عند أبيه بعد مراجعتهم له في ذلك‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب { هذا فيه تعظيم لما فعلوه أنهم‬ ‫ج ّ‬ ‫جعَُلوه ُ ِفي غََياب َةِ ال ْ ُ‬
‫ن يَ ْ‬
‫مُعوا أ ْ‬
‫ج َ‬
‫‪ } ،‬وَأ ْ‬
‫اتفقوا كلهم على إلقائه في أسفل ذلك الجب ‪ ،‬وقد أخذوه من عند أبيه فيما‬
‫حا لصدره ‪ ،‬وإدخال للسرور عليه ‪ ،‬فيقال‬ ‫ُيظهرونه له إكراما له ‪ ،‬وبسطا وشر ً‬
‫‪ :‬إن يعقوب )‪ (2‬عليه السلم ‪ ،‬لما بعثه معهم ضمه إليه ‪ ،‬وقَّبله ودعا له‪.‬‬
‫وقال )‪ (3‬السدي وغيره ‪ :‬إنه لم يكن بين إكرامهم له وبين إظهار الذى له ‪،‬‬
‫إل أن غابوا عن عين أبيه وتواروا عنه ‪ ،‬ثم شرعوا يؤذونه بالقول ‪ ،‬من شتم‬
‫ضْرب ونحوه ‪ ،‬ثم جاءوا به إلى ذلك الجب الذي اتفقوا‬ ‫ونحوه ‪ ،‬والفعل من َ‬
‫على رميه فيه فربطوه بحبل ودلوه فيه ‪ ،‬فجعل إذا لجأ إلى واحد منهم لطمه‬
‫شتمه ‪ ،‬وإذا تشبث بحافات البئر ضربوا على يديه ‪ ،‬ثم قطعوا به الحبل من‬ ‫و َ‬
‫نصف المسافة ‪ ،‬فسقط في الماء فغمره ‪ ،‬فصعد إلى صخرة تكون في‬
‫وسطه ‪ ،‬يقال لها ‪" :‬الراغوفة" )‪ (4‬فقام فوقها‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { يقول‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫ذا وَهُ ْ‬ ‫م هَ َ‬ ‫مرِهِ ْ‬ ‫م ب ِأ ْ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْهِ ل َت ُن َب ّئ َن ّهُ ْ‬
‫قال الله تعال ‪ } :‬وَأوْ َ‬
‫تعالى ذاكًرا لطفه ورحمته وعائدته )‪ (5‬وإنزاله اليسر في حال العسر ‪ :‬إنه‬
‫أوحى إلى يوسف في ذلك الحال الضيق ‪ ،‬تطييًبا لقلبه ‪ ،‬وتثبيًتا له ‪ :‬إنك ل‬
‫جا حسًنا ‪ ،‬وسينصرك‬ ‫جا ومخر ً‬ ‫تحزن مما )‪ (6‬أنت فيه ‪ ،‬فإن لك من ذلك فر ً‬
‫الله عليهم ‪ ،‬ويعليك ويرفع درجتك ‪ ،‬وستخبرهم )‪ (7‬بما فعلوا معك من هذا‬
‫الصنيع‪.‬‬
‫مل‬ ‫ن { ‪ -‬قال ]مجاهد و[ )‪ (8‬قتادة ‪ } :‬وَهُ ْ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَهُ ْ‬
‫ن { بإيحاء الله إليه‪.‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬ستنبئهم بصنيعهم هذا في حقك ‪ ،‬وهم ل يعرفونك ‪ ،‬ول‬
‫يستشعرون بك ‪ ،‬كما قال ابن جرير ‪:‬‬
‫عبادة السدي ‪ ،‬عن‬ ‫حدثني الحارث ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز ‪ ،‬حدثنا صدقة بن ُ‬
‫أبيه ‪ ،‬سمعت ابن عباس يقول ‪ :‬لما دخل إخوة يوسف على يوسف فعرفهم‬
‫صواع ‪ ،‬فوضعه على يده ‪ ،‬ثم نقره فطن ‪،‬‬ ‫وهم له منكرون ‪ ،‬قال ‪ :‬جيء بال ّ‬
‫فقال ‪ :‬إنه ليخبرني هذا الجام ‪ :‬أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له "يوسف" ‪،‬‬
‫يدنيه دونكم ‪ ،‬وأنكم انطلقتم به فألقيتموه في غيابة الجب ‪ -‬قال ‪ :‬ثم نقره‬
‫كذب ‪-‬‬ ‫ن ‪ -‬فأتيتم أباكم فقلتم ‪ :‬إن الذئب أكله ‪ ،‬وجئتم على قميصه بدم َ‬ ‫فط ّ‬
‫قال ‪ :‬فقال بعضهم لبعض ‪ :‬إن هذا الجام ليخبره بخبركم‪ .‬قال ابن عباس ‪،‬‬
‫َ‬
‫م‬‫مرِهِ ْ‬‫م ب ِأ ْ‬ ‫رضي الله عنهما ‪ :‬ل نرى )‪ (9‬هذه الية نزلت إل فيهم ‪ } :‬ل َت ُن َب ّئ َن ّهُ ْ‬
‫ن { )‪.(10‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫ذا وَهُ ْ‬ ‫هَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ف‬‫س َ‬ ‫ست َب ِقُ وَت ََركَنا ُيو ُ‬ ‫ن )‪َ (16‬قالوا َيا أَباَنا إ ِّنا ذ َهَب َْنا ن َ ْ‬ ‫شاًء ي َب ْكو َ‬ ‫ع َ‬‫م ِ‬ ‫جاُءوا أَباهُ ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جاُءوا‬ ‫ن )‪ (17‬وَ َ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن لَنا وَلوْ كّنا َ‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت بِ ُ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ه الذ ّئ ْ ُ‬ ‫عَنا فَأكل ُ‬ ‫مَتا ِ‬ ‫عن ْد َ َ‬ ‫ِ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل َوالل ُ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ج ِ‬ ‫صب ٌْر َ‬ ‫مًرا فَ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سك ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫م أن ْ ُ‬ ‫ت لك ْ‬ ‫سوّل ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ل بَ ْ‬ ‫ب َقا َ‬ ‫صهِ ب ِد َم ٍ كذِ ٍ‬ ‫مي ِ‬ ‫عَلى قَ ِ‬
‫ن )‪{ (18‬‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ت َ ِ‬ ‫ن عَلى َ‬ ‫َ‬ ‫ست ََعا ُ‬ ‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ذهب"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يوسف"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬فذكر"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬الراغوف"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬وعائد به"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيما"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وسيجزيهم"‪.‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬فل يرى" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬فل نرى"‪.‬‬
‫)‪ (10‬تفسير الطبري )‪.(15/576‬‬

‫) ‪(4/374‬‬

‫يقول تعالى مخبرا عن الذي اعتمده إخوة يوسف بعدما ألقوه في غيابة الجب‬
‫‪ :‬أنهم )‪ (1‬رجعوا إلى أبيهم في ظلمة الليل يبكون ‪ ،‬ويظهرون السف‬
‫والجزع على يوسف ويتغممون لبيهم ‪ ،‬وقالوا معتذرين عما وقع فيما‬
‫عَنا { أي‬ ‫مَتا ِ‬
‫عن ْد َ َ‬‫ف ِ‬
‫س َ‬ ‫ست َب ِقُ { أي ‪ :‬نترامى ‪ } ،‬وَت ََرك َْنا ُيو ُ‬ ‫زعموا ‪ } :‬إ ِّنا ذ َهَب َْنا ن َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب { وهو الذي كان ]قد[ )‪ (2‬جزع منه ‪ ،‬وحذر‬ ‫ه الذئ ُ‬ ‫ّ‬ ‫‪ :‬ثيابنا وأمتعتنا ‪ } ،‬فَأكل ُ‬
‫عليه‪.‬‬
‫ن { تّلط ٌ‬ ‫َ‬
‫ف عظيم في تقرير ما‬ ‫صادِِقي َ‬‫ن ل ََنا وَل َوْ ك ُّنا َ‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت بِ ُ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫وقولهم ‪ } :‬وَ َ‬
‫يحاولونه ‪ ،‬يقولون ‪ :‬ونحن نعلم أنك ل تصدقنا ‪ -‬والحالة هذه ‪ -‬لو كنا عندك‬
‫صادقين ‪ ،‬فكيف وأنت تتهمنا في ذلك ‪ ،‬لنك خشيت أن يأكله الذئب ‪ ،‬فأكله‬
‫الذئب ‪ ،‬فأنت معذور في تكذيبك لنا ؛ لغرابة ما وقع ‪ ،‬وعجيب ما اتفق لنا في‬
‫أمرنا هذا‪.‬‬
‫ب { أي ‪ :‬مكذوب مفترى‪ .‬وهذا من الفعال‬ ‫َ‬
‫صهِ ب ِد َم ٍ كذِ ٍ‬ ‫مي ِ‬ ‫َ‬
‫جاُءوا عَلى قَ ِ‬ ‫} وَ َ‬
‫خلة ‪-‬‬ ‫س ْ‬ ‫التي يؤكدون بها ما تمالئوا عليه من المكيدة ‪ ،‬وهو أنهم عمدوا إلى َ‬
‫فيما ذكره مجاهد ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغير واحد ‪ -‬فذبحوها ‪ ،‬ولطخوا ثوب يوسف‬
‫بدمها ‪ ،‬موهمين أن هذا قميصه الذي أكله فيه الذئب ‪ ،‬وقد أصابه من دمه ‪،‬‬
‫ولكنهم نسوا أن يخرقوه ‪ ،‬فلهذا لم ي َُرج هذا الصنيع على نبي الله يعقوب ‪،‬‬
‫ضا عن كلمهم إلى ما وقع في نفسه من تمالئهم عليه ‪:‬‬ ‫بل قال لهم معر ً‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ميل { أي ‪ :‬فسأصبر صبًرا جميل‬ ‫ٌ‬ ‫ج ِ‬
‫صب ٌْر َ‬ ‫َ‬
‫مًرا ف َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ُ‬
‫سك ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫م أن ْ ُ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫سوّل َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫} بَ ْ‬
‫على هذا المر الذي قد اتفقتم عليه ‪ ،‬حتى يفرجه الله بعونه ولطفه ‪َ } ،‬والل ّ ُ‬
‫ه‬
‫ن { أي ‪ :‬على ما تذكرون من الكذب والمحال‪.‬‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ت َ ِ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫ست ََعا ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫جاُءوا‬ ‫جَبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬وَ َ‬ ‫ماك ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬ ‫س َ‬ ‫وقال الثوري ‪ ،‬عن ِ‬
‫ب { قال ‪ :‬لو أكله السبع لخرق القميص‪ .‬وكذا قال‬ ‫صهِ ب ِد َم ٍ ك َذِ ٍ‬ ‫مي ِ‬ ‫عََلى قَ ِ‬
‫الشعبي ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬الصبر الجميل ‪ :‬الذي ل جزع فيه‪.‬‬
‫جَبلة قال ‪ :‬سئل‬ ‫شْيم ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن يحيى ‪ ،‬عن حّبان بن أبي َ‬ ‫وروى هُ َ‬
‫ل { فقال ‪" :‬صبر‬ ‫مي ٌ‬ ‫ج ِ‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله ‪ } :‬فَ َ‬
‫صب ٌْر َ‬
‫ل شكوى )‪ (3‬فيه" وهذا مرسل )‪.(4‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬قال الثوري عن بعض أصحابه أنه قال ‪ :‬ثلث من الصبر ‪:‬‬
‫أل تحدث بوجعك ‪ ،‬ول بمصيبتك ‪ ،‬ول تزكي نفسك )‪.(5‬‬
‫وذكر البخاري هاهنا حديث عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬في الفك حتى ذكر‬
‫ل َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫مي ٌ‬ ‫ج ِ‬‫صب ٌْر َ‬‫قولها ‪ :‬والله ل أجد لي ولكم مثل إل أبا يوسف )‪ } ، (6‬فَ َ‬
‫ن { )‪.(7‬‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ت َ ِ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫ست ََعا ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ثم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬ل قوى"‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(15/585‬‬
‫)‪ (5‬تفسير عبد الرزاق )‪.(1/277‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬إل يعقوب" وفي أ ‪" :‬إل أبا يوسف إذ قال"‪.‬‬
‫)‪ (7‬صحيح البخاري برقم )‪.(4690‬‬

‫) ‪(4/375‬‬
‫سّروهُ‬
‫َ‬
‫م وَأ َ‬ ‫ذا غَُل ٌ‬ ‫شَرى هَ َ‬ ‫ل َيا ب ُ ْ‬ ‫م فَأ َد َْلى د َل ْوَه ُ َقا َ‬ ‫سُلوا َوارِد َهُ ْ‬
‫َ‬
‫سّياَرة ٌ فَأْر َ‬ ‫ت َ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ة‬
‫دود َ ٍ‬ ‫معْ ُ‬‫م َ‬ ‫س د ََراهِ َ‬ ‫َ‬ ‫ن )‪ (19‬وَ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫خ ٍ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫م ٍ‬ ‫شَروْهُ ب ِث َ‬ ‫ملو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ة َوالل ُ‬ ‫ضاعَ ً‬ ‫بِ َ‬
‫ن )‪(20‬‬ ‫دي َ‬ ‫ن الّزاهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫كاُنوا ِفيهِ ِ‬ ‫وَ َ‬

‫م‬
‫غل ٌ‬ ‫ذا ُ‬‫شَرى هَ َ‬ ‫ل َيا ب ُ ْ‬ ‫م فَأ َد َْلى د َل ْوَه ُ َقا َ‬ ‫سُلوا َوارِد َهُ ْ‬
‫َ‬
‫سّياَرة ٌ فَأْر َ‬ ‫ت َ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م‬‫س د ََراهِ َ‬ ‫خ ٍ‬ ‫ن بَ ْ‬
‫م ٍ‬‫شَروْهُ ب ِث َ َ‬ ‫ن )‪ (19‬وَ َ‬ ‫ملو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ة َوالل ُ‬ ‫ضاعَ ً‬ ‫سّروه ُ ب ِ َ‬ ‫وَأ َ‬
‫ن )‪{ (20‬‬ ‫دي َ‬ ‫ن الّزاهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫كاُنوا ِفيهِ ِ‬ ‫دود َةٍ وَ َ‬ ‫معْ ُ‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عما جرى ليوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬حين ألقاه إخوته ‪،‬‬
‫دا ‪ ،‬فمكث في البئر ثلثة أيام ‪ ،‬فيما قاله‬ ‫وتركوه في ذلك الجب فريدا وحي ً‬
‫أبو بكر بن عياش )‪(1‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬لما ألقاه إخوته جلسوا حول البئر يومهم ذلك ‪،‬‬
‫سّيارة ‪ ،‬فنزلوا قريًبا من تلك )‬ ‫ينظرون ما يصنع وما ُيصنع به ‪ ،‬فساق الله له َ‬
‫‪ (2‬البئر ‪ ،‬وأرسلوا واردهم ‪ -‬وهو الذي يتطلب لهم الماء ‪ -‬فلما جاء تلك )‪(3‬‬
‫البئر ‪ ،‬وأدلى دلوه فيها ‪ ،‬تشبث يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فيها ‪ ،‬فأخرجه‬
‫م{‬ ‫غل ٌ‬ ‫ذا ُ‬
‫شَرى هَ َ‬ ‫واستبشر به ‪ ،‬وقال ‪َ } :‬يا ب ُ ْ‬
‫وقرأ بعض القراء ‪" :‬يا بشرى" ‪ ،‬زعم السدي أنه اسم رجل ناداه ذلك الرجل‬
‫ما‪ .‬وهذا القول من السدي غريب ؛‬ ‫الذي أدلى دلوه ‪ ،‬معلما له أنه أصاب غل ً‬
‫لنه لم ُيسَبق إلى تفسير هذه القراءة بهذا إل في رواية عن ابن عباس ‪،‬‬
‫والله أعلم‪ .‬وإنما معنى القراءة على هذا النحو يرجع إلى القراءة الخرى ‪،‬‬
‫ويكون قد أضاف البشرى إلى نفسه ‪ ،‬وحذف ياء الضافة وهو يريدها ‪ ،‬كما‬
‫س اصبري" ‪ ،‬و"يا غلم أقبل" ‪ ،‬بحذف حرف الضافة ‪،‬‬ ‫تقول العرب ‪" :‬يا نف ُ‬
‫ويجوز الكسر حينئذ والرفع ‪ ،‬وهذا منه ‪ ،‬وتفسرها القراءة الخرى } َيا‬
‫شَرى" { والله أعلم‪.‬‬ ‫بُ ْ‬
‫ة { أي ‪ :‬وأسره الواردون من بقية السيارة وقالوا ‪:‬‬ ‫ضاعَ ً‬ ‫َ‬
‫سّروهُ ب ِ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَأ َ‬
‫ضعناه من أصحاب الماء مخافة أن يشاركوهم فيه إذا علموا‬ ‫اشتريناه وتب ّ‬
‫خبره‪ .‬قاله مجاهد ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وابن جرير‪ .‬هذا قول‪.‬‬
‫ة { يعني ‪ :‬إخوة‬ ‫ضاعَ ً‬ ‫َ‬
‫سّروهُ ب ِ َ‬ ‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس قوله ‪ } :‬وَأ َ‬
‫يوسف ‪ ،‬أسروا شأنه ‪ ،‬وكتموا أن يكون أخاهم وكتم يوسف شأنه مخافة أن‬
‫يقتله إخوته ‪ ،‬واختار البيع‪ .‬فذكره إخوته لوارد القوم ‪ ،‬فنادى أصحابه ‪َ } :‬يا‬
‫م { يباع ‪ ،‬فباعه إخوته‪.‬‬ ‫غل ٌ‬ ‫ذا ُ‬ ‫شَرى هَ َ‬ ‫بُ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬يعلم ما يفعله إخوة يوسف‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ّ‬
‫وقوله ‪َ } :‬والل ُ‬
‫ومشتروه ‪ ،‬وهو قادر على تغيير ذلك ودفعه ‪ ،‬ولكن له حكمة وَقدَر سابق ‪،‬‬
‫فترك ذلك ليمضي ما قدره وقضاه ‪ ،‬أل له الخلق والمر ‪ ،‬تبارك الله رب‬
‫العالمين‪.‬‬
‫وفي هذا تعريض لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم )‪ ، (4‬وإعلمه له بأنني‬
‫عالم بأذى قومك ‪ ،‬وأنا قادر على النكار عليهم ‪ ،‬ولكني سأملي لهم ‪ ،‬ثم‬
‫أجعل لك العاقبة والحكم عليهم ‪ ،‬كما جعلت ليوسف الحكم والعاقبة على‬
‫إخوته‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" ،‬ابن عباس"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬ذلك"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬ذلك"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬صلوات الله عليه" وفي أ ‪" :‬صلوات الله عليه وسلمه"‪.‬‬
‫) ‪(4/376‬‬

‫فعََنا أ َوْ ن َت ّ ِ‬
‫خذ َهُ‬ ‫ن ي َن ْ َ‬ ‫َ‬
‫سى أ ْ‬ ‫واه ُ عَ َ‬ ‫مث ْ َ‬
‫مي َ‬
‫شتراه من مصر ِل َ َ‬
‫مَرأت ِهِ أك ْرِ ِ‬ ‫ذي ا ْ َ َ ُ ِ ْ ِ ْ َ ْ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫وََقا َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب‬
‫غال ِ ٌ‬‫ه َ‬ ‫ث َوالل ُ‬ ‫حاِدي ِ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ن ت َأِوي ِ‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م ُ‬
‫ض وَل ِن ُعَل َ‬‫ِ‬ ‫ف ِفي الْر‬ ‫س َ‬ ‫ّ‬
‫مكّنا ل ُِيو ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دا وَكذ َل ِك َ‬ ‫وَل َ ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫حك ْ ً‬‫شد ّه ُ آ َت َي َْناه ُ ُ‬ ‫ما ب َل َغَ أ ُ‬‫ن )‪ (21‬وَل َ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫س َل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫مرِهِ وَل َك ِ ّ‬ ‫عََلى أ ْ‬
‫ن )‪(22‬‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬
‫م ْ‬‫زي ال ْ ُ‬ ‫ج ِ‬
‫ك نَ ْ‬ ‫ما وَك َذ َل ِ َ‬ ‫عل ْ ً‬‫وَ ِ‬

‫دود َةٍ { يقول تعالى ‪ :‬وباعه إخوته‬ ‫معْ ُ‬ ‫م َ‬‫س د ََراهِ َ‬ ‫خ ٍ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫م ٍ‬ ‫شَروْهُ ب ِث َ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫رمة‪.‬‬ ‫عك ْ ِ‬ ‫بثمن قليل ‪ ،‬قاله مجاهد و ِ‬
‫قا {‬ ‫سا َول َرهَ ً‬ ‫خ ً‬ ‫ف بَ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫والبخس ‪ :‬هو النقص ‪ ،‬كما )‪ (1‬قال تعالى ‪َ } :‬فل ي َ َ‬
‫ن قليل ‪ ،‬وكانوا مع ذلك فيه من‬ ‫]الجن ‪ [13 :‬أي ‪ :‬اعتاض عنه إخوته بثمن ُدو ٍ‬
‫الزاهدين ‪ ،‬أي ‪ :‬ليس لهم رغبة فيه ‪ ،‬بل لو سألوه )‪ (2‬بل شيء لجابوا‪.‬‬
‫شَروْهُ {‬ ‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ :‬إن الضمير في قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫عائد على إخوة يوسف‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬بل هو عائد على السيارة‪.‬‬
‫ن { إنما أراد إخوته ‪ ،‬ل‬ ‫دي َ‬ ‫ن الّزاهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫كاُنوا ِفيهِ ِ‬ ‫والول أقوى ؛ لن قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫أولئك السيارة ؛ لن السيارة استبشروا به وأسروه بضاعة ‪ ،‬ولو كانوا فيه‬
‫شَروْه ُ { إنما هو‬ ‫زاهدين لما اشتروه ‪ ،‬فيرجح من هذا أن الضمير في } وَ َ‬
‫لخوته‪.‬‬
‫س { الحرام‪ .‬وقيل ‪ :‬الظلم‪ .‬وهذا وإن كان كذلك‬ ‫خ ٍ‬ ‫وقيل ‪ :‬المراد بقوله ‪ } :‬ب َ ْ‬
‫‪ ،‬لكن ليس هو المراد هنا ؛ لن هذا معلوم يعرفه كل أحد أن ثمنه حرام على‬
‫كل حال ‪ ،‬وعلى كل أحد ‪ ،‬لنه نبي ابن نبي ‪ ،‬ابن نبي ‪ ،‬ابن خليل الرحمن ‪،‬‬
‫فهو الكريم ‪ ،‬ابن الكريم ‪ ،‬ابن الكريم ‪ ،‬ابن الكريم ‪ ،‬وإنما المراد هنا بالبخس‬
‫الناقص أو الزيوف أو كلهما ‪ ،‬أي ‪ :‬إنهم إخوته ‪ ،‬وقد باعوه ومع هذا بأنقص‬
‫دود َةٍ { فعن ابن مسعود باعوه بعشرين‬ ‫معْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫الثمان ؛ ولهذا قال ‪ } :‬د ََراهِ َ‬
‫دي ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعطية‬ ‫س ّ‬ ‫وف الب َكالي ‪ ،‬وال ّ‬ ‫َ‬ ‫درهما ‪ ،‬وكذا قال ابن عباس ‪ ،‬ون َ ْ‬
‫وفي وزاد ‪ :‬اقتسموها درهمين درهمين‪.‬‬ ‫العَ ْ‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬اثنان وعشرون درهما‪.‬‬
‫ما‪.‬‬ ‫رمة ‪ :‬أربعون دره ً‬ ‫عك ْ ِ‬ ‫وقال محمد بن إسحاق و ِ‬
‫ن { وذلك أنهم لم يعلموا‬ ‫دي َ‬ ‫ن الّزاهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫وقال الضحاك في قوله ‪ } :‬وَكاُنوا ِفيهِ ِ‬
‫نبوته‬
‫ومنزلته عند الله عز وجل‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬لما باعوه جعلوا يتبعونهم ويقولون لهم ‪ :‬استوثقوا منه ل يأبق‬
‫حتى وقفوه بمصر ‪ ،‬فقال ‪ :‬من يبتاعني وليبشر ؟ فاشتراه الملك ‪ ،‬وكان‬
‫ما‪.‬‬
‫مسل ً‬
‫فعنا أوَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن ي َن ْ َ َ َ ْ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫واه ُ عَ َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫مي َ‬ ‫مَرأت ِهِ أك ْرِ ِ‬ ‫صَر ل ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شت ََراه ُ ِ‬ ‫ذي ا ْ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫} وََقا َ‬
‫هّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫دا وَكذ َل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ث َوالل ُ‬ ‫حاِدي ِ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ن ت َأِوي ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م ُ‬‫ض وَل ِن ُعَل َ‬ ‫ف ِفي الْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫مكّنا ل ُِيو ُ‬ ‫ك َ‬ ‫خذ َه ُ وَل ً‬ ‫ن َت ّ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫حك ً‬ ‫ما ب َلغَ أ ُ‬
‫شد ّه ُ آت َي َْناه ُ ُ‬ ‫ن )‪ (21‬وَل ّ‬ ‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل ُ‬ ‫ن أكث ََر الّنا ِ‬ ‫مرِهِ وَلك ِ ّ‬ ‫ب عَلى أ ْ‬ ‫غال ِ ٌ‬
‫ن )‪{ (22‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫زي ال ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما وَكذ َل ِك ن َ ْ‬ ‫عل ً‬‫ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وكما"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬لو سئلوا"‪.‬‬
‫) ‪(4/377‬‬

‫يخبر تعالى بألطافه بيوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنه قيض له الذي اشتراه من‬
‫مصر ‪ ،‬حتى اعتنى به وأكرمه ‪ ،‬وأوصى أهله به ‪ ،‬وتوسم فيه الخير والفلح ‪،‬‬
‫دا { وكان الذي‬ ‫خذ َه ُ وَل َ ً‬ ‫فعََنا أ َوْ ن َت ّ ِ‬ ‫ن ي َن ْ َ‬ ‫َ‬
‫سى أ ْ‬ ‫واه ُ عَ َ‬ ‫مث ْ َ‬
‫مي َ‬
‫َ‬
‫فقال لمرأته ‪ } :‬أك ْرِ ِ‬
‫اشتراه من مصر عزيزها ‪ ،‬وهو الوزير بها‪] .‬قال[ )‪ (1‬العوفي ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس ‪ :‬وكان اسمه قطفير‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬اسمه إطفير )‪ (2‬بن روحيب ‪ ،‬وهو العزيز ‪ ،‬وكان‬
‫على خزائن مصر ‪ ،‬وكان الملك يومئذ الرّيان بن الوليد ‪ ،‬رجل من العماليق‬
‫قال ‪ :‬واسم امرأته راعيل بنت رعائيل‪.‬‬
‫وقال غيره ‪ :‬اسمها زليخا‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق أيضا ‪ ،‬عن محمد بن السائب ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن‬
‫ابن عباس ‪ :‬كان الذي باعه بمصر مالك بن دعر بن ُبويب )‪ (3‬بن عنقا بن‬
‫مديان بن إبراهيم ‪ ،‬فالله أعلم‪.‬‬
‫وقال أبو إسحاق ‪ ،‬عن أبي عبيدة ‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود أنه قال ‪ :‬أفرس‬
‫َ‬
‫واه ُ { والمرأة التي‬ ‫مث ْ َ‬
‫مي َ‬ ‫الناس ثلثة ‪ :‬عزيز مصر حين قال لمرأته ‪ } :‬أك ْرِ ِ‬
‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫جْر َ‬
‫ست َأ َ‬‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خي َْر َ‬ ‫ن َ‬ ‫جْرهُ إ ِ ّ‬ ‫ست َأ ِ‬ ‫تا ْ‬ ‫قالت لبيها ]عن موسى[ )‪َ } : (4‬يا أب َ ِ‬
‫ن { ]القصص ‪ [26 :‬وأبو بكر الصديق حين استخلف عمر بن‬ ‫مي ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫قوِيّ ال ِ‬
‫الخطاب ‪ ،‬رضي الله عنهما )‪.(5‬‬
‫ف ِفي‬‫س َ‬ ‫مكّنا ل ُِيو ُ‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬وكما أنقذنا يوسف من إخوته ‪ } ،‬وَكذ َل ِك َ‬
‫ْ‬
‫ث { قال مجاهد‬ ‫حاِدي ِ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ن ت َأِوي ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ض { يعني ‪ :‬بلد مصر ‪ } ،‬وَل ِن ُعَل ّ َ‬ ‫الْر ِ‬
‫مرِهِ { أي )‪ (6‬إذا أراد شيئا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ب عَلى أ ْ‬ ‫ه غال ِ ٌ‬ ‫والسدي ‪ :‬هو تعبير الرؤيا ‪َ } ،‬والل ُ‬
‫فل يرد ول يمانع ول يخالف ‪ ،‬بل هو الغالب لما سواه‪.‬‬
‫َ‬
‫مرِهِ { أي ‪ :‬فعال لما‬ ‫ب عََلى أ ْ‬ ‫غال ِ ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫قال سعيد بن جبير في قوله ‪َ } :‬والل ّ ُ‬
‫يشاء‪.‬‬
‫َ‬
‫ن { يقول ‪ :‬ل يدرون حكمته في خلقه ‪،‬‬ ‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َك ِ ّ‬
‫وتلطفه لما يريد )‪.(7‬‬
‫َ‬
‫ما ب َل َغَ { أي ‪ :‬يوسف عليه السلم } أ ُ‬
‫شد ّه ُ { أي ‪ :‬استكمل‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل َ ّ‬
‫ما { يعني ‪ :‬النبوة ‪ ،‬إنه حباه بها بين‬ ‫عل ْ ً‬ ‫ما وَ ِ‬ ‫حك ْ ً‬‫عقله )‪ (8‬وتم خلقه‪ } .‬آت َي َْناه ُ ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬إنه كان محسًنا في عمله ‪،‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫زي ال ُ‬ ‫ج ِ‬‫ك نَ ْ‬ ‫أولئك القوام ‪ } ،‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫عامل بطاعة ربه تعالى‪.‬‬
‫وقد اخت ُِلف في مقدار المدة التي بلغ فيها أشده ‪ ،‬فقال ابن عباس ومجاهد‬
‫وقتادة ‪ :‬ثلث وثلثون‪ .‬وعن ابن عباس ‪ :‬بضع وثلثون‪ .‬وقال الضحاك ‪:‬‬
‫عشرون‪ .‬وقال الحسن ‪ :‬أربعون سنة‪ .‬وقال عكرمة ‪ :‬خمس وعشرون سنة‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬ثلثون سنة‪ .‬وقال سعيد بن جبير ‪ :‬ثمانية عشرة سنة‪ .‬وقال‬
‫المام مالك ‪ ،‬وربيعة ‪ ،‬وزيد بن أسلم ‪ ،‬والشعبي ‪ :‬الشد الحلم‪ .‬وقيل غير‬
‫ذلك ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬إظفير"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬نويب"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(16/19‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬فهو"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يريده"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬خلقه"‪.‬‬

‫) ‪(4/378‬‬

‫والله )‪ (1‬أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬فالله"‪.‬‬

‫) ‪(4/379‬‬

‫ت لَ َ‬ ‫َ‬
‫ك َقا َ‬
‫ل‬ ‫ب وََقال َ ْ‬
‫ت هَي ْ َ‬ ‫وا َ‬‫ت اْلب ْ َ‬
‫ق ِ‬‫سهِ وَغَل ّ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ه ال ِّتي هُوَ ِفي ب َي ْت َِها عَ ْ‬
‫ن نَ ْ‬ ‫وََراوَد َت ْ ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪(23‬‬ ‫مو َ‬‫ح الظال ِ ُ‬ ‫فل ِ ُ‬‫ه ل يُ ْ‬‫وايَ إ ِن ّ ُ‬ ‫مث ْ َ‬
‫ن َ‬
‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫مَعاذ َ اللهِ إ ِن ّ ُ‬
‫ه َرّبي أ ْ‬ ‫َ‬

‫ل‬‫ك َقا َ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫ت هَي ْ َ‬ ‫ب وََقال َ ْ‬ ‫وا َ‬ ‫ت الب ْ َ‬ ‫ق ِ‬‫سهِ وَغَل ّ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫ه ال ِّتي هُوَ ِفي ب َي ْت َِها عَ ْ‬ ‫} وََراوَد َت ْ ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (23‬‬ ‫مو َ‬ ‫ح الظال ِ ُ‬ ‫فل ِ ُ‬
‫ه ل يُ ْ‬ ‫وايَ إ ِن ّ ُ‬ ‫مث ْ َ‬
‫ن َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ه َرّبي أ ْ‬ ‫مَعاذ َ الل ّهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫يخبر تعالى عن امرأة العزيز التي كان يوسف في بيتها بمصر ‪ ،‬وقد أوصاها‬
‫سهِ { أي ‪ :‬حاولته‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫ه ال ِّتي هُوَ ِفي ب َي ْت َِها[ عَ ْ‬ ‫زوجها به وبإكرامه ] } وََراوَد َت ْ ُ‬
‫دا لجماله وحسنه‬ ‫على )‪ (1‬نفسه ‪ (2) ،‬ودعته إليها ‪ ،‬وذلك أنها أحبته حًبا شدي ً‬
‫وبهائه ‪ ،‬فحملها ذلك على أن تجملت له ‪ ،‬وغلقت عليه البواب ‪ ،‬ودعته إلى‬
‫مَعاذ َ‬‫ل َ‬ ‫ك { فامتنع من ذلك أشد المتناع ‪ ،‬و } َقا َ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫ت هَي ْ َ‬ ‫نفسها ‪ } ،‬وََقال َ ْ‬
‫َ‬
‫ي[ { )‪ (3‬وكانوا يطلقون "الرب" )‪ (4‬على السيد‬ ‫وا َ‬ ‫مث ْ َ‬‫ن َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ه َرّبي ]أ ْ‬ ‫الل ّهِ إ ِن ّ ُ‬
‫والكبير ‪ ،‬أي ‪ :‬إن بعلك ربي أحسن )‪ (5‬مثواي أي ‪ :‬منزلي وأحسن إلي ‪ ،‬فل‬
‫ن { قال ذلك مجاهد ‪،‬‬ ‫مو َ‬ ‫ح ال ّ‬
‫ظال ِ ُ‬ ‫فل ِ ُ‬‫ه ل يُ ْ‬ ‫أقابله بالفاحشة في أهله ‪ } ،‬إ ِن ّ ُ‬
‫والسدي ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫ك { فقرأه كثيرون بفتح الهاء ‪،‬‬ ‫ت لَ َ‬ ‫وقد اختلف القراء في قراءة ‪ } :‬هَي ْ َ‬
‫وإسكان الياء ‪ ،‬وفتح التاء‪ .‬وقال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وغير واحد ‪ :‬معناه ‪:‬‬
‫أنها تدعوه إلى نفسها‪ .‬وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬والعوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪:‬‬
‫رمة ‪ ،‬والحسن‬ ‫عك ْ ِ‬ ‫ك { تقول ‪ :‬هلم لك‪ .‬وكذا قال زِّر بن حبيش ‪ ،‬و ِ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫} هَي ْ َ‬
‫وقتادة‪.‬‬
‫قال عمرو بن عب َُيد ‪ ،‬عن الحسن ‪ :‬وهي كلمة بالسريانية ‪ ،‬أي ‪ :‬عليك‪.‬‬
‫ك { أي ‪ :‬هلم لك ‪ ،‬وهي بالقبطية‪.‬‬ ‫ت لَ َ‬ ‫وقال السدي ‪ } :‬هَي ْ َ‬
‫قال مجاهد ‪ :‬هي لغة عربية )‪ (6‬تدعوه بها‪.‬‬
‫حوَْرانية‪.‬‬ ‫ك { هَلم لك بال َ‬ ‫ُ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫وقال البخاري ‪ :‬وقال عكرمة ‪ } :‬هَي ْ َ‬
‫قا ‪ ،‬وقد أسنده المام أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثني أحمد بن‬ ‫وهكذا ذكره معل ً‬
‫جَزري )‬ ‫سهَْيل الواسطي ‪ ،‬حدثنا قّرة بن قيسى ‪ ،‬حدثنا النضر بن عربي ال َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ت لك { قال ‪ :‬هلم لك‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪ ، (7‬عن عكرمة مولى ابن عباس في قوله ‪ } :‬هَي ْ َ‬
‫قال ‪ :‬هي بالحورانية‪.‬‬
‫وقال أبو عبيد القاسم بن سلم ‪ :‬وكان الكسائي يحكي )‪ (8‬هذه القراءة ‪-‬‬
‫وران ‪ ،‬وقعت إلى أهل‬ ‫ح ْ‬ ‫ك { ‪ -‬ويقول ‪ :‬هي لغة ‪ ،‬لهل َ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫يعني ‪ } :‬هَي ْ َ‬
‫ما من أهل حوران ‪،‬‬ ‫خا عال ً‬ ‫الحجاز ‪ ،‬معناها ‪ :‬تعال‪ .‬وقال أبو عبيد ‪ :‬سألت شي ً‬
‫فذكر أنها لغتهم يعرفها‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ذلك"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أكرم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬غريبة"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪+" :‬غربي ‪+‬الحوري"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يحب"‪.‬‬

‫) ‪(4/379‬‬

‫واستشهد المام ابن جرير على هذه القراءة بقول )‪ (1‬الشاعر لعلي بن أبى‬
‫طالب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق إَذا أَتيَنا‪...‬‬ ‫منين‪ ...‬أخا الِعرا ِ‬ ‫مَير المؤ ِ‬ ‫أب ْْلغ أ ِ‬
‫َ‬
‫ت هَْيتا‪...‬‬ ‫ك فََهي َ‬ ‫ه‪ ...‬عُن ُقٌ إلي َ‬ ‫ن الِعراقَ وَأهْل َ ُ‬ ‫إ ّ‬
‫يقول ‪ :‬فتعال واقترب )‪(2‬‬
‫ت لك" بكسر الهاء والهمزة ‪ ،‬وضم التاء ‪ ،‬بمعنى ‪:‬‬ ‫هئ ُ‬ ‫وقرأ ذلك آخرون ‪ِ " :‬‬
‫ى هي َْئة وممن روي عنه هذه‬ ‫تهيأت لك ‪ ،‬من قول القائل ‪ :‬هئت للمر أه ِ‬
‫القراءة ابن عباس ‪ ،‬وأبو عبد الرحمن السلمي ‪ ،‬وأبو وائل ‪ ،‬وعكرمة ‪،‬‬
‫وقتادة ‪ ،‬وكلهم يفسرها بمعنى ‪ :‬تهيأت لك‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وكان أبو عمرو والكسائي ينكران هذه القراءة‪ .‬وقرأ عبد الله‬
‫بن إسحاق )‪ (3‬هيت" ‪ " ،‬بفتح الهاء وكسر التاء ‪ :‬وهي غريبة‪.‬‬
‫ت" بفتح الهاء ‪ ،‬وضم التاء ‪ ،‬وأنشد‬ ‫وقرأ آخرون ‪ ،‬منهم عامة أهل المدينة "هَي ْ ُ‬
‫)‪ (4‬قول الشاعر ‪(5) :‬‬
‫ت‪...‬‬
‫هي ُ‬
‫شيرِةَ ‪َ :‬‬‫ن العَ ِ‬ ‫ل َداٍع م َ‬ ‫ما‪َ ...‬قا َ‬ ‫دين إ َِذا َ‬ ‫مي بالب ْعَ ِ‬ ‫س َقو ِ‬ ‫َلي َ‬
‫قال عبد الرزاق ‪ :‬أنبأنا الثوري ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي وائل قال ‪ :‬قال ابن‬
‫قَرأة فسمعتهم متقاربين ‪ ،‬فاقرءوا كما عُّلمتم ‪ ،‬وإياكم‬ ‫مسعود ‪ :‬قد سمعت ال َ‬
‫والتنطع والختلف ‪ ،‬فإنما هو كقول أحدكم ‪" :‬هلم" و"تعال" ثم قرأ عبد‬
‫ت‬‫ك { فقال ‪ :‬يا أبا عبد الرحمن ‪ ،‬إن ناسا يقرءونها ‪" :‬هَي ْ ُ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫الله ‪ } :‬هَي ْ َ‬
‫ب إلي )‪(7‬‬ ‫ّ‬ ‫أح‬ ‫‪،‬‬ ‫لمت‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫كما‬ ‫أقرأها‬ ‫إني‬ ‫‪:‬‬ ‫الله‬ ‫عبد‬ ‫فقال‬ ‫]َلك[" )‪ (6‬؟‬
‫كيع ‪ ،‬حدثنا ابن عُي َْينة ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن أبي‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني ابن وَ ِ‬
‫ك { فقال له مسروق ‪ :‬إن ناسا يقرءونها‬ ‫ت لَ َ‬‫وائل قال ‪ :‬قال عبد الله ‪ } :‬هَي ْ َ‬
‫ت ‪ ،‬أحب إلي )‪(8‬‬ ‫ت َلك" ؟ فقال ‪ :‬دعوني ‪ ،‬فإني أقرأ كما أقْ ِ‬
‫رئ ُ‬ ‫‪" :‬هَي ْ ُ‬
‫ضا ‪ :‬حدثني المثنى ‪ ،‬حدثنا آدم بن أبي إياس ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن‬ ‫وقال أي ً‬
‫ك { بنصب الهاء والتاء ول بهمز‪.‬‬ ‫َ‬
‫تل َ‬ ‫شقيق ‪ ،‬عن ابن مسعود قال ‪ } :‬هَي ْ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬قول"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪.(16/25‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬عبد الله بن أبي إسحاق"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وأنشدوا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬هو طرفة بن العبد ‪ ،‬والبيت في تفسير الطبري )‪.(16/30‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬تفسير عبد الرزاق )‪.(1/279‬‬
‫)‪ (8‬تفسير الطبري )‪.(16/31‬‬

‫) ‪(4/380‬‬

‫سوَء‬
‫ه ال ّ‬
‫ف عَن ْ ُ‬
‫صرِ َ‬ ‫ن َرب ّهِ ك َذ َل ِ َ‬
‫ك ل ِن َ ْ‬ ‫ن َرَأى ب ُْر َ‬
‫ها َ‬
‫َ‬
‫م ب َِها ل َوَْل أ ْ‬ ‫ت ب ِهِ وَهَ ّ‬ ‫م ْ‬‫قد ْ ه َ ّ‬‫وَل َ َ‬
‫ن )‪(24‬‬ ‫خل َ ِ‬
‫صي َ‬ ‫م ْ‬ ‫عَبادَِنا ال ْ ُ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬‫شاَء إ ِن ّ ُ‬ ‫ح َ‬‫ف ْ‬‫َوال ْ َ‬

‫ت َلك" ‪ ،‬بكسر الهاء ‪ ،‬وإسكان الياء ‪ ،‬وضم التاء‪.‬‬ ‫وقال )‪ (1‬آخرون ‪" :‬هِي ْ ُ‬
‫قال أبو عَُبيدة معمر بن المثنى ‪" :‬هيت" ل تثنى ول تجمع ول تؤنث ‪ ،‬بل‬
‫ت لكما ‪،‬‬ ‫ت لك ‪ ،‬وهي َ‬ ‫ت َلك ‪ ،‬وهي َ‬ ‫يخاطب الجميع بلفظ واحد ‪ ،‬فيقال ‪ :‬هي َ‬
‫ت لهن )‪(2‬‬ ‫ت لكم ‪ ،‬وهي َ‬ ‫وهي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سوءَ‬‫ه ال ّ‬ ‫ف عَن ْ ُ‬‫صرِ َ‬ ‫ك ل ِن َ ْ‬‫ن َرب ّهِ ك َذ َل ِ َ‬
‫ها َ‬
‫ن َرأى ب ُْر َ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫م ب َِها ل َ ْ‬
‫ت ب ِهِ وَهَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫قد ْ ه َ ّ‬‫} وَل َ َ‬
‫ن )‪{ (24‬‬ ‫صي َ‬ ‫خل َ ِ‬ ‫عَبادَِنا ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬
‫ه ِ‬ ‫شاَء إ ِن ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ف ْ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫اختلفت أقوال الناس وعباراتهم في هذا المقام ‪ ،‬وقد روي عن ابن عباس ‪،‬‬
‫ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وطائفة من السلف في ذلك ما ذكره ابن جرير‬
‫وغيره ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫خطرات حديث )‪ (3‬النفس‪ .‬حكاه البغوي‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫وقال بعضهم ‪ :‬المراد بهمه بها هَ ّ‬
‫عن بعض أهل التحقيق ‪ ،‬ثم أورد )‪ (4‬البغوي هاهنا حديث عبد الرزاق ‪ ،‬عن‬
‫مر ‪ ،‬عن همام ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله‬ ‫معْ َ‬‫َ‬
‫م عبدي بحسنة فاكتبوها له‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يقول الله تعالى ‪ :‬إذا هَ ّ‬
‫حسنة ‪ ،‬فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها ‪ ،‬وإن هم بسيئة فلم يعملها‬
‫جّرائي ‪ ،‬فإن عملها فاكتبوها بمثلها" )‪.(5‬‬ ‫فاكتبوها حسنة ‪ ،‬فإنما تركها من َ‬
‫وهذا الحديث مخرج في الصحيحين )‪ (6‬وله ألفاظ كثيرة ‪ ،‬هذا منها‪.‬‬
‫ن َرَأى‬ ‫َ‬
‫ول أ ْ‬ ‫م ب َِها ل َ ْ‬‫وقيل ‪ :‬هم بضربها‪ .‬وقيل ‪ :‬تمناها زوجة‪ .‬وقيل ‪ } :‬وَهَ ّ‬
‫ن َرب ّهِ { أي ‪ :‬فلم يهم بها‪.‬‬ ‫ها َ‬ ‫ب ُْر َ‬
‫وفي هذا القول نظر من حيث العربية ‪ ،‬ذكره ابن جرير وغيره )‪.(7‬‬
‫وأما البرهان الذي رآه ففيه أقوال أيضا ‪ :‬فعن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد‬
‫بن جبير ‪ ،‬ومحمد بن سيرين ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وأبي صالح ‪ ،‬والضحاك ‪،‬‬
‫ومحمد بن إسحاق ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬رأى صورة أبيه يعقوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬عاضا‬
‫على أصبعه بفمه )‪.(8‬‬
‫وقيل عنه في رواية ‪ :‬فضرب في صدر يوسف‪.‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬رأى خيال )‪ (9‬الملك ‪ ،‬يعني ‪ :‬سيده ‪ ،‬وكذا‬
‫قال محمد بن إسحاق ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وقرأ"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬لهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وحديث"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬وأورد"‪.‬‬
‫)‪ (5‬معالم التنزيل )‪.(4/231‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪ (7501‬وصحيح مسلم برقم )‪.(205‬‬
‫)‪ (7‬تفسير الطبري )‪ (39 ، 16/38‬وما ذكره الحافظ هنا في معنى الهم غير‬
‫مسلم به ‪ ،‬والراجح هو ما اختاره أبو حيان في تفسيره ونقله عنه العلمة‬
‫الشنقيطي في "أضواء البيان" )‪ (3/60‬وقال ‪" :‬والجواب الثاني ‪ -‬وهو الذي‬
‫اختاره أبو حيان ‪ -‬أن يوسف لم يقع منه هم أصل ‪ ،‬بل هو ‪+‬منفى عنه لوجود‬
‫البرهان‪ "...‬وانظر بقية كلمه هناك‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يعظه"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تمثال"‪.‬‬

‫) ‪(4/381‬‬

‫جَزاءُ‬ ‫ما َ‬ ‫ت َ‬ ‫ب َقال َ ْ‬ ‫دى ال َْبا ِ‬ ‫ها ل َ َ‬ ‫سي ّد َ َ‬ ‫فَيا َ‬ ‫ن د ُب ُرٍ وَأ َل ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫مي َ‬ ‫ت قَ ِ‬ ‫ب وَقَد ّ ْ‬ ‫قا ال َْبا َ‬ ‫ست َب َ َ‬ ‫َوا ْ‬
‫ن‬ ‫م )‪َ (25‬قا َ‬ ‫َ‬ ‫ن أوْ عَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن أَراد َ ب ِأهْل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ي َراوَد َت ِْني عَ ْ‬ ‫ل هِ َ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ج َ‬ ‫س َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫سوًءا إ ِل أ ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫د‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ب‬‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫د‬‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ه‬ ‫ص‬ ‫مي‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ها‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫شا‬ ‫د‬ ‫ه‬‫ش‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫سي‬ ‫ْ‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫نَ‬
‫ن )‪(27‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت وَهُوَ ِ‬ ‫َ‬
‫ن د ُب ُرٍ فَكذ َب َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه قُد ّ ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫مي ُ‬ ‫ن قَ ِ‬ ‫ن كا َ‬ ‫َ‬ ‫ن )‪ (26‬وَإ ِ ْ‬ ‫الكاذِِبي َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫م )‪(28‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن كي ْد َك ّ‬ ‫َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫ُ‬
‫ن كي ْدِك ّ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل إ ِن ّ ُ‬‫ن د ُب ُرٍ َقا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه قُد ّ ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫مي َ‬ ‫ما َرأى قَ ِ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(29‬‬ ‫خاط ِِئي َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ك ك ُن ْ ِ‬ ‫ك إ ِن ّ ِ‬ ‫ري ل ِذ َن ْب ِ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ذا َوا ْ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ض عَ ْ‬ ‫ف أعْرِ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ُيو ُ‬

‫فيما حكاه عن بعضهم ‪ :‬إنما هو خيال إطفير سيده ‪ ،‬حين دنا من الباب )‪.(1‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو ك َُرْيب ‪ ،‬حدثنا وكيع ‪ ،‬عن أبي مودود )‪ (2‬سمعت‬
‫قَرظي قال ‪ :‬رفع يوسف رأسه إلى سقف البيت ‪ ،‬فإذا‬ ‫من محمد بن كعب ال ُ‬
‫سِبيل {‬ ‫ساَء َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ش ً‬ ‫ح َ‬ ‫ن َفا ِ‬ ‫ه كا َ‬ ‫َ‬ ‫قَرُبوا الّزَنا إ ِن ّ ُ‬ ‫كتاب في حائط البيت ‪َ } :‬ول ت َ ْ‬
‫]السراء ‪[32 :‬‬
‫شر المدني ‪ ،‬عن محمد بن كعب‪.‬‬ ‫معْ َ‬ ‫وكذا رواه أبو َ‬
‫وقال عبد الله بن وهب ‪ ،‬أخبرني نافع بن يزيد ‪ ،‬عن أبي صخر قال ‪ :‬سمعت‬
‫القرظي يقول في ‪" :‬البرهان" الذي رأى يوسف ‪ :‬ثلث آيات من كتاب الله‬
‫ن ِفي‬ ‫كو ُ‬ ‫ما ت َ ُ‬ ‫ن { الية ]النفطار ‪ ، [10 :‬وقوله ‪ } :‬وَ َ‬ ‫ظي َ‬ ‫حافِ ِ‬ ‫م لَ َ‬ ‫ن عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫} وَإ ِ ّ‬
‫ما‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ئ‬‫قا‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقوله‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬ ‫‪61‬‬ ‫‪:‬‬ ‫]يونس‬ ‫‪:‬‬ ‫الية‬ ‫{‬ ‫ن‬ ‫َ ْ‬
‫ٍ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ َ ِ ٌ َ‬ ‫شأ ٍ‬
‫ت { ]الرعد ‪[33 :‬قال نافع ‪ :‬سمعت أبا هلل يقول مثل قول القرظي ‪،‬‬ ‫سب َ ْ‬ ‫كَ َ‬
‫قَرُبوا الّزَنا { ]السراء ‪[32 :‬‬ ‫وزاد آية رابعة } َول ت َ ْ‬
‫وقال الوزاعي ‪ :‬رأى آية من كتاب الله في الجدار تنهاه )‪ (3‬عن ذلك‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬والصواب أن يقال ‪ :‬إنه رأى من آيات الله ما زجره عما كان‬
‫هم به ‪ ،‬وجائز أن يكون صورة يعقوب ‪ ،‬وجائز أن يكون ]صورة[ )‪ (4‬الملك ‪،‬‬
‫وجائز أن يكون ما رآه مكتوبا من الزجر عن ذلك‪ .‬ول حجة قاطعة على تعيين‬
‫شيء من ذلك ‪ ،‬فالصواب أن يطلق كما قال الله تعالى‪.‬‬
‫شاَء { أي ‪ :‬كما أريناه برهانا‬ ‫ح َ‬ ‫ف ْ‬ ‫سوَء َوال ْ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ف عَن ْ ُ‬ ‫صرِ َ‬ ‫ك ل ِن َ ْ‬ ‫قال ‪ :‬وقوله ‪ } :‬ك َذ َل ِ َ‬
‫صرفه عما كان فيه ‪ ،‬كذلك نقيه السوء والفحشاء في جميع أموره‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬من المجتبين المطهرين المختارين‬ ‫صي َ‬ ‫خل َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عَبادَِنا ال ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫} إ ِن ّ ُ‬
‫المصطفين الخيار ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه‪.‬‬
‫ما‬
‫ت َ‬ ‫َ‬
‫ب قال ْ‬ ‫َ‬ ‫دى الَبا ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ها ل َ‬ ‫سي ّد َ َ‬ ‫فَيا َ‬ ‫ن د ُب ُرٍ وَأ َل ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫مي َ‬ ‫ت قَ ِ‬ ‫ب وَقَد ّ ْ‬ ‫قا ال َْبا َ‬ ‫ست َب َ َ‬ ‫} َوا ْ‬
‫ي َراوَد َت ِْني‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫(‬ ‫‪25‬‬ ‫)‬ ‫م‬ ‫لي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫إل‬ ‫ءا‬
‫ً‬ ‫سو‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ َ‬ ‫ٌ ِ ٌ‬ ‫ْ ُ ْ َ َ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫جَزاُء َ ْ َ َ ِ ْ ِ‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫را‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫د‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ه‬ ‫ص‬ ‫مي‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ها‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫و‬ ‫سي‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ َ ْ َ ُ َ‬ ‫َ ِ ُ ُ ّ ِ ْ ُ ٍ‬ ‫ِ ٌ ِ ْ ْ َِ ِ ْ‬ ‫َ ِ َ‬ ‫ْ َ ِ‬
‫ن)‬ ‫قي‬
‫ّ ِ ِ َ‬ ‫د‬ ‫صا‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫َ ْ َ ُ َ ِ َ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫ن‬
‫َ ِ ُ ُ ّ ِ ْ ُُ ٍ‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ه‬ ‫ص‬ ‫مي‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ن‬‫َِ ْ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪26‬‬ ‫)‬ ‫ن‬
‫كا ِ ِ َ‬
‫بي‬ ‫ذ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫م )‪(28‬‬ ‫ظي‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ه‬ ‫ص‬ ‫مي‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫أى‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬ ‫‪27‬‬
‫ِ ٌ‬ ‫ِّ ُ ِ ْ ْ ِ ّ ِ ّ ْ َ ّ‬ ‫ِ َ ُ ّ ِ ْ ُُ ٍ‬ ‫ّ َ‬
‫ن )‪{ (29‬‬ ‫ئي‬ ‫ط‬ ‫خا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ل‬ ‫ري‬ ‫ف‬ ‫غ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫وا‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ض‬ ‫يوس ُ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف أعْ ِ ْ‬‫ر‬ ‫ُ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬قال شيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬في الفتاوى )‪" : (10/297‬وما‬
‫ينقل من أنه حل سراويله وجلس مجلس الرجل من المرأة وأنه رأى صورة‬
‫يعقوب عاضا على يده وأمثال ذلك ‪ ،‬فهو مما لم يخبر الله به ول رسوله ‪،‬‬
‫وما لم يكن كذلك ‪ ،‬فإنما هو مأخوذ عن اليهود الذين هم من أعظم الناس‬
‫كذبا على النبياء ‪ ،‬وقدحا فيهم ‪ ،‬وكل من نقله من المسلمين فعنهم نقله ‪،‬‬
‫لم ينقل من ذلك أحد عن نبينا صلى الله عليه وسلم حرفا واحدا"‪ .‬وانظر ‪:‬‬
‫السرائيليات في كتب التفسير لمحمد أبو شهبة )ص ‪.(225 - 220‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬مردود"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬والجدار نهاه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/382‬‬

‫يخبر تعالى عن حالهما حين خرجا يستبقان إلى الباب ‪ ،‬يوسف هارب ‪،‬‬
‫والمرأة تطلبه ليرجع إلى البيت ‪ ،‬فلحقته في أثناء ذلك ‪ ،‬فأمسكت بقميصه‬
‫دا فظيعا ‪ ،‬يقال ‪ :‬إنه سقط عنه ‪ ،‬واستمر‬ ‫دته )‪ (2‬ق ً‬ ‫ق ّ‬‫]من ورائه[ )‪ (1‬فَ َ‬
‫يوسف هاربا ذاهبا ‪ ،‬وهي في إثره ‪ ،‬فألفيا سيدها ‪ -‬وهو زوجها ‪ -‬عند الباب ‪،‬‬
‫فعند ذلك خرجت مما هي فيه بمكرها وكيدها ‪ ،‬وقالت لزوجها متنصلة وقاذفة‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫سوًءا { أي ‪ (3) :‬فاحشة ‪ِ } ،‬إل أ ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫ن أ ََراد َ ب ِأ َهْل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫جَزاُء َ‬ ‫ما َ‬ ‫يوسف بدائها ‪َ } :‬‬
‫دا موجعا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬يحبس ‪ } ،‬أوْ عَ َ‬
‫م { أي ‪ :‬يضرب ضربا شدي ً‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ج َ‬ ‫س َ‬ ‫يُ ْ‬
‫فعند ذلك انتصر يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬بالحق ‪ ،‬وتبرأ مما رمته به من‬
‫سي { وذكر أنها اتبعته‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬
‫ي َراوَد َت ِْني عَ ْ‬ ‫الخيانة ‪ ،‬وقال بارا صادقا )‪ } (4‬هِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه قُد ّ‬ ‫ص ُ‬
‫مي ُ‬ ‫ن قَ ِ‬ ‫ن كا َ‬ ‫ن أهْل َِها إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬‫شاهِد ٌ ِ‬ ‫شهِد َ َ‬ ‫تجذبه إليها حتى قدت قميصه ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ت { أي ‪ :‬في قولها إنه أرادها على‬ ‫صد َقَ ْ‬ ‫ل { أي ‪ :‬من قدامه ‪ } ،‬فَ َ‬ ‫ن قُب ُ ٍ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫نفسها ‪ ،‬لنه يكون لما دعاها وأبت عليه دفعته في صدره ‪ ،‬فقدت قميصه ‪،‬‬
‫ن{‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫ت وَهُوَ ِ‬ ‫ن د ُب ُرٍ فَك َذ َب َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه قُد ّ ِ‬ ‫ص ُ‬‫مي ُ‬ ‫ن قَ ِ‬‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫فيصح ما قالت ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫وذلك يكون كما وقع لما هرب منها ‪ ،‬وتطلبته أمسكت بقميصه من ورائه‬
‫لترّده إليها ‪ ،‬فقدت قميصه من ورائه‪.‬‬
‫وقد اختلفوا في هذا الشاهد ‪ :‬هل هو صغير أو كبير ‪ ،‬على قولين لعلماء‬
‫السلف ‪ ،‬فقال عبد الرزاق ‪:‬‬
‫د‬
‫ِ ٌ‬ ‫ه‬ ‫شا‬‫َ‬ ‫د‬ ‫ه‬‫ش‬
‫َ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫عباس‬ ‫ابن‬ ‫عن‬ ‫‪،‬‬ ‫رمة‬ ‫ْ‬
‫ِ ِ‬‫ك‬ ‫ع‬ ‫عن‬ ‫‪،‬‬ ‫ماك‬ ‫س َ‬
‫أخبرنا إسرائيل ‪ ،‬عن ِ‬
‫ن أ َهْل َِها { قال ‪ :‬ذو لحية‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫كة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬كان من‬ ‫مل َي ْ َ‬
‫ُ‬ ‫أبي‬ ‫ابن‬ ‫عن‬ ‫‪،‬‬ ‫جابر‬ ‫عن‬ ‫‪،‬‬ ‫الثوري‬ ‫وقال‬
‫دي ‪،‬‬ ‫ّ ّ‬ ‫س‬ ‫وال‬ ‫‪،‬‬ ‫وقتادة‬ ‫‪،‬‬ ‫والحسن‬ ‫‪،‬‬ ‫وعكرمة‬ ‫خاصة الملك‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪،‬‬
‫ومحمد بن إسحاق ‪ :‬إنه كان رجل‪.‬‬
‫وقال زيد بن أسلم ‪ ،‬والسدي ‪ :‬كان ابن عمها‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬كان من خاصة الملك‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن إسحاق أن زليخا كانت بنت أخت الملك الريان بن الوليد‪.‬‬
‫ن أ َهْل َِها { قال ‪:‬‬ ‫م ْ‬ ‫شاهِد ٌ ِ‬ ‫شهِد َ َ‬ ‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ساف ‪ ،‬والحسن ‪،‬‬ ‫كان صبيا في المهد‪ .‬وكذا ُروي عن أبي هريرة ‪ ،‬وهلل بن ي َ َ‬
‫مزاحم ‪ :‬أنه كان صبيا في الدار‪ .‬واختاره ابن‬ ‫وسعيد بن جبير والضحاك بن ُ‬
‫جرير‪.‬‬
‫وقد ورد فيه حديث مرفوع فقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا الحسن بن محمد ‪ ،‬حدثنا‬
‫عفان ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ -‬هو ابن سلمة ‪ -‬أخبرني عطاء بن السائب ‪ ،‬عن سعيد‬
‫بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن النبي‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقدت"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تعني"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬صادقا بارا"‪.‬‬

‫) ‪(4/383‬‬

‫ل ن ِسوة ٌ في ال ْمدينة ا َ‬
‫حّبا إ ِّنا‬
‫فَها ُ‬ ‫سهِ قَد ْ َ‬
‫شغَ َ‬ ‫ف ِ‬
‫ن نَ ْ‬
‫ها عَ ْ‬ ‫مَرأةُ ال ْعَ ِ‬
‫زيزِ ت َُراوِد ُ فََتا َ‬ ‫َ ِ َ ِ ْ‬ ‫وََقا َ ْ َ ِ‬
‫ن )‪(30‬‬ ‫َ‬ ‫ل َن ََرا َ‬
‫مِبي ٍ‬
‫ل ُ‬
‫ضل ٍ‬ ‫ها ِفي َ‬

‫صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬تكلم أربعة وهم صغار" ‪ ،‬فذكر فيهم شاهد‬
‫يوسف )‪.(1‬‬
‫ورواه غيره عن حماد بن سلمة ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن سعيد ‪ ،‬عن ابن عباس ؛ أنه‬
‫قال ‪ :‬تكلم أربعة وهم صغار ‪ :‬ابن ماشطة بنت فرعون ‪ ،‬وشاهد يوسف ‪،‬‬
‫جَرْيج ‪ ،‬وعيسى ابن مريم )‪.(2‬‬ ‫وصاحب ُ‬
‫وقال ليث بن أبي سليم ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬كان من أمر الله ‪ ،‬ولم يكن إنسيا‪.‬‬
‫وهذا قول غريب‪.‬‬
‫َ‬
‫ق‬
‫ن د ُب ُرٍ { أي ‪ :‬فلما تحقق زوجها صد َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه قُد ّ ِ‬
‫ص ُ‬
‫مي َ‬‫ما َرأى قَ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَل َ ّ‬
‫ن { أي ‪ :‬إن هذا‬ ‫ن ك َي ْدِك ُ ّ‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫ل إ ِن ّ ُ‬‫يوسف وكذبها فيما قذفته ورمته به ‪َ } ،‬قا َ‬
‫ن‬‫البهت والّلطخ الذي لطخت عرض هذا الشاب به من جملة كيدكن ‪ } ،‬إ ِ ّ‬
‫م{‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ك َي ْد َك ُ ّ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ض عَ ْ‬ ‫ف أعْرِ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ثم قال آمرا ليوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬بكتمان ما وقع ‪ :‬يا } ُيو ُ‬
‫ذا { أي ‪ :‬اضرب عن هذا ]المر[ )‪ (3‬صفحا ‪ ،‬فل تذكره لحد ‪،‬‬ ‫هَ َ‬
‫ك { يقول لمرأته وقد كان لين العريكة سهل أو أنه‬ ‫ري ل ِذ َن ْب ِ ِ‬ ‫ف ِ‬‫ست َغْ ِ‬
‫} َوا ْ‬
‫ك { أي ‪:‬‬ ‫ري ل ِذ َن ْب ِ ِ‬‫ف ِ‬‫ست َغْ ِ‬ ‫عذرها ؛ لنها رأت ما ل صبر لها عنه ‪ ،‬فقال لها ‪َ } :‬وا ْ‬
‫ذفه بما هو بريء‬ ‫الذي )‪ (4‬وقع منك من إرادة السوء بهذا الشاب ‪ ،‬ثم قَ ْ‬
‫ن{‬ ‫خاط ِِئي َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬‫ك ك ُن ْ ِ‬ ‫منه ‪ ،‬استغفري من هذا الذي وقع منك ‪ } ،‬إ ِن ّ ِ‬
‫ل ن ِسوة ٌ في ال ْمدينة ا َ‬
‫حّبا‬
‫فَها ُ‬ ‫شغَ َ‬ ‫سهِ قَد ْ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫ها عَ ْ‬ ‫زيزِ ت َُراوِد ُ فََتا َ‬‫مَرأةُ ال ْعَ ِ‬‫َ ِ َ ِ ْ‬ ‫} وََقا َ ْ َ ِ‬
‫ن )‪{ (30‬‬ ‫مِبي ٍ‬
‫ل ُ‬‫ضل ٍ‬ ‫ها ِفي َ‬ ‫إ ِّنا ل َن ََرا َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪ (16/55‬ورواه أحمد في المسند )‪ (1/310‬والحاكم في‬
‫المستدرك )‪ (2/496‬من طريق حماد بن سلمة به ‪ ،‬وصححه الحاكم ووافقه‬
‫الذهبي‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه العلء بن عبد الجبار عن حماد موقوفا أخرجه الطبري في تفسيره‬
‫)‪.(16/54‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬للذي"‪.‬‬

‫) ‪(4/384‬‬
‫ً َ‬ ‫َ‬ ‫فَل َما سمعت بمك ْره َ‬
‫ن‬
‫من ْهُ ّ‬ ‫حد َةٍ ِ‬‫ل َوا ِ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫مت ّك َأ وَآت َ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ت ل َهُ ّ‬ ‫ن وَأعْت َد َ ْ‬ ‫ت إ ِل َي ْهِ ّ‬ ‫سل َ ْ‬ ‫ن أْر َ‬ ‫ّ َ ِ َ ْ ِ َ ِ ِ ّ‬
‫هّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ش ل ِل ِ‬ ‫حا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن وَقل َ‬ ‫ُ‬ ‫ن أي ْدِي َهُ ّ‬ ‫ه وَقطعْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه أكب َْرن َ ُ‬ ‫ما َرأي ْن َ ُ‬ ‫ن فل ّ‬ ‫َ‬ ‫ج عَلي ْهِ ّ‬ ‫خُر ْ‬ ‫تا ْ‬ ‫كيًنا وََقال َ ِ‬ ‫س ّ‬ ‫ِ‬
‫قد ْ‬ ‫َ‬
‫مت ُن ِّني ِفيهِ وَل َ‬ ‫ُ‬
‫ذي ل ْ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫ُ‬
‫ت فذل ِك ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م )‪ (31‬قال ْ‬ ‫ري ٌ‬ ‫َ‬
‫ملك ك ِ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن هَذا إ ِل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما هَذا ب َشًرا إ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫كو‬‫ُ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫آ‬ ‫ما‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬
‫ْ َْ َ َ َ ِ ْ ْ َ َ‬ ‫ن‬ ‫ئ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ص‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫َ َ ُْ ُ َ ْ َ ِ ِ‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫د‬ ‫و‬ ‫را‬
‫َ ُ ُ ُ ُ ْ َ َ ّ َ َ َ ْ ِ َ‬
‫ف‬ ‫ر‬‫ص‬ ‫ت‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫ني‬ ‫ن‬ ‫عو‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫ب‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫ن )‪(32‬‬
‫ّ ْ ُ َ ّ ِ ّ ِ ّ َ ْ َِ ِ ْ ِ َِ َ ْ ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫ري َ‬‫صاِغ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫صَر َ‬ ‫ه فَ َ‬‫ه َرب ّ ُ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫جا َ‬ ‫ن )‪َ (33‬فا ْ‬
‫ست َ َ‬ ‫جاهِِلي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن وَأك ُ ْ‬ ‫ب إ ِل َي ْهِ ّ‬ ‫ص ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫عَّني ك َي ْد َهُ ّ‬
‫م )‪(34‬‬ ‫ْ‬
‫ميعُ العَِلي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬‫ه ك َي ْد َهُ ّ‬ ‫عَن ْ ُ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫} فَل َما سمعت بمك ْره َ‬
‫حد َةٍ‬‫ل َوا ِ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫مت ّك َأ َوآت َ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ت ل َهُ ّ‬ ‫ن وَأعْت َد َ ْ‬ ‫ت إ ِل َي ْهِ ّ‬ ‫سل َ ْ‬ ‫ن أْر َ‬ ‫ّ َ ِ َ ْ ِ َ ِ ِ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ش‬
‫حا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ُ‬
‫ن وَقل َ‬ ‫ن أي ْدِي َهُ ّ‬ ‫ه وَقطعْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه أكب َْرن َ ُ‬ ‫ما َرأي ْن َ ُ‬ ‫ن فل ّ‬ ‫َ‬ ‫ج عَلي ْهِ ّ‬ ‫خُر ْ‬ ‫تا ْ‬ ‫كيًنا وََقال َ ِ‬ ‫س ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫من ْهُ ّ‬ ‫ِ‬
‫ه‬
‫ِ ِ‬ ‫في‬ ‫ني‬ ‫ن‬
‫ْ ُِّ‬‫ت‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬‫ِ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫(‬ ‫‪31‬‬ ‫)‬ ‫م‬
‫ِ ٌ‬ ‫ري‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ك‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ِ َ‬ ‫إل‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫لِ ِ َ َ َ ً ِ ْ َ‬
‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫را‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫كوًنا ِ‬ ‫ن وَل َي َ ُ‬ ‫جن َ ّ‬ ‫س َ‬‫مُره ُ ل َي ُ ْ‬ ‫ما آ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫فعَ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م وَل َئ ِ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ست َعْ َ‬ ‫سهِ َفا ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬‫ه عَ ْ‬ ‫قد ْ َراوَد ْت ُ ُ‬ ‫وَل َ َ‬
‫َ‬
‫ف‬
‫صرِ ْ‬ ‫عون َِني إ ِل َي ْهِ وَِإل ت َ ْ‬ ‫ما ي َد ْ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ي ِ‬ ‫ب إ ِل َ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ن )‪َ (32‬قا َ‬ ‫ري َ‬‫صاِغ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬‫صَر َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ه َرب ّ ُ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫جا َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ن )‪َ (33‬فا ْ‬ ‫جاهِِلي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن وَأك ُ ْ‬ ‫ب إ ِل َي ْهِ ّ‬ ‫ص ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫عَّني ك َي ْد َهُ ّ‬
‫م )‪{ (34‬‬ ‫ميعُ العَِلي ُ‬‫ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫ه ك َي ْد َهُ ّ‬ ‫عَن ْ ُ‬
‫يخبر تعالى أن خبر يوسف وامرأة العزيز شاع في المدينة ‪ ،‬وهي مصر ‪ ،‬حتى‬
‫دين َةِ { مثل نساء المراء ]و[ )‪(1‬‬ ‫م ِ‬ ‫سوَة ٌ ِفي ال ْ َ‬ ‫ل نِ ْ‬ ‫تحدث الناس به ‪ } ،‬وََقا َ‬
‫الكبراء ‪ ،‬ينكرن على امرأة العزيز ‪ ،‬وهو الوزير ‪ ،‬ويعبن ذلك عليها ‪ } :‬امرأةَُ‬
‫ْ َ‬
‫سهِ { أي ‪ :‬تحاول غلمها عن نفسه ‪ ،‬وتدعوه إلى‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫ها عَ ْ‬ ‫زيزِ ت َُراوِد ُ فََتا َ‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/384‬‬

‫حّبا { أي قد ‪ :‬وصل حبه إلى شغاف قلبها‪ .‬وهو غلفه‪.‬‬ ‫فَها ُ‬ ‫شغَ َ‬ ‫نفسها ‪ } ،‬قَد ْ َ‬
‫شَغف دون ذلك ‪،‬‬ ‫شَغف ‪ :‬الحب القاتل ‪ ،‬وال ّ‬ ‫قال الضحاك عن ابن عباس ‪ :‬ال ّ‬
‫والشغاف ‪ :‬حجاب القلب‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬في صنيعها هذا من حبها فتاها ‪ ،‬ومراودتها‬ ‫مِبي ٍ‬
‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ها ِفي َ‬ ‫} إ ِّنا ل َن ََرا َ‬
‫إياه عن نفسه‪.‬‬
‫ن { قال بعضهم ‪ :‬بقولهن‪ .‬وقال محمد بن إسحاق ‪:‬‬ ‫مك ْرِهِ ّ‬ ‫ت بِ َ‬‫معَ ْ‬ ‫س ِ‬‫ما َ‬ ‫} فَل َ ّ‬
‫ن يوسف ‪ ،‬فأحببن أن يرينه ‪ ،‬فقلن ذلك ليتوصلن إلى‬ ‫س ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫بل )‪ (1‬ب ََلغهُ ّ‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬دعتهن إلى منزلها‬ ‫ت إ ِل َي ْهِ ّ‬
‫سل َ ْ‬
‫رؤيته ومشاهدته ‪ ،‬فعند ذلك } أْر َ‬
‫مت ّك َأ ً {‬‫ن ُ‬‫ت ل َهُ ّ‬
‫َ‬
‫لتضيفهن } وَأعْت َد َ ْ‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغيرهم ‪:‬‬
‫هو المجلس المعد ‪ ،‬فيه مفارش ومخاد وطعام ‪ ،‬فيه ما يقطع بالسكاكين من‬
‫كيًنا { وكان‬ ‫س ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫من ْهُ ّ‬‫حد َةٍ ِ‬ ‫ت كُ ّ‬
‫ل َوا ِ‬ ‫أترج )‪ (2‬ونحوه‪ .‬ولهذا قال تعالى ‪َ } :‬وآت َ ْ‬
‫ج‬
‫خُر ْ‬ ‫تا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هذا مكيدة منها ‪ ،‬ومقابلة لهن في احتيالهن على رؤيته ‪ } ،‬وَقال ِ‬
‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫عَل َيهن { وذلك أنها كانت قد خبأته في مكان آخر ‪ } ،‬فَل َما { خرج و } رأ َ‬
‫َ َْ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ِْ ّ‬
‫َ‬
‫هشا‬ ‫َ َ‬ ‫د‬ ‫أيديهن‬ ‫يقطعن‬ ‫وجعلن‬ ‫؛‬ ‫قدره‬ ‫وأجللن‬ ‫‪،‬‬ ‫شأنه‬ ‫أعظمن‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫أك ْب َْرن َ ُ‬
‫ه‬
‫برؤيته ‪ ،‬وهن يظنن أنهن يقطعن الترج )‪ (3‬بالسكاكين ‪ ،‬والمراد ‪ :‬أنهن‬
‫حززن أيديهن بها ‪ ،‬قاله غير واحد‪.‬‬
‫وعن مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬قطعن أيديهن حتى ألقينها ‪ ،‬فالله )‪ (4‬أعلم‪.‬‬
‫وقد ذكر عن زيد بن أسلم أنها قالت لهن بعدما أكلن وطابت أنفسهن ‪ ،‬ثم‬
‫وضعت بين أيديهن أترجا )‪ (5‬وآتت كل واحدة منهن سكينا ‪ :‬هل لكن في‬
‫النظر إلى يوسف ؟ قلن ‪ :‬نعم‪ .‬فبعثت إليه تأمره أن اخرج إليهن )‪ (6‬فلما‬
‫رأينه جعلن يقطعن أيديهن ‪ ،‬ثم أمرته أن يرجع فرجع ليرينه مقبل ومدبرا ‪،‬‬
‫وهن يحززن في أيديهن ‪ ،‬فلما أحسسن باللم جعلن يولولن ‪ ،‬فقالت ‪ :‬أنتن‬
‫من نظرة واحدة فعلتن هكذا ‪ ،‬فكيف ألم أنا ؟ فقلن حاش لله ما هذا بشرا‬
‫إن هذا إل ملك كريم ‪ ،‬ثم قلن لها ‪ :‬وما نرى عليك من لوم بعد الذي رأينا ‪،‬‬
‫لنهن لم يرين في البشر شبهه ول قريبا منه ‪ ،‬فإنه ‪ ،‬صلوات الله عليه وسلم‬
‫)‪ (7‬كان قد أعطي شطر الحسن ‪ ،‬كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح في‬
‫حديث السراء ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بيوسف ‪ ،‬عليه‬
‫السلم ‪ ،‬في السماء الثالثة ‪ ،‬قال ‪" :‬فإذا هو قد أعطي شطر الحسن" )‪(8‬‬
‫وقال حماد بن سلمة ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬أعطي يوسف وأمه شطر‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬قيل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أترنج"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ‪" :‬الترج"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬والله"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬أترنجا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬عليهن"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وسلمه"‪.‬‬
‫)‪ (8‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (162‬من حديث أنس رضي الله عنه‪.‬‬

‫) ‪(4/285‬‬

‫الحسن" )‪ (1‬وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن أبي الحوص ‪ ،‬عن‬
‫عبد الله بن مسعود قال ‪ :‬أعطي يوسف وأمه ثلث الحسن‪.‬‬
‫وقال أبو إسحاق أيضا ‪ ،‬عن أبي الحوص ‪ ،‬عن عبد الله قال ‪ :‬كان وجه‬
‫يوسف مثل البرق ‪ ،‬وكانت المرأة إذا أتته لحاجة غطى وجهه مخافة أن تفتتن‬
‫به‪.‬‬
‫ورواه الحسن البصري مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪:‬‬
‫"أعطي يوسف وأمه ثلث حسن أهل الدنيا ‪ ،‬وأعطى الناس الثلثين ‪ -‬أو قال ‪:‬‬
‫أعطي يوسف وأمه الثلثين والناس الثلث" )‪(2‬‬
‫جَرشي قال ‪ :‬قسم‬ ‫وقال سفيان ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن مجاهد عن ربيعة ال ُ‬
‫الحسن نصفين ‪ ،‬فأعطي يوسف وأمه سارة نصف الحسن‪ .‬والنصف الخر‬
‫بين سائر الخلق‪.‬‬
‫وقال المام أبو القاسم السهيلي ‪ :‬معناه ‪ :‬أن يوسف كان على النصف من‬
‫حسن آدم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فإن الله خلق آدم بيده على أكمل صورة وأحسنها‬
‫‪ ،‬ولم يكن في ذريته من يوازيه في جماله ‪ ،‬وكان يوسف قد أعطي شطر‬
‫حسنه‪.‬‬
‫ّ‬
‫ش ل ِلهِ { قال مجاهد وغير واحد ‪:‬‬ ‫حا َ‬‫فلهذا قال هؤلء النسوة عند رؤيته ‪َ } :‬‬
‫ى" أي ‪ :‬بمشترى‪.‬‬ ‫شر ً‬
‫شًرا { وقرأ بعضهم ‪" :‬ما هذا ب ِ ِ‬ ‫ذا ب َ َ‬ ‫ما هَ َ‬ ‫معاذ الله ‪َ } ،‬‬
‫مت ُن ِّني ِفيهِ { تقول هذا معتذرة‬ ‫ُ‬
‫ذي ل ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت فذ َل ِك ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م قال ْ‬‫ري ٌ‬ ‫َ‬
‫ملك ك ِ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ن هَ َ‬
‫ذا ِإل َ‬ ‫} إِ ْ‬
‫ب لجماله وكماله‪.‬‬ ‫إليهن بأن هذا حقيق بأن يح ّ‬
‫م { أي ‪ :‬فامتنع‪ .‬قال بعضهم ‪ :‬لما رأين‬ ‫ص َ‬ ‫سهِ َفا ْ‬
‫ست َعْ َ‬ ‫ف ِ‬‫ن نَ ْ‬
‫ه عَ ْ‬ ‫قد ْ َراوَد ْت ُ ُ‬ ‫} وَل َ َ‬
‫جماله الظاهر ‪ ،‬أخبرتهن بصفاته الحسنة التي تخفى عنهن ‪ ،‬وهي )‪ (3‬العفة‬
‫ن‬
‫جن َ ّ‬
‫س َ‬ ‫مُره ُ ل َي ُ ْ‬‫ما آ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫فعَ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫مع هذا الجمال ‪ ،‬ثم قالت تتوعد )‪ } (4‬وَل َئ ِ ْ‬
‫ن { فعند ذلك استعاذ يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬من‬ ‫ري َ‬‫صاِغ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫كون َ ْ‬ ‫وَل َي َ ُ‬
‫عون َِني إ ِل َي ْهِ { أي ‪:‬‬ ‫َ‬
‫ما ي َد ْ ُ‬‫م ّ‬
‫ي ِ‬ ‫ب إ ِل َ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫ج ُ‬‫س ْ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫شرهن وكيدهن ‪ ،‬وقال ‪َ } :‬ر ّ‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬إن وكلتني إلى‬ ‫ب إ ِل َي ْهِ ّ‬‫ص ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ف عَّني ك َي ْد َهُ ّ‬ ‫صرِ ْ‬ ‫من الفاحشة ‪ } ،‬وَِإل ت َ ْ‬
‫نفسي ‪ ،‬فليس لي من نفسي قدرة ‪ ،‬ول أملك لها ضرا ول نفعا إل بحولك‬
‫وقوتك ‪ ،‬أنت المستعان وعليك التكلن ‪ ،‬فل تكلني إلى نفسي‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ن إ ِن ّ ُ‬‫ه ك َي ْد َهُ ّ‬‫ف عَن ْ ُ‬‫صَر َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ه َرب ّ ُ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫جا َ‬ ‫ن َفا ْ‬
‫ست َ َ‬ ‫جاهِِلي َ‬‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫ن وَأك ُ ْ‬ ‫ب إ ِل َي ْهِ ّ‬‫ص ُ‬ ‫}أ ْ‬
‫صمه الله عصمة‬ ‫م { وذلك أن يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬عَ َ‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬ ‫س ِ‬‫هُوَ ال ّ‬
‫عظيمة ‪ ،‬وحماه فامتنع منها أشد المتناع ‪ ،‬واختار السجن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه الطبري في تفسيره )‪ (16/80‬والحاكم في المستدرك )‪(2/570‬‬
‫وابن عدي في الكامل )‪ (5/385‬من طريق عفان عن حماد بن سلمة به ‪،‬‬
‫وقال الحاكم ‪" :‬هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"‪ .‬قال ابن‬
‫عدي ‪" :‬وهذا الحديث ما أعلم رفعه أحد غير عفان ‪ ،‬وغيره أوقفه عن حماد‬
‫بن سلمة ‪ ،‬وعفان أشهر وأوثق وأصدق من أن يقال فيه شيء مما ينسب‬
‫إلى الضعف"‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(16/80‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬عليهن وهو"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تتوعده"‪.‬‬

‫) ‪(4/386‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫ج َ‬
‫س ْ‬‫ه ال ّ‬‫معَ ُ‬‫ل َ‬ ‫خ َ‬‫ن )‪ (35‬وَد َ َ‬ ‫ٍ‬ ‫حي‬ ‫حّتى ِ‬ ‫ه َ‬‫جن ُن ّ ُ‬
‫س ُ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬‫ما َرأُوا اْل ََيا ِ‬ ‫ن ب َعْد ِ َ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫دا ل َهُ ْ‬
‫م بَ َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ل فَوْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫مًرا وََقا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن َقا َ‬
‫ق‬ ‫م ُ‬ ‫ح ِ‬‫خُر إ ِّني أَراِني أ ْ‬ ‫ل ال َ‬ ‫خ ْ‬
‫صُر َ‬
‫ْ‬
‫ما إ ِّني أَراِني أعْ ِ‬ ‫حد ُهُ َ‬
‫ْ‬
‫لأ َ‬ ‫فَت ََيا ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(36‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬‫م ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ن َب ّئ َْنا ب ِت َأِويل ِهِ إ ِّنا ن ََراك ِ‬
‫من ْ ُ‬
‫ل الطي ُْر ِ‬ ‫خب ًْزا ت َأك ُ‬‫سي ُ‬ ‫َرأ ِ‬

‫على ذلك ‪ ،‬وهذا في غاية مقامات الكمال ‪ :‬أنه مع شبابه وجماله وكماله‬
‫تدعوه سيدته ‪ ،‬وهي امرأة عزيز مصر ‪ ،‬وهي مع هذا في )‪ (1‬غاية الجمال‬
‫والمال ‪ ،‬والرياسة ويمتنع من ذلك ‪ ،‬ويختار السجن على ذلك ‪ ،‬خوفا من الله‬
‫ورجاء ثوابه‪.‬‬
‫ولهذا ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬سبعة‬
‫يظلهم الله في ظله يوم ل ظل إل ظله ‪ :‬إمام عادل ‪ ،‬وشاب نشأ في عبادة‬
‫الله )‪ (2‬ورجل قلبه معلق بالمسجد )‪ (3‬إذا خرج منه حتى يعود إليه ‪،‬‬
‫ورجلن تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا )‪ (4‬عليه ‪ ،‬ورجل تصدق بصدقة‬
‫فأخفاها حتى ل تعلم شماله ما أنفقت يمينه ‪ ،‬ورجل ذكر الله خاليا ففاضت‬
‫عيناه ‪ ،‬ورجل دعته امرأة ذات جمال ومنصب ‪ ،‬فقال ‪ :‬إني أخاف الله" )‪(5‬‬
‫َ‬
‫ن )‪{ (35‬‬‫حي ٍ‬
‫حّتى ِ‬
‫ه َ‬
‫جن ُن ّ ُ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬
‫س ُ‬ ‫ما َرأُوا الَيا ِ‬
‫ن ب َعْد ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫دا ل َهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫} ثُ ّ‬
‫م بَ َ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ثم ظهر لهم من المصلحة فيما رأوه أنهم يسجنونه إلى حين ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬إلى مدة ‪ ،‬وذلك بعدما عرفوا براءته ‪ ،‬وظهرت اليات ‪ -‬وهي الدلة ‪-‬‬
‫على صدقه في عفته ونزاهته‪ .‬فكأنهم ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬إنما سجنوه لما شاع‬
‫الحديث إيهاما )‪ (6‬أن هذا راودها عن نفسها ‪ ،‬وأنهم سجنوه على ذلك‪ .‬ولهذا‬
‫لما طلبه الملك الكبير في آخر المدة ‪ ،‬امتنع من الخروج حتى تتبين براءته‬
‫ي العرض ‪ ،‬صلوات‬ ‫ق ّ‬ ‫مما نسب إليه من الخيانة ‪ ،‬فلما تقرر ذلك خرج وهو ن َ ِ‬
‫الله عليه وسلمه‪.‬‬
‫دي ‪ :‬أنهم إنما سجنوه لئل يشيع ما كان منها )‪ (7‬في حقه ‪ ،‬ويبرأ‬ ‫س ّ‬‫وذكر ال ّ‬
‫عرضه فيفضحها‪.‬‬
‫مًرا وََقا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن َقا َ‬
‫خُر‬‫ل ال َ‬ ‫خ ْ‬‫صُر َ‬
‫ْ‬
‫ما إ ِّني أَراِني أعْ ِ‬ ‫حد ُهُ َ‬
‫ْ‬
‫لأ َ‬ ‫ن فَت ََيا ِ‬‫ج َ‬‫س ْ‬‫ه ال ّ‬‫معَ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫خ َ‬‫} وَد َ َ‬
‫ه ن َب ّئ َْنا ب ِت َأِويل ِهِ إ ِّنا ن ََرا َ‬ ‫ّ‬ ‫خب ًْزا ت َأك ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ل الطي ُْر ِ‬ ‫سي ُ‬ ‫ل فَوْقَ َرأ ِ‬ ‫م ُ‬
‫ح ِ‬‫إ ِّني أَراِني أ ْ‬
‫ن )‪{ (36‬‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫قال قتادة ‪ :‬كان أحدهما ساقي الملك ‪ ،‬والخر خبازه‪.‬‬
‫قال محمد بن إسحاق ‪ :‬كان اسم الذي على الشراب "نبوا" ‪ ،‬والخر‬
‫"مجلث"‪.‬‬
‫قال السدي ‪ :‬وكان سبب حبس الملك إياهما أنه توهم أنهما تمال على سمه‬
‫في طعامه وشرابه‪.‬‬
‫وكان )‪ (8‬يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬قد اشتهر في السجن بالجود )‪ (9‬والمانة‬
‫سمت وكثرة العبادة ‪ ،‬صلوات الله عليه وسلمه ‪،‬‬ ‫وصدق الحديث ‪ ،‬وحسن ال ّ‬
‫ومعرفة التعبير والحسان إلى أهل السجن وعيادة‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬إلى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬في طاعة الله عز وجل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬في المسجد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وتفرقا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪ (1423‬وصحيح مسلم برقم )‪ (1031‬من حديث‬
‫أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬اتهاما"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬منهما"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬فكان"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬بالجودة"‪.‬‬

‫) ‪(4/387‬‬

‫ْ‬ ‫ل َل يأ ِْتيك ُما ط َعام ترزَقان ِه إّل نبأ ْتك ُما بتأ ْويل ِه قَب َ َ‬
‫ما‬
‫م ّ‬
‫ما ِ‬ ‫ما ذ َل ِك ُ َ‬
‫ن ي َأت ِي َك ُ َ‬
‫لأ ْ‬ ‫ِ ِ َّ ُ َ َِ ِ ِ ْ‬ ‫َ ٌ ُْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َقا َ‬
‫ن)‬ ‫م َ‬
‫كافُِرو َ‬ ‫خَرةِ هُ ْ‬ ‫َ‬
‫م ِباْل ِ‬ ‫ن ِبالل ّهِ وَهُ ْ‬ ‫ة قَوْم ٍ َل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫مل ّ َ‬
‫ت ِ‬ ‫عَل ّ َ‬
‫مِني َرّبي إ ِّني ت ََرك ْ ُ‬
‫‪(37‬‬

‫مرضاهم والقيام بحقوقهم‪ .‬ولما دخل هذان )‪ (1‬الفتيان إلى السجن ‪ ،‬تآلفا به‬
‫وأحباه حبا شديدا ‪ ،‬وقال له ‪ :‬والله لقد أحببناك حبا زائدا‪ .‬قال )‪ (2‬بارك الله‬
‫ي من محبته ضرر ‪ ،‬أحبتني عمتي فدخل‬ ‫فيكما ‪ ،‬إنه ما أحبني أحد إل دخل عل ّ‬
‫علي الضرر بسببها ‪ ،‬وأحبني أبي فأوذيت بسببه ‪ ،‬وأحبتني امرأة العزيز‬
‫فكذلك ‪ ،‬فقال والله ما نستطيع إل ذلك ‪ ،‬ثم إنهما رأيا مناما ‪ ،‬فرأى الساقي‬
‫أنه يعصر خمرا ‪ -‬يعني عنبا ‪ -‬وكذلك هي في قراءة عبد الله بن مسعود ‪:‬‬
‫سَنان ‪ ،‬عن يزيد‬‫"إني أراني أعصر عنبا"‪ .‬ورواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن أحمد بن ِ‬
‫ريك ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن زيد بن وهب ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪:‬‬ ‫بن هارون ‪ ،‬عن َ‬
‫ش ِ‬
‫أنه قرأها ‪" :‬أعصر عنبا"‪.‬‬
‫مًرا { يعني ‪ :‬عنبا‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خ ْ‬‫صُر َ‬ ‫وقال الضحاك في قوله ‪ } :‬إ ِّني أَراِني أعْ ِ‬
‫مون العنب خمرا‪.‬‬ ‫وأهل عمان يس ّ‬
‫حَبلة من عنب ‪ ،‬فنبتت‪.‬‬ ‫وقال عكرمة ‪ :‬رأيت )‪ (3‬فيما يرى النائم أني غرست َ‬
‫فخرج فيه عناقيد ‪ ،‬فعصرتهن ثم سقيتهن الملك‪ .‬قال )‪ (4‬تمكث في السجن‬
‫ثلثة أيام ‪ ،‬ثم تخرج فتسقيه خمرا‪.‬‬
‫ل الط ّي ُْر‬ ‫ْ‬
‫خب ًْزا ت َأك ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سي ُ‬ ‫ل فَوْقَ َرأ ِ‬ ‫م ُ‬‫ح ِ‬ ‫وقال الخر ‪ -‬وهو الخباز ‪ } : -‬إ ِّني أَراِني أ ْ‬
‫ن{‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ه ن َب ّئ َْنا ب ِت َأ ِْويل ِهِ إ ِّنا ن ََرا َ‬‫من ْ ُ‬
‫ِ‬
‫والمشهور عند الكثرين ما ذكرناه ‪ ،‬وأنهما رأيا مناما وطلبا تعبيره‪.‬‬
‫كيع وابن حميد قال حدثنا جرير ‪ ،‬عن عمارة بن‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن وَ ِ‬
‫القعقاع ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن عبد الله قال ‪ :‬ما رأى صاحبا يوسف شيئا ‪ ،‬إنما‬
‫كانا تحالما ليجربا عليه‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ما‬
‫م ّ‬‫ما ِ‬ ‫ُ‬
‫ما ذ َل ِك َ‬ ‫ُ‬
‫ن ي َأت ِي َك َ‬
‫لأ ْ‬ ‫ما ب ِت َأِويل ِهِ قَب ْ َ‬ ‫ُ‬
‫م ت ُْرَزَقان ِهِ ِإل ن َب ّأت ُك َ‬ ‫ما ط ََعا ٌ‬ ‫ل ل ي َأِتيك ُ َ‬ ‫} َقا َ‬
‫ن)‬ ‫م كافُِرو َ‬ ‫َ‬ ‫خَرةِ هُ ْ‬ ‫م ِبال ِ‬ ‫ّ‬
‫ن ِباللهِ وَهُ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ة قَوْم ٍ ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ّ‬
‫مل َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ْ‬
‫مِني َرّبي إ ِّني ت ََرك ُ‬ ‫عَل ّ َ‬
‫‪{ (37‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬هذا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وقال عكرمة ‪ :‬قال له رأيت"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬

‫) ‪(4/388‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ك ِبالل ّهِ ِ‬
‫شرِ َ‬ ‫ن ل ََنا أ ْ‬
‫ن نُ ْ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫ب َ‬‫قو َ‬
‫حاقَ وَي َعْ ُ‬
‫س َ‬
‫م وَإ ِ ْ‬
‫هي َ‬‫ة آ ََباِئي إ ِب َْرا ِ‬
‫مل ّ َ‬‫ت ِ‬
‫َوات ّب َعْ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن)‬‫شكُرو َ‬ ‫س ل يَ ْ‬‫ن أكث ََر الّنا ِ‬ ‫س وَلك ِ ّ‬
‫ل اللهِ عَلي َْنا وَعَلى الّنا ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫ن فَ ْ‬
‫م ْ‬ ‫يٍء ذ َل ِك ِ‬‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫‪(38‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ك ِبالل ّهِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫شرِ َ‬ ‫ن ل ََنا أ ْ‬
‫ن نُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ب َ‬ ‫قو َ‬ ‫حاقَ وَي َعْ ُ‬‫س َ‬
‫م وَإ ِ ْ‬‫هي َ‬
‫ة آَباِئي إ ِب َْرا ِ‬‫مل ّ َ‬
‫ت ِ‬ ‫} َوات ّب َعْ ُ‬
‫َ‬
‫ن)‬‫شك ُُرو َ‬ ‫س ل يَ ْ‬‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫س وَل َك ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ عَلي َْنا وَعَلى الّنا ِ‬
‫ض ِ ّ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬‫يٍء ذ َل ِ َ‬‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫‪{ (38‬‬
‫يخبرهما يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنهما )‪ (1‬مهما رأيا في نومهما من حلم ‪،‬‬
‫فإنه عارف )‪ (2‬بتفسيره ويخبرهما بتأويله قبل وقوعه ؛ ولهذا قال ‪ } :‬ل‬
‫ْ‬ ‫يأ ِْتيك ُما ط َعام ترزَقان ِه إل نبأ ْتك ُما بتأ ْويل ِه قَب َ َ‬
‫ما {‬ ‫ن ي َأت ِي َك ُ َ‬‫لأ ْ‬ ‫ِ ِ َّ ُ َ َِ ِ ِ ْ‬ ‫َ ٌ ُْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬أنه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬عالم"‪.‬‬

‫) ‪(4/388‬‬

‫حد ُ ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫حبي السج َ َ‬


‫ن‬
‫دو َ‬
‫ما ت َعْب ُ ُ‬‫قّهاُر )‪َ (39‬‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫وا ِ‬ ‫خي ٌْر أم ِ الل ّ ُ‬‫ن َ‬ ‫فّرُقو َ‬ ‫مت َ َ‬
‫ب ُ‬ ‫ن أأْرَبا ٌ‬ ‫َّ ْ ِ‬ ‫صا ِ َ ِ‬ ‫َيا َ‬
‫سل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ن إِ ِ‬ ‫طا ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ب َِها ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أن َْز َ‬ ‫م َ‬ ‫م وَآَباؤُك ُ ْ‬ ‫ها أن ْت ُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫مي ْت ُ ُ‬‫س ّ‬‫ماًء َ‬ ‫ن ُدون ِهِ إ ِّل أ ْ‬
‫س َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫س َل‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ث‬‫ْ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫دي‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ه‬ ‫يا‬ ‫إ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫إ‬ ‫دوا‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َ ّ ِ‬ ‫ّ ُ َ ِ ّ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ ُ ُ ِ ِّ ُ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ا ُ ُ ِ‬
‫إ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫ل‬
‫ن )‪(40‬‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫ْ‬
‫م ت ُْرَزَقان ِهِ { ]في نومكما[ )‪ِ } (1‬إل‬ ‫ما ط ََعا ٌ‬ ‫قال مجاهد ‪ :‬يقول ‪ } :‬ل ي َأِتيك ُ َ‬
‫ْ‬ ‫نبأ ْتك ُما بتأ ْويل ِه قَب َ َ‬
‫ما { وكذا قال السدي‪.‬‬ ‫ن ي َأت ِي َك ُ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َّ ُ َ َِ ِ ِ ْ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫العلء ‪ ،‬حدثنا محمد بن يزيد ‪ -‬شيخ له ‪ -‬حدثنا رشدين ‪ ،‬عن الحسن بن ثوبان‬
‫رمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬ما أدري لعل يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪،‬‬ ‫عك ْ ِ‬‫‪ ،‬عن ِ‬
‫كان يعتاف وهو كذلك ‪ ،‬لني أجد في كتاب الله حين قال للرجلين ‪ } :‬ل‬
‫ما ب ِت َأ ِْويل ِهِ { قال ‪ :‬إذا جاء الطعام حلوا أو مرا‬ ‫ْ‬
‫م ت ُْرَزَقان ِهِ ِإل ن َب ّأت ُك ُ َ‬ ‫ما ط ََعا ٌ‬ ‫ي َأِتيك ُ َ‬
‫ْ‬
‫أعتاف عند ذلك‪ .‬ثم قال ابن عباس ‪ :‬إنما علم فعلم‪ .‬وهذا أثر )‪ (2‬غريب‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬وهذا إنما هو من تعليم الله إياي ؛ لني اجتنبت ملة الكافرين بالله‬
‫ة آَباِئي‬ ‫مل ّ َ‬
‫ت ِ‬ ‫واليوم الخر ‪ ،‬فل يرجون ثوابا ول عقابا في المعاد‪َ } .‬وات ّب َعْ ُ‬
‫ب { يقول ‪ :‬هجرت طريق الكفر والشرك ‪ ،‬وسلكت‬ ‫قو َ‬ ‫حاقَ وَي َعْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫إ ِب َْرا ِ‬
‫طريق هؤلء المرسلين ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليهم أجمعين ‪ ،‬وهكذا يكون‬
‫حال من سلك طريق الهدى ‪ ،‬واتبع المرسلين ‪ ،‬وأعرض عن طريق الظالمين‬
‫)‪ (3‬فإنه يهدي قلبه ويعّلمه ما لم يكن يعلمه ‪ ،‬ويجعله إماما يقتدى )‪ (4‬به في‬
‫الخير ‪ ،‬وداعيا إلى سبيل الرشاد‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ عَلي َْنا وَعَلى‬ ‫ض ِ‬ ‫نف ْ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫يٍء ذل ِك ِ‬ ‫َ‬ ‫نش ْ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِبالل ّهِ ِ‬ ‫شرِ َ‬ ‫ن نُ ْ‬ ‫ن ل ََنا أ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫} َ‬
‫س { هذا التوحيد ‪ -‬وهو القرار بأنه ل إله إل هو وحده ل شريك له ‪،‬‬ ‫الّنا ِ‬
‫س { إذ‬ ‫َ‬ ‫ل الل ّهِ عَل َي َْنا { أي ‪:‬‬ ‫ن فَ ْ‬
‫أوحاه إلينا ‪ ،‬وأمرنا به } وَعَلى الّنا ِ‬ ‫َ‬
‫ض ِ‬ ‫م ْ‬ ‫} ِ‬
‫ن { )‪ (5‬أي ‪ :‬ل‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫س ل يَ ْ‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫جعلنا دعاة لهم إلى ذلك } وَل َك ِ ّ‬
‫فًرا‬‫ة الل ّهِ ك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫يعرفون نعمة الله عليهم بإرسال الرسل إليهم ‪ ،‬بل } ب َد ُّلوا ن ِعْ َ‬
‫َ‬
‫وارِ { ] إبراهيم ‪.[28 :‬‬ ‫م َداَر ال ْب َ َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫حّلوا قَوْ َ‬ ‫وَأ َ‬
‫سَنان ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا حجاج ‪،‬‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن ِ‬
‫عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس ؛ أنه كان يجعل الجد أبا ‪ ،‬ويقول ‪ :‬والله فمن )‪(6‬‬
‫جر ‪ ،‬ما ذكر الله جدا ول جدة ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ -‬يعني‬ ‫شاء لعناه عند الح ْ‬
‫ب{‬ ‫قو َ‬ ‫حاقَ وَي َعْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫ة آَباِئي إ ِب َْرا ِ‬ ‫مل َ‬‫ّ‬ ‫ت ِ‬ ‫إخبارا عن يوسف ‪َ } :‬وات ّب َعْ ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫حبي السج َ َ‬
‫ما‬ ‫قّهاُر )‪َ (39‬‬ ‫حد ُ ال َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ه ال َ‬ ‫خي ٌْر أم ِ الل ُ‬ ‫ن َ‬ ‫فّرُقو َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن أأْرَبا ٌ‬ ‫ّ ْ ِ‬ ‫صا ِ َ ِ‬ ‫} َيا َ‬
‫ّ‬ ‫ما أنز َ‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ه ب َِها ِ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫م َ‬ ‫م َوآَباؤُك ْ‬ ‫ها أن ْت ُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫مي ْت ُ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫ماًء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ُدون ِهِ ِإل أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ت َعْب ُ ُ‬
‫ن أ َك ْثَرَ‬ ‫َ‬
‫م وَلك ِ ّ‬ ‫قي ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫دي ُ‬ ‫َ‬
‫دوا ِإل إ ِّياه ُ ذ َل ِك ال ّ‬ ‫مَر أل ت َعْب ُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م ِإل ل ِلهِ أ َ‬ ‫ْ‬
‫حك ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫ن إِ ِ‬‫سل ْطا ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪{ (40‬‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫س ل ي َعْل ُ‬ ‫الّنا ِ‬
‫ثم إن يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أقبل على الفتيين بالمخاطبة ‪ ،‬والدعاء لهما‬
‫خْلع ما سواه من الوثان التي يعبدها‬ ‫إلى عبادة الله وحده ل شريك له وَ َ‬
‫حد ُ ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫قّهاُر {‬ ‫وا ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫خي ٌْر أم ِ الل ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫فّرُقو َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ب ُ‬ ‫قومهما ‪ ،‬فقال ‪ } :‬أأْرَبا ٌ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬أمر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الضالين"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬يهتدي"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬ل يعلمون"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لمن"‪.‬‬

‫) ‪(4/389‬‬
‫ب فَت َأ ْك ُ ُ‬
‫ل‬ ‫صل َ ُ‬ ‫ما اْل َ َ‬
‫خُر فَي ُ ْ‬
‫َ‬
‫مًرا وَأ ّ‬
‫خ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫قي َرب ّ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫حد ُك ُ َ‬
‫ما فَي َ ْ‬
‫حبي السجن أ َ َ‬
‫ما أ َ‬
‫ّ ْ ِ ّ‬ ‫صا ِ َ ِ‬‫َيا َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(41‬‬ ‫فت َِيا ِ‬
‫ست َ ْ‬‫ذي ِفيهِ ت َ ْ‬ ‫مُر ال ِ‬ ‫ي ال ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ُ‬
‫سهِ ق ِ‬
‫ن َرأ ِ‬
‫م ْ‬‫الط ّي ُْر ِ‬

‫]أي[ )‪ (1‬الذي وَِلى )‪ (2‬كل شيء ِبعّز جلله ‪ ،‬وعظمة )‪ (3‬سلطانه‪.‬‬


‫ل )‪ (4‬منهم ‪،‬‬ ‫جهْ ُ‬ ‫مونها آلهة ‪ ،‬إنما هو َ‬ ‫ن التي يعبدونها ويس ّ‬ ‫ثم بين لهما أ ّ‬
‫سلفهم ‪ ،‬وليس لذلك مستند‬ ‫َ‬ ‫خلفهم عن َ‬ ‫َ‬ ‫وتسمية من تلقاء أنفسهم ‪ ،‬تلقاها َ‬
‫ن { أي ‪ :‬حجة ول‬ ‫سلطا ٍ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ب َِها ِ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫ما َأنز َ‬ ‫من عند الله ؛ ولهذا قال ‪َ } :‬‬
‫برهان‪.‬‬
‫ّ‬
‫ثم أخبرهم أن الحكم والتصرف والمشيئة والملك كله لله ‪ ،‬وقد أمر عباده‬
‫قاطبة أل يعبدوا إل إياه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬ذلك الدين القيم أي ‪ :‬هذا الذي أدعوكم‬
‫إليه من َتوحيد الله ‪ ،‬وإخلص العمل له ‪ ،‬هو الدين المستقيم ‪ ،‬الذي أمر الله‬
‫به وأنزل به الحجة والبرهان الذي يحبه ويرضاه ‪ } ،‬ول َك َ‬
‫سل‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫َ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫ص‬ ‫ر‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫ما أك ْث َُر ّ ِ َ ْ َ َ ْ َ‬
‫ل‬‫و‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ن { أي ‪ :‬فلهذا كان أكثرهم مشركين‪ } .‬وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫ن { ]يوسف ‪.[103 :‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫بِ ُ‬
‫ل بهم يوسف عن تعبير الرؤيا إلى هذا ‪ ،‬لنه‬ ‫وقد قال ابن جريج ‪ :‬إنما عَد َ َ‬
‫عََرف أنها ضاّرة لحدهما ‪ ،‬فأحب أن يشغلهما بغير ذلك ‪ ،‬لئل يعاودوه فيها ‪،‬‬
‫فعاودوه ‪ ،‬فأعاد عليهم الموعظة‪(5) .‬‬
‫دهما أول بتعبيرها )‪ (6‬ولكن جعل‬ ‫وفي هذا الذي قاله نظر ؛ لنه قد وَعَ َ‬
‫صلة وسببا إلى دعائهما إلى‬ ‫سؤالهما له على وجه التعظيم والحترام وُ ْ‬
‫التوحيد والسلم ‪ ،‬لما رأى في سجيتهما من قبول الخير والقبال عليه ‪،‬‬
‫والنصات إليه ‪ ،‬ولهذا لما فرغ من دعوتهما ‪ ،‬شرع في تعبير رؤياهما ‪ ،‬من‬
‫غير تكرار سؤال فقال ‪:‬‬
‫ب فَت َأ ْك ُلُ‬ ‫َ‬
‫صل ُ‬ ‫َ‬
‫خُر في ُ ْ‬ ‫ما ال َ‬ ‫َ‬
‫مًرا وَأ ّ‬ ‫خ ْ‬‫ه َ‬ ‫قي َرب ّ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫ما في َ ْ‬ ‫ُ‬
‫حد ُك َ‬
‫َ‬
‫ما أ َ‬
‫حبي السج َ‬
‫نأ ّ‬ ‫صا ِ َ ِ ْ ّ ْ ِ‬ ‫} َيا َ‬
‫ن )‪{ (41‬‬ ‫فت َِيا ِ‬‫ست َ ْ‬‫ذي ِفيهِ ت َ ْ‬ ‫ّ‬
‫مُر ال ِ‬ ‫ي ال ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ُ‬
‫سهِ ق ِ‬ ‫ن َرأ ِ‬‫م ْ‬‫الط ّي ُْر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مًرا { وهو الذي‬ ‫خ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫قي َرب ّ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ما فَي َ ْ‬ ‫حد ُك ُ َ‬ ‫ما أ َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫حب َ ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫يقول لهما ‪َ } :‬يا َ‬
‫رأى أنه يعصر خمرا ‪ ،‬ولكنه لم يعيّنه لئل يحزن ذاك ‪ ،‬ولهذا أبهمه في قوله ‪:‬‬
‫سهِ { وهو في نفس المر الذي رأى‬ ‫ْ‬
‫ن َرأ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل الط ّي ُْر ِ‬ ‫ب فَت َأ ْك ُ ُ‬ ‫صل َ ُ‬ ‫خُر فَي ُ ْ‬‫ما ال َ‬ ‫َ‬
‫} وَأ ّ‬
‫أنه يحمل فوق رأسه خبزا‪.‬‬
‫ثم أعلمهما أن هذا قد ُفرغ منه ‪ ،‬وهو واقع ل محالة ؛ لن الرؤيا على رجل‬
‫طائر ما لم ت َُعبر ‪ ،‬فإذا عُب َّرت وََقعت‪.‬‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن عمارة بن القعقاع عن إبراهيم ‪ ،‬عن عبد الله قال ‪ :‬لما‬
‫ه‬
‫ذي ِفي ِ‬ ‫مُر ال ّ ِ‬
‫ي ال ْ‬ ‫ض َ‬ ‫قال ما قال وأخبرهما ‪ ،‬قال ما رأينا شيئا‪ .‬فقال ‪ } :‬قُ ِ‬
‫ن{‬ ‫فت َِيا ِ‬
‫ست َ ْ‬ ‫تَ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬دل"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وعظيم"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬جعل"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(16/102‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬بتعبيرهما"‪.‬‬

‫) ‪(4/390‬‬
‫شي ْ َ‬ ‫ل لل ّذي ظ َن أ َنه ناج منهما اذ ْك ُرني عند رب َ َ‬
‫ن ذِك َْر َرب ّهِ‬
‫طا ُ‬ ‫ك فَأن ْ َ‬
‫ساهُ ال ّ‬ ‫ِ ْ َ َ ّ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ّ ّ ُ َ ٍ ِ ُْ َ‬ ‫وََقا َ ِ ِ‬
‫ن )‪(42‬‬ ‫سِني َ‬‫ضع َ ِ‬
‫ن بِ ْ‬
‫ج ِ‬
‫س ْ‬
‫ث ِفي ال ّ‬‫فَل َب ِ َ‬

‫ورواه محمد بن فضيل )‪ (1‬عن عمارة ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن علقمة ‪ ،‬عن ابن‬
‫مسعود به ‪ ،‬وكذا فسره مجاهد ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫سره ‪ ،‬فإنه ُيلَزم بتأويله ‪ ،‬والله أعلم ‪ ،‬وقد‬ ‫وحاصله أن من تحّلم بباطل وفَ ّ‬
‫حْيدة ‪ ،‬عن النبي‬ ‫ورد في الحديث الذي رواه المام أحمد ‪ ،‬عن معاوية بن َ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬الرؤيا على رجل طائر ما لم ت َُعبر )‪ (2‬فإذا عُّبرت‬
‫وقعت" )‪(3‬‬
‫وفي مسند أبي ي َعْلى ‪ ،‬من طريق يزيد الّرقاشي ‪ ،‬عن أنس مرفوعا ‪" :‬الرؤيا‬ ‫َ‬
‫لول عابر" )‪(4‬‬
‫شي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ذِك َْر َرب ّ ِ‬
‫ه‬ ‫طا ُ‬ ‫ساهُ ال ّ‬ ‫ما اذ ْك ُْرِني ِ‬
‫عن ْد َ َرب ّ َ‬
‫ك فَأن ْ َ‬ ‫من ْهُ َ‬
‫ه َناٍج ِ‬
‫ن أن ّ ُ‬ ‫ذي ظ َ ّ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬
‫} وََقا َ‬
‫ن )‪{ (42‬‬ ‫سِني َ‬‫ضع َ ِ‬‫ن بِ ْ‬ ‫ج ِ‬‫س ْ‬
‫ث ِفي ال ّ‬ ‫فَل َب ِ َ‬
‫حدهما ‪ -‬وهو الساقي ‪ -‬قال له‬ ‫لما ظن )‪ (5‬يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬نجاة أ ِ‬
‫يوسف خفية عن الخر والله أعلم ‪ ،‬لئل يشعره أنه المصلوب قال له ‪:‬‬
‫ك { يقول ‪ :‬اذكر قصتي عند ربك )‪ - (6‬وهو الملك ‪ -‬فنسى‬ ‫عن ْد َ َرب ّ َ‬‫} اذ ْك ُْرِني ِ‬
‫صى أن ي ُذ َكر موله بذلك ‪ ،‬وكان من جملة مكايد الشيطان ‪ ،‬لئل‬ ‫ّ‬ ‫ذلك المو َ‬
‫يطلع نبي الله من السجن‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ذِكَر َرب ّهِ { عائد‬ ‫شي ْطا ُ‬‫ساهُ ال ّ‬ ‫هذا هو الصواب أن الضمير في قوله ‪ } :‬فَأن ْ َ‬
‫على الناجي ‪ ،‬كما قال مجاهد ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق وغير واحد‪ .‬ويقال ‪ :‬إن‬
‫الضمير عائد على يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬رواه ابن جرير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪،‬‬
‫رمة ‪ ،‬وغيرهم‪ .‬وأسند ابن جرير هاهنا حديثا فقال ‪:‬‬ ‫عك ْ ِ‬ ‫ومجاهد أيضا ‪ ،‬و ِ‬
‫مرو بن محمد ‪ ،‬عن إبراهيم بن يزيد )‪ (7‬عن عمرو‬ ‫كيع ‪ ،‬حدثنا عَ ْ‬ ‫حدثنا ابن وَ ِ‬
‫رمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ْ‬
‫عك ِ‬ ‫بن دينار ‪ ،‬عن ِ‬
‫‪" :‬لو لم يقل ‪ -‬يعني ‪ :‬يوسف ‪ -‬الكلمة التي قال ‪ :‬ما لبث في السجن طول‬
‫ما لبث‪ .‬حيث يبتغي الفرج من عند غير الله" )‪.(8‬‬
‫كيع ضعيف ‪ ،‬وإبراهيم بن يزيد ‪-‬‬ ‫وهذا الحديث ضعيف جدا ؛ لن سفيان بن وَ ِ‬
‫خوزي ‪ -‬أضعف منه أيضا‪ .‬وقد ُروي عن الحسن وقتادة مرسل عن كل‬ ‫هو ال ُ‬
‫سلت هاهنا ل تقبل لو قبل المرسل من حيث هو في غير‬ ‫منهما ‪ ،‬وهذه المر َ‬
‫هذا الموطن ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وأما "البضع" ‪ ،‬فقال مجاهد وقتادة ‪ :‬هو ما بين الثلث إلى التسع‪ .‬وقال وهب‬
‫من َّبه ‪ :‬مكث‬ ‫بن ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬فضل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬يعبر"‪.‬‬
‫)‪ (3‬سبق تخريجه عند تفسير الية ‪ "5" :‬من هذه السورة‪.‬‬
‫)‪ (4‬ورواه ابن ماجة في السنن برقم )‪ (3915‬من طريق عبد الله بن نمير ‪،‬‬
‫عن العمش ‪ ،‬عن يزيد الرقاشي ‪ ،‬عن أنس موقوفا ‪ ،‬وقال البوصيري في‬
‫الزوائد )‪" : (3/216‬هذا إسناد فيه يزيد وهو ضعيف"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬علم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الملك"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬عن يزيد"‪.‬‬
‫)‪ (8‬تفسير الطبري )‪.(16/112‬‬
‫) ‪(4/391‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬
‫سن ْب َُل ٍ‬
‫ت‬ ‫سب ْعَ ُ‬
‫ف وَ َ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫سب ْعٌ ِ‬‫ن َ‬‫ن ي َأك ُل ُهُ ّ‬
‫ما ٍ‬
‫س َ‬
‫ت ِ‬ ‫قَرا ٍ‬ ‫سب ْعَ ب َ َ‬
‫ك إ ِّني أَرى َ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫مل ِ ُ‬ ‫وََقا َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن)‬‫م ِللّرؤَْيا ت َعْب ُُرو َ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫مل أفُْتوِني ِفي ُرؤَْيايَ إ ِ ْ‬ ‫ت َيا أي َّها ال َ‬
‫سا ٍ‬
‫خَر َياب ِ َ‬ ‫ضرٍ وَأ َ‬ ‫خ ْ‬‫ُ‬
‫‪(43‬‬

‫أيوب في البلء سبًعا ويوسف في السجن سبًعا ‪ ،‬وعذاب )‪ (1‬بختنصر سبعا‪.‬‬


‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ :‬فلبث في السجن بضع‬
‫سنين قال ‪ :‬ثنتا )‪ (2‬عشرة سنة‪ .‬وقال الضحاك ‪ :‬أربع عشرة سنة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت‬
‫سن ُْبل ٍ‬‫سب ْعَ ُ‬‫ف وَ َ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ع َ‬‫سب ْعٌ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ي َأك ُل ُهُ ّ‬
‫ما ٍ‬
‫س َ‬
‫ت ِ‬
‫قَرا ٍ‬
‫سب ْعَ ب َ َ‬
‫ك إ ِّني أَرى َ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫مل ِ ُ‬ ‫} وََقا َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن)‬ ‫م ِللّرؤَْيا ت َعْب ُُرو َ‬ ‫ن كن ْت ُ ْ‬‫مل أفُْتوِني ِفي ُرؤَْيايَ إ ِ ْ‬ ‫ت َيا أي َّها ال َ‬‫سا ٍ‬
‫خَر َياب ِ َ‬ ‫ضرٍ وَأ َ‬‫خ ْ‬‫ُ‬
‫‪{ (43‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وعذب"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ثنتى"‪.‬‬

‫) ‪(4/392‬‬

‫جا‬ ‫ذي ن َ َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ن )‪ (44‬وََقا َ‬ ‫مي َ‬ ‫حَلم ِ ب َِعال ِ ِ‬ ‫ل اْل َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ن ب ِت َأ ِْوي‬ ‫ُ‬ ‫ح‬ ‫حَلم ٍ وَ َ‬
‫ما ن َ ْ‬ ‫ثأ ْ‬
‫َقاُلوا أ َضَغا ُ َ‬
‫ْ‬
‫ق‬ ‫دي‬ ‫ص‬‫ال‬ ‫ها‬ ‫ي‬ ‫ف أَ‬ ‫س‬ ‫يو‬ ‫(‬‫‪45‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫س‬ ‫ر‬‫منهما وادك َر بعد أ ُمة أ َنا أ ُنبئ ُك ُم بتأ ْويله فَأ َ‬
‫ّ ّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ ُْ َ َ ّ َ َْ َ ّ ٍ َ َّ ْ َِ ِ ِ ْ ِ‬
‫ْ‬
‫ضرٍ وَأ ُ َ‬
‫خَر‬ ‫ْ‬ ‫خ‬
‫ُ‬ ‫ت‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫س‬
‫َ َ ِْ ُ ُ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ف‬
‫ٌ‬ ‫جا‬ ‫ع َ‬‫سب ْعٌ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ي َأك ُل ُهُ ّ‬ ‫ما ٍ‬‫س َ‬ ‫ت ِ‬ ‫قَرا ٍ‬ ‫سب ِْع ب َ َ‬ ‫أفْت َِنا ِفي َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫سِني َ‬ ‫سب ْعَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫عو َ‬ ‫ل ت َْزَر ُ‬ ‫ن )‪َ (46‬قا َ‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬ ‫س ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫جعُ إ ِلى الّنا ِ‬
‫َ‬ ‫ت ل َعَّلي أْر ِ‬ ‫سا ٍ‬ ‫َياب ِ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن ب َعْدِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ي َأِتي ِ‬ ‫ن )‪ (47‬ث ُ ّ‬ ‫ما ت َأك ُلو َ‬ ‫م ّ‬ ‫سن ْب ُل ِهِ إ ِل قَِليل ِ‬ ‫م فَذ َُروه ُ ِفي ُ‬ ‫صد ْت ُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ما َ‬ ‫د َأًبا فَ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫م ي َأِتي ِ‬ ‫ن )‪ (48‬ث ُ ّ‬ ‫صُنو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ن إ ِّل قَِليًل ِ‬ ‫م ل َهُ ّ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫ما قَد ّ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫داد ٌ ي َأك ُل ْ َ‬ ‫ش َ‬ ‫سب ْعٌ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ن )‪(49‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫س وَِفيهِ ي َعْ ِ‬ ‫ث الّنا ُ‬ ‫م ِفيهِ ي َُغا ُ‬ ‫عا ٌ‬ ‫َ‬
‫ب َعْد ِ ذ َل ِك َ‬

‫جا‬‫ذي ن َ َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ن )‪ (44‬وََقا َ‬ ‫مي َ‬ ‫حلم ِ ب َِعال ِ ِ‬ ‫ل ال ْ‬ ‫ِ‬ ‫ن ب ِت َأ ِْوي‬ ‫ُ‬ ‫ح‬


‫ما ن َ ْ‬‫حلم ٍ وَ َ‬ ‫ثأ ْ‬
‫} َقاُلوا أ َضَغا ُ َ‬
‫ْ‬
‫ق‬ ‫دي‬ ‫ص‬ ‫ال‬ ‫ها‬ ‫ي‬‫ف أَ‬ ‫س‬ ‫يو‬ ‫(‬ ‫‪45‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫منهما وادك َر بعد أ ُمة أ َنا أ ُنبئ ُك ُم بتأ ْويله فَأ َ‬
‫ّ ّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ ُْ َ َ ّ َ َْ َ ّ ٍ َ َّ ْ َِ ِ ِ ْ ِ‬
‫ْ‬
‫ضرٍ وَأ ُ َ‬
‫خَر‬ ‫ْ‬ ‫خ‬
‫ُ‬ ‫ت‬
‫ٍ‬ ‫بل‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫س‬
‫َ َ ِْ ُ ُ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ف‬
‫ٌ‬ ‫جا‬ ‫ع َ‬‫سب ْعٌ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ي َأك ُل ُهُ ّ‬ ‫ما ٍ‬‫س َ‬ ‫ت ِ‬ ‫قَرا ٍ‬ ‫سب ِْع ب َ َ‬ ‫أفْت َِنا ِفي َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫سِني َ‬ ‫سب ْعَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫عو َ‬ ‫ل ت َْزَر ُ‬ ‫ن )‪َ (46‬قا َ‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬ ‫س ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫جعُ إ ِلى الّنا ِ‬
‫َ‬ ‫ت ل َعَّلي أْر ِ‬ ‫سا ٍ‬ ‫َياب ِ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ب َعْدِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ي َأِتي ِ‬ ‫ن )‪ (47‬ث ُ ّ‬ ‫ما ت َأك ُلو َ‬ ‫م ّ‬ ‫سن ْب ُل ِهِ ِإل قَِليل ِ‬ ‫م فَذ َُروه ُ ِفي ُ‬ ‫صد ْت ُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ما َ‬ ‫د َأًبا فَ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫م ي َأِتي ِ‬ ‫ن )‪ (48‬ث ُ ّ‬ ‫صُنو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِإل قَِليل ِ‬ ‫م ل َهُ ّ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫ما قَد ّ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫داد ٌ ي َأك ُل ْ َ‬ ‫ش َ‬ ‫سب ْعٌ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ن )‪{ (49‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫س وَِفيهِ ي َعْ ِ‬ ‫ث الّنا ُ‬ ‫م ِفيهِ ي َُغا ُ‬ ‫عا ٌ‬ ‫َ‬
‫ب َعْد ِ ذ َل ِك َ‬
‫ف‪،‬‬ ‫در الله تعالى أنها كانت سببا لخروج يوس َ‬ ‫ملك مصر مما قَ ّ‬ ‫هذه الرؤيا من َ‬
‫ملك رأى هذه الرؤيا ‪،‬‬ ‫معّزًزا مكرما ‪ ،‬وذلك أن ال َ‬ ‫عليه السلم ‪ ،‬من السجن ُ‬
‫حَزاة وكبراء‬ ‫جب من أمرها ‪ ،‬وما يكون تفسيرها ‪ ،‬فجمع الكهنة وال ُ‬ ‫فهالته وَتع ّ‬
‫ص عليهم ما رأى ‪ ،‬وسألهم عن تأويلها ‪ ،‬فلم يعرفوا ذلك ‪،‬‬ ‫َ‬
‫دولته وأمراءه وق ّ‬
‫حلم ٍ { أي ‪ :‬أخلط اقتضت رؤياك هذه )‪(1‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ثأ ْ‬ ‫ضَغا ُ‬ ‫واعتذروا إليه بأن هذه } أ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬ولو كانت رؤيا صحيحة من أخلط ‪،‬‬ ‫ْ‬
‫حلم ِ ب ِ َ ِ ِ َ‬
‫مي‬ ‫ل‬ ‫عا‬ ‫ل ال ْ‬ ‫ن ب ِت َأِوي ِ‬ ‫ح ُ‬‫ما ن َ ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫لما كان لنا معرفة بتأويلها ‪ ،‬وهو تعبيرها‪ .‬فعند ذلك ت َذ َك َّر ذلك الذي نجا من‬
‫ذينك الفتيين اللذين )‪ (2‬كانا في السجن مع يوسف ‪ ،‬وكان الشيطان قد‬
‫صاه به يوسف ‪ ،‬من ذكر أمره للملك ‪ ،‬فعند ذلك تذكر } ب َعْد َ‬ ‫أنساه ما و ّ‬
‫ة" أي ‪ :‬بعد نسيان ‪ ،‬فقال للملك‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م ٍ‬ ‫مةٍ { أي ‪ :‬مدة ‪ -‬وقرأ بعضهم ‪" :‬بعد أ ِ‬ ‫أ ّ‬
‫م ب ِت َأ ِْويل ِهِ { أي ‪ :‬بتأويل هذا المنام ‪،‬‬ ‫َ ُ‬
‫والذين جمعهم لذلك ‪ } :‬أَنا أن َب ّئ ُك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬فابعثون إلى يوسف الصديق إلى السجن‪ .‬ومعنى الكلم ‪:‬‬ ‫سُلو ِ‬ ‫} فَأْر ِ‬
‫ديقُ أ َفْت َِنا { وذكر المنام الذي رآه‬
‫ص ّ‬
‫فبعثوا )‪ (3‬فجاء‪ .‬فقال ‪ } :‬يوس ُ َ‬
‫ف أي َّها ال ّ‬ ‫ُ ُ‬
‫الملك ‪ ،‬فعند ذلك ذكر له يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬تعبيرها من غير تعنيف لذلك‬
‫الفتى في نسيانه ما وصاه به ‪ ،‬ومن غير اشتراط للخروج قبل ذلك ‪ ،‬بل‬
‫ن د َأ ًَبا { أي )‪ (4‬يأتيكم الخصب والمطر سبع سنين‬ ‫سِني َ‬‫سب ْعَ ِ‬
‫ن َ‬‫عو َ‬
‫قال ‪ } :‬ت َْزَر ُ‬
‫ستغل منها الثمرات‬‫متواليات ‪ ،‬ففسر البقر بالسنين ؛ لنها تثير الرض التي ت ُ ْ‬
‫والزروع ‪ ،‬وهن السنبلت‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬رؤيا في هذا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬الذي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬فبعثوه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬إذ"‪.‬‬

‫) ‪(4/392‬‬

‫ك َفا َ‬
‫ما َبا ُ‬
‫ل‬ ‫ه َ‬ ‫سأل ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫جعْ إ َِلى َرب ّ َ‬ ‫ل اْر ِ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫سو ُ‬ ‫جاَءهُ الّر ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ك ائ ُْتوِني ب ِهِ فَل َ ّ‬ ‫مل ِ ُ‬‫ل ال ْ َ‬ ‫وََقا َ‬
‫َ‬
‫ن إ ِذ ْ‬‫خط ْب ُك ُ ّ‬ ‫ما َ‬‫ل َ‬ ‫م )‪َ (50‬قا َ‬ ‫ن عَِلي ٌ‬ ‫ن َرّبي ب ِك َي ْدِهِ ّ‬ ‫نإ ّ‬ ‫ن أي ْدِي َهُ ّ‬ ‫سوَةِ الّلِتي قَط ّعْ َ‬ ‫الن ّ ْ‬
‫فسه قُل ْن ِ حاش ل ِل ّه ما عَل ِمنا عَل َيه من سوٍء َقال َت امرأةَُ‬
‫ِ ْ َ‬ ‫ْ ِ ِ ْ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ن نَ ْ ِ ِ‬ ‫ف عَ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن ُيو ُ‬ ‫َراوَد ْت ُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(51‬‬ ‫صادِِقي َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫ه لَ ِ‬‫سهِ وَإ ِن ّ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫حقّ أَنا َراوَد ْت ُ ُ‬ ‫ص ال ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ص َ‬ ‫ح ْ‬‫ن َ‬ ‫زيزِ اْل َ‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫ن )‪(52‬‬ ‫ْ‬
‫دي ك َي ْد َ ال َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫خائ ِِني َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ب وَأ ّ‬ ‫ه ِبالغَي ْ ِ‬ ‫خن ْ ُ‬‫مأ ُ‬ ‫م أّني ل ْ‬ ‫ك ل ِي َعْل َ‬

‫م‬‫صد ْت ُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ما َ‬ ‫الخضر ‪ ،‬ثم أرشدهم إلى ما يعتمدونه في تلك السنين فقال ‪ } :‬فَ َ‬
‫ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬مهما استغللتم )‪ (1‬في هذه‬ ‫ما ت َأك ُُلو َ‬ ‫م ّ‬ ‫سن ْب ُل ِهِ ِإل قَِليل ِ‬ ‫فَذ َُروه ُ ِفي ُ‬
‫السبع السنين الخصب فاخزنوه في سنبله ‪ ،‬ليكون أبقى له وأبعد عن إسراع‬
‫الفساد إليه ‪ ،‬إل المقدار الذي تأكلونه ‪ ،‬وليكن قليل قليل ل تسرفوا فيه ‪،‬‬
‫حل التي تعقب هذه‬ ‫م ْ‬ ‫لتنتفعوا في السبع الشداد ‪ ،‬وهن السبع السنين ال ُ‬
‫سمان ؛ لن سنى )‪(2‬‬ ‫السبع متواليات ‪ ،‬وهن البقرات العجاف اللتي يأكلن ال ّ‬
‫مَعوه في سنى )‪ (3‬الخصب ‪ ،‬وهن السنبلت‬ ‫ج َ‬ ‫دب يؤكل فيها ما َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ال َ‬
‫اليابسات‪.‬‬
‫وأخبرهم أنهن ل ينبتن شيئا ‪ ،‬وما بذروه فل يرجعون منه إلى شيء ؛ ولهذا‬
‫ْ‬
‫ن{‬ ‫صُنو َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِإل قَِليل ِ‬ ‫م ل َهُ ّ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫ما قَد ّ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قال ‪ } :‬ي َأك ُل ْ َ‬
‫ث‬‫م ِفيهِ ي َُغا ُ‬ ‫عا ٌ‬ ‫دب العام المتوالي بأنه يعقبهم بعد ذلك } َ‬ ‫ج ْ‬‫ثم بشرهم بعد ال َ‬
‫مطُر ‪ ،‬وُتغل البلد ‪ ،‬وَيعصُر الناس ما‬ ‫س { أي ‪ :‬يأتيهم الغيث ‪ ،‬وهو ال َ‬ ‫الّنا ُ‬
‫كانوا يعصرون على عادتهم ‪ ،‬من زيت ونحوه ‪ ،‬وسكر ونحوه حتى قال‬
‫ضا‪.‬‬ ‫بعضهم ‪ :‬يدخل )‪ (4‬فيه حلب اللبن أي ً‬
‫ن { يحلبون‪.‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس } وَِفيهِ ي َعْ ِ‬
‫ْ‬ ‫ك َفاسأ َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫ْ ُ َ‬‫ه‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ب‬
‫َ ّ‬ ‫ر‬ ‫لى‬ ‫ج ْ ِ‬
‫إ‬ ‫ع‬ ‫ل اْر ِ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫سو ُ‬ ‫جاَءهُ الّر ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ك ائ ُْتوِني ب ِهِ فَل َ ّ‬ ‫مل ِ ُ‬‫ل ال ْ َ‬ ‫} وََقا َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫خط ْب ُك ُ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫م )‪َ (50‬قا َ‬ ‫ن عَِلي ٌ‬ ‫ن َرّبي ب ِك َي ْدِهِ ّ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫ن أي ْدِي َهُ ّ‬ ‫سوَةِ اللِتي قَط ّعْ َ‬ ‫ل الن ّ ْ‬ ‫َبا ُ‬
‫ت‬‫سوٍء َقال َ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مَنا عَل َي ْهِ ِ‬ ‫ما عَل ِ ْ‬ ‫ش ل ِل ّهِ َ‬ ‫حا َ‬ ‫ن َ‬ ‫سهِ قُل ْ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫ف عَ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن ُيو ُ‬ ‫إ ِذ ْ َراوَد ْت ُ ّ‬
‫َ‬ ‫ا َ‬
‫ن)‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه لَ ِ‬ ‫سهِ وَإ ِن ّ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫حقّ أَنا َراوَد ْت ُ ُ‬ ‫ص ال ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ص َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن َ‬ ‫زيزِ ال َ‬ ‫ِ‬ ‫مَرأةُ ال ْعَ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪{ (52‬‬ ‫ني‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫خا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫د‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫دي‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫خنه بال ْغَيب وأ َ‬ ‫ُ‬ ‫ك ل ِيعل َم أ َني ل َم أ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫(‬‫‪51‬‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ِ ْ ِ َ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َْ َ‬
‫__________‬
‫"استغليتم"‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫أ‬ ‫‪،‬‬ ‫ت‬ ‫في‬ ‫)‪(1‬‬
‫"سنين"‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫أ‬ ‫‪،‬‬ ‫ت‬ ‫في‬ ‫)‪(2‬‬
‫"سنين"‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫أ‬ ‫‪،‬‬ ‫ت‬ ‫في‬ ‫)‪(3‬‬
‫"ويدخل"‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫أ‬ ‫‪،‬‬ ‫ت‬ ‫في‬ ‫)‪(4‬‬

‫) ‪(4/393‬‬

‫ن َرّبي غ َ ُ‬
‫فوٌر‬ ‫م َرّبي إ ِ ّ‬
‫ح َ‬ ‫سوءِ إ ِّل َ‬
‫ما َر ِ‬ ‫ماَرةٌ ِبال ّ‬
‫َ‬
‫س َل ّ‬
‫ف َ‬
‫ن الن ّ ْ‬
‫سي إ ِ ّ‬ ‫ما أ ُب َّرئُ ن َ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫وَ َ‬
‫م )‪(53‬‬ ‫حي ٌ‬‫َر ِ‬

‫ن َرّبي غَ ُ‬
‫فوٌر‬ ‫م َرّبي إ ِ ّ‬‫ح َ‬ ‫ما َر ِ‬‫سوِء ِإل َ‬ ‫ماَرة ٌ ِبال ّ‬ ‫سل ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫سي إ ِ ّ‬ ‫ما أ ُب َّرئُ ن َ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫} وَ َ‬
‫م )‪{ (53‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫َر ِ‬
‫يقول تعالى إخباًرا عن الملك لما رجعوا إليه بتعبير رؤياه ‪ ،‬التي كان رآها ‪،‬‬
‫بما أعجبه وأينقه ‪ ،‬فعرف فضل يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وعلمه ]وحسن‬
‫اطلعه على رؤياه[ )‪ (1‬وحسن أخلقه على من ببلده من رعاياه ‪ ،‬فقال‬
‫} ائ ُْتوِني ب ِهِ { أي ‪ :‬أخرجوه من السجن وأحضروه‪ .‬فلما جاءه الرسول بذلك‬
‫امتنع من الخروج حتى يتحقق الملك ورعيته براءة ساحته ‪ ،‬ونزاهة عرضه ‪،‬‬
‫مما نسب إليه من جهة امرأة العزيز ‪ ،‬وأن هذا السجن لم يكن على أمر‬
‫ك َفا َ‬
‫ما َبا ُ‬
‫ل‬ ‫سأل ْ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ْ‬ ‫جعْ إ َِلى َرب ّ َ‬
‫يقتضيه ‪ ،‬بل كان ظلما وعدوانا ‪ ،‬قال ‪ } :‬اْر ِ‬
‫النسوة اللِتي قَط ّع َ‬
‫م{‬ ‫ن عَِلي ٌ‬‫ن َرّبي ب ِك َي ْدِهِ ّ‬‫ن إِ ّ‬
‫ن أي ْدِي َهُ ّ‬‫ْ َ‬ ‫ّ ْ َ ِ‬
‫ُ‬
‫وقد وردت السنة بمدحه على ذلك ‪ ،‬والتنبيه على فضله وشرفه ‪ ،‬وعُلوّ قدره‬
‫وصبره ‪ ،‬صلوات الله‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/393‬‬

‫وسلمه عليه ‪ ،‬ففي المسند والصحيحين من حديث الزهري ‪ ،‬عن سعيد وأبي‬
‫سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫ي‬
‫ح ِ‬ ‫ف تُ ْ‬‫ب أ َرِِني ك َي ْ َ‬ ‫عليه وسلم ‪" :‬نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال } َر ّ‬
‫ن قَل ِْبي { ]البقرة ‪[260 :‬‬ ‫ال ْموتى َقا َ َ‬
‫ن ل ِي َط ْ َ‬
‫مئ ِ ّ‬ ‫ل ب ََلى وَل َك ِ ْ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ل أوَل َ ْ‬
‫م ت ُؤْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫َ َْ‬
‫ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ‪ ،‬ولو لبثت في السجن ما‬
‫لبث يوسف لجبت الداعي" )‪(1‬‬
‫وقال المام أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫عمرو ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم في‬
‫ل النسوة اللِتي قَط ّع َ‬ ‫قوله ‪َ } :‬فا َ‬
‫م{‬ ‫ن عَِلي ٌ‬ ‫ن َرّبي ب ِك َي ْدِهِ ّ‬‫ن إِ ّ‬
‫ن أي ْدِي َهُ ّ‬‫ْ َ‬ ‫ما َبا ُ ّ ْ َ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫سأل ْ ُ‬‫ْ‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لو كنت أنا لسرعت الجابة ‪ ،‬وما‬
‫ابتغيت العذر" )‪.(2‬‬
‫رمة قال ‪:‬‬ ‫عك ِْ‬ ‫ِ‬ ‫عن‬ ‫‪،‬‬ ‫دينار‬ ‫بن‬ ‫عمرو‬ ‫عن‬ ‫‪،‬‬ ‫نة‬ ‫ي‬
‫ََُْ‬‫ي‬‫ع‬ ‫ابن‬ ‫أخبرنا‬ ‫وقال عبد الرزاق ‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لقد عجبت من يوسف وصبره‬
‫سمان ‪ ،‬ولو كنت‬ ‫سئل عن البقرات الِعجاف وال ّ‬ ‫وكرمه ‪ ،‬والله يغفر له ‪ ،‬حين ُ‬
‫مكانه ما أجبتهم حتى أشترط أن يخرجوني‪ .‬ولقد عجبت من يوسف وصبره‬
‫وكرمه ‪ ،‬والله يغفر له ‪ ،‬حين أتاه الرسول ‪ ،‬ولو كنت مكانه لبادرتهم الباب ‪،‬‬
‫ولكنه أراد أن يكون له العذر"‪ .‬هذا حديث مرسل )‪(3‬‬
‫سهِ { إخبار عن‬ ‫ف ِ‬‫ن نَ ْ‬
‫ف عَ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن ُيو ُ‬ ‫ن إ ِذ ْ َراوَد ْت ُ ّ‬ ‫خط ْب ُك ُ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫وقوله تعالى ‪َ } :‬قا َ‬
‫الملك حين جمع الّنسوة اللتي قطعن أيديهن عند امرأة العزيز ‪ ،‬فقال‬
‫ن{‬ ‫خط ْب ُ ّ‬
‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ما َ‬‫مخاطبا لهن كلهن ‪ -‬وهو يريد امرأة وزيره ‪ ،‬وهو العزيز ‪َ } : -‬‬
‫سهِ { يعني ‪ :‬يوم الضيافة ؟‬ ‫ف ِ‬‫ن نَ ْ‬‫ف عَ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن ُيو ُ‬ ‫أي ‪ :‬شأنكن وخبركن } إ ِذ ْ َراوَد ْت ُ ّ‬
‫سوٍء { أي ‪ :‬قالت النسوة جوابا للملك ‪:‬‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مَنا عَل َي ْهِ ِ‬ ‫ما عَل ِ ْ‬ ‫ش ل ِل ّهِ َ‬ ‫حا َ‬ ‫ن َ‬ ‫} قُل ْ َ‬
‫ما ‪ ،‬والله ما علمنا عليه من سوء‪ .‬فعند ذلك }‬ ‫مت ّهَ َ‬‫حاش لله أن يكون يوسف ُ‬
‫ْ‬ ‫َقال َت ا َ‬
‫حقّ {‬ ‫ص ال َ‬ ‫ح َ‬ ‫ص َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن َ‬ ‫زيزِ ال َ‬ ‫مَرأةُ ال ْعَ ِ‬ ‫ِ ْ‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وغير واحد ‪ :‬تقول الن ‪ :‬تبين الحق وظهر وبرز‪.‬‬
‫َ‬
‫ي َراوَد َت ِْني‬
‫ن { أي ‪ :‬في قوله ‪ } :‬هِ َ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه لَ ِ‬ ‫سهِ وَإ ِن ّ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫} أَنا َراوَد ْت ُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب { تقول ‪ :‬إنما اعترفت بهذا‬ ‫ه ِبال ْغَي ْ ِ‬‫خن ْ ُ‬
‫مأ ُ‬ ‫م أّني ل َ ْ‬ ‫ك ل ِي َعْل َ َ‬ ‫سي { } ذ َل ِ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫عَ ْ‬
‫على نفسي ‪ ،‬ذلك ليعلم زوجي أن لم أخنه في نفس المر ‪ ،‬ول وقع المحذور‬
‫ت ليعلم أني‬ ‫الكبر ‪ ،‬وإنما راودت هذا الشاب مراودة ‪ ،‬فامتنع ؛ فلهذا اعترف ُ‬
‫سي { تقول المرأة ‪:‬‬ ‫ف ِ‬‫ما أ ُب َّرئُ ن َ ْ‬‫ن وَ َ‬ ‫خائ ِِني َ‬ ‫دي ك َي ْد َ ال ْ َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫َ‬
‫بريئة ‪ } ،‬وَأ ّ‬
‫ولست أبرئ نفسي ‪ ،‬فإن النفس تتحدث )‪ (4‬وتتمنى ؛ ولهذا راودته لنها‬
‫ن‬
‫م َرّبي { أي ‪ :‬إل من عصمه الله تعالى ‪ } ،‬إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ما )‪َ (5‬ر ِ‬ ‫أمارة بالسوء ‪ِ } ،‬إل َ‬
‫م { )‪.(6‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫َرّبي غ َ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (2/326‬وصحيح البخاري برقم )‪ (4694‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪.(151‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (2/347‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (7/40‬وفيه محمد بن‬
‫عمرو ‪ ،‬وهو حسن الحديث"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير عبد الرزاق )‪ (282 ، 1/281‬وقد وصله إسحاق بن راهويه في‬
‫مسنده ومن طريقه الطبراني في المعجم الكبير )‪ (11/249‬من طريق‬
‫إبراهيم بن يزيد الخوزي عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫مرفوعا بنحوه‪ .‬وفيه إبراهيم بن يزيد وهو متروك‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تحدث"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت أ ‪" :‬عن" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬لغفور" وهو خطأ‪.‬‬

‫) ‪(4/394‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫كي ٌ‬ ‫م ل َد َي َْنا َ‬
‫م ِ‬ ‫ك ال ْي َوْ َ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬
‫ه َقا َ‬‫م ُ‬‫ما ك َل ّ َ‬
‫سي فَل َ ّ‬ ‫ف ِ‬
‫ه ل ِن َ ْ‬
‫ص ُ‬‫خل ِ ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫مل ِ ُ‬
‫ك ائ ُْتوِني ب ِهِ أ ْ‬ ‫وََقا َ‬
‫م )‪(55‬‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن )‪َ (54‬قا َ‬ ‫َ‬
‫فيظ عَِلي ٌ‬ ‫ح ِ‬‫ض إ ِّني َ‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫خَزائ ِ ِ‬ ‫جعَلِني عَلى َ‬ ‫لا ْ‬ ‫مي ٌ‬
‫أ ِ‬

‫وهذا القول هو الشهر والليق والنسب بسياق القصة ومعاني الكلم‪ .‬وقد‬
‫حكاه الماوردي في تفسيره ‪ ،‬وانتدب لنصره المام العلمة أبو العباس ابن‬
‫َتيمّية ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬فأفرده بتصنيف على حدة )‪(1‬‬
‫م‬‫ك ل ِي َعْل َ َ‬
‫وقد قيل ‪ :‬إن ذلك من كلم يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬من قوله ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬
‫ت الرسول ليعلم‬ ‫ب { اليتين أي ‪ :‬إنما َرد َد ْ ُ‬ ‫ه { في زوجته } ِبال ْغَي ْ ِ‬ ‫خن ْ ُ‬‫م أَ ُ‬‫أّني ل َ ْ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫م أَ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ب { } وَأ ّ‬ ‫ه { في زوجته } ِبال ْغَي ْ ِ‬ ‫خن ْ ُ‬ ‫الملك براءتي وليعلم العزيز } أّني ل َ ْ‬
‫سوِء { ]الية[‬ ‫ماَرةٌ ِبال ّ‬ ‫سل ّ‬
‫ف َ‬ ‫ن الن ّ ْ‬
‫سي إ ِ ّ‬ ‫ف ِ‬‫ما أ ُب َّرئُ ن َ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫دي ك َي ْد َ ال ْ َ‬
‫خائ ِِني َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫)‪ (2‬وهذا القول هو الذي لم يحك ابن جرير ول ابن أبي حاتم سواه‪.‬‬
‫ماك ‪،‬‬ ‫س َ‬ ‫كيع ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن ِ‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو ك َُرْيب ‪ ،‬حدثنا وَ ِ‬
‫رمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬لما جمع الملك النسوة فسألهن ‪ :‬هل‬ ‫عك ْ ِ‬ ‫عن ِ‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫سوٍء قال ِ‬ ‫َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫مَنا عَلي ْهِ ِ‬ ‫ما عَل ِ ْ‬ ‫ش ل ِلهِ َ‬‫ّ‬ ‫حا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫راودتن يوسف عن نفسه ؟ } قل َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا َ‬
‫ن{‬ ‫قي‬
‫ّ ِ ِ َ‬ ‫د‬ ‫صا‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫حق ّ أ َ َ َ ْ ُ ُ َ ْ َ ِ ِ َ ِ ّ ُ ِ َ‬
‫م‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫د‬ ‫و‬ ‫را‬ ‫نا‬ ‫ص ال ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ص َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن َ‬ ‫زيزِ ال َ‬ ‫ِ‬ ‫مَرأةُ ال ْعَ‬ ‫ْ‬
‫ن[‬ ‫ني‬ ‫ئ‬ ‫خا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫دي‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬‫و‬ ‫]‬ ‫ب‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫غ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫خ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ني‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫}‬ ‫َقا ُ ُ ُ‬
‫ف‬ ‫س‬ ‫يو‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫ِِ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ ِ ْ ِ َ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ َِْ َ ّ‬
‫{ )‪ (3‬قال ‪ :‬فقال له جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬ول يوم هممت بما هممت به‪.‬‬
‫سوِء { )‪(4‬‬ ‫ماَرةٌ ِبال ّ‬ ‫سل ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫سي إ ِ ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما أ ُب َّرئُ ن َ ْ‬ ‫فقال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ذيل ‪،‬‬ ‫جب َْير ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وابن أبي الهُ َ‬ ‫وهكذا قال مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن ُ‬
‫سدي‪ .‬والقول الول أقوى وأظهر ؛ لن‬ ‫والضحاك ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وال ّ‬
‫سياق الكلم كله من كلم امرأة العزيز بحضرة الملك ‪ ،‬ولم يكن يوسف ‪،‬‬
‫عليه السلم ‪ ،‬عندهم ‪ ،‬بل بعد ذلك أحضره الملك‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م لد َي َْنا‬ ‫َ‬
‫ل إ ِن ّك الي َوْ َ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫م ُ‬ ‫ما ك َل َ‬ ‫سي فَل َ ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ه ل ِن َ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫خل ِ ْ‬ ‫ست َ ْ‬‫ك ائ ُْتوِني ب ِهِ أ ْ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫} وََقا َ‬
‫م )‪{ (55‬‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن )‪َ (54‬قا َ‬ ‫مكي َ‬
‫فيظ عَِلي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ض إ ِّني َ‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫خَزائ ِ ِ‬ ‫جعَلِني عَلى َ‬ ‫لا ْ‬ ‫مي ٌ‬ ‫نأ ِ‬ ‫َ ِ ٌ‬
‫يقول تعالى إخباًرا عن الملك حين تحقق براءة يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪،‬‬
‫َ‬
‫سي { أي ‪:‬‬ ‫ف ِ‬‫ه ل ِن َ ْ‬ ‫ص ُ‬‫خل ِ ْ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ونزاهة عْرضه مما نسب إليه ‪ ،‬قال ‪ } :‬ائ ُْتوِني ب ِهِ أ ْ‬
‫ه { أي ‪ :‬خاطبه الملك وعرفه ‪،‬‬ ‫م ُ‬ ‫ما ك َل ّ َ‬ ‫صتي وأهل مشورتي } فَل َ ّ‬ ‫أجعله من خا ّ‬
‫خُلق وكمال قال له‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫لق‬‫ْ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫من‬ ‫عليه‬ ‫هو‬ ‫ما‬ ‫وعلم‬ ‫‪،‬‬ ‫وبراعته‬ ‫ورأى فضله‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬إنك عندنا قد بقيت ذا مكانة‬ ‫مي ٌ‬ ‫نأ ِ‬ ‫كي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ل َد َي َْنا َ‬ ‫ك ال ْي َوْ َ‬ ‫الملك ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫ض إ ِّني‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫خَزائ ِ ِ‬ ‫جعَل ِْني عََلى َ‬ ‫وأمانة ‪ ،‬فقال يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ } :‬ا ْ‬
‫جِهل أمره ‪ ،‬للحاجة‪ .‬وذكر‬ ‫م { مدح نفسه ‪ ،‬ويجوز للرجل ذلك إذا ُ‬ ‫ظ عَِلي ٌ‬ ‫في ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫م { ذو علم وبصَر بما يتوله )‪.(5‬‬ ‫ٌ‬ ‫لي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫أمين‬ ‫خازن‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫ٌ‬
‫ظ‬ ‫في‬‫ِ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫}‬ ‫أنه‬
‫دب‪ .‬رواه ابن‬ ‫ج ْ‬ ‫سني ال َ‬ ‫قال شيبة بن نعامة ‪ :‬حفيظ لما استودعتني ‪ ،‬عليم ب ِ ِ‬
‫أبي حاتم‪.‬‬
‫وسأل العمل لعلمه بقدرته عليه ‪ ،‬ولما في ذلك من المصالح للناس )‪(6‬‬
‫جَعل على‬ ‫وإنما سأل أن ي ُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬انظر ‪ :‬مجموع الفتاوى لبن تيمية )‪.(10/298‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪.(16/143‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬نتوله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬مصالح الناس"‪.‬‬

‫) ‪(4/395‬‬

‫ُ‬ ‫ف ِفي اْل َْر‬


‫ن نَ َ‬
‫شاُء‬ ‫م ْ‬‫مت َِنا َ‬ ‫ح َ‬
‫ب ب َِر ْ‬
‫صي ُ‬‫شاُء ن ُ ِ‬ ‫ث يَ َ‬ ‫حي ْ ُ‬
‫من َْها َ‬ ‫ض ي َت َب َوّأ ِ‬
‫ِ‬ ‫س َ‬ ‫مك ّّنا ل ُِيو ُ‬ ‫وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫قو َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا وَكاُنوا ي َت ّ ُ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫خي ٌْر ل ِل ِ‬
‫خَرةِ َ‬‫جُر ال ِ‬ ‫ن )‪ (56‬وَل ْ‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬‫م ْ‬‫جَر ال ُ‬‫ضيعُ أ ْ‬ ‫وََل ن ُ ِ‬
‫‪(57‬‬

‫خزائن )‪ (1‬الرض ‪ ،‬وهي الهرام التي )‪ (2‬يجمع فيها الغلت ‪ ،‬لما يستقبلونه‬
‫من السنين التي أخبرهم بشأنها ‪ ،‬ليتصرف لهم على الوجه الحوط والصلح‬
‫ة له ؛ ولهذا قال تعالى ‪:‬‬ ‫م ً‬
‫ة فيه ‪ ،‬وتكرِ َ‬ ‫والرشد ‪ ،‬فأجيب إلى ذلك رغب ً‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫مت َِنا َ‬
‫ح َ‬
‫ب ب َِر ْ‬
‫صي ُ‬ ‫ث يَ َ‬
‫شاُء ن ُ ِ‬ ‫حي ْ ُ‬
‫من َْها َ‬
‫ض ي َت َب َوّأ ِ‬
‫ف ِفي الْر ِ‬ ‫مك ّّنا ل ُِيو ُ‬
‫س َ‬ ‫} وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك َ‬
‫َ‬
‫كاُنوا‬ ‫مُنوا وَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫خي ٌْر ل ِل ّ ِ‬ ‫خَرةِ َ‬ ‫جُر ال ِ‬ ‫ن )‪َ (56‬ول ْ‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جَر ال ْ ُ‬ ‫ضيعُ أ ْ‬ ‫شاُء َول ن ُ ِ‬ ‫نَ َ‬
‫ن )‪{ (57‬‬ ‫قو َ‬ ‫ي َت ّ ُ‬
‫ف في الرض { أي ‪ :‬أرض مصر ‪ } ،‬يتبوأ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َََ ّ‬ ‫ْ ِ‬ ‫س َ ِ‬ ‫مكّنا ل ُِيو ُ‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬وَكذل ِك َ‬
‫شاُء {‬ ‫ث يَ َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫من َْها َ‬ ‫ِ‬
‫دي ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬يتصرف فيها كيف يشاء‪.‬‬ ‫ّ ّ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫قال‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬يتخذ منها منزل حيث يشاء )‪ (3‬بعد الضيق والحبس‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬وما‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫جَر ال ْ ُ‬ ‫ضيعُ أ ْ‬ ‫شاُء َول ن ُ ِ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مت َِنا َ‬ ‫ح َ‬ ‫ب ب َِر ْ‬ ‫صي ُ‬ ‫والسار‪ } .‬ن ُ ِ‬
‫أضعنا صبر يوسف على أذى إخوته ‪ ،‬وصبره على الحبس بسبب امرأة العزيز‬
‫جَر‬ ‫َ‬
‫ضيعُ أ ْ‬ ‫؛ فلهذا أعقبه الله عز وجل السلمة والنصر والتأييد ‪َ } ،‬ول ن ُ ِ‬
‫ن { يخبر تعالى أن ما‬ ‫قو َ‬ ‫كاُنوا ي َت ّ ُ‬ ‫مُنوا وَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫خي ٌْر ل ِل ّ ِ‬ ‫خَرةِ َ‬ ‫جُر ال ِ‬ ‫ن َول ْ‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫ادخره )‪ (4‬الله لنبيه يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬في الدار الخرة أعظم وأكثر )‬
‫‪ (5‬وأجل ‪ ،‬مما خوله من التصرف والنفوذ في الدنيا كما قال تعالى في حق‬
‫طاؤُنا َفامن َ َ‬
‫ه‬‫ن لَ ُ‬ ‫ب وَإ ِ ّ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ك ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫س ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن أوْ أ ْ‬ ‫ْ ُ ْ‬ ‫ذا عَ َ َ‬ ‫سليمان ‪ ،‬عليه السلم ‪ } :‬هَ َ‬
‫ب { ]ص ‪.[40 ، 39 :‬‬ ‫مآ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫س َ‬ ‫ح ْ‬ ‫فى وَ ُ‬ ‫عن ْد ََنا ل َُزل ْ َ‬ ‫ِ‬
‫ن بن الوليد الوزارة‬ ‫ملك مصر الريا ُ‬ ‫والغرض أن يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وله َ‬
‫في بلد مصر ‪ ،‬مكان الذي اشتراه من مصر زوج التي راودته ‪ ،‬وأسلم الملك‬
‫على يدي يوسف ‪ ،‬عليه السلم‪.‬‬
‫جعَل ِْني عََلى‬ ‫قاله مجاهد‪ .‬وقال محمد بن إسحاق لما قال يوسف للملك ‪ } :‬ا ْ‬
‫م { قال الملك ‪ :‬قد فعلت‪ .‬فوله فيما ذكروا‬ ‫ظ عَِلي ٌ‬ ‫في ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ض إ ِّني َ‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫خَزائ ِ ِ‬ ‫َ‬
‫عمل إطفير )‪ (6‬وعزل إطفير )‪ (7‬عما كان عليه ‪ ،‬يقول الله عز وجل ‪:‬‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫مت َِنا َ‬ ‫ح َ‬ ‫ب ب َِر ْ‬ ‫صي ُ‬ ‫شاُء ن ُ ِ‬ ‫ث يَ َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫من َْها َ‬ ‫ض ي َت َب َوّأ ِ‬‫ف ِفي الْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫مك ّّنا ل ُِيو ُ‬ ‫ك َ‬ ‫} وَك َذ َل ِ َ‬
‫هلك‬ ‫ن { فذكر لي ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬أن إطفير )‪َ (8‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫نَ َ‬
‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جَر ال ُ‬ ‫ضيعُ أ ْ‬ ‫شاُء َول ن ُ ِ‬
‫في تلك الليالي ‪ ،‬وأن الملك الريان بن الوليد زّوج يوسف امرأة إطفير )‪(9‬‬
‫راعيل ‪ ،‬وأنها حين دخلت عليه قال ‪ :‬أليس هذا خيرا مما كنت تريدين ؟‬
‫قال ‪ :‬فيزعمون أنها قالت ‪ :‬أيها الصديق ‪ ،‬ل تلمني ‪ ،‬فإني كنت امرأة كما‬
‫ترى حسناء جميلة ‪ ،‬ناعمة في ملك ودنيا ‪ ،‬وكان صاحبي ل يأتي النساء ‪،‬‬
‫وكنت كما جعلك الله في حسنك وهيئتك )‪ (10‬على ما رأيت ‪ ،‬فيزعمون أنه‬
‫وجدها عذراء ‪ ،‬فأصابها فولدت له رجلين أفرائيم بن يوسف ‪ ،‬وميشا بن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬خزان"‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬الذي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬شاء"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬ذخره"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬وأكبر"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬إظفير"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬إظفير"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬إظفير"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬إظفير"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬وهيبتك"‪.‬‬

‫) ‪(4/396‬‬
‫م‬
‫جهَّزهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن )‪ (58‬وَل َ ّ‬ ‫من ْك ُِرو َ‬
‫ه ُ‬ ‫م لَ ُ‬‫م وَهُ ْ‬ ‫خُلوا عَل َي ْهِ فَعََرفَهُ ْ‬ ‫ف فَد َ َ‬ ‫س َ‬ ‫خوَة ُ ُيو ُ‬ ‫جاَء إ ِ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫خي ُْر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أّني أوِفي الكي ْل وَأَنا َ‬ ‫م أل ت ََروْ َ‬ ‫ن أِبيك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫م قال ائُتوِني ب ِأٍخ لك ْ‬ ‫جَهازِهِ ْ‬ ‫بِ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن )‪ (60‬قالوا‬ ‫قَرُبو ِ‬ ‫دي وَل ت َ ْ‬ ‫عن ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ت َأُتوِني ب ِهِ فل كي ْل لك ْ‬ ‫نل ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (59‬فإ ِ ْ‬ ‫من ْزِِلي َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫م‬
‫حال ِهِ ْ‬ ‫م ِفي رِ َ‬ ‫ضاعَت َهُ ْ‬‫جعَُلوا ب ِ َ‬ ‫فت َْيان ِهِ ا ْ‬ ‫ل لِ ِ‬ ‫ن )‪ (61‬وََقا َ‬ ‫عُلو َ‬ ‫ه أَباه ُ وَإ ِّنا ل َ َ‬
‫فا ِ‬ ‫سن َُراوِد ُ عَن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(62‬‬ ‫عو‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ي‬
‫ْ ِِ ْ َ ُ ْ َْ ِ ُ َ‬‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫أ‬ ‫لى‬ ‫إ‬
‫ْ ُ ِ‬‫بوا‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬‫ا‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫لَ َ ُ ْ َ ْ ِ َ َ ِ‬
‫إ‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫فو‬‫ُ‬ ‫ر‬‫ع‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ع‬

‫يوسف )‪ (1‬وولد لفرائيم نون ‪ ،‬والد يوشع بن نون ‪ ،‬ورحمة امرأة أيوب ‪،‬‬
‫عليه السلم‪.‬‬
‫مّر‬
‫وقال الفضيل بن عياض ‪ :‬وقفت امرأة العزيز على ظهر الطريق ‪ ،‬حتى َ‬
‫يوسف ‪ ،‬فقالت ‪ :‬الحمد لله الذي جعل العبيد ملوكا بطاعته ‪ ،‬والملوك عبيدا‬
‫بمعصيته‪.‬‬
‫ن )‪ (58‬وَل َ ّ‬
‫ما‬ ‫من ْك ُِرو َ‬ ‫ه ُ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫خُلوا عَل َي ْهِ فَعََرفَهُ ْ‬ ‫ف فَد َ َ‬ ‫س َ‬ ‫خوَة ُ ُيو ُ‬ ‫جاَء إ ِ ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫ل وأناَ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أّني أوِفي ال ْك َي ْ َ َ َ‬ ‫م أل ت ََروْ َ‬ ‫ن أِبيك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫ل ائ ُْتوِني ب ِأٍخ ل َك ُ ْ‬ ‫م َقا َ‬ ‫جَهازِهِ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫جهَّزهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(60‬‬ ‫بو‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫ول‬ ‫دي‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫فل‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ني‬ ‫تو‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫إ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫(‬‫‪59‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫لي‬ ‫منز‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫خ‬
‫َ َ َ ُ ِ‬ ‫ْ ْ ِ‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ْ ْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِفي‬ ‫ضاعَت َهُ ْ‬‫جعَلوا ب ِ َ‬ ‫فت َْيان ِهِ ا ْ‬‫ل لِ ِ‬ ‫ن )‪ (61‬وََقا َ‬ ‫علو َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ه أَباه ُ وَإ ِّنا ل َ‬ ‫سن َُراوِد ُ عَن ْ ُ‬ ‫َقاُلوا َ‬
‫َ‬
‫ن )‪{ (62‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫م ي َْر ِ‬‫م ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫قل َُبوا إ َِلى أهْل ِهِ ْ‬ ‫م ي َعْرُِفون ََها إ َِذا ان ْ َ‬ ‫م ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫حال ِهِ ْ‬ ‫رِ َ‬
‫سدي ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق ‪ ،‬وغيرهما من المفسرين ‪ :‬أن السبب الذي‬ ‫ذكر ال ّ‬
‫أقدم إخوة يوسف بلد مصر ‪ ،‬أن يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬لما باشر الوزارة‬
‫م‬
‫ن الجدب ‪ ،‬وع ّ‬ ‫بمصر ‪ ،‬ومضت السبع السنين المخصبة ‪ ،‬ثم تلتها سني ُ‬
‫القحط بلد مصر بكمالها ‪ ،‬ووصل إلى بلد كنعان ‪ ،‬وهي التي فيها يعقوب ‪،‬‬
‫عليه السلم ‪ ،‬وأولده‪ .‬وحينئذ احتاط يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬للناس في‬
‫غلتهم ‪ ،‬وجمعها أحسن )‪ (2‬جمع ‪ ،‬فحصل من ذلك مبلغ عظيم ‪ ،‬وأهراَء‬
‫متعددة هائلة ‪ ،‬وورد عليه الناس من سائر القاليم والمعاملت ‪ ،‬يمتارون‬
‫لنفسهم وعيالهم ‪ ،‬فكان ل يعطى الرجل أكثر من حمل بعير في السنة‪.‬‬
‫وكان ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ل يشبع نفسه ول يأكل هو والملك وجنودهما إل أكلة‬
‫واحدة في وسط النهار ‪ ،‬حتى يتكفى الناس بما في أيديهم مدة السبع سنين‪.‬‬
‫وكان رحمة من الله على أهل مصر‪.‬‬
‫وما ذكره بعض المفسرين من أنه باعهم في السنة الولى بالموال ‪ ،‬وفي‬
‫الثانية بالمتاع ‪ ،‬وفي الثالثة بكذا ‪ ،‬وفي الرابعة بكذا ‪ ،‬حتى باعهم بأنفسهم‬
‫مّلك عليهم جميع ما يملكون ‪ ،‬ثم أعتقهم ورد ّ عليهم أموالهم‬ ‫وأولدهم بعدما ت َ َ‬
‫كلها ‪ ،‬الله )‪ (3‬أعلم بصحة ذلك ‪ ،‬وهو من السرائيليات التي ل تصدق ول‬
‫تكذب‪.‬‬
‫والغرض أنه كان في جملة من ورد للميرة إخوة ُ يوسف ‪ ،‬عن أمر أبيهم لهم‬
‫في ذلك ‪ ،‬فإنه بلغهم أن عزيز مصر يعطي الناس الطعام بثمنه ‪ ،‬فأخذوا‬
‫معهم بضاعة يعتاضون بها طعاما ‪ ،‬وركبوا عشرة نفر ‪ ،‬واحتبس يعقوب ‪،‬‬
‫عليه السلم ‪ ،‬عنده بنيامين شقيق يوسف ‪ ،‬عليهما )‪ (4‬السلم ‪ ،‬وكان أحب‬
‫ولده إليه بعد يوسف‪ .‬فلما دخلوا على يوسف ‪ ،‬وهو جالس في أبهته ورياسته‬
‫ن { أي ‪ :‬ل يعرفونه ؛‬ ‫من ْك ُِرو َ‬ ‫ه ُ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫وسيادته ‪ ،‬عرفهم حين نظر إليهم ‪ } ،‬وَهُ ْ‬
‫لنهم فارقوه وهو صغير حدث فباعوه )‪ (5‬للسيارة ‪ ،‬ولم يدروا أين يذهبون‬
‫به ‪ ،‬ول كانوا يستشعرون في أنفسهم أن يصير إلى ما صار إليه ‪ ،‬فلهذا لم‬
‫يعرفوه ‪ ،‬وأما هو فعرفهم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬وهذا مما لم يرد به الكتاب ول السنة ‪ ،‬فمثله ل يعتمد فيه على رواية ابن‬
‫إسحاق رحمه الله‪.‬‬
‫"أتم"‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫ت‬ ‫في‬ ‫)‪(2‬‬
‫"والله"‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫ت‬ ‫في‬ ‫)‪(3‬‬
‫"عليه"‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫ت‬ ‫في‬ ‫)‪(4‬‬
‫"وباعوه"‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫ت‬ ‫في‬ ‫)‪(5‬‬

‫) ‪(4/397‬‬

‫فَل َما رجعوا إَلى أ َبيهم َقاُلوا يا أ َبانا منع منا ال ْك َي ُ َ‬


‫ل وَإ ِّنا‬ ‫معََنا أ َ َ‬
‫خاَنا ن َك ْت َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ل فَأْر ِ‬
‫س ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ ُ ِ َ ِ ّ‬ ‫ِ ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ّ َ َ ُ‬
‫ن )‪(63‬‬ ‫ُ‬
‫حافِظو َ‬ ‫ه لَ َ‬
‫لَ ُ‬

‫فذكر السدي وغيره ‪ :‬أنه شرع يخاطبهم ‪ ،‬فقال لهم كالمنكر عليهم ‪ :‬ما‬
‫أقدمكم بلدي ؟ قالوا ‪ :‬أيها العزيز ‪ ،‬إنا قدمنا للميرة‪ .‬قال ‪ :‬فلعلكم عيون ؟‬
‫قالوا ‪ :‬معاذ الله‪ .‬قال ‪ :‬فمن أين أنتم ؟ قالوا ‪ :‬من بلد كنعان ‪ ،‬وأبونا يعقوب‬
‫نبي الله‪ .‬قال ‪ :‬وله أولد غيركم ؟ قالوا ‪ :‬نعم ‪ ،‬كنا اثني عشر ‪ ،‬فذهب‬
‫أصغرنا ‪ ،‬هلك في الب َرِّية ‪ ،‬وكان أحبنا إلى أبيه ‪ ،‬وبقي شقيقه فاحتبسه )‪(1‬‬
‫أبوه ليتسلى به عنه‪ .‬فأمر بإنزالهم وإكرامهم‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬وَّفاهم كيلهم ‪ ،‬وحمل لهم أحمالهم قال ‪:‬‬ ‫جَهازِهِ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫جهَّزهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫} وَل َ ّ‬
‫ن أ َّني‬ ‫َ‬
‫ائتوني بأخيكم هذا الذي ذكرتم ‪ ،‬لعلم صدقكم فيما ذكرتم ‪ } ،‬أل ت ََروْ َ‬
‫ن { يرغبهم في الرجوع إليه ‪ ،‬ثم َرهَّبهم فقال ‪:‬‬ ‫منزِلي َ‬ ‫ل وَأ ََنا َ‬
‫خي ُْر ال ْ ُ‬ ‫ُأوِفي ال ْك َي ْ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬إن لم تقدموا به‬ ‫قَرُبو ِ‬ ‫دي َول ت َ ْ‬ ‫عن ْ ِ‬‫م ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬‫م ت َأ ُْتوِني ب ِهِ َفل ك َي ْ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫} فَإ ِ ْ‬
‫سن َُراوِد ُ‬ ‫ُ‬
‫ن َقالوا َ‬ ‫قَرُبو ِ‬
‫معكم في المرة الثانية ‪ ،‬فليس لكم عندي ميرة ‪َ } ،‬ول ت َ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬سنحرص على مجيئه إليك بكل ممكن ول نبقي‬ ‫عُلو َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ه أ ََباه ُ وَإ ِّنا ل َ َ‬ ‫عَن ْ ُ‬
‫مجهودا لتعلم صدقنا فيما قلناه‪.‬‬
‫وذكر السدي ‪ :‬أنه أخذ منهم رهائن حتى يقدموا به معهم‪ .‬وفي هذا نظر ؛‬
‫لنه أحسن إليهم ورغبهم كثيرا ‪ ،‬وهذا لحرصه )‪ (2‬على رجوعهم‪.‬‬
‫م { وهي التي قدموا بها‬ ‫ضاعَت َهُ ْ‬ ‫جعَُلوا ب ِ َ‬ ‫فت َْيان ِهِ { أي ‪ :‬غلمانه } ا ْ‬ ‫ل لِ ِ‬ ‫} وََقا َ‬
‫م { أي ‪ :‬في أمتعتهم من حيث ل يشعرون ‪،‬‬ ‫حال ِهِ ْ‬ ‫ليمتاروا عوضا عنها } ِفي رِ َ‬
‫ن { بها‪.‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫} ل َعَل ّهُ ْ‬
‫قيل ‪ :‬خشي يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أل يكون عندهم بضاعة أخرى يرجعون‬
‫للميرة بها‪ .‬وقيل ‪ :‬تذمم أن يأخذ من أبيه وإخوته عوضا عن الطعام‪ .‬وقيل ‪:‬‬
‫عا لنه يعلم ذلك منهم )‪(3‬‬ ‫جا وتور ً‬ ‫أراد أن يردهم إذا وجدوها في متاعهم تحر ً‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ْ‬
‫خاَنا ن َكت َ ْ‬ ‫معََنا أ َ‬‫ل َ‬ ‫س ْ‬ ‫ل فَأْر ِ‬ ‫َ‬
‫مّنا الكي ْ ُ‬ ‫م َقالوا َيا أَباَنا ُ‬
‫من ِعَ ِ‬ ‫جُعوا إ ِلى أِبيهِ ْ‬ ‫ما َر َ‬ ‫} فَل َ ّ‬
‫ن )‪{ (63‬‬ ‫ظو َ‬ ‫حافِ ُ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫وَإ ِّنا ل َ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬فاحبسوه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬ولهذا بحرصه" وفي أ ‪" :‬ولهذا يحرضهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬منهم ذلك"‪.‬‬

‫) ‪(4/398‬‬

‫و‬ ‫حافِ ً‬
‫ظا وَهُ َ‬ ‫خي ٌْر َ‬ ‫ل َفالل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م عََلى أ َ ِ‬
‫خيهِ ِ‬ ‫من ْت ُك ُ ْ‬
‫ل آ َمنك ُم عَل َيه إّل ك َ َ‬
‫ما أ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ِ ِ‬ ‫ل هَ ْ َ ُ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ن )‪(64‬‬ ‫َ‬
‫مي َ‬‫ح ِ‬
‫م الّرا ِ‬
‫ح ُ‬‫أْر َ‬
‫حافِ ً‬
‫ظا‬ ‫خي ٌْر َ‬ ‫ه َ‬‫ل َفالل ّ ُ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م عََلى أ َ ِ‬
‫خيهِ ِ‬ ‫من ْت ُك ُ ْ‬
‫ل آمنك ُم عَل َيه إل ك َ َ‬
‫ما أ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ ِ ِ‬ ‫ل هَ ْ َ ُ ْ‬ ‫} َقا َ‬
‫ن )‪{ (64‬‬ ‫َ‬
‫مي َ‬ ‫ح ِ‬
‫م الّرا ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫وَهُوَ أْر َ‬
‫مّنا ال ْك َي ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ل { يعنون‬ ‫من ِعَ ِ‬ ‫يخبر تعالى عنهم إنهم رجعوا إلى أبيهم } َقاُلوا َيا أَباَنا ُ‬
‫بعد هذه المرة ‪ ،‬إن لم ترسل معنا أخانا بنيامين ‪ ،‬فأرسله معنا نكتل‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬ل‬ ‫ظو َ‬ ‫حافِ ُ‬ ‫ه لَ َ‬‫وقرأ بعضهم ‪] :‬يكتل[ )‪ (1‬بالياء ‪ ،‬أي يكتل هو ‪ } ،‬وَإ ِّنا ل َ ُ‬
‫َ‬
‫معََنا‬
‫ه َ‬ ‫سل ْ ُ‬‫تخف عليه فإنه سيرجع إليك‪ .‬وهذا كما قالوا له في يوسف ‪ } :‬أْر ِ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫م عَلي ْ ِ‬ ‫من ُك ُ ْ‬ ‫لآ َ‬ ‫ن { )‪ (2‬؛ ولهذا قال لهم ‪ } :‬هَ ْ‬ ‫ظو َ‬ ‫حافِ ُ‬ ‫ه لَ َ‬
‫ب وَإ ِّنا ل َ ُ‬ ‫دا ي َْرت َعْ وَي َل ْعَ ْ‬ ‫غَ ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل { أي ‪ :‬هل أنتم صانعون به إل كما صنعتم‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬
‫خيهِ ِ‬ ‫م عَلى أ ِ‬ ‫من ْت ُك ُ ْ‬
‫ما أ ِ‬ ‫ِإل ك َ َ‬
‫ً‬
‫خي ٌْر حفظا {‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫بأخيه من قبل ‪ ،‬تغيبونه عني ‪ ،‬وتحولون بيني وبينه ؟ } َفالل ُ‬
‫ظا"‬ ‫حافِ ً‬ ‫وقرأ بعضهم ‪َ " :‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬نرتع ونلعب"‪.‬‬

‫) ‪(4/398‬‬

‫َ‬
‫ه‬
‫ما ن َب ِْغي هَذِ ِ‬ ‫م َقاُلوا َيا أَباَنا َ‬ ‫ت إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫م ُرد ّ ْ‬ ‫ضاعَت َهُ ْ‬ ‫دوا ب ِ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مَتاعَهُ ْ‬ ‫حوا َ‬ ‫ما فَت َ ُ‬ ‫وَل َ ّ‬
‫َ‬ ‫ف ُ‬ ‫َ‬
‫سيٌر )‬ ‫ل يَ ِ‬ ‫ك ك َي ْ ٌ‬‫ل ب َِعيرٍ ذ َل ِ َ‬ ‫خاَنا وَن َْزَداد ُ ك َي ْ َ‬ ‫ظأ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ميُر أهْل ََنا وَن َ ْ‬ ‫ت إ ِل َي َْنا وَن َ ِ‬ ‫ضاعَت َُنا ُرد ّ ْ‬ ‫بِ َ‬
‫حا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ط‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ن الل ّهِ ل َت َأت ُن ِّني ب ِهِ إ ِّل أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫قا ِ‬ ‫موْث ِ ً‬ ‫ن َ‬ ‫حّتى ت ُؤُْتو ِ‬ ‫م َ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫سل َ ُ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫ل لَ ْ‬ ‫‪َ (65‬قا َ‬
‫ي َل‬ ‫َ‬
‫ل َيا ب َن ِ ّ‬ ‫ل )‪ (66‬وََقا َ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ل وَ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ن َ ُ‬ ‫ه عََلى َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫م َقا َ‬ ‫قهُ ْ‬ ‫موْث ِ َ‬ ‫ما آت َوْه ُ َ‬ ‫م فَل َ ّ‬ ‫ب ِك ُ ْ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ن اللهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ما أغِْني عَن ْك ُ ْ‬ ‫فّرقَةٍ وَ َ‬ ‫مت َ َ‬‫ب ُ‬ ‫وا ٍ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خلوا ِ‬ ‫حدٍ َواد ْ ُ‬ ‫ب َوا ِ‬ ‫ن َبا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫خلوا ِ‬ ‫ت َد ْ ُ‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (67‬وَل ّ‬ ‫ُ‬
‫مت َوَك ّلو َ‬ ‫ْ‬
‫ل ال ُ‬ ‫ْ‬
‫ت وَعَلي ْهِ فَلي َت َوَك ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م إ ِل ل ِلهِ عَلي ْهِ ت َوَك ّل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫يٍء إ ِ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ج ً‬ ‫ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫حا َ‬ ‫يٍء إ ِل َ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ْ‬
‫ن اللهِ ِ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫ن ي ُغِْني عَن ْهُ ْ‬ ‫ما كا َ‬ ‫م َ‬ ‫م أُبوهُ ْ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫ثأ َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خلوا ِ‬ ‫دَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل ُ‬ ‫ن أكث ََر الّنا ِ‬ ‫مَناه ُ وَلك ِ ّ‬ ‫ما عَل ْ‬ ‫علم ٍ ل ِ َ‬ ‫ذو ِ‬ ‫هل ُ‬ ‫ها وَإ ِن ّ ُ‬ ‫ضا َ‬ ‫ب قَ َ‬ ‫قو َ‬ ‫س ي َعْ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ِفي ن َ ْ‬
‫)‪(68‬‬

‫ن { أي ‪ :‬هو أرحم الراحمين بي ‪ ،‬وسيرحم كبري‬ ‫َ‬


‫مي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م الّرا ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫} وَهُوَ أْر َ‬
‫وضعفي ووجدي بولدي ‪ ،‬وأرجو من الله أن يرده علي ‪ ،‬ويجمع شملي به ‪،‬‬
‫إنه أرحم الراحمين‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ما ن َب ِْغي هَذِ ِ‬ ‫م َقالوا َيا أَباَنا َ‬ ‫ت إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫م ُرد ّ ْ‬ ‫ضاعَت َهُ ْ‬ ‫دوا ب ِ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مَتاعَهُ ْ‬ ‫حوا َ‬ ‫ما فَت َ ُ‬ ‫} وَل َ ّ‬
‫سيٌر )‬ ‫ل يَ ِ‬ ‫ك ك َي ْ ٌ‬
‫ل ب َِعيرٍ ذ َل ِ َ‬ ‫خاَنا َونزَداد ُ ك َي ْ َ‬ ‫ظ أَ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ميُر أهْل ََنا وَن َ ْ‬ ‫ت إ ِل َي َْنا وَن َ ِ‬ ‫ضاعَت َُنا ُرد ّ ْ‬ ‫بِ َ‬
‫حاطَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫‪َ (65‬قا َ‬
‫ن يُ َ‬
‫ن اللهِ لت َأت ُن ِّني ب ِهِ ِإل أ ْ‬ ‫م َ‬‫قا ِ‬ ‫موْث ِ ً‬ ‫ن َ‬ ‫حّتى ت ُؤُْتو ِ‬ ‫م َ‬ ‫معَك ْ‬ ‫ه َ‬ ‫سل ُ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫لل ْ‬
‫ل )‪{ (66‬‬ ‫كي ٌ‬‫ل وَ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ن َ ُ‬‫ه عَلى َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫م َقا َ‬ ‫قهُ ْ‬ ‫موْث ِ َ‬‫ما آت َوْه ُ َ‬ ‫م فَل َ ّ‬ ‫ب ِك ُ ْ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ولما فتح إخوة يوسف متاعهم ‪ ،‬وجدوا بضاعتهم رّدت إليهم ‪،‬‬
‫وهي التي كان أمر يوسف فتيانه بوضعها في رحالهم ‪ ،‬فلما وجدوها في‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت إ ِلي َْنا‬ ‫ضاعَت َُنا ُرد ّ ْ‬ ‫ما ن َب ِْغي { ؟ أي ‪ :‬ماذا نريد ؟ } هَذِهِ ب ِ َ‬ ‫متاعهم } َقاُلوا َيا أَباَنا َ‬
‫{ كما قال قتادة‪ .‬ما نبغي وراء هذا )‪ (1‬؟ إن بضاعتنا ردت إلينا وقد أوفي لنا‬
‫الكيل‪.‬‬
‫ف ُ‬ ‫َ‬
‫ظ‬ ‫ح َ‬‫ميُر أهْل ََنا { أي ‪ :‬إذا أرسلت أخانا معنا نأتي بالميرة إلى أهلنا ‪ } ،‬وَن َ ْ‬ ‫} وَن َ ِ‬
‫ل ب َِعيرٍ { وذلك أن يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬كان يعطي كل رجل‬ ‫خاَنا َونزَداد ُ ك َي ْ َ‬ ‫أَ َ‬
‫حمل بعير‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬حمل حمار‪ .‬وقد يسمى في بعض اللغات بعيرا ‪،‬‬
‫كذا قال‪.‬‬
‫سيٌر { هذا من تمام الكلم وتحسينه ‪ ،‬أي ‪ :‬إن هذا يسير في‬ ‫ل يَ ِ‬ ‫ك ك َي ْ ٌ‬ ‫} ذ َل ِ َ‬
‫مقابلة أخذ أخيهم ما يعدل هذا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ل لَ ُ‬
‫ن اللهِ { أي ‪ :‬تحلفون )‪(2‬‬ ‫م َ‬ ‫قا ِ‬ ‫موْث ِ ً‬ ‫ن َ‬ ‫حّتى ت ُؤُْتو ِ‬ ‫م َ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫سل َ ُ‬
‫ن أْر ِ‬ ‫} َقا َ ْ‬
‫حا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م { إل أن تغلبوا كلكم ول‬ ‫ط ب ِك ُ ْ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫بالعهود والمواثيق ‪ } ،‬ل َت َأت ُن ِّني ب ِهِ ِإل أ ْ‬
‫تقدرون على تخليصه‪.‬‬
‫ل{‬ ‫كي ٌ‬ ‫ل وَ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫ما ن َ ُ‬ ‫ه عََلى َ‬ ‫م { أكده عليهم فقال ‪ } :‬الل ّ ُ‬ ‫قهُ ْ‬ ‫موْث ِ َ‬ ‫ما آت َوْه ُ َ‬ ‫} فَل َ ّ‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وإنما فعل ذلك ؛ لنه لم يجد بدا من بعثهم لجل الميرة ‪،‬‬
‫التي ل غنى لهم عنها ‪ ،‬فبعثه معهم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما أغِْني‬ ‫فّرقَةٍ وَ َ‬ ‫مت َ َ‬‫ب ُ‬ ‫وا ٍ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خلوا ِ‬ ‫حدٍ َواد ْ ُ‬ ‫ب َوا ِ‬ ‫ن َبا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫خُلوا ِ‬ ‫ي ل ت َد ْ ُ‬ ‫ل َيا ب َن ِ ّ‬ ‫} وََقا َ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت وَعَلي ْهِ فَلي َت َوَك ّ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ِإل ل ِلهِ عَلي ْهِ ت َوَك ّل ُ‬ ‫ّ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫يٍء إ ِ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ ِ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫عَن ْك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫م َ‬‫م ِ‬ ‫ن ي ُغِْني عَن ْهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ما كا َ‬ ‫م َ‬ ‫م أُبوهُ ْ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫ثأ َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خلوا ِ‬ ‫ما د َ َ‬ ‫ن )‪ (67‬وَل ّ‬ ‫مت َوَكلو َ‬‫ّ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ما عَل ّ ْ‬
‫مَناهُ‬ ‫عل ْم ٍ ل ِ َ‬ ‫ذو ِ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫ها وَإ ِن ّ ُ‬ ‫ضا َ‬ ‫ب قَ َ‬ ‫قو َ‬ ‫س ي َعْ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ة ِفي ن َ ْ‬ ‫ج ً‬‫حا َ‬ ‫يٍء ِإل َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫الل ّهِ ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪{ (68‬‬ ‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫وَل َك ِ ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬هذه"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬تحلفوا"‪.‬‬

‫) ‪(4/399‬‬

‫ما َ‬
‫كاُنوا‬ ‫ك فََل ت َب ْت َئ ِ ْ‬
‫س بِ َ‬ ‫ل إ ِّني أ ََنا أ َ ُ‬
‫خو َ‬ ‫ف آ ََوى إ ِل َي ْهِ أ َ َ‬
‫خاهُ َقا َ‬ ‫خُلوا عََلى ُيو ُ‬
‫س َ‬ ‫وَل َ ّ‬
‫ما د َ َ‬
‫ن )‪(69‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ي َعْ َ‬

‫يقول تعالى ‪ ،‬إخبارا عن يعقوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬إنه أمر بنيه لما جهزهم مع‬
‫أخيهم بنيامين إلى مصر ‪ ،‬أل يدخلوا كلهم من باب واحد ‪ ،‬وليدخلوا من أبواب‬
‫متفرقة ‪ ،‬فإنه كما قال ابن عباس ‪ ،‬ومحمد بن كعب ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪،‬‬
‫دي ‪ :‬إنه خشي عليهم العين ‪ ،‬وذلك أنهم كانوا ذوي جمال‬ ‫س ّ‬‫وقتادة ‪ ،‬وال ّ‬
‫وهيئة حسنة ‪ ،‬ومنظر وبهاء ‪ ،‬فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم ؛ فإن‬
‫العين حق ‪ ،‬تستنزل الفارس عن فرسه‪.‬‬
‫َ‬
‫ب‬‫وا ٍ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫م ْ‬‫خُلوا ِ‬ ‫خعي في قوله ‪َ } :‬واد ْ ُ‬ ‫وروى ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن إبراهيم الن ّ ّ‬
‫فّرقَةٍ { قال ‪ :‬علم أنه سيلقى إخوته في بعض البواب‪.‬‬ ‫مت َ َ‬ ‫ُ‬
‫يٍء { أي ‪ :‬هذا الحتراز ل يرد قدر‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقوله‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫حك ُْ‬
‫م‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫(‬‫‪2‬‬ ‫)‬ ‫يمانع‬ ‫ول‬ ‫يخالف‬ ‫ل‬ ‫شيئا‬ ‫أراد‬ ‫إذا‬ ‫الله‬ ‫فإن‬ ‫؛‬ ‫(‬ ‫‪1‬‬ ‫)‬ ‫الله وقضاءه‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫مَرهُ ْ‬ ‫ثأ َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خلوا ِ‬ ‫ما د َ َ‬ ‫ن وَل ّ‬ ‫مت َوَكلو َ‬ ‫ّ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫ّ‬
‫ت وَعَلي ْهِ فَلي َت َوَك ِ‬ ‫ِإل ل ِل ّهِ عَل َي ْهِ ت َوَكل ُ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫ها‬
‫ضا َ‬ ‫ب قَ َ‬ ‫قو َ‬ ‫س ي َعْ ُ‬‫ف ِ‬ ‫ة ِفي ن َ ْ‬ ‫ج ً‬‫حا َ‬ ‫يٍء ِإل َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ي ُغِْني عَن ْهُ ْ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫أُبوهُ ْ‬
‫مَناه ُ { قال قتادة‬ ‫ما عَل ّ ْ‬ ‫عل ْم ٍ ل ِ َ‬‫ذو ِ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫{ قالوا ‪ :‬هي دفع إصابة العين لهم ‪ } ،‬وَإ ِن ّ ُ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫والثوري ‪ :‬لذو عمل بعلمه‪ .‬وقال ابن جرير ‪ :‬لذو علم لتعليمنا إياه ‪ } ،‬وَلك ِ ّ‬
‫ن{‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ِ‬ ‫أ َك ْث ََر الّنا‬
‫ما‬‫س بِ َ‬ ‫ك َفل ت َب ْت َئ ِ ْ‬ ‫خو َ‬‫ل إ ِّني أ ََنا أ َ ُ‬ ‫خاهُ َقا َ‬ ‫ف آَوى إ ِل َي ْهِ أ َ َ‬ ‫س َ‬ ‫خُلوا عََلى ُيو ُ‬ ‫ما د َ َ‬ ‫} وَل َ ّ‬
‫ن )‪{ (69‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫َ‬
‫يخبر تعالى عن إخوة يوسف لما قدموا على يوسف ومعهم أخوه شقيقه‬
‫بنيامين ‪ ،‬فأدخلهم دار كرامته ومنزل ضيافته ‪ ،‬وأفاض عليهم الصلة واللطاف‬
‫والحسان ‪ ،‬واختلى بأخيه فأطلعه على شأنه ‪ ،‬وما جرى له ‪ ،‬وعَّرفه أنه أخوه‬
‫‪ ،‬وقال له ‪" :‬ل تبتئس" أي ‪ :‬ل تأسف على ما صنعوا بي ‪ ،‬وأمره بكتمان ذلك‬
‫عنهم ‪ ،‬وأل يطلعهم على ما أطلعه عليه من أنه أخوه ‪ ،‬وتواطأ معه أنه‬
‫معّزًزا مكرما معظما‪.‬‬‫سيحتال على أن يبقيه عنده ‪ُ ،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬قضاء الله وقدره"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬ل يمانع ول يخالف"‪.‬‬

‫) ‪(4/400‬‬

‫ن أ َي ّت َُها ال ِْعيُر‬
‫مؤَذ ّ ٌ‬
‫خيه ث ُ َ‬
‫م أذ ّ َ‬
‫ن ُ‬ ‫لأ ِ ِ ّ‬
‫ة في رح َ‬
‫َ ْ ِ‬ ‫قاي َ َ ِ‬ ‫س َ‬
‫ل ال ّ‬ ‫جعَ َ‬‫م َ‬ ‫جَهازِهِ ْ‬
‫م بِ َ‬
‫جهَّزهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ن )‪َ (71‬قاُلوا ن َ ْ‬ ‫َ‬
‫واعَ‬‫ص َ‬
‫قد ُ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫دو َ‬‫ق ُ‬ ‫ماَذا ت َ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫م َ‬‫ن )‪َ (70‬قاُلوا وَأقْب َُلوا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫سارُِقو َ‬ ‫م لَ َ‬‫إ ِن ّك ُ ْ‬
‫َ‬
‫م )‪(72‬‬ ‫عي ٌ‬
‫ل ب َِعيرٍ وَأَنا ب ِهِ َز ِ‬ ‫م ُ‬‫ح ْ‬‫جاَء ب ِهِ ِ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬
‫ك وَل ِ َ‬‫مل ِ ِ‬‫ال ْ َ‬

‫ن أ َي ّت َُها ال ِْعيُر‬ ‫مؤَذ ّ ٌ‬


‫ن ُ‬
‫خيه ث ُ َ‬
‫م أذ ّ َ‬
‫لأ ِ ِ ّ‬
‫ة في رح َ‬
‫َ ْ ِ‬ ‫قاي َ َ ِ‬ ‫س َ‬
‫ل ال ّ‬ ‫جعَ َ‬
‫م َ‬ ‫جَهازِهِ ْ‬‫م بِ َ‬‫جهَّزهُ ْ‬‫ما َ‬ ‫} فَل َ ّ‬
‫ن )‪َ (71‬قاُلوا ن َ ْ‬ ‫َ‬
‫واعَ‬
‫ص َ‬ ‫قد ُ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫دو َ‬‫ق ُ‬ ‫ماَذا ت َ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫م َ‬‫ن )‪َ (70‬قاُلوا وَأقْب َُلوا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫سارُِقو َ‬ ‫م لَ َ‬ ‫إ ِن ّك ُ ْ‬
‫َ‬
‫م )‪{ (72‬‬ ‫عي ٌ‬
‫ل ب َِعيرٍ وَأَنا ب ِهِ َز ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ح ْ‬
‫جاَء ب ِهِ ِ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬‫ك وَل ِ َ‬‫مل ِ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫مل لهم أبعرتهم طعاما ‪ ،‬أمر بعض فتيانه أن يضع "السقاية" ‪،‬‬ ‫ح ّ‬ ‫لما جهزهم و َ‬
‫وهي ‪ :‬إناء من فضة في قول الكثرين‪ .‬وقيل ‪ :‬من ذهب ‪ -‬قاله ابن زيد ‪ -‬كان‬
‫يشرب فيه ‪ ،‬ويكيل للناس به من عّزة الطعام إذ ذاك ‪ ،‬قاله ابن عباس ‪،‬‬
‫ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد‪.‬‬
‫واعَ‬‫ص َ‬
‫وقال شعبة ‪ ،‬عن أبي بشر ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ُ } :‬‬
‫ك { قال ‪ :‬كان من‬ ‫مل ِ ِ‬ ‫ال ْ َ‬

‫) ‪(4/400‬‬

‫ن )‪َ (73‬قاُلوا‬ ‫َْ‬ ‫َقاُلوا َتالل ّهِ ل َ َ‬


‫سارِِقي َ‬ ‫ما ك ُّنا َ‬‫ض وَ َ‬‫سد َ ِفي الْر ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫جئ َْنا ل ِن ُ ْ‬‫ما ِ‬ ‫م َ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫قد ْ عَل ِ ْ‬
‫جَزاؤُهُ‬‫حل ِهِ فَهُوَ َ‬ ‫جد َ ِفي َر ْ‬ ‫ن وُ ِ‬ ‫م ْ‬‫جَزاؤُه ُ َ‬ ‫ن )‪َ (74‬قاُلوا َ‬ ‫م َ‬
‫كاذِِبي َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫جَزاؤُه ُ إ ِ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫م قَب ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫زي ال ّ‬ ‫ك َذ َل ِ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫جَها ِ‬‫خَر َ‬‫ست َ ْ‬
‫ما ْ‬ ‫خيهِ ث ُ ّ‬ ‫عاِء أ ِ‬‫ل وِ َ‬ ‫ن )‪ (75‬فَب َد َأ ب ِأوْ ِ‬
‫عي َت ِهِ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ج ِ‬‫ك نَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫شاَء‬ ‫ن يَ َ‬‫ك إ ِّل أ ْ‬‫مل ِ ِ‬‫ن ال ْ َ‬‫خاهُ ِفي ِدي ِ‬ ‫خذ َ أ َ‬ ‫ن ل ِي َأ ُ‬‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ف َ‬ ‫س َ‬ ‫ك ك ِد َْنا ل ُِيو ُ‬ ‫خيهِ ك َذ َل ِ َ‬ ‫عاِء أ ِ‬ ‫وِ َ‬
‫م )‪(76‬‬ ‫عل ْم ٍ عَِلي ٌ‬ ‫ل ِذي ِ‬ ‫شاُء وَفَوْقَ ك ُ ّ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت َ‬ ‫جا ٍ‬ ‫ه ن َْرفَعُ د ََر َ‬ ‫الل ّ ُ‬

‫فضة يشربون فيه ‪ ،‬وكان مثل المكوك ‪ ،‬وكان للعباس مثُله في الجاهلية ‪،‬‬
‫َ‬
‫فوضعها في متاع بنيامين من حيث ل يشعر أحد ‪ ،‬ثم نادى مناد بينهم ‪ } :‬أي ّت َُها‬
‫ن َقاُلوا‬ ‫دو َ‬ ‫ق ُ‬
‫ف ِ‬ ‫ماَذا ت َ ْ‬ ‫ن { فالتفتوا إلى المنادي وقالوا ‪َ } :‬‬ ‫سارُِقو َ‬ ‫م لَ َ‬ ‫ال ِْعيُر إ ِن ّك ُ ْ‬
‫ل ب َِعيرٍ {‬ ‫م ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫جاَء ب ِهِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك { أي ‪ :‬صاعه الذي يكيل به ‪ } ،‬وَل ِ َ‬ ‫مل ِ ِ‬ ‫واعَ ال ْ َ‬ ‫ص َ‬ ‫قد ُ ُ‬ ‫ف ِ‬‫نَ ْ‬
‫م { وهذا من باب الضمان والكفالة‪.‬‬ ‫َ‬
‫عي ٌ‬ ‫جَعالة ‪ } ،‬وَأَنا ب ِهِ َز ِ‬ ‫وهذا من باب ال ُ‬
‫ن )‪(73‬‬ ‫سارِِقي َ‬ ‫ما ك ُّنا َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫سد َ ِفي الْر ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫جئ َْنا ل ِن ُ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫م َ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫قد ْ عَل ِ ْ‬ ‫} َقاُلوا َتالل ّهِ ل َ َ‬
‫حل ِهِ فَهُ َ‬
‫و‬ ‫جد َ ِفي َر ْ‬ ‫ن وُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جَزاؤُه ُ َ‬ ‫ن )‪َ (74‬قاُلوا َ‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫جَزاؤُه ُ إ ِ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫َقاُلوا فَ َ‬
‫َ‬ ‫م قَب ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫جَزاؤُهُ ك َذ َل ِ َ‬
‫خيهِ ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫عاِء أ ِ‬ ‫ل وِ َ‬ ‫ن )‪ (75‬فَب َد َأ ب ِأوْ ِ‬
‫عي َت ِهِ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫زي الظال ِ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫دي‬ ‫في‬ ‫ه‬ ‫خا‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ما‬ ‫ف‬ ‫س‬ ‫يو‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫د‬ ‫ك‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ه‬ ‫خي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫عا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ا ْ َ َ َ ْ ِ‬
‫و‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ها‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬
‫م)‬ ‫علم ٍ عَِلي ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ل ِذي ِ‬ ‫ُ‬
‫شاُء وَفَوْقَ ك ّ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت َ‬ ‫جا ٍ‬ ‫ه ن َْرفَعُ د ََر َ‬ ‫ّ‬
‫شاَء الل ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ك ِإل أ ْ‬ ‫مل ِ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫‪{ (76‬‬
‫قد ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫لما اتهمهم أولئك الفتيان بالسرقة ‪ ،‬قال لهم إخوة يوسف ‪َ } :‬تاللهِ ل َ‬
‫ن { أي ‪ :‬لقد تحققتم وعلمتم‬ ‫سارِِقي َ‬ ‫ما ك ُّنا َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫سد َ ِفي الْر ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫جئ َْنا ل ِن ُ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫م َ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫عَل ِ ْ‬
‫منذ )‪ (1‬عرفتمونا ‪ ،‬لنهم )‪ (2‬شاهدوا منهم سيرة حسنة ‪ ،‬أّنا ما جئنا للفساد‬
‫في الرض ‪ ،‬وما كنا سارقين ‪ ،‬أي ‪ :‬ليست سجايانا تقتضي هذه الصفة ‪،‬‬
‫جَزاؤُهُ { أي ‪ :‬السارق ‪ ،‬إن كان فيكم } إ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫ما َ‬ ‫فقال )‪ (3‬لهم الفتيان ‪ } :‬فَ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬أي شيء يكون عقوبته إن وجدنا فيكم من أخذه )‪ (4‬؟ }‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ن{‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫زي ال ّ‬ ‫ج ِ‬‫ك نَ ْ‬ ‫جَزاؤُه ُ ك َذ َل ِ َ‬ ‫حل ِهِ فَهُوَ َ‬ ‫جد َ ِفي َر ْ‬ ‫ن وُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جَزاؤُهُ َ‬ ‫َقاُلوا َ‬
‫وهكذا كانت شريعة إبراهيم ‪ :‬أن السارق يدفع إلى المسروق منه‪ .‬وهذا هو‬
‫الذي أراد يوسف ‪ ،‬عليه السلم ؛ ولهذا بدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ‪ ،‬أي‬
‫خيهِ { فأخذه منهم بحكم‬ ‫عاِء أ َ ِ‬ ‫ن وِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جَها ِ‬‫خَر َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫ما ْ‬ ‫فتشها قبله ‪ ،‬تورية ‪ } ،‬ث ُ ّ‬
‫اعترافهم والتزامهم وإلزاما لهم بما يعتقدونه ؛ ولهذا قال تعالى ‪ } :‬ك َذ َل ِ َ‬
‫ك‬
‫ف { وهذا من الكيد المحبوب المراد الذي يحبه الله ويرضاه ‪ ،‬لما‬ ‫س َ‬ ‫ك ِد َْنا ل ُِيو ُ‬
‫فيه من الحكمة والمصلحة المطلوبة‪.‬‬
‫ْ‬
‫ك { أي ‪ :‬لم يكن له أخذه في‬ ‫مل ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫خاه ُ ِفي ِدي ِ‬ ‫خذ َ أ َ َ‬
‫ن ل ِي َأ ُ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫حكم ملك مصر ‪ ،‬قاله الضحاك وغيره‪.‬‬
‫وإنما قيض الله له أن )‪ (5‬التزم له إخوته بما التزموه ‪ ،‬وهو كان يعلم ذلك‬
‫شاُء { كما‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م ْ‬‫ت َ‬ ‫جا ٍ‬‫من شريعتهم ؛ ولهذا مدحه تعالى فقال ‪ } :‬ن َْرفَعُ د ََر َ‬
‫قال تعالى ‪ } :‬يرفَع الل ّه ال ّذين آمنوا منك ُم وال ّذي ُ‬
‫ت َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫جا ٍ‬
‫م د ََر َ‬ ‫ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ‬ ‫ِ ْ ْ َ ِ َ‬ ‫ُ ِ َ َ ُ‬ ‫َْ ِ‬
‫خِبيٌر { ]المجادلة ‪.[11 :‬‬ ‫ن َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫بِ َ‬
‫م { قال الحسن البصري ‪ :‬ليس عالم إل فوقه عالم‬ ‫لي‬ ‫ع‬
‫ِ ٍ َِ ٌ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ذي‬‫ِ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬
‫} َ ْ َ‬
‫ق‬ ‫و‬ ‫ف‬ ‫و‬
‫‪ ،‬حتى ينتهي إلى الله عز وجل‪ .‬وكذا َرَوى عبد الرزاق ‪ ،‬عن سفيان الثوري ‪،‬‬
‫عن عبد العلى الثعلبي ‪ ،‬عن سعيد بن جبير‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬مذ"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬ل لنهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬فقالت"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬فيهم من أخذها"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬أنه"‪.‬‬

‫) ‪(4/401‬‬

‫خ ل َه من قَب ُ َ‬ ‫َ‬
‫ها‬ ‫سهِ وَل َ ْ‬
‫م ي ُب ْدِ َ‬ ‫ف ِ‬
‫ف ِفي ن َ ْ‬
‫س ُ‬
‫ها ُيو ُ‬
‫سّر َ‬‫ل فَأ َ‬ ‫سَرقَ أ ٌ ُ ِ ْ ْ‬ ‫قد ْ َ‬‫سرِقْ فَ َ‬‫ن يَ ْ‬ ‫َقاُلوا إ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(77‬‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬
‫ما ت َ ِ‬ ‫ه أعْل َ ُ‬
‫م بِ َ‬ ‫كاًنا َوالل ّ ُ‬
‫م َ‬
‫شّر َ‬ ‫م َ‬ ‫م َقا َ‬
‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫ل َهُ ْ‬

‫قال كنا عند ابن عباس فتحدث بحديث عجيب ‪ ،‬فتعجب رجل فقال ‪ :‬الحمد‬
‫لله فوق كل ذي علم عليم ]فقال ابن عباس ‪ :‬بئس ما قلت ‪ ،‬الله العليم ‪،‬‬
‫رمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪:‬‬ ‫عك ْ ِ‬‫وهو فوق كل عالم[ )‪ (1‬وكذا روى سماك ‪ ،‬عن ِ‬
‫م { قال ‪ :‬يكون هذا أعلم من هذا ‪ ،‬وهذا أعلم من‬ ‫عل ْم ٍ عَِلي ٌ‬ ‫ل ِذي ِ‬ ‫} وَفَوْقَ ك ُ ّ‬
‫هذا ‪ ،‬والله فوق كل عالم‪ .‬وهكذا )‪ (2‬قال عكرمة‪.‬‬
‫م { حتى ينتهي العلم إلى الله ‪ ،‬منه‬ ‫عل ْم ٍ عَِلي ٌ‬ ‫ل ِذي ِ‬ ‫وقال قتادة ‪ } :‬وَفَوْقَ ك ُ ّ‬
‫ل عالم‬ ‫ُبدئ وتعلمت العلماء ‪ ،‬وإليه يعود ‪ ،‬وفي قراءة عبد الله "وَفَوْقَ ك ُ ّ‬
‫عليم"‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫سهِ وَل َ ْ‬
‫ف ِ‬‫ف ِفي ن َ ْ‬‫س ُ‬‫ها ُيو ُ‬ ‫سّر َ‬‫ل فَأ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫خ لَ ُ‬ ‫سَرقَ أ ٌ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫سرِقْ فَ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫} َقاُلوا إ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (77‬‬ ‫فو َ‬ ‫ص ُ‬
‫ما ت َ ِ‬‫م بِ َ‬‫ه أعْل َ ُ‬ ‫كاًنا َوالل ّ ُ‬
‫م َ‬ ‫شّر َ‬ ‫م َ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬‫م َقا َ‬ ‫ها ل َهُ ْ‬
‫ي ُب ْدِ َ‬
‫ن‬
‫صواع قد أخرج من متاع بنيامين ‪ } :‬إ ِ ْ‬ ‫وقال )‪ (3‬إخوة يوسف لما رأوا ال ّ‬
‫ل { يتنصلون إلى العزيز من التشبه )‪ (4‬به ‪،‬‬ ‫ن قَب ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫خ لَ ُ‬ ‫سَرقَ أ َ ٌ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫سرِقْ فَ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ويذكرون أن هذا فعل كما فََعل أخ له من قبل ‪ ،‬يعنون به يوسف ‪ ،‬عليه‬
‫السلم‪.‬‬
‫قال سعيد بن جبير ‪ ،‬عن قتادة )‪ (5‬كان يوسف قد سرق صنما لجده ‪ ،‬أبي‬
‫أمه ‪ ،‬فكسره‪.‬‬
‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد قال ‪ :‬كان‬ ‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن عبد الله بن أبي ن َ ِ‬
‫أول ما دخل على يوسف من البلء ‪ ،‬فيما بلغني ‪ ،‬أن عمته ابنة إسحاق ‪،‬‬
‫وكانت أكبر ولد إسحاق ‪ ،‬وكانت إليها منطقة إسحاق ‪ ،‬وكانوا يتوارثونها‬
‫سَلما ل ينازع فيه ‪ ،‬يصنع فيه‬ ‫بالكبر ‪ ،‬فكان من اختباها )‪ (6‬ممن وليها كان له َ‬
‫ما يشاء )‪ (7‬وكان يعقوب حين وُلد له يوسف قد حضنته عمته ‪ ،‬فكان منها‬
‫وإليها ‪ ،‬فلم ُيحب أحد ٌ شيئا من الشياء حبها إياه ‪ ،‬حتى إذا ترعرع وبلغ‬
‫سنوات وقعت نفس يعقوب عليه فأتاها ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أخّيه )‪ (8‬سّلمى إل ّ‬
‫ي‬
‫يوسف ‪ ،‬فوالله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة‪ .‬قالت ‪ :‬فوالله ما أنا‬
‫بتاركته‪ .‬ثم قالت ‪ :‬فدعه عندي أياما أنظر إليه وأسكن عنه ‪ ،‬لعل ذلك‬
‫يسّليني عنه ‪ -‬أو كما قالت‪ .‬فلما خرج من عندها يعقوب ‪ ،‬عمدت إلى منطقة‬
‫إسحاق ‪ ،‬فحزمتها على يوسف من تحت ثيابه ‪ ،‬ثم قالت ‪ :‬فقدت منطقة‬
‫إسحاق ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فانظروا من أخذها ومن أصابها ؟ فالتمست ثم قالت‬
‫‪ :‬اكشفوا أهل البيت‪ .‬فكشفوهم فوجدوها مع يوسف‪ .‬فقالت ‪ :‬والله إنه لي‬
‫م ‪ ،‬أصنع فيه ما شئت‪ .‬فأتاها يعقوب فأخبرته الخبر‪ .‬فقال لها ‪ :‬أنت‬ ‫سل َ ٌ‬
‫ل َ‬
‫سَلم لك ما أستطيع غير ذلك‪ .‬فأمسكته فما‬ ‫وذاك ‪ ،‬إن كان فعل ذلك فهو َ‬
‫قدر عليه يعقوب حتى ماتت‪ .‬قال ‪ :‬فهو الذي يقول إخوة يوسف حين صنع‬
‫ل { )‪.(9‬‬ ‫ن قَب ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫ه ِ‬ ‫سَرقَ أ َ ٌ‬
‫خ لَ ُ‬ ‫سرِقْ فَ َ‬
‫قد ْ َ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫بأخيه ما صنع حين أخذه ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وكذا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬الشبه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وقتادة"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬اختانها"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ما شاء"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يا أخته"‪.‬‬
‫)‪ (9‬رواه الطبري في تفسير )‪.(16/196‬‬

‫) ‪(4/402‬‬

‫خا ك َبيرا فَ ُ َ‬ ‫ه أ ًَبا َ‬ ‫َ‬


‫ن‬
‫م َ‬ ‫ه إ ِّنا ن ََرا َ‬
‫ك ِ‬ ‫م َ‬
‫كان َ ُ‬ ‫خذ ْ أ َ‬
‫حد ََنا َ‬ ‫ِ ً‬ ‫شي ْ ً‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫َقاُلوا َيا أي َّها ال ْعَ ِ‬
‫زيُز إ ِ ّ‬
‫ن )‪(78‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫سهِ { )‪ (1‬يعني ‪ :‬الكلمة التي بعدها ‪ ،‬وهي‬ ‫ف ِ‬ ‫ف ِفي ن َ ْ‬ ‫س ُ‬
‫ها ُيو ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَأ َ‬
‫سّر َ‬
‫كانا والل ّ َ‬ ‫َ‬
‫ن { )‪ (2‬أي ‪ :‬تذكرون‪ .‬قال هذا‬ ‫فو َ‬
‫ص ُ‬
‫ما ت َ ِ‬
‫م بِ َ‬‫ه أعْل َ ُ‬ ‫م َ ً َ ُ‬ ‫شّر َ‬‫م َ‬‫قوله ‪ } :‬أن ْت ُ ْ‬
‫في نفسه ‪ ،‬ولم يبده لهم ‪ ،‬وهذا من باب الضمار قبل الذكر ‪ ،‬وهو كثير ‪،‬‬
‫كقول الشاعر ‪(3) :‬‬
‫مار‬
‫سن فعل )‪ (4‬كما ُيجَزى سن ّ‬ ‫ر‪ ...‬وح ْ‬ ‫جَزى ب َُنوه أبا الغيلن عن كب َ ٍ‬ ‫َ‬
‫وله شواهد كثيرة في القرآن والحديث واللغة ‪ ،‬في منثورها وأخبارها‬
‫وأشعارها‪.‬‬
‫سهِ { قال ‪ :‬أسر في‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف ِ‬ ‫ف ِفي ن َ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ها ُيو ُ‬ ‫سّر َ‬‫قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬فأ َ‬
‫كانا والل ّ َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫فو َ‬‫ص ُ‬
‫ما ت َ ِ‬‫م بِ َ‬ ‫ه أعْل َ ُ‬‫م َ ً َ ُ‬ ‫شّر َ‬ ‫م َ‬ ‫نفسه ‪ } :‬أن ْت ُ ْ‬
‫خا ك َبيرا فَ ُ َ‬ ‫ه أ ًَبا َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ه إ ِّنا ن ََرا َ‬
‫ك ِ‬ ‫م َ‬
‫كان َ ُ‬ ‫خذ ْ أ َ‬
‫حد ََنا َ‬ ‫ِ ً‬ ‫شي ْ ً‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫} َقاُلوا َيا أي َّها ال ْعَ ِ‬
‫زيُز إ ِ ّ‬
‫ن )‪{(78‬‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬فأسر هذا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬يصفون"‪.‬‬
‫)‪ (3‬هو سليط بن سعد ‪ ،‬والبيت من شواهد ابن عقيل في شرحه على‬
‫اللفية لبن مالك برقم )‪.(153‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ظن"‪.‬‬

‫) ‪(4/403‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (79‬فَل َ ّ‬
‫ما‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫عن ْد َه ُ إ ِّنا إ ًِذا ل َ َ‬ ‫مَتاعََنا ِ‬ ‫جد َْنا َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خذ َ إ ِّل َ‬ ‫ن ن َأ ُ‬ ‫مَعاذ َ الل ّهِ أ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫خذ َ عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م قَد ْ أ َ‬ ‫ن أَباك ُ ْ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬
‫م أل َ ْ‬ ‫ل ك َِبيُرهُ ْ‬ ‫جّيا َقا َ‬ ‫صوا ن َ ِ‬ ‫خل َ ُ‬‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫سوا ِ‬ ‫ست َي ْئ َ ُ‬ ‫ا ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ذ‬‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫تى‬ ‫ح‬ ‫ض‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫س‬ ‫يو‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ط‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ما‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫قا‬ ‫ً‬
‫ْ َ َ ّ َ َ‬ ‫ْ َْ َ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫ّ ُ ْ ِ‬ ‫ِ َ ِ ْ ْ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫مو ْ ِ‬
‫ث‬ ‫َ‬
‫قوُلوا َيا‬ ‫م فَ ُ‬ ‫َ‬
‫جُعوا إ َِلى أِبيك ُْ‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫(‬ ‫‪80‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫مي‬ ‫ك‬ ‫حا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫لي‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫بي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫لي‬
‫ْ ِ‬ ‫َ ِ ِ َ‬ ‫َ ُ َ ُْ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ْ َ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪(81‬‬ ‫ظي‬ ‫ف‬ ‫حا‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫غ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫إ‬ ‫نا‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫س‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫َ‬
‫ّ ِ ْ ِ َ ِ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ َْ ِ ِ َ‬ ‫َ َ َ َ َ‬ ‫أَ َ ِ ّ َْ‬
‫ن‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫نا‬ ‫با‬
‫َ‬ ‫وا َ‬
‫ن )‪(82‬‬ ‫صادُِقو َ‬ ‫ة ال ِّتي ك ُّنا ِفيَها َوال ِْعيَر ال ِّتي أقْب َل َْنا ِفيَها وَإ ِّنا ل َ َ‬ ‫قْري َ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫سأ ِ‬ ‫َ ْ‬
‫عن ْد َه ُ إ ِّنا إ ًِذا ل َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (79‬‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫مَتاعََنا ِ‬ ‫جد َْنا َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خذ َ ِإل َ‬ ‫ن ن َأ ُ‬ ‫مَعاذ َ الل ّهِ أ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫} َقا َ‬
‫خذ بنيامين وتقرر تركه عند يوسف بمقتضى اعترافهم ‪ ،‬شرعوا‬ ‫لما تعين أ ْ‬
‫خا‬ ‫َ‬
‫ه أًبا شي ْ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫نل ُ‬ ‫زيُز إ ِ ّ‬‫يترققون له ويعطفونه عليهم ‪ ،‬ف } قالوا َيا أي َّها العَ ِ‬
‫ك َِبيًرا { يعنون ‪ :‬وهو يحبه حبا شديدا ويتسلى به عن ولده الذي فقده ‪،‬‬
‫ضا عنه ‪ } ،‬إ ِّنا ن ََرا َ‬ ‫م َ‬ ‫} فَ ُ َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫عوَ ً‬ ‫ه { أي ‪ :‬بدله ‪ ،‬يكون عندك ِ‬ ‫كان َ ُ‬ ‫حد ََنا َ‬ ‫خذ ْ أ َ‬
‫مَعاذ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن { )‪ (1‬أي ‪ :‬من العادلين المنصفين القابلين للخير‪َ } .‬قا َ‬ ‫سِني ْ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫عن ْد َه ُ { أي ‪ :‬كما قلتم واعترفتم ‪ } ،‬إ ِّنا إ ًِذا‬ ‫مَتاعََنا ِ‬ ‫جد َْنا َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خذ َ ِإل َ‬ ‫ن ن َأ ُ‬ ‫الل ّهِ أ ْ‬
‫ن { ]أي[ )‪ (2‬إن أخذنا بريئا بسقيم‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫لَ َ‬
‫َ‬
‫خذ َ‬ ‫م قَد ْ أ َ َ‬ ‫ن أَباك ُ ْ‬
‫ل ك َبيرهُم أ َل َم تعل َموا أ َ َ‬
‫ّ‬ ‫ْ َْ ُ‬ ‫جّيا َقا َ ِ ُ ْ‬ ‫صوا ن َ ِ‬ ‫خل َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫سوا ِ‬ ‫ست َي ْأ ُ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫} فَل َ ّ‬
‫ف فَل َ َ‬
‫حّتى‬ ‫ض َ‬ ‫ح الْر َ‬ ‫ن أب َْر َ‬ ‫ْ‬ ‫س َ‬ ‫م ِفي ُيو ُ‬ ‫ما فَّرط ْت ُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن الل ّهِ وَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫قا ِ‬ ‫موْث ِ ً‬ ‫م َ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫جُعوا إ َِلى أِبيك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن )‪ (80‬اْر ِ‬ ‫مي َ‬
‫حاك ِ ِ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬ ‫ه ِلي وَهُوَ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حك ُ َ‬ ‫ن ِلي أِبي أوْ ي َ ْ‬ ‫ي َأذ َ َ‬
‫َ‬
‫ن)‬‫ظي َ‬ ‫حافِ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ما ك ُّنا ل ِل ْغَي ْ ِ‬ ‫مَنا وَ َ‬ ‫ما عَل ِ ْ‬ ‫شهِد َْنا ِإل ب ِ َ‬ ‫ما َ‬ ‫سَرقَ وَ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ن اب ْن َ َ‬ ‫قوُلوا َيا أَباَنا إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫فَ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪{ (82‬‬ ‫صادُِقو َ‬ ‫ة الِتي كّنا ِفيَها َوالِعيَر الِتي أقْب َلَنا ِفيَها وَإ ِّنا ل َ‬ ‫قْري َ َ‬ ‫ل ال َ‬ ‫سأ ِ‬ ‫‪َ (81‬وا ْ‬
‫يخبر تعالى عن إخوة يوسف ‪ :‬أنهم لما يئسوا من تخليص أخيهم بنيامين ‪،‬‬
‫الذي قد التزموا لبيهم برده إليه ‪ ،‬وعاهدوه على ذلك ‪ ،‬فامتنع عليهم ذلك ‪} ،‬‬
‫جّيا { يتناجون فيما بينهم‪.‬‬ ‫صوا { أي ‪ :‬انفردوا عن الناس } ن َ ِ‬ ‫خل َ ُ‬ ‫َ‬
‫م { وهو ُروبيل ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يهوذا ‪ ،‬وهو الذي أشار عليهم بإلقائه‬ ‫ه‬
‫ِ ُ ُ ْ‬ ‫ر‬ ‫بي‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫}‬
‫موا‬ ‫ّ‬ ‫ه‬ ‫عندما‬ ‫في البئر‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬لنراك" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫) ‪(4/403‬‬

‫ْ‬ ‫ل عَسى الل ّ َ‬ ‫فسك ُ َ‬ ‫ل سول َت ل َك ُ َ‬


‫م‬‫ن ي َأت ِي َِني ب ِهِ ْ‬
‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ج ِ‬ ‫مًرا فَ َ‬
‫صب ٌْر َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م أن ْ ُ ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ل بَ ْ َ ّ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ف‬
‫س َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م وََقا َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫فى عَلى ُيو ُ‬ ‫س َ‬
‫ل َيا أ َ‬ ‫م )‪ (83‬وَت َوَلى عَن ْهُ ْ‬ ‫كي ُ‬
‫ح ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫ه هُوَ العَِلي ُ‬ ‫ميًعا إ ِن ّ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫م )‪َ (84‬قالوا َتاللهِ ت َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫حّتى‬
‫ف َ‬ ‫س َ‬ ‫فت َأ ت َذ ْكُر ُيو ُ‬ ‫ن فَهُوَ ك ِ‬
‫ظي ٌ‬ ‫حْز ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت عَي َْناه ُ ِ‬ ‫ض ْ‬ ‫َواب ْي َ ّ‬
‫حْزِني إ َِلى اللهِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن )‪َ (85‬قا َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫تَ ُ‬
‫شكو ب َّثي وَ ُ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫كي َ‬‫ن الَهال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ضا أوْ ت َكو َ‬ ‫حَر ً‬ ‫ن َ‬ ‫كو َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(86‬‬ ‫مو َ‬ ‫ما َل ت َعْل َ ُ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫وَأعْل َ ُ‬

‫ن الل ّهِ {‬ ‫م َ‬ ‫قا ِ‬ ‫موْث ِ ً‬ ‫م َ‬ ‫خذ َ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م قَد ْ أ َ َ‬ ‫ن أَباك ُ ْ‬


‫بقتله ‪ ،‬قال لهم ‪ } :‬أ َل َم تعل َموا أ َ َ‬
‫ّ‬ ‫ْ َْ ُ‬
‫لتردّنه إليه ‪ ،‬فقد رأيتم كيف تعذر عليكم ذلك مع ما تقدم لكم من إضاعة‬
‫ْ‬ ‫يوسف عنه ‪ } ،‬فَل َ َ‬
‫حّتى ي َأذ َ َ‬
‫ن‬ ‫ض { أي ‪ :‬لن أفارق هذه البلدة ‪َ } ،‬‬ ‫ح الْر َ‬ ‫ن أب َْر َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ِلي { قيل ‪ :‬بالسيف‪.‬‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حك ُ َ‬ ‫ِلي أِبي { في الرجوع إليه راضًيا عني ‪ } ،‬أوْ ي َ ْ‬
‫ن { )‪.(1‬‬ ‫مي َ‬ ‫حاك ِ ِ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬ ‫وقيل ‪ :‬بأن يمكنني من أخذ أخي ‪ } ،‬وَهُوَ َ‬
‫ثم أمرهم أن يخبروا أباهم بصورة ما وقع ‪ ،‬حتى يكون عذرا لهم عنده‬
‫ويتنصلوا إليه ‪ ،‬ويبرءوا مما وقع بقولهم‪.‬‬
‫ن { قال عكرمة وقتادة ‪ :‬ما ]كنا[ )‪ (2‬نعلم‬ ‫ظي َ‬ ‫حافِ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ما ك ُّنا ل ِل ْغَي ْ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫أن ابنك سرق )‪.(3‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬ما علمنا في الغيب أنه يسرق )‪ (4‬له‬
‫شيئا ‪ ،‬إنما سألنا )‪ (5‬ما جزاء السارق ؟‬
‫ة ال ِّتي ك ُّنا ِفيَها { قيل ‪ :‬المراد مصر‪ .‬قاله قتادة ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫} وا َ‬
‫قْري َ َ‬ ‫سأ ِ‬ ‫َ ْ‬
‫غيرها ‪َ } ،‬وال ِْعيَر ال ِّتي أ َقْب َل َْنا ِفيَها { أي ‪ :‬التي رافقناها ‪ ،‬عن صدقنا وأمانتنا‬
‫ن { فيما أخبرناك به ‪ ،‬من أنه سرق‬ ‫صادُِقو َ‬ ‫وحفظنا وحراستنا ‪ } ،‬وَإ ِّنا ل َ َ‬
‫وأخذوه بسرقته‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ن ي َأت ِي َِني ب ِهِ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫سى الل ُ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ج ِ‬ ‫صب ٌْر َ‬ ‫مًرا فَ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سك ْ‬‫ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫م أن ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ت لك ْ‬ ‫سوّل َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ل بَ ْ‬ ‫} َقا َ‬
‫ف‬
‫س َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫م وََقا َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫فى عَلى ُيو ُ‬ ‫س َ‬ ‫ل َيا أ َ‬ ‫م )‪ (83‬وَت َوَلى عَن ْهُ ْ‬ ‫كي ُ‬‫ح ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫ه هُوَ العَِلي ُ‬ ‫ميًعا إ ِن ّ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫م )‪َ (84‬قالوا َتاللهِ ت َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫حّتى‬ ‫ف َ‬ ‫س َ‬ ‫فت َأ ت َذ ْكُر ُيو ُ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ن فَهُوَ ك ِ‬ ‫حْز ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت عَي َْناه ُ ِ‬ ‫ض ْ‬ ‫َواب ْي َ ّ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن )‪َ (85‬قا َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫تَ ُ‬
‫حْزِني إ ِلى الل ِ‬ ‫شكو ب َّثي وَ ُ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫كي َ‬ ‫ن الَهال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ضا أوْ ت َكو َ‬ ‫حَر ً‬ ‫ن َ‬ ‫كو َ‬
‫َ‬
‫ن )‪{ (86‬‬ ‫مو َ‬ ‫ما ل ت َعْل َ ُ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫وَأعْل َ ُ‬
‫قال لهم كما قال لهم حين جاءوا على قميص يوسف بدم كذب ‪ } :‬ب َ ْ‬
‫ل‬
‫فسك ُ َ‬ ‫سول َت ل َك ُ َ‬
‫ل{‬ ‫مي ٌ‬ ‫ج ِ‬ ‫صب ٌْر َ‬ ‫مًرا فَ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م أن ْ ُ ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ّ ْ‬
‫قال محمد بن إسحاق ‪ :‬لما جاءوا يعقوب وأخبروه بما يجري اتهمهم ‪ ،‬وظن‬
‫فسك ُ َ‬ ‫ل سول َت ل َك ُ َ‬
‫ل { )‪.(6‬‬ ‫مي ٌ‬‫ج ِ‬
‫صب ٌْر َ‬ ‫مًرا فَ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م أن ْ ُ ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ل بَ ْ َ ّ ْ‬ ‫أنها كفعلتهم بيوسف } َقا َ‬
‫سحب‬ ‫وقال بعض الناس ‪ :‬لما كان صنيعهم )‪ (7‬هذا مرتبا على فعلهم الول ‪ُ ،‬‬
‫فسك ُ َ‬ ‫ل سول َت ل َك ُ َ‬
‫مًرا فَ َ‬
‫صب ٌْر‬ ‫مأ ْ‬ ‫م أن ْ ُ ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫)‪ (8‬حكم الول عليه ‪ ،‬وصح قوله ‪ } :‬ب َ ْ َ ّ ْ‬
‫ل{‬ ‫مي ٌ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫ثم ترجى )‪ (9‬من الله أن يرد عليه أولده الثلثة ‪ :‬يوسف وأخاه بنيامين ‪،‬‬
‫وروبيل الذي أقام بديار‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أحكم الحاكمين" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬يسرق"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬سرق"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬سألناه"‪.‬‬
‫أ ‪" :‬فقال" وهو خطأ‪.‬‬ ‫‪،‬‬ ‫ت‬ ‫في‬ ‫)‪(6‬‬
‫"صبرنا"‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫ت‬ ‫في‬ ‫)‪(7‬‬
‫"اسحب" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬استحب"‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫ت‬ ‫في‬ ‫)‪(8‬‬
‫"يرجى"‪.‬‬ ‫‪:‬‬ ‫ت‬ ‫في‬ ‫)‪(9‬‬

‫) ‪(4/304‬‬

‫مصر ينتظر أمر الله فيه ‪ ،‬إما أن يرضى عنه أبوه فيأمره بالرجوع إليه ‪ ،‬وإما‬
‫و‬ ‫ْ‬ ‫أن يأخذ أخاه خفية ؛ ولهذا قال ‪ } :‬عَسى الل ّ َ‬
‫ه هُ َ‬ ‫ميًعا إ ِن ّ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬‫ن ي َأت ِي َِني ب ِهِ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م { في أفعاله وقضائه وقدره‪.‬‬ ‫كي ُ‬ ‫م { أي ‪ :‬العليم بحالي ‪ } ،‬ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ال ْعَِلي ُ‬
‫َ‬
‫ف { أي ‪ :‬أعرض عن بنيه وقال‬ ‫س َ‬‫فى عََلى ُيو ُ‬ ‫س َ‬‫ل َيا أ َ‬ ‫م وََقا َ‬ ‫} وَت َوَّلى عَن ْهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫دد له حز ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫ف{ َ‬ ‫س َ‬ ‫فى عََلى ُيو ُ‬ ‫س َ‬
‫ن يوسف القديم الول ‪َ } :‬يا أ َ‬ ‫حز َ‬ ‫متذكرا ُ‬
‫البنين )‪ (1‬الحزن الدفين‪.‬‬
‫فريّ ‪ ،‬عن سعيد بن جبير‬ ‫ص ُ‬‫قال عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا الثوري ‪ ،‬عن سفيان العُ ْ‬
‫أنه قال ‪ :‬لم يعط أحد غيَر هذه المة السترجاع ‪ ،‬أل تسمعون إلى قول‬
‫َ‬
‫ن‬‫حْز ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت عَي َْناه ُ ِ‬ ‫ض ْ‬‫ف َواب ْي َ ّ‬ ‫س َ‬ ‫فى عََلى ُيو ُ‬ ‫س َ‬
‫يعقوب ‪ ،‬عليه السلم ‪َ } :‬يا أ َ‬
‫م { أي ‪ :‬ساكت ل يشكو أمره إلى مخلوق )‪ (2‬قاله قتادة وغيره‪.‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫فَهُوَ ك َ ِ‬
‫م { كميد حزين‪.‬‬ ‫ظي ٌ‬‫وقال الضحاك ‪ } :‬فَهُوَ ك َ ِ‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ]حدثنا أبو موسى[ ‪،‬‬
‫عن علي بن زيد )‪ (3‬عن الحسن ‪ ،‬عن الحنف بن قيس ‪ ،‬أن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال ‪" :‬إن داود عليه السلم ‪ ،‬قال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬إن بني إسرائيل‬
‫يسألونك بإبراهيم وإسحاق ويعقوب ‪ ،‬فاجعلني لهم رابعا‪ .‬فأوحى الله تعالى‬
‫إليه أن يا داود ‪ ،‬إن إبراهيم ألقي في النار بسببي فصبر ‪ ،‬وتلك بلية لم تنلك ‪،‬‬
‫وإن إسحاق بذل مهجة )‪ (4‬دمه في سببي فصبر ‪ ،‬وتلك بلية لم تنلك ‪ ،‬وإن‬
‫يعقوب أخذت منه حبيبه حتى ابيضت عيناه من الحزن ‪ ،‬فصبر ‪ ،‬وتلك بلية لم‬
‫تنلك"‪.‬‬
‫وهذا مرسل ‪ ،‬وفيه نكارة )‪ (5‬؛ فإن الصحيح أن إسماعيل هو الذبيح ‪ ،‬ولكن‬
‫عان له مناكير وغرائب كثيرة ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬ ‫جد ْ َ‬‫علي بن زيد بن ُ‬
‫وأقرب ما في هذا أن يكون قد حكاه الحنف بن قيس ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬عن بني‬
‫)‪ (6‬إسرائيل ككعب ووهب ونحوهما ‪ ،‬والله أعلم ‪ ،‬فإن السرائيليين ينقلون‬
‫أن يعقوب كتب إلى يوسف لما احتبس أخاه بسبب السرقة يتلطف له في‬
‫رده ‪ ،‬ويذكر له أنهم أهل بيت مصابون بالبلء ‪ ،‬فإبراهيم ابتلي بالنار ‪،‬‬
‫وإسحاق بالذبح ‪ ،‬ويعقوب بفراق يوسف ‪ ،‬في حديث طويل ل يصح ‪ ،‬والله‬
‫أعلم ‪ ،‬فعند ذلك رق له بنوه ‪ ،‬وقالوا له على سبيل الرفق به والشفقة عليه ‪:‬‬
‫حّتى ت َ ُ‬ ‫ف { أي ‪ :‬ل تفارق ت َذ َ ّ‬ ‫} َقاُلوا تالل ّه ت ْ ُ‬
‫ن‬
‫كو َ‬ ‫كر يوسف ‪َ } ،‬‬ ‫س َ‬ ‫فت َأ ت َذ ْك ُُر ُيو ُ‬ ‫َ ِ َ‬
‫ن{‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ضا { أي ‪ :‬ضعيف الجسم ‪ ،‬ضعيف القوة ‪ } ،‬أوْ ت َ ُ‬
‫كي َ‬ ‫ن الَهال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫حَر ً‬ ‫َ‬
‫يقولون ‪ :‬وإن استمر بك هذا الحال خشينا عليك الهلك والتلف‪.‬‬
‫حْزِني إ َِلى الل ّهِ { أي ‪ :‬أجابهم عما قالوا بقوله ‪:‬‬ ‫كو ب َّثي وَ ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫ما أ َ ْ‬ ‫} َقا َ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫حْزِني {‬ ‫شكو ب َّثي وَ ُ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫} إ ِن ّ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬الثنين"‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير عبد الرزاق )‪ (1/284‬وروى موصول ول يصح‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬يزيد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬مهجته"‬
‫)‪ (5‬ورواه ابن أبي شيبة في المصنف )‪ (11/554‬عن عفان ‪ ،‬عن حماد بن‬
‫سلمة به‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬عن بعض بني"‪.‬‬

‫) ‪(4/405‬‬

‫َ‬
‫ن{‬ ‫ما ل ت َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬
‫م َ‬
‫م ِ‬‫أي ‪ :‬همي وما أنا فيه } إ َِلى الل ّهِ { وحده } وَأعْل َ ُ‬
‫أي ‪ :‬أرجو منه كل خير‪.‬‬
‫ن { ]يعني رؤيا يوسف أنها‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬‫ما ل ت َعْل ُ‬
‫ن اللهِ َ‬‫م َ‬‫م ِ‬ ‫وعن ابن عباس ‪ } :‬وَأعْل ُ‬
‫صدق وأن الله ل بد أن يظهرها وينجزها‪ .‬وقال العوفي عن ابن عباس ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن { )‪ (1‬أعلم أن رؤيا يوسف صادقة ‪ ،‬وأني‬ ‫مو َ‬‫ما ل ت َعْل َ ُ‬
‫ن الل ّهِ َ‬
‫م َ‬ ‫} وَأعْل َ ُ‬
‫م ِ‬
‫سوف أسجد له‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الحسن بن عرفة ‪ ،‬حدثنا يحيى بن عبد الملك بن‬
‫أبي غَن َّية ‪ ،‬عن حفص بن عمر بن أبي الزبير ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬كان ليعقوب النبي ‪،‬‬
‫وس‬ ‫مؤاخ له ‪ ،‬فقال له ذات يوم ‪ :‬ما الذي أذهب بصرك وق ّ‬ ‫عليه السلم ‪ ،‬أخ ُ‬
‫ظهرك ؟ قال ‪ :‬الذي )‪ (2‬أذهب بصري البكاء )‪ (3‬على يوسف ‪ ،‬وأما الذي‬
‫قوس ظهري فالحزن على بنيامين ‪ ،‬فأتاه جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا‬
‫يعقوب ‪ ،‬إن الله ُيقرئك السلم ويقول لك ‪ :‬أما تستحيي أن تشكوني إلى‬
‫غيري ؟ فقال يعقوب ‪ :‬إنما أشكو بثي وحزني إلى الله‪ .‬فقال جبريل ‪ ،‬عليه‬
‫السلم ‪ :‬الله أعلم بما تشكو" )‪.(4‬‬
‫وهذا حديث غريب ‪ ،‬فيه نكارة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬أما الذي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فالبكاء"‪.‬‬
‫)‪ (4‬ورواه الحاكم في المستدرك )‪ (2/348‬من طريق أبي بكر بن أبي‬
‫شيبة ‪ ،‬عن يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية ‪ ،‬عن حفص بن عمر ابن الزبير ‪،‬‬
‫عن أنس بنحوه ‪ ،‬وقال الحاكم ‪" :‬حفص بن عمر بن الزبير ‪ ،‬وأظن الزبير‬
‫وهما من الراوي فإنه حفص بن عمر بن عبد الله بن أبي طلحة النصاري"‪.‬‬
‫ورواه إسحاق بن راهويه ومن طريقه الحاكم في المستدرك )‪ (2/348‬من‬
‫طريق يحيى بن عبد الملك ‪ ،‬عن أنس بن مالك مرسل‪ .‬ورواه ابن أبي الدنيا‬
‫في "الفرج بعد الشدة" برقم )‪ (47‬من طريق زافر بن سليمان عن يحيى بن‬
‫عبد الملك عن رجل ‪ ،‬عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعا‪ .‬ورواه‬
‫الطبراني في الوسط برقم )‪" (3341‬مجمع البحرين" من طريق وهب بن‬
‫بقية عن يحيى بن عبد المطلب عن حصين بن عمر الحمسي عن أبي الزبير‬
‫عن أنس مرفوعا‪ .‬وبهذا يتبين أن الحديث مضطرب‪.‬‬

‫) ‪(4/406‬‬
‫ه َل‬ ‫ن َروِْح الل ّهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫م ْ‬
‫سوا ِ‬ ‫خيهِ وََل ت َي ْئ َ ُ‬ ‫ف وَأ َ ِ‬
‫س َ‬ ‫ن ُيو ُ‬ ‫م ْ‬‫سوا ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ي اذ ْهَُبوا فَت َ َ‬ ‫َيا ب َن ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خلوا عَلي ْهِ قالوا َيا أي َّها‬ ‫ما د َ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪ (87‬فل ّ‬ ‫م الكافُِرو َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫ن َروِْح اللهِ إ ِل ال َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ي َي ْئ َ ُ‬
‫صد ّقْ عَل َي َْنا‬ ‫ف ل ََنا ال ْك َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ل وَت َ َ‬ ‫جاةٍ فَأوْ ِ‬ ‫مْز َ‬ ‫ضاعَةٍ ُ‬ ‫جئ َْنا ب ِب ِ َ‬ ‫ضّر وَ ِ‬ ‫سَنا وَأهْل ََنا ال ّ‬ ‫م ّ‬ ‫زيُز َ‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫ن )‪(88‬‬ ‫صد ِّقي َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫زي ال ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫َ‬
‫هل‬ ‫ن َروِْح الل ّهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫م ْ‬‫سوا ِ‬ ‫خيهِ َول ت َي ْأ ُ‬ ‫ف وَأ َ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ُيو ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سوا ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ي اذ ْهَُبوا فَت َ َ‬ ‫} َيا ب َن ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫خلوا عَلي ْهِ َقالوا َيا أي َّها‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ما د َ َ‬ ‫ن )‪ (87‬فَل ّ‬ ‫م الكافُِرو َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫ن َروِْح اللهِ ِإل ال َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ي َي ْئ َ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صد ّقْ عَلي َْنا‬ ‫ل وَت َ َ‬ ‫َ‬
‫ف لَنا الكي ْ َ‬ ‫جاةٍ فأوْ ِ‬ ‫َ‬ ‫مْز َ‬ ‫ضاعَةٍ ُ‬ ‫جئَنا ب ِب ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ضّر وَ ِ‬ ‫سَنا وَأهْلَنا ال ّ‬ ‫م ّ‬ ‫زيُز َ‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫ن )‪{ (88‬‬ ‫صد ِّقي َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫زي ال ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن يعقوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬إنه ندب بنيه على )‪ (1‬الذهاب‬
‫في الرض ‪ ،‬يستعلمون أخبار يوسف وأخيه بنيامين‪.‬‬
‫والتحسس )‪ (2‬يكون في الخير ‪ ،‬والتجسس يستعمل في الشر‪.‬‬
‫ون َّهضهم وبشرهم وأمرهم أل ييأسوا من روح الله ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يقطعوا رجاءهم‬
‫وأملهم من الله فيما يرومونه ويقصدونه )‪ (3‬فإنه ل يقطع الرجاء ‪ ،‬ويقطع‬
‫الياس من الله إل القوم الكافرون )‪.(4‬‬
‫خُلوا عَل َي ْهِ { تقدير الكلم ‪ :‬فذهبوا فدخلوا بلد )‪ (5‬مصر ‪،‬‬ ‫ما د َ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَل َ ّ‬
‫ودخلوا على يوسف ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬إلى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬والتجسس"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ويقصدون له"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬الكافرين"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬بلد"‪.‬‬

‫) ‪(4/406‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ضّر { يعنون من الجدب والقحط وقلة‬ ‫سَنا وَأهْل ََنا ال ّ‬ ‫م ّ‬ ‫زيُز َ‬ ‫} َقاُلوا َيا أي َّها ال ْعَ ِ‬
‫جاةٍ { أي ‪ :‬ومعنا ثمن الطعام الذي تمتاره ‪ ،‬وهو‬ ‫مْز َ‬ ‫ضاعَةٍ ُ‬ ‫جئ َْنا ب ِب ِ َ‬
‫الطعام ‪ } ،‬وَ ِ‬
‫ثمن قليل‪ .‬قاله مجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫خلق الِغرارة ‪ ،‬والحبل ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فق ‪ ،‬مثل َ‬ ‫وقال ابن عباس ‪ :‬الرديء )‪ (1‬ل َين ُ‬
‫والشيء ‪ ،‬وفي رواية عنه ‪ :‬الدراهم الرديئة التي ل تجوز إل بنقصان‪ .‬وكذا‬
‫قال قتادة ‪ ،‬واّلسدي‪.‬‬
‫سول‪.‬‬ ‫ف ُ‬‫وقال سعيد بن جبير ]وعكرمة[ )‪ (2‬هي الدراهم ال ُ‬
‫وقال أبو صالح ‪ :‬هو الصنوبر وحبة الخضراء‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬كاسدة ل تنفق‪.‬‬
‫ب الب ُطم الخضر والصنوبر‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫وقال أبو صالح ‪ :‬جاءوا ب َ‬
‫وأصل الزجاء ‪ :‬الدفع لضعف الشيء ‪ ،‬كما قال حاتم الطائي ‪:‬‬
‫مل )‪(3‬‬‫معَ الليل أر َ‬ ‫ة ت ُْزجي َ‬ ‫مل َ ٌ‬‫ع‪َ ...‬وأر َ‬ ‫مد َفّ ٌ‬ ‫ف ُ‬ ‫ضي ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫حا َ‬ ‫مل ْ َ‬
‫على ِ‬ ‫لي َْبك َ‬
‫وقال أعشى بني ثعلبة ‪:‬‬
‫فاَلها )‪(4‬‬
‫فها أط ْ َ‬ ‫خل ْ َ‬
‫جي َ‬ ‫عوًذا ت َُز ّ‬ ‫دها‪ُ ...‬‬ ‫عب ِ‬ ‫جان و َ‬ ‫ب المائةِ اله َ‬ ‫واه ُ‬ ‫ال َ‬
‫ف ل ََنا ال ْك َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ل { أي ‪ :‬أعطنا بهذا الثمن القليل ما‬ ‫وقوله إخبارا عنهم ‪ } :‬فَأوْ ِ‬
‫كنت تعطينا قبل ذلك‪ .‬وقرأ ابن مسعود ‪" :‬فأوقْر ركابنا وتصدق علينا"‪.‬‬
‫صد ّقْ عَل َي َْنا { بَرد ّ أخينا إلينا‪.‬‬ ‫وقال ابن جريج ‪ } :‬وَت َ َ‬
‫صد ّقْ عَل َي َْنا { يقولون ‪ :‬تصدق علينا‬ ‫وقال سعيد بن جبير والسدي ‪ } :‬وَت َ َ‬
‫بقبض هذه البضاعة المزجاة ‪ ،‬وتجوز فيها‪.‬‬
‫وسئل سفيان بن عُي ُي َْنة ‪ :‬هل حرمت الصدقة على أحد من النبياء قبل النبي‬
‫ف ل ََنا ال ْك َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫صد ّ ْ‬
‫ل وَت َ َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم ؟ فقال ‪ :‬ألم تسمع قوله ‪ } :‬فَأوْ ِ‬
‫ن { رواه ابن جرير عن الحارث ‪ ،‬عن القاسم ‪،‬‬ ‫صد ِّقي َ‬ ‫زي ال ْ ُ‬
‫مت َ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫عَل َي َْنا إ ِ ّ‬
‫عنه )‪.(6) (5‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا الحارث ‪ ،‬حدثنا القاسم ‪ ،‬حدثنا مروان بن معاوية ‪،‬‬
‫عن عثمان بن السود ‪ :‬سمعت مجاهدا وسئل ‪ :‬هل يكره أن يقول الرجل‬
‫في دعائه ‪ :‬اللهم تصدق علي ؟ فقال ‪ :‬نعم ‪ ،‬إنما الصدقة لمن يبتغي الثواب‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الردي الذي ل "‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬البيت في تفسير الطبري )‪.(16/235‬‬
‫)‪ (4‬البيت في تفسير الطبري )‪.(16/235‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬به"‪.‬‬
‫)‪ (6‬تفسير الطبري )‪.(16/242‬‬

‫) ‪(4/407‬‬

‫ن )‪َ (89‬قاُلوا أ َئ ِن ّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ف وَأ َ ِ‬


‫ك َلن ْ َ‬
‫ت‬ ‫جاهُِلو َ‬ ‫م َ‬ ‫خيهِ إ ِذ ْ أن ْت ُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫م ب ُِيو ُ‬‫ما فَعَل ْت ُ ْ‬ ‫م َ‬‫مت ُ ْ‬ ‫ل عَل ِ ْ‬‫ل هَ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صب ِْر فَإ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ق وَي َ ْ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ه عَلي َْنا إ ِن ّ ُ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫م ّ‬ ‫خي قَد ْ َ‬ ‫ذا أ ِ‬‫ف وَهَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ل أَنا ُيو ُ‬ ‫ف َقا َ‬ ‫س ُ‬ ‫ُيو ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ك ُّنا‬
‫ه عَلي َْنا وَإ ِ ْ‬ ‫ك الل ُ‬ ‫قد ْ آث ََر َ‬ ‫ن )‪َ (90‬قالوا َتاللهِ ل َ‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫جَر ال ُ‬ ‫ضيعُ أ ْ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫مي َ‬‫ح ِ‬‫م الّرا ِ‬ ‫ح ُ‬‫م وَهُوَ أْر َ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫فُر الل ّ ُ‬ ‫م ي َغْ ِ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬ ‫ب عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ل َل ت َث ْ ِ‬ ‫ن )‪َ (91‬قا َ‬ ‫خاط ِِئي َ‬ ‫لَ َ‬
‫)‪(92‬‬

‫ك‬ ‫ن )‪َ (89‬قاُلوا أ َئ ِن ّ َ‬ ‫جاهُِلو َ‬ ‫م َ‬


‫َ‬
‫خيهِ إ ِذ ْ أن ْت ُ ْ‬ ‫ف وَأ َ ِ‬ ‫س َ‬ ‫م ب ُِيو ُ‬ ‫ما فَعَل ْت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مت ُ ْ‬‫ل عَل ِ ْ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫} َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صب ِْر‬‫ق وَي َ ْ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬‫م ْ‬ ‫ه َ‬‫ه عَل َي َْنا إ ِن ّ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫خي قَد ْ َ‬ ‫ذا أ ِ‬ ‫ف وَهَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ل أَنا ُيو ُ‬ ‫ف َقا َ‬ ‫س ُ‬ ‫ت ُيو ُ‬ ‫لن ْ َ‬
‫َ‬
‫ن ك ُّنا‬ ‫ه عَل َي َْنا وَإ ِ ْ‬ ‫ك الل ّ ُ‬‫قد ْ آث ََر َ‬ ‫ن )‪َ (90‬قاُلوا َتالل ّهِ ل َ َ‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جَر ال ْ ُ‬ ‫ضيعُ أ ْ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫فَإ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫لَ َ‬
‫ن‬
‫مي َ‬ ‫ح ِ‬‫م الّرا ِ‬ ‫ح ُ‬‫م وَهُوَ أْر َ‬ ‫ه لك ُ ْ‬ ‫فُر الل ُ‬ ‫م ي َغْ ِ‬ ‫م الي َوْ َ‬ ‫ب عَلي ْك ُ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ل ل ت َث ْ ِ‬ ‫ن )‪َ (91‬قا َ‬ ‫خاط ِِئي َ‬
‫)‪{ (92‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عن يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ :‬أنه لما ذكر له إخوته ما‬
‫أصابهم من الجهد والضيق وقلة الطعام وعموم الجدب ‪ ،‬وتذكر أباه وما هو‬
‫فيه من الحزن لفقد ولديه ‪ ،‬مع ما هو فيه من الملك والتصرف والسعة ‪،‬‬
‫فعند ذلك أخذته رقة ورأفة ورحمة وشفقة على أبيه وإخوته ‪ ،‬وبدره البكاء ‪،‬‬
‫فتعرف إليهم ‪ ،‬يقال )‪ (1‬إنه رفع التاج عن جبهته ‪ ،‬وكان فيها شامة ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ف وَأ َ ِ‬
‫ن { ؟ يعني ‪ :‬كيف فرقوا‬ ‫جاهُِلو َ‬ ‫م َ‬ ‫خيهِ إ ِذ ْ أن ْت ُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫م ب ُِيو ُ‬ ‫ما فَعَل ْت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مت ُ ْ‬‫ل عَل ِ ْ‬ ‫} هَ ْ‬
‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬إنما حملكم على هذا )‪ (2‬الجهل بمقدار‬ ‫جاهُِلو َ‬ ‫م َ‬ ‫بينه وبينه } إ ِذ ْ أن ْت ُ ْ‬
‫هذا الذي ارتكبتموه ‪ ،‬كما قال بعض السلف ‪ :‬كل من عصى الله فهو جاهل ‪،‬‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫جَهال َةٍ { إلى قوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫سوَء ب ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ل ِل ّ ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫وقرأ ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫م { ]النحل ‪.[119 :‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ها ل َغَ ُ‬ ‫ب َعْدِ َ‬
‫والظاهر ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬أن يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬إنما تعرف إليهم بنفسه ‪،‬‬
‫بإذن الله له في ذلك ‪ ،‬كما أنه إنما أخفى منهم نفسه في المرتين الوليين )‬
‫‪ (3‬بأمر الله تعالى له في ذلك ‪ ،‬والله أعلم ‪ ،‬ولكن لما ضاق الحال واشتد‬
‫سرِ‬ ‫معَ ال ْعُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫المر ‪ ،‬فَّرج الله تعالى من ذلك الضيق ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬فَإ ِ ّ‬
‫َ‬
‫سًرا { )‪] (4‬الشرح ‪ ، [6 ، 5 :‬فعند ذلك قالوا ‪ } :‬أئ ِن ّ َ‬
‫ك‬ ‫سرِ ي ُ ْ‬ ‫معَ ال ْعُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سًرا إ ِ ّ‬ ‫يُ ْ‬
‫ف{؟‬ ‫س ُ‬ ‫ت ُيو ُ‬ ‫لن ْ َ‬
‫ت)‬ ‫َ‬ ‫لن‬ ‫نك‬ ‫ّ‬ ‫"إ‬ ‫‪:‬‬ ‫صن‬ ‫ي‬ ‫ح‬
‫ُ َ ْ ِ‬ ‫م‬ ‫ابن‬ ‫وقرأ‬ ‫‪،‬‬ ‫ف"‬‫ُ ُ ُ‬‫س‬ ‫يو‬ ‫(‬ ‫‪5‬‬ ‫)‬ ‫أنت‬ ‫"أو‬ ‫‪:‬‬ ‫كعب‬ ‫بن‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫أب‬ ‫وقرأ‬
‫ف"‪ .‬والقراءة المشهورة هي الولى ؛ لن الستفهام يدل على‬ ‫س ُ‬ ‫‪ُ (6‬يو ُ‬
‫جبوا من ذلك أنهم يترددون إليه من سنتين وأكثر ‪،‬‬ ‫الستعظام ‪ ،‬أي ‪ :‬إنهم َتع ّ‬
‫وهم ل يعرفونه ‪ ،‬وهو مع هذا يعرفهم ويكتم نفسه ‪ ،‬فلهذا قالوا على سبيل‬
‫ن الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫م ّ‬ ‫خي { } قَد ْ َ‬ ‫ذا أ َ ِ‬ ‫ف وَهَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ل أَنا ُيو ُ‬
‫ف َقا َ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ت ُيو ُ‬ ‫ك لن ْ َ‬ ‫الستفهام ‪ } :‬أ َئ ِن ّ َ‬
‫ن‬‫صب ِْر فَإ ِ ّ‬‫ق وَي َ ْ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬
‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫عَل َي َْنا { أي ‪ :‬بجمعه بيننا بعد التفرقة وبعد المدة ‪ } ،‬إ ِن ّ ُ‬
‫َ‬
‫ن ك ُّنا‬ ‫ه عَل َي َْنا وَإ ِ ْ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫ن َقاُلوا َتالل ّهِ ل َ َ‬
‫قد ْ آث ََر َ‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫جَر ال ْ ُ‬ ‫ضيعُ أ ْ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ن { يقولون معترفين له بالفضل والثرة عليهم في الخلق والخلق ‪،‬‬ ‫خاط ِِئي َ‬ ‫لَ َ‬
‫والسعة والملك ‪ ،‬والتصرف والنبوة أيضا ‪ -‬على قول من لم يجعلهم أنبياء ‪-‬‬
‫وأقروا له بأنهم أساءوا إليه وأخطئوا في حقه‪.‬‬
‫م { يقول ‪ :‬ل تأنيب عليكم ول عَْتب عليكم اليوم ‪،‬‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬ ‫ب عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ل ل ت َث ْ ِ‬ ‫} َقا َ‬
‫ول أعيد )‪ (7‬ذنبكم في حقي بعد اليوم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيقال"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬ذلك"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الولتين"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إن" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬أو إنك"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وأنت"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ول أعيد عليكم"‪.‬‬

‫) ‪(4/408‬‬

‫قوه عََلى وجه أ َبي يأ ْت بصيرا وأ ْتوِني بأ َهْل ِك ُ َ‬ ‫قميصي ه َ َ‬


‫ن‬
‫مِعي َ‬
‫ج َ‬‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ ِ ِ َ ِ َ ِ ً َ ُ‬ ‫ذا فَأل ْ ُ ُ‬‫َ‬ ‫اذ ْهَُبوا ب ِ َ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(94‬‬ ‫دو ِ‬‫فن ّ ُ‬
‫ن تُ َ‬
‫ف لوْل أ ْ‬ ‫س َ‬‫ح ُيو ُ‬
‫جد ُ ِري َ‬
‫م إ ِّني ل ِ‬
‫ل أُبوهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ت الِعيُر قا َ‬ ‫صل ِ‬ ‫ما فَ َ‬ ‫)‪ (93‬وَل َ ّ‬
‫ديم ِ )‪(95‬‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫ق ِ‬ ‫ضَلل ِ َ‬‫في َ‬ ‫ك لَ ِ‬ ‫َقاُلوا َتالل ّهِ إ ِن ّ َ‬
‫َ‬
‫م‬‫ح ُ‬ ‫م وَهُوَ أْر َ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫فُر الل ّ ُ‬ ‫ثم زادهم الدعاء لهم بالمغفرة فقال ‪ } :‬ي َغْ ِ‬
‫ن{‬ ‫مي َ‬‫ح ِ‬ ‫الّرا ِ‬
‫م { يقول ‪:‬‬ ‫ْ‬
‫م الي َوْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب عَلي ْك ُ‬ ‫ري َ‬ ‫قال السدي ‪ :‬اعتذروا إلى يوسف ‪ ،‬فقال ‪ } :‬ل ت َث ْ ِ‬
‫ل أذكر لكم ذنبكم‪.‬‬
‫م[ { )‪ (1‬أي ‪ :‬ل تأنيب‬ ‫ْ‬
‫م ]الي َوْ َ‬ ‫ُ‬
‫ب عَلي ْك ُ‬ ‫َ‬ ‫ري َ‬ ‫وقال ابن إسحاق والثوري ‪ } :‬ل ت َث ْ ِ‬
‫م { أي ‪ :‬يستر الله عليكم فيما‬ ‫ُ‬
‫ه لك ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫فُر الل ُ‬ ‫عليكم اليوم عندي فيما صنعتم } ي َغْ ِ‬
‫ن{‬ ‫مي‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ح ِ‬‫م الّرا ِ‬ ‫ح ُ‬
‫فعلتم ‪ } ،‬وَهُوَ أْر َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ذا فَأ َل ْ ُ‬
‫صيًرا وَأُتوِني ب ِأهْل ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ت بَ ِ‬ ‫جهِ أِبي ي َأ ِ‬ ‫قوه ُ عََلى وَ ْ‬ ‫صي هَ َ‬ ‫مي ِ‬‫ق ِ‬‫} اذ ْهَُبوا ب ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ول أ ْ‬ ‫ف لَ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ح ُيو ُ‬ ‫جد ُ ِري َ‬ ‫م إ ِّني ل ِ‬ ‫ل أُبوهُ ْ‬ ‫ت ال ِْعيُر َقا َ‬ ‫صل َ ِ‬ ‫ما فَ َ‬ ‫ن )‪ (93‬وَل َ ّ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬ ‫أ ْ‬
‫ديم ِ )‪{ (95‬‬ ‫ق ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ضلل ِ َ‬ ‫في َ‬ ‫ك لَ ِ‬ ‫ن )‪َ (94‬قاُلوا َتالل ّهِ إ ِن ّ َ‬ ‫دو ِ‬ ‫فن ّ ُ‬‫تُ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صيًرا { وكان قد‬ ‫ت بَ ِ‬ ‫جهِ أِبي ي َأ ِ‬ ‫قوه ُ عََلى وَ ْ‬ ‫يقول ‪ :‬اذهبوا بهذا القميص ‪ } ،‬فَأل ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬بجميع بني يعقوب‪.‬‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ي من كثرة البكاء ‪ } ،‬وَأُتوِني ب ِأهْل ِك ُ ْ‬ ‫عم َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ت الِعيُر { أي ‪ :‬خرجت من مصر ‪َ } ،‬قا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م { يعني ‪ :‬يعقوب‬ ‫ل أُبوهُ ْ‬ ‫صل ِ‬ ‫ما فَ َ‬ ‫} وَل ّ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ول أ ْ‬‫ف لَ ْ‬
‫س َ‬‫ح ُيو ُ‬
‫جد ُ ِري َ‬ ‫‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬لمن بقي عنده من بنيه ‪ } :‬إ ِّني ل ِ‬
‫فَند والك َِبر‪.‬‬ ‫ن { تنسبوني إلى ال َ‬ ‫دو ِ‬ ‫فن ّ ُ‬‫تُ َ‬
‫سَنان ‪ ،‬عن عبد الله بن أبي‬ ‫قال عبد الرزاق ‪ :‬أنبأنا إسرائيل ‪ ،‬عن أبي ِ‬
‫ت ال ِْعيُر { قال ‪ :‬لما‬ ‫َ ِ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ما‬ ‫َ‬
‫الهُذ َْيل قال ‪ :‬سمعت ابن عباس يقول ‪ } :‬وَ ّ‬
‫ل‬
‫خرجت العير ‪ ،‬هاجت ريح فجاءت يعقوب بريح قميص يوسف فقال ‪ } :‬إ ِّني‬
‫َ‬
‫ن { قال ‪ :‬فوجد ريحه من مسيرة ثمانية أيام )‬ ‫دو ِ‬ ‫فن ّ ُ‬‫ن تُ َ‬
‫ول أ ْ‬ ‫ف لَ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ح ُيو ُ‬ ‫جد ُ ِري َ‬ ‫ل ِ‬
‫‪.(2‬‬
‫سَنان ‪ ،‬به‪.‬‬‫وكذا رواه سفيان الثوري ‪ ،‬وشعبة ‪ ،‬وغيرهما عن أبي ِ‬
‫جَرْيج ‪ :‬كان بينهما ثمانون فرسخا ‪ ،‬وكان بينه وبينه منذ‬ ‫وقال الحسن وابن ُ‬
‫افترقا ثمانون سنة‪.‬‬
‫َ‬
‫ن { قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وقتادة ‪،‬‬ ‫دو ِ‬‫فن ّ ُ‬ ‫ن تُ َ‬‫ول أ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل َ ْ‬
‫فهون‪.‬‬ ‫س ّ‬‫جب َْير ‪ :‬ت ُ َ‬ ‫وسعيد بن ُ‬
‫وقال مجاهد أيضا ‪ ،‬والحسن ‪ُ :‬تهّرمون‪.‬‬
‫ديم ِ { قال ابن عباس ‪ :‬لفي خطئك القديم‪.‬‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫ق ِ‬ ‫ضلل ِ َ‬ ‫في َ‬ ‫ك لَ ِ‬ ‫وقولهم ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫ة‬
‫وقال قتادة ‪ :‬أي من حب يوسف ل تنساه ول تسله ‪ ،‬قالوا لوالدهم كلم ً‬
‫غليظة ‪ ،‬لم يكن ينبغي لهم أن يقولوها لوالدهم ‪ ،‬ول لنبي الله صلى الله عليه‬
‫وسلم )‪ (3‬وكذا قال السدي ‪ ،‬وغيره‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير عبد الرزاق )‪.(1/286‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬عليه السلم"‪.‬‬

‫) ‪(4/409‬‬

‫َ‬ ‫م أ َقُ ْ‬ ‫قاه عََلى وجهه َفارتد بصيرا َقا َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م إ ِّني أعْل َ ُ‬
‫م‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ل أل َ ْ‬ ‫َ ْ ِ ِ ْ َ ّ َ ِ ً‬ ‫شيُر أل ْ َ ُ‬ ‫جاَء ال ْب َ ِ‬
‫ن َ‬ ‫ما أ ْ‬‫فَل َ ّ‬
‫فْر ل ََنا ذ ُُنوب ََنا إ ِّنا ك ُّنا َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫خاط ِِئي َ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫ن )‪َ (96‬قاُلوا َيا أَباَنا ا ْ‬ ‫مو َ‬‫ما َل ت َعْل َ ُ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬‫م َ‬ ‫ِ‬
‫م )‪(98‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪َ (97‬قا َ‬
‫حي ُ‬‫فوُر الّر ِ‬ ‫ه هُوَ الغَ ُ‬ ‫م َرّبي إ ِن ّ ُ‬
‫فُر لك ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫فأ ْ‬ ‫سوْ َ‬ ‫ل َ‬

‫م إ ِّني‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫م أ َقُ ْ‬ ‫قاه عََلى وجهه َفارتد بصيرا َقا َ َ‬


‫ل أل َ ْ‬ ‫َ ْ ِ ِ ْ َ ّ َ ِ ً‬
‫َ‬
‫شيُر أل ْ َ ُ‬ ‫جاَء ال ْب َ ِ‬ ‫ن َ‬
‫َ‬
‫ما أ ْ‬ ‫} فَل َ ّ‬
‫فْر ل ََنا ذ ُُنوب ََنا إ ِّنا ك ُّنا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫خاط ِِئي َ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫ن )‪َ (96‬قاُلوا َيا أَباَنا ا ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ما ل ت َعْل َ ُ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫أعْل َ ُ‬
‫ه هُوَ ال ْغَ ُ‬ ‫ل سو َ َ‬
‫م )‪{ (98‬‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫م َرّبي إ ِن ّ ُ‬ ‫فُر ل َك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫فأ ْ‬ ‫)‪َ (97‬قا َ َ ْ‬
‫شيُر { البريد‪.‬‬ ‫ْ‬
‫قال ابن عباس والضحاك ‪ } :‬الب َ ِ‬
‫وقال مجاهد والسدي ‪ :‬كان يهوذا بن يعقوب‪.‬‬
‫َ‬
‫قال السدي ‪ :‬إنما جاء به لنه هو الذي جاء بالقميص وهو ملطخ بدم كذب ‪،‬‬
‫فأراد )‪ (1‬أن يغسل ذلك بهذا ‪ ،‬فجاء بالقميص فألقاه على وجه أبيه ‪ ،‬فرجع‬
‫بصيرا‪.‬‬
‫ن { أي ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬ ‫ما ل ت َعْل ُ‬ ‫ن اللهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫م إ ِّني أعْل ُ‬ ‫م أقل لك ْ‬ ‫وقال لبنيه عند ذلك ‪ } :‬أل ْ‬
‫ن‬ ‫ف ل َول أ َ‬ ‫س‬ ‫يو‬ ‫ح‬ ‫ري‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫ل‬ ‫ني‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫لكم‬ ‫وقلت‬ ‫ي‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ِ ُ ِ َ ُ ُ َ ْ‬ ‫ِّ‬ ‫أعلم أن الله سيرده إل ّ‬
‫فْر ل ََنا ذ ُُنوب ََنا‬ ‫َ‬
‫ست َغْ ِ‬
‫ن { ؟‪ .‬فعند ذلك قالوا لبيهم مترفقين له ‪َ } :‬يا أَباَنا ا ْ‬ ‫دو ِ‬ ‫فن ّ ُ‬
‫تُ َ‬
‫ه هُوَ ال ْغَ ُ‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬من‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫م َرّبي إ ِن ّ ُ‬ ‫فُر ل َك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫فأ ْ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫خاط ِِئي َ‬ ‫إ ِّنا ك ُّنا َ‬
‫تاب إليه تاب عليه‪.‬‬
‫جَرْيج وغيرهم ‪:‬‬ ‫ي ‪ ،‬وعمرو بن قيس ‪ ،‬وابن ُ‬ ‫م ّ‬ ‫قال ابن مسعود ‪ ،‬وإبراهيم الت ّي ْ ِ‬
‫حر‪.‬‬ ‫س َ‬‫أرجأهم إلى وقت ال ّ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني أبو السائب ‪ ،‬حدثنا ابن إدريس ‪ ،‬سمعت عبد‬
‫الرحمن بن إسحاق يذكر عن محارب بن دثار قال ‪ :‬كان عمر ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه ‪ ،‬يأتي المسجد فيسمع )‪ (2‬إنسانا يقول ‪" :‬اللهم دعوتني فأجبت ‪،‬‬
‫حُر فاغفر لي"‪ .‬قال ‪ :‬فاستمع الصوت فإذا هو‬ ‫س َ‬‫وأمرتني فأطعت ‪ ،‬وهذا ال ّ‬
‫خر‬‫من دار عبد الله بن مسعود‪ .‬فسأل عبد الله عن ذلك فقال ‪ :‬إن يعقوب أ ّ‬
‫بنيه إلى السحر بقوله ‪ } :‬سو َ َ‬
‫م َرّبي { )‪(3‬‬ ‫فُر ل َك ُ ْ‬‫ست َغْ ِ‬
‫فأ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫وقد ورد في الحديث أن ذلك كان ليلة جمعة ‪ ،‬كما قال ابن جرير ‪ :‬أيضا ‪:‬‬
‫حدثني المثنى ‪ ،‬حدثنا سليمان بن عبد الرحمن أبو )‪ (4‬أيوب الدمشقي ‪،‬‬
‫رمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن‬ ‫عك َ ْ ِ‬‫جَرْيج ‪ ،‬عن عطاء و ِ‬ ‫حدثنا الوليد ‪ ،‬أنبأنا ابن ُ‬
‫م َرّبي { يقول ‪ :‬حتى‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فُر لك ْ‬‫ست َغْ ِ‬
‫فأ ْ‬ ‫سوْ َ‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪َ } :‬‬
‫تأتي ليلة الجمعة ‪ ،‬وهو قول أخي يعقوب لبنيه )‪.(5‬‬
‫وهذا غريب من هذا الوجه ‪ ،‬وفي رفعه نظر ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فأحب"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬فسمع"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(16/261‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬بن"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪ (16/262‬وهذا إسناد فيه ثلث علل ‪ :‬الولى ‪ :‬عنعنه‬
‫ابن جريج وهو مدلس لم يصرح بالسماع‪ .‬الثانية ‪ :‬الوليد بن مسلم القرشي‬
‫كان يهم في رفع الحاديث ويدلس تدليس التسوية‪ .‬الثالثة ‪ :‬سليمان بن عبد‬
‫الرحمن تكلم فيه من جهة حفظه وبمثل هذا السند روي حديث دعاء نسيان‬
‫القرآن ‪ ،‬وسبق الكلم عليه في فضائل القرآن‪.‬‬

‫) ‪(4/410‬‬

‫ن)‬ ‫مِني َ‬ ‫ه آَ ِ‬‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫صَر إ ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫خُلوا ِ‬


‫م‬ ‫ل اد ْ ُ‬ ‫ف آ ََوى إ ِل َي ْهِ أ َب َوَي ْهِ وََقا َ‬ ‫خُلوا عََلى ُيو ُ‬
‫س َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ما د َ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ُرؤَْيا َ‬
‫ي‬ ‫ذا ت َأِوي ُ‬ ‫ت هَ َ‬ ‫دا وََقا َ‬
‫ل َيا أب َ ِ‬ ‫ج ً‬ ‫س ّ‬‫ه ُ‬‫خّروا ل َ ُ‬ ‫ش وَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫‪ (99‬وََرفَعَ أب َوَي ْهِ عَلى العَْر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جاَء ب ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫جِني ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫ن ِبي إ ِذ ْ أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫قا وَقَد ْ أ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫جعَل ََها َرّبي َ‬ ‫ل قَد ْ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫شاُء‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ن ََزغ ال ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ف لِ َ‬ ‫طي ٌ‬ ‫ن َرّبي ل ِ‬ ‫خوَِتي إ ِ ّ‬ ‫ن إِ ْ‬‫ن ب َي ِْني وَب َي ْ َ‬‫شي ْطا ُ‬ ‫ن ب َعْد ِ أ ْ‬‫م ْ‬ ‫ن الب َد ْوِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫م )‪(100‬‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫ْ‬
‫ه هُوَ العَِلي ُ‬ ‫إ ِن ّ ُ‬

‫شاَء الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن َ‬ ‫صَر إ ِ ْ‬‫ْ‬ ‫خُلوا ِ‬
‫م‬ ‫ف آَوى إ ِل َي ْهِ أ َب َوَي ْهِ وََقا َ‬
‫ل اد ْ ُ‬ ‫س َ‬‫خُلوا عََلى ُيو ُ‬ ‫ما د َ َ‬ ‫} فَل َ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا ت َأِوي ُ‬
‫ل‬ ‫ت هَ َ‬ ‫ل َيا أب َ ِ‬ ‫دا وََقا َ‬ ‫ج ً‬‫س ّ‬‫ه ُ‬ ‫خّروا ل َ ُ‬ ‫ش وَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (99‬وََرفَعَ أب َوَي ْهِ عَلى العَْر ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫آ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ج ِ‬ ‫س ْ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫جِني ِ‬ ‫خَر َ‬‫ن ِبي إ ِذ ْ أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬‫قا وَقَد ْ أ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫جعَلَها َرّبي َ‬ ‫ل قَد ْ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫ُرؤَْيايَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن َرّبي‬ ‫خوَِتي إ ِ ّ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ن ب َي ِْني وَب َي ْ َ‬ ‫شي ْطا ُ‬ ‫َ‬
‫ن نزغ ال ّ‬ ‫ن ب َعْد ِ أ ْ‬‫م ْ‬‫ن الب َد ْوِ ِ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫جاَء ب ِك ُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫م )‪{ (100‬‬ ‫كي ُ‬
‫ح ِ‬ ‫م ال َ‬‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه هُوَ العَِلي ُ‬ ‫شاُء إ ِن ّ ُ‬‫ما ي َ َ‬‫ف لِ َ‬ ‫طي ٌ‬ ‫لَ ِ‬
‫يخبر تعالى عن ورود يعقوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬على يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪،‬‬
‫وقدومه بلد )‪ (1‬مصر ‪ ،‬لما كان يوسف قد تقدم إلى إخوته أن يأتوه بأهلهم‬
‫أجمعين ‪ ،‬فتحملوا عن آخرهم وترحلوا من بلد كنعان قاصدين بلد )‪(2‬‬
‫مصر ‪ ،‬فلما أخبر يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬باقترابهم خرج لتلقيهم ‪ ،‬وأمر‬
‫]الملك[ )‪ (3‬أمراءه وأكابر الناس بالخروج ]مع يوسف[ )‪ (4‬لتلقي نبي الله‬
‫يعقوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ويقال ‪ :‬إن الملك خرج أيضا لتلقيه ‪ ،‬وهو الشبه‪.‬‬
‫صَر { على كثير )‪ (5‬من‬ ‫م ْ‬ ‫خُلوا ِ‬ ‫ل اد ْ ُ‬‫وقد أشكل قوله ‪ } :‬آَوى إ ِل َي ْهِ أ َب َوَي ْهِ وََقا َ‬
‫المفسرين ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬هذا من المقدم والمؤخر ‪ ،‬ومعنى الكلم ‪:‬‬
‫ن { وآوى إليه أبويه ‪ ،‬ورفعهما على‬ ‫مِني َ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬
‫هآ ِ‬ ‫ن َ‬‫صَر إ ِ ْ‬‫م ْ‬ ‫خُلوا ِ‬ ‫ل اد ْ ُ‬‫} وََقا َ‬
‫العرش‪.‬‬
‫دي ‪ :‬أن‬ ‫س‬
‫ّ ّ‬ ‫ال‬ ‫عن‬ ‫حكاه‬ ‫ما‬ ‫اختار‬ ‫ثم‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫في‬ ‫وأجاد‬ ‫هذا‪.‬‬ ‫جرير‬ ‫ابن‬ ‫وقد رد‬
‫خُلوا‬ ‫يوسف آوى إليه أبويه لما تلقاهما ‪ ،‬ثم لما وصلوا باب البلد قال ‪ } :‬اد ْ ُ‬
‫ن{‬‫مِني َ‬ ‫هآ ِ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫صَر إ ِ ْ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫وفي هذا نظر أيضا ؛ لن اليواء إنما يكون في المنزل ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬آَوى إ ِلي ْهِ‬
‫خاهُ { وفي الحديث ‪" :‬من أوى محدثا" وما المانع أن يكون قال لهم بعدما‬ ‫أَ َ‬
‫شاءَ‬ ‫ن َ‬ ‫منه ‪ :‬اسكنوا مصر } إ ِ ْ‬ ‫صَر { وض ّ‬ ‫م ْ‬‫خُلوا ِ‬ ‫دخلوا عليه وآواهم إليه ‪ } :‬اد ْ ُ‬
‫ن { أي ‪ :‬مما كنتم فيه من الجهد والقحط ‪ ،‬ويقال ‪ -‬والله أعلم ‪: -‬‬ ‫مِني َ‬‫هآ ِ‬‫الل ّ ُ‬
‫إن الله تعالى رفع عن أهل مصر بقية السنين المجدبة ببركة قدوم يعقوب‬
‫عليهم ‪ ،‬كما رفع بقية السنين التي دعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫على أهل مكة حين قال ‪" :‬اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف" ‪ ،‬ثم لما‬
‫تضرعوا إليه واستشفعوا لديه ‪ ،‬وأرسلوا أبا سفيان في ذلك ‪ ،‬فدعا لهم ‪،‬‬
‫فَُرفِعَ عنهم بقية ذلك ببركة دعائه ‪ ،‬عليه السلم )‪.(6‬‬
‫وقوله ‪ } :‬آَوى إ ِل َي ْهِ أ َب َوَي ْهِ { قال السدي ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪:‬‬
‫إنما كان أباه )‪ (7‬وخالته ‪ ،‬وكانت أمه قد ماتت قديما‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق وابن جرير ‪ :‬كان أبوه وأمه يعيشان‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬ولم يقم دليل على موت أمه ‪ ،‬وظاهر القرآن يدل على‬
‫حياتها‪ .‬وهذا الذي نصره‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ديار"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬كثيرين"‪.‬‬
‫)‪ (6‬رواه البخاري في صحيحه برقم )‪ (1007‬من حديث عبد الله بن مسعود‬
‫رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬أبوه"‪.‬‬

‫) ‪(4/411‬‬

‫هو المنصور الذي يدل عليه السياق‪.‬‬


‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ش { قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وغير واحد ‪:‬‬ ‫وقوله ‪ } :‬وََرفَعَ أب َوَي ْهِ عَلى العَْر ِ‬
‫يعني السرير ‪ ،‬أي ‪ :‬أجلسهما معه على سريره‪.‬‬
‫دا { أي ‪ :‬سجد له أبواه وإخوته الباقون ‪ ،‬وكانوا أحد عشر‬ ‫ج ً‬ ‫س ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫خّروا ل َ ُ‬
‫} وَ َ‬
‫ن قَب ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫ذا ت َأِوي ُ‬ ‫َ‬ ‫رجل } وََقا َ‬
‫ل { أي ‪ :‬التي كان قصها على‬ ‫م ْ‬ ‫ل ُرؤَْيايَ ِ‬ ‫ت هَ َ‬ ‫ل َيا أب َ ِ‬
‫ن{‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شَر كوْكًبا َوال ّ‬ ‫حد َ ع َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دي َ‬
‫ج ِ‬
‫سا ِ‬
‫م ِلي َ‬‫مَر َرأي ْت ُهُ ْ‬
‫ق َ‬
‫س َوال َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫تأ َ‬ ‫أبيه } إ ِّني َرأي ْ ُ‬
‫]يوسف ‪[4 :‬‬
‫ّ‬
‫وقد كان هذا سائغا في شرائعهم إذا سلموا على الكبير يسجدون له ‪ ،‬ولم‬
‫يزل هذا جائًزا من لدن آدم إلى شريعة عيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فحرم هذا في‬
‫جعل السجود مختصا بجناب الرب سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫هذه الملة ‪ ،‬و ُ‬
‫هذا مضمون قول قتادة وغيره‪.‬‬
‫وفي الحديث أن معاذا قدم الشام ‪ ،‬فوجدهم يسجدون لساقفتهم ‪ ،‬فلما رجع‬
‫سجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪" :‬ما هذا يا معاذ ؟" فقال ‪:‬‬
‫إني رأيتهم يسجدون لساقفتهم ‪ ،‬وأنت أحق أن يسجد لك يا رسول الله‬
‫دا أن يسجد لحد ‪ ،‬لمرت الزوجة )‪ (1‬أن تسجد‬ ‫فقال ‪" :‬لو كنت آمًرا أح ً‬
‫عظم )‪ (2‬حقه عليها" )‪(3‬‬ ‫لزوجها من ِ‬
‫وفي حديث آخر ‪ :‬أن سلمان لقي النبي صلى الله عليه وسلم في بعض‬
‫ط ُُرق المدينة ‪ ،‬وكان سلمان حديث عهد بالسلم ‪ ،‬فسجد للنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪" :‬ل تسجد لي يا سلمان ‪ ،‬واسجد للحي الذي ل يموت" )‬
‫‪.(4‬‬
‫دا ‪ ،‬فعندها قال‬ ‫ج ً‬‫س ّ‬‫والغرض أن هذا كان جائزا في شريعتهم ؛ ولهذا خروا له ُ‬
‫قا { أي ‪ :‬هذا ما‬ ‫ح ّ‬‫جعَل ََها َرّبي َ‬ ‫ل قَد ْ َ‬‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ُرؤَْيايَ ِ‬ ‫ذا ت َأ ِْوي ُ‬ ‫ت هَ َ‬ ‫َ‬
‫يوسف ‪َ } :‬يا أب َ ِ‬
‫آل إليه المر ‪ ،‬فإن التأويل يطلق على ما يصير إليه المر ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه { ]العراف ‪ [53 :‬أي ‪ :‬يوم القيامة‬ ‫م ي َأِتي ت َأِويل ُ ُ‬‫ه ي َوْ َ‬‫ن ِإل ت َأِويل َ ُ‬ ‫ل ي َن ْظ ُُرو َ‬
‫} هَ ْ‬
‫يأتيهم ما وعدوا من خير وشر‪.‬‬
‫دقا ‪ ،‬يذكر نعم الله عليه ‪،‬‬ ‫ص ْ‬‫قا { أي ‪ :‬صحيحة ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫جعَل ََها َرّبي َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬قَد ْ َ‬
‫ن ال ْب َد ْوِ { أي ‪ :‬البادية‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬
‫م ِ‬‫جاَء ب ِك ُ ْ‬
‫ن وَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫س ْ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫جِني ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫ن ِبي إ ِذ ْ أ ْ‬ ‫س َ‬‫ح َ‬‫} وَقَد ْ أ ْ‬
‫جَرْيج وغيره ‪ :‬كانوا أهل بادية وماشية‪ .‬وقال ‪ :‬كانوا يسكنون‬ ‫قال ابن ُ‬
‫بالَعرَبات من أرض فلسطين ‪ ،‬من غور الشام‪ .‬قال ‪ :‬وبعض يقول ‪ :‬كانوا‬
‫مى ‪ ،‬وكانوا أصحاب بادية وشاء )‪(5‬‬ ‫بالولج من ناحية شعب أسفل من حس َ‬
‫وإبل‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬المرأة"‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬عظيم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه أحمد في المسند )‪ (4/381‬وابن ماجه في السنن برقم )‪(1853‬‬
‫من حديث معاذ رضي الله عنه ‪ ،‬وصححه ابن حبان‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان )‪ (2/103‬من طريق شهر بن حوشب ‪،‬‬
‫عن سلمان رضي الله عنه ‪ ،‬وسيأتي عند تفسير الية ‪ 58 :‬من سورة‬
‫الفرقان‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬وماشية"‪.‬‬

‫) ‪(4/412‬‬

‫ْ‬
‫ت‬
‫ماَوا ِ‬‫س َ‬‫ث َفاط َِر ال ّ‬ ‫حاِدي ِ‬ ‫ل اْل َ َ‬
‫ن ت َأِوي ِ‬
‫م ْ‬
‫مت َِني ِ‬‫ك وَعَل ّ ْ‬‫مل ْ ِ‬
‫ن ال ْ ُ‬ ‫ب قَد ْ آ َت َي ْت َِني ِ‬
‫م َ‬ ‫َر ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن)‬
‫حي َ‬
‫صال ِ ِ‬
‫قِني ِبال ّ‬ ‫ح ْ‬
‫ما وَأل ِ‬ ‫سل ِ ً‬‫م ْ‬ ‫خَرةِ ت َوَفِّني ُ‬
‫ت وَل ِّيي ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫ض أن ْ َ‬ ‫َوالْر ِ‬
‫‪(101‬‬

‫ن َرّبي‬ ‫شي ْ َ‬
‫ن نزغَ ال ّ‬ ‫َ‬
‫خوَِتي { ]ثم قال[ )‪ } (1‬إ ِ ّ‬
‫ن إِ ْ‬
‫ن ب َي ِْني وَب َي ْ َ‬‫طا ُ‬ ‫ن ب َعْد ِ أ ْ‬‫م ْ‬
‫} ِ‬
‫و‬ ‫ه‬ ‫ه‬‫ن‬
‫ِّ ُ ُ َ‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫وقدره‬ ‫ويسره‬ ‫أسبابا‬ ‫له‬ ‫قيض‬ ‫أمرا‬ ‫أراد‬ ‫إذا‬ ‫‪:‬‬ ‫أي‬ ‫{‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫َ‬
‫شا‬ ‫طي ٌ ِ َ َ‬
‫ي‬ ‫ما‬‫ل‬ ‫ف‬ ‫لَ ِ‬
‫م { في أفعاله وأقواله ‪ ،‬وقضائه وقدره ‪ ،‬وما‬ ‫كي ُ‬
‫ح ِ‬ ‫م { بمصالح عباده } ال ْ َ‬ ‫ال ْعَِلي ُ‬
‫يختاره ويريده‪.‬‬
‫قال أبو عثمان النهدي ‪ ،‬عن سليمان )‪ (2‬كان بين رؤيا يوسف وتأويلها‬
‫أربعون سنة‪.‬‬
‫قال عبد الله بن شداد ‪ :‬وإليها )‪ (3‬ينتهي أقصى الرؤيا‪ .‬رواه ابن جرير‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا عمرو بن علي ‪ ،‬حدثنا عبد الوهاب الثقفي ‪ ،‬حدثنا هشام ‪،‬‬
‫عن الحسن قال ‪ :‬كان منذ )‪ (4‬فارق يوسف يعقوب إلى أن التقيا ‪ ،‬ثمانون‬
‫سنة ‪ ،‬لم يفارق في الحزن قلبه ‪ ،‬ودموعه تجري على خديه ‪ ،‬وما على وجه‬
‫الرض عبد أحب إلى الله من يعقوب )‪.(5‬‬
‫شْيم ‪ ،‬عن يونس ‪ ،‬عن الحسن ‪ :‬ثلث وثمانون سنة‪.‬‬ ‫وقال هُ َ‬
‫وقال مبارك بن فضالة ‪ ،‬عن الحسن ‪ :‬ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع‬
‫عشرة سنة ‪ ،‬فغاب عن أبيه ثمانين )‪ (6‬سنة ‪ ،‬وعاش بعد ذلك ثلثا وعشرين‬
‫سنة ‪ ،‬فمات وله عشرون ومائة سنة‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬كان بينهما خمس وثلثون سنة‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ُ :‬ذكر ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬أن غيبة يوسف عن يعقوب كانت‬
‫ثماني عشرة سنة ‪ -‬قال ‪ :‬وأهل الكتاب يزعمون أنها كانت أربعين )‪ (7‬سنة‬
‫أو نحوها ‪ ،‬وأن يعقوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬بقي مع يوسف بعد أن قدم عليه‬
‫مصر سبع عشرة سنة ‪ ،‬ثم قبضه الله إليه‪.‬‬
‫سِبيعي ‪ ،‬عن أبي عبيدة ‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود قال ‪:‬‬ ‫وقال أبو إسحاق ال ّ‬
‫دخل بنو إسرائيل مصر ‪ ،‬وهم ثلثة وستون إنسانا ‪ ،‬وخرجوا منها وهم ستمائة‬
‫ألف وسبعون ألفا‪.‬‬
‫وقال أبو إسحاق ‪ ،‬عن مسروق ‪ :‬دخلوا وهم ثلثمائة وتسعون من بين رجل‬
‫وامرأة‪ .‬والله )‪ (8‬أعلم‪.‬‬
‫قَرظي ‪ ،‬عن عبد الله بن شداد‬ ‫وقال موسى بن عبيدة ‪ ،‬عن محمد بن كعب ال ُ‬
‫‪ :‬اجتمع آل يعقوب إلى يوسف بمصر‪ .‬وهم ستة وثمانون إنسانا ‪ ،‬صغيرهم‬
‫وكبيرهم ‪ ،‬وذكرهم وأنثاهم ‪ ،‬وخرجوا منها وهم ستمائة ألف ونيف‪.‬‬
‫ْ‬
‫ت‬
‫ماَوا ِ‬‫س َ‬‫ث َفاط َِر ال ّ‬ ‫حاِدي ِ‬
‫ل ال َ‬ ‫ن ت َأِوي ِ‬
‫م ْ‬ ‫ك وَعَل ّ ْ‬
‫مت َِني ِ‬ ‫مل ْ ِ‬
‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬‫ب قَد ْ آت َي ْت َِني ِ‬‫} َر ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬‫حي َ‬‫صال ِ ِ‬
‫قِني ِبال ّ‬‫ح ْ‬
‫ما وَأل ِ‬‫سل ِ ً‬‫م ْ‬‫خَرةِ ت َوَفِّني ُ‬
‫ت وَل ِّيي ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫ض أن ْ َ‬ ‫َوالْر ِ‬
‫‪{ (101‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬عن سلمان قال"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وإليه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬مذ"‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(1/273‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬ثمانون"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪ :‬أربعون"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فالله"‪.‬‬

‫) ‪(4/413‬‬

‫هذا دعاء من يوسف الصديق ‪ ،‬دعا به ربه عز وجل ‪ ،‬لما تمت النعمة عليه ‪،‬‬
‫ن الله به عليه من النبوة والملك ‪ ،‬سأل ربه‬
‫م ّ‬
‫باجتماعه بأبويه وإخوته ‪ ،‬وما َ‬
‫عز وجل ‪ ،‬كما أتم نعمته عليه في الدنيا أن يستمر بها عليه في الخرة ‪ ،‬وأن‬
‫يتوفاه مسلما حين يتوفاه‪ .‬قاله الضحاك ‪ ،‬وأن يلحقه بالصالحين ‪ ،‬وهم‬
‫إخوانه من النبيين والمرسلين ‪ ،‬صلوات الله وسلمه ]عليه و[ )‪ (1‬عليهم‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫وهذا الدعاء يحتمل أن يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬قاله عند احتضاره ‪ ،‬كما ثبت‬
‫في الصحيحين عن عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ؛ أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم جعل يرفع أصبعه عند الموت ‪ ،‬ويقول ‪" :‬اللهم في الرفيق العلى ‪،‬‬
‫اللهم في الرفيق العلى ‪ ،‬اللهم في الرفيق العلى" )‪.(2‬‬
‫ويحتمل أنه سأل الوفاة على السلم واللحاق بالصالحين إذا حان أجله ‪،‬‬
‫وانقضى عمره ؛ ل أنه سأل ذلك منجزا ‪ ،‬كما يقول الداعي لغيره ‪" :‬أماتك‬
‫الله على السلم"‪ .‬ويقول الداعي ‪" :‬اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين‬
‫وألحقنا بالصالحين"‪.‬‬
‫ويحتمل أنه سأل ذلك منجًزا ‪ ،‬وكان ذلك سائغا في ملتهم ‪ ،‬كما قال قتادة ‪:‬‬
‫ن { لما جمع الله شمله وأقر‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬
‫قِني ِبال ّ‬ ‫ح ْ‬‫ما وَأ َل ْ ِ‬ ‫سل ِ ً‬
‫م ْ‬‫قوله ‪ } :‬ت َوَفِّني ُ‬
‫عينه ‪ ،‬وهو يومئذ مغمور في الدنيا وملكها وغضارتها ‪ ،‬فاشتاق )‪ (3‬إلى‬
‫الصالحين قبله ‪ ،‬وكان ابن عباس يقول ‪ :‬ما تمنى نبي قط الموت قبل‬
‫يوسف ‪ ،‬عليه السلم‪.‬‬
‫وكذا ذكر ابن جرير )‪ (4‬والسدي عن ابن عباس ‪ :‬أنه أول نبي دعا بذلك‪.‬‬
‫وهذا يحتمل أنه أول من سأل الوفاة على السلم‪ .‬كما أن نوحا أول من‬
‫مًنا { ]نوح ‪ [28 :‬ويحتمل‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫ي ُ‬‫ل ب َي ْت ِ َ‬‫خ َ‬ ‫ن دَ َ‬‫م ْ‬
‫وال ِد َيّ وَل ِ َ‬ ‫فْر ِلي وَل ِ َ‬ ‫ب اغ ْ ِ‬‫قال ‪َ } :‬ر ّ‬
‫أنه أول من سأل نجاز ذلك ‪ ،‬وهو ظاهر سياق قتادة ‪ ،‬ولكن هذا ل يجوز )‪(5‬‬
‫في شريعتنا‪.‬‬
‫قال المام أحمد بن حنبل ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا‬
‫عبد العزيز بن صهيب ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫ضّر نزل به ‪ ،‬فإن كان ل بد ّ )‪(6‬‬ ‫عليه وسلم ‪" :‬ل يتمنين أحدكم الموت ل ُ‬
‫متمنيا الموت فليقل ‪ :‬اللهم أحيني ما كانت الحياة خيًرا لي ‪ ،‬وتوفني إذا‬
‫كانت الوفاة خيًرا لي" )‪.(7‬‬
‫]ورواه البخاري ومسلم ‪ ،‬وعندهما ‪ " :‬ل يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به‬
‫إما محسنا فيزداد ‪ ،‬وإما مسيئا فلعله يستعتب ‪ ،‬ولكن ليقل ‪ :‬اللهم ‪ ،‬أحيني‬
‫ما كانت الحياة خيرا لي ‪ ،‬وتوفني إذا كانت الوفاة‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (4437‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2444‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬واشتاق"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬جريج"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ل يجوز هذا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬كان ول بد"‪.‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪.(3/101‬‬

‫) ‪(4/414‬‬

‫خيًرا لي" )‪.(2) [ (1‬‬


‫مُعان بن رفاعة ‪ ،‬حدثني علي‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو المغيرة ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫بن يزيد ‪ ،‬عن القاسم ‪ ،‬عن أبي أمامة قال ‪ :‬جلسنا إلى رسول الله صلى‬
‫كرنا ورّققنا ‪ ،‬فبكى سعد بن أبي وقاص فأكثر البكاء ‪،‬‬ ‫الله عليه وسلم فذ ّ‬
‫فقال ‪ :‬يا ليتني مت! فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يا سعد أعندي‬
‫تتمنى الموت ؟" فرّدد ذلك ]ثلث[ )‪ (3‬مرات ثم قال ‪" :‬يا سعد ‪ ،‬إن كنت‬
‫سن من عملك ‪ ،‬فهو خير لك" )‪(5‬‬ ‫ح ُ‬
‫خلقت للجنة ‪ ،‬فما طال )‪ (4‬عمرك ‪ ،‬أو َ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن ‪ ،‬حدثنا ابن ل َِهيعة ‪ ،‬حدثنا أبو يونس ‪ -‬هو‬
‫جبير ‪ -‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أنه قال ‪:‬‬ ‫سَليم بن ُ‬ ‫ُ‬
‫ون )‪ (6‬به من قبل أن يأتيه ‪ ،‬إل أن يكون قد‬ ‫"ل يتمنين أحدكم الموت ول يدع َ‬
‫َوثق بعمله ‪ ،‬فإنه إذا مات أحدكم انقطع عنه عمله ‪ ،‬وإنه ل يزيد المؤمن‬
‫عمره )‪ (7‬إل خيًرا" تفرد به أحمد )‪(8‬‬
‫وهذا فيما إذا كان الضر خاصا به ‪ ،‬أما إذا كان )‪ (9‬فتنة في الدين فيجوز‬
‫سؤال الموت ‪ ،‬كما قال الله تعالى إخباًرا عن السحرة لما أرادهم فرعون‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫مي َ‬‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ددهم بالقتل قالوا ‪َ } :‬رب َّنا أفْرِغ ْ عَل َي َْنا َ‬
‫صب ًْرا وَت َوَفَّنا ُ‬ ‫عن دينهم وته ّ‬
‫]العراف ‪ [126 :‬وقالت مريم لما أجاءها المخاض ‪ ،‬وهو الطلق ‪ ،‬إلى جذع‬
‫سّيا { ]مريم ‪ [23 :‬لما تعلم‬ ‫من ْ ِ‬
‫سًيا َ‬
‫ت نَ ْ‬ ‫ذا وَك ُن ْ ُ‬ ‫ت قَب ْ َ‬
‫ل هَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫النخلة } َيا ل َي ْت َِني ِ‬
‫من أن الناس يقذفونها بالفاحشة ؛ لنها لم تكن ذات زوج وقد حملت وولدت‬
‫م لَ َ‬
‫قد ْ‬ ‫مْري َ ُ‬‫‪ ،‬فيقول القائل أنى لها هذا ؟ ولهذا واجهوها أول بأن قالوا ‪َ } :‬يا َ‬
‫ُ‬ ‫ما َ‬ ‫كان أ َبوك ا َ‬ ‫شي ًْئا فَرِّيا َيا أ ُ ْ‬
‫ك ب َغِّيا {‬ ‫م ِ‬‫تأ ّ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫سوٍْء وَ َ‬
‫مَرأ َ‬ ‫ما َ َ ُ ِ ْ‬ ‫ن َ‬‫هاُرو َ‬ ‫ت َ‬ ‫خ َ‬ ‫جئ ْ ِ‬
‫ت َ‬ ‫ِ‬
‫]مريم ‪ [28 ، 27 :‬فجعل الله لها من ذلك الحال فرجا ومخرجا ‪ ،‬وأنطق‬
‫الصبي في المهد بأنه عبد الله ورسوله ‪ ،‬وكان )‪ (10‬آية عظيمة ومعجزة‬
‫باهرة صلوات الله وسلمه عليه )‪ (11‬وفي حديث معاذ ‪ ،‬الذي رواه المام‬
‫أحمد والترمذي ‪ ،‬في قصة المنام والدعاء الذي فيه ‪" :‬وإذا أردت بقوم فتنة ‪،‬‬
‫فتوفني إليك غير مفتون" )‪.(12‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو سلمة ‪ ،‬أنا عبد العزيز بن محمد ‪ ،‬عن عمرو عن‬
‫)‪ (13‬عاصم عن )‪ (14‬عمر بن قتادة ‪ ،‬عن محمود بن لبيد ؛ أن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم قال ‪" :‬اثنتان يكرههما ابن آدم الموت ‪ ،‬والموت خير‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪ (6351‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2680‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فأطال"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪.(5/266‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ل يدعو"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عمله"‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪.(2/350‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬كان فيه"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬فكان"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪" :‬عليه السلم"‪.‬‬
‫)‪ (12‬المسند )‪ (5/243‬وسنن الترمذي برقم )‪ .(3235‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا‬
‫حديث حسن صحيح ‪ ،‬سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث‬
‫فقال ‪ :‬هذا حديث حسن صحيح"‪.‬‬
‫)‪ (13‬في ت ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫)‪ (14‬في ت ‪" :‬ابن"‪.‬‬

‫) ‪(4/415‬‬

‫للمؤمن ]من الفتنة[ )‪ (1‬ويكره قلة المال ‪ ،‬وقلة المال أقل للحساب" )‪.(2‬‬
‫حلول الفتن في الدين يجوز سؤال الموت ؛ ولهذا قال علي بن أبي‬ ‫فعند ُ‬
‫طالب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬في آخر إمارته لما رأى أن المور ل تجتمع له ‪ ،‬ول‬
‫م ‪ ،‬خذني إليك ‪ ،‬فقد سئمتهم وسئموني‪.‬‬ ‫يزداد المر إل شدة قال ‪ :‬الله ّ‬
‫وقال البخاري ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬لما وقعت له تلك المحن وجرى له ما جرى مع‬
‫أمير خراسان ‪ :‬اللهم توفني إليك‪.‬‬
‫وفي الحديث ‪" :‬إن الرجل ليمر بالقبر ‪ -‬أي في زمان الدجال ‪ -‬فيقول ‪ :‬يا‬
‫ليتني مكانك" )‪ (3‬لما يرى من الفتن والزلزل والبلبل والمور الهائلة التي‬
‫هي فتنة لكل مفتون‪.‬‬
‫قال أبو جعفر بن جرير ‪ :‬وذ ُك َِر أن بني يعقوب الذين فعلوا بيوسف ما فعلوا ‪،‬‬
‫استغفر لهم أبوهم ‪ ،‬فتاب الله عليهم وعفا عنهم ‪ ،‬وغفر لهم ذنوبهم‪.‬‬
‫]ذكر من قال ذلك[ )‪: (4‬‬
‫حدثنا القاسم ‪ ،‬حدثنا الحسن ‪ ،‬حدثني حجاج ‪ ،‬عن صالح المري ‪ ،‬عن يزيد‬
‫الّرقاشي ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬إن الله تعالى لما جمع ليعقوب شمله ‪،‬‬
‫ده نجًيا ‪ ،‬فقال بعضهم لبعض ‪ :‬ألستم قد علمتم ما‬ ‫وأقر عينه )‪ (5‬خل ول ُ‬
‫صنعتم ‪ ،‬وما لقي منكم الشيخ ‪ ،‬وما لقي منكم يوسف ؟ قالوا ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فيغّركم عفوهما عنكم ‪ ،‬فكيف لكم بربكم ؟ فاستقام أمرهم على أن أتوا‬
‫دا ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يا أبانا ‪ ،‬إنا‬
‫الشيخ فجلسوا بين يديه ‪ ،‬ويوسف إلى جنب أبيه قاع ً‬
‫أتيناك في أمر ‪ ،‬لم نأتك في مثله قط ‪ ،‬ونزل بنا أمر لم ينزل بنا مثله‪ .‬حتى‬
‫ي؟‬ ‫حّركوه ‪ ،‬والنبياء ‪ ،‬عليهم السلم ‪ ،‬أرحم البرية ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما لكم يا َبن ّ‬ ‫َ‬
‫قالوا ‪ :‬ألست قد علمت ما كان منا إليك ‪ ،‬وما كان منا إلى أخينا يوسف ؟‬
‫فوتما ؟ قال بلى‪ .‬قالوا ‪ :‬فإن عفوكما ل‬ ‫قال ‪ :‬بلى‪ .‬قالوا ‪ :‬أو لستما قد ع َ َ‬
‫يغني عنا شيئا ‪ ،‬إن كان الله لم يعف عنا‪ .‬قال ‪ :‬فما تريدون يا بني ؟ قالوا ‪:‬‬
‫ُنريد ُ أن تدعوَ الله لنا ‪ ،‬فإذا جاءك الوحي من الله بأنه قد عفا عما صنعنا‬
‫دا لنا‪ .‬قال ‪:‬‬‫قّرت أعيننا ‪ ،‬واطمأنت قلوبنا ‪ ،‬وإل فل قُّرة عين في الدنيا أب ً‬
‫فقام الشيخ فاستقبل القبلة ‪ ،‬وقام يوسف خلف أبيه ‪ ،‬وقاموا خلفهما أذلةّ‬
‫ب فيهم عشرين سنة ‪ -‬قال‬ ‫من يوسف ‪ ،‬فلم ُيج ْ‬ ‫خاشعين‪ .‬قال ‪ :‬فدعا وأ ّ‬
‫صالح المري )‪ (6‬يخيفهم ‪ -‬قال ‪ :‬حتى إذا كان رأس العشرين نزل جبريل ‪،‬‬
‫عليه السلم ‪ ،‬على يعقوب فقال ‪ :‬إن الله بعثني إليك أبشرك بأنه قد أجاب‬
‫دعوتك في ولدك ‪ ،‬وأنه قد عفا عما‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(5/427‬‬
‫)‪ (3‬رواه مسلم في صحيح برقم )‪ (157/54‬من حديث أبي هريرة بلفظ‬
‫"والذي نفسي بيده ل تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه‬
‫ويقول ‪ :‬يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر ‪ ،‬وليس به الدين إل البلء"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬شمله بعينه" والمثبت من الطبري"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ :‬المزى"‪.‬‬

‫) ‪(4/416‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫كم َ‬


‫م‬
‫م وَهُ ْ‬
‫مَرهُ ْ‬
‫مُعوا أ ْ‬
‫ج َ‬ ‫ت ل َد َي ْهِ ْ‬
‫م إ ِذ ْ أ ْ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬
‫ك وَ َ‬ ‫حيهِ إ ِل َي ْ َ‬ ‫ن أن َْباِء ال ْغَي ْ ِ‬
‫ب ُنو ِ‬ ‫ذ َل ِ َ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(103‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ت بِ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫حَر ْ‬ ‫س وَل َوْ َ‬
‫ما أك ْث َُر الّنا ِ‬ ‫ن )‪ (102‬وَ َ‬ ‫مك ُُرو َ‬
‫يَ ْ‬
‫صنعوا ‪ ،‬وأنه قد اعتقد مواثيقهم من بعدك على النبوة )‪.(1‬‬
‫هذا الثر موقوف عن أنس ‪ ،‬ويزيد الرقاشي وصالح المري )‪ (2‬ضعيفان جدا‪.‬‬
‫وذكر السدي ‪ :‬أن يعقوب ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬لما حضره الموت ‪ ،‬أوصى إلى‬
‫صّبره وأرسله إلى‬ ‫يوسف بأن يدفن عند إبراهيم وإسحاق ‪ ،‬فلما مات َ‬
‫الشام ‪ ،‬فدفن عندهما ‪ ،‬عليهم )‪ (3‬السلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫كم َ‬
‫م‬‫م وَهُ ْ‬
‫مَرهُ ْ‬
‫مُعوا أ ْ‬ ‫م إ ِذ ْ أ ْ‬
‫ج َ‬ ‫ت ل َد َي ْهِ ْ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬
‫ك وَ َ‬‫حيهِ إ ِل َي ْ َ‬
‫ب ُنو ِ‬‫ن أن َْباِء ال ْغَي ْ ِ‬
‫} ذ َل ِ َ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (103‬‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت بِ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫حَر ْ‬ ‫س وَلوْ َ‬ ‫ما أك ْث َُر الّنا ِ‬ ‫ن )‪ (102‬وَ َ‬ ‫مك ُُرو َ‬‫يَ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(16/281‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬المزي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬عليهما"‪.‬‬

‫) ‪(4/417‬‬

‫وما تسأ َل ُهم عَل َيه م َ‬


‫ن )‪(104‬‬ ‫مي َ‬ ‫ن هُوَ إ ِّل ذِك ٌْر ل ِل َْعال َ ِ‬ ‫جرٍ إ ِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ ِ ِ ْ‬ ‫َ َ َ ْ ُ ْ‬
‫} وما تسأ َل ُهم عَل َيه م َ‬
‫ن )‪{ (104‬‬ ‫مي َ‬ ‫ن هُوَ ِإل ذِك ٌْر ل ِل َْعال َ ِ‬ ‫جرٍ إ ِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ ِ ِ ْ‬ ‫َ َ َ ْ ُ ْ‬
‫يقول تعالى لعبده ورسوله محمد ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ ،‬لما قص عليه‬
‫نبأ إخوة يوسف ‪ ،‬وكيف رفعه الله عليهم ‪ ،‬وجعل له العاقبة والنصر والملك‬
‫والحكم ‪ ،‬مع ما أرادوا به من السوء والهلك والعدام ‪ :‬هذا وأمثاله يا محمد‬
‫ك { ونعلمك به لما فيه من العبرة لك‬ ‫حيهِ إ ِل َي ْ َ‬ ‫من أخبار الغيوب السابقة ‪ُ } ،‬نو ِ‬
‫م { حاضرا عندهم ول مشاهدا لهم‬ ‫َ‬
‫ت لد َي ْهِ ْ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫والتعاظ لمن خالفك ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { به ‪،‬‬ ‫مكُرو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م { أي ‪ :‬على إلقائه في الجب ‪ } ،‬وَهُ ْ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫مُعوا أ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫} إ ِذ ْ أ ْ‬
‫ت‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫ولكنا أعلمناك به وحيا إليك ‪ ،‬وإنزال عليك ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫قون أ َْقلمه َ‬
‫ن { ]آل‬ ‫ص ُ َ‬
‫مو‬ ‫خت َ ِ‬ ‫م إ ِذ ْ ي َ ْ‬‫ت ل َد َي ْهِ ْ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ف ُ‬ ‫م ي َك ْ ُ‬ ‫م أي ّهُ ْ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫م إ ِذ ْ ي ُل ْ ُ َ‬ ‫ل َد َي ْهِ ْ‬
‫سى‬ ‫مو َ‬ ‫ضي َْنا إ َِلى ُ‬ ‫ي إ ِذ ْ قَ َ‬ ‫ب ال ْغَْرب ِ ّ‬ ‫جان ِ ِ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫عمران ‪[44 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ت‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫ن { ]القصص ‪[44 :‬إلى أن قال ‪ } :‬وَ َ‬ ‫دي َ‬ ‫شاهِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫مَر وَ َ‬ ‫ال ْ‬
‫ما‬‫ك { ]القصص ‪ [46 :‬وقال } وَ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫طورِ إ ِذ ْ َناد َي َْنا وَل َك ِ ْ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫جان ِ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن { ]القصص ‪:‬‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر ِ‬ ‫م آَيات َِنا وَلك ِّنا ك ُّنا ُ‬ ‫ن ت َت ْلو عَلي ْهِ ْ‬ ‫مد ْي َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ت َثاوًِيا ِفي أهْ ِ‬ ‫ك ُن ْ َ‬
‫ي ِإل‬ ‫َ‬
‫حى إ ِل ّ‬ ‫ن ُيو َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ص ُ‬‫خت َ ِ‬ ‫َ‬
‫مل العْلى إ ِذ ْ ي َ ْ‬ ‫ْ‬
‫علم ٍ ِبال َ‬ ‫ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫‪ [45‬وقال } َ‬
‫ب { ]ص ‪[70 ، 69 :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫ذيٌر ُ‬ ‫ما أَنا ن َ ِ‬ ‫أن ّ َ‬
‫يقرر تعالى أنه رسوله ‪ ،‬وأنه قد أطلعه على أنباء ما قد سبق مما فيه عبرة‬
‫للناس ونجاة لهم في دينهم ودنياهم ؛ ومع هذا ما آمن أكثر الناس ؛ ولهذا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ت ُط ِعْ أك ْث ََر َ‬ ‫ن { وقال } وَإ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت بِ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫حَر ْ‬ ‫س وَل َوْ َ‬ ‫ما أك ْث َُر الّنا ِ‬ ‫قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ل اللهِ { ]النعام ‪ [116 :‬إلى غير ذلك من اليات‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ضلوك َ عَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ض يُ ِ‬
‫َ‬ ‫ِفي الْر ِ‬
‫جرٍ { أي ‪ :‬وما تسألهم يا محمد على هذا‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م عَلي ْهِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سألهُ ْ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫جَعالة ول أجرة على‬ ‫النصح والدعاء إلى الخير والرشد من أجر ‪ ،‬أي ‪ :‬من ُ‬
‫ذلك ‪ ،‬بل تفعله ابتغاء وجه الله ‪ ،‬ونصحا لخلقه‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬يتذكرون به ويهتدون ‪ ،‬وينجون به في الدنيا‬ ‫مي َ‬ ‫ن هُوَ ِإل ذِك ٌْر ل ِل َْعال َ ِ‬ ‫} إِ ْ‬
‫والخرة‪.‬‬

‫) ‪(4/417‬‬
‫ت َواْل َْر‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫ن عَل َي َْها وَهُ ْ‬
‫م عَن َْها ُ‬ ‫مّرو َ‬ ‫ض يَ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ن آي َةٍ ِفي ال ّ‬ ‫ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ْ‬ ‫وَك َأي ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫‪ (105‬وما يؤْم َ‬
‫م‬
‫ن ت َأت ِي َهُ ْ‬ ‫ن )‪ (106‬أفَأ ِ‬
‫مُنوا أ ْ‬ ‫شرِ ُ‬
‫كو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ِبالل ّهِ إ ِّل وَهُ ْ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬
‫َ َ ُ ِ ُ‬
‫ن )‪(107‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫َ‬
‫م ل ي َشعُُرو َ‬ ‫ة وَهُ ْ‬ ‫ة ب َغْت َ ً‬ ‫ساعَ ُ‬‫م ال ّ‬ ‫ب اللهِ أوْ ت َأت ِي َهُ ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م ْ‬‫ة ِ‬‫شي َ ٌ‬‫غا ِ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫م عَن َْها ُ‬ ‫ن عَل َي َْها وَهُ ْ‬ ‫مّرو َ‬ ‫ض يَ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ت َوالْر‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ن آي َةٍ ِفي ال ّ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ن ِ‬ ‫ْ‬ ‫} وَك َأي ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫‪ (105‬وما يؤْم َ‬
‫م‬
‫ن ت َأت ِي َهُ ْ‬ ‫مُنوا أ ْ‬ ‫ن )‪ (106‬أفَأ ِ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ِبالل ّهِ ِإل وَهُ ْ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫َ َ ُ ِ ُ‬
‫ن )‪{ (107‬‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫َ‬
‫شعُُرو َ‬ ‫ة وَهُ ْ‬ ‫ة ب َغْت َ ً‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ب اللهِ أوْ ت َأت ِي َهُ ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫شي َ ٌ‬‫غا ِ‬
‫يخبر تعالى عن ]غفلة[ )‪ (1‬أكثر الناس عن التفكر في آيات الله ودلئل‬
‫توحيده ‪ ،‬بما خلقه الله في السموات والرض من كواكب زاهرات ثوابت ‪،‬‬
‫وسيارات وأفلك دائرات ‪ ،‬والجميع مسخرات ‪ ،‬وكم في الرض من قطع‬
‫متجاورات وحدائق وجنات وجبال راسيات ‪ ،‬وبحار زاخرات ‪ ،‬وأمواج‬
‫متلطمات ‪ ،‬وقفار شاسعات ‪ ،‬وكم من أحياء وأموات ‪ ،‬وحيوان ونبات ‪،‬‬
‫وثمرات متشابهة ومختلفات ‪ ،‬في الطعوم والروائح واللوان والصفات ‪،‬‬
‫فسبحان الواحد الحد ‪ ،‬خالق أنواع المخلوقات ‪ ،‬المتفرد بالدوام والبقاء‬
‫والصمدية ذي السماء والصفات‪.‬‬
‫وقوله ‪ } :‬وما يؤْم َ‬
‫ن { قال ابن عباس ‪ :‬من‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ِبالل ّهِ ِإل وَهُ ْ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫َ َ ُ ِ ُ‬
‫إيمانهم ‪ ،‬إذا قيل لهم ‪ :‬من خلق السموات ؟ ومن خلق الرض ؟ ومن خلق‬
‫الجبال ؟ قالوا ‪" :‬الله" ‪ ،‬وهم مشركون به‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وعطاء‬
‫وعكرمة ‪ ،‬والشعبي ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪.‬‬
‫وهكذا في الصحيحين )‪ (2‬أن المشركين كانوا يقولون في تلبيتهم ‪ :‬لبيك ل‬
‫كا هو لك ‪ ،‬تملكه وما ملك‪ .‬وفي الصحيح ‪ :‬أنهم كانوا إذا‬ ‫شريك لك ‪ ،‬إل شري ً‬
‫قالوا ‪" :‬لبيك ل شريك لك" يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬قَد ْ قَ ْ‬
‫د"‬
‫ب ‪ ،‬ل تزيدوا على هذا )‪.(3‬‬ ‫س ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ب َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫‪ ،‬أي َ‬
‫م { ]لقمان ‪ [13 :‬وهذا هو‬ ‫ظي ٌ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن الشْرك لظل ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫وقال الله تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫الشرك العظم الذي يعبد مع الله غيره ‪ ،‬كما في الصحيحين‪ .‬عن ابن‬
‫مسعود قلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أيّ الذنب أعظم ؟ قال ‪" :‬أن تجعل لله ندا‬
‫قك" )‪.(4‬‬ ‫خل َ َ‬ ‫وهو َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫م ِباللهِ ِإل وَهُ ْ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ما ي ُؤْ ِ‬ ‫وقال الحسن البصري في قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن { قال ‪ :‬ذلك المنافق يعمل إذا عمل رياء الناس ‪ ،‬وهو مشرك‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ع‬‫ِ‬ ‫د‬ ‫خا‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ُ‬
‫َ َ َ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫عو‬‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫خا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫قي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫قوله‬ ‫يعني‬ ‫‪،‬‬ ‫ذاك‬ ‫بعمله‬
‫ه ِإل قَِليل {‬ ‫ن الل َّ‬ ‫س َول ي َذ ْك ُُرو َ‬ ‫َ‬ ‫نا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ءو‬ ‫ُ‬ ‫را‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫لى‬ ‫سا َ‬ ‫موا ك ُ َ‬ ‫صلةِ َقا ُ‬ ‫موا إ َِلى ال ّ‬ ‫وَإ َِذا َقا ُ‬
‫]النساء ‪.[142 :‬‬
‫م شرك آخر خفي ل يشعر به غالًبا فاعله ‪ ،‬كما روى حماد بن سلمة ‪ ،‬عن‬ ‫وث ّ‬
‫جود ‪ ،‬عن عُْرَوة قال ‪ :‬دخل حذيفة على مريض ‪ ،‬فرأى في‬ ‫عاصم بن أبي الن ّ ُ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ِباللهِ ِإل‬ ‫ن أكث َُرهُ ْ‬ ‫م ُ‬‫ما ي ُؤْ ِ‬ ‫عضده سيًرا فقطعه ‪ -‬أو ‪ :‬انتزعه ‪ -‬ثم قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن{‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫وَهُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬في صحيح مسلم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم برقم )‪.(1185/22‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪ (4477‬وصحيح مسلم برقم )‪.(68‬‬

‫) ‪(4/418‬‬
‫ه من‬ ‫وفي الحديث ‪" :‬من حلف بغير الله فقد أشرك"‪ .‬رواه الترمذي وحسن ّ َ‬
‫رواية ابن عمر )‪(1‬‬
‫وفي الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود وغيره ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن الّرَقى والّتماِئم‬
‫ولة شْرك" )‪.(2‬‬
‫والت ّ َ‬
‫وفي لفظ لهما ‪]" :‬الطَيرة شرك[ )‪ (3‬وما مّنا إل ولكن الله يذهبه بالتوكل" )‬
‫‪.(4‬‬
‫ورواه المام أحمد بأبسط من هذا فقال ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪،‬‬
‫مّرة ‪ ،‬عن يحيى الجزار )‪ (5‬عن ابن أخي ‪ ،‬زينب ]عن زينب[ )‬ ‫عن عمرو بن ُ‬
‫‪ (6‬امرأة عبد الله بن مسعود قالت ‪ :‬كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى‬
‫إلى الباب تنحنح )‪ (7‬وبزق كراهية أن يهجم منا على أمر يكرهه ‪ ،‬قالت ‪ :‬وإنه‬
‫مَرة فأدخلتها تحت السرير‬ ‫ح ْ‬
‫جاء ذات يوم فتنحنح وعندي عجوز ترقيني من ال ُ‬
‫‪ ،‬قالت ‪ :‬فدخل فجلس إلى جانبي ‪ ،‬فرأى في عنقي خيطا ‪ ،‬قال ‪ :‬ما هذا‬
‫الخيط ؟ قالت ‪ :‬قلت ‪ :‬خيط ُرِقى لي فيه‪ .‬قالت ‪ :‬فأخذه فقطعه ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫إن آل عبد الله لغنياٌء عن الشرك ‪ ،‬سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫ولة شرك"‪ .‬قالت ‪ ،‬قلت له ‪ :‬لم تقول‬ ‫وسلم يقول ‪" :‬إن الرقى والتمائم والت ّ َ‬
‫هذا وقد كانت عيني تقذف ‪ ،‬فكنت أختلف إلى فلن اليهودي يرقيها ‪ ،‬فكان‬
‫إذا رقاها سكنت ؟ قال ‪ :‬إنما ذاك من الشيطان‪ .‬كان ينخسها بيده ‪ ،‬فإذا‬
‫رقيتها كف عنها ‪ :‬إنما كان يكفيك أن تقولي كما قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬أذهب البأس رب الناس ‪ ،‬اشف وأنت الشافي ‪ ،‬ل شفاء إل‬
‫ما" )‪.(8‬‬ ‫ق ً‬
‫س َ‬
‫شفاؤك ‪ ،‬شفاء ل يغادر َ‬
‫كيع ‪ ،‬عن ابن أبي ليلى ‪ ،‬عن عيسى‬ ‫وفي حديث آخر رواه المام أحمد ‪ ،‬عن وَ ِ‬
‫َ‬
‫بن عبد الرحمن قال ‪ :‬دخلنا على عبد الله بن عُكْيم )‪ (9‬وهو مريض نعوده ‪،‬‬
‫فقيل له ‪ :‬ت َعَّلقت شيئا ؟ فقال ‪ :‬أتعلق شيئا! وقد قال رسول الله صلى الله‬
‫ل إليه" )‪ (10‬ورواه النسائي عن أبي هريرة‬ ‫عليه وسلم ‪" :‬من ت َعَّلق شيئا وُك ِ َ‬
‫)‪.(11‬‬
‫وفي مسند المام أحمد ‪ ،‬من حديث عقبة بن عامر قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من عّلق تميمة‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن الترمذي برقم )‪.(1535‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (1/381‬وسنن أبي داود برقم )‪ (3883‬ورواه ابن ماجه في‬
‫السنن برقم )‪.(3530‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند وسنن أبي داود‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (1/389‬وسنن أبي داود برقم )‪.(3910‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يحيى بن الجزار"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬تنجيح"‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪.(1/381‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬حكيم"‪.‬‬
‫)‪ (10‬المسند )‪ (4/310‬ورواه الترمذي في السنن برقم )‪ (2072‬من طريق‬
‫عبد الرحمن بن أبي ليلى به ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬وحديث عبد الله بن حكيم‬
‫إنما نعرفه من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى ‪ ،‬وعبد الله بن حكيم لم‬
‫يسمع النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وكان في زمن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول ‪" :‬كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (11‬سنن النسائي )‪.(7/112‬‬

‫) ‪(4/419‬‬

‫ة‬
‫فقد أشرك" وفي رواية ‪" :‬من ت َّعلق تميمة فل أتم الله له ‪ ،‬ومن تعلق ود َعَ ً‬
‫فل ودع الله له" )‪(1‬‬
‫وعن العلء ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬قال الله ‪ :‬أنا أغنى الشركاء عن‬
‫شْركه"‪ .‬رواه مسلم‬ ‫الشرك ‪ ،‬ومن عمل عمل أشرك فيه معي غيري تركته و ِ‬
‫)‪.(2‬‬
‫وعن أبي سعيد بن أبي فضالة قال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول ‪" :‬إذا جمع الله الولين والخرين ليوم ل ريب فيه ‪ ،‬ينادي مناد ‪:‬‬
‫من كان أشرك في عمل عمله لله فليطلب ثوابه من عند غير الله ‪ ،‬فإن الله‬
‫أغنى الشركاء عن الشرك"‪ .‬رواه أحمد )‪.(3‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يونس ‪ ،‬حدثنا ل َْيث ‪ ،‬عن يزيد ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن الهاد ‪-‬‬
‫عن عمرو ‪ ،‬عن محمود بن لبيد ‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫وف ما أخاف عليكم الشرك الصغر"‪ .‬قالوا ‪ :‬وما الشرك الصغر يا‬ ‫خ َ‬
‫"إن أ ْ‬
‫رسول الله ؟ قال ‪" :‬الرياء ‪ ،‬يقول الله يوم القيامة إذا جزى الناس‬
‫بأعمالهم ‪ :‬اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا ‪ ،‬فانظروا هل تجدون‬
‫عندهم جزاء" )‪.(4‬‬
‫وقد رواه إسماعيل بن جعفر ‪ ،‬عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب ‪ ،‬عن‬
‫عاصم بن عمر بن قتادة ‪ ،‬عن محمود بن ل َِبيد ‪ ،‬به )‪.(5‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن ‪ ،‬أنبأنا ابن ل َِهيعة ‪ ،‬أنبأنا ابن هُب َْيرة ‪ ،‬عن أبي‬
‫حُبلي ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬ ‫عبد الرحمن ال ُ‬
‫عليه وسلم ‪" :‬من ردته الطيرة عن حاجة ‪ ،‬فقد أشرك"‪ .‬قالوا ‪ :‬يا رسول‬
‫الله ‪ ،‬ما كفارة ذلك ؟ قال ‪" :‬أن يقول أحدهم ‪ :‬اللهم ل خير إل خيرك )‪ (6‬ول‬
‫طير إل طيرك ‪ ،‬ول إله غيرك" )‪.(7‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الله بن نمير ‪ ،‬حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان‬
‫العَْرَزمي ‪ ،‬عن أبي علي ‪ -‬رجل من بني كاهل ‪ -‬قال ‪ :‬خطبنا أبو موسى‬
‫الشعري فقال ‪ :‬يا أيها الناس ‪ ،‬اتقوا هذا الشرك ‪ ،‬فإنه أخفى من د َِبيب‬
‫حْزن وقيس بن المضارب فقال والله لتخرجن )‪(8‬‬ ‫النمل‪ .‬فقام عبد الله بن َ‬
‫مما قلت أو لنأتين عمر مأذونا لنا أو غير مأذون ‪ ،‬قال ‪ :‬بل أخرج مما قلت ‪،‬‬
‫خطبنا رسول‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (4/156‬وقال المنذري في الترغيب )‪" : (4/307‬رجاله ثقات"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم برقم )‪.(2985‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(4/215‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (5/428‬وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه البغوي في شرح السنة )‪ (14/333‬من طريق علي بن حجر ‪ ،‬عن‬
‫إسماعيل بن جعفر به‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬ل غير إل غيرك"‪.‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪ (2/220‬ورواه ابن السنى في عمل اليوم والليلة )ص ‪(293‬‬
‫من طريق ابن وهب ‪ ،‬عن ابن لهيعة به ‪ ،‬فصح الحديث بحمد الله‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬ليخرجن"‪.‬‬

‫) ‪(4/420‬‬

‫الله صلى الله عليه وسلم ]ذات يوم[ )‪ (1‬فقال ‪" :‬يا أيها الناس ‪ ،‬اتقوا هذا‬
‫الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل"‪ .‬فقال له من شاء الله أن يقول ‪ :‬فكيف‬
‫نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله ؟ قال ‪" :‬قولوا ‪ :‬اللهم إنا‬
‫نعوذ بك ]من[ )‪ (2‬أن نشرك بك شيئا نعلمه ‪ ،‬ونستغفرك لما ل نعلمه" )‪.(3‬‬
‫ديق ‪ ،‬كما رواه‬ ‫ص ّ‬
‫وقد روي من وجه آخر ‪ ،‬وفيه أن السائل في ذلك هو ال ّ‬
‫َ‬
‫الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ ،‬من حديث عبد العزيز بن مسلم ‪ ،‬عن لْيث بن‬
‫سار قال ‪ :‬شهدت النبي صلى‬ ‫قل بن ي َ َ‬
‫معْ ِ‬
‫أبي سليم ‪ ،‬عن أبي محمد ‪ ،‬عن َ‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬أو قال ‪ :‬حدثني أبو بكر الصديق عن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أنه قال ‪" :‬الشرك أخفى فيكم من دبيب النمل"‪ .‬فقال أبو بكر ‪:‬‬
‫وهل الشرك إل من دعا مع الله إلها آخر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل"‪ .‬ثم قال ‪" :‬أل أدّلك على ما‬
‫صِغير ذلك وكبيره ؟ قل ‪ :‬اللهم ‪ ،‬أعوذ بك أن أشرك بك وأنا‬ ‫ُيذهب عنك َ‬
‫أعلم ‪ ،‬وأستغفرك مما ل أعلم" )‪.(4‬‬
‫وقد رواه الحافظ أبو القاسم البغوي ‪ ،‬عن شيبان بن فَّروخ ‪ ،‬عن يحيى بن‬
‫كثير ‪ ،‬عن الثوري ‪ ،‬عن إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬عن قيس بن أبي حازم ‪،‬‬
‫عن أبي بكر الصديق قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬الشرك‬
‫أخفى في أمتي من دبيب النمل على الصفا"‪ .‬قال ‪ :‬فقال أبو بكر ‪ :‬يا رسول‬
‫الله ‪ ،‬فكيف النجاة والمخرج من ذلك ؟ فقال ‪" :‬أل أخبرك بشيء إذا قلته‬
‫ت من قليله وكثيره وصغيره وكبيره ؟"‪ .‬قال ‪ :‬بلى ‪ ،‬يا رسول الله ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫برئ َ‬
‫"قل ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم ‪ ،‬وأستغفرك لما ل أعلم"‬
‫)‪.(5‬‬
‫قال الدارقطني ‪ :‬يحيى بن كثير هذا يقال له ‪" :‬أبو النضر" ‪ ،‬متروك الحديث‪.‬‬
‫وقد روى المام أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬وصححه ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬من‬
‫حديث يعلى بن عطاء ‪ ،‬سمعت عمرو بن عاصم )‪ (6‬سمعت أبا هريرة قال ‪:‬‬
‫قال أبو بكر الصديق ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬علمني شيئا أقوله إذا‬
‫ت ‪ ،‬وإذا أخذت مضجعي‪ .‬قال ‪" :‬قل ‪ :‬اللهم ‪ ،‬فاطر‬ ‫ت ‪ ،‬وإذا أمسي ُ‬
‫أصبح ُ‬
‫ب كل شيء ومليكه ‪ ،‬أشهد أن‬ ‫السموات والرض ‪ ،‬عالم الغيب والشهادة ‪ ،‬ر ّ‬
‫ل إله إل أنت ‪ ،‬أعوذ بك من شر نفسي ‪ ،‬ومن شر الشيطان وشركه" )‪.(7‬‬
‫وزاد أحمد في رواية له من حديث ليث من أبي سليم ‪] ،‬عن مجاهد[ )‪ (8‬عن‬
‫أبي بكر الصديق قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(4/403‬‬
‫)‪ (4‬مسند أبي يعلى )‪ (1/62‬ورواه ابن جريج عن ليث ‪ ،‬عن أبي محمد ‪ ،‬عن‬
‫حذيفة نحوه ‪ ،‬وأخرجه أبو يعلى في المسند )‪ (1/60‬وأبو محمد مجهول ‪،‬‬
‫وليث بن أبي سليم ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (5‬ورواه أبو نعيم في الحلية )‪ (7/112‬من طريق يحيى بن محمد البختري ‪،‬‬
‫عن شيبان بن فروخ به نحوه ‪ ،‬وقال ‪" :‬تفرد به عن الثوري يحيى بن كثير"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في هـ ‪ ،‬أ ‪" :‬عاص" والمثبت من ت والمسند‪.‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪ (1/9‬وسنن أبي داود برقم )‪ (5067‬وسنن الترمذي برقم )‬
‫‪ (3392‬والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪.(7691‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/421‬‬

‫َ‬ ‫سِبيِلي أ َد ْ ُ‬
‫ن الل ّهِ وَ َ‬
‫ما‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬
‫ن ات ّب َعَِني وَ ُ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫صيَرةٍ أَنا وَ َ‬ ‫عو إ َِلى الل ّهِ عََلى ب َ ِ‬ ‫ل هَذِهِ َ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫حي إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫جال ُنو ِ‬ ‫ك إ ِل رِ َ‬ ‫م ْ‬
‫سلَنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ن )‪ (108‬وَ َ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬‫أَنا ِ‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ة ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عاقِب َ ُ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ض فَي َن ْظ ُُروا ك َي ْ َ‬ ‫سيُروا ِفي الْر ِ‬ ‫قَرى أفَل َ ْ‬
‫م يَ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫داُر اْل َ ِ‬
‫ن )‪(109‬‬ ‫قُلو َ‬‫وا أفََل ت َعْ ِ‬ ‫ق ْ‬
‫ن ات ّ َ‬ ‫خي ٌْر ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫خَرةِ َ‬ ‫وَل َ َ‬

‫أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول‪ ...‬فذكر هذا الدعاء وزاد‬
‫جّره إلى مسلم" )‪.(1‬‬ ‫سوًءا أو أ ُ‬ ‫في آخره ‪" :‬وأن أقترف على نفسي ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫م‬‫ة وَهُ ْ‬ ‫ة ب َغْت َ ً‬ ‫ساعَ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ب اللهِ أوْ ت َأت ِي َهُ ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫شي َ ٌ‬ ‫غا ِ‬ ‫ن ت َأت ِي َهُ ْ‬ ‫مُنوا أ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أفَأ ِ‬
‫ن { أي ‪ :‬أفأمن هؤلء المشركون ]بالله[ )‪ (2‬أن يأتيهم أمر يغشاهم‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫ل يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫تأ ْ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫مكُروا ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫من حيث ل يشعرون ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬أفَأ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫َ ْ‬
‫م ِفي‬ ‫خذ َهُ ْ‬ ‫ن أوْ ي َأ ُ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫ث ل يَ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ض أوْ ي َأت ِي َهُ ُ‬ ‫م الْر َ‬ ‫ه ب ِهِ ُ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫س َ‬ ‫خ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م{‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫م لَرُءو ٌ‬ ‫ن َرب ّك ْ‬ ‫ف فَإ ِ ّ‬ ‫خو ّ ٍ‬ ‫م عَلى ت َ َ‬ ‫خذ َهُ ْ‬ ‫ن أوْ ي َأ ُ‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫معْ ِ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫م فَ َ‬ ‫قلب ِهِ ْ‬ ‫تَ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سَنا ب ََياًتا‬ ‫م ب َأ ُ‬ ‫ن ي َأت ِي َهُ ْ‬ ‫قَرى أ ْ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫ن أهْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫]النحل ‪ [47 - 45 :‬وقال تعالى ‪ } :‬أفَأ ِ‬
‫مُنوا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ن أ َهْ ُ‬ ‫وهُم نائ ِمو َ َ‬
‫ن أفأ ِ‬ ‫م ي َلعَُبو َ‬ ‫حى وَهُ ْ‬ ‫ض ً‬ ‫سَنا ُ‬ ‫م ب َأ ُ‬ ‫ن ي َأت ِي َهُ ْ‬ ‫قَرى أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن أوَأ ِ‬ ‫َ ْ َ ُ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ن { ]العراف ‪.[ 99 - 97 :‬‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫مكَر اللهِ ِإل ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ُ‬ ‫مك َْر الل ّهِ َفل ي َأ َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن اللهِ وَ َ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬‫ن ات ّب َعَِني وَ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫صيَرةٍ أَنا وَ َ‬ ‫عو إ ِلى اللهِ عَلى ب َ ِ‬ ‫سِبيِلي أد ْ ُ‬ ‫} قل هَذِهِ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪{ (108‬‬ ‫ش ِ ِ َ‬ ‫كي‬ ‫ر‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫أَنا ِ‬
‫يقول ]الله[ )‪ (3‬تعالى لعبد ورسوله إلى الثقلين ‪ :‬النس والجن ‪ ،‬آمًرا له أن‬
‫يخبر الناس ‪ :‬أن هذه سبيله ‪ ،‬أي طريقه ومسلكه وسنته ‪ ،‬وهي الدعوة إلى‬
‫صيرة‬ ‫شهادة أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬يدعو إلى الله بها على ب َ ِ‬
‫ل من اتبعه ‪ ،‬يدعو إلى ما دعا إليه رسول‬ ‫من ذلك ‪ ،‬ويقين وبرهان ‪ ،‬هو وك ّ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم على بصيرة ويقين وبرهان شرعي وعقلي‪.‬‬
‫دسه ‪ ،‬عن أن‬ ‫ظمه وأق ّ‬ ‫ن الل ّهِ { أي ‪ :‬وأنزه الله وأجّله وأع ّ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ ُ‬
‫يكون له شريك أو نظير ‪ ،‬أو عديل أو نديد ‪ ،‬أو ولد أو والد أو صاحبة ‪ ،‬أو‬
‫وزير أو مشير ‪ ،‬تبارك وتعالى وتقدس وتنزه عن ذلك كله علوا كبيرا ‪،‬‬
‫ح‬‫سب ّ ُ‬ ‫يٍء ِإل ي ُ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫ن ِفيهِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫سب ْعُ َوالْر ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ماَوا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ح لَ ُ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫} تُ َ‬
‫فوًرا { ]السراء ‪.[44 :‬‬ ‫ما غ ُ‬ ‫َ‬ ‫حِلي ً‬ ‫ن َ‬ ‫ه كا َ‬ ‫َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫حهُ ْ‬ ‫سِبي َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫قُهو َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن ل تَ ْ‬ ‫مدِهِ وَلك ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ح ْ‬ ‫بِ َ‬
‫سيُروا ِفي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م يَ ِ‬ ‫قَرى أفل ْ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫حي إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫جال ُنو ِ‬ ‫ن قب ْل ِك ِإل رِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سلَنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫} وَ َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫خي ٌْر ل ِل ِ‬ ‫خَرةِ َ‬ ‫داُر ال ِ‬ ‫م وَل َ‬ ‫َ‬ ‫ن قب ْل ِهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ال ِ‬‫ّ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ف كا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض في َن ْظُروا كي ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الْر‬
‫ن )‪{ (109‬‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫فل‬ ‫َ‬ ‫قوا أ ِ َ‬
‫َ‬ ‫َْ ِ‬ ‫ات ّ َ ْ‬
‫سَله من الرجال ل من النساء‪ .‬وهذا قول جمهور‬ ‫لر ُ‬ ‫يخبر تعالى أنه إنما أرس َ‬
‫العلماء ‪ ،‬كما دل عليه سياق هذه الية الكريمة ‪ :‬أن الله تعالى لم ُيوِح إلى‬
‫امرأة من بنات بني آدم َوحي تشريع‪.‬‬
‫وزعم بعضهم ‪ :‬أن سارة امرأة الخليل ‪ ،‬وأم موسى ‪ ،‬ومريم أم عيسى نبيات‬
‫‪ ،‬واحتجوا بأن الملئكة‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪.(1/14‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(4/422‬‬

‫حي َْنا إ َِلى‬ ‫َ‬


‫بشرت سارة بإسحاق ‪ ،‬ومن وراء إسحاق يعقوب ‪ ،‬وبقوله ‪ } :‬وَأوْ َ‬
‫ضِعيهِ { الية‪] .‬القصص ‪ ، [7 :‬وبأن الملك جاء إلى مريم‬ ‫أ ُم موسى أ َ َ‬
‫ن أْر ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ ُ َ‬
‫م‬
‫مْري َ ُ‬ ‫ة َيا َ‬ ‫َ‬
‫ملئ ِك ُ‬ ‫ت ال َ‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫فبشرها بعيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وبقوله تعالى ‪ } :‬وَإ ِذ ْ َقال ِ‬
‫ك‬‫م اقْن ُِتي ل َِرب ّ ِ‬ ‫مْري َ ُ‬ ‫ن َيا َ‬ ‫مي َ‬ ‫ساِء ال َْعال َ ِ‬ ‫ك عََلى ن ِ َ‬ ‫فا ِ‬ ‫صط َ َ‬ ‫ك َوا ْ‬ ‫ك وَط َهَّر ِ‬ ‫فا ِ‬ ‫صط َ َ‬ ‫ها ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ن { ] آل عمران ‪.[43 ، 42 :‬‬ ‫معَ الّراك ِِعي َ‬ ‫دي َواْركِعي َ‬ ‫َ‬ ‫ج ِ‬ ‫س ُ‬
‫َوا ْ‬
‫وهذا القدر حاصل لهن ‪ ،‬ولكن ل يلزم من هذا أن يكن نبيات بذلك ‪ ،‬فإن أراد‬
‫القائل بنبوتهن هذا القدر من التشريف ‪ ،‬فهذا ل شك فيه ‪ ،‬ويبقى الكلم معه‬
‫في أن هذا ‪ :‬هل يكفي في النتظام في سلك النبوة بمجرده أم ل ؟ الذي‬
‫عليه ]أئمة[ )‪ (1‬أهل السنة والجماعة ‪ ،‬وهو الذي نقله الشيخ أبو الحسن‬
‫علي بن إسماعيل الشعري عنهم ‪ :‬أنه ليس في النساء نبية ‪ ،‬وإنما فيهن‬
‫م بنت عمران حيث قال ‪:‬‬ ‫صديقات ‪ ،‬كما قال تعالى مخبرا عن أشرفهن مري َ‬
‫ُ‬
‫كاَنا‬‫ة َ‬ ‫ق ٌ‬‫دي َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ل وَأ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ الّر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ل قَد ْ َ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م ِإل َر ُ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح اب ْ ُ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫} َ‬
‫ديقية ‪ ،‬فلو‬ ‫م { ]المائدة ‪ [75 :‬فوصفها في أشرف مقاماتها بالص ّ‬ ‫ن الط َّعا َ‬ ‫كل ِ‬ ‫ي َأ ْ ُ‬
‫كانت نبّية لذكر ذلك في مقام التشريف والعظام ‪ ،‬فهي صديقة بنص‬
‫القرآن‪.‬‬
‫جال‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ك ِإل رِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سلَنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫قَرى { )‪ (2‬أي ‪ :‬ليسوا من أهل السماء كما قلتم‪.‬‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫حي إل َيهم م َ‬
‫ن أهْ ِ‬ ‫ِ ِْ ْ ِ ْ‬ ‫ُنو ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫سلَنا قَب ْلك ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫وهذا القول من ابن عباس يعتضد بقوله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ْ‬
‫ق { الية ]الفرقان ‪:‬‬ ‫وا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ْ‬ ‫شو َ‬ ‫م ُ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫ن الط َّعا َ‬ ‫م ل َي َأك ُُلو َ‬ ‫ن ِإل إ ِن ّهُ ْ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ْ‬
‫ن‬‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫كاُنوا َ‬ ‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن الط َّعا َ‬ ‫دا ل ي َأك ُُلو َ‬ ‫س ً‬ ‫ج َ‬ ‫م َ‬ ‫جعَل َْناهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫‪ [20‬وقوله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]النبياء ‪، 8 :‬‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫شاُء وَأهْلكَنا ال ُ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جي َْناهُ ْ‬ ‫م ال ْوَعْد َ فَأن ْ َ‬ ‫صد َقَْناهُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ل { الية ]الحقاف ‪.[9 :‬‬ ‫س ِ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫عا ِ‬ ‫ت ب ِد ْ ً‬ ‫ما كن ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫‪ [9‬وقوله تعالى ‪ } :‬قل َ‬
‫قَرى { المراد بالقرى ‪ :‬المدن ‪ ،‬ل أنهم من أهل البوادي‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬م َ‬
‫ن أهْ ِ‬ ‫ِ ْ‬
‫‪ ،‬الذين هم أجفى الناس طباعا وأخلقا‪ .‬وهذا هو المعهود المعروف أن أهل‬
‫المدن أرقّ طباعا ‪ ،‬وألطف من أهل سوادهم ‪ ،‬وأهل الريف والسواد أقرب‬
‫فًرا‬ ‫شد ّ ك ُ ْ‬ ‫ب أَ َ‬ ‫حال من الذين يسكنون في البوادي ؛ ولهذا قال تعالى ‪ } :‬العَْرا ُ‬
‫سول ِهِ { ]التوبة ‪.[97 :‬‬ ‫ه عََلى َر ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما َأنز َ‬ ‫دود َ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫موا ُ‬
‫َ‬
‫جد َُر أل ي َعْل َ ُ‬
‫َ‬
‫فاًقا وَأ ْ‬ ‫وَن ِ َ‬
‫قَرى { لنهم أعلم وأحلم من أهل‬ ‫ْ‬
‫ل ال ُ‬ ‫َ‬
‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬
‫وقال قتادة في قوله ‪ِ } :‬‬
‫العمود‪.‬‬
‫وفي الحديث الخر ‪ :‬أن رجل من العراب أهدى لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ناقة ‪ ،‬فلم يزل يعطيه ويزيده حتى رضي ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله‬
‫ة إل من قرشي ‪ ،‬أو أنصاري ‪ ،‬أو‬ ‫ب هِب َ ً‬ ‫َ‬
‫عليه وسلم ‪" :‬لقد هممت أل أت ّهِ َ‬
‫سي"‪(3) .‬‬ ‫ثقفي ‪ ،‬أو د َوْ ِ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حجاج ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن يحيى بن‬
‫وثاب ‪ ،‬عن شيخ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬يوحى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه أحمد في المسند )‪ (1/295‬من حديث ابن عباس رضي الله عنهما‪.‬‬

‫) ‪(4/423‬‬

‫َ‬
‫ن نَ َ‬
‫شاُء‬ ‫م ْ‬
‫ي َ‬ ‫صُرَنا فَن ُ ّ‬
‫ج َ‬ ‫م نَ ْ‬
‫جاَءهُ ْ‬ ‫ل وَظ َّنوا أن ّهُ ْ‬
‫م قَد ْ ك ُذُِبوا َ‬ ‫س ُ‬ ‫الّر ُ‬ ‫ست َي ْئ َ َ‬
‫س‬ ‫حّتى إ َِذا ا ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(110‬‬ ‫ْ‬ ‫ال ْ َ‬ ‫وَل يرد بأ ْ‬
‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬
‫قوْم ِ ال ُ‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫س‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال العمش ‪ :‬هو ]ابن[ )‪(1‬‬
‫عمر ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬المؤمن الذي يخالط الناس‬
‫ويصبر على أذاهم ‪ ،‬خير من الذي ل يخالطهم ول يصبر على أذاهم"‪(2) .‬‬
‫َ‬
‫ض { ]يعني ‪ :‬هؤلء المكذبين لك يا محمد في‬ ‫سيُروا ِفي الْر ِ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أفَل َ ْ‬
‫م { أي ‪ :‬من المم‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ال ّ ِ‬ ‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫الرض ‪ } (3) [ ،‬فَي َن ْظ ُُروا ك َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫المكذبة للرسل ‪ ،‬كيف دمر الله عليهم ‪ ،‬وللكافرين أمثالها ‪ ،‬كقوله ‪ } :‬أفَل ْ‬
‫م‬
‫َ‬
‫ن ب َِها فَإ ِن َّها ل‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ن ب َِها أوْ آَذا ٌ‬ ‫قُلو َ‬ ‫ب ي َعْ ِ‬ ‫م قُُلو ٌ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫كو َ‬ ‫سيُروا ِفي الْرض فَت َ ُ‬
‫ِ‬ ‫يَ ِ‬
‫دورِ { ]الحج ‪ ، [46 :‬فإذا‬ ‫ص ُ‬ ‫ب الِتي ِفي ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫قلو ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫مى ال ُ‬ ‫ن ت َعْ َ‬ ‫َ‬
‫صاُر وَلك ِ ْ‬ ‫مى الب ْ َ‬ ‫ت َعْ َ‬
‫استمعوا )‪ (4‬خبر ذلك ‪ ،‬رأوا أن الله قد أهلك الكافرين ونجى المؤمنين ‪،‬‬
‫خي ٌْر‬ ‫خَرةِ َ‬ ‫داُر ال ِ‬ ‫وهذه كانت سنته تعالى في خلقه ؛ ولهذا قال تعالى ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫وا { )‪ (5‬أي ‪ :‬وكما أنجينا المؤمنين في الدنيا ‪ ،‬كذلك كتبنا لهم‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ات ّ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫ضا ‪ ،‬وهي خير لهم من الدنيا بكثير ‪ ،‬كما قال‬ ‫النجاة في الدار الخرة أي ً‬
‫شَهاد ُ‬ ‫م ال ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ‬ ‫ْ‬
‫مُنوا ِفي ال َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سل ََنا َوال ِ‬
‫ّ‬ ‫صُر ُر ُ‬ ‫تعالى ‪ } :‬إ ِّنا ل َن َن ْ ُ‬
‫دارِ { ]غافر ‪، 50 :‬‬ ‫سوُء ال ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ة وَل َهُ ْ‬ ‫م الل ّعْن َ ُ‬ ‫م وَل َهُ ُ‬ ‫معْذَِرت ُهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫فعُ ال ّ‬ ‫م ل ي َن ْ َ‬‫ي َوْ َ‬
‫‪.[51‬‬
‫خَرةِ { كما يقال ‪" :‬صلة الولى"‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫دا‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫فقال‬ ‫الخرة‬ ‫إلى‬ ‫الدار‬ ‫وأضاف‬
‫و"مسجد الجامع" و"عام الول" و "بارحة الولى" و"يوم الخميس"‪ .‬قال‬
‫هجين‪...‬‬ ‫ك من َ‬ ‫م َ‬ ‫ح فَ ْ‬ ‫َ‬
‫سا‪ ...‬أل لله أ ّ‬ ‫م )‪ (6‬عَب ْ ً‬ ‫سا َوتذ ّ‬ ‫قعَ ً‬ ‫مد َ ُ‬ ‫الشاعر ‪ :‬أت َ ْ‬
‫ن الَيقين )‪(7‬‬ ‫ل عْرفا َ‬ ‫ت الذ ّ ّ‬ ‫س‪ ...‬عََرفْ َ‬ ‫َ‬ ‫َولو أْقو ْ‬
‫َ‬ ‫ت عَليك دياُر عَب ْ ٍ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ج َ‬ ‫صُرَنا فَن ُ ّ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫م قَد ْ ك ُذُِبوا َ‬ ‫ل وَظّنوا أن ّهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫س ُ‬ ‫س الّر ُ‬ ‫ست َ ْي ْئ َ َ‬ ‫حّتى إ َِذا ا ْ‬ ‫} َ‬
‫ن )‪{ (110‬‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫قوْم ِ ال ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫نَ َ‬
‫سَنا عَ ِ‬ ‫شاُء َول ي َُرد ّ ب َأ ُ‬
‫يخبر تعالى أن نصره ينزل على رسله ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليهم أجمعين ‪،‬‬
‫عند ضيق الحال وانتظار الفرج من الله تعالى في أحوج الوقات إلى ذلك ‪،‬‬
‫مَتى‬ ‫ه َ‬ ‫معَ ُ‬
‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ل َوال ّ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫قو َ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫كما في قوله تعالى ‪ } :‬وَُزل ْزُِلوا َ‬
‫َ‬
‫ب { ]البقرة ‪ ، [214 :‬وفي قوله ‪ } :‬ك ُذُِبوا {‬ ‫ري ٌ‬ ‫صَر الل ّهِ قَ ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫صُر الل ّهِ أل إ ِ ّ‬ ‫نَ ْ‬
‫قراءتان ‪ ،‬إحداهما بالتشديد ‪" :‬قد كذ ُّبوا" ‪ ،‬وكذلك كانت عائشة ‪ ،‬رضي الله‬ ‫ُ‬
‫عنها ‪ ،‬تقرؤها ‪ ،‬قال البخاري ‪:‬‬
‫حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن سعد ‪ ،‬بن صالح ‪ ،‬عن ابن‬
‫شهاب قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(2/43‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬استعملوا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يتقون" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬وتمدح"‪.‬‬
‫)‪ (7‬البيتان في تفسير الطبري )‪.(16/295‬‬

‫) ‪(4/424‬‬

‫أخبرني عروة بن الزبير ‪ ،‬عن عائشة قالت له وهو يسألها عن قول الله ‪:‬‬
‫ذبوا ؟ فقالت عائشة ‪:‬‬ ‫ذبوا أم ك ُ ّ‬ ‫ل { قال ‪ :‬قلت ‪ :‬أك ُ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫س الّر ُ‬ ‫ست َي ْئ َ َ‬ ‫حّتى إ َِذا ا ْ‬ ‫} َ‬
‫ذبوهم فما هو بالظن ؟ قالت ‪:‬‬ ‫ذبوا‪ .‬فقلت ‪ :‬فقد استيقنوا أن قومهم قد ك َ ّ‬ ‫كُ ّ‬
‫أجل ‪ ،‬لعمري لقد استيقنوا بذلك‪ .‬فقلت لها ‪ :‬وظنوا أنهم قد كذبوا ؟ قالت )‬
‫‪ (1‬معاذ الله ‪ ،‬لم تكن )‪ (2‬الرسل تظن ذلك بربها‪ .‬قلت ‪ :‬فما هذه الية ؟‬
‫قالت ‪ :‬هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم ‪ ،‬فطال عليهم البلء ‪،‬‬
‫من كذبهم من قومهم‬ ‫ل{م ّ‬ ‫س ُ‬‫س الّر ُ‬ ‫ست َي ْئ َ َ‬
‫حّتى إ َِذا ا ْ‬ ‫واستأخر عنهم النصر ‪َ } ،‬‬
‫ذبوهم ‪ ،‬جاءهم نصر الله عند ذلك‪.‬‬ ‫‪ ،‬وظنت الرسل أن أتباعهم قد ك ّ‬
‫حدثنا أبو اليمان ‪ ،‬أنبأنا شعيب ‪ ،‬عن الزهري قال ‪ :‬أخبرنا عُْرَوة ‪ ،‬فقلت ‪:‬‬
‫ذبوا مخففة ؟ قالت ‪ :‬معاذ الله‪ .‬انتهى ما ذكره‪(3) .‬‬ ‫لعلها قد ك ُ ِ‬
‫َ‬
‫مل َْيكة ‪ :‬أن ابن عباس قرأها ‪ } :‬وَظ َّنوا أن ّهُ ْ‬
‫م‬ ‫جَرْيج أخبرني ابن أبى ُ‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫مل َْيكة ‪ :‬ثم قال لي ابن عباس ‪:‬‬ ‫قَد ْ ك ُذُِبوا { خفيفة ‪ -‬قال عبد الله هو ابن ُ‬
‫مَتى‬ ‫ه َ‬ ‫معَ ُ‬‫مُنوا َ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ل َوال ّ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫قو َ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫كانوا بشًرا )‪ (4‬وتل ابن عباس ‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫ب { ]البقرة ‪ ، [214 :‬قال ابن جريج ‪ :‬وقال لي‬ ‫صَر الل ّهِ قَ ِ‬
‫ري ٌ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫صُر الل ّهِ أل إ ِ ّ‬ ‫نَ ْ‬
‫ابن أبي مليكة ‪ :‬وأخبرني عروة عن عائشة ‪ :‬أنها خالفت ذلك وأبته ‪ ،‬وقالت ‪:‬‬
‫دا صلى الله عليه وسلم من شيء إل قد علم أنه سيكون‬ ‫ما وعد الله محم ً‬
‫ن من معهم من‬ ‫حتى مات ‪ ،‬ولكنه لم يزل البلء بالرسل حتى ظنوا أ ّ‬
‫ذبوهم‪ .‬قال ابن أبي مليكة في حديث عروة ‪ :‬كانت عائشة‬ ‫المؤمنين قد ك ّ‬
‫ذبوا" مثقلة ‪ ،‬للتكذيب‪.‬‬ ‫ُ‬
‫تقرؤها "وظنوا أنهم قد ك ّ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬أنا يونس بن عبد العلى قراءة ‪ ،‬أنا ابن وهب ‪ ،‬أخبرني‬
‫سليمان بن بلل ‪ ،‬عن يحيى بن سعيد قال ‪ :‬جاء إنسان إلى القاسم بن‬
‫حّتى إ َِذا‬ ‫محمد فقال ‪ :‬إن محمد بن كعب القرظي يقول )‪ (5‬هذه الية ‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫م قَد ْ ك ُذُِبوا { فقال القاسم ‪ :‬أخبره عني أني‬ ‫ل وَظ َّنوا أن ّهُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫س الّر ُ‬ ‫ست َي ْئ َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫س‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سَتيأ َ‬ ‫حّتى إ ِذا ا ْ‬ ‫سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول ‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫م قَد ْ ك ُذُِبوا { تقول ‪ :‬كذبتهم أتباعهم‪ .‬إسناد صحيح أيضا‪.‬‬ ‫ل وَظ َّنوا أن ّهُ ْ‬ ‫س ُ‬
‫الّر ُ‬
‫والقراءة الثانية بالتخفيف ‪ ،‬واختلفوا في تفسيرها ‪ ،‬فقال ابن عباس ما‬
‫تقدم ‪ ،‬وعن ابن مسعود ‪ ،‬فيما رواه سفيان الثوري ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي‬
‫س ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫س الّر ُ‬‫ست َي ْأ َ‬‫حّتى إ َِذا ا ْ‬ ‫ضحى ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن عبد الله أنه قرأ ‪َ } :‬‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫م قَد ْ ك ُذُِبوا { مخففة ‪ ،‬قال عبد الله ‪ :‬هو الذي تكره‪(6) .‬‬ ‫وَظ َّنوا أن ّهُ ْ‬
‫وهذا عن ابن مسعود وابن عباس ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ ،‬مخالف لما رواه‬
‫آخرون عنهما‪ .‬أما ابن عباس فروى العمش ‪ ،‬عن مسلم ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م قَد ْ ك ُذُِبوا { قال ‪ :‬لما‬ ‫ل وَظ َّنوا أن ّهُ ْ‬ ‫س ُ‬‫س الّر ُ‬ ‫ست َي ْأ َ‬ ‫حّتى إ َِذا ا ْ‬ ‫في قوله ‪َ } :‬‬
‫أيست الرسل أن يستجيب لهم قومهم ‪ ،‬وظن قومهم أن الرسل قد‬
‫ذبوهم ‪،‬‬ ‫كَ ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقالت"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬يكن"‪.‬‬
‫صحيح البخاري برقم )‪.(4696 ، 4695‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫في أ ‪" :‬بشروا"‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يقرأ"‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫في أ ‪" :‬يكره"‪.‬‬ ‫)‪(6‬‬

‫) ‪(4/425‬‬

‫َ‬ ‫ُ‬
‫ق‬
‫دي َ‬
‫ص ِ‬ ‫فت ََرى وَل َك ِ ْ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫ديًثا ي ُ ْ‬‫ح ِ‬
‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫ب َ‬ ‫عب َْرة ٌ ِلوِلي اْلل َْبا ِ‬
‫م ِ‬‫صهِ ْ‬
‫ص ِ‬ ‫ن ِفي قَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫قد ْ َ‬‫لَ َ‬
‫ن )‪(111‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫قوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬
‫ة لِ َ‬
‫م ً‬‫ح َ‬
‫دى وََر ْ‬ ‫يٍء وَهُ ً‬
‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ل كُ ّ‬‫صي َ‬‫ف ِ‬‫ن ي َد َي ْهِ وَت َ ْ‬
‫ذي ب َي ْ َ‬ ‫ال ّ ِ‬

‫شاُء { )‪(1‬‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ج َ‬‫جاءهم النصر على ذلك ‪ } ،‬فَن ُ ّ‬


‫وكذا روي عن سعيد بن جبير ‪ ،‬وعمران بن الحارث السلمي ‪ ،‬وعبد الرحمن‬
‫بن معاوية وعلي بن أبي طلحة ‪ ،‬والعوفي عن ابن عباس بمثله‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني المثنى ‪ ،‬حدثنا عارم )‪ (2‬أبو النعمان ‪ ،‬حدثنا حماد بن‬
‫حرة )‪ (4‬الجزرِيّ قال ‪ :‬سأل‬ ‫زيد ‪ ،‬حدثنا شعيب )‪ (3‬حدثنا إبراهيم بن أبي ُ‬
‫فتى من قريش سعيد بن جبير فقال له ‪ :‬يا أبا عبد الله ‪ ،‬كيف هذا الحرف ‪،‬‬
‫َ‬
‫س‬
‫سَتيأ َ‬ ‫حّتى إ َِذا ا ْ‬ ‫فإني إذا أتيت عليه تمنيت أني ل أقرأ هذه السورة ‪َ } :‬‬
‫َ‬
‫م قَد ْ ك ُذُِبوا { ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬حتى إذا استيأس الرسل من‬ ‫ل وَظ َّنوا أن ّهُ ْ‬ ‫س ُ‬‫الّر ُ‬
‫ذبوا‪ .‬فقال الضحاك‬ ‫َ‬
‫ل إليهم أن الرسل ك َ‬ ‫س ُ‬‫دقوهم ‪ ،‬وظن المر َ‬ ‫قومهم أن يص ّ‬
‫بن مزاحم ‪ :‬ما رأيت كاليوم قط رجل يدعى إلى علم فيتلكأ! لو رحلت في‬
‫هذه إلى اليمن كان قليل‪.‬‬
‫سار سأل سعيد بن‬ ‫ثم روى ابن جرير أيضا من وجه آخر ‪ :‬أن مسلم بن ي َ َ‬
‫جبير عن ذلك ‪ ،‬فأجابه بهذا الجواب ‪ ،‬فقام إلى سعيد فاعتنقه ‪ ،‬وقال ‪ :‬فّرج‬
‫الله عنك كما َفرجت عني‪.‬‬
‫وهكذا روي من غير وجه عن سعيد بن جبير أنه فسرها كذلك ‪ ،‬وكذا فسرها‬
‫جْبر ‪ ،‬وغير واحد من السلف ‪ ،‬حتى إن مجاهدا قرأها ‪" :‬وظنوا‬ ‫مجاهد بن َ‬
‫ذبوا" ‪ ،‬بفتح الذال‪ .‬رواه ابن جرير ‪ ،‬إل أن بعض من فسرها كذلك‬ ‫أنهم قد ك َ َ‬
‫َ‬
‫م قَد ْ ك ُذُِبوا { إلى أتباع الرسل من‬ ‫يعيد الضمير في قوله ‪ } :‬وَظ َّنوا أن ّهُ ْ‬
‫المؤمنين ‪ ،‬ومنهم من يعيده إلى الكافرين منهم ‪ ،‬أي ‪ :‬وظن الكفار أن‬
‫كذبوا ‪ -‬مخففة ‪ -‬فيما وعدوا به من النصر‪.‬‬ ‫الرسل قد َ‬
‫وأما ابن مسعود فقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا القاسم ‪ ،‬حدثنا الحسين ‪ ،‬حدثنا‬
‫حذ َْلم قال‬ ‫جحش )‪ (6‬بن زياد الضبي ‪ ،‬عن تميم بن َ‬ ‫محمد بن فضيل )‪ (5‬عن َ‬
‫َ‬
‫س‬
‫ست َي ْأ َ‬ ‫حّتى إ َِذا ا ْ‬ ‫‪ :‬سمعت عبد الله بن مسعود يقول في هذه الية ‪َ } :‬‬
‫ل { من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم )‪ (7‬وظن قومهم حين أبطأ المر‬ ‫س ُ‬‫الّر ُ‬
‫ذبوا ‪ ،‬بالتخفيف‪(8) .‬‬ ‫َ‬
‫أنهم قد ك َ‬
‫فهاتان الروايتان عن كل من ابن مسعود وابن عباس ‪ ،‬وقد أنكرت ذلك‬
‫عائشة على من فسرها بذلك ‪ ،‬وانتصر لها ابن جرير ‪ ،‬ووجه المشهور عن‬
‫الجمهور ‪ ،‬وزيف القول الخر بالكلية ‪ ،‬ورد ّهُ وأَباه ‪ ،‬ولم يقبله ول ارتضاه ‪،‬‬
‫والله أعلم‪(9) .‬‬
‫فت ََرى وَل َك ِ ْ‬
‫ن‬ ‫ديًثا ي ُ ْ‬ ‫ح ِ‬‫ن َ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫ب َ‬ ‫عب َْرةٌ لوِلي الل َْبا ِ‬ ‫م ِ‬ ‫صهِ ْ‬
‫ص ِ‬ ‫ن ِفي قَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫} لَ َ‬
‫ن)‬ ‫مُنو َ‬ ‫قوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬ ‫ة لِ َ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬‫دى وََر ْ‬‫يٍء وَهُ ً‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ل كُ ّ‬‫صي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ وَت َ ْ‬
‫ذي ب َي ْ َ‬ ‫ديقَ ال ّ ِ‬ ‫ص ِ‬
‫تَ ْ‬
‫‪{ (111‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬فننجي"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬غارم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬شعبة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أبي حمزة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬فضل"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬محسن"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لهم"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مخففة"‪.‬‬
‫)‪ (9‬انظر ما قالته عائشة في ‪ :‬تفسير الطبري )‪ (308 ، 16/307‬ورد‬
‫الطبري لقول ابن عباس )‪.(16/306‬‬

‫) ‪(4/426‬‬

‫يقول تعالى ‪ :‬لقد كان في خبر المرسلين مع قومهم ‪ ،‬وكيف أنجينا )‪(1‬‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ما كا َ‬‫ب { وهي العقول ‪َ } ،‬‬ ‫عب َْرةٌ لوِلي الل َْبا ِ‬ ‫المؤمنين وأهلكنا الكافرين } ِ‬
‫فت ََرى { أي ‪ :‬وما كان لهذا القرآن أن يفترى من دون الله ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫ديًثا ي ُ ْ‬
‫ح ِ‬
‫َ‬
‫ن ي َد َي ْهِ { أي ‪ :‬من الكتب المنزلة من‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ق‬
‫َ ِ ْ َ ْ ِ َ ِ َْ َ‬ ‫دي‬ ‫ص‬‫ت‬ ‫ن‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫}‬ ‫‪،‬‬ ‫يختلق‬
‫ُ‬ ‫و‬ ‫يكذب‬
‫السماء ‪ ،‬وهو يصدق ما فيها من الصحيح ‪ ،‬وينفي ما وقع فيها من تحريف‬
‫يٍء { من‬ ‫ش ْ‬ ‫ل كُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫صي َ‬
‫ف ِ‬
‫وتبديل وتغيير ‪ ،‬ويحكم عليها بالنسخ أو التقرير ‪ } ،‬وَت َ ْ‬
‫تحليل وتحريم ‪ ،‬ومحبوب ومكروه ‪ ،‬وغير ذلك من المر بالطاعات والواجبات‬
‫والمستحبات ‪ ،‬والنهي عن المحرمات وما شاكلها من المكروهات ‪ ،‬والخبار‬
‫عن المور على الجلية ‪ ،‬وعن الغيوب المستقبلة المجملة والتفصيلية ‪،‬‬
‫والخبار عن الرب تبارك وتعالى بالسماء والصفات ‪ ،‬وتنزيهه عن مماثلة‬
‫ن { تهتدي به قلوبهم‬ ‫مُنو َ‬‫قوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬
‫ة لِ َ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬‫دى وََر ْ‬ ‫المخلوقات ‪ ،‬فلهذا كان ‪ } :‬هُ ً‬
‫من الغي إلى الرشاد ‪ ،‬ومن الضللة إلى السداد ‪ ،‬ويبتغون به الرحمة من رب‬
‫العباد ‪ ،‬في هذه الحياة الدنيا ويوم المعاد‪ .‬فنسأل الله العظيم أن يجعلنا منهم‬
‫ضة وجوههم الناضرة ‪ ،‬ويرجع )‪(2‬‬ ‫مب ْي َ ّ‬
‫في الدنيا والخرة ‪ ،‬يوم يفوز بالربح ال ُ‬
‫ههم بالصفقة الخاسرة‪.‬‬ ‫المسوّدة وجو ُ‬
‫آخر تفسير سورة يوسف ‪ ،‬ولله الحمد والمنة وبه المستعان وعليه التكلن ‪،‬‬
‫وهو حسبنا ونعم الوكيل‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬نجينا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وترجع"‪.‬‬

‫) ‪(4/427‬‬

‫س َل‬ ‫ك ال ْحق ول َك َ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬‫ذي أ ُن ْزِ َ‬ ‫المر ت ِل ْ َ َ‬


‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫َ ّ َ ِ ّ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ب َوال ّ ِ‬ ‫ت ال ْك َِتا ِ‬ ‫ك آَيا ُ‬
‫وى عََلى‬ ‫ست َ َ‬
‫ما ْ‬ ‫مد ٍ ت ََروْن ََها ث ُ ّ‬‫ت ب ِغَي ْرِ عَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ذي َرفَعَ ال ّ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫ن )‪ (1‬الل ّ ُ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬
‫ص ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مَر ك ّ‬ ‫ْ‬ ‫خَر ال ّ‬ ‫ْ‬
‫ف ّ‬
‫مَر ي ُ َ‬
‫مى ي ُد َب ُّر ال ْ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ري ِل َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫ق َ‬
‫س َوال َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ش وَ َ‬ ‫العَْر ِ‬
‫ن )‪(2‬‬ ‫م ُتوقُِنو َ‬ ‫قاِء َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ب ِل ِ َ‬‫ت ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫اْل ََيا ِ‬

‫تفسير سورة الرعد‬


‫]وهي مكية[ )‪(1‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫سل‬ ‫ن أكثَر الّنا ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫حقّ وَلك ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّك ال َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ذي أنزل إ ِلي ْك ِ‬‫َ‬ ‫ب َوال ِ‬ ‫ت ال ْك َِتا ِ‬ ‫ك آَيا ُ‬ ‫} المر ت ِل ْ َ‬
‫ن )‪(2) { (1‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫أما الكلم على الحروف المقطعة في أوائل السور ‪ ،‬فقد تقدم )‪ (3‬في أول‬
‫دمنا أن كل سورة َتبتدأ بهذه الحروف ففيها النتصار‬ ‫سورة البقرة ‪ ،‬وقَ ّ‬
‫للقرآن ‪ ،‬وتبيان أن نزوله )‪ (4‬من عند الله حق ل شك فيه ول مرية ول ريب ؛‬
‫ب { أي ‪ :‬هذه آيات الكتاب ‪ ،‬وهو القرآن ‪،‬‬ ‫ت ال ْك َِتا ِ‬ ‫ك آَيا ُ‬ ‫ولهذا قال ‪ } :‬ت ِل ْ َ‬
‫وقيل ‪ :‬التوارة والنجيل‪ .‬قاله مجاهد وقتادة ‪ ،‬وفيه نظر )‪ (5‬بل هو بعيد‪.‬‬
‫ك { أي ‪ :‬يا محمد‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ذي ُأنز َ‬ ‫ثم عطف على ذلك عطف صفات قوله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ذي ُأنز َ‬ ‫حقّ { خبر تقدم مبتدؤه ‪ ،‬وهو قوله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫‪ِ }،‬‬
‫ك { هذا هو الصحيح المطابق لتفسير مجاهد وقتادة‪ .‬واختار ابن جرير أن‬ ‫َرب ّ َ‬
‫تكون الواو زائدة أو عاطفة صفة )‪ (6‬على صفة كما قدمنا ‪ ،‬واستشهد بقول‬
‫الشاعر ‪:‬‬
‫م )‪(7‬‬ ‫ح ْ‬ ‫مْزد َ َ‬ ‫مام‪ ...‬وَليث الكتيبة في ال ُ‬ ‫َ‬ ‫قْرم ِ وابن الهُ َ‬ ‫ملك ال َ‬ ‫إلى ال َ‬
‫وَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س وَل ْ‬ ‫ما أكثُر الّنا ِ‬ ‫ن { كقوله ‪ } :‬وَ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫س ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ن أكثَر الّنا ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَلك ِ ّ‬
‫ن { ]يوسف ‪ [103 :‬أي ‪ :‬مع هذا البيان والجلء والوضوح ‪ ،‬ل‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت بِ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫حَر ْ‬ ‫َ‬
‫يؤمن أكثرهم لما فيهم من الشقاق والعناد والنفاق‪.‬‬
‫خَر‬ ‫س ّ‬ ‫ش وَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫مد ٍ ت ََروْن ََها ث ُ ّ‬ ‫ذي َرفَعَ ال ّ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫} الل ّ ُ‬
‫وى عَلى العَْر ِ‬ ‫ست َ َ‬
‫ما ْ‬ ‫ت ب ِغَي ْرِ عَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬
‫قاِء‬‫م ب ِل ِ َ‬ ‫ت ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ل الَيا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫مَر ي ُ َ‬ ‫مى ي ُد َب ُّر ال ْ‬ ‫س ّ‬‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ج ٍ‬‫ري ل َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫مَر ك ُ ّ‬ ‫ق َ‬ ‫س َوال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ن )‪{ (2‬‬ ‫م ُتوقُِنو َ‬ ‫َرب ّك ُ ْ‬
‫يخبر الله تعالى عن كمال قدرته وعظيم سلطانه ‪ :‬أنه الذي بإذنه وأمره َرَفع‬
‫دا ل‬ ‫مد ‪ ،‬بل بإذنه وأمره )‪ (8‬وتسخيره رفعها عن الرض ُبع ً‬ ‫السماوات بغير ع َ‬
‫تنال ول يدرك مداها ‪ ،‬فالسماء الدنيا محيطة‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬تقدم الكلم عليها"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أنه نزل"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وفيه تطويل"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لصفة"‪.‬‬
‫)‪ (7‬البيت في تفسير الطبري )‪.(16/321‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بل بأمره وبإذنه"‪.‬‬

‫) ‪(4/428‬‬

‫بجميع الرض وما حولها من الماء والهواء من جميع نواحيها وجهاتها )‪(1‬‬
‫وأرجائها ‪ ،‬مرتفعة عليها من كل جانب على السواء ‪ ،‬وبعد ما بينها وبين‬
‫الرض من كل ناحية مسيرة خمسمائة عام ‪ ،‬وسمكها في نفسها مسيرة‬
‫خمسمائة عام‪ .‬ثم السماء الثانية محيطة بالسماء الدنيا وما حوت ‪ ،‬وبينها‬
‫وبينها من البعد مسيرة خمسمائة عام ‪ ،‬وسمكها خمسمائة عام ‪ ،‬ثم السماء‬
‫الثالثة محيطة )‪ (2‬بالثانية ‪ ،‬بما فيها ‪ ،‬وبينها )‪ (3‬وبينها خمسمائة عام ‪،‬‬
‫وسمكها خمسمائة عام ‪ ،‬وكذا الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة ‪ ،‬كما‬
‫مث ْل َهُ ّ‬
‫ن‬ ‫ض ِ‬
‫ن الْر ِ‬
‫م َ‬
‫ت وَ ِ‬
‫ماَوا ٍ‬
‫س َ‬ ‫خل َقَ َ‬
‫سب ْعَ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قال ]الله[ )‪ (4‬تعالى ‪ } :‬الل ّ ُ‬
‫حا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ط ب ِك ُ ّ‬ ‫ه قَد ْ أ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫يٍء قَ ِ‬
‫ديٌر وَأ ّ‬ ‫ل َ‬
‫ش ْ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫ن ل ِت َعْل َ ُ‬ ‫مُر ب َي ْن َهُ ّ‬ ‫ل ال ْ‬ ‫ي ََتنز ُ‬
‫ن‬
‫ت السبع وما فيه ّ‬ ‫ما { ]الطلق ‪ [12 :‬وفي الحديث ‪" :‬ما السماوا ُ‬ ‫عل ً‬‫ْ‬ ‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫وما بينهن في الكرسي إل كحلقة ملقاة بأرض فلة ‪ ،‬والكرسي في العرش‬
‫كتلك )‪ (5‬الحلقة في تلك الفلة )‪ (6‬وفي رواية ‪" :‬والعرش ل يقدر قدره إل‬
‫الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬وجاء عن بعض السلف أن بعد ما بين العرش إلى الرض‬
‫مسيرة خمسين ألف سنة ‪ ،‬وبعد ما بين قطريه مسيرة خمسين ألف سنة ‪،‬‬
‫وهو من ياقوتة حمراء‪.‬‬
‫مد ٍ ت ََروْن ََها { روي عن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والحسن ‪،‬‬ ‫وقوله ‪ } :‬ب ِغَي ْرِ عَ َ‬
‫مد ولكن ل ترى‪.‬‬ ‫وقتادة ‪ :‬أنهم ‪ :‬قالوا ‪ :‬لها عَ َ‬
‫وقال إياس بن معاوية ‪ :‬السماء على الرض مثل القبة ‪ ،‬يعني بل عمد‪ .‬وكذا‬
‫روي عن قتادة ‪ ،‬وهذا هو اللئق بالسياق‪ .‬والظاهر من قوله تعالى ‪:‬‬
‫ض ِإل ب ِإ ِذ ْن ِهِ { ]الحج ‪ [65 :‬فعلى هذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫س ُ‬
‫قعَ عَلى الْر ِ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ماَء أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫م ِ‬‫} وَي ُ ْ‬
‫يكون قوله ‪ } :‬ترونها { تأكيدا لنفي ذلك ‪ ،‬أي ‪ :‬هي مرفوعة بغير عمد كما‬
‫ترونها‪ .‬هذا هو الكمل في القدرة‪ .‬وفي شعر أمية بن أبي الصلت الذي آمن‬
‫شعره وكفر قلبه ‪ ،‬كما ورد في الحديث )‪ (7‬ويروى لزيد بن عمرو بن نفيل ‪،‬‬
‫رحمه الله ورضي عنه ‪:‬‬
‫مَناديا‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫سول‬ ‫َ ُ‬‫ر‬ ‫سى‬ ‫ُ َ‬ ‫مو‬ ‫إلى‬ ‫ت‬‫ََ َ‬‫عث‬‫ب‬ ‫مة‪...‬‬ ‫م ّ ََ ْ َ‬
‫ح‬ ‫ر‬‫و‬ ‫ن‬ ‫ضل َ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت الذي ِ‬ ‫وأن َ‬
‫طاغيا‪...‬‬ ‫ن َ‬ ‫ن الذي كا َ‬ ‫عو َ‬ ‫وا‪ ...‬إلى الله فْر َ‬ ‫ن فادعُ َ‬ ‫ب وهارو َ‬ ‫فقلت له ‪ :‬فاذهَ ْ‬
‫ما هيا‬ ‫حّتى اطمأنت )‪ (8‬ك َ َ‬ ‫هذه‪ ...‬بل ]وَتد َ‬ ‫ويت َ‬ ‫س ّ‬ ‫ت َ‬ ‫ل أن َ‬ ‫وَُقول له ‪ :‬هَ ْ‬
‫مد أْرفِقْ إَذا َِبك بانَيا ؟‪...‬‬ ‫هذه‪ ...‬بل[ )‪ (9‬عَ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ت َرّفع َ‬ ‫وُقول له ‪ :‬أأن َ‬
‫جّنك اللّيل هاديا‬ ‫منيًرا إذا ما َ‬ ‫سطَها‪ُ ...‬‬‫َ‬ ‫ويت وَ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ت َ‬ ‫هل أن َ‬ ‫وَُقول َله ‪َ :‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬جهاتها ونواحيها"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬تحيط"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬بينهما"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬كمثل"‪.‬‬
‫)‪ (6‬سبق الكلم على هذا الحديث والذي بعده مفصل عند تفسير الية ‪255 :‬‬
‫من سورة البقرة‪.‬‬
‫)‪ (7‬رواه ابن عبد البر في التمهيد )‪ (4/7‬من طريق أبي بكر الهذلي عن‬
‫عكرمة قال ‪ :‬قلت لبن عباس ‪ :‬أرأيت ما جاء عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم في أمية بن أبي الصلت ‪" :‬آمن شعره وكفر قلبه ؟" قال ‪ :‬هو حق فما‬
‫أنكرتم من ذلك ؟‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت أ ‪" :‬استقلت" ‪ ،‬والمثبت من سيرة ابن هشام‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬وسيرة ابن هشام‪.‬‬

‫) ‪(4/429‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ِفيَها‬ ‫جعَ َ‬ ‫ت َ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ل الث ّ َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ي وَأن َْهاًرا وَ ِ‬ ‫س َ‬‫ل ِفيَها َرَوا ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫مد ّ اْلْر َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫ن )‪ (3‬وَِفي‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َت َ َ‬‫ت لِ َ‬ ‫ك َل ََيا ٍ‬
‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ل الن َّهاَر إ ِ ّ‬‫شي الل ّي ْ َ‬ ‫ن ي ُغْ ِ‬ ‫ن اث ْن َي ْ ِ‬‫جي ْ ِ‬ ‫َزوْ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫خي ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اْل َْر‬
‫وا ٍ‬ ‫صن ْ َ‬‫ن وَغي ُْر ِ‬ ‫وا ٌ‬ ‫صن ْ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ب وََزْرع ٌ وَن َ ِ‬ ‫ن أعَْنا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫جّنا ٌ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫جاوَِرا ٌ‬ ‫مت َ َ‬
‫ض قِطعٌ ُ‬ ‫ِ‬
‫ك َل ََيا ٍ‬ ‫ُ‬
‫قوْم ٍ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ل إِ ّ‬‫ض ِفي اْلك ُ ِ‬ ‫َ‬
‫ضَها عَلى ب َعْ ٍ‬ ‫ل ب َعْ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫حد ٍ وَن ُ َ‬ ‫ماٍء َوا ِ‬ ‫قى ب ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫يُ ْ‬
‫ن )‪(4‬‬ ‫قلو َ‬ ‫ُ‬ ‫ي َعْ ِ‬
‫ضاحيا?‪...‬‬ ‫ض َ‬ ‫ن الر ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫س ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ح ما َ‬ ‫ة‪ ...‬فُيصب َ‬ ‫غدو ً‬ ‫شمس ُ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ن ي ُْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وُقول له ‪َ :‬‬
‫مْنه الُعشب ي َهَّْتز َرابيا?‪...‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ب في الث َّرى‪ ...‬فُيصب َ‬ ‫ح ّ‬ ‫من ي ُن ِْبت ال َ‬ ‫وَُقول له ‪َ :‬‬
‫ن َواعَيا )‪(1‬‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ت ِلم ْ‬ ‫ك آيا ٌ‬ ‫في َذا َ‬ ‫حّبه في رءوسه‪ ...‬فَ ِ‬ ‫ج مْنه َ‬ ‫خر ُ‬ ‫وَي ُْ ِ‬
‫ش { تقدم تفسير ذلك في سورة "العراف"‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫وى عَلى العَْر ِ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬
‫مّرر )‪ (3‬كما جاء من غير تكييف ‪ ،‬ول تشبيه ‪ ،‬ول تعطيل ‪ ،‬ول‬ ‫)‪ (2‬وأنه ي ُ َ‬
‫تمثيل ‪ ،‬تعالى الله علوا كبيرا‪.‬‬
‫مى { قيل ‪ :‬المراد‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ري ل َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫مَر ك ُ ّ‬ ‫ق َ‬ ‫ْ‬
‫س َوال َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫خَر ال ّ‬ ‫س ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫أنهما يجريان إلى انقطاعهما بقيام الساعة ‪ ،‬كما في قوله تعالى ‪:‬‬
‫زيزِ ال ْعَِليم ِ { ]يس ‪.[38 :‬‬ ‫ديُر ال ْعَ ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫قّر ل ََها ذ َل ِ َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ل ِ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫س تَ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫} َوال ّ‬
‫وقيل ‪ :‬المراد إلى مستقرهما ‪ ،‬وهو تحت العرش مما يلي بطن الرض من‬
‫الجانب الخر ‪ ،‬فإنهما وسائر الكواكب إذا وصلوا هنالك ‪ ،‬يكونون أبعد ما‬
‫م عليه الدلة ‪ ،‬قبة مما‬ ‫يكون )‪ (4‬عن العرش ؛ لنه على الصحيح الذي تقو ُ‬
‫يلي العالم من هذا الوجه ‪ ،‬وليس بمحيط كسائر الفلك ؛ لنه )‪ (5‬له قوائم‬
‫ور هذا في الفلك المستدير ‪ ،‬وهذا واضح لمن ت َد َّبر‬ ‫وحملة يحملونه‪ .‬ول يتص ّ‬
‫ت به اليات والحاديث الصحيحة ‪ ،‬ولله الحمد والمنة‪.‬‬ ‫ما وََرد َ ْ‬
‫وذكر الشمس والقمر ؛ لنهما أظهر الكواكب السيارة السبعة ‪ ،‬التي هي‬
‫أشرف وأعظم‪.‬‬
‫من الثوابت ‪ ،‬فإذا كان قد سخر هذه ‪َ ،‬فلن يدخل في التسخير سائُر‬
‫دوا‬ ‫ج ُ‬ ‫س ُ‬ ‫الكواكب بطريق الولى والحرى ‪ ،‬كما نبه )‪ (6‬بقوله تعالى ‪ } :‬ل ت َ ْ‬
‫ن{‬ ‫دو َ‬ ‫م إ ِّياه ُ ت َعْب ُ ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫قهُ ّ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫دوا ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫س ُ‬ ‫مرِ َوا ْ‬ ‫ق َ‬ ‫س َول ل ِل ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ِلل ّ‬
‫م‬‫جو َ‬ ‫مَر َوالن ّ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫ْ‬
‫س َوال َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫]فصلت ‪ [37 :‬مع أنه قد صرح بذلك بقوله )‪َ } (7‬وال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]العراف ‪:‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال ِ‬
‫َ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫مُر ت ََباَر َ‬ ‫خل ْقُ َوال ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫مرِهِ أل ل َ ُ‬ ‫ت ب ِأ ْ‬ ‫خَرا ٍ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫‪.[54‬‬
‫ن { أي ‪ :‬يوضح )‪ (8‬اليات‬ ‫م ُتوقُِنو َ‬ ‫قاِء َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ب ِل ِ َ‬ ‫ت ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ل الَيا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي ُ َ‬
‫والدللت الدالة على أنه ل إله إل هو ‪ ،‬وأنه يعيد الخلق إذا شاء كما ابتدأ‬
‫خلقه‪.‬‬
‫جعَ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ت َ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ل الث ّ َ‬ ‫نك ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ي وَأن َْهاًرا وَ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ل ِفيَها َرَوا ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫مد ّ الْر َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} وَهُوَ ال ِ‬
‫ن )‪(3‬‬ ‫فكُرو َ‬ ‫ّ‬ ‫قوْم ٍ ي َت َ َ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي ذ َل ِك لَيا ٍ‬ ‫شي اللي ْل الن َّهاَر إ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن ي ُغْ ِ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫ن اثن َي ْ ِ‬ ‫جي ْ ِ‬ ‫ِفيَها َزوْ َ‬
‫َ‬
‫ن وَغي ُْر‬ ‫وا ٌ‬ ‫صن ْ َ‬ ‫خيل ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ب وََزْرع ٌ وَن َ ِ‬ ‫ن أعَْنا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫جّنا ٌ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫جاوَِرا ٌ‬ ‫مت َ َ‬‫ض قِطعٌ ُ‬ ‫َ‬
‫وَِفي الْر ِ‬
‫ك‬‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ِ ِ ّ‬ ‫إ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ض‬
‫َْ ٍ ِ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫لى‬ ‫ع‬ ‫ها‬ ‫ض‬
‫َ ِ ٍ َُ ّ َْ َ َ َ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ض‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫وا‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫ما‬‫ِ َ‬ ‫ب‬ ‫قى‬ ‫َ‬ ‫س‬‫ن يُ ْ‬ ‫وا ٍ‬ ‫صن ْ َ‬‫ِ‬
‫ن )‪{ (4‬‬ ‫َ‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ق‬
‫لَ ٍ ِ ْ ٍ َْ ِ‬
‫ع‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫يا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬البيات في السيرة النبوية لبن هشام )‪.(1/228‬‬
‫)‪ (2‬انظر ‪ :‬تفسير الية ‪.54 :‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬يمر"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ما يكون"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لن"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬بينه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬في قوله"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬نوضح"‪.‬‬

‫) ‪(4/430‬‬
‫لما ذكر تعالى العالم العلوي ‪ ،‬شرع في ذكر قدرته وحكمته وأحكامه للعالم‬
‫ض { أي ‪ :‬جعلها متسعة ممتدة في‬ ‫مد ّ الْر َ‬ ‫ذي َ‬ ‫السفلي ‪ ،‬فقال ‪ } :‬وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫الطول والعرض ‪ ،‬وأرساها بجبال راسيات شامخات ‪ ،‬وأجرى فيها النهار‬
‫والجداول والعيون لسقي ما جعل فيها من الثمرات المختلفة اللوان‬
‫والشكال والطعوم والروائح ‪ ،‬من كل زوجين اثنين ‪ ،‬أي ‪ :‬من كل شكل‬
‫صنفان‪.‬‬
‫ل الن َّهاَر { أي ‪ :‬جعل كل منهما )‪ (1‬يطلب الخر طلبا حثيثا ‪ ،‬فإذا‬ ‫ّ‬
‫شي اللي ْ َ‬ ‫} ي ُغْ ِ‬
‫غشيه هذا ‪ ،‬وإذا انقضى هذا جاء الخر ‪ ،‬فيتصرف أيضا في الزمان‬ ‫ذهب هذا َ‬
‫كما تصرف في المكان والسكان‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬في آلء الله وحكمته )‪ (2‬ودلئله‪.‬‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َت َ َ‬ ‫ت لِ َ‬
‫ك لَيا ٍ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬‫} إِ ّ‬
‫ض تجاور )‪ (3‬بعضها بعضا ‪،‬‬ ‫َ‬
‫ت { أي ‪ :‬أرا ٍ‬ ‫جاوَِرا ٌ‬ ‫مت َ َ‬‫ض قِطعٌ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَِفي الْر ِ‬
‫سَبخة مالحة ل تنبت شيئا‪.‬‬ ‫مع أن هذه طيبة تنبت ما ينتفع به الناس ‪ ،‬وهذه َ‬
‫جب َْير ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬‫هكذا روي عن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن ُ‬
‫وكذا يدخل في هذه الية اختلف ألوان بقاع الرض ‪ ،‬فهذه تربة حمراء ‪،‬‬
‫وهذه بيضاء ‪ ،‬وهذه صفراء ‪ ،‬وهذه سوداء ‪ ،‬وهذه محجرة )‪ (4‬وهذه سهلة ‪،‬‬
‫وهذه مرملة ‪ ،‬وهذه سميكة ‪ ،‬وهذه رقيقة ‪ ،‬والكل متجاورات‪ .‬فهذه بصفتها ‪،‬‬
‫وهذه بصفتها الخرى ‪ ،‬فهذا كله مما يدل على الفاعل المختار ‪ ،‬ل إله إل هو ‪،‬‬
‫ول رب سواه‪.‬‬
‫ل { )‪ (5‬يحتمل )‪ (6‬أن تكون عاطفة‬ ‫خي ٌ‬‫ب وََزْرع ٌ وَن َ ِ‬ ‫َ‬
‫ن أعَْنا ٍ‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬‫جّنا ٌ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ل { )‪ (7‬مرفوعين‪ .‬ويحتمل أن يكون‬ ‫خي ٌ‬ ‫على } جنات { فيكون } وََزْرعٌ وَن َ ِ‬
‫معطوفا على أعناب ‪ ،‬فيكون مجرورا ؛ ولهذا قرأ بكل منهما طائفة من‬
‫الئمة‪.‬‬
‫ن { الصنوان ‪ :‬هي الصول المجتمعة في منبت‬ ‫وا ٍ‬ ‫صن ْ َ‬ ‫ن وَغَي ُْر ِ‬ ‫وا ٌ‬
‫صن ْ َ‬‫وقوله ‪ِ } :‬‬
‫واحد ‪ ،‬كالرمان والتين وبعض النخيل ‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬وغير الصنوان ‪ :‬ما كان‬
‫على أصل واحد ‪ ،‬كسائر الشجار ‪ ،‬ومنه سمي عم الرجل صنو أبيه ‪ ،‬كما جاء‬
‫في الحديث الصحيح ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر ‪" :‬أما‬
‫شعرت )‪ (8‬أن عم الرجل صنو أبيه ؟" )‪.(9‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬وشعبة ‪ ،‬عن أبى إسحاق ‪ ،‬عن البراء ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه ‪ :‬الصنوان ‪ :‬هي النخلت في أصل واحد ‪ ،‬وغير الصنوان ‪ :‬المتفرقات‪.‬‬
‫وقاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن‬
‫أسلم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬منها"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وحكمه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬يجاورها"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬محجر"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬وزروع" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬تحتمل"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬وزروع" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬أما علمت"‪.‬‬
‫)‪ (9‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (983‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه‪.‬‬

‫) ‪(4/431‬‬
‫ن كَ َ‬
‫فُروا‬ ‫ذي َ‬ ‫ديد ٍ ُأول َئ ِ َ‬
‫ك ال ّ ِ‬ ‫ج ِ‬‫ق َ‬ ‫في َ ْ‬
‫خل ٍ‬
‫َ‬ ‫م أ َئ ِ َ‬
‫ذا ك ُّنا ت َُراًبا أئ ِّنا ل َ ِ‬ ‫ب قَوْل ُهُ ْ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ب فَعَ َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ن ت َعْ َ‬
‫وَإ ِ ْ‬
‫ن )‪(5‬‬ ‫دو‬ ‫ل‬ ‫خا‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫حا‬‫ص‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ئ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬
‫أو‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ق‬ ‫نا‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫في‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫غ‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب َِرب ّ ِ ْ َ ِ‬
‫ئ‬ ‫ل‬‫أو‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ّ ِ ُ ْ ِ َ َ ِ ُ َ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫َْ ِ ِ ْ َ ِ‬ ‫ِ‬

‫ل { قال‬ ‫ض ِفي الك ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫ض ُ‬


‫ضَها عَلى ب َعْ ٍ‬ ‫ل ب َعْ َ‬ ‫ف ّ‬ ‫حد ٍ وَن ُ َ‬ ‫ماٍء َوا ِ‬ ‫قى ب ِ َ‬ ‫س َ‬
‫وقوله ‪ } :‬ي ُ ْ‬
‫العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬عن النبي صلى‬
‫ل { قال ‪" :‬الد َّقل‬ ‫ض ِفي الك ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫ض ُ‬
‫ضَها عَلى ب َعْ ٍ‬ ‫ل ب َعْ َ‬ ‫ف ّ‬ ‫الله عليه وسلم ‪ } :‬وَن ُ َ‬
‫حْلو والحامض"‪ .‬رواه الترمذي وقال ‪ :‬حسن غريب )‪.(1‬‬ ‫والفارسي ‪ ،‬وال ُ‬
‫أي ‪ :‬هذا الختلف في أجناس الثمرات والزروع ‪ ،‬في أشكالها وألوانها ‪،‬‬
‫وطعومها وروائحها ‪ ،‬وأوراقها وأزهارها‪.‬‬
‫فهذا في غاية الحلوة وذا في غاية الحموضة ‪ ،‬وذا )‪ (2‬في غاية المرارة وذا‬
‫فص ‪ ،‬وهذا عذب وهذا )‪ (3‬جمع هذا وهذا ‪ ،‬ثم يستحيل إلى طعم آخر بإذن‬ ‫عَ ِ‬
‫الله تعالى‪ .‬وهذا أصفر وهذا أحمر ‪ ،‬وهذا أبيض وهذا أسود وهذا أزرق‪.‬‬
‫وكذلك الزهورات مع أن كلها يستمد )‪ (4‬من طبيعة واحدة ‪ ،‬وهو الماء ‪ ،‬مع‬
‫هذا الختلف الكبير الذي ل ينحصر ول ينضبط ‪ ،‬ففي ذلك آيات لمن كان‬
‫واعيا ‪ ،‬وهذا من أعظم الدللت على الفاعل المختار ‪ ،‬الذي بقدرته فاوت‬
‫ت‬ ‫ك لَيا ٍ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫بين الشياء وخلقها على ما يريد ؛ ولهذا قال تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ن{‬ ‫قُلو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْ ِ‬ ‫لِ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ديد ٍ أولئ ِك ال ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ق َ‬ ‫خل ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ذا كّنا ت َُراًبا أئ ِّنا ل ِ‬ ‫م أئ ِ َ‬ ‫ب قَوْلهُ ْ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ب فَعَ َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ن ت َعْ َ‬ ‫} وَإ ِ ْ‬
‫م ِفيَها‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م وَأولئ ِك الغل ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫كَ َ‬
‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫م وَأولئ ِك أ ْ‬ ‫ل ِفي أعَْناقِهِ ْ‬ ‫فُروا ب َِرب ّهِ ْ‬
‫ن )‪{ (5‬‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫َ‬
‫ب { من‬ ‫ج ْ‬ ‫ن ت َعْ َ‬ ‫يقول تعالى لرسوله محمد ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫تكذيب هؤلء المشركين بأمر المعاد مع ما يشاهدونه من آيات الله سبحانه‬
‫ودللته في خلقه على أنه القادر على ما يشاء ‪ ،‬ومع ما يعترفون )‪ (5‬به من‬
‫أنه ابتدأ خلق الشياء ‪ ،‬فكونها بعد أن لم تكن شيئا مذكورا ‪ ،‬ثم هم بعد هذا‬
‫يكذبون خبره في أنه سيعيد العالمين خلقا جديدا ‪ ،‬وقد اعترفوا وشاهدوا ما‬
‫في َ ْ‬ ‫َ‬ ‫هو أعجب مما كذبوا به ‪ ،‬فالعجب من قولهم ‪ } :‬أ َئ ِ َ‬
‫ق‬‫خل ٍ‬ ‫ذا ك ُّنا ت َُراًبا أئ ِّنا ل َ ِ‬
‫ديد ٍ { وقد علم كل عالم وعاقل أن خلق السموات والرض أكبر من خلق‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الناس ‪ ،‬وأن من بدأ الخلق فالعادة سهلة عليه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬أوَل ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫قادِرٍ عََلى أ ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫قهِ ّ‬ ‫خل ْ ِ‬‫ي بِ َ‬ ‫م ي َعْ َ‬ ‫ض وَل َ ْ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ي ََرْوا أ ّ‬
‫ديٌر {‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫موَْتى ب ََلى إ ِن ّ ُ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫حي ِ َ‬ ‫يُ ْ‬
‫ل ِفي‬ ‫غل ُ‬ ‫َ‬
‫م وَأولئ ِك ال ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫فُروا ب َِرب ّهِ ْ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ثم نعت المكذبين بهذا فقال ‪ } :‬أولئ ِك ال ِ‬
‫م ِفيَها‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫م { أي ‪ :‬يسحبون بها في النار ‪ } ،‬وَأولئ ِك أ ْ‬ ‫أعَْناقِهِ ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬ماكثون فيها أبدا ‪ ،‬ل يحولون عنها ول يزولون‪.‬‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن الترمذي برقم )‪ .(3118‬والدقل ‪ :‬الرديء واليابس من التمر‪.‬‬
‫والفارسي ‪ :‬نوع من التمر‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وهذا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وهذا قد جمع"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬تستمد"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يعرفون"‪.‬‬

‫) ‪(4/432‬‬
‫ك لَ ُ‬
‫ذو‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫مث َُل ُ‬
‫ت وَإ ِ ّ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ن قَب ْل ِهِ ُ‬‫م ْ‬‫ت ِ‬‫خل َ ْ‬‫سن َةِ وَقَد ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫ل ال ْ َ‬‫سي ّئ َةِ قَب ْ َ‬
‫ك ِبال ّ‬‫جُلون َ َ‬
‫ست َعْ ِ‬
‫وَي َ ْ‬
‫ب )‪(6‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ْ‬
‫ديد ُ العِ َ‬
‫ش ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّك ل َ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫س عَلى ظل ِ‬ ‫َ‬
‫فَرةٍ ِللّنا ِ‬ ‫مغْ ِ‬
‫َ‬
‫ن َرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫م ال ْ َ‬
‫مُثل ُ‬
‫ت وَإ ِ ّ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ُ‬‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫سن َةِ وَقَد ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫ل ال ْ َ‬‫سي ّئ َةِ قَب ْ َ‬ ‫جُلون َ َ‬
‫ك ِبال ّ‬ ‫ست َعْ ِ‬
‫} وَي َ ْ‬
‫ب )‪{ (6‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ْ‬
‫ديد ُ العِ َ‬
‫ش ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّك ل َ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬‫مهِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫س عَلى ظل ِ‬ ‫َ‬ ‫لَ ُ‬
‫فَرةٍ ِللّنا ِ‬ ‫مغْ ِ‬‫ذو َ‬

‫) ‪(4/432‬‬

‫ل‬‫سي ّئ َةِ قَب ْ َ‬ ‫يقول تعالى ‪ } :‬ويستعجلونك { )‪ (1‬أي ‪ :‬هؤلء المكذبون } ِبال ّ‬
‫َ‬
‫ذي‬ ‫سن َةِ { أي ‪ :‬بالعقوبة ‪ ،‬كما أخبر عنهم في قوله ‪ } :‬وََقاُلوا َيا أي َّها ال ِ‬
‫ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ْ‬
‫ن*‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن ك ُن ْ َ‬ ‫ملئ ِك َةِ إ ِ ْ‬ ‫ما ت َأِتيَنا ِبال ْ َ‬ ‫ن * ل َوْ َ‬ ‫جُنو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ الذ ّك ُْر إ ِن ّ َ‬ ‫نز َ‬
‫ن { ]الحجر ‪ [8 - 6 :‬وقال‬
‫ْ‬ ‫ري َ‬ ‫من ْظ َ ِ‬ ‫كاُنوا إ ًِذا ُ‬
‫َ‬
‫ما َ‬ ‫حق ّ و َ َ‬ ‫ة ِإل ِبال ْ َ‬ ‫ملئ ِك َ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ما ُننز ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬
‫ُ َ َ َُِّ ْ‬‫ن‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ب‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬
‫َ ُ ُ َ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫جا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫مى‬ ‫ُ َ ّ‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ل‬‫ٌ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫أ‬ ‫ول‬ ‫ِ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ب‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬
‫ََ ْ َْ ِ َ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ج‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬
‫ن{‬ ‫ِ ِ َ‬‫ري‬ ‫ف‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫ِ‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫حي‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫ِ َِ ّ َ َ ّ َ ُ‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ب‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫ست َ ْ ِ َ ِ َ‬
‫ع‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ج‬ ‫ع‬ ‫ن * يَ ْ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫ة وَهُ ْ‬ ‫ب َغْت َ ً‬
‫ب َواقٍِع { ]المعارج ‪[1 :‬‬ ‫ل ب ِعَ َ‬ ‫سائ ِ ٌ‬ ‫َ‬
‫سأ َ‬
‫ذا ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫]العنكبوت ‪ [54 ، 53 :‬وقال ‪َ } :‬‬
‫من َْها‬ ‫ن ِ‬ ‫قو َ‬ ‫شفِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مُنوا ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ب َِها َوال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ب َِها ال ّ ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫وقال ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫ل لَنا قِطَنا قَب ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ويعل َمو َ‬
‫ل ي َوْم ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫حقّ { ]الشورى ‪ }[18 :‬وََقالوا َرب َّنا عَ ّ‬ ‫ن أن َّها ال َ‬ ‫ََْ ُ َ‬
‫ب { ]ص ‪ [16 :‬أي ‪ :‬حسابنا وعقابنا ‪ ،‬كما قال مخبرا عنهم ‪ } :‬وَإ ِذ ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫َ‬
‫ماِء‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫جاَرة ً ِ‬ ‫ح َ‬ ‫مط ِْر عَل َي َْنا ِ‬ ‫ك فَأ ْ‬ ‫عن ْدِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حقّ ِ‬ ‫ذا هُوَ ال ْ َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫َقاُلوا الل ّهُ ّ‬
‫ب أِليم ٍ { ]النفال ‪ [32 :‬فكانوا )‪ (2‬يطلبون من الرسول أن‬ ‫َ‬ ‫أ َوِ ائ ْت َِنا ب ِعَ َ‬
‫ذا ٍ‬
‫يأتيهم بعذاب الله ‪ ،‬وذلك من شدة تكذيبهم وكفرهم وعنادهم‪.‬‬
‫ت { أي ‪ :‬قد أوقعنا نقمتنا‬ ‫مُثل ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫قال الله تعالى ‪ } :‬وَقَد ْ َ‬
‫بالمم الخالية وجعلناهم مثلة وعبرة وعظة لمن اتعظ بهم‪.‬‬
‫ثم أخبر تعالى أنه لول حلمه وعفوه ]وغفره[ )‪ (3‬لعالجهم بالعقوبة ‪ ،‬كما قال‬
‫ن َداب ّةٍ {‬ ‫م ْ‬ ‫ها ِ‬ ‫ك عََلى ظ َهْرِ َ‬ ‫ما ت ََر َ‬ ‫سُبوا َ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ه الّنا َ‬ ‫خذ ُ الل ّ ُ‬ ‫ؤا ِ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَل َوْ ي ُ َ‬
‫]فاطر ‪.(4) [45 :‬‬
‫س عََلى‬ ‫فَرةٍ ِللّنا ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫ذو َ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫وقال تعالى في هذه الية الكريمة ‪ } :‬وَإ ِ ّ‬
‫م { أي ‪ :‬إنه ذو عفو وصفح )‪ (5‬وستر للناس مع أنهم يظلمون‬ ‫مهِ ْ‬ ‫ظ ُل ْ ِ‬
‫ويخطئون بالليل والنهار‪ .‬ثم قرن هذا الحكم بأنه شديد العقاب ‪ ،‬ليعتدل‬
‫ة‬
‫سعَ ٍ‬ ‫مةٍ َوا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ُذو َر ْ‬ ‫ل َرب ّك ُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ك فَ ُ‬ ‫ن ك َذ ُّبو َ‬ ‫الرجاء والخوف ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬فَإ ِ ْ‬
‫ْ‬
‫ن َرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫ن { ]النعام ‪ [147 :‬وقال ‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قوْم ِ ال ْ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫َول ي َُرد ّ ب َأ ُ‬
‫عَباِدي‬ ‫ئ ِ‬ ‫م { ]العراف ‪ [167 :‬وقال ‪ } :‬ن َب ّ ْ‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه ل َغَ ُ‬ ‫ب وَإ ِن ّ ُ‬ ‫قا ِ‬ ‫ريعُ ال ْعِ َ‬ ‫س ِ‬ ‫لَ َ‬
‫م { ]الحجر ‪ [50 ، 49 :‬إلى‬ ‫ذاِبي هُوَ ال ْعَ َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫َ‬ ‫أ َّني أَنا ال ْغَ ُ‬
‫َ‬
‫ب الِلي ُ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م وَأ ّ‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬
‫أمثال ذلك من اليات التي تجمع الرجاء والخوف‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا حماد ‪،‬‬
‫ن‬
‫سّيب قال ‪ :‬لما نزلت هذه الية ‪ } :‬وَإ ِ ّ‬ ‫عن علي بن زيد ‪ ،‬عن سعيد بن الم َ‬
‫ب { قال رسول‬ ‫قا ِ‬ ‫ْ‬
‫ديد ُ العِ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّك ل َ‬ ‫َ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫س عََلى ظ ُل ْ ِ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫فَرةٍ ِللّنا ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫ذو َ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لول عفوُ الله وتجاُوزه ‪ ،‬ما هنأ أحدا العيش )‪(6‬‬
‫ولول وعيده )‪ (7‬وعقابه ‪ ،‬لتكل كل أحد" )‪.(8‬‬
‫وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة الحسن بن عثمان أبي حسان الزيادي ‪:‬‬
‫أنه رأى رب العزة في‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ويستعجلك" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وكانوا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬الناس بظلمهم" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬ذو صفح وغفر"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬العريش"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬وعده"‪.‬‬
‫)‪ (8‬ورواه الواحدي في الوسيط )‪ (3/6‬من طريق محمد بن أيوب ‪ ،‬عن‬
‫موسى بن إسماعيل ‪ ،‬به مرسل‪.‬‬

‫) ‪(4/433‬‬

‫َ‬ ‫فُروا ل َوَْل أ ُن ْزِ َ‬


‫ل عَل َي ْهِ آ َي َ ٌ‬
‫من ْذٌِر وَل ِك ُ ّ‬
‫ل قَوْم ٍ َ‬
‫هاد ٍ )‬ ‫ت ُ‬
‫ما أن ْ َ‬
‫ن َرب ّهِ إ ِن ّ َ‬
‫م ْ‬
‫ة ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قو ُ‬
‫وَي َ ُ‬
‫‪(7‬‬

‫النوم ‪ ،‬ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بين يديه يشفع في رجل من‬
‫ن َرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫أمته ‪ ،‬فقال له ‪ :‬ألم يكفك أني أنزلت عليك في سورة الرعد ‪ } :‬وَإ ِ ّ‬
‫م { ؟ قال ‪ :‬ثم انتبهت‪(1) .‬‬ ‫مهِ ْ‬ ‫س عََلى ظ ُل ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫فَرةٍ ِللّنا‬ ‫مغْ ِ‬ ‫ذو َ‬ ‫لَ ُ‬
‫َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ آي َ ٌ‬‫ول ُأنز َ‬
‫ل قَوْم ٍ‬ ‫من ْذٌِر وَل ِك ُ ّ‬‫ت ُ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫ن َرب ّهِ إ ِن ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫فُروا ل َ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫} وَي َ ُ‬
‫هاد ٍ )‪{ (7‬‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى إخباًرا عن المشركين أنهم يقولون كفرا وعنادا ‪ :‬لول يأتينا بآية‬
‫من ربه كما أرسل الولون ‪ ،‬كما تعتنوا عليه أن يجعل لهم الصفا ذهبا ‪ ،‬وأن‬
‫يزيل )‪ (2‬عنهم الجبال ‪ ،‬ويجعل مكانها مروجا وأنهارا ‪ ،‬قال الله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مود َ الّناقَ َ‬
‫ة‬ ‫ن َوآت َي َْنا ث َ ُ‬‫ب ب َِها الوُّلو َ‬ ‫ن ك َذ ّ َ‬ ‫ت ِإل أ ْ‬ ‫ل ِبالَيا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ن ُْر ِ‬ ‫من َعََنا أ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫} وَ َ‬
‫فا { ]السراء ‪.[59 :‬‬ ‫وي ً‬ ‫خ ِ‬ ‫ت ِإل ت َ ْ‬ ‫سل ِبالَيا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ما ن ُْر ِ‬ ‫موا ب َِها وَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صَرةً فظل ُ‬ ‫َ‬ ‫مب ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫من ْذٌِر { أي ‪ :‬إنما عليك أن تبلغ رسالة الله التي‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫قال الله تعالى ‪ } :‬إنما أ َ‬
‫ِّ َ ْ َ ُ‬
‫شاُء { ]البقرة ‪.[272 :‬‬ ‫ن يَ َ‬‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫دي‬ ‫ه‬
‫َ َْ ِ‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫دا ُ ْ َ ِ ّ‬
‫ك‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ك هُ َ‬ ‫س عَل َي ْ َ‬ ‫أمرك بها ‪ } ،‬ل َي ْ َ‬
‫هاد ٍ { قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫ل قَوْم ٍ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَل ِك ُ ّ‬
‫ولكل قوم داع‪.‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في تفسيرهما ‪ :‬يقول الله تعالى ‪ :‬أنت يا‬
‫محمد منذر ‪ ،‬وأنا هادي كل قوم ‪ ،‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪،‬‬
‫والضحاك‪.‬‬
‫خل‬‫مةٍ ِإل َ‬ ‫ُ‬ ‫ل قَوْم ٍ َ‬ ‫ُ‬
‫وعن مجاهد ‪ } :‬وَل ِك ّ‬
‫نأ ّ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬‫هاد ٍ { أي ‪ :‬نبي‪ .‬كما قال ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫ذيٌر { ]فاطر ‪ [24 :‬وبه قال قتادة ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد‪.‬‬ ‫ِفيَها ن َ ِ‬
‫هاد ٍ { أي ‪ :‬قائد‪.‬‬ ‫ل قَوْم ٍ َ‬ ‫ُ‬
‫وقال أبو صالح ‪ ،‬ويحيى بن رافع ‪ } :‬وَل ِك ّ‬
‫وقال أبو العالية ‪ :‬الهادي ‪ :‬القائد ‪ ،‬والقائد ‪ :‬المام ‪ ،‬والمام ‪ :‬العمل‪.‬‬
‫هاد ٍ { قال هو محمد ]رسول الله[‬ ‫ل قَوْم ٍ َ‬ ‫رمة ‪ ،‬وأبي الضحى ‪ } :‬وَل ِك ُ ّ‬ ‫عك ْ ِ‬ ‫وعن ِ‬
‫)‪ (3‬صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫هاد ٍ { من يدعوهم إلى الله ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬ ‫ل قَوْم ٍ َ‬ ‫وقال مالك ‪ } :‬وَل ِك ُ ّ‬
‫وقال أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثني أحمد بن يحيى الصوفي ‪ ،‬حدثنا الحسن بن‬
‫الحسين النصاري ‪ ،‬حدثنا معاذ بن مسلم بياع الهروي ‪ ،‬عن عطاء بن‬
‫السائب ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬لما‬
‫هادٍ { قال ‪ :‬وضع رسول الله صلى الله‬ ‫ل قَوْم ٍ َ‬ ‫من ْذٌِر وَل ِك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ت ُ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫نزلت ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫عليه وسلم يده على صدره ‪ ،‬وقال ‪" :‬أنا المنذر ‪ ،‬ولكل قوم هاد"‪ .‬وأومأ بيده‬
‫إلى منكب علي ‪ ،‬فقال ‪" :‬أنت الهادي يا علي ‪ ،‬بك يهتدي المهتدون من‬
‫بعدي"‪.‬‬
‫وهذا الحديث فيه نكارة شديدة )‪.(4‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تاريخ دمشق )‪" (4/471‬المخطوط"(‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يزيح"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬تفسير الطبري )‪ ، (16/357‬وقال الذهبي في ميزان العتدال )‪(1/484‬‬
‫بعد أن ساقه في ترجمة الحسن بن الحسين‪" .‬رواه ابن جرير في تفسيره ‪،‬‬
‫عن أحمد بن يحيى ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن معاذ ‪ ،‬ومعاذ نكرة ‪ ،‬فلعل الفة منه"‪.‬‬

‫) ‪(4/434‬‬

‫ل كُ ّ ُ‬
‫عن ْد َهُ‬
‫يٍء ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ما ت َْزَداد ُ وَك ُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫م وَ َ‬
‫حا ُ‬ ‫ض اْل َْر َ‬
‫ما ت َِغي ُ‬ ‫ل أن َْثى وَ َ‬ ‫م ُ‬‫ح ِ‬‫ما ت َ ْ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ل )‪(9‬‬ ‫شَهاد َةِ ال ْك َِبيُر ال ْ ُ‬
‫مت ََعا ِ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫م ال ْغَي ْ ِ‬
‫عال ِ ُ‬ ‫دارٍ )‪َ (8‬‬ ‫ق َ‬‫م ْ‬‫بِ ِ‬

‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا عثمان بن أبي شيبة ‪،‬‬
‫ل قَوْم ٍ‬ ‫حدثنا المطلب بن زياد ‪ ،‬عن السدي ‪ ،‬عن عبد خير ‪ ،‬عن علي ‪ } :‬وَل ِك ُ ّ‬
‫هاد ٍ { قال ‪ :‬الهادي ‪ :‬رجل من بني هاشم ‪ :‬قال الجنيد )‪ (1‬هو علي بن أبي‬ ‫َ‬
‫طالب ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬وروي عن ابن عباس ‪ ،‬في إحدى الروايات ‪ ،‬وعن أبي‬
‫جعفر محمد بن علي ‪ ،‬نحو ذلك‪.‬‬
‫ل كُ ّ ُ‬
‫عن ْد َهُ‬ ‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ما ت َْزَداد ُ وَكل َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ض الْر َ‬ ‫ما ت َِغي ُ‬ ‫ل أن َْثى وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫} الل ّ ُ‬
‫ل )‪{ (9‬‬ ‫مت ََعا ِ‬ ‫شَهاد َةِ ال ْك َِبيُر ال ْ ُ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫م ال ْغَي ْ ِ‬ ‫عال ِ ُ‬ ‫دارٍ )‪َ (8‬‬ ‫ق َ‬ ‫م ْ‬‫بِ ِ‬
‫يخبر تعالى عن تمام علمه الذي ل يخفى عليه شيء ‪ ،‬وأنه محيط بما تحمله‬
‫حام ِ {‬ ‫ما ِفي الْر َ‬ ‫م َ‬ ‫الحوامل من كل إناث الحيوانات ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَي َعْل َ ُ‬
‫]لقمان ‪ [34 :‬أي ‪ :‬ما حملت من ذكر أو أنثى ‪ ،‬أو حسن أو قبيح ‪ ،‬أو شقي أو‬
‫َ‬
‫م إ ِذ ْ‬‫م ب ِك ُ ْ‬ ‫سعيد ‪ ،‬أو طويل العمر أو قصيره ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬هُوَ أعْل َ ُ‬
‫كوا أ َن ْ ُ‬ ‫طو ُ‬ ‫شأ َك ُم من الرض وإذ ْ أ َنت َ‬ ‫أ َن ْ َ‬
‫و‬
‫م هُ َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫م َفل ت َُز ّ‬ ‫مَهات ِك ُ ْ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ة ِفي ب ُ ُ ِ‬ ‫جن ّ ٌ‬ ‫مأ ِ‬ ‫ْ ِ َِ ُْ ْ‬ ‫ْ ِ َ‬
‫َ‬
‫قى { ]النجم ‪.[32 :‬‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫م بِ َ‬ ‫أعْل َ ُ‬
‫طو ُ‬
‫ت‬‫ما ٍ‬ ‫ق ِفي ظ ُل ُ َ‬ ‫خل ٍ‬
‫ن ب َعْد ِ َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫قا ِ‬ ‫خل ْ ً‬ ‫م َ‬ ‫مَهات ِك ُ ْ‬‫نأ ّ‬ ‫م ِفي ب ُ ُ ِ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫خل ُ ُ‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫ث { ]الزمر ‪ [6 :‬أي ‪ :‬خلقكم طورا من بعد طور ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬ ‫َثل ٍ‬
‫م‬‫ن ثُ ّ‬ ‫ة ِفي قََرارٍ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كي ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ف ً‬‫جعَلَناه ُ ن ُط َ‬ ‫م َ‬ ‫طي ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سللةٍ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫قَنا الن ْ َ‬ ‫خل ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫} وَل َ‬
‫سوَْنا‬ ‫َ‬
‫ما فَك َ‬ ‫عظا ً‬ ‫َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ضغَ َ‬‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫قَنا ال ُ‬ ‫خل ْ‬ ‫َ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫ضغَ ً‬‫م ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫ق َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫قَنا العَل َ‬ ‫خل ْ‬‫َ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫ق ً‬ ‫َ‬
‫ة عَل َ‬ ‫ف َ‬ ‫ْ‬
‫قَنا الن ّط َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن { ]المؤمنون ‪:‬‬ ‫قي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫خَر فت ََباَرك الل ُ‬ ‫قا آ َ‬ ‫خل ً‬ ‫شأَناهُ َ‬ ‫م أن ْ َ‬ ‫ما ث ُ ّ‬ ‫ح ً‬ ‫مل ْ‬ ‫العِظا َ‬
‫‪ [14 : 12‬وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال ‪ :‬قال رسول الله )‪ (2‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ‪ ،‬ثم يكون‬
‫علقة مثل ذلك ‪ ،‬ثم يكون مضغة مثل ذلك ‪ ،‬ثم يبعث إليه ملك فيؤمر بأربع‬
‫كتب رزقه ‪ ،‬وعمره ‪ ،‬وعمله ‪ ،‬وشقي أو سعيد" )‪.(3‬‬ ‫كلمات ‪ :‬ي َ ْ‬
‫وفي الحديث الخر ‪" :‬فيقول الملك ‪ :‬أيْ رب ‪ ،‬أذكر أم أنثى ؟ أي رب ‪،‬‬
‫أشقي أم سعيد ؟ فما الرزق ؟ فما الجل ؟ فيقول الله ‪ ،‬ويكتب الملك" )‪.(4‬‬
‫ما ت َْزَداد ُ { قال البخاري ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن‬ ‫م وَ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ض الْر َ‬ ‫ما ت َِغي ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫مْعن ‪ ،‬حدثنا مالك ‪ ،‬عن عبد الله بن دينار ‪ ،‬عن ابن عمر ؛ أن‬ ‫المنذر ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬مفاتيح الغيب خمس ل يعلمها )‪(5‬‬
‫إل الله ‪ :‬ل يعلم ما في غد إل الله ‪ ،‬ول يعلم ما تغيض الرحام إل الله ‪ ،‬ول‬
‫يعلم متى يأتي المطر أحد إل الله ‪ ،‬ول تدري نفس بأي أرض تموت ‪ ،‬ول يعلم‬
‫متى تقوم الساعة إل الله" )‪.(6‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬ابن الجنيد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (3208‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2643‬‬
‫)‪ (4‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (2645‬من حديث حذيفة بن أسيد ‪،‬‬
‫رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬ل يعلمهن"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪.(4697‬‬

‫) ‪(4/435‬‬

‫ما‬
‫قط } وَ َ‬ ‫س ْ‬
‫م { يعني ‪ :‬ال َ‬ ‫حا ُ‬
‫ض الْر َ‬ ‫ما ت َِغي ُ‬ ‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬وَ َ‬
‫ت َْزَداد ُ { يقول ‪ :‬ما زادت الرحم في الحمل على ما غاضت حتى ولدته تماما‪.‬‬
‫وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر ‪ ،‬ومنهن من تحمل تسعة أشهر ‪،‬‬
‫ومنهن من تزيد في الحمل ‪ ،‬ومنهن من تنقص ‪ ،‬فذلك الغيض )‪ (1‬والزيادة‬
‫التي ذكر الله تعالى ‪ ،‬وكل ذلك بعلمه تعالى‪.‬‬
‫ما ت َْزَداد ُ {‬‫م وَ َ‬‫حا ُ‬
‫ض الْر َ‬ ‫ما ت َِغي ُ‬‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫قال ‪ :‬ما نقصت من تسعة وما زاد عليها‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬وضعتني أمي وقد حملتني في بطنها سنتين ‪ ،‬وولدتني وقد‬
‫نبتت ثنّيتي‪.‬‬
‫جَرْيج ‪ ،‬عن جميلة بنت سعد ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬ل يكون الحمل‬ ‫وقال ابن ُ‬
‫ظل مغَْزل‪.‬‬ ‫أكثر من سنتين ‪ ،‬قدر ما يتحرك ِ‬
‫ما ت َْزَداد ُ { قال ‪ :‬ما ترى من الدم في‬ ‫م وَ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ض الْر َ‬ ‫ما ت َِغي ُ‬ ‫وقال مجاهد ‪ } :‬وَ َ‬
‫حملها ‪ ،‬وما تزداد على تسعة أشهر‪ .‬وبه قال عطية العوفي وقتادة ‪ ،‬والحسن‬
‫البصري ‪ ،‬والضحاك‪.‬‬
‫وقال مجاهد أيضا ‪ :‬إذا رأت المرأة الدم دون التسعة زاد على التسعة ‪ ،‬مثل‬
‫رمة ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وابن زيد‪.‬‬ ‫عك ْ ِ‬ ‫أيام الحيض‪ .‬وقاله ِ‬
‫م { إراقة المرأة حتى يخس الولد‬ ‫حا ُ‬ ‫ض الْر َ‬ ‫ما ت َِغي ُ‬ ‫وقال مجاهد أيضا ‪ } :‬وَ َ‬
‫ما ت َْزَداد ُ { إن لم تهرق المرأة تم الولد وعظم‪.‬‬ ‫} وَ َ‬
‫وقال مكحول ‪ :‬الجنين في بطن أمه ل يطلب ‪ ،‬ول يحزن ول يغتم ‪ ،‬وإنما‬
‫يأتيه رزقه في بطن أمه من دم حيضتها )‪ (2‬فمن ثم ل تحيض الحامل‪ .‬فإذا‬
‫وقع إلى الرض استهل ‪ ،‬واستهلله استنكار )‪ (3‬لمكانه ‪ ،‬فإذا قطعت سرته‬
‫حول الله رزقه إلى ثديي أمه حتى ل يطلب ول يحزن ول يغتم ‪ ،‬ثم يصير‬
‫طفل يتناول الشيء بكفه فيأكله ‪ ،‬فإذا هو بلغ قال ‪ :‬هو الموت أو القتل ‪ ،‬أّنى‬
‫غذاك وأنت في بطن أمك ‪،‬‬ ‫لي بالرزق ؟ فيقول مكحول ‪ :‬يا ويلك )‪َ ! (4‬‬
‫وأنت طفل صغير ‪ ،‬حتى إذا اشتددت وعقلت قلت ‪ :‬هو الموت أو القتل ‪ ،‬أنى‬
‫ل كُ ّ ُ‬
‫ض‬
‫ما ت َِغي ُ‬ ‫ل أن َْثى وَ َ‬ ‫م ُ‬‫ح ِ‬
‫ما ت َ ْ‬
‫م َ‬‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫لي بالرزق ؟ ثم قرأ مكحول ‪ } :‬الل ّ ُ‬
‫دارٍ {‬ ‫ق َ‬‫م ْ‬ ‫عن ْد َه ُ ب ِ ِ‬‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ما ت َْزَداد ُ وَك ُ ّ‬
‫م وَ َ‬
‫حا ُ‬‫الْر َ‬
‫دارٍ { أي ‪ :‬بأجل ‪ ،‬حفظ أرزاق خلقه‬ ‫ق َ‬ ‫م ْ‬‫عن ْد َه ُ ب ِ ِ‬
‫يٍء ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫وقال قتادة ‪ } :‬وَكل ش ْ‬
‫ما‪.‬‬
‫وآجالهم ‪ ،‬وجعل لذلك أجل معلو ً‬
‫وفي الحديث الصحيح ‪ :‬أن إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم بعثت‬
‫إليه ‪ :‬أن ابنا لها في الموت ‪ ،‬وأنها تحب أن يحضره‪ .‬فبعث إليها يقول ‪" :‬إن‬
‫لله ما أخذ ‪ ،‬وله ما أعطى ‪ ،‬وكل شيء عنده بأجل مسمى ‪ ،‬فمروها‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬الغيظ"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬حيضها"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬استشكار"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬يا ويحك"‪.‬‬

‫) ‪(4/436‬‬

‫سواٌء منك ُم م َ‬
‫ب‬‫سارِ ٌ‬ ‫ف ِبالل ّي ْ ِ‬
‫ل وَ َ‬ ‫خ ٍ‬ ‫ست َ ْ‬
‫م ْ‬‫ن هُوَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جهََر ب ِهِ وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ل وَ َ‬ ‫سّر ال ْ َ‬
‫قو ْ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫ِ ْ ْ َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مرِ اللهِ إ ِ ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫فظون َ ُ‬ ‫ح َ‬‫فهِ ي َ ْ‬
‫خل ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن ي َد َي ْهِ وَ ِ‬‫ن ب َي ْ ِ‬‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫قَبا ٌ‬‫معَ ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫ِبالن َّهارِ )‪ (10‬ل ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مَرد ّ‬ ‫َ‬
‫سوًءا فل َ‬ ‫قوْم ٍ ُ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫م وَإ َِذا أَراد َ الل ُ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ب ِأن ْ ُ‬‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬ ‫قوْم ٍ َ‬ ‫ما ب ِ َ‬ ‫ه َل ي ُغَي ُّر َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ل )‪(11‬‬ ‫ن َوا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُدون ِهِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫لَ ُ‬

‫فلتصبر ولتحتسب" الحديث بتمامه )‪(1‬‬


‫شَهاد َةِ { أي ‪ :‬يعلم كل شيء مما يشاهده العباد‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫م ال ْغَي ْ ِ‬ ‫عال ِ ُ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫ومما يغيب عنهم ‪ ،‬ول يخفى )‪ (2‬عليه منه شيء‪ } .‬الكبير { الذي هو أكبر‬
‫من كل شيء ‪ } ،‬المتعال { أي ‪ :‬على كل شيء ‪ ،‬قد أحاط بكل شيء‬
‫علما ‪ ،‬وقهر كل شيء ‪ ،‬فخضعت له الرقاب ودان له العباد ‪ ،‬طوعا وكرها‪.‬‬
‫} سواٌء منك ُم م َ‬
‫ب‬ ‫سارِ ٌ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫ف ِبالل ّي ْ ِ‬ ‫خ ٍ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن هُوَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جهََر ب ِهِ وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫سّر ال ْ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫ِ ْ ْ َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مرِ اللهِ إ ِ ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫فظون َ ُ‬ ‫ح َ‬‫فهِ ي َ ْ‬ ‫خل ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ وَ ِ‬ ‫من ب َي ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫قَبا ٌ‬ ‫معَ ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫ِبالن َّهارِ )‪ (10‬ل ُ‬
‫ّ‬ ‫فسهم وإَذا أ َ‬ ‫قوم حتى يغ ْيروا ِ ما بأ َ‬
‫مَرّد‬ ‫َ‬ ‫فل‬ ‫َ‬ ‫ءا‬ ‫ً‬ ‫سو‬ ‫ُ ِ ْ ٍ ُ‬‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫د‬
‫َ َ‬‫را‬ ‫َ ِ ْ ِ ِ ْ َِ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ما ِ ْ ٍ َ ّ ُ َ ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ه ل ي ُغَي ُّر َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ل )‪{ (11‬‬ ‫ن َوا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُدون ِهِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫لَ ُ‬
‫يخبر تعالى عن إحاطة علمه بجميع خلقه ‪ ،‬سواء )‪ (3‬منهم من أسر قوله أو‬
‫ل فَإ ِن ّ ُ‬
‫ه‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫جهَْر ِبال ْ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫جهر به ‪ ،‬فإنه يسمعه ل يخفى عليه شيء كما قال ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫ن{‬ ‫ما ت ُعْل ُِنو َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫فو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫فى { ]طه ‪ [7 :‬وقال ‪ } :‬وَي َعْل َ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫سّر وَأ َ ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫]النمل ‪ [25 :‬وقالت عائشة ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ :‬سبحان الذي وسع سمعه‬
‫الصوات ‪ ،‬والله لقد جاءت المجادلة تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله‬
‫ي بعض كلمها ‪ ،‬فأنزل الله‬ ‫عليه وسلم ‪ ،‬وأنا في جنب البيت ‪ ،‬وإنه ليخفى عل ّ‬
‫ع‬
‫م ُ‬ ‫س َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫كي إ ِلى اللهِ َوالل ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫شت َ ِ‬ ‫جَها وَت َ ْ‬ ‫ك ِفي َزوْ ِ‬ ‫جادِل ُ َ‬ ‫ل ال ِّتي ت ُ َ‬ ‫ه قَوْ َ‬ ‫معَ الل ّ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫‪ } :‬قَد ْ َ‬
‫صيٌر { ]المجادلة ‪.[1 :‬‬ ‫ميعٌ ب َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ما إ ِ ّ‬ ‫حاوَُرك ُ َ‬ ‫تَ َ‬
‫ل { أي ‪ :‬مختف في قعر بيته في ظلم‬ ‫ّ‬
‫ف ِباللي ْ ِ‬ ‫خ ٍ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن هُوَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ب ِبالن َّهارِ { أي ‪ :‬ظاهر ماش في بياض النهار وضيائه ‪ ،‬فإن‬ ‫سارِ ٌ‬ ‫الليل ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ن‬ ‫ست َغْ ُ‬ ‫َ‬
‫شو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫حي َ‬ ‫كليهما )‪ (4‬في علم الله على السواء ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬أل ِ‬
‫ن ِفي‬ ‫ُ‬ ‫كو‬ ‫ُ‬ ‫ت‬
‫َ َ َ‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫ن { ]هود ‪ [5 :‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫ما ي ُعْل ُِنو َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫سّرو َ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬ ‫ث َِياب َهُ ْ‬
‫َ ْ‬
‫شُهوًدا إ ِذ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ل ِإل ك ُّنا عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ن َول ت َعْ َ‬ ‫ن قُْرآ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ما ت َت ُْلو ِ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫شأ ٍ‬
‫ماِء َول‬ ‫س َ‬ ‫ض َول ِفي ال ّ‬ ‫ل ذ َّرةٍ ِفي الْر ِ‬ ‫قا ِ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ب عَ ْ‬ ‫ما ي َعُْز ُ‬ ‫ن ِفيهِ وَ َ‬ ‫ضو َ‬ ‫في ُ‬ ‫تُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]يونس ‪.[61 :‬‬ ‫ٍ‬ ‫مِبي‬ ‫ب ُ‬ ‫ك َول أك ْب ََر ِإل ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صغََر ِ‬ ‫أ ْ‬
‫مرِ الل ّهِ { أي ‪:‬‬ ‫ظونه م َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ف ُ َ ُ ِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫فهِ ي َ ْ‬ ‫خل ْ ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ وَ ِ‬ ‫ن ب َي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫قَبا ٌ‬ ‫معَ ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ل َ ُ‬
‫حَرس بالنهار ‪ ،‬يحفظونه من‬ ‫حَرس بالليل و َ‬ ‫للعبد ملئكة يتعاقبون عليه ‪َ ،‬‬
‫السواء )‪ (5‬والحادثات ‪ ،‬كما يتعاقب ملئكة آخرون لحفظ العمال من خير‬
‫أو شر ‪ ،‬ملئكة بالليل وملئكة بالنهار ‪ ،‬فاثنان عن اليمين و]عن[ )‪ (6‬الشمال‬
‫يكتبان العمال ‪ ،‬صاحب اليمين يكتب الحسنات ‪ ،‬وصاحب الشمال يكتب‬
‫السيئات ‪ ،‬وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه ‪ ،‬واحدا )‪ (7‬من ورائه وآخر من‬
‫قدامه ‪ ،‬فهو بين أربعة أملك بالنهار ‪ ،‬وأربعة آخرين بالليل بدل حافظان‬
‫وكاتبان ‪ ،‬كما جاء في الصحيح ‪" :‬يتعاقبون فيكم ملئكة بالليل وملئكة بالنهار‬
‫‪ ،‬ويجتمعون في صلة الصبح وصلة العصر ‪ ،‬فيصعد إليه الذين باتوا فيكم‬
‫فيسألهم وهو أعلم بكم ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬ل يخفى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬وأنه سواء"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬كلهما"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬النواء"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬وآخر"‪.‬‬

‫) ‪(4/437‬‬

‫كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون ‪ :‬أتيناهم وهم يصلون ‪ ،‬وتركناهم وهم يصلون"‬
‫)‪ (1‬وفي الحديث الخر ‪" :‬إن معكم من ل يفارقكم إل عند الخلء وعند‬
‫الجماع ‪ ،‬فاستحيوهم وأكرموهم" )‪.(2‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ن ي َد َي ْهِ وَ ِ‬ ‫َ‬
‫ن ب َي ْ ِ‬‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫قَبا ٌ‬ ‫معَ ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬ل ُ‬
‫ظونه م َ‬
‫مرِ الل ّهِ { والمعقبات من أمر الله ‪ ،‬وهي الملئكة‪.‬‬ ‫نأ ْ‬ ‫ف ُ َ ُ ِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫فهِ ي َ ْ‬‫خل ْ ِ‬
‫َ‬
‫مرِ اللهِ { قال ‪ :‬ملئكة‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫فظون َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫رمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬ي َ ْ‬ ‫عك ِ‬ ‫وقال ِ‬
‫خلوا عنه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يحفظونه من بين يديه ومن خلفه ‪ ،‬فإذا جاء قدر الله َ‬
‫مَلك موكل ‪ ،‬يحفظه في نومه ويقظته‬ ‫وقال مجاهد ‪ :‬ما من عبد إل له )‪َ (3‬‬
‫من الجن والنس والهوام ‪ ،‬فما منها شيء يأتيه يريده إل قال الملك ‪ :‬وراءك‬
‫إل شيء يأذن الله فيه فيصيبه‪.‬‬
‫وقال الثوري عن حبيب بن أبي ثابت ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪:‬‬
‫فهِ { قال ‪ :‬ذلك )‪ (4‬ملك من ملوك‬ ‫خل ْ ِ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ن ي َد َي ْهِ وَ ِ‬ ‫ن ب َي ْ ِ‬
‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫قَبا ٌ‬‫معَ ّ‬ ‫ه ُ‬‫} لَ ُ‬
‫الدنيا ‪ ،‬له حرس من دونه حرس‪.‬‬
‫فهِ {‬ ‫خل ْ ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ وَ ِ‬ ‫ن ب َي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫قَبا ٌ‬ ‫معَ ّ‬‫ه ُ‬ ‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬ل َ ُ‬
‫رمة في تفسيرها ‪:‬‬ ‫عك ْ ِ‬ ‫يعني ‪ :‬ولي الشيطان ‪ ،‬يكون عليه الحرس‪ .‬وقال ِ‬
‫هؤلء المراء ‪ :‬المواكب من بين يديه ومن خلفه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ر‬
‫م ِ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫فظون َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫فهِ ي َ ْ‬ ‫خل ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ وَ ِ‬ ‫ن ب َي ْ ِ‬‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫قَبا ٌ‬‫معَ ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫وقال الضحاك ‪ } :‬ل َ ُ‬
‫الل ّهِ { قال ‪ :‬هو السلطان )‪ (5‬المحترس )‪ (6‬من أمر الله ‪ ،‬وهم أهل‬
‫الشرك‪.‬‬
‫رمة والضحاك بهذا أن حرس‬ ‫عك ِ‬‫ْ‬ ‫مَراد ابن عباس و ِ‬ ‫والظاهر ‪ ،‬والله أعلم ‪ ،‬أن ُ‬
‫الملئكة للعبيد )‪ (7‬يشبه حرس هؤلء لملوكهم وأمرائهم‪.‬‬
‫وقد روى المام أبو جعفر ابن جرير هاهنا حديًثا غريبا جدا فقال ‪:‬‬
‫حدثني المثنى ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن عبد السلم بن صالح القشيري ‪ ،‬حدثنا علي‬
‫بن جرير ‪ ،‬عن حماد بن سلمة ‪ ،‬عن عبد الحميد بن جعفر ‪ ،‬عن كنانة العدوي‬
‫قال ‪ :‬دخل عثمان بن عفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فقال ‪ :‬يا‬
‫رسول الله ‪ ،‬أخبرني عن العبد ‪ ،‬كم معه من ملك )‪ (8‬؟ فقال ‪" :‬ملك على‬
‫يمينك على حسناتك ‪ ،‬وهو آمر )‪ (9‬على الذي على الشمال ‪ ،‬إذا عملت‬
‫حسنة كتبت عشرا ‪ ،‬فإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على‬
‫اليمين ‪ :‬اكتب ؟ قال ‪ :‬ل لعله يستغفر الله ويتوب‪ .‬فإذا قال ثلثا قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪ (7429 ، 555‬وصحيح مسلم برقم )‪.(632‬‬
‫)‪ (2‬رواه الترمذي في السنن برقم )‪ (2800‬من طريق ليث ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن‬
‫ابن عمر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬مرفوعا ‪ ،‬وأوله ‪" :‬إياكم والتحري فإن معكم"‪.‬‬
‫الحديث‪ .‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث غريب ل نعرفه إل من هذا الوجه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬به"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ذكر"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬الشيطان"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬المحروس"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬للعبد"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬كم ملك معه"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وهو أمين"‪.‬‬

‫) ‪(4/438‬‬

‫نعم ‪ ،‬اكتب أراحنا الله منه ‪ ،‬فبئس القرين‪ .‬ما أقل مراقبته لله وأقل‬
‫ب عَِتيد ٌ { ]ق ‪:‬‬ ‫ل ِإل ل َد َي ْهِ َرِقي ٌ‬
‫ن قَوْ ٍ‬
‫م ْ‬ ‫ف ُ‬
‫ظ ِ‬ ‫ما ي َل ْ ِ‬ ‫استحياءه منا"‪ .‬يقول الله ‪َ } :‬‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ن ب َي ْ ِ‬
‫م ْ‬
‫ت ِ‬
‫قَبا ٌ‬
‫معَ ّ‬
‫ه ُ‬ ‫‪ [18‬وملكان من بين يديك ومن خلفك ‪ ،‬يقول الله ‪ } :‬ل ُ‬
‫ظونه م َ‬
‫مرِ الل ّهِ { وملك قابض على ناصيتك ‪ ،‬فإذا‬ ‫نأ ْ‬ ‫ف ُ َ ُ ِ ْ‬ ‫ح َ‬‫فهِ ي َ ْ‬‫خل ْ ِ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬
‫ي َد َي ْهِ وَ ِ‬
‫تواضعت لله رفعك ‪ ،‬وإذا تجبرت على الله قصمك ‪ ،‬وملكان على شفتيك ‪،‬‬
‫ليس يحفظان عليك إل الصلة على محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وملك قائم‬
‫دع الحية أن تدخل في فيك ‪ ،‬وملكان على عينيك فهؤلء عشرة‬ ‫على فيك ل ي َ َ‬
‫أملك على كل آدمي )‪ (1‬ينزلون )‪ (2‬ملئكة الليل على ملئكة النهار ؛ لن‬
‫ملئكة الليل سوى ملئكة النهار ‪ ،‬فهؤلء عشرون ملكا على كل آدمي‬
‫وإبليس بالنهار وولده بالليل" )‪.(3‬‬
‫قال المام أحمد ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬حدثنا أسود بن عامر ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬حدثني‬
‫منصور ‪ ،‬عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه ‪ ،‬عن عبد الله قال ‪ :‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما منكم من أحد إل وقد وكل به قرينه من‬
‫الجن وقرينه من الملئكة"‪ .‬قالوا ‪ :‬وإياك يا رسول الله ‪ ،‬قال ‪" :‬وإياي ‪ ،‬ولكن‬
‫أعانني الله عليه )‪ (4‬فل يأمرني إل بخير"‪.‬‬
‫انفرد بإخراجه مسلم )‪.(5‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ظونه م َ‬
‫مرِ اللهِ { قيل ‪ :‬المراد حفظهم له من أمر الله‪.‬‬ ‫نأ ْ‬‫ف ُ َ ُ ِ ْ‬ ‫ح َ‬‫وقوله ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫رواه علي بن أبي طلحة ‪ ،‬وغيره ‪ ،‬عن ابن عباس‪ .‬وإليه ذهب مجاهد ‪،‬‬
‫خعي ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬ ‫وسعيد بن جبير ‪ ،‬وإبراهيم الن ّ َ‬
‫ّ‬ ‫ظونه م َ‬
‫مرِ اللهِ { قال ‪ :‬وفي بعض القراءات ‪:‬‬ ‫نأ ْ‬ ‫ف ُ َ ُ ِ ْ‬ ‫ح َ‬‫وقال قتادة ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫"يحفظونه بأمر الله"‪.‬‬
‫وقال كعب الحبار ‪ :‬لو تجلى لبن آدم كل سهل وحزن ‪ ،‬لرأى كل شيء من‬ ‫ّ‬
‫كل بكم ملئكة عنكم في مطعمكم ومشربكم‬ ‫ذلك شياطين )‪ (6‬لول أن الله و ّ‬
‫طفتم‪.‬‬ ‫خ ّ‬ ‫وعوراتكم ‪ ،‬إذا لت ُ ُ‬
‫ذود عنه ‪ ،‬حتى يسلمه للذي‬ ‫وقال أبو أمامة )‪ (7‬ما من آدمي إل ومعه ملك ي َ ُ‬
‫قدر له‪.‬‬
‫مَراد إلى علي ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬وهو يصلي ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫من‬ ‫رجل‬ ‫جاء‬ ‫‪:‬‬ ‫لز‬‫َ‬ ‫ج‬ ‫م‬
‫ِ ْ‬ ‫أبو‬ ‫وقال‬
‫سا من مراد يريدون قتلك‪ .‬فقال ‪ :‬إن مع كل رجل‬ ‫فقال ‪ :‬احترس ‪ ،‬فإن نا ً‬
‫خليا بينه وبينه ‪ ،‬وإن الجل جنة‬ ‫قد َُر َ‬
‫در ‪ ،‬فإذا جاء ال َ‬ ‫ملكين يحفظانه مما لم يق ّ‬
‫صينة‪(8) .‬‬
‫ح ِ‬
‫َ‬
‫مرِ اللهِ { بأمر الله ‪ ،‬كما جاء في الحديث‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫ظو‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫ح‬ ‫ي‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫بعضهم‬ ‫وقال‬
‫ْ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫أنهم قالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أرأيت ُرَقى نسترقي بها ‪ ،‬هل ترد من قَ َ‬
‫در الله‬
‫در الله" )‪.(9‬‬ ‫شيئا ؟ فقال ‪" :‬هي من قَ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬على كل بني آدم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يبدلون"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطبري )‪.(16/370‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ولكن الله أعانني عليه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (1/397‬وصحيح مسلم برقم )‪(2814‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬من ذلك ساء نفسه"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬أبو أسامة"‪.‬‬
‫)‪ (8‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(16/378‬‬
‫)‪ (9‬رواه الترمذي في السنن برقم )‪ (2065‬من حديث أبي خزامة وقال ‪:‬‬
‫"حديث حسن"‪.‬‬

‫) ‪(4/439‬‬

‫ح‬
‫سب ّ ُ‬
‫ل )‪ (12‬وَي ُ َ‬ ‫قا َ‬
‫ب الث ّ َ‬
‫حا َ‬‫س َ‬ ‫ئ ال ّ‬
‫ش ُ‬ ‫مًعا وَي ُن ْ ِ‬ ‫خوًْفا وَط َ َ‬‫م ال ْب َْرقَ َ‬ ‫ريك ُ ُ‬
‫ذي ي ُ ِ‬ ‫هُوَ ال ّ ِ‬
‫شاُء‬‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬‫ب ب َِها َ‬
‫صي ُ‬‫عقَ فَي ُ ِ‬‫وا ِ‬‫ص َ‬ ‫س ُ‬
‫ل ال ّ‬ ‫فت ِهِ وَي ُْر ِ‬ ‫خي َ‬‫ن ِ‬‫م ْ‬‫ة ِ‬‫مَلئ ِك َ ُ‬
‫مدِهِ َوال ْ َ‬ ‫ح ْ‬‫الّرعْد ُ ب ِ َ‬
‫ل )‪(13‬‬ ‫حا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫ديد ُ ال ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ّ‬
‫ن ِفي اللهِ وَهُوَ َ‬ ‫ُ‬
‫جادِلو َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫وَهُ ْ‬

‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا حفص بن غياث ‪ ،‬عن‬
‫جْهم ‪ ،‬عن إبراهيم قال ‪ :‬أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني‬ ‫أشعث ‪ ،‬عن َ‬
‫إسرائيل ‪ :‬أن قل لقومك ‪ :‬إنه ليس من أهل قرية ول أهل بيت يكونون على‬
‫طاعة الله فيتحولون منها إلى معصية الله ‪ ،‬إل تحول لهم مما يحبون إلى ما‬
‫ما‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل ي ُغَي ُّر َ‬ ‫يكرهون ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬إن مصداق )‪ (1‬ذلك في كتاب الله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫م{‬‫سهِ ْ‬ ‫ما ب ِأ َن ْ ُ‬
‫ف ِ‬ ‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬
‫قوْم ٍ َ‬
‫بِ َ‬
‫وقد ورد هذا في حديث مرفوع ‪ ،‬فقال الحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة‬
‫في كتابه "صفة العرش" ‪ :‬حدثنا الحسن بن علي ‪ ،‬حدثنا الهيثم بن الشعث‬
‫السلمي ‪ ،‬حدثنا أبو حنيفة اليمامي )‪ (2‬النصاري ‪ ،‬عن عمير بن عبد الله )‪(3‬‬
‫ت عن‬ ‫قال ‪ :‬خطبنا علي بن أبي طالب على منبر الكوفة ‪ ،‬قال ‪ :‬كنت إذا سك ّ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدأني ‪ ،‬وإذا سألته عن الخبر أنبأني ‪ ،‬وإنه‬
‫حدثني عن ربه ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬قال ‪" :‬قال الرب ‪ :‬وعزتي وجللي ‪ ،‬وارتفاعي‬
‫ت من‬ ‫فوق عرشي ‪ ،‬ما من أهل قرية ول أهل بيت كانوا على ما كره ُ‬
‫معصيتي ‪ ،‬ثم تحولوا عنها إلى ما أحببت من طاعتي ‪ ،‬إل تحولت لهم عما‬
‫يكرهون من عذابي إلى ما يحبون من رحمتي" )‪.(4‬‬
‫وهذا غريب ‪ ،‬وفي إسناده من ل أعرفه‪.‬‬
‫ح‬
‫سب ّ ُ‬
‫قال )‪ (12‬وَي ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ب الث َ‬ ‫حا َ‬
‫س َ‬‫ئ ال ّ‬ ‫ش ُ‬
‫مًعا وَي ُن ْ ِ‬ ‫خوًْفا وَط َ َ‬‫م ال ْب َْرقَ َ‬ ‫ريك ُ ُ‬ ‫ذي ي ُ ِ‬ ‫} هُوَ ال ّ ِ‬
‫شاُء‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬
‫ب ب َِها َ‬‫صي ُ‬ ‫عقَ فَي ُ ِ‬‫وا ِ‬‫ص َ‬
‫ل ال ّ‬‫س ُ‬ ‫فت ِهِ وَي ُْر ِ‬‫خي َ‬
‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫مدِهِ َوال ْ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫الّرعْد ُ ب ِ َ‬
‫ل )‪{ (13‬‬ ‫حا‬ ‫م‬
‫ِ ُ ِ َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫د‬ ‫دي‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬
‫ِ َ ُ َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫جا ِ َ ِ‬
‫ن‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫د‬ ‫م يُ َ‬ ‫وَهُ ْ‬
‫يخبر تعالى أنه هو الذي يسخر البرق ‪ ،‬وهو ما يرى )‪ (5‬من النور اللمع‬
‫ساطعا من خلل السحاب‪.‬‬
‫وروى ابن جرير أن ابن عباس كتب إلى أبي الجلد يسأله عن البرق ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫البرق ‪ :‬الماء‪.‬‬
‫مًعا { قال قتادة ‪ :‬خوفا للمسافر ‪ ،‬يخاف أذاه ومشقته ‪،‬‬ ‫َ‬
‫خوًْفا وَط َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬‬
‫وطمعا للمقيم يرجو بركته ومنفعته ‪ ،‬ويطمع في رزق الله‪.‬‬
‫ل { أي ‪ :‬ويخلقها منشأة جديدة ‪ ،‬وهي لكثرة مائها‬ ‫قا َ‬‫ب الث ّ َ‬ ‫حا َ‬ ‫س َ‬‫ئ ال ّ‬ ‫ش ُ‬ ‫} وَي ُن ْ ِ‬
‫ثقيلة قريبة إلى الرض‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬والسحاب الثقال ‪ :‬الذي فيه الماء‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تصديق"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬اليماني" والصواب ما أثبتناه‪.‬‬
‫)‪ (3‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عبد الملك" ‪ ،‬والصواب ما أثبتناه‪.‬‬
‫)‪ (4‬صفة العرش برقم )‪ (19‬والهيثم مجهول وشيخه لم أجد له ترجمة‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬ما ترى"‪.‬‬

‫) ‪(4/440‬‬

‫ح‬
‫سب ّ ُ‬
‫يٍء ِإل ي ُ َ‬
‫ش ْ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫مدِهِ { كما قال تعالى ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬ ‫ح ْ‬
‫ح الّرعْد ُ ب ِ َ‬
‫سب ّ ُ‬
‫} وَي ُ َ‬
‫مدِهِ { ]السراء ‪.[44 :‬‬ ‫ح ْ‬
‫بِ َ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن سعد ‪ ،‬أخبرني أبي قال ‪:‬‬
‫مْيد بن عبد الرحمن في المسجد ‪ ،‬فمر شيخ من بني‬ ‫ح َ‬
‫سا إلى جنب ُ‬ ‫كنت جال ً‬
‫غفار ‪ ،‬فأرسل إليه حميد ‪ ،‬فلما أقبل قال ‪ :‬يا ابن أخي ‪ ،‬وسع )‪ (1‬له فيما‬
‫بيني وبينك ‪ ،‬فإنه قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فجاء حتى‬
‫جلس فيما بيني وبينه ‪ ،‬فقال له حميد ‪ :‬ما الحديث الذي حدثتني عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال الشيخ ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يقول ‪" :‬إن الله ينشئ السحاب ‪ ،‬فينطق أحسن النطق ‪،‬‬
‫ويضحك أحسن الضحك" )‪.(2‬‬
‫ق‪.‬‬
‫قها الرعد ُ ‪ ،‬وضحكها البر ُ‬ ‫والمراد ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬أن نط َ‬
‫وقال موسى بن عبيدة ‪ ،‬عن سعد بن إبراهيم قال ‪ :‬يبعث الله الغيث ‪ ،‬فل‬
‫أحسن منه مضحكا ‪ ،‬ول آنس منه منطقا ‪ ،‬فضحكه البرق ‪ ،‬ومنطقه الرعد‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا هشام بن عبيد الله الرازي ‪ ،‬عن‬
‫ك له أربعة وجوه ‪ :‬وجه إنسان ‪،‬‬ ‫مل ٌ‬
‫محمد بن مسلم قال ‪ :‬بلغنا أن البرق َ‬
‫صع )‪ (3‬بذنبه فذاك البرق‪(4) .‬‬ ‫م َ‬
‫ووجه ثور ‪ ،‬ووجه نسر ‪ ،‬ووجه أسد ‪ ،‬فإذا َ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا عبد الواحد بن زياد ‪ ،‬حدثنا الحجاج ‪،‬‬
‫حدثني أبو مطر ‪ ،‬عن سالم ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه‬
‫عد والصواعق قال ‪" :‬اللهم ‪ ،‬ل تقتلنا بغضبك ‪ ،‬ول تهلكنا‬ ‫سمع الر ْ‬ ‫وسلم إذا َ‬
‫بعذابك ‪ ،‬وعافنا قبل ذلك"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي ‪ ،‬والبخاري في كتاب الدب ‪ ،‬والنسائي في اليوم والليلة ‪،‬‬
‫والحاكم في مستدركه ‪ ،‬من حديث الحجاج بن أرطاة ‪ ،‬عن أبي مطر ‪ -‬ولم‬
‫يسم به‪(5) .‬‬
‫وقال ]المام[ )‪ (6‬أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثنا أحمد بن إسحاق ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫أحمد ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن أبيه )‪ (7‬عن رجل ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رفع‬
‫عد‬
‫الحديث قال ‪ :‬إنه كان إذا سمع الرعد قال ‪" :‬سبحان من ُيسّبح الر ْ‬
‫بحمده"‪(8) .‬‬
‫وروي عن علي ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬أنه كان إذا سمع صوت الرعد قال ‪:‬‬
‫سّبحت له‪.‬‬ ‫سبحان من َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬أوسع"‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(5/435‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬قصع"‪.‬‬
‫)‪ (4‬وهذا ل أصل له من كتاب ول سنة ‪ ،‬وهو من الخيال‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (2/100‬وسنن الترمذي )‪ (3450‬والدب المفرد برقم )‪(722‬‬
‫والنسائي في السنن الكبرى برقم )‪ ، (10764‬وأما الحاكم فرواه في‬
‫المستدرك )‪ (4/286‬من طريق عبد الواحد بن زياد ‪ ،‬عن أبي مطر ‪ ،‬به‪ .‬ولم‬
‫يذكر الحجاج بن أرطاة ‪ ،‬وقال ‪" :‬صحيح السناد ولم يخرجاه" وأقره الذهبي ‪،‬‬
‫وضعف النووي هذا الحديث في الذكار )ص ‪.(164‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عن ليث"‪.‬‬
‫)‪ (8‬تفسير الطبري )‪ (16/389‬ورواه ابن مردويه في تفسيره كما في تخريج‬
‫الكشاف )‪ (2/184‬من طريق محمد بن يحيى ‪ ،‬عن أحمد ابن إسحاق عن‬
‫أبي أحمد ‪ ،‬عن عتاب بن زياد ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن أبي هريرة رفع الحدث‪ ...‬إلى‬
‫آخره‪.‬‬

‫) ‪(4/441‬‬

‫وكذا روي عن ابن عباس ‪ ،‬والسود بن يزيد ‪ ،‬وطاوس ‪ :‬أنهم كانوا يقولون‬
‫كذلك‪.‬‬
‫وقال الوزاعي ‪ :‬كان ابن أبي زكريا يقول ‪ :‬من قال حين يسمع الرعد ‪:‬‬
‫سبحان الله وبحمده ‪ ،‬لم تصبه صاعقة‪.‬‬
‫وعن عبد الله بن الزبير )‪ (1‬أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال ‪:‬‬
‫سبحان الذي يسّبح الرعد ُ بحمده والملئكة من خيفته ‪ ،‬ويقول ‪ :‬إن هذا لوعيد‬
‫)‪ (2‬شديد ٌ لهل الرض‪ .‬رواه مالك في الموطأ ‪ ،‬والبخاري في كتاب الدب‪) .‬‬
‫‪(3‬‬
‫دقة بن‬ ‫ص َ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سليمان بن داود الطيالسي ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫موسى ‪ ،‬حدثنا محمد بن واسع ‪ ،‬عن شتيز )‪ (4‬بن نهار ‪ ،‬عن أبي هريرة أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬قال ربكم عز وجل ‪ :‬لو أن عبيدي‬
‫أطاعوني لسقيتهم المطر بالليل ‪ ،‬وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ‪ ،‬ولما‬
‫أسمعتهم )‪ (5‬صوت الرعد"‪(6) .‬‬
‫حدري ‪،‬‬ ‫ج ْ‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا زكريا بن يحيى الساجي ‪ ،‬حدثنا أبو كامل ال َ‬
‫حدثنا يحيى بن كثير أبو النضر ‪ ،‬حدثنا عبد الكريم ‪ ،‬حدثنا عطاء ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إذا سمعتم الرعد‬
‫فاذكروا الله ؛ فإنه ل يصيب ذاكرا"‪(7) .‬‬
‫ة ينتقم‬
‫م ً‬
‫شاُء { أي ‪ :‬يرسلها نق َ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬
‫ب ب َِها َ‬ ‫عقَ فَي ُ ِ‬
‫صي ُ‬ ‫وا ِ‬‫ص َ‬
‫ل ال ّ‬‫س ُ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَي ُْر ِ‬
‫بها ممن يشاء ‪ ،‬ولهذا تكثر في آخر الزمان ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن مصعب ‪ ،‬حدثنا عمارة )‪ (8‬عن أبي نضرة ‪ ،‬عن أبي سعيد‬
‫الخدري ‪ ،‬رضي الله عنه ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬تكثر‬
‫الصواعق عند اقتراب الساعة ‪ ،‬حتى يأتي الرجل القوم فيقول ‪ :‬من صعق‬
‫تلكم )‪ (9‬الغداة ؟ فيقولون صِعق فلن وفلن وفلن"‪(10) .‬‬
‫وقد روي في سبب نزولها ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪:‬‬
‫شيباني ‪ ،‬حدثنا ثابت ‪ ،‬عن أنس ‪:‬‬ ‫حدثنا إسحاق ‪ ،‬حدثنا علي بن أبي سارة ال ّ‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجل مرة إلى رجل من فراعنة‬
‫العرب فقال ‪" :‬اذهب فادعه لي"‪ .‬قال ‪ :‬فذهب إليه فقال ‪ :‬يدعوك رسول‬
‫من ذهب‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فقال له ‪ :‬من رسول الله ؟ وما الله ؟ أ ِ‬
‫هو ؟ أم من فضة هو ؟ أم من نحاس هو ؟ قال ‪ :‬فرجع إلى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فأخبره ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬قد أخبرتك أنه أعتى من‬
‫ذلك ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بن عمرو"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الوعيد"‪.‬‬
‫)‪ (3‬الموطأ )‪ (2/992‬والدب المفرد برقم )‪.(724‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬عن شمس" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬شمير"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬استمعتهم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪.(2/359‬‬
‫)‪ (7‬المعجم الكبير )‪ (11/164‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (10/136‬فيه‬
‫يحيى بن كثير وهو ضعيف"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬حماد"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬قبلكم"‪.‬‬
‫)‪ (10‬المسند )‪.(3/64‬‬

‫) ‪(4/442‬‬

‫قال لي كذا وكذا‪ .‬فقال ‪" :‬ارجع إليه الثانية"‪ .‬أراه ‪ ،‬فذهب فقال له مثلها‪.‬‬
‫فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬قد‬
‫أخبرتك أنه أعتى من ذلك‪ .‬قال ‪" :‬ارجع إليه فادعه"‪ .‬فرجع إليه الثالثة‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فأعاد عليه ذلك الكلم‪ .‬فبينا هو يكلمه ‪ ،‬إذ بعث الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬سحابة حيال‬
‫رأسه ‪ ،‬فرعدت ‪ ،‬فوقعت منها صاعقة ‪ ،‬فذهب بقحف رأسه فأنزل الله ‪:‬‬
‫ديد ُ‬ ‫ن ِفي الل ّهِ وَهُوَ َ‬
‫ش ِ‬ ‫جادُِلو َ‬
‫م يُ َ‬
‫شاُء وَهُ ْ‬‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬
‫ب ب َِها َ‬ ‫عقَ فَي ُ ِ‬
‫صي ُ‬ ‫وا ِ‬
‫ص َ‬ ‫س ُ‬
‫ل ال ّ‬ ‫} وَي ُْر ِ‬
‫ل{‬‫حا ِ‬ ‫م َ‬‫ال ْ ِ‬
‫ورواه ابن جرير ‪ ،‬من حديث علي بن أبي سارة ‪ ،‬به )‪ (1‬ورواه الحافظ أبو‬
‫بكر البزار ‪ ،‬عن عبدة بن عبد الله ‪ ،‬عن يزيد بن هارون ‪ ،‬عن ديلم بن‬
‫غَْزوان ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬فذكر نحوه‪(2) .‬‬
‫وقال ‪ :‬حدثنا الحسن بن محمد ‪ ،‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا أبان بن يزيد ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫حار العبدي ‪ :‬أنه بلغه أن نبي الله‬ ‫ص َ‬‫عمران الجوقي ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن ُ‬
‫جّبار يدعوه ‪ ،‬فقال ‪ :‬أرأيتم )‪ (4‬ربكم ‪ ،‬أذهب هو ؟ أو فضة‬ ‫بعثه )‪ (3‬إلى َ‬
‫هو ؟ ألؤلؤ هو ؟ قال ‪ :‬فبينا هو يجادلهم ‪ ،‬إذ بعث الله سحابة فرعدت فأرسل‬
‫عليه صاعقة فذهبت بقحف رأسه ‪ ،‬ونزلت هذه الية‪.‬‬
‫وقال أبو بكر بن عياش ‪ ،‬عن ليث بن أبي سليم ‪ ،‬عن مجاهد قال ‪ :‬جاء‬
‫يهودي فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬أخبرني عن ربك ‪] ،‬من أي شيء هو[ )‪ (5‬من نحاس‬
‫هو ؟ من لؤلؤ ؟ أو ياقوت ؟ قال ‪ :‬فجاءت صاعقة فأخذته ‪ ،‬وأنزل الله ‪:‬‬
‫شاُء {‬‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬
‫ب ب َِها َ‬
‫صي ُ‬‫عقَ فَي ُ ِ‬
‫وا ِ‬
‫ص َ‬ ‫س ُ‬
‫ل ال ّ‬ ‫} وَي ُْر ِ‬
‫ن رجل أنكر القرآن ‪ ،‬وكذب النبي صلى الله عليه‬ ‫وقال قتادة ‪ُ :‬ذكر لنا أ ّ‬
‫عقَ { الية‪.‬‬ ‫وا ِ‬
‫ص َ‬ ‫س ُ‬
‫ل ال ّ‬ ‫وسلم ‪ ،‬فأرسل الله صاعقة فأهلكته وأنزل ‪ } :‬وَي ُْر ِ‬
‫وذكروا في سبب نزولها قصة عامر بن الطفيل وأربد )‪ (6‬بن ربيعة لما قدما‬
‫على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ‪ ،‬فسأله أن يجعل لهما نصف‬
‫المر فأبى عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال له عامر بن‬
‫جْردا ورجال مردا‪ .‬فقال له‬ ‫الطفيل ‪ -‬لعنه الله ‪ :‬أما والله لملن َّها عليك خيل َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬يأبى الله عليك ذلك وأبناء قَْيلة )‪(7‬‬
‫يعني ‪ :‬النصار ‪ ،‬ثم إنهما هما بالفتك )‪ (8‬بالنبي صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫وجعل أحدهما يخاطبه ‪ ،‬والخر يستل سيفه ليقتله من ورائه ‪ ،‬فحماه الله‬
‫منهما وعصمه ‪ ،‬فخرجا من المدينة فانطلقا في أحياء العرب ‪ ،‬يجمعان الناس‬
‫لحربه ‪ ،‬عليه السلم )‪ (9‬فأرسل الله على أربد سحابة فيها صاعقة فأحرقته‪.‬‬
‫وأما عامر بن الطفيل فأرسل الله عليه الطاعون ‪ ،‬فخرجت فيه غُ ّ‬
‫دة‬
‫دة البكر ‪ ،‬وموت في بيت‬ ‫عظيمة ‪ ،‬فجعل يقول ‪ :‬يا آل عامر ‪ ،‬غُ ّ‬
‫دة كغ ّ‬
‫سُلولية )‪ (10‬؟ حتى ماتا )‪ (11‬لعنهما الله ‪ ،‬وأنزل الله في مثل ذلك ‪:‬‬ ‫َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مسند أبي يعلى )‪ (6/183‬وتفسير الطبري )‪ (16/392‬وعلي بن أبي‬
‫سارة ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (2‬مسند البزار برقم )‪" (2221‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع )‬
‫‪" : (7/42‬رجال البزار ‪ ،‬رجال الصحيح غير ديلم بن غزوان وهو ثقة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بعث"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬أرأيتكم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬وأزيد"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬قبيلة"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬بالقتل"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬سلولته"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في أ ‪" :‬مات"‪.‬‬

‫) ‪(4/443‬‬

‫شاُء { وفي ذلك يقول لبيد بن ربيعة ‪،‬‬ ‫ن يَ َ‬


‫م ْ‬ ‫ب ب َِها َ‬
‫صي ُ‬‫عقَ فَي ُ ِ‬‫وا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫س ُ‬
‫ل ال ّ‬ ‫} وَي ُْر ِ‬
‫أخو أربد يرثيه ‪:‬‬
‫َ‬
‫سد‪...‬‬‫سماك وال َ‬ ‫هب َنوء ال ّ‬ ‫ف َول‪ ...‬أْر َ‬ ‫حُتو َ‬ ‫شى عََلى أْرب َد َ ال ُ‬ ‫أخ َ‬
‫جد ِ )‪(1‬‬‫عقُ بالـ‪ ...‬فارس َيوم الكريَهة الن ّ ُ‬ ‫صوا ِ‬‫جعني الّرعْد ُ وال ّ‬ ‫فَ َ‬
‫سَعدة بن سعد )‪ (2‬العطار ‪،‬‬ ‫م ْ‬‫وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا َ‬
‫حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ‪ ،‬حدثني عبد العزيز بن عمران ‪ ،‬حدثني‬
‫عبد الرحمن وعبد الله ابنا زيد بن أسلم ‪ ،‬عن أبيهما ‪ ،‬عن عطاء بن يسار ‪،‬‬
‫جْزء بن جليد )‪ (3‬بن جعفر بن كلب ‪،‬‬ ‫عن ابن عباس ‪ ،‬أن أربد بن قيس بن َ‬
‫وعامر بن الطفيل بن مالك ‪ ،‬قدما المدينة على رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فانتهيا إليه وهو جالس ‪ ،‬فجلسا بين يديه ‪ ،‬فقال عامر بن الطفيل ‪:‬‬
‫ت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه‬ ‫يا محمد ‪ ،‬ما تجعل لي إن أسلم ُ‬
‫وسلم ‪" :‬لك ما للمسلمين ‪ ،‬وعليك ما عليهم"‪ .‬قال عامر بن الطفيل ‪:‬‬
‫أتجعل لي المر إن أسلمت من بعدك ؟ قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬ليس ذلك لك ول لقومك ‪ ،‬ولكن لك أعّنة الخيل"‪ .‬قال ‪ :‬أنا الن في‬
‫أعّنة خيل نجد ‪ ،‬اجعل لي الوب ََر ولك المد ََر‪ .‬قال رسول الله ‪" :‬ل"‪ .‬فلما قفل‬
‫من عنده قال عامر ‪ :‬أما والله لملن َّها عليك خيل ورجال فقال له رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يمنعك الله"‪ .‬فلما خرج أربد وعامر ‪ ،‬قال عامر ‪ :‬يا‬
‫أربد ‪ ،‬أنا أشغل عنك محمدا صلى الله عليه وسلم بالحديث ‪ ،‬فاضربه‬
‫ضوا بالدية ‪،‬‬‫بالسيف ‪ ،‬فإن الناس إذا قتلت محمدا لم يزيدوا على أن َير َ‬
‫ويكرهوا الحرب ‪ ،‬فنعطيهم )‪ (4‬الدية‪ .‬قال أربد ‪ :‬أفعل‪ .‬فأقبل راجعين إليه ‪،‬‬
‫فقال عامر ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬قم معي أكلمك‪ .‬فقام معه رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فجلسا إلى الجدار ‪ ،‬ووقف معه رسول الله صلى الله عليه‬
‫ل أربد ُ السيف ‪ ،‬فلما وضع يده على السيف يبست يده‬ ‫س ّ‬ ‫وسلم يكلمه ‪ ،‬و َ‬
‫على قائم السيف ‪ ،‬فلم يستطع سل السيف ‪ ،‬فأبطأ أربد على عامر بالضرب‬
‫‪ ،‬فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أربد ‪ ،‬وما يصنع ‪ ،‬فانصرف‬
‫عنهما‪ .‬فلما خرج عامر وأربد من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى‬
‫سيد بن حضير‬ ‫حّرة واقم نزل فخرج إليهما سعد بن معاذ وأ َ‬ ‫حّرة ‪َ ،‬‬ ‫إذا كانا بال َ‬
‫فقال اشخصا يا عدّوي الله ‪ ،‬لعنكما الله‪ .‬فقال عامر ‪ :‬من هذا يا سعد ؟‬
‫ضير الكتائب )‪ (5‬فخرجا حتى إذا كانا بالّرقم ‪ ،‬أرسل‬ ‫ح َ‬ ‫سيد بن ُ‬ ‫قال ‪ :‬هذا أ َ‬
‫الله على أربد َ صاعقة فقتلته ‪ ،‬وخرج عامر حتى إذا كان بالخريم ‪ ،‬أرسل الله‬
‫قرحة فأخذته فأدركه الليل في بيت امرأة من بني سلول ‪ ،‬فجعل يمس‬
‫سُلولية )‪ (6‬ترغب أن‬ ‫قرحته في حلقه ويقول ‪ :‬غدة كغدة الجمل في بيت َ‬
‫يموت في بيتها! ثم ركب فرسه فأحضره حتى مات عليه راجعا ‪ ،‬فأنزل الله‬
‫ل كُ ّ ُ‬
‫ما‬
‫م { إلى قوله ‪ } :‬وَ َ‬ ‫حا ُ‬
‫ض الْر َ‬ ‫ل أن َْثى وَ َ‬
‫ما ت َِغي ُ‬ ‫م ُ‬
‫ح ِ‬
‫ما ت َ ْ‬‫م َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫فيهما ‪ } :‬الل ّ ُ‬
‫ل { ]الرعد ‪ - [11 - 8 :‬قال ‪ :‬المعقبات من أمر الله‬ ‫ن َوا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُدون ِهِ ِ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫دا صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ثم ذكر أربد وما قتله به ‪ ،‬فقال ‪:‬‬ ‫يحفظون محم ً‬
‫شاُء { الية )‪.(7‬‬ ‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ب ب َِها َ‬‫صي ُ‬‫عقَ فَي ُ ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ص َ‬
‫ل ال ّ‬ ‫س ُ‬
‫} وَي ُْر ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه الطبري في تفسيره )‪ (382 - 16/379‬عن ابن زيد‪.‬‬
‫)‪ (2‬في هـ ‪ ،‬ت ‪" :‬سعيد" وما أثبتناه هو الصواب ؛ لوقوعه في المعجم الكبير‬
‫والصغير هكذا ‪ ،‬ولم أجد له ترجمة‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬خالد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فستعطيهم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الكاتب"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬سلولته"‪.‬‬
‫)‪ (7‬المعجم الكبير )‪ (381 - 10/379‬وفيه عبد العزيز بن عمران ‪ ،‬وعبد‬
‫الرحمن وعبد الله ابنا زيد بن أسلم ‪ ،‬وكلهم ضعاف‪.‬‬

‫) ‪(4/444‬‬
‫كون في عظمته ‪ ،‬وأنه ل إله إل‬ ‫ش ّ‬ ‫ن ِفي الل ّهِ { أي ‪ :‬ي َ ُ‬ ‫جادُِلو َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَهُ ْ‬
‫ل{‬ ‫حا ِ‬‫م َ‬ ‫ْ‬
‫ديد ُ ال ِ‬‫ش ِ‬ ‫هو ‪ } ،‬وَهُوَ َ‬
‫حلته في عقوبة من طغى عليه وعتا وتمادى في‬ ‫َ‬ ‫قال ابن جرير ‪ :‬شديدة مما َ‬
‫كفره‪.‬‬
‫ن‬ ‫م ل يَ ْ‬
‫شعُُرو َ‬ ‫مك ًْرا وَهُ ْ‬‫مك َْرَنا َ‬ ‫مك ًْرا وَ َ‬ ‫مك َُروا َ‬ ‫وهذه الية شبيهة بقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َفان ْظ ُْر ك َي ْ َ‬
‫ن { ]النمل ‪، 50 :‬‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬
‫مأ ْ‬ ‫مهُ ْ‬‫م وَقَوْ َ‬ ‫مْرَناهُ ْ‬‫م أّنا د َ ّ‬‫مك ْرِهِ ْ‬‫ة َ‬ ‫عاقِب َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬
‫‪.[51‬‬
‫ل { أي ‪ :‬شديد الخذ‪ .‬وقال‬ ‫حا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫ديد ُ ال ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫وعن علي ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ } :‬وَهُوَ َ‬
‫مجاهد ‪ :‬شديد القوة‪.‬‬

‫) ‪(4/445‬‬

‫ط‬ ‫يٍء إ ِّل ك ََبا ِ‬


‫س ِ‬ ‫م بِ َ‬
‫ش ْ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬‫جيُبو َ‬ ‫ن ُدون ِهِ َل ي َ ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫حقّ َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ه د َعْوَةُ ال ْ َ‬‫لَ ُ‬
‫ل )‪(14‬‬‫ضَل ٍ‬ ‫ن إ ِّل ِفي َ‬ ‫ري َ‬‫كافِ ِ‬‫عاُء ال ْ َ‬‫ما د ُ َ‬ ‫ماِء ل ِي َب ْل ُغَ َفاه ُ وَ َ‬
‫ما هُوَ ب َِبال ِغِهِ وَ َ‬ ‫في ْهِ إ َِلى ال ْ َ‬
‫كَ ّ‬

‫ط‬
‫س ِ‬‫يٍء ِإل ك ََبا ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫م بِ َ‬‫ن ل َهُ ْ‬ ‫جيُبو َ‬ ‫ست َ ِ‬‫ن ُدون ِهِ ل ي َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬‫ذي َ‬ ‫حقّ َوال ّ ِ‬ ‫ه د َعْوَةُ ال ْ َ‬ ‫} لَ ُ‬
‫ل)‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ن ِإل ِفي َ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬‫عاُء ال ْ َ‬ ‫ما د ُ َ‬ ‫ما هُوَ ب َِبال ِغِهِ وَ َ‬ ‫ماِء ل ِي َب ْل ُغَ َفاه ُ وَ َ‬ ‫في ْهِ إ َِلى ال ْ َ‬ ‫كَ ّ‬
‫‪{ (14‬‬
‫حقّ { قال ‪ :‬التوحيد‪.‬‬ ‫ْ‬
‫ه د َعْوَةُ ال َ‬ ‫َ‬
‫قال علي بن أبى طالب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ } :‬ل ُ‬
‫رواه ابن جرير‪.‬‬
‫ه د َعْوَةُ‬ ‫َ‬
‫در ‪ } :‬ل ُ‬ ‫َ‬
‫وقال ابن عباس ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬ومالك عن محمد بن المن ْك ِ‬
‫حقّ { ]قال[ )‪ (1‬ل إله إل الله‪.‬‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن ُدون ِهِ { )‪ (2‬أي ‪ :‬ومثل الذين يعبدون آلهة غير الله‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َوال ّ ِ‬
‫ماِء ل ِي َب ْل ُغَ َفاه ُ { قال علي بن أبي طالب ‪ :‬كمثل الذي‬ ‫في ْهِ إ َِلى ال ْ َ‬ ‫ط كَ ّ‬ ‫س ِ‬ ‫} ك ََبا ِ‬
‫يتناول الماء من طرف البئر بيده ‪ ،‬وهو ل يناله أبدا بيده ‪ ،‬فكيف يبلغ فاه ؟‪.‬‬
‫في ْهِ { يدعو الماء بلسانه ‪ ،‬ويشير إليه ]بيده[ )‪(3‬‬ ‫ط كَ ّ‬ ‫س ِ‬ ‫وقال مجاهد ‪ } :‬ك ََبا ِ‬
‫فل يأتيه أبدا‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد كقابض يده على الماء ‪ ،‬فإنه ل يحكم منه على شيء ‪ ،‬كما‬
‫قال الشاعر ‪(4) :‬‬
‫ُ‬
‫سقه )‪ (5‬أنامله‪...‬‬ ‫َ‬
‫ماء لم ت َ ْ‬ ‫قابض َ‬ ‫م‪ ...‬ك َ َ‬ ‫شوًْقا إليك ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫َفإّني َوإّياك ُ ْ‬
‫وقال الخر ‪(6) :‬‬
‫ماَء ِبالَيد‪...‬‬ ‫ض ال َ‬ ‫ل القاب ِ‬ ‫مث ْ َ‬
‫من الوُد ّ ِ‬ ‫ن ب َي ِْني وَب َي َْنها‪ِ ...‬‬ ‫ما كا َ‬ ‫تم ّ‬ ‫صَبح ُ‬ ‫فأ ْ‬
‫ومعنى الكلم ‪ :‬أن هذا الذي يبسط يده إلى الماء ‪ ،‬إما قابضا وإما متناول له‬
‫من ُبعد ‪ ،‬كما أنه ل‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬تدعون"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (4‬هو ضابئ بن الحارث البرجمي ‪ ،‬والبيت في تفسير الطبري )‪(16/399‬‬
‫وأورده البغدادي في خزانة الدب )‪ (4/80‬من أبيات سبعة قالها في الحبس‪.‬‬
‫اهـ مستفادا من حاشية الشعب‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬يسقه"‪.‬‬
‫)‪ (6‬هو الحوص بن محمد النصاري ‪ ،‬والبيت في تفسير الطبري )‪.(16/400‬‬
‫) ‪(4/445‬‬

‫َْ‬
‫ل‬‫صا ِ‬ ‫م ِبال ْغُد ُوّ َواْل َ َ‬ ‫ها وَظ َِلل ُهُ ْ‬ ‫عا وَك َْر ً‬ ‫ض ط َوْ ً‬ ‫ت َوا َلْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫جد ُ َ‬ ‫س ُ‬‫وَل ِل ّهِ ي َ ْ‬
‫َ‬
‫ن ُدون ِهِ أوْل َِياَء َل‬ ‫َ‬
‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ل أَفات ّ َ‬
‫خذ ْت ُ ْ‬ ‫ه قُ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ض قُ ِ‬ ‫ت َوالْر ِ‬
‫ْ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫)‪ (15‬قُ ْ‬
‫وي‬ ‫م هَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫ضّرا قُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مل ِ ُ‬
‫ست َ ِ‬
‫ل تَ ْ‬ ‫صيُر أ ْ‬ ‫مى َوالب َ ِ‬ ‫وي العْ َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫ل يَ ْ‬ ‫فًعا وَل َ‬ ‫م نَ ْ‬
‫َ‬
‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬ ‫ن ِلن ْ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫م قُ ِ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫خلقُ عَلي ْهِ ْ‬‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه ال َ‬ ‫شاب َ َ‬‫قهِ فَت َ َ‬ ‫ْ‬
‫خل ِ‬ ‫َ‬
‫قوا ك َ‬ ‫َ‬
‫خل ُ‬ ‫َ‬
‫شَركاَء َ‬ ‫ّ‬
‫جعَلوا ل ِلهِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت َوالّنوُر أ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫الظل َ‬
‫قّهاُر )‪(16‬‬ ‫ْ‬
‫حد ُ ال َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ْ‬
‫يٍء وَهُوَ ال َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫خال ِقُ ك ّ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ُ‬

‫ينتفع بالماء الذي لم يصل إلى فيه ‪ ،‬الذي جعله محل للشرب ‪ ،‬فكذلك هؤلء‬
‫المشركون الذين يعبدون مع الله إلها غيره ‪ ،‬ل ينتفعون بهم أبدا في الدنيا ول‬
‫ل{‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ن ِإل ِفي َ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫عاُء ال ْ َ‬ ‫ما د ُ َ‬ ‫في الخرة ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ْ‬
‫م ِبالغُد ُّو‬ ‫ظللهُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ها وَ ِ‬ ‫َ‬
‫عا وَكْر ً‬ ‫ض طو ْ ً‬ ‫َ‬ ‫} وَل ِل ّهِ ي َ ْ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫جد ُ َ‬ ‫س ُ‬
‫ل )‪{ (15‬‬ ‫صا ِ‬ ‫َوال َ‬
‫يخبر تعالى عن عظمته وسلطانه الذي قهر كل شيء ‪ ،‬ودان له كل شيء‪.‬‬
‫ل شيء طوعا من المؤمنين ‪ ،‬وكرها من المشركين ‪،‬‬ ‫جد له ك ّ‬ ‫ولهذا يس ُ‬
‫م ِبالغُد ُوّ { أي ‪ :‬الُبكر )‪ (1‬والصال ‪ ،‬وهو جمع أصيل وهو آخر النهار‬ ‫ْ‬ ‫ظلل ُهُ ْ‬ ‫} وَ ِ‬
‫ن‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ظل‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫ي‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ما‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫وا‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫قال‬ ‫‪ ،‬كما‬
‫ْ ََ ّ ِ ُ َ ِ‬ ‫ُ ِ ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ْ ََ ْ ِ‬
‫ن { ]النحل ‪.[48 :‬‬ ‫خُرو َ‬ ‫م َدا ِ‬ ‫دا ل ِل ّهِ وَهُ ْ‬ ‫ج ً‬ ‫س ّ‬ ‫ل ُ‬ ‫مائ ِ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫مي ِ‬ ‫ال ْي َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ُدون ِهِ أوْل َِياَء ل‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬ ‫ل أَفات ّ َ‬ ‫ه قُ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ض قُ ِ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫} قُ ْ‬
‫َ‬
‫وي‬ ‫ست َ ِ‬
‫ل تَ ْ‬ ‫م هَ ْ‬ ‫صيُر أ ْ‬ ‫مى َوال ْب َ ِ‬ ‫وي العْ َ‬ ‫ست َ ِ‬‫ل يَ ْ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫ضّرا قُ ْ‬ ‫فًعا َول َ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن لن ْ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫قوا ك َ َ‬ ‫َ‬ ‫شَر َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫م قُ ِ‬
‫ل‬ ‫خلقُ عَلي ْهِ ْ‬ ‫ه ال َ‬ ‫شاب َ َ‬ ‫قهِ فَت َ َ‬ ‫خل ِ‬ ‫خل ُ‬ ‫كاَء َ‬ ‫جعَلوا ل ِلهِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت َوالّنوُر أ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫الظل َ‬
‫قّهاُر )‪{ (16‬‬ ‫ْ‬
‫حد ُ ال َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ْ‬
‫يٍء وَهُوَ ال َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫خال ِقُ ك ُ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫يقرر تعالى أنه ل إله إل هو ؛ لنهم معترفون )‪ (2‬أنه هو الذي خلق السموات‬
‫والرض ‪ ،‬وهو ربها ومدبرها ‪ ،‬وهم مع هذا قد اتخذوا من دونه أولياء يعبدونهم‬
‫ضّرا‬ ‫فًعا َول َ‬ ‫‪ ،‬وأولئك اللهة ل تملك لنفسها )‪ (3‬ول لعابديها بطريق الولى } ن َ ْ‬
‫{ أي ‪ :‬ل تحصل منفعة ‪ ،‬ول تدفع مضرة‪ .‬فهل َيسَتوي من عبد هذه اللهة مع‬
‫الله ‪ ،‬ومن عبد الله وحده ل شريك له ‪ ،‬وهو على نور من ربه ؟ ولهذا قال ‪:‬‬
‫جعَُلوا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ت َوالّنوُر أ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫وي الظ ّل ُ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ل تَ ْ‬ ‫م هَ ْ‬ ‫صيُر أ ْ‬ ‫مى َوال ْب َ ِ‬ ‫وي العْ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫} قُ ْ‬
‫م { )‪ (4‬أي ‪ :‬أجعل هؤلء‬ ‫خل ْقُ عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫شاب َ َ‬ ‫قهِ فَت َ َ‬ ‫خل ْ ِ‬‫قوا ك َ َ‬ ‫خل َ ُ‬ ‫كاَء َ‬ ‫شَر َ‬ ‫ل ِل ّهِ ُ‬
‫المشركون مع الله آلهة تناظر الرب وتماثله في الخلق ‪ ،‬فخلقوا كخلقه ‪،‬‬
‫فتشابه الخلق عليهم ‪ ،‬فل يدرون أنها مخلوقة من مخلوق غيره ؟ أي ‪ :‬ليس‬
‫دل )‪ (5‬له ‪ ،‬ول‬ ‫المر كذلك ‪ ،‬فإنه ل يشابهه شيء ول يماثله ‪ ،‬ول ند ّ له ول ع ْ‬
‫وزير له ‪ ،‬ول ولد ول صاحبة ‪ ،‬تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا‪ .‬وإنما عبد هؤلء‬
‫المشركون معه آلهة هم يعترفون )‪ (6‬أنها مخلوقة له عبيد له ‪ ،‬كما كانوا‬
‫يقولون في تلبيتهم ‪ :‬لبيك ل شريك لك ‪ ،‬إل شريكا هو لك ‪ ،‬تملكه وما ملك‪.‬‬
‫فى {‬ ‫قّرُبوَنا إ َِلى الل ّهِ ُزل ْ َ‬ ‫م ِإل ل ِي ُ َ‬ ‫ما ن َعْب ُد ُهُ ْ‬ ‫وكما أخبر تعالى عنهم في قوله ‪َ } :‬‬
‫]الزمر ‪ (7) [3 :‬فأنكر تعالى ذلك عليهم ‪ ،‬حيث اعتقدوا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪ :‬بالبكرات"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬يعرفون"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬لنفسها"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬يستوى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬ول عديل"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يعرفون"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬إنما"‪.‬‬

‫) ‪(4/446‬‬

‫ما‬
‫م ّ‬ ‫دا َراب ًِيا وَ ِ‬
‫ل َزب َ ً‬‫سي ْ ُ‬‫ل ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ها َفا ْ‬
‫حت َ َ‬ ‫قد َرِ َ‬‫ة بِ َ‬ ‫ت أ َوْدِي َ ٌ‬ ‫سال َ ْ‬‫ماًء فَ َ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫ل ِ‬ ‫أ َن َْز َ‬
‫َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ه ال ْ َ‬‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضرِ ُ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫ه ك َذ َل ِ َ‬‫مث ْل ُ ُ‬‫مَتاٍع َزب َد ٌ ِ‬ ‫حل ْي َةٍ أوْ َ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ِفي الّنارِ اب ْت َِغاَء ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ُيوقِ ُ‬
‫ض ك َذ َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َوال َْباط ِ َ‬
‫ك‬ ‫ث ِفي الْر ِ‬ ‫مك ُ ُ‬‫س فَي َ ْ‬ ‫فعُ الّنا َ‬ ‫ما ي َن ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫فاًء وَأ ّ‬ ‫ج َ‬
‫ب ُ‬ ‫ما الّزب َد ُ فَي َذ ْهَ ُ‬ ‫ل فَأ ّ‬
‫َ‬
‫ل )‪(17‬‬ ‫ه اْل ْ‬
‫مَثا َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضرِ ُ‬‫يَ ْ‬

‫عن ْد َه ُ ِإل‬ ‫ة ِ‬ ‫فاعَ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫فعُ ال ّ‬ ‫ذلك ‪ ،‬وهو تعالى ل يشفع عنده أحدإل بإذنه ‪َ } ،‬ول ت َن ْ َ‬
‫ل ِم َ‬
‫م‬
‫َُُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ع‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ني‬ ‫ُْ ِ‬ ‫غ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ت‬
‫س َ َ ِ‬ ‫وا‬ ‫ما‬ ‫ك ِفي ال ّ‬ ‫مل َ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه { ]سبأ ‪ } ، [23 :‬وَك َ ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ن أذِ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫شي ًْئا إل من بعد أ َن يأ ْ‬
‫ن‬‫ِ ْ‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقال‬ ‫[‬ ‫‪26‬‬ ‫‪:‬‬ ‫]النجم‬ ‫{‬ ‫ضى‬ ‫ََْ َ‬ ‫ر‬ ‫ي‬‫و‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫شا‬ ‫ي‬
‫ُ ِ َ ْ َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ ْ ِ ِ ْ َْ ِ ْ َ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ذ‬
‫دا‬ ‫َ‬ ‫دا ل َ َ‬ ‫كُ ّ‬
‫م عَ ّ‬ ‫م وَعَد ّهُ ْ‬ ‫صاهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫قد ْ أ ْ‬ ‫ن عَب ْ ً‬ ‫م ِ‬‫ح َ‬ ‫ض ِإل آِتي الّر ْ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬
‫مةِ فَْرًدا { ]مريم ‪ [95 - 93 :‬فإذا كان الجميع عبيدا ‪،‬‬ ‫قَيا َ‬ ‫ْ‬
‫م ال ِ‬ ‫م آِتيهِ ي َوْ َ‬ ‫ّ‬
‫وَك ُلهُ ْ‬
‫فلم يعبد بعضهم بعضا بل دليل ول برهان ‪ ،‬بل بمجرد الرأي والختراع‬
‫والبتداع ؟ ثم قد أرسل رسله من أولهم إلى آخرهم تزجرهم عن ذلك ‪،‬‬
‫وتنهاهم عن عبادة من سوى الله ‪ ،‬فكذبوهم وخالفوهم ‪ ،‬فحقت عليهم كلمة‬
‫دا { ]الكهف ‪.[49 :‬‬ ‫العذاب ل محالة ‪ } ،‬ول يظ ْل ِم رب َ َ‬
‫ح ً‬ ‫كأ َ‬ ‫ُ َ ّ‬ ‫َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫} َأنز َ‬
‫ما‬‫م ّ‬ ‫دا َراب ًِيا وَ ِ‬ ‫ل َزب َ ً‬ ‫سي ْ ُ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫حت َ َ‬ ‫ها َفا ْ‬ ‫قد َرِ َ‬ ‫ة بِ َ‬ ‫ت أوْدِي َ ٌ‬ ‫سال ْ‬ ‫ماًء فَ َ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬
‫َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضرِ ُ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫ه ك َذ َل ِ َ‬ ‫مث ْل ُ ُ‬ ‫مَتاٍع َزب َد ٌ ِ‬ ‫حل ْي َةٍ أوْ َ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ِفي الّنارِ اب ْت َِغاَء ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ُيوقِ ُ‬
‫ض ك َذ َل ِكَ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َوال َْباط ِ َ‬
‫ث ِفي الْر ِ‬ ‫مك ُ‬ ‫س في َ ْ‬ ‫فعُ الّنا َ‬ ‫ما ي َن ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫فاًء وَأ ّ‬ ‫ج َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ما الّزب َد ُ في َذ ْهَ ُ‬ ‫ل فأ ّ‬
‫ل )‪{ (17‬‬ ‫مَثا َ‬ ‫ه ال ْ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضرِ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫اشتملت هذه الية الكريمة على مثلين مضروبين للحق في ثباته وبقائه ‪،‬‬
‫ماًء { أي ‪:‬‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫والباطل في اضمحلله وفنائه ‪ ،‬فقال تعالى ‪َ } :‬أنز َ‬
‫ها { أي ‪ :‬أخذ كل واد بحسبه ‪ ،‬فهذا كبير وسع‬ ‫قد َرِ َ‬ ‫ة بِ َ‬‫ت أ َوْدِي َ ٌ‬ ‫سال َ ْ‬ ‫مطرا ‪ } ،‬فَ َ‬
‫كثيرا من الماء ‪ ،‬وهذا صغير فوسع بقدره ‪ ،‬وهو إشارة إلى القلوب وتفاوتها ‪،‬‬
‫فمنها ما يسع علما كثيرا ‪ ،‬ومنها ما ل يتسع لكثير من العلوم بل يضيق عنها ‪،‬‬
‫دا َراب ًِيا { أي ‪ :‬فجاء على وجه الماء الذي سال في هذه‬ ‫ل َزب َ ً‬ ‫سي ْ ُ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫م َ‬‫حت َ َ‬ ‫} َفا ْ‬
‫ن عَلي ْهِ ِفي الّنارِ {‬ ‫َ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ُيوقِ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫الودية َزب َد ٌ عال عليه ‪ ،‬هذا مثل ‪ ،‬وقوله ‪ } :‬وَ ِ‬
‫هذا هو المثل الثاني ‪ ،‬وهو ما يسبك في النار من ذهب أو فضة } اب ْت َِغاَء‬
‫دا ‪ ،‬فيجعل متاعا فإنه يعلوه زبد منه‬ ‫حل ْي َةٍ { أي ‪ :‬ليجعل حلية أو نحاسا أو حدي ً‬ ‫ِ‬
‫ل { أي ‪ :‬إذا‬ ‫حقّ َوالَباط ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه ال َ‬ ‫ّ‬
‫ب الل ُ‬ ‫ضرِ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪ ،‬كما يعلو ذلك )‪ (1‬زبد منه‪ } .‬كذ َل ِك ي َ ْ‬
‫اجتمعا ل ثبات للباطل ول دوام له ‪ ،‬كما أن الزبد ل يثبت مع الماء ‪ ،‬ول مع‬
‫َ‬
‫ما‬‫الذهب ونحوه مما يسبك في النار ‪ ،‬بل يذهب ويضمحل ؛ ولهذا قال ‪ } :‬فَأ ّ‬
‫فاًء { أي ‪ :‬ل ينتفع به ‪ ،‬بل يتفرق ويتمزق ويذهب في جانبي‬ ‫ج َ‬ ‫ب ُ‬ ‫الّزب َد ُ فَي َذ ْهَ ُ‬
‫الوادي ‪ ،‬ويعلق بالشجر وتنسفه الرياح‪ .‬وكذلك خبث الذهب والفضة والحديد‬
‫والنحاس يذهب ‪ ،‬ل يرجع )‪ (2‬منه شيء ‪ ،‬ول يبقى إل الماء )‪ (3‬وذلك الذهب‬
‫ض ك َذ َل ِ َ‬ ‫مك ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ث ِفي الْر ِ‬ ‫س فَي َ ْ‬ ‫فعُ الّنا َ‬ ‫ما ي َن ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ونحوه ينتفع به ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَأ ّ‬
‫ما‬‫س وَ َ‬ ‫ضرِب َُها ِللّنا ِ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫مَثا ُ‬ ‫ك ال ْ‬ ‫ل { كما قال تعالى ‪ } :‬وَت ِل ْ َ‬ ‫مَثا َ‬ ‫ه ال ْ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضرِ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن { ]العنكبوت ‪.[43 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫قل َُها ِإل ال َْعال ِ ُ‬ ‫ي َعْ ِ‬
‫كيت على‬ ‫ت مثل من القرآن فلم أفهمه ب َ َ‬ ‫قال بعض السلف ‪ :‬كنت إذا قرأ ُ‬
‫ن{‬ ‫مو َ‬ ‫ْ‬
‫قلَها ِإل الَعال ِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ما ي َعْ ِ‬ ‫نفسي ؛ لن الله تعالى يقول ‪ } :‬وَ َ‬
‫ماِء‬
‫س َ‬
‫ن ال ّ‬
‫م َ‬ ‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬قوله تعالى ‪َ } :‬أنز َ‬
‫ل ِ‬
‫ها {‬
‫قد َرِ َ‬ ‫ت أ َوْدِي َ ٌ‬
‫ة بِ َ‬ ‫سال َ ْ‬
‫ماًء فَ َ‬
‫َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬ذاك"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬منه إلى شيء"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ويبقى الماء"‪.‬‬

‫) ‪(4/447‬‬

‫هذا مثل ضربه الله ‪ ،‬احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها ‪ ،‬فأما‬
‫الشك فل ينفع معه العمل ‪ ،‬وأما اليقين فينفع الله به أهله‪ .‬وهو قوله ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ث‬‫مك ُ‬ ‫س فَي َ ْ‬ ‫فعُ الّنا َ‬ ‫ما ي َن ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫فاًء { ]وهو الشك[ )‪ } (1‬وَأ ّ‬ ‫ج َ‬‫ب ُ‬ ‫ما الّزب َد ُ فَي َذ ْهَ ُ‬ ‫} فَأ ّ‬
‫ض { وهو اليقين ‪ ،‬وكما يجعل الحلي في النار فيؤخذ خالصه ويترك‬ ‫ِفي الْر ِ‬
‫خَبثه في النار ؛ فكذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك‪.‬‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ت أوْدِي َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سال ْ‬ ‫ماًء ف َ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫وقال العوفي عن ابن عباس قوله ‪ } :‬أنزل ِ‬
‫دا َراب ًِيا { يقول ‪ :‬احتمل السيل ما في الوادي من‬ ‫ل َزب َ ً‬ ‫سي ْ ُ‬‫ل ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ها َفا ْ‬
‫حت َ َ‬ ‫قد َرِ َ‬ ‫بِ َ‬
‫ن عَل َي ْهِ ِفي الّنارِ { فهو الذهب والفضة والحلية‬ ‫دو‬ ‫ق‬ ‫يو‬
‫َ ِ ّ ُ ِ ُ َ‬ ‫ما‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫(‬‫‪2‬‬ ‫)‬ ‫نة‬ ‫م‬
‫ِ ْ َ‬ ‫د‬ ‫و‬ ‫عود‬
‫والمتاع والنحاس والحديد ‪ ،‬فللنحاس والحديد خبث ‪ ،‬فجعل الله مثل خبثه‬
‫كزبد الماء ‪ ،‬فأما ما ينفع الناس فالذهب والفضة ‪ ،‬وأما ما ينفع الرض فما‬
‫شربت من الماء فأنبتت‪ .‬فجعل ذاك )‪ (3‬مثل العمل الصالح يبقى لهله ‪،‬‬
‫والعمل السيئ يضمحل عن أهله ‪ ،‬كما يذهب هذا الزبد ‪ ،‬فكذلك الهدى‬
‫والحق جاءا من عند الله ‪ ،‬فمن عمل بالحق كان له ‪ ،‬ويبقى كما يبقى ما ينفع‬
‫الناس في الرض‪ .‬وكذلك الحديد ل يستطاع أن يعمل منه سكين ول سيف‬
‫حتى يدخل في النار فتأكل خب ََثه ‪ ،‬ويخرج جيده فينتفع به‪ .‬كذلك يضمحل‬
‫الباطل إذا كان يوم القيامة ‪ ،‬وأقيم الناس ‪ ،‬وعرضت العمال ‪ ،‬فيزيغ الباطل‬
‫ويهلك ‪ ،‬وينتفع أهل الحق بالحق‪.‬‬
‫وكذلك ُروي في تفسيرها عن مجاهد ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وقتادة ‪،‬‬
‫وغير واحد من السلف والخلف‪.‬‬
‫وقد ضرب الله ‪ ،‬سبحانه وتعالى ‪ ،‬في أول سورة البقرة للمنافقين مثلين‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫ت َ‬ ‫ضاَء ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ست َوْقَد َ َناًرا فَل َ ّ‬ ‫ذي ا ْ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫م كَ َ‬ ‫مث َل ُهُ ْ‬‫ناريا ومائيا ‪ ،‬وهما قوله ‪َ } :‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫َ ٌ‬ ‫ما‬ ‫ل‬ ‫ظ‬ ‫ه‬
‫ِ ِ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫ما‬‫ّ َ‬‫س‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ ّ ٍ ِ َ‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫ثم‬ ‫ه { الية ]البقرة ‪، [17 :‬‬ ‫حوْل َ ُ‬ ‫َ‬
‫وََرعْد ٌ وَب َْرقٌ { الية ] البقرة ‪ .[19 :‬وهكذا ضرب للكافرين في سورة النور‬
‫َ‬
‫ه‬
‫سب ُ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫قيعَةٍ ي َ ْ‬ ‫ب بِ ِ‬ ‫سَرا ٍ‬ ‫م كَ َ‬ ‫مال ُهُ ْ‬ ‫فُروا أعْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مثلين ‪ ،‬أحدهما ‪ :‬قوله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ماًء { ] النور ‪ [39 :‬الية ‪ ،‬والسراب إنما يكون في شدة الحر ؛‬ ‫ن َ‬ ‫مآ ُ‬ ‫الظ ّ ْ‬
‫ولهذا جاء في الصحيحين ‪" :‬فيقال لليهود يوم القيامة ‪ :‬فما تريدون ؟‬
‫فيقولون ‪ :‬أيْ َرّبنا ‪ ،‬عطشنا فاسقنا‪ .‬فيقال ‪ :‬أل تردون ؟ فيردون النار فإذا‬
‫طم بعضها بعضا"‪.‬‬ ‫ح ِ‬ ‫هي كالسراب ي َ ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن فَوْقِ ِ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫مو ْ ٌ‬‫شاهُ َ‬ ‫ي ي َغْ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫حرٍ ل ّ‬ ‫ت ِفي ب َ ْ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ثم قال في المثل الخر ‪ } :‬أوْ كظل َ‬
‫ب { الية ]النور ‪ .[40 :‬وفي الصحيحين عن أبي موسى‬ ‫حا ٌ‬ ‫ن فَوْقِهِ َ‬
‫س َ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫مو ْ ٌ‬ ‫َ‬
‫الشعري قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن مثل ما بعثني‬
‫الله به من الهدى والعلم ‪ ،‬كمثل غيث أصاب أرضا ‪ ،‬فكان منها طائفة قبلت‬
‫الماء فأنبتت )‪ (4‬الكل والعشب الكثير ‪ ،‬وكانت منها أجادب أمسكت الماء ‪،‬‬
‫فنفع الله بها الناس ‪ ،‬فشربوا ورعوا وسقوا وزرعوا ‪ ،‬وأصابت طائفة منها‬
‫]أخرى[ )‪ (5‬إنما هي قيعان ل تمسك ماء ول تنبت كل فذلك مثل من‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬ورمة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ذلك"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬وأنبتت"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والصحيحين‪.‬‬

‫) ‪(4/448‬‬

‫َ‬
‫ما ِفي‬‫م َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫ه ل َوْ أ ّ‬
‫جيُبوا ل َ ُ‬
‫ست َ ِ‬‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ذي َ‬‫سَنى َوال ّ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬‫جاُبوا ل َِرب ّهِ ُ‬ ‫ست َ َ‬
‫نا ْ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬
‫م‬
‫جهَن ّ ُ‬
‫م َ‬‫مأَواهُ ْ‬ ‫ب وَ َ‬‫سا ِ‬‫ح َ‬ ‫سوُء ال ْ ِ‬‫م ُ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬‫ه َلفْت َد َْوا ب ِهِ أول َئ ِ َ‬ ‫معَ ُ‬
‫ه َ‬ ‫مث ْل َ ُ‬
‫ميًعا وَ ِ‬ ‫ج ِ‬‫ض َ‬ ‫الْر ِ‬
‫مَهاد ُ )‪(18‬‬ ‫س ال ْ ِ‬‫وَب ِئ ْ َ‬

‫فعه الله بما بعثني )‪ (1‬ونفع به ‪ ،‬فَعَِلم وَعَّلم ‪ ،‬ومثل من‬ ‫َفقه في دين الله ون َ َ‬
‫دى الله الذي أرسلت به"‪(2) .‬‬ ‫لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هُ َ‬
‫فهذا مثل مائي ‪ ،‬وقال في الحديث الخر الذي رواه المام أحمد ‪:‬‬
‫من َّبه قال ‪ :‬هذا ما حدثنا أبو‬ ‫مر ‪ ،‬عن همام بن ُ‬ ‫معْ َ‬ ‫حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬مثلي ومثلكم ‪ ،‬كمثل‬
‫رجل استوقد ناًرا ‪ ،‬فلما أضاءت ما حوله )‪ (3‬جعل الفراش وهذه )‪ (4‬الدواب‬
‫ن ويغلبنه فيقتحمن فيها"‪.‬‬ ‫جُزهُ ّ‬‫التي يقعن في النار يقعن فيها ‪ ،‬وجعل يح ُ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫م عن النار ]هَل ّ‬ ‫ُ‬
‫حجزكم عن النار ‪ ،‬هَل ّ‬ ‫قال ‪" :‬فذلكم مثلي ومثلكم ‪ ،‬أنا آخذ ب ُ‬
‫م[ )‪ (5‬فتغلبوني فتقتحمون فيها"‪ .‬وأخرجاه في الصحيحين أيضا‬ ‫عن النار ‪ ،‬هَل ُ ّ‬
‫)‪ (6‬فهذا مثل ناري‪.‬‬
‫ما ِفي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫} ل ِل ّذين استجابوا ل ِربهم ال ْحسنى وال ّذين ل َم يستجيبوا ل َه ل َو أ َ‬
‫ُ ْ ّ ُ ْ َ‬ ‫َ ِ َ ْ َ ْ َ ِ ُ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َ ِّ ُ‬ ‫ِ َ ْ َ َ ُ‬
‫م‬ ‫ن‬ ‫ه‬‫ج‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫وا‬ ‫ك ل َهم سوُء ال ْحساب ومأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ئ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫أو‬‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫وا‬ ‫د‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ َ ِ َ َ َ ُ ْ َ َ ّ ُ‬ ‫ُ ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ ْ ِ ِ‬ ‫ميًعا وَ ِ ُ َ َ ُ‬
‫ع‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫الْر ِ‬
‫مَهاد ُ )‪{ (18‬‬ ‫س ال ْ ِ‬ ‫وَب ِئ ْ َ‬
‫م { أي‬ ‫جاُبوا ل َِرب ّهِ ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫يخبر تعالى عن مآل السعداء والشقياء فقال ‪ } :‬ل ِل ّ ِ‬
‫‪ :‬أطاعوا الله ورسوله ‪ ،‬وانقادوا لوامره ‪ ،‬وصدقوا أخباره الماضية والتية ‪،‬‬
‫فلهم } الحسنى { وهو الجزاء الحسن )‪ (7‬كما قال تعالى مخبًرا عن ذي‬
‫القرنين أنه قال ‪َ } :‬قا َ َ‬
‫ه‬ ‫م ي َُرد ّ إ َِلى َرب ّهِ فَي ُعَذ ّب ُ ُ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ف ن ُعَذ ّب ُ ُ‬ ‫سو ْ َ‬‫م فَ َ‬ ‫ن ظ َل َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫لأ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫سن َ ُ‬ ‫سَنى وَ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫جَزاًء ال ْ ُ‬ ‫ه َ‬‫حا فَل َ ُ‬ ‫صال ِ ً‬‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَعَ ِ‬ ‫م َ‬
‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ذاًبا ن ُك ًْرا وَأ ّ‬ ‫عَ َ‬
‫سَنى‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ح ْ‬ ‫سُنوا ال ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫سًرا { ]الكهف ‪ [88 ، 87 :‬وقال تعالى ‪ } :‬ل ِل ِ‬ ‫مرَِنا ي ُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫وَزَِياد َة ٌ { ]يونس ‪.[26 :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما ِفي‬ ‫م َ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫ه { أي لم ‪ :‬يطيعوا الله } لوْ أ ّ‬ ‫جيُبوا ل ُ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫ميًعا { أي ‪ :‬في الدار الخرة ‪ ،‬لو أن يمكنهم أن يفتدوا من عذاب‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫الْر ِ‬
‫الله بملء الرض ذهبا ومثله معه لفتدوا به ‪ ،‬ولكن ل يتقبل منهم ؛ لنه تعالى‬
‫ب { أي ‪:‬‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫سوُء ال ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬ ‫ل يقبل منهم يوم القيامة صرفا ول عدل } ُأول َئ ِ َ‬
‫في الدار الخرة ‪ ،‬أي ‪ :‬يناقشون على النقير والقطمير ‪ ،‬والجليل والحقير ‪،‬‬
‫ومن نوقش الحساب عذب ؛ ولهذا قال ‪ } :‬و ْ‬
‫مَهاد ُ {‬ ‫س ال ْ ِ‬ ‫م وَب ِئ ْ َ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مأَواهُ ْ‬ ‫َ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بعثني به"‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري برقم )‪ (79‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2282‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬ما حولها"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬وهذا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪ (2/312‬وصحيح البخاري برقم )‪ (6482‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪ (2284‬وهو عنده من هذا الطريق‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬الخير"‪.‬‬

‫) ‪(4/449‬‬

‫ما ي َت َذ َك ُّر ُأوُلو‬


‫مى إ ِن ّ َ‬
‫َ‬
‫ن هُوَ أعْ َ‬
‫م ْ‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫حق ّ ك َ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬
‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫أ َفَمن يعل َ َ‬
‫م أن ّ َ‬
‫َ ْ َْ ُ‬
‫َ‬
‫ب )‪(19‬‬ ‫اْلل َْبا ِ‬

‫ما ي َت َذ َك ُّر ُأوُلو‬


‫مى إ ِن ّ َ‬
‫َ‬
‫ن هُوَ أعْ َ‬
‫م ْ‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫حق ّ ك َ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ما ُأنز َ‬
‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫} أ َفَمن يعل َ َ‬
‫م أن ّ َ‬
‫َ ْ َْ ُ‬
‫ب )‪{ (19‬‬ ‫الل َْبا ِ‬

‫) ‪(4/449‬‬

‫َ‬
‫مَر الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ما أ َ‬ ‫ن َ‬ ‫صُلو َ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ميَثاقَ )‪َ (20‬وال ّ ِ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫ضو َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ن ب ِعَهْدِ الل ّهِ وََل ي َن ْ ُ‬ ‫ن ُيوُفو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫صب َُروا‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب )‪َ (21‬وال ّ ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫سوَء ال ْ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫خاُفو َ‬ ‫م وَي َ َ‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ل وَي َ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ن ُيو َ‬ ‫ب ِهِ أ ْ‬
‫سّرا وَعََلن ِي َ ً‬ ‫َ‬
‫صَلة َ وَأن ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ة وَي َد َْرُءو َ‬ ‫م ِ‬ ‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬ ‫م ّ‬‫قوا ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫م وَأَقا ُ‬ ‫جهِ َرب ّهِ ْ‬ ‫اب ْت َِغاَء وَ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ح‬
‫صل َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خلون ََها وَ َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬
‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جّنا ُ‬‫دارِ )‪َ (22‬‬ ‫قَبى ال ّ‬ ‫م عُ ْ‬ ‫َ‬
‫ة أولئ ِك لهُ ْ‬ ‫سي ّئ َ َ‬ ‫سن َةِ ال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫َ‬ ‫م َ‬
‫ب )‪(23‬‬ ‫ل َبا ٍ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬‫خُلو َ‬ ‫مَلئ ِك َ ُ‬
‫ة ي َد ْ ُ‬ ‫م َوال ْ َ‬ ‫م وَذ ُّرّيات ِهِ ْ‬ ‫جهِ ْ‬ ‫م وَأْزَوا ِ‬ ‫ن آَبائ ِهِ ْ‬ ‫ِ ْ‬
‫دارِ )‪(24‬‬ ‫قَبى ال ّ‬ ‫م عُ ْ‬ ‫َ‬
‫م فن ِعْ َ‬ ‫صب َْرت ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م عَلي ْك ْ‬ ‫سل ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫ك { يا محمد‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫يقول تعالى ‪ :‬ل يستوي من يعلم من الناس أن الذي } ُأنز َ‬


‫ك { هوَ } الحق { أي ‪ :‬الذي ل شك فيه ول مرية ول لبس فيه ول‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫} ِ‬
‫اختلف فيه ‪ ،‬بل هو كله )‪ (1‬حق يصدق بعضه بعضا ‪ ،‬ل يضاد شيء منه شيئا‬
‫ت‬‫م ْ‬ ‫آخر ‪ ،‬فأخباره كلها حق ‪ ،‬وأوامره ونواهيه عدل ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَت َ ّ‬
‫دل { ]النعام ‪ [115 :‬أي ‪ :‬صدقا في الخبار ‪ ،‬وعدل في‬ ‫صد ًْقا وَعَ ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ة َرب ّ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ك َل ِ َ‬
‫الطلب ‪ ،‬فل يستوي من تحقق صدق )‪ (2‬ما جئت به يا محمد ‪ ،‬ومن هو‬
‫أعمى ل يهتدي إلى خير ول يفهمه ‪ ،‬ولو فهمه ما انقاد له ‪ ،‬ول صدقه ول‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫جن ّةِ أ ْ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫ب الّنارِ وَأ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫وي أ ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫اتبعه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ل ي َ ْ‬
‫‪ [20‬وقال في هذه الية الكريمة ‪ } :‬أ َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ن‬
‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن { ]الحشر ‪:‬‬ ‫فائ ُِزو َ‬ ‫جن ّةِ هُ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مى { أي ‪ :‬أفهذا كهذا ؟ ل‬ ‫ن هُوَ أعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حق ّ ك َ َ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ما أنز َ‬ ‫م أن ّ َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫استواء‪(3) .‬‬
‫ُ‬
‫ب { أي ‪ :‬إنما يتعظ ويعتبر ويعقل أولو العقول‬ ‫ما ي َت َذ َك ُّر أوُلو الل َْبا ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫السليمة الصحيحة )‪ (4‬جعلنا الله منهم ]بفضله وكرمه[‪(5) .‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫مَر‬ ‫ما أ َ‬ ‫ن َ‬ ‫صلو َ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫ذي َ‬‫ميَثاقَ )‪َ (20‬وال ّ ِ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫ضو َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ن ب ِعَهْدِ الل ّهِ َول ي َن ْ ُ‬ ‫ن ُيوُفو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫صب َُروا‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب )‪َ (21‬وال ّ ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫سوَء ال ْ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫خاُفو َ‬ ‫م وَي َ َ‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ل وَي َ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ن ُيو َ‬ ‫ه ب ِهِ أ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ن‬
‫ة وَي َد َْرُءو َ‬ ‫علن ِي َ ً‬ ‫سّرا وَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫قوا ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫صلة َ وَأ َن ْ َ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫م وَأَقا ُ‬
‫َ‬
‫جهِ َرب ّهِ ْ‬ ‫اب ْت َِغاَء وَ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ح‬
‫صل َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خلون ََها وَ َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جّنا ُ‬ ‫دارِ )‪َ (22‬‬ ‫قَبى ال ّ‬ ‫م عُ ْ‬ ‫َ‬
‫ة أولئ ِك لهُ ْ‬ ‫سي ّئ َ َ‬ ‫سن َةِ ال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫َ‬
‫ب )‪(23‬‬ ‫ل َبا ٍ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خُلو َ‬ ‫ة ي َد ْ ُ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫م َوال ْ َ‬ ‫م وَذ ُّرّيات ِهِ ْ‬ ‫جهِ ْ‬ ‫م وَأْزَوا ِ‬ ‫ن آَبائ ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫دارِ )‪{ (24‬‬ ‫قَبى ال ّ‬ ‫م عُ ْ‬ ‫م فَن ِعْ َ‬ ‫صب َْرت ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ُ‬
‫م عَلي ْك ْ‬ ‫َ‬ ‫سل ٌ‬ ‫َ‬
‫قَبى‬
‫يقول تعالى مخبًرا عمن اتصف بهذه الصفات الحميدة ‪ ،‬بأن لهم } عُ ْ‬
‫دارِ { وهي العاقبة والنصرة في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ميثاقَ { وليسوا كالمنافقين الذين إذا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ِ‬‫ضو َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ّ‬
‫ن ب ِعَهْدِ اللهِ َول ي َن ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن ُيوفو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫} ال ِ‬
‫عاهد أحدهم غدر ‪ ،‬وإذا خاصم فجر ‪ ،‬وإذا حدث كذب ‪ ،‬وإذا ائتمن خان‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل { من صلة الرحام ‪ ،‬والحسان‬ ‫ص َ‬ ‫ن ُيو َ‬
‫ه ب ِهِ أ ْ‬ ‫مَر الل ّ ُ‬ ‫ما أ َ‬‫ن َ‬ ‫صُلو َ‬ ‫ن يَ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫} َوال ّ ِ‬
‫م { أي ‪:‬‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫خ َ‬
‫شو ْ َ‬ ‫إليهم وإلى الفقراء والمحاويج ‪ ،‬وبذل المعروف ‪ } ،‬وَي َ ْ‬
‫فيما يأتون وما يذرون من العمال ‪ ،‬يراقبون الله في ذلك ‪ ،‬ويخافون سوء‬
‫الحساب في الدار الخرة‪ .‬فلهذا أمرهم على السداد والستقامة في جميع‬
‫حركاتهم وسكناتهم وجميع أحوالهم القاصرة والمتعدية‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬عن المحارم والمآثم ‪ ،‬ففطموا )‪(6‬‬ ‫جهِ َرب ّهِ ْ‬ ‫صب َُروا اب ْت َِغاَء وَ ْ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َوال ّ ِ‬
‫نفوسهم عن ذلك لله عز‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬كلمة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬صحة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ل سواء"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬الصحيحة السليمة"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬فعظموا"‪.‬‬

‫) ‪(4/450‬‬

‫َ‬
‫صلةَ { بحدودها ومواقيتها‬ ‫موا ال ّ‬ ‫وجل ؛ ابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه } وَأَقا ُ‬
‫قوا‬‫ف ُ‬ ‫وركوعها وسجودها )‪ (1‬وخشوعها على الوجه الشرعي المرضي ‪ } ،‬وَأ َن ْ َ‬
‫م { أي ‪ :‬على الذين يجب عليهم النفاق لهم من زوجات وقرابات‬ ‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ِ‬
‫ة { أي ‪ :‬في السر‬ ‫علن ِي َ ً‬ ‫سّرا وَ َ‬ ‫وأجانب ‪ ،‬من فقراء ومحاويج ومساكين ‪ِ } ،‬‬
‫والجهر ‪ ،‬لم يمنعهم من ذلك حال من الحوال ‪ ،‬في آناء الليل وأطراف النهار‬
‫ة { أي ‪ :‬يدفعون القبيح بالحسن ‪ ،‬فإذا آذاهم‬ ‫سي ّئ َ َ‬
‫سن َةِ ال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫‪ } ،‬وَي َد َْرُءو َ‬
‫ع‬ ‫َ‬
‫أحد قابلوه بالجميل صبرا واحتمال وصفحا وعفوا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬اد ْف ْ‬
‫ما ي ُل َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ها ِإل‬ ‫قا َ‬ ‫م وَ َ‬
‫مي ٌ‬
‫ح ِ‬
‫ي َ‬ ‫ه وَل ِ ّ‬‫داوَة ٌ ك َأن ّ ُ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ك وَب َي ْن َ ُ‬ ‫ذي ب َي ْن َ َ‬ ‫ن فَإ َِذا ال ّ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬‫ِبال ِّتي هِ َ‬
‫ظيم ٍ { ]فصلت ‪ [35 ، 34 :‬؛ ولهذا قال‬ ‫ظ عَ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ها ِإل ُذو َ‬ ‫قا َ‬‫ما ي ُل َ ّ‬ ‫صب َُروا وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫مخبًرا عن هؤلء السعداء المتصفين بهذه الصفات الحسنة بأن لهم عقبى‬
‫ن { والعدن ‪ :‬القامة ‪ ،‬أي ‪ :‬جنات‬ ‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جّنا ِ‬ ‫الدار ‪ ،‬ثم فسر ذلك بقوله ‪َ } :‬‬
‫إقامة يخلدون )‪ (2‬فيها‪.‬‬
‫وعن عبد الله بن عمرو أنه قال ‪ :‬إن في الجنة قصرا يقال له ‪" :‬عدن" ‪،‬‬
‫حوله البروج والمروج ‪ ،‬فيه خمسة آلف باب ‪ ،‬على كل باب خمسة آلف‬
‫حْبرة )‪ (3‬ل يدخله إل نبي أو صديق أو شهيد‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ن { مدينة الجنة ‪ ،‬فيها الرسل والنبياء‬ ‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جّنا ِ‬‫وقال الضحاك في قوله ‪َ } :‬‬
‫والشهداء وأئمة الهدى ‪ ،‬والناس حولهم بعد والجنات حولها‪ .‬رواهما ابن‬
‫جرير‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬يجمع بينهم وبين‬ ‫م وَذ ُّرّيات ِهِ ْ‬ ‫جهِ ْ‬ ‫م وَأْزَوا ِ‬ ‫ن آَبائ ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫صل َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫أحبابهم فيها من الباء والهلين والبناء ‪ ،‬ممن هو صالح لدخول الجنة من‬
‫المؤمنين ؛ لتقر أعينهم بهم ‪ ،‬حتى إنه )‪ (4‬ترفع )‪ (5‬درجة الدنى إلى درجة‬
‫العلى ‪ ،‬من غير تنقيص لذلك العلى عن درجته ‪ ،‬بل امتناًنا من الله وإحسانا‬
‫‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وال ّذين آمنوا واتبعتهم ذ ُريتهم بإيما َ‬
‫م‬‫م ذ ُّري ّت َهُ ْ‬‫قَنا ب ِهِ ْ‬ ‫ن أل ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫َ ِ َ َ ُ َ ََّ ُْ ْ ّ ُُّ ْ ِِ َ ٍ‬
‫َ‬
‫ن { ]الطور ‪.[21 :‬‬ ‫هي ٌ‬ ‫ب َر ِ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫س َ‬ ‫ئ بِ َ‬ ‫مرِ ٍ‬ ‫لا ْ‬‫يٍء ك ُ ّ‬ ‫ش ْ‬‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مل ِهِ ْ‬ ‫ن عَ َ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫ما أل َت َْناهُ ْ‬‫وَ َ‬
‫)‪(7) (6‬‬
‫م‬ ‫ع‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ص‬ ‫ما‬
‫َ ٍ َ ٌ َ ْ ْ ِ َ َ َْ ُ ْ ِْ َ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫م‬‫سل‬ ‫ب‬ ‫با‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬
‫َ َ ِْ ْ ِ ْ‬‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫ن‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫خ‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫َ‬
‫َ َ ِ ُ َ ْ ُ‬‫ك‬ ‫ئ‬ ‫مل‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫}‬ ‫وقوله ‪:‬‬
‫دارِ { أي ‪ :‬وتدخل عليهم الملئكة من هاهنا وهاهنا للتهنئة بدخول‬ ‫قَبى ال ّ‬ ‫عُ ْ‬
‫الجنة ‪ ،‬فعند )‪ (8‬دخولهم إياها تفد عليهم الملئكة مسلمين مهنئين لهم بما‬
‫حصل لهم من الله من التقريب والنعام ‪ ،‬والقامة في دار السلم ‪ ،‬في جوار‬
‫الصديقين والنبياء والرسل الكرام‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬حدثنا أبو عبد الرحمن ‪ ،‬حدثني سعيد بن أبي‬
‫سوَْيد الجذامي عن أبي عشانة المعافري ‪ ،‬عن‬ ‫أيوب ‪ ،‬حدثنا )‪ (9‬معروف بن ُ‬
‫عبد الله بن عمرو بن العاص ‪ ،‬رضي الله عنهما )‪ (10‬عن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله ؟"‬
‫قالوا ‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪" :‬أول من يدخل الجنة من خلق الله الفقراء‬
‫المهاجرون )‪ (11‬الذين ُتسد ّ بهم الثغور ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وسجودها وركوعها"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬تخلدون"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬حرة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬إنهم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬ترفع من"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬واتبعتهم"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في أ ‪" :‬ذرياتهم"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عند"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬حدثني"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬عنه"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪" :‬المهاجرين"‪.‬‬

‫) ‪(4/451‬‬

‫قى بهم المكاره ‪ ،‬ويموت أحدهم وحاجته في صدره ل يستطيع لها قضاء ‪،‬‬ ‫وت ُت ّ َ‬
‫فيقول الله تعالى لمن يشاء من ملئكته ‪ :‬ائتوهم فحيوهم‪ .‬فتقول الملئكة ‪:‬‬
‫نحن سكان سمائك ‪ ،‬وخيرتك من خلقك ‪ ،‬أفتأمرنا أن نأتي هؤلء فنسلم‬
‫سد )‪(2‬‬ ‫عليهم ؟ قال ‪ :‬إنهم كانوا عبادا يعبدونني ل )‪ (1‬يشركون بي شيًئا ‪ ،‬وت ُ َ‬
‫بهم الثغور ‪ ،‬وتتقى )‪ (3‬بهم المكاره ‪ ،‬ويموت أحدهم وحاجته في صدره فل‬
‫يستطيع لها قضاء"‪ .‬قال ‪" :‬فتأتيهم الملئكة عند ذلك ‪ ،‬فيدخلون عليهم من‬
‫دارِ { )‪(4‬‬
‫قَبى ال ّ‬
‫م عُ ْ‬‫م فَن ِعْ َ‬
‫صب َْرت ُ ْ‬
‫ما َ‬
‫م بِ َ‬‫م عَل َي ْك ُ ْ‬
‫سل ٌ‬
‫كل باب ‪َ } ،‬‬
‫ورواه أبو القاسم الطبراني ‪ ،‬عن أحمد بن رشدين ‪ ،‬عن أحمد بن صالح ‪ ،‬عن‬
‫شانة سمع عبد الله بن‬ ‫مرو بن الحارث ‪ ،‬عن أبي عُ ّ‬ ‫عبد الله بن وهب ‪ ،‬عن عَ ْ‬
‫عمرو ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬أول ثلة يدخلون الجنة فقراء‬
‫المهاجرين ‪ ،‬الذين تتقى بهم المكاره ‪ ،‬وإذا أمروا سمعوا وأطاعوا ‪ ،‬وإن‬
‫ض حتى يموت وهي في صدره ‪،‬‬ ‫ق َ‬‫كانت لرجل منهم حاجة إلى سلطان لم ت ُ ْ‬
‫وإن الله يدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفها وزينتها ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أين عبادي‬
‫الذين قاتلوا في سبيلي ‪ ،‬وأوذوا في سبيلي ‪ ،‬وجاهدوا في سبيلي ؟ ادخلوا‬
‫الجنة بغير عذاب ول حساب ‪ ،‬وتأتي الملئكة فيسجدون ويقولون ‪ :‬ربنا نحن‬
‫نسبحك الليل والنهار ‪ ،‬وُنقدس لك ‪ ،‬من هؤلء الذين آثرتهم علينا ؟ فيقول‬
‫الرب عز وجل ‪ :‬هؤلء عبادي الذين جاهدوا )‪ (5‬في سبيلي ‪ ،‬وأوذوا في‬
‫م‬
‫م ِْ َ‬
‫ع‬‫ن‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫صب َْرت ُ ْ‬
‫ما َ‬ ‫م عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫سل ٌ‬‫سبيلي فتدخل عليهم الملئكة من كل باب ‪َ } :‬‬
‫دارِ { )‪(6‬‬
‫قَبى ال ّ‬
‫عُ ْ‬
‫قّية بن الوليد ‪ ،‬حدثنا أرطاة بن المنذر ‪،‬‬ ‫وقال عبد الله بن المبارك ‪ ،‬عن ب َ ِ‬
‫سمعت رجل من مشيخة الجند ‪ ،‬يقال له "أبو الحجاج" يقول ‪ :‬جلست إلى‬
‫أبي أمامة فقال ‪ :‬إن المؤمن ليكون متكًئا على أريكته إذا دخل الجنة ‪ ،‬وعنده‬
‫سماطان من خدم ‪ ،‬وعند طرف السماطين باب مبوب ‪ ،‬فيقبل الملك‬
‫ملك يستأذن" ‪ ،‬ويقول‬ ‫فيستأذن ‪ ،‬فيقول ]أقصى الخدم[ )‪ (7‬للذي يليه ‪َ " :‬‬
‫الذي يليه للذي يليه ‪" :‬ملك يستأذن" ‪ ،‬حتى يبلغ المؤمن فيقول ‪ :‬ائذنوا‪.‬‬
‫فيقول أقربهم إلى المؤمن ‪ :‬ائذنوا ‪ ،‬ويقول الذي يليه للذي يليه ‪ :‬ائذنوا حتى‬
‫يبلغ أقصاهم الذي عند الباب ‪ ،‬فيفتح له ‪ ،‬فيدخل فيسلم ثم ينصرف‪ .‬رواه‬
‫ابن جرير‪(8) .‬‬
‫ورواه ابن أبي حاتم من حديث إسماعيل بن عياش ‪ ،‬عن أرطاة بن المنذر ‪،‬‬
‫عن أبي الحجاج )‪(9‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ول"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ويسد"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ويتقى"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (2/168‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (10/259‬رجاله ثقات"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬قاتلوا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المعجم الكبير للطبراني برقم )‪" (152‬القطعة المفقودة" ورواه الحاكم‬
‫في المستدرك )‪ (2/71‬من طريق محمد بن عبد الله عن ابن وهب ‪ ،‬به نحوه‬
‫‪ ،‬وقال ‪" :‬هذا حديث صحيح السناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري"‪.‬‬
‫)‪ (8‬تفسير الطبري )‪.(16/425‬‬
‫)‪ (9‬كذا وقع في تفسير الطبري ‪ ،‬ونقله أيضا ابن القيم في ‪+‬حادى الرواح )‬
‫‪" (2/38‬أبو الحجاج" وفي ترجمته في الجرح والتعديل )‪ (9/235‬والتاريخ‬
‫الكبير )‪ (4/2/376‬والثقات لبن حبان )‪" : (5/552‬يوسف اللهاني ‪ ،‬أبو‬
‫الضحاك الحمصي ‪ ،‬سمع أبا أمامة وابن عمر ‪ ،‬وروي عنه أرطاة بن المنذر"‪.‬‬
‫وانظر حاشية الستاذ محمود شاكر على تفسير الطبري )‪.(16/426‬‬

‫) ‪(4/452‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ص َ‬
‫ل‬ ‫ن ُيو َ‬ ‫ه ب ِهِ أ ْ‬ ‫مَر الل ّ ُ‬
‫ما أ َ‬‫ن َ‬‫قط َُعو َ‬‫ميَثاقِهِ وَي َ ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ ِ‬‫م ْ‬‫ن عَهْد َ الل ّهِ ِ‬ ‫ضو َ‬ ‫ق ُ‬‫ن ي َن ْ ُ‬‫ذي َ‬‫َوال ّ ِ‬
‫س ُ‬
‫ط‬ ‫دارِ )‪ (25‬الل ّ ُ‬
‫ه ي َب ْ ُ‬ ‫سوُء ال ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ة وَل َهُ ْ‬
‫م الل ّعْن َ ُ‬‫ك ل َهُ ُ‬‫ض ُأول َئ ِ َ‬ ‫َْ‬
‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫دو َ‬ ‫س ُ‬‫ف ِ‬ ‫وَي ُ ْ‬
‫حَياةُ الد ّن َْيا ِفي اْل َِ‬
‫خَرةِ إ ِلّ‬ ‫ْ‬
‫ما ال َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا وَ َ‬ ‫ْ‬
‫حوا ِبال َ‬ ‫قدُِر وَفَرِ ُ‬ ‫شاُء وَي َ ْ‬‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬ ‫الّرْزقَ ل ِ َ‬
‫مَتاع ٌ )‪(26‬‬ ‫َ‬

‫يوسف اللهاني قال ‪ :‬سمعت أبا أمامة ‪ ،‬فذكر نحوه‪.‬‬


‫وقد جاء في الحديث ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزور قبور‬
‫م فَن ِعْ َ‬
‫م‬ ‫صب َْرت ُ ْ‬
‫ما َ‬ ‫م عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫سل ٌ‬
‫الشهداء في رأس كل حول ‪ ،‬فيقول لهم ‪َ } :‬‬
‫دارِ { وكذا أبو بكر ‪ ،‬وعمر وعثمان‪(1) .‬‬ ‫قَبى ال ّ‬ ‫عُ ْ‬
‫صلَ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ن ُيو َ‬ ‫ه ب ِهِ أ ْ‬ ‫مَر الل ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قطُعو َ‬ ‫ميثاقِهِ وَي َ ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن عَهْد َ اللهِ ِ‬ ‫ضو َ‬ ‫ق ُ‬‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َوال ِ‬
‫دارِ )‪{ (25‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سوُء ال ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ة وَلهُ ْ‬ ‫م اللعْن َ ُ‬ ‫ض أولئ ِك لهُ ُ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫دو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫وَي ُ ْ‬
‫هذا حال الشقياء وصفاتهم ‪ ،‬وذكر مآلهم في الدار الخرة ومصيرهم إلى‬
‫خلف ما صار إليه المؤمنون ‪ ،‬كما أنهم اتصفوا بخلف صفاتهم في الدنيا ‪،‬‬
‫فأولئك كانوا يوفون بعهد الله ويصلون ما أمر الله به أن يوصل ‪ ،‬وهؤلء‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ص َ‬
‫ل‬ ‫ن ُيو َ‬ ‫ه ب ِهِ أ ْ‬ ‫مَر الل ّ ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قط َُعو َ‬ ‫ميَثاقِهِ وَي َ ْ‬ ‫ن ب َعْد ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن عَهْد َ الل ّهِ ِ‬ ‫ضو َ‬ ‫ق ُ‬ ‫} ي َن ْ ُ‬
‫ض { كما ثبت في الحديث ‪" :‬آية المنافق ثلث ‪ :‬إذا حدث‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫دو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫وَي ُ ْ‬
‫كذب ‪ ،‬وإذا وعد أخلف ‪ ،‬وإذا اؤتمن خان" وفي رواية ‪" :‬وإذا عاهد غدر ‪ ،‬وإذا‬
‫خاصم َفجر"‪.‬‬
‫سوُء‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م ُ‬ ‫ة { وهي البعاد عن الرحمة ‪ } ،‬وَلهُ ْ‬ ‫م اللعْن َ ُ‬ ‫ولهذا قال ‪ } :‬أولئ ِك لهُ ُ‬
‫دارِ { وهي سوء العاقبة والمآل ‪ ،‬ومأواهم جهنم وبئس القرار‪(2) .‬‬ ‫ال ّ‬
‫ن عَهْد َ اللهِ { الية ‪ ،‬قال ‪ :‬هي‬ ‫ّ‬ ‫ضو َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ن ي َن ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وقال أبو العالية في قوله ‪َ } :‬وال ِ‬
‫ست خصال في المنافقين إذا كان فيهم الظهرة على الناس أظهروا هذه‬ ‫ّ‬
‫الخصال ‪ :‬إذا حدثوا كذبوا ‪ ،‬وإذا وعدوا أخلفوا ‪ ،‬وإذا ائتمنوا خانوا ‪ ،‬ونقضوا‬
‫عهد الله من بعد ميثاقه ‪ ،‬وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل ‪ ،‬وأفسدوا في‬
‫ظهرة عليهم أظهروا الثلث الخصال ‪ :‬إذا حدثوا كذبوا ‪،‬‬ ‫الرض‪ .‬وإذا كانت ال ّ‬
‫وإذا وعدوا أخلفوا ‪ ،‬وإذا ائتمنوا خانوا‪.‬‬
‫حَياة ُ الد ّن َْيا‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَ َ‬ ‫حوا ِبال ْ َ‬ ‫قدُِر وَفَرِ ُ‬ ‫شاُء وَي َ ْ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ط الّرْزقَ ل ِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ه ي َب ْ ُ‬ ‫} الل ّ ُ‬
‫مَتاعٌ )‪{ (26‬‬ ‫خَرةِ ِإل َ‬ ‫ِفي ال ِ‬
‫يذكر تعالى أنه هو الذي يوسع الرزق على من يشاء ‪ ،‬ويقتره على من يشاء ‪،‬‬
‫لما له في ذلك من الحكمة والعدل‪ .‬وفرح هؤلء الكفار بما أوتوا في الحياة‬
‫ن‬ ‫الدنيا استدراجا لهم وإمهال كما قال تعالى ‪ } :‬أ َيحسبو َ‬
‫م ْ‬ ‫م ب ِهِ ِ‬‫مد ّهُ ْ‬ ‫ما ن ُ ِ‬ ‫ن أن ّ َ‬ ‫َ ْ َ ُ َ‬
‫ن { ]المؤمنون ‪.[56 ، 55 :‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫ت َبل ل ي َ ْ‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫سارِعُ ل َهُ ْ‬ ‫ن نُ َ‬ ‫ل وَب َِني َ‬ ‫ما ٍ‬ ‫َ‬
‫ثم حقر الحياة الدنيا بالنسبة إلى ما ادخره تعالى لعباده المؤمنين في الدار‬
‫مَتاع ٌ {‬ ‫خَرةِ ِإل َ‬ ‫حَياةُ الد ّن َْيا ِفي ال ِ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫الخرة فقال ‪ } :‬وَ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه الطبري في تفسيره )‪ (16/426‬عن سهيل عن محمد بن إبراهيم‬
‫التيمي مرسل ‪ ،‬وهذا معضل‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬المهاد"‪.‬‬

‫) ‪(4/453‬‬

‫شاءُ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬


‫ه يُ ِ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ن َرب ّهِ قُ ْ‬‫م ْ‬
‫ة ِ‬‫ل عَل َي ْهِ آ َي َ ٌ‬‫فُروا ل َوَْل أ ُن ْزِ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫قو ُ‬ ‫وَي َ ُ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ب ِذِك ْرِ اللهِ أل ب ِذِك ْرِ الل ِ‬ ‫ن قُلوب ُهُ ْ‬ ‫مئ ِ ّ‬
‫مُنوا وَت َط َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ب )‪ (27‬ال ِ‬ ‫ن أَنا َ‬ ‫م ْ‬‫دي إ ِلي ْهِ َ‬ ‫وَي َهْ ِ‬
‫ب )‪(28‬‬ ‫قلو ُ‬‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫مئ ِ ّ‬‫ت َط ْ َ‬

‫ن فَِتيل {‬ ‫قى َول ت ُظ ْل َ ُ‬


‫مو َ‬ ‫ن ات ّ َ‬
‫م ِ‬
‫خي ٌْر ل ِ َ‬‫خَرة ُ َ‬
‫ل َوال ِ‬ ‫مَتاعُ الد ّن َْيا قَِلي ٌ‬ ‫كما قال ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ل َ‬
‫َ‬
‫قى { ]العلى‬ ‫خي ٌْر وَأب ْ َ‬
‫خَرةُ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫حَياةَ الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫ل ت ُؤْث ُِرو َ‬‫]النساء ‪ [77 :‬وقال } ب َ ْ‬
‫‪.[17 ، 16 :‬‬
‫كيع ويحيى بن سعيد قال حدثنا إسماعيل بن أبي‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا وَ ِ‬
‫خالد ‪ ،‬عن قيس ‪ ،‬عن المستورد أخي بني فهر قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬ما الدنيا في الخرة إل كمثل ما يجعل أحدكم أصبعه هذه‬
‫في اليم ‪ ،‬فلينظر بم ترجع" وأشار بالسبابة‪ .‬ورواه مسلم في صحيحه‪(1) .‬‬
‫ك)‬‫ي أس ّ‬ ‫جد ْ ٍ‬‫وفي الحديث الخر ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر ب ِ َ‬
‫ت ‪ -‬والسك )‪ (3‬الصغير الذنين ‪ -‬فقال ‪" :‬والله للدنيا أهون على الله‬ ‫‪ (2‬مي ٍ‬
‫من هذا على أهله حين ألقوه"‪(4) .‬‬
‫شاُء‬‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ن َرب ّهِ قُ ْ‬ ‫م ْ‬‫ة ِ‬ ‫ل عَل َي ْهِ آي َ ٌ‬‫ول ُأنز َ‬ ‫فُروا ل َ ْ‬
‫ن كَ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫} وَي َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ب ِذِك ْرِ الل ّهِ أل ب ِذِك ْرِ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫مُنوا وَت َط ْ َ‬
‫مئ ِ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ب )‪ (27‬ال ّ ِ‬ ‫ن أَنا َ‬‫م ْ‬‫دي إ ِل َي ْهِ َ‬ ‫وَي َهْ ِ‬
‫ب )‪{ (28‬‬ ‫قلو ُ‬‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫مئ ِ ّ‬‫ت َط ْ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (4/228‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2858‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أشك"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬والشك"‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (2957‬من حديث جابر ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬

‫) ‪(4/454‬‬

‫حسن َ‬ ‫ذي َ‬
‫ب )‪(29‬‬
‫مآ ٍ‬ ‫طوَبى ل َهُ ْ‬
‫م وَ ُ ْ ُ َ‬ ‫ت ُ‬
‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬
‫نآ َ‬‫ال ّ ِ َ‬
‫ب )‪{ (29‬‬ ‫مآ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫طوَبى ل َهُ ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫} ال ّ ِ‬
‫ل عَل َي ْهِ آي َ ٌ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ول { أي ‪ :‬هل } أنز َ‬ ‫يخبر تعالى عن قيل )‪ ْ(1‬المشركين ‪ } :‬ل َ ْ‬
‫ربه { كما قالوا ‪ } :‬فَل ْيأت ِنا بآية ك َ ُ‬
‫ن { ]النبياء ‪ [5 :‬وقد تقدم‬ ‫ل الوُّلو َ‬ ‫س َ‬ ‫ما أْر ِ‬ ‫َ َ ِ َ ٍ َ‬ ‫َ ّ ِ‬
‫الكلم على هذا غير مرة ‪ ،‬وإن الله قادر على إجابة ما سألوا‪ .‬وفي الحديث ‪:‬‬
‫أن الله أوحى إلى رسوله لما سألوه أن يحول لهم الصفا ذهًبا ‪ ،‬وأن يجري‬
‫عا ‪ ،‬وأن يزيح الجبال من حول مكة فيصير مكانها مروج وبساتين ‪:‬‬ ‫لهم ينبو ً‬
‫إن شئت يا محمد أعطيتهم ذلك ‪ ،‬فإن كفروا فإني أعذبهم عذاًبا ل أعذبه‬
‫دا من العالمين ‪ ،‬وإن شئت فتحت عليهم باب التوبة والرحمة ‪ ،‬فقال ‪" :‬بل‬ ‫أح ً‬
‫ل‬‫ض ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫تفتح لهم باب التوبة والرحمة" )‪ (2‬؛ ولهذا قال لرسوله ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ب { أي ‪ :‬هو المضل والهادي ‪ ،‬سواء بعث‬ ‫شاُء ويهدي إل َيه م َ‬ ‫ن يَ َ‬
‫ن أَنا َ‬ ‫ََْ ِ ِ ْ ِ َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫الرسول بآية على وفق ما اقترحوا ‪ ،‬أو لم يجبهم إلى سؤالهم ؛ فإن الهداية‬
‫ت َوالن ّذ ُُر‬ ‫ما ت ُغِْني الَيا ُ‬ ‫والضلل ليس منوطا بذلك ول عدمه ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫ة‬ ‫م ك َل ِ َ‬
‫م ُ‬ ‫َ‬
‫ت عَلي ْهِ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ن { ]يونس ‪ [101 :‬وقال } إ ِ ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن قَوْم ٍ ل ي ُؤْ ِ‬ ‫عَ ْ‬
‫م { ]يونس ‪، 96 :‬‬ ‫ب الِلي َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ْ‬
‫حّتى ي ََرُوا العَ َ‬ ‫ل آي َةٍ َ‬ ‫مك ّ‬‫ُ‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬‫ن وَلوْ َ‬ ‫َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ك ل ي ُؤْ ِ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫ل‬‫مك ّ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ح َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شْرَنا عَلي ْهِ ْ‬ ‫موَْتى وَ َ‬ ‫م ال َ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫ة وَكل َ‬ ‫ملئ ِك َ‬ ‫م ال َ‬ ‫‪ [97‬وقال } وَلوْ أن َّنا نزلَنا إ ِلي ْهِ ُ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬
‫ن { ]النعام ‪:‬‬ ‫جهَلو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن أكث ََرهُ ْ‬ ‫ه وَلك ِ ّ‬ ‫شاَء الل ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫مُنوا ِإل أ ْ‬ ‫كاُنوا ل ِي ُؤْ ِ‬ ‫يٍء قُُبل َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ب{‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ [111‬؛ ولهذا قال ‪ } :‬قُ ْ‬
‫ن أَنا َ‬ ‫م ْ‬ ‫دي إ ِلي ْهِ َ‬ ‫شاُء وَي َهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ل إِ ّ‬
‫أي ‪ :‬ويهدي من أناب إلى الله ‪ ،‬ورجع إليه ‪ ،‬واستعان به ‪ ،‬وتضرع لديه‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬قتل"‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه أحمد في المسند )‪ (1/242‬من حديث ابن عباس ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنهما‪.‬‬

‫) ‪(4/454‬‬
‫م ب ِذِك ْرِ الل ّهِ { أي ‪ :‬تطيب وتركن إلى جانب )‪(1‬‬ ‫ن قُُلوب ُهُ ْ‬
‫مئ ِ ّ‬ ‫مُنوا وَت َط ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫الله ‪ ،‬وتسكن عند ذكره ‪ ،‬وترضى به مولى ونصيًرا ؛ ولهذا قال ‪ } :‬أل ب ِذِك ْ ِ‬
‫ر‬
‫ب { أي ‪ :‬هو حقيق بذلك‪.‬‬ ‫قُلو ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫مئ ِ ّ‬‫الل ّهِ ت َط ْ َ‬
‫ب { قال ابن أبي‬ ‫مآ ٍ‬
‫ن َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ْ‬‫م وَ ُ‬ ‫طوَبى ل َهُ ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫حا ِ‬‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} ال ّ ِ‬
‫رمة ‪ :‬نعم مالهم‪.‬‬ ‫عك ْ ِ‬ ‫طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬فرح وُقرة عين‪ .‬وقال ِ‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬غبطة ل َُهم‪ .‬وقال إبراهيم الّنخعي ‪ :‬خير لهم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬هي كلمة عربية )‪ (2‬يقول الرجل ‪" :‬طوبى لك" ‪ ،‬أي ‪ :‬أصبت‬
‫م { حسنى لهم‪.‬‬ ‫طوَبى ل َهُ ْ‬ ‫خيًرا‪ .‬وقال في رواية ‪ُ } :‬‬
‫ب { أي ‪ :‬مرجع‪.‬‬ ‫مآ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫} وَ ُ‬
‫وهذه القوال شيء واحد ل منافاة بينها‪.‬‬
‫م { قال ‪ :‬هي أرض الجنة‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬طوَبى لهُ ْ‬
‫بالحبشية‪.‬‬
‫جوح ‪ :‬طوبى اسم الجنة بالهندية‪ .‬وكذا روى السدي ‪ ،‬عن‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وقال سعيد بن َ‬
‫م { أي ‪ :‬الجنة‪ .‬وبه قال مجاهد‪.‬‬ ‫َ‬
‫طوَبى لهُ ْ‬ ‫رمة ‪ُ } :‬‬ ‫عك ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬لما خلق الله الجنة وفرغ منها قال ‪ } :‬ال ِ‬
‫ب { وذلك حين أعجبته‪.‬‬ ‫مآ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ْ‬‫م وَ ُ‬‫طوَبى ل َهُ ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫آ َ‬
‫شْهر بن‬ ‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا يعقوب ‪ ،‬عن جعفر ‪ ،‬عن َ‬
‫طوَبى { شجرة في الجنة ‪ ،‬كل شجر الجنة منها ‪ ،‬أغصانها‬ ‫شب قال ‪ُ } :‬‬ ‫حو ْ َ‬ ‫َ‬
‫من وراء سور الجنة‪.‬‬
‫ى ‪ ،‬وأبي إسحاق‬ ‫م ّ‬
‫س َ‬
‫وهكذا ُروي عن أبي هريرة ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬ومغيث بن ُ‬
‫سِبيعي وغير واحد من السلف ‪ :‬أن طوبى شجرة في الجنة ‪ ،‬في كل دار‬ ‫ال ّ‬
‫منها غصن منها‪.‬‬
‫وذكر بعضهم أن الرحمن ‪ ،‬تبارك وتعالى ‪ ،‬غرسها بيده من حبة لؤلؤة ‪،‬‬
‫وأمرها أن تمتد ‪ ،‬فامتدت إلى حيث يشاء الله تبارك وتعالى ‪ ،‬وخرجت من‬
‫أصلها ينابيع أنهار الجنة ‪ ،‬من عسل وخمر وماء ولبن‪(3) .‬‬
‫مح‬ ‫س ْ‬‫وقد قال عبد الله بن وهب ‪ :‬حدثنا عمرو بن الحارث ‪ ،‬أن دّراجا أبا ال ّ‬
‫حدثه ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬رضي الله عنه ‪] ،‬مرفوعا ‪:‬‬
‫"طوبى ‪ :‬شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ‪ ،‬ثياب أهل الجنة تخرج من‬
‫أكمامها"‪(4) .‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬جناب"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬غريبة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬ولبن وماء"‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه الطبري في تفسيره )‪ (16/443‬قال أحمد ‪ ،‬رحمه الله ‪" :‬أحاديث‬
‫دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد فيها ضعف"‪.‬‬

‫) ‪(4/455‬‬

‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن بن موسى ‪ ،‬سمعت عبد الله بن ل َِهيعة ‪،‬‬
‫حدثنا د َّراج أبو السمح ‪ ،‬أن أبا الهيثم حدثه ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري[ )‪ (1‬عن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أن رجل قال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬طوبى لمن‬
‫رآك وآمن بك‪ .‬قال ‪" :‬طوبى لمن رآني وآمن بي ‪ ،‬ثم طوبى ‪ ،‬ثم طوبى ‪ ،‬ثم‬
‫طوبى لمن آمن بي ولم يرني"‪ .‬قال له رجل ‪ :‬وما طوبى ؟ قال ‪" :‬شجرة‬
‫في الجنة مسيرة مائة عام ‪ ،‬ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها"‪(2) .‬‬
‫وروى البخاري ومسلم جميًعا ‪ ،‬عن إسحاق بن راهويه ‪ ،‬عن مغيرة‬
‫المخزومي ‪ ،‬عن َوهيب ‪ ،‬عن أبي حازم ‪ ،‬عن سهل بن سعد قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن في الجنة شجرة يسير الراكب في‬
‫ظلها مائة عام ل يقطعها" قال ‪ :‬فحدثت به النعمان بن أبي عياش الّزَرقي ‪،‬‬
‫دري ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن‬ ‫خ ْ‬ ‫فقال ‪ :‬حدثني أبو سعيد ال ُ‬
‫مَر السريع مائة عام ما يقطعها"‪.‬‬‫واد المض ّ‬
‫ج َ‬‫في الجنة شجرة يسير الراكب ال َ‬
‫)‪(3‬‬
‫وفي صحيح البخاري ‪ ،‬من حديث يزيد بن ُزَريع ‪ ،‬عن سعيد ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن‬
‫أنس ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول‬
‫دودٍ { ]الواقعة ‪ [30 :‬قال ‪" :‬في الجنة شجرة يسير‬ ‫م ُ‬‫م ْ‬‫ل َ‬‫الله ‪ } :‬وَظ ِ ّ‬
‫الراكب في ظلها مائة عام ل يقطعها"‪(4) .‬‬
‫سَرْيج ‪ ،‬حدثنا فُل َْيح ‪ ،‬عن هلل بن علي ‪ ،‬عن عبد‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا ُ‬
‫الرحمن بن أبي عمرة ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة )‪ (5‬اقرءوا إن‬
‫دود ٍ { أخرجاه في الصحيحين‪(6) .‬‬ ‫م ُ‬‫م ْ‬‫ل َ‬‫شئتم } وَظ ِ ّ‬
‫ضا ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر وحجاج قال حدثنا شعبة‬ ‫وقال ]المام[ )‪ (7‬أحمد أي ً‬
‫‪ ،‬سمعت أبا الضحاك يحدث عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أنه قال ‪" :‬إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين ‪ -‬أو ‪ :‬مائة ‪-‬‬
‫سنة هي شجرة الخلد"‪(8) .‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ‪ ،‬عن أبيه ‪،‬‬
‫عن أسماء بنت أبي بكر ‪ ،‬رضي الله عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬سمعت رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬وذكر سدرة المنتهى ‪ ،‬قال ‪" :‬يسير في ظل الفنن منها‬
‫الراكب مائة سنة ‪ -‬أو ‪ :‬قال ‪ : -‬يستظل في الفنن منها مائة راكب ‪ ،‬فيها‬
‫فراش الذهب ‪ ،‬كأن ثمرها القلل"‪ .‬رواه الترمذي‪(9) .‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(3/71‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (6552‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2827‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪.(3251‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬عام"‪.‬‬
‫)‪ (6‬المسند )‪.(2/482‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬المسند )‪.(2/455‬‬
‫)‪ (9‬سنن الترمذي برقم )‪ (2541‬وقال الترمذي ‪" :‬حديث حسن غريب" وفي‬
‫بعض النسخ ‪" :‬حسن صحيح غريب"‪.‬‬

‫) ‪(4/456‬‬

‫وقال إسماعيل بن عياش ‪ ،‬عن سعيد بن يوسف ‪ ،‬عن يحيى بن أبي كثير ‪،‬‬
‫عن أبي سلم السود قال ‪ :‬سمعت أبا أمامة الباهلي قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما منكم من أحد يدخل الجنة إل انطلق به إلى‬
‫طوبى ‪ ،‬فتفتح له أكمامها ‪ ،‬فيأخذ من أي ذلك شاء ‪ ،‬إن شاء أبيض ‪ ،‬وإن شاء‬
‫أحمر ‪ ،‬وإن شاء أصفر ‪ ،‬وإن شاء أسود ‪ ،‬مثل شقائق النعمان وأرق‬
‫وأحسن"‪(1) .‬‬
‫وقال المام أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد العلى ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫شب ‪ ،‬عن أبي‬ ‫حو ْ َ‬ ‫مر ‪ ،‬عن أشعث بن عبد الله ‪ ،‬عن َ‬
‫شْهر بن َ‬ ‫معْ َ‬
‫ثور ‪ ،‬عن َ‬
‫هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬طوبى شجرة في الجنة ‪ ،‬يقول الله لها ‪:‬‬
‫ما شاء ؛ فتفتق له عن الخيل بسروجها ولجمها ‪ ،‬وعن البل‬ ‫فّتقي لعبدي عَ ّ‬ ‫"ت َ َ‬
‫بأزمتها ‪ ،‬وعما شاء من الكسوة"‪(2) .‬‬
‫وقد روى ابن جرير عن وهب بن منبه هاهنا أثًرا غريًبا عجيبا ‪ ،‬قال وهب ‪،‬‬
‫رحمه الله ‪ :‬إن في الجنة شجرة يقال لها ‪" :‬طوبى" ‪ ،‬يسير الراكب في ظلها‬
‫مائة عام ل يقطعها ‪ ،‬زهرها رياط ‪ ،‬وورقها برود ‪ ،‬وقضبانها عنبر ‪ ،‬وبطحاؤها‬
‫حلها مسك ‪ ،‬يخرج من أصلها أنهار الخمر واللبن‬ ‫ياقوت ‪ ،‬وترابها كافور ‪َ ،‬وو َ‬
‫والعسل ‪ ،‬وهي مجلس لهل الجنة ‪ ،‬فبينا هم في مجلسهم إذ أتتهم ملئكة‬
‫من ربهم يقودون نجبا مزمومة بسلسل من ذهب وجوهها كالمصابيح حسنا )‬
‫عّزي )‪ (4‬من لينه ‪ ،‬عليها رحال ألواحها من ياقوت ‪،‬‬ ‫مر ِ‬
‫‪ (3‬ووبرها كخز ال ْ‬
‫ودفوفها )‪ (5‬من ذهب ‪ ،‬وثيابها من سندس وإستبرق ‪ ،‬فينيخونها ويقولون ‪:‬‬
‫إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه وتسلموا عليه قال ‪ :‬فيركبونها ‪ ،‬فهي أسرع من‬
‫مهََنة ‪ ،‬يسير الرجل إلى جنب أخيه‬ ‫الطائر ‪ ،‬وأوطأ من الفراش ‪ ،‬نجيا من غير َ‬
‫وهو يكلمه ويناجيه ‪ ،‬ل تصيب )‪ (6‬أذن راحلة منها أذن الخرى ‪ ،‬ول َبرك‬
‫حى عن طريقهم ‪ ،‬لئل تفرق بين‬ ‫راحلة برك الخرى ‪ ،‬حتى إن شجرة لتتن ّ‬
‫الرجل وأخيه‪ .‬قال ‪ :‬فيأتون إلى الرحمن الرحيم فيسفر لهم عن وجهه‬
‫الكريم حتى ينظروا إليه ‪ ،‬فإذا رأوه قالوا ‪ :‬اللهم ‪ ،‬أنت السلم ومنك‬
‫السلم ‪ ،‬وحق لك الجلل والكرام‪ .‬قال ‪ :‬فيقول تعالى ]عند ذلك[ )‪ (7‬أنا‬
‫السلم ومني السلم ‪ ،‬وعليكم حقت رحمتي ومحبتي ‪ ،‬مرحبا بعبادي الذين‬
‫خشوني بغيب وأطاعوا أمري"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فيقولون ‪ :‬ربنا لم نعبدك حق عبادتك ‪ ،‬ولم نقدرك حق قدرك ‪ ،‬فأذن‬
‫لنا في السجود ُقدامك قال ‪ :‬فيقول الله ‪" :‬إنها ليست بدار نصب ول عبادة ‪،‬‬
‫مْلك ونعيم ‪ ،‬وإني قد رفعت عنكم نصب العبادة ‪ ،‬فسلوني ما‬ ‫ولكنها دار ُ‬
‫شئتم ‪ ،‬فإن لكل رجل منكم أمنيته" فيسألونه ‪ ،‬حتى أن أقصرهم أمنية ليقول‬
‫‪ :‬رب ‪ ،‬تنافس )‪ (8‬أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها ‪ ،‬رب فآتنى مثل كل‬
‫شيء كانوا فيه من‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬رواه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة برقم )‪ (146‬من طريق أبي عتبة ‪،‬‬
‫عن إسماعيل بن عياش ‪ ،‬به‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري )‪ (16/438‬ورواه ابن المبارك في الزهد برقم )‪(265‬‬
‫من طريق معمر عن الشعث ‪ ،‬به‪ .‬وشهر بن حوشب ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬من حسنها"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬الرعزى"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬ورفرفها"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ل يصيب"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬يتنافس"‪.‬‬

‫) ‪(4/457‬‬
‫يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا‪ .‬فيقول الله تعالى ‪" :‬لقد قصرت بك أمنيتك ‪،‬‬
‫ولقد سألت دون منزلتك ‪ ،‬هذا لك مني ‪] ،‬وسأتحفك بمنزلتي[ )‪ (1‬؛ لنه‬
‫ليس في عطائي نكد ول َتصريد"‪ .‬قال ‪ :‬ثم يقول ‪" :‬اعرضوا على عبادي ما‬
‫لم يبلغ أمانيهم ‪ ،‬ولم يخطر لهم على بال"‪ .‬قال ‪ :‬فيعرضون عليهم حتى‬
‫قصر بهم أمانيهم التي في أنفسهم ‪ ،‬فيكون فيما يعرضون عليهم براذين‬ ‫تَ ْ‬
‫قرنة ‪ ،‬على كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة ‪ ،‬على كل سرير منها‬ ‫م ْ‬‫ُ‬
‫متظاهرة ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الجنة‬ ‫فرش‬ ‫ُ‬ ‫من‬ ‫فرش‬ ‫منها‬ ‫قبة‬ ‫كل‬ ‫في‬ ‫‪،‬‬ ‫رغة‬ ‫مف‬
‫ُ ّ‬ ‫ذهب‬ ‫من‬ ‫قبة‬
‫في كل قبة منها جاريتان من الحور العين ‪ ،‬على كل جارية منهن ثوبان من‬
‫ثياب الجنة ‪ ،‬وليس في الجنة لون إل وهو فيهما )‪ (2‬ول ريح طيبة إل قد‬
‫عبقتا به )‪ (3‬ينفذ ضوء وجوههما غلظ القبة ‪ ،‬حتى يظن من يراهما أنهما دون‬
‫القبة ‪ ،‬يرى مخهما من فوق سوقهما ‪ ،‬كالسلك البيض في ياقوتة حمراء ‪،‬‬
‫يريان له من الفضل على صاحبته )‪ (4‬كفضل الشمس على الحجارة أو‬
‫أفضل ‪ ،‬ويرى هو لهما مثل ذلك ‪ ،‬ويدخل إليهما فيحييانه ويقبلنه ويعتنقانه )‬
‫‪ (5‬به ‪ ،‬ويقولن له ‪ :‬والله ما ظننا أن الله يخلق مثلك‪ .‬ثم يأمر الله تعالى‬
‫الملئكة فيسيرون بهم صفا في الجنة ‪ ،‬حتى ينتهى بكل رجل منهم إلى‬
‫منزلته التي أعدت له‪(6) .‬‬
‫وقد روى هذا الثر ابن أبي حاتم بسنده ‪ ،‬عن وهب بن منبه ‪ ،‬وزاد ‪ :‬فانظروا‬
‫إلى موهوب ربكم الذي وهب لكم ‪ ،‬فإذا هو بقباب في الرفيق العلى ‪،‬‬
‫وغرف مبنية من الدر والمرجان ‪ ،‬وأبوابها من ذهب ‪ ،‬وسررها من ياقوت ‪،‬‬
‫وفرشها من سندس وإستبرق ‪ ،‬ومنابرها من نور ‪ ،‬يفور من أبوابها وعراصها‬
‫نور مثل شعاع الشمس عنده مثل الكوكب الدري )‪ (7‬في النهار المضيء ‪،‬‬
‫وإذا بقصور شامخة في أعلى عليين من الياقوت يزهو نورها ‪ ،‬فلول أنه‬
‫سخر ‪ ،‬إًذا للتمع البصاَر ‪ ،‬فما كان من تلك القصور من الياقوت ]البيض ‪،‬‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫فهو مفروش بالحرير )‪ (8‬البيض ‪ ،‬وما كان منها من الياقوت الحمر فهو‬
‫مفروش بالعبقري الحمر ‪ ،‬وما كان منها من الياقوت الخضر[ )‪ (9‬فهو‬
‫مفروش بالسندس الخضر ‪ ،‬وما كان منها من الياقوت الصفر ‪ ،‬فهو‬
‫مفروش بالرجوان الصفر منزه )‪ (10‬بالزمرد الخضر ‪ ،‬والذهب الحمر ‪،‬‬
‫شُرفها قباب من لؤلؤ ‪،‬‬ ‫والفضة البيضاء ‪ ،‬قوائمها وأركانها من الجوهر ‪ ،‬و ُ‬
‫وبروجها غَُرف من المرجان‪ .‬فلما انصرفوا إلى ما أعطاهم ربهم ‪ ،‬قّربت لهم‬
‫ُ‬
‫براذين من ياقوت أبيض ‪ ،‬منفوخ فيها الروح ‪َ ،‬تجَنبها الولدان المخلدون بيد‬
‫كل وليد منهم حكمة ب ِْرَذون من تلك البراذين ‪ ،‬ولجمها وأعنتها من فضة‬
‫سُرٌر موضونة ‪ ،‬مفروشة‬ ‫سُروجها ُ‬
‫بيضاء ‪ ،‬منظومة بالدر والياقوت ‪ُ ،‬‬
‫بالسندس والستبرق‪ .‬فانطلقت بهم تلك البراذين ت ََزف بهم ببطن )‪(11‬‬
‫رياض الجنة‪ .‬فلما انتهوا إلى‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬فيها"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عبقا بهما"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬صاحبه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ويعلقانه"‪.‬‬
‫)‪ (6‬تفسير الطبري )‪.(16/439‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الذي"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬من الحرير"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬في أ ‪" :‬مبوبة"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في أ ‪" :‬وبطن"‪.‬‬

‫) ‪(4/458‬‬

‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك َذ َل ِ َ َ‬


‫ك‬ ‫ذي أوْ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫م ل ِت َت ْل ُوَ عَل َي ْهِ ُ‬ ‫ن قَب ْل َِها أ َ‬
‫م ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ت ِ‬ ‫مةٍ قَد ْ َ‬‫ك ِفي أ ّ‬ ‫سل َْنا َ‬
‫ك أْر َ‬
‫ب )‪(30‬‬ ‫مَتا ِ‬ ‫ت وَإ ِل َي ْهِ َ‬ ‫ه إ ِّل هُوَ عَل َي ْهِ ت َوَك ّل ْ ُ‬ ‫ل هُوَ َرّبي َل إ ِل َ َ‬‫ن قُ ْ‬‫م ِ‬ ‫ح َ‬
‫ن ِبالّر ْ‬‫فُرو َ‬ ‫م ي َك ْ ُ‬
‫وَهُ ْ‬

‫منازلهم ‪ ،‬وجدوا الملئكة قُُعوًدا على منابر من نور ‪ ،‬ينتظرونهم ليزوروهم‬


‫ة ربهم‪ .‬فلما دخلوا قصورهم وجدوا فيها جميع ما‬ ‫م َ‬
‫ويصافحوهم ويهنئوهم كرا َ‬
‫ّ‬
‫طاول به عليهم )‪ (1‬وما سألوا وتمنوا ‪ ،‬وإذا على باب كل قصر من تلك‬ ‫تَ َ‬
‫دهامتان ‪ ،‬وفيهما‬ ‫م ْ‬ ‫القصور أربعة جنان ‪] ،‬جنتان[ )‪ (2‬ذواتا أفنان ‪ ،‬وجنتان ُ‬
‫عينان نضاختان ‪ ،‬وفيهما من كل فاكهة زوجان ‪ ،‬وحور مقصورات في‬
‫الخيام ‪ ،‬فلما ت َب َي ُّنوا )‪ (3‬منازلهم واستقروا قرارهم قال لهم ربهم ‪ :‬هل‬
‫وجدتم ما وعدتكم )‪ (4‬حقا ؟ قالوا ‪ :‬نعم وَرب َّنا‪ .‬قال ‪ :‬هل رضيتم ثواب‬
‫ربكم ؟ قالوا ‪ :‬ربنا ‪ ،‬رضينا فارض عنا قال ‪ :‬برضاي )‪ (5‬عنكم حللتم داري ‪،‬‬
‫طاًء غَي َْر‬ ‫ونظرتم إلى وجهي ‪ ،‬وصافحتكم ملئكتي ‪ ،‬فهنيًئا هنيًئا لكم ‪ } ،‬عَ َ‬
‫ذوذ ٍ { ]هود ‪ [108 :‬ليس فيه تنغيص ول تصريد‪ .‬فعند ذلك قالوا ‪ :‬الحمد‬ ‫ج ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫لله الذي أذهب عنا الحزن ‪ ،‬وأدخلنا )‪ (6‬دار المقامة من فضله ‪ ،‬ل يمسنا‬
‫فيها نصب ول يمسنا فيها لغوب ‪ ،‬إن ربنا لغفور شكور‪.‬‬
‫وهذا سياق غريب ‪ ،‬وأثر عجيب ولبعضه شواهد ‪ ،‬ففي الصحيحين ‪ :‬أن الله‬
‫تعالى يقول لذلك الرجل الذي يكون آخر أهل الجنة دخول الجنة ‪ :‬تمن" ‪،‬‬
‫فيتمنى )‪ (7‬حتى إذا انتهت به الماني يقول الله تعالى ‪" :‬تمن من كذا وتمن‬
‫من كذا" ‪ ،‬يذكره ‪ ،‬ثم يقول ‪" :‬ذلك لك ‪ ،‬وعشرة أمثاله"‪(8) .‬‬
‫وفي صحيح مسلم ‪ ،‬عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن‬
‫الله ‪ ،‬عز وجل )‪ (9‬يا عبادي ‪ ،‬لو أن أولكم وآخركم ‪ ،‬وإنسكم وجنكم ‪ ،‬قاموا‬
‫في صعيد واحد ‪ ،‬فسألوني ‪ ،‬فأعطيت كل إنسان )‪ (10‬مسألته ‪ ،‬ما نقص‬
‫ذلك من ملكي شيئا ‪ ،‬إل كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر" ‪ ،‬الحديث‬
‫بطوله‪(11) .‬‬
‫دان ‪ :‬إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى ‪ ،‬لها ضروع ‪،‬‬ ‫معْ َ‬‫وقال خالد بن َ‬
‫قط المرأة يكون في نهر من أنهار‬ ‫س َ‬‫صبَيان أهل الجنة ‪ ،‬وإن َ‬ ‫كلها ترضع ِ‬
‫الجنة ‪ ،‬يتقلب فيه حتى تقوم القيامة ‪ ،‬فيبعث ابن أربعين سنة‪ .‬رواه ابن أبي‬
‫حاتم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫حي َْنا‬
‫ذي أوْ َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫م ل ِت َت ْلوَ عَلي ْهِ ُ‬ ‫ن قَب ْل َِها أ َ‬
‫م ٌ‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬‫خل ْ‬ ‫مةٍ قَد ْ َ‬ ‫َ‬
‫سلَناك ِفي أ ّ‬ ‫} ك َذ َل ِك أْر َ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫ت وَإ ِل َي ْهِ َ‬
‫مَتا ِ‬ ‫ه ِإل هُوَ عَل َي ْهِ ت َوَك ّل ْ ُ‬ ‫ل هُوَ َرّبي ل إ ِل َ َ‬‫ن قُ ْ‬ ‫م ِ‬‫ح َ‬‫ن ِبالّر ْ‬‫فُرو َ‬ ‫م ي َك ْ ُ‬ ‫ك وَهُ ْ‬ ‫إ ِل َي ْ َ‬
‫)‪{ (30‬‬
‫ذي‬ ‫ّ‬
‫م ال ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬وكما أرسلناك يا محمد في هذه المة ‪ } :‬ل ِت َت ْلوَ عَلي ْهِ ُ‬
‫ك { أي ‪ :‬تبلغهم‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫أوْ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬عليهم ربهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تبوءوا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬ما وعد ربكم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬فبرضاى"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬وأحلنا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬فيمن"‪.‬‬
‫)‪ (8‬صحيح البخاري برقم )‪ (6573‬وصحيح مسلم برقم )‪ (182‬من حديث‬
‫أبي هريرة وأبي سعيد ‪ ،‬رضي الله عنهما‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬عن جبريل ‪ ،‬عن الله‬
‫عز وجل"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬إنسان منهم"‪.‬‬
‫)‪ (11‬صحيح مسلم برقم )‪.(2577‬‬

‫) ‪(4/459‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ول َو أ َن قُرآ َنا سيرت به ال ْجبا ُ َ‬


‫ل ل ِل ّهِ‬
‫موَْتى ب َ ْ‬‫م ب ِهِ ال ْ َ‬‫ض أوْ ك ُل ّ َ‬ ‫ت ب ِهِ اْلْر ُ‬ ‫ل أوْ قُط ّعَ ْ‬ ‫َ ْ ّ ْ ً ُ َّ ْ ِ ِ ِ َ‬
‫ميًعا وَلَ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج ِ‬‫س َ‬ ‫دى الّنا َ‬ ‫ه لهَ َ‬ ‫شاُء الل ُ‬ ‫ن لو ْ ي َ َ‬ ‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫س ال ّ ِ‬
‫ِ‬ ‫م ي َي ْئ َ‬‫ميًعا أفَل َ ْ‬ ‫ج ِ‬‫مُر َ‬ ‫اْل ْ‬
‫فروا تصيبهم بما صنعوا َقارعَ ٌ َ‬
‫حّتى‬ ‫م َ‬‫ن َدارِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ريًبا ِ‬ ‫ل قَ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ة أوْ ت َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ ُُ ْ ِ َ َ َُ‬ ‫ن كَ َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ي ََزا ُ‬
‫ْ‬
‫ميَعاد َ )‪(31‬‬ ‫ف ال ْ ِ‬ ‫خل ِ ُ‬‫ه َل ي ُ ْ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ي وَعْد ُ الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫ي َأت ِ َ‬
‫ذب‬ ‫رسالة الله إليهم ‪ ،‬كذلك أرسلنا في المم الماضية الكافرة بالله ‪ ،‬وقد ك ُ ّ‬
‫الرسل من قبلك ‪ ،‬فلك بهم أسوة ‪ ،‬وكما أوقعنا بأسنا ونقمتنا بأولئك ‪،‬‬
‫فليحذر هؤلء من حلول النقم بهم ‪ ،‬فإن تكذيبهم لك أشد ّ من تكذيب غيرك‬
‫ُ‬ ‫من المرسلين ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ } :‬تالل ّه ل َ َ َ‬
‫ن‬‫ك فََزي ّ َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬‫مم ٍ ِ‬ ‫سل َْنا إ َِلى أ َ‬ ‫قد ْ أْر َ‬ ‫َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫طا َ‬
‫م { ]النحل ‪[63 :‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫م وَلهُ ْ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬ ‫م فَهُوَ وَل ِي ّهُ ُ‬ ‫مال َهُ ْ‬ ‫ن أعْ َ‬ ‫شي ْ َ ُ‬ ‫مال ّ‬ ‫ل َهُ ُ‬
‫ُ‬
‫ما ك ُذ ُّبوا وَأوُذوا‬ ‫صب َُروا عََلى َ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ٌ‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫قد ْ ك ُذ ّب َ ْ‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ن ن َب َإ ِ ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫جاَء َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ت الل ّهِ وَل َ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ل ل ِك َل ِ َ‬ ‫مب َد ّ َ‬‫صُرَنا َول ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫حّتى أَتاهُ ْ‬ ‫َ‬
‫]النعام ‪ [34 :‬أي ‪ :‬كيف نصرناهم ‪ ،‬وجعلنا العاقبة لهم ولتباعهم في الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬هذه المة التي بعثناك فيهم يكفرون‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ِبالّر ْ‬ ‫فُرو َ‬ ‫م ي َك ْ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَهُ ْ‬
‫بالرحمن ‪ ،‬ل يقرون به ؛ لنهم كانوا يأنفون من وصف الله بالرحمن الرحيم ؛‬
‫ولهذا أنفوا يوم الحديبية أن يكتبوا "بسم الله الرحمن الرحيم" وقالوا ‪ :‬ما‬
‫ندري ما الرحمن الرحيم‪ .‬قاله قتادة ‪ ،‬والحديث في صحيح البخاري )‪ (1‬وقد‬
‫عوا الرحم َ‬ ‫ه أ َوِ اد ْ ُ‬
‫ماُء‬ ‫س َ‬ ‫ه ال ْ‬ ‫عوا فَل َ ُ‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬ ‫ن أّيا َ‬ ‫ّ ْ َ َ‬ ‫عوا الل ّ َ‬ ‫ل اد ْ ُ‬ ‫قال الله تعالى ‪ } :‬قُ ِ‬
‫سَنى { ]السراء ‪ [110 :‬وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر قال ‪:‬‬ ‫ح ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن أحب السماء إلى الله عبد الله‬
‫وعبد الرحمن )‪.(3) (2‬‬
‫ه ِإل هُوَ { أي ‪ :‬هذا الذي تكفرون به أنا مؤمن به ‪ ،‬معترف‬ ‫ل هُوَ َرّبي ل إ ِل َ َ‬ ‫} قُ ْ‬
‫ت { أي ‪ :‬في‬ ‫مقر له بالربوبية واللهية ‪ ،‬هو ربي ل إله إل هو ‪ } ،‬عَل َي ْهِ ت َوَك ّل ْ ُ‬
‫ب { أي ‪ :‬إليه أرجع وأنيب ‪ ،‬فإنه ل يستحق ذلك‬ ‫مَتا ِ‬ ‫جميع أموري ‪ } ،‬وَإ ِل َي ْهِ َ‬
‫أحد )‪ (4‬سواه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫موَْتى ب َ ْ‬
‫ل‬ ‫م ب ِهِ ال ْ َ‬ ‫ض أوْ ك ُل ّ َ‬ ‫ت ب ِهِ الْر ُ‬ ‫ل أوْ قُط ّعَ ْ‬ ‫جَبا ُ‬ ‫ت ب ِهِ ال ْ ِ‬ ‫سي َّر ْ‬ ‫ن قُْرآًنا ُ‬ ‫} وَل َوْ أ ّ‬
‫َ‬ ‫لل ّه المر جميعا أ َفَل َم ييأ َ‬
‫ميًعا‬ ‫ج ِ‬‫س َ‬ ‫دى الّنا َ‬ ‫ه ل َهَ َ‬ ‫شاُء الل ّ ُ‬ ‫ن ل َوْ ي َ َ‬ ‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫س ال ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َْ‬ ‫ْ ُ َ ِ ً‬ ‫ِ ِ‬
‫حّتى‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫دا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫با‬ ‫ري‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫و‬‫ة أَ‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫عوا‬ ‫ن‬ ‫ص‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫صي‬ ‫ت‬ ‫روا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ذي‬‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫زا‬
‫ِ ً ِ ْ َ ِ ِ ْ َ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ ُُ ْ ِ َ َ َُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫َول َ َ‬
‫ي‬
‫ميَعاد َ )‪{ (31‬‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ف ال ِ‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫ه ل يُ ْ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ي وَعْد ُ اللهِ إ ِ ّ‬ ‫ي َأت ِ َ‬
‫يقول تعالى مادحا للقرآن الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫َ‬
‫ت ب ِهِ‬
‫سي َّر ْ‬ ‫ومفضل له على سائر الكتب المنزلة قبله ‪ } :‬وَل َوْ أ ّ‬
‫ن قُْرآًنا ُ‬
‫ل { أي ‪ :‬لو كان في الكتب الماضية كتاب تسير به الجبال عن أماكنها ‪،‬‬ ‫ال ْ ِ‬
‫جَبا ُ‬
‫أو تقطع به الرض وتنشق )‪ (5‬أو تكلم )‪ (6‬به الموتى في قبورها ‪ ،‬لكان هذا‬
‫القرآن هو المتصف بذلك دون غيره ‪ ،‬أو بطريق الولى أن يكون كذلك ؛ لما‬
‫فيه من العجاز الذي ل يستطيع النس والجن عن آخرهم إذا اجتمعوا أن‬
‫يأتوا بمثله ‪ ،‬ول بسورة من مثله ‪ ،‬ومع هذا فهؤلء المشركون كافرون به ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪ (2732 ، 2731‬عن مروان بن الحكم والمسور‬
‫بن مخرمة في قصة غزوة الحديبية‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ زيادة ‪ :‬و"عبد الرحيم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم برقم )‪.(2132‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬أحد ذلك"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬وتشقق"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬وتشقق وتكلم"‪.‬‬

‫) ‪(4/460‬‬

‫ميًعا { )‪ (1‬أي ‪ :‬مرجع المور كلها إلى الله ‪،‬‬ ‫ج ِ‬‫مُر َ‬ ‫ل ل ِل ّهِ ال ْ‬ ‫جاحدون له ‪ } ،‬ب َ ْ‬
‫عز وجل ‪ ،‬ما شاء الله كان ‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن ‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له ‪،‬‬
‫ومن يهد )‪ (2‬الله فل مضل له‪.‬‬
‫وقد يطلق اسم القرآن على كل من الكتب المتقدمة ؛ لنه مشتق من‬
‫الجميع ‪ ،‬قال المام أحمد ‪:‬‬
‫مر ‪ ،‬عن همام بن منبه قال ‪ :‬هذا ما حدثنا أبو‬ ‫معْ َ‬ ‫حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫فت )‪ (3‬على داود‬ ‫ف َ‬
‫خ ّ‬
‫هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ُ " :‬‬
‫القراءة ‪ ،‬فكان يأمر بدابته أن تسرج ‪ ،‬فكان يقرأ القرآن من قبل أن ُتسرج‬
‫دابته ‪ ،‬وكان ل يأكل إل من عمل يديه"‪ .‬انفرد بإخراجه البخاري‪(4) .‬‬
‫والمراد بالقرآن هنا الزبور‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا { أي ‪ :‬من إيمان جميع الخلق ويعلموا أو‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫س ال ّ ِ‬ ‫م ي َي ْأ ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬أفَل َ ْ‬
‫َ‬
‫ميًعا { فإنه ليس ثم )‪ (6‬حجة ول‬ ‫ج ِ‬
‫س َ‬
‫دى الّنا َ‬ ‫ه ل َهَ َ‬ ‫شاُء الل ّ ُ‬ ‫ن ل َوْ ي َ َ‬
‫يتبينوا )‪ } (5‬أ ْ‬
‫معجزة أبلغ ول أنجع في النفوس والعقول من هذا القرآن ‪ ،‬الذي لو أنزله‬
‫الله على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله‪ .‬وثبت في الصحيح أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ما من نبي إل وقد أوتي ما آمن‬
‫على مثله البشر ‪ ،‬وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي ‪ ،‬فأرجو أن‬
‫أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة" )‪ (7‬معناه ‪ :‬أن معجزة كل نبي انقرضت‬
‫خل َقُ عن‬ ‫بموته ‪ ،‬وهذا القرآن حجة باقية على الباد ‪ ،‬ل تنقضي عجائبه ‪ ،‬ول ي َ ْ‬
‫كثرة الرد ّ ‪ ،‬ول يشبع منه العلماء ‪ ،‬هو الفصل ليس بالهزل‪ .‬من تركه من جبار‬
‫قصمه الله ‪ ،‬ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله‪.‬‬
‫عة ‪ ،‬حدثنا منجاب بن الحارث ‪ ،‬أنبأنا بشر‬ ‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو ُزْر َ‬
‫وَ‬
‫بن عمارة ‪ ،‬حدثنا عمر بن حسان ‪ ،‬عن عطية العوفي قال ‪ :‬قلت له ‪ } :‬وَل ْ‬
‫َ‬
‫ل { الية ‪ ،‬قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم ‪ :‬لو‬ ‫جَبا ُ‬ ‫ت ب ِهِ ال ْ ِ‬‫سي َّر ْ‬ ‫ن قُْرآًنا ُ‬
‫أ ّ‬
‫سيرت لنا جبال مكة حتى تتسع فنحرث فيها ‪ ،‬أو قطعت لنا )‪ (8‬الرض كما‬
‫كان سليمان يقطع لقومه بالريح ‪ ،‬أو أحييت لنا الموتى كما كان عيسى يحيي‬
‫الموتى لقومه فأنزل الله هذه الية‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬هل تروون هذا الحديث عن‬
‫أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪،‬‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم‪(9) .‬‬
‫وكذا روي عن ابن عباس ‪ ،‬والشعبي ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والثوري ‪ ،‬وغير واحد في‬
‫سبب نزول هذه الية ‪ ،‬فالله أعلم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬لو فعل هذا بقرآن غير قرآنكم ‪ُ ،‬فعل بقرآنكم‪.‬‬
‫ميًعا { قال ابن عباس ‪] :‬أي[ )‪ (10‬ل يصنع من ذلك‬ ‫ج ِ‬
‫مُر َ‬‫ل ل ِل ّهِ ال ْ‬
‫وقوله ‪ } :‬ب َ ْ‬
‫إل ما يشاء ‪ ،‬ولم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فلله" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يهده"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬خفف"‪.‬‬
‫)‪ (4‬المسند )‪ (2/314‬وصحيح البخاري برقم )‪.(3417‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬ويعلموا ويتيقنوا"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬ثمت"‪.‬‬
‫)‪ (7‬صحيح البخاري برقم )‪ (4981‬وصحيح مسلم برقم )‪ (152‬من حديث‬
‫أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بنا"‪.‬‬
‫)‪ (9‬ورواه ابن مردويه في تفسيرة كما في تخريج الكشاف )‪ (2/191‬من‬
‫طريق بشر بن عمارة به ‪ ،‬وإسناده ضعيف جدا‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من أ‪.‬‬

‫) ‪(4/461‬‬

‫قد استهزئَ برسل من قَبل َ َ‬


‫ن‬ ‫ف َ‬
‫كا َ‬ ‫م فَك َي ْ َ‬ ‫م أَ َ‬
‫خذ ْت ُهُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فُروا ث ُ ّ‬ ‫ت ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مل َي ْ ُ‬
‫ك فَأ ْ‬‫وَل َ َ ِ ْ ُ ْ ِ ِ ُ ُ ٍ ِ ْ ْ ِ‬
‫ب )‪(32‬‬ ‫قا ِ‬
‫ع َ‬ ‫ِ‬

‫ضا‪.‬‬‫يكن ليفعل ‪ ،‬رواه ابن إسحاق بسنده عنه ‪ ،‬وقاله ابن جرير أي ً‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا { أفلم يعلم‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫س ال ّ ِ‬ ‫م ي َي ْأ ِ‬ ‫وقال غير واحد من السلف في قوله ‪ } :‬أفَل َ ْ‬
‫الذين آمنوا‪ .‬وقرأ )‪ (1‬آخرون ‪" :‬أفلم يتبين الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى‬
‫الناس جميعا"‪.‬‬
‫وقال أبو العالية ‪ :‬قد يئس )‪ (2‬الذين آمنوا أن يهدوا ‪ ،‬ولو يشاء الله لهدى‬
‫الناس جميعا‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ريًبا ِ‬‫ل قَ ِ‬ ‫ح ّ‬‫ة أوْ ت َ ُ‬ ‫صن َُعوا َقارِعَ ٌ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫صيب ُهُ ْ‬ ‫فُروا ت ُ ِ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬
‫ل ال ِ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬ول ي ََزا ُ‬
‫م { أي ‪ :‬بسبب تكذيبهم ‪ ،‬ل تزال القوارع تصيبهم في الدنيا ‪ ،‬أو تصيب‬ ‫َدارِهِ ْ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬‫م ِ‬ ‫حوْلك ْ‬ ‫ما َ‬ ‫قد ْ أهْلكَنا َ‬ ‫من حولهم ليتعظوا ويعتبروا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَل َ‬
‫قرى وصرفْنا اليات ل َعل ّهم يرجعون { ]الحقاف ‪ [27 :‬وقال } أ ََفل يرون أناَ‬
‫ََ ْ َ ّ‬ ‫َ ِ َ ُ ْ َْ ِ ُ َ‬ ‫َ َ ّ َ‬ ‫ال ْْ ُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]النبياء ‪(3) .[44 :‬‬ ‫م ال َْغال ُِبو َ‬ ‫ن أط َْرافَِها أفَهُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫صَها ِ‬
‫ق ُ‬ ‫ض ن َن ْ ُ‬
‫ن َأِتي الْر َ‬
‫م { أي ‪ :‬القارعة‪ .‬وهذا‬ ‫ه‬ ‫ر‬‫دا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫با‬ ‫ري‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫قال قتادة ‪ ،‬عن الحسن ‪ } :‬أ َ‬
‫ِ ً ِ ْ َ ِ ِ ْ‬ ‫ْ َ ُ‬
‫هو الظاهر من السياق‪.‬‬
‫جب َْير ‪،‬‬‫قال أبو داود الطيالسي ‪ :‬حدثنا المسعودي ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬
‫صن َُعوا‬‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫صيب ُهُ ْ‬ ‫فُروا ت ُ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫عن ابن عباس في قوله ‪َ } :‬ول ي ََزا ُ‬
‫َ‬
‫م { قال ‪ :‬محمد صلى‬ ‫ن َدارِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ريًبا ِ‬ ‫ل قَ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ة { )‪ (4‬قال ‪ :‬سرية ‪ } ،‬أوْ ت َ ُ‬
‫ْ‬
‫َقارِعَ ٌ‬
‫ي وَعْد ُ اللهِ { قال ‪ :‬فتح مكة‪(5) .‬‬ ‫ّ‬ ‫حّتى ي َأت ِ َ‬ ‫الله عليه وسلم ‪َ } ،‬‬
‫رمة ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬في رواية‪.‬‬ ‫عك ْ ِ‬ ‫وهكذا قال ِ‬
‫ة { )‪ (6‬قال ‪:‬‬ ‫َ‬
‫صن َُعوا قارِعَ ٌ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫صيب ُهُ ْ‬ ‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬ت ُ ِ‬
‫م { )‪ (7‬يعني ‪ :‬نزول‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن َدارِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ريًبا ِ‬ ‫حل ق ِ‬ ‫عذاب من السماء ينزل عليهم } أوْ ت َ ُ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وقتاله إياهم‪.‬‬
‫رمة في رواية عنه ‪ ،‬عن ابن عباس ‪:‬‬ ‫عك ْ ِ‬‫وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وقال ِ‬
‫ة { أي ‪ :‬نكبة‪.‬‬ ‫} َقارِعَ ٌ‬
‫ي وَعْد ُ اللهِ { يعني ‪ :‬فتح مكة‪ .‬وقال الحسن‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫حّتى ي َأت ِ َ‬ ‫وكلهم قال ‪َ } :‬‬
‫البصري ‪ :‬يوم القيامة‪.‬‬
‫ميَعاد َ { أي ‪ :‬ل ينقض وعده لرسله بالنصرة لهم‬ ‫ْ‬
‫ف ال ِ‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫ه ل يُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫هّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫َ‬
‫سل ُ‬ ‫ف وَعْدِهِ ُر ُ‬ ‫خل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫سب َ ّ‬‫ح َ‬ ‫ولتباعهم في الدنيا والخرة ‪َ } ،‬فل ت َ ْ‬
‫قام ٍ { ]إبراهيم ‪.[47 :‬‬ ‫زيٌز ُذو ان ْت ِ َ‬ ‫عَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ف كا َ‬ ‫م فَكي ْ َ‬ ‫خذ ْت ُهُ ْ‬‫مأ َ‬ ‫فُروا ث ُ ّ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ل ِل ِ‬ ‫ملي ْ ُ‬ ‫ن قَب ْل ِك فَأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ٍ‬ ‫ست ُهْزِئَ ب ُِر ُ‬ ‫قد ِ ا ْ‬ ‫} وَل َ‬
‫ب )‪{ (32‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ع َ‬
‫ِ‬
‫يقول تعالى مسليا لرسوله صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذبه من‬
‫َ‬
‫ت‬‫مل َي ْ ُ‬‫ك { أي ‪ :‬فلك فيهم أسوة ‪ } ،‬فَأ ْ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ٍ‬ ‫ست ُهْزِئَ ب ُِر ُ‬ ‫قد ِ ا ْ‬ ‫قومه ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫َ‬
‫م { أخذة ً رابية ‪ ،‬فكيف‬ ‫خذ ْت ُهُ ْ‬ ‫مأ َ‬ ‫فُروا { أي ‪ :‬أنظرتهم وأجلتهم ‪ } ،‬ث ُ ّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫ت ل ََها‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مل َي ْ ُ‬‫ن قَْري َةٍ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫بلغك ما صنعت بهم وعاقبتهم ؟ كما قال تعالى ‪ } :‬وَك َأي ّ ْ‬
‫صيُر { ]الحج ‪[48 :‬‬ ‫م ِ‬ ‫ي ال ْ َ‬‫خذ ْت َُها وَإ ِل َ ّ‬‫م أَ َ‬ ‫ة ثُ ّ‬ ‫م ٌ‬ ‫ظال ِ َ‬‫ي َ‬ ‫وَهِ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وقرأها"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أيس"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أفلم يروا" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬يصيبهم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬ومن طريق الطيالسي رواه الطبري في تفسيره )‪.(16/456‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬يصيبهم"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬أو يحل"‪.‬‬

‫) ‪(4/462‬‬

‫ل سموهُ َ‬ ‫شَر َ‬ ‫جعَُلوا ل ِل ّهِ ُ‬ ‫م عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬


‫م‬
‫مأ ْ‬‫ْ‬ ‫كاَء قُ ْ َ ّ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬
‫ف‬ ‫ن هُوَ َقائ ِ ٌ‬ ‫أفَ َ‬
‫م ْ‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫ن كَ َ‬
‫فُروا‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ُزي ّ َ‬ ‫ل بَ ْ‬‫قو ْ ِ‬‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫ظاهِرٍ ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫ما َل ي َعْل َ ُ‬ ‫ت ُن َب ُّئون َ ُ‬
‫ه بِ َ‬
‫هاد ٍ )‪(33‬‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫ما ل َ ُ‬‫ه فَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬‫ضل ِ ِ‬‫ن يُ ْ‬‫م ْ‬ ‫ل وَ َ‬‫سِبي ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫دوا عَ ِ‬ ‫ص ّ‬‫م وَ ُ‬ ‫مك ُْرهُ ْ‬ ‫َ‬

‫وفي الصحيحين ‪" :‬إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" ‪ ،‬ثم قرأ‬
‫ي‬‫قَرى وَهِ َ‬ ‫خذ َ ال ْ ُ‬ ‫ك إ َِذا أ َ َ‬ ‫خذ ُ َرب ّ َ‬ ‫ك أَ ْ‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ } :‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫َ‬
‫ديد ٌ { ]هود ‪(1) .[102 :‬‬ ‫ش ِ‬ ‫خذ َه ُ أِلي ٌ‬ ‫ة إِ ّ‬ ‫م ٌ‬ ‫ظال ِ َ‬
‫َ‬ ‫شَر َ‬ ‫جعَُلوا ل ِل ّهِ ُ‬ ‫م عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫مأ ْ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫س ّ‬‫ل َ‬ ‫كاَء قُ ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ف ٍَ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ن هُوَ َقائ ِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫} أفَ َ‬
‫فُروا‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬‫ل ُزي ّ َ‬ ‫ل بَ ْ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫ظاهِرٍ ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫ما ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ت ُن َب ُّئون َ ُ‬
‫هاد ٍ )‪{ (33‬‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ضل ِ ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫دوا عَ َ ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫مك ُْرهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ت { أي ‪ :‬حفيظ عليم‬ ‫ب‬
‫َ َ ْ‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ما‬ ‫ب‬
‫ٍ ِ َ‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ئ‬ ‫َ‬
‫قا‬
‫َ ْ ُ َ ِ ٌ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫أ‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫يقول‬
‫رقيب على كل نفس منفوسة ‪ ،‬يعلم ما يعمل العاملون من خير وشر ‪ ،‬ول‬
‫كون في َ ْ‬
‫مُلو َ‬
‫ن‬ ‫ن َول ت َعْ َ‬ ‫ن قُْرآ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫ما ت َت ُْلو ِ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫شأ ٍ‬ ‫ما ت َ ُ ُ ِ‬ ‫يخفى عليه خافية ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ن ِفيهِ { ]يونس ‪ [61 :‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫ضو َ‬ ‫في ُ‬ ‫شُهوًدا إ ِذ ْ ت ُ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ل ِإل ك ُّنا عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ٍ‬‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن َداب ّةٍ ِفي‬ ‫م ْ‬
‫ما ِ‬ ‫مَها { ]النعام ‪ [59 :‬وقال } وَ َ‬ ‫ن وََرقَةٍ ِإل ي َعْل َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫} وَ َ‬
‫ن{‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مِبي ٍ‬‫ب ُ‬ ‫ست َوْد َعََها كل ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ها وَ ُ‬ ‫قّر َ‬‫ست َ َ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫م ُ‬ ‫ض ِإل عَلى اللهِ رِْزقَها وَي َعْل ُ‬ ‫الْر ِ‬
‫ف‬‫خ ٍ‬ ‫ست َ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ن هُوَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جهََر ب ِهِ وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫قوْل وَ َ‬ ‫ْ‬
‫سّر ال َ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫من ْك ْ‬ ‫واٌء ِ‬ ‫س َ‬‫]هود ‪ [6 :‬وقال } َ‬
‫فى { ]طه ‪[7 :‬‬ ‫خ َ‬ ‫بالل ّيل وسارب بالنهار { ]الرعد ‪ [10 :‬وقال } يعل َم السر وأ َْ‬
‫ّ ّ َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫ِ ْ ِ َ َ ِ ٌ ِ َّ َِ‬
‫صيٌر { ]الحديد]‪ [4‬أفمن‬ ‫َ َ ِ‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ما‬
‫ُْ ْ َ ُ ِ َ َْ َ‬‫ب‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ما‬
‫م أي ْ َ َ‬
‫ن‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫وقال } وَهُوَ َ‬
‫هو هكذا كالصنام التي يعبدونها )‪ (2‬ل تسمع ول تبصر ول تعقل ‪ ،‬ول تملك‬
‫نفعا لنفسها ول لعابديها ‪ ،‬ول كشف ضر عنها ول عن عابديها ؟ وحذف هذا‬
‫كاَء { أي ‪:‬‬ ‫شَر َ‬ ‫جعَُلوا ل ِل ّهِ ُ‬ ‫الجواب اكتفاء بدللة السياق عليه ‪ ،‬وهو قوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫عبدوها معه ‪ ،‬من أصنام وأنداد وأوثان‪.‬‬
‫م { أي ‪ :‬أعلمونا بهم ‪ ،‬واكشفوا عنهم حتى ُيعَرفوا ‪ ،‬فإنهم ل‬ ‫موهُ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ل َ‬ ‫} قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ض { أي ‪ :‬ل وجود‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫ما ل ي َعْل ُ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫م ت ُن َب ُّئون َ ُ‬ ‫حقيقة لهم ؛ ولهذا قال ‪ } :‬أ ْ‬
‫له ؛ لنه لو كان له )‪ (3‬وجود في الرض لعلمها ؛ لنه ل تخفى عليه خافية‪.‬‬
‫ل { قال مجاهد ‪ :‬بظن من القول‪.‬‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫َ‬
‫قو ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ظاهِرٍ ِ‬ ‫}أ ْ‬
‫وقال الضحاك وقتادة ‪ :‬بباطل من القول‪.‬‬
‫أي إنما عبدتم هذه الصنام بظن منكم أنها تنفع وتضر ‪ ،‬وسميتموها آلهة ‪،‬‬
‫ن‬‫ن إِ ْ‬ ‫طا ٍ‬‫سل ْ َ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ب َِها ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما َأنز َ‬ ‫م َ‬ ‫م َوآَباؤُك ُ ْ‬
‫} إن هي إل أ َسماٌء سميتمو َ َ‬
‫ها أن ْت ُ ْ‬ ‫َ ّ ُْ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ِ ْ ِ َ ِ‬
‫دى { ]النجم ‪:‬‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬
‫ُ َ ْ َ ُ ْ ِ ْ َ ِّ ُ ُ َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫جا‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫وى‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ما‬
‫ّ َ َ َْ َ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ّ‬ ‫ظ‬ ‫ال‬ ‫ن ِإل‬ ‫ي َت ّب ُِعو َ‬
‫‪.[23‬‬
‫م { قال مجاهد ‪ :‬قولهم ‪ ،‬أي ‪ :‬ما هم عليه من‬ ‫مك ُْرهُ ْ‬ ‫فُروا َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬ ‫ل ُزي ّ َ‬ ‫} بَ ْ‬
‫الضلل والدعوة إليه‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري برقم )‪ (4686‬وصحيح مسلم برقم )‪ (2583‬من حديث‬
‫أبي موسى ‪ ،‬رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عبدوها"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لها"‪.‬‬

‫) ‪(4/463‬‬

‫ق)‬
‫ن َوا ٍ‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫خَرةِ أ َ َ‬
‫شق ّ و َ َ‬ ‫ب اْل َ ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَل َعَ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫ب ِفي ال ْ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫م عَ َ‬
‫‪(34‬‬

‫م قَُرَناَء فََزي ُّنوا ل َهُ ْ‬


‫م‬ ‫ضَنا ل َهُ ْ‬ ‫آناء الليل وأطراف النهار ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَقَي ّ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ما بي َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫خل ْ‬ ‫مم ٍ قَد ْ َ‬ ‫ل ِفي أ َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫حقّ عَل َي ْهِ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫فهُ ْ‬‫خل ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫َ َْ َ‬
‫ن { ]فصلت ‪.[25 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫م كاُنوا َ‬ ‫َ‬ ‫س إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن َوالن ْ ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫سِبيل" ‪ :‬من قرأها بفتح الصاد ‪ ،‬معناه ‪ :‬أنهم لما زين لهم ما‬ ‫دوا عن ال ّ‬ ‫ص ّ‬ ‫"و َ‬
‫دوا الناس عن اتباع طريق الرسل‪ .‬ومن قرأها }‬ ‫ص ّ‬ ‫عوا إليه و َ‬ ‫فيه وأنه حق ‪ ،‬د َ َ‬
‫دوا { )‪ (1‬أي ‪ :‬بما زين لهم من صحة ما هم عليه ‪ ،‬صدوا به عن سبيل‬ ‫ص ّ‬‫وَ ُ‬
‫ن ي ُرِِد‬‫َ َ ْ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫ما‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫{‬ ‫د‬ ‫ها‬ ‫ن‬
‫ُ َ ُ ِ ْ َ ٍ‬‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ض‬ ‫ي‬
‫َ َ ْ ُ ْ ِ ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫ولهذا‬ ‫؛‬ ‫الله‬
‫ص‬ ‫ر‬ ‫ح‬
‫ِ ْ َ ْ ِ ْ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫}‬ ‫وقال‬ ‫[‬‫‪41‬‬ ‫‪:‬‬ ‫]المائدة‬ ‫{‬ ‫ً‬
‫ئا‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫مل ِ َ‬‫ن تَ ْ‬ ‫ه فَل َ ْ‬ ‫ه فِت ْن َت َ ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ن { ]النحل ‪.[37 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ن َنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م فَإ ِ ّ‬ ‫داهُ ْ‬ ‫عََلى هُ َ‬
‫َ‬
‫ق‬
‫ن َوا ٍ‬ ‫م ْ‬‫ن الل ّهِ ِ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬ ‫شق ّ و َ َ‬ ‫خَرةِ أ َ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَل َعَ َ‬ ‫ب ِفي ال ْ َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫} ل َهُ ْ‬
‫)‪{ (34‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬فصدوا عن السبيل"‪.‬‬

‫) ‪(4/464‬‬

‫م وَظ ِل َّها ت ِل ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬


‫ك‬ ‫حت َِها اْلن َْهاُر أك ُل َُها َدائ ِ ٌ‬
‫ن تَ ْ‬
‫م ْ‬
‫ري ِ‬
‫ج ِ‬‫ن تَ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫عد َ ال ْ ُ‬
‫مت ّ ُ‬ ‫جن ّةِ ال ِّتي وُ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫مث َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن الّناُر )‪(35‬‬ ‫ِ َ‬‫ري‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫بى‬ ‫ْ‬
‫ْ َ َ‬‫ق‬‫ُ‬ ‫ع‬‫و‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫بى‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ق‬‫ُ‬ ‫ع‬

‫م وَظ ِل َّها ت ِل ْ َ‬ ‫ُ‬


‫ك‬ ‫حت َِها الن َْهاُر أك ُل َُها َدائ ِ ٌ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫مت ّ ُ‬ ‫عد َ ال ْ ُ‬ ‫جن ّةِ ال ِّتي وُ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث َ ُ‬‫} َ‬
‫ن الّناُر )‪{ (35‬‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬
‫قَبى الكافِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫وا وَعُ ْ‬ ‫ق ْ‬
‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫قَبى ال ِ‬ ‫عُ ْ‬
‫ذكر تعالى عقاب الكفار وثواب البرار ‪ :‬فقال بعد ‪ ،‬إخباره عن حال )‪(1‬‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا {‬ ‫ب ِفي ال ْ َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫المشركين وما هم عليه من الكفر والشرك ‪ } :‬ل َهُ ْ‬
‫خر ]لهم[ )‪(2‬‬ ‫خَرةِ { أي ‪ :‬المد ّ َ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫أي ‪ :‬بأيدي المؤمنين قتل وأسرا ‪ } ،‬وَل َعَ َ‬
‫مع هذا الخزي في الدنيا ‪ " ،‬أشق " أي ‪ :‬من هذا بكثير ‪ ،‬كما قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم للمتلعنين ‪" :‬إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الخرة"‬
‫)‪ (3‬وهو كما قال ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه ‪ ،‬فإن عذاب الدنيا له انقضاء ‪،‬‬
‫وذاك دائم أبدا في نار هي بالنسبة إلى هذه سبعون ضعفا ‪ ،‬ووثاق ل يتصور‬
‫ذاب َ‬
‫حد ٌ َول ُيوث ِقُ وََثاقَ ُ‬
‫ه‬ ‫هأ َ‬ ‫ب عَ َ َ ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ ل ي ُعَذ ّ ُ‬ ‫كثافته وشدته ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬فَي َوْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫حد ٌ { ]الفجر ‪ [26 ، 25 :‬وقال تعالى ‪ } :‬ب َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ساعَةِ وَأعْت َد َْنا ل ِ َ‬ ‫ل كذ ُّبوا ِبال ّ‬ ‫أ َ‬
‫مُعوا ل ََها ت َغَي ّ ً‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ظا وََزِفيًرا وَإ َِذا‬ ‫س ِ‬ ‫ن ب َِعيد ٍ َ‬ ‫كا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫سِعيًرا إ َِذا َرأت ْهُ ْ‬ ‫ساعَةِ َ‬ ‫ب ِبال ّ‬ ‫ك َذ ّ َ‬
‫دا‬ ‫ح ً‬ ‫م ث ُُبوًرا َوا ِ‬ ‫عوا ال ْي َوْ َ‬ ‫ك ث ُُبوًرا ل ت َد ْ ُ‬ ‫وا هَُنال ِ َ‬ ‫ن د َعَ ْ‬ ‫قّرِني َ‬ ‫م َ‬ ‫قا ُ‬ ‫ضي ّ ً‬‫كاًنا َ‬ ‫م َ‬ ‫من َْها َ‬ ‫قوا ِ‬ ‫أ ُل ْ ُ‬
‫َ‬ ‫ل أ َذ َل ِ َ‬
‫م‬‫ت ل َهُ ْ‬ ‫كان َ ْ‬‫ن َ‬ ‫قو َ‬ ‫عد َ ال ْ ُ‬
‫مت ّ ُ‬ ‫خل ْدِ ال ِّتي وُ ِ‬ ‫ة ال ْ ُ‬ ‫جن ّ ُ‬‫م َ‬ ‫خي ٌْر أ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫عوا ث ُُبوًرا ك َِثيًرا قُ ْ‬ ‫َواد ْ ُ‬
‫صيًرا { ]الفرقان ‪.[15 - 11 :‬‬ ‫م ِ‬ ‫جَزاًء وَ َ‬ ‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬صفتها‬ ‫قو َ‬ ‫مت ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫عد َ ال ُ‬ ‫جن ّةِ الِتي وُ ِ‬‫ّ‬ ‫ْ‬
‫مثل ال َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ولهذا قرن هذا بهذا ؛ فقال ‪َ } :‬‬
‫حت َِها الن َْهاُر { أي ‪ :‬سارحة في أرجائها وجوانبها ‪،‬‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ونعتها ‪ } ،‬ت َ ْ‬
‫وحيث شاء أهلها ‪ ،‬يفجرونها تفجيًرا ‪ ،‬أي ‪ :‬يصرفونها كيف شاءوا وأين‬
‫َ‬
‫ماٍء‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِفيَها أن َْهاٌر ِ‬ ‫قو َ‬ ‫مت ّ ُ‬‫عد َ ال ْ ُ‬ ‫جن ّةِ ال ِّتي وُ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫شاءوا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ } :‬‬
‫َ‬ ‫مرٍ ل َذ ّةٍ ِلل ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن وَأن َْهاٌر‬ ‫شارِِبي َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه وَأن َْهاٌر ِ‬ ‫م ُ‬ ‫م ي َت َغَي ّْر ط َعْ ُ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ن لب َ ٍ‬
‫م ْ َ‬ ‫ن وَأن َْهاٌر ِ‬ ‫س ٍ‬ ‫غَي ْرِ آ ِ‬
‫خال ِد ٌ‬ ‫ن هُوَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فَرةٌ ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ل الث ّ َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِفيَها ِ‬ ‫َ‬
‫فى وَلهُ ْ‬ ‫ص ّ‬‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫س ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫م { ]محمد ‪.[15 :‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ما فَ َ‬
‫مَعاَءهُ ْ‬ ‫ق طع َ أ ْ‬ ‫مي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ماًء َ‬ ‫قوا َ‬ ‫س ُ‬‫ِفي الّنارِ وَ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬أحوال"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه مسلم في صحيحه برقم )‪ (1493‬من حديث ابن عمر رضي الله‬
‫عنهما‪.‬‬

‫) ‪(4/464‬‬

‫م وَظ ِل َّها { أي ‪ :‬فيها المطاعم )‪ (1‬والفواكه والمشارب ‪،‬‬ ‫ُ‬


‫وقوله ‪ } :‬أك ُل َُها َدائ ِ ٌ‬
‫ل انقطاع ]لها[ )‪ (2‬ول فناء‪.‬‬
‫وفي الصحيحين ‪ ،‬من حديث ابن عباس في صلة الكسوف ‪ ،‬وفيه قالوا ‪ :‬يا‬
‫رسول الله ‪ ،‬رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا ‪ ،‬ثم رأيناك َتكْعكعت فقال ‪:‬‬
‫"إني رأيت الجنة ‪ -‬أو ‪ :‬أريت الجنة ‪ -‬فتناولت منها عنقودا ‪ ،‬ولو أخذته لكلتم‬
‫منه ما بقيت الدنيا"‪(3) .‬‬
‫ة ‪ ،‬حدثنا عبد الله بن جعفر ‪ ،‬حدثنا‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫خي ْث َ‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا أبو َ‬
‫عقيل ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬بينما نحن في صلة الظهر ‪ ،‬إذ‬ ‫عبيد الله ‪ ،‬حدثنا أبو َ‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم فتقدمنا ‪ ،‬ثم تناول شيئا ليأخذه ثم‬ ‫تقدم رسو ُ‬
‫تأخر‪ .‬فلما قضى الصلة قال له أبي بن كعب ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬صنعت اليوم‬
‫في الصلة شيئا ما رأيناك كنت تصنعه‪ .‬فقال ‪" :‬إني عرضت علي الجنة وما‬
‫فا من عنب لتيكم به ‪ ،‬فحيل‬ ‫فيها من الزهرة والنضرة ‪ ،‬فتناولت منها قِط ْ ً‬
‫قصوَنه"‪(4) .‬‬ ‫بيني وبينه ‪ ،‬ولو أتيتكم به لكل منه من بين السماء والرض ل ي َن ْ ُ‬
‫وروى مسلم من حديث أبي الزبير ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬شاهدا لبعضه‪(5) .‬‬
‫وعن عتبة بن عبد السلمي ‪ :‬أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن‬
‫ظم العنقود ؟ قال ‪:‬‬ ‫ع َ‬‫الجنة ‪ ،‬فقال ‪ :‬فيها عنب ؟ قال ‪" :‬نعم"‪ .‬قال ‪ :‬فما ِ‬
‫"مسيرة شهر للغراب البقع )‪ (6‬ول يفتر"‪ .‬رواه أحمد‪(7) .‬‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا معاذ بن المثنى ‪ ،‬حدثنا علي بن المديني ‪ ،‬حدثنا‬
‫ريحان بن سعيد ‪ ،‬عن عبادة بن منصور ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن أبي ِقلبة ‪ ،‬عن أبي‬
‫وبان قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن الرجل‬ ‫أسماء ‪ ،‬عن ث َ ْ‬
‫إذا نزع ثمرة من الجنة عادت مكانها أخرى"‪(8) .‬‬
‫وعن جابر بن عبد الله قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يأكل‬
‫وطون ول يبولون ‪ ،‬طعامهم )‪(9‬‬ ‫أهل الجنة ويشربون ‪ ،‬ول يمتخطون ول يتغ ّ‬
‫شاء كريح المسك ‪ ،‬ويلهمون التسبيح والتقديس )‪ (10‬كما يلهمون النفس"‪.‬‬ ‫ج َ‬
‫ُ‬
‫رواه مسلم‪(11) .‬‬
‫وروى المام أحمد والنسائي ‪ ،‬من حديث العمش ‪ ،‬عن ثمامة )‪ (12‬بن عقبة‬
‫)‪ (13‬سمعت زيد بن أرقم قال ‪ :‬جاء رجل من أهل الكتاب فقال ‪ :‬يا أبا‬
‫القاسم ‪ ،‬تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ؟ قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الطعام"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪ (748‬وصحيح مسلم برقم )‪.(907‬‬
‫)‪ (4‬ورواه أحمد في المسند )‪ (3/352‬من طريق عبيد الله وحسين بن محمد‬
‫‪ ،‬عن عبيد الله به نحوه‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم برقم )‪.(904‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬ل يقع"‪.‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪.(4/184‬‬
‫)‪ (8‬المعجم الكبير )‪ (2/102‬وعباد بن منصور متكلم فيه‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬طعامهم ذلك"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬التسبيح والتكبير"‪.‬‬
‫)‪ (11‬صحيح مسلم برقم )‪.(2835‬‬
‫)‪ (12‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تمام" والتصويب من المسند‪.‬‬
‫)‪ (13‬في ت ‪" :‬عقبة بن منبه"‪.‬‬

‫) ‪(4/465‬‬

‫نعم ‪ ،‬والذي نفس محمد بيده ‪] ،‬إن الرجل من أهل الجنة[ )‪ (1‬ليعطى قوة‬
‫مائة رجل في الكل والشرب والجماع والشهوة"‪ .‬قال ‪ :‬فإن الذي يأكل‬
‫ويشرب تكون له الحاجة ‪ ،‬وليس في الجنة أذى ؟ قال ‪" :‬حاجة أحدهم رشح‬
‫يفيض من جلودهم ‪ ،‬كريح المسك ‪ ،‬فيضمر بطنه"‪(2) .‬‬
‫وقال الحسن بن عرفة ‪ :‬حدثنا خلف بن خليفة ‪ ،‬عن حميد العرج ‪ ،‬عن عبد‬
‫الله بن الحارث ‪ ،‬عن عبد الله بن مسعود ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال لي‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إنك لتنظر إلى الطير في الجنة ‪ ،‬فيخر‬
‫بين يديك مشويا )‪.(4) (3‬‬
‫وجاء في بعض الحاديث ‪ :‬أنه إذا ُفرغ منه عاد طائًرا كما كان بإذن الله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫مُنوعَةٍ { ]الواقعة ‪، 32 :‬‬ ‫م ْ‬‫قطوعَةٍ َول َ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وقد قال تعالى ‪ } :‬وََفاك ِهَةٍ ك َِثيَرةٍ ل َ‬
‫ت قُطوفَُها ت َذ ِْليل { ]النسان ‪.[14 :‬‬ ‫ُ‬ ‫ظلل َُها وَذ ُل ّل ْ‬
‫َ‬ ‫م ِ‬ ‫ة عَل َي ْهِ ْ‬ ‫‪ [33‬وقال } وََدان ِي َ ً‬
‫ملوا‬ ‫ُ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وكذلك ظلها ل يزول ول يقلص ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ } :‬وال ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِفيَها‬ ‫دا لهُ ْ‬ ‫ن ِفيَها أب َ ً‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬
‫حت َِها الن َْهاُر َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خل ُهُ ْ‬ ‫سن ُد ْ ِ‬
‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫ال ّ‬
‫ظل ظِليل { ]النساء ‪.[57 :‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫خلهُ ْ‬ ‫مطهَّرة ٌ وَن ُد ْ ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫أْزَوا ٌ‬
‫وقد تقدم في الصحيحين من غير وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال ‪" :‬إن في الجنة شجرة ‪ ،‬يسير الراكب المجد الجواد المضمر السريع في‬
‫دودٍ { ]الواقعة ‪.[30 :‬‬ ‫م ُ‬
‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ظلها مائة عام ل يقطعها" ‪ ،‬ثم قرأ ‪ } :‬وَظ ِ ّ‬
‫وكثيرا ما يقرن الله تعالى بين صفة الجنة وصفة النار ‪ ،‬ليرغب في الجنة‬
‫قَبى‬ ‫ك عُ ْ‬ ‫ذر من النار ؛ ولهذا لما ذكر صفة الجنة بما ذكر ‪ ،‬قال بعده ‪ } :‬ت ِل ْ َ‬ ‫ويح ّ‬
‫َ‬ ‫قَبى ال ْ َ‬
‫ب‬‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫وي أ ْ‬ ‫ست َ ِ‬‫ن الّناُر { كما قال تعالى ‪ } :‬ل ي َ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫وا وَعُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]الحشر ‪.[20 :‬‬ ‫فائ ُِزو َ‬ ‫جن ّةِ هُ ُ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫جن ّةِ أ ْ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬‫ص َ‬ ‫الّنارِ وَأ ْ‬
‫وقال بلل بن سعد خطيب دمشق في بعض خطبه ‪ :‬عباد الله )‪ (5‬هل جاءكم‬
‫مخبر يخبركم أن شيئا من عبادتكم )‪ (6‬تقبلت منكم ‪ ،‬أو أن شيئا من‬
‫َ‬ ‫خطاياكم غفرت لكم ؟ } أ َفَحسبت َ‬
‫ن{‬ ‫جُعو َ‬ ‫م إ ِل َي َْنا ل ت ُْر َ‬ ‫م عَب ًَثا وَأن ّك ُ ْ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫خل َ ْ‬‫ما َ‬ ‫م أن ّ َ‬ ‫َ ِ ُْ ْ‬
‫جل لكم الثواب في الدنيا لستقللتم كلكم‬ ‫]المؤمنون ‪ (7) [115 :‬والله لو عُ ّ‬
‫ما افترض عليكم ‪ ،‬أو ترغبون )‪ (8‬في طاعة الله لتعجيل دنياكم ‪ ،‬ول‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫ري َ‬ ‫َ‬
‫قَبى الكافِ ِ‬ ‫وا وَعُ ْ‬ ‫ق ْ‬‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قَبى ال ّ ِ‬ ‫ك عُ ْ‬ ‫م وَظ ِل َّها ت ِل ْ َ‬ ‫تنافسون في جنة } أك ُل َُها َدائ ِ ٌ‬
‫الّناُر { رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪.(4/367‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬مستويا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬جزء الحسن بن عرفة برقم )‪ (22‬وحميد العرج ضعيف وأورد الذهبي‬
‫هذا الحديث في الميزان )‪ (1/614‬من جملة مناكيره‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬الرحمن"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أعمالكم"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬أم حسبتم" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أترغبون"‪.‬‬

‫) ‪(4/466‬‬

‫ه‬
‫ض ُ‬‫ن ي ُن ْك ُِر ب َعْ َ‬
‫م ْ‬
‫ب َ‬ ‫حَزا ِ‬ ‫ن اْل َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك وَ ِ‬‫ل إ ِل َي ْ َ‬‫ما أ ُن ْزِ َ‬‫ن بِ َ‬
‫حو َ‬
‫فَر ُ‬ ‫ب يَ ْ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬
‫ن آت َي َْناهُ ُ‬‫َوال ّ ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ك‬‫ب )‪ (36‬وَك َذ َل ِ َ‬ ‫مآ ِ‬ ‫عو وَإ ِل َي ْهِ َ‬‫ك ب ِهِ إ ِل َي ْهِ أد ْ ُ‬
‫شرِ َ‬ ‫ه وََل أ ْ‬‫ن أعْب ُد َ الل ّ َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫مْر ُ‬‫ما أ ِ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّهِ‬
‫م َ‬ ‫ما ل َ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ن ال ْعِل ْم ِ َ‬
‫م َ‬ ‫جاءَ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ما َ‬
‫م ب َعْد َ َ‬
‫واَءهُ ْ‬
‫ت أهْ َ‬
‫ن ات ّب َعْ َ‬ ‫َ‬
‫ما عََرب ِّيا وَلئ ِ ِ‬ ‫أن َْزل َْناهُ ُ‬
‫حك ْ ً‬
‫ق )‪(37‬‬ ‫ي وََل َوا ٍ‬‫ن وَل ِ ّ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬

‫ه‬
‫ض ُ‬ ‫ن ي ُن ْك ُِر ب َعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫حَزا ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك وَ ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ما ُأنز َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫حو َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫ب يَ ْ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫ن آت َي َْناهُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َوال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب )‪ (36‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫مآ ِ‬ ‫عو وَإ ِل َي ْهِ َ‬ ‫ك ب ِهِ إ ِل َي ْهِ أد ْ ُ‬ ‫شرِ َ‬ ‫ه َول أ ْ‬ ‫ن أعْب ُد َ الل ّ َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫مْر ُ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫قُ ْ‬
‫ن اللهِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ما لك ِ‬ ‫ن العِلم ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫جاَءك ِ‬ ‫ما َ‬ ‫م ب َعْد َ َ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫ت أهْ َ‬ ‫ن ات ّب َعْ َ‬ ‫ما عََرب ِّيا وَلئ ِ ِ‬ ‫حك ً‬ ‫أنزلَناهُ ُ‬
‫ق )‪{ (37‬‬ ‫ي َول َوا ٍ‬ ‫ن وَل ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن‬
‫حو َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫ب { وهم قائمون بمقتضاه } ي َ ْ‬ ‫م الك َِتا َ‬ ‫ْ‬ ‫ن آت َي َْناهُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫يقول تعالى ‪َ } :‬وال ِ‬
‫ك { أي ‪ :‬من القرآن لما في كتبهم من الشواهد على صدقه‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ما ُأنز َ‬ ‫بِ َ‬
‫ه‬
‫حقّ ِتلوَت ِ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ُ‬
‫ب ي َت ْلون َ ُ‬ ‫م الك َِتا َ‬ ‫ْ‬ ‫ن آت َي َْناهُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫والبشارة به ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ال ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫ن { ]البقرة ‪ [121 :‬وقال‬ ‫َ ِ ُ َ‬ ‫رو‬ ‫س‬ ‫خا‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫ُ ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫فْر ب ِهِ فَأول َئ ِ‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ب ِهِ وَ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ك ي ُؤْ ِ‬
‫ن قَب ْل ِهِ إ َِذا ي ُت َْلى‬ ‫ل آمنوا به أ َو ل تؤْمنوا إن ال ّذي ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ُ ِ ُ ِ ّ‬ ‫تعالى ‪ } :‬قُ ْ ِ ُ ِ ِ ْ‬
‫فُعول {‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَعْد ُ َرب َّنا ل َ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن َرب َّنا إ ِ ْ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫دا وَي َ ُ‬ ‫ج ً‬ ‫س ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن ِللذ َْقا ِ‬ ‫خّرو َ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫]السراء ‪ [108 ، 107 :‬أي ‪ :‬إن كان ما وعدنا الله به في كتبنا من إرسال‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم لحقا وصدقا مفعول ل محالة ‪ ،‬وكائنا ‪ ،‬فسبحانه‬
‫م‬
‫زيد ُهُ ْ‬ ‫ن وَي َ ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن ي َب ْ ُ‬ ‫ن ِللذ َْقا ِ‬ ‫خّرو َ‬ ‫ما أصدق وعده ‪ ،‬فله الحمد وحده ‪ } ،‬وَي َ ِ‬
‫عا { ]السراء ‪.[109 :‬‬ ‫شو ً‬ ‫خ ُ‬ ‫ُ‬
‫ذب‬ ‫ه { أي ‪ :‬ومن الطوائف من يك ّ‬ ‫ض ُ‬ ‫ن ي ُن ْك ُِر ب َعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫حَزا ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ ِ‬
‫ببعض ما أنزل إليك‪.‬‬
‫ب { اليهود والنصارى ‪ ،‬من ينكر بعضه ما جاءك‬ ‫حَزا ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫وقال مجاهد ‪ } :‬وَ ِ‬
‫من الحق‪ .‬وكذا قال قتادة ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫وهذا كما قال تعالى ‪ } :‬وإن م َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ل إ ِلي ْك ْ‬ ‫ما أنز َ‬ ‫ن ِباللهِ وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب لَ َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫َِ ّ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن ل ِل ّهِ ل ي َ ْ‬ ‫ما ُأنز َ‬
‫م‬
‫جُرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ‬
‫مًنا قِليل أولئ ِك لهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت اللهِ ث َ‬ ‫ن ِبآَيا ِ‬ ‫شت َُرو َ‬ ‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ب { ]آل عمران ‪.[199 :‬‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ريعُ ال ِ‬‫ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬‫ّ‬ ‫مإ ّ‬ ‫عن ْد َ َرب ّه ْ‬ ‫ِ‬
‫ك ب ِهِ { أي ‪ :‬إنما بعثت بعبادة الله‬ ‫شرِ َ‬ ‫ه َول أ ُ ْ‬ ‫ن أ َعْب ُد َ الل َّ‬ ‫ل إ ِنما ِأ ُمرت أ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫}‬
‫ِّ َ ِ ْ ُ ْ‬
‫عو { أي ‪ :‬إلى‬ ‫وحده ل شريك له ‪ ،‬كما أرسل النبياء من قبلي ‪ } ،‬إ ِل َي ْهِ أ َد ْ ُ‬
‫ب { أي ‪ :‬مرجعي ومصيري‪.‬‬ ‫مآ ِ‬ ‫سبيله أدعو الناس ‪ } ،‬وَإ ِل َي ْهِ َ‬
‫وقوله ‪ } :‬وك َذ َل ِ َ َ‬
‫ما عََرب ِّيا { أي ‪ :‬وكما أرسلنا قبلك المرسلين ‪،‬‬ ‫حك ْ ً‬ ‫ك أنزل َْناه ُ ُ‬ ‫َ‬
‫وأنزلنا عليهم الكتب من السماء ‪ ،‬كذلك أنزلنا عليك القرآن محكما معربا ‪،‬‬
‫شّرفناك به وفضلناك على من سواك بهذا الكتاب المبين الواضح الجلي الذي‬
‫ميد ٍ {‬ ‫ح ِ‬ ‫كيم ٍ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫فهِ َتنزي ٌ‬ ‫خل ْ ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ َول ِ‬ ‫ن ب َي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫} ل ي َأ ِْتيهِ ال َْباط ِ ُ‬
‫]فصلت ‪.[11 :‬‬
‫ْ‬
‫ن العِلم ِ {‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫جاَءك ِ‬ ‫ما َ‬ ‫م { أي ‪ :‬آراءهم ‪ } ،‬ب َْعد َ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫ت أهْ َ‬ ‫ن ات ّب َعْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَلئ ِ ِ‬
‫ق { أي ‪ :‬من الله تعالى‪.‬‬ ‫ي َول َوا ٍ‬ ‫ن وَل ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما ل َ َ‬ ‫أي ‪ :‬من الله تعالى } َ‬
‫وهذا وعيد لهل العلم أن يتبعوا )‪ (1‬سبل أهل الضللة بعدما صاروا إليه من‬
‫سلوك السنة النبوية والمحجة المحمدية ‪ ،‬على من جاء بها أفضل الصلة‬
‫والسلم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬يبتغوا"‪.‬‬

‫) ‪(4/467‬‬
‫كان ل ِرسو َ‬ ‫ك وجعل ْنا ل َه َ‬ ‫ول َ َ َ‬
‫ن‬
‫لأ ْ‬‫ما َ َ َ ُ ٍ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫جا وَذ ُّري ّ ً‬ ‫ن قَب ْل ِ َ َ َ َ َ ُ ْ‬
‫م أْزَوا ً‬ ‫م ْ‬ ‫سًل ِ‬‫سل َْنا ُر ُ‬ ‫قد ْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫عن ْد َهُ‬
‫ت وَ ِ‬‫شاُء وَي ُثب ِ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫حوا الل ُ‬ ‫م ُ‬
‫ب )‪ (38‬ي َ ْ‬ ‫ل ك َِتا ٌ‬
‫ج ٍ‬
‫ن اللهِ ل ِكل أ َ‬‫ي ب ِآي َةٍ إ ِل ب ِإ ِذ ْ ِ‬‫ي َأت ِ َ‬
‫ب )‪(39‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫م الك َِتا ِ‬ ‫أ ّ‬

‫]والتحية والكرام[‪(1) .‬‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫} ول َ َ َ‬
‫ن‬
‫لأ ْ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن ل َِر ُ‬ ‫َ‬
‫ما كا َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫جا وَذ ُّري ّ ً‬ ‫م أْزَوا ً‬ ‫جعَلَنا لهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن قَب ْل ِك وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سل ِ‬ ‫سل َْنا ُر ُ‬ ‫قد ْ أْر َ‬ ‫ْ َ‬
‫ل أَ‬
‫عن ْد َهُ‬‫ت وَ ِ‬ ‫شاُء وَي ُث ْب ِ ُ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫حوا الل ّ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ب )‪ (38‬ي َ ْ‬ ‫ل ك َِتا ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬
‫ِ ِ ِ‬‫إ‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫إل‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫بآ‬
‫ِ‬ ‫ي‬
‫ي َأت ِ َ‬
‫ب )‪{ (39‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫م الك َِتا ِ‬ ‫أ ّ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬وكما أرسلناك ‪ ،‬يا محمد ‪ ،‬رسول بشريا )‪ (2‬كذلك ]قد[ )‪(3‬‬
‫شًرا يأكلون الطعام ‪ ،‬ويمشون في السواق ويأتون‬ ‫بعثنا المرسلين قبلك ب َ َ‬
‫الزوجات ‪ ،‬ويولد لهم ‪ ،‬وجعلنا لهم أزواجا وذرية ‪ ،‬وقد قال ]الله[ )‪ (4‬تعالى‬
‫ي { ]الكهف ‪:‬‬ ‫حى إ ِل َ ّ‬ ‫م ُيو َ‬ ‫مث ْل ُك ُ ْ‬ ‫شٌر ِ‬ ‫ما أ ََنا ب َ َ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫لشرف الرسل وخاتمهم ‪ } :‬قُ ْ‬
‫‪.[110‬‬
‫وفي الصحيحين ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬أما أنا فأصوم‬
‫وأفطر ‪ ،‬وأقوم وأنام ‪ ،‬وآكل الدسم )‪ (5‬وأتزوج النساء ‪ ،‬فمن رغب عن‬
‫سنتي فليس مني"‪(6) .‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬أنبأنا الحجاج بن أرطاة عن مكحول قال ‪:‬‬
‫قال أبو أيوب ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أربع من سنن‬
‫المرسلين ‪ :‬التعطر ‪ ،‬والنكاح ‪ ،‬والسواك ‪ ،‬والحناء" )‪.(7‬‬
‫كيع عن حفص بن ِغياث ‪ ،‬عن‬ ‫وقد رواه أبو عيسى الترمذي ‪ ،‬عن سفيان بن وَ ِ‬
‫الحجاج ‪ ،‬عن مكحول ‪ ،‬عن أبى الشمال )‪ (8‬عن أبي أيوب‪ ...‬فذكره ‪ ،‬ثم‬
‫قال ‪ :‬وهذا أصح من الحديث الذي لم يذكر فيه أبو الشمال )‪.(10) (9‬‬
‫ن الل ّهِ { أي ‪ :‬لم يكن يأتي‬ ‫ْ‬ ‫كان ل ِرسو َ‬
‫ي ِبآي َةٍ ِإل ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫ن ي َأت ِ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ما َ َ َ ُ ٍ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن له فيه ‪ ،‬ليس ذلك إليه ‪ ،‬بل إلى الله ‪ ،‬عز وجل ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫مه بخارق إل إذا أذِ َ‬ ‫قو َ‬
‫يفعل ما يشاء ‪ ،‬ويحكم ما يريد‪.‬‬
‫ب { أي ‪ :‬لكل مدة مضروبة كتاب مكتوب بها ‪ ،‬وكل شيء‬ ‫} ل ِك ُ ّ َ‬
‫ل ك َِتا ٌ‬ ‫ج ٍ‬
‫لأ َ‬
‫عنده بمقدار ‪ } ،‬أ َل َم تعل َ َ‬
‫ك ِفي‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ض إِ ّ‬‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬‫ما ِفي ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ْ َْ ْ‬
‫سيٌر { ]الحج ‪.(11) [70 :‬‬ ‫ك عََلى الل ّهِ ي َ ِ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ك َِتا ٍ‬
‫ب { أي ‪ :‬لكل‬ ‫َ‬ ‫وكان الضحاك بن مزاحم يقول في قوله ‪ } :‬ل ِك ُ ّ‬
‫ل ك َِتا ٌ‬ ‫ج ٍ‬ ‫لأ َ‬
‫كتاب أجل يعني )‪ (12‬لكل كتاب أنزله من السماء مدة مضروبة عند الله‬
‫ومقدار معين ‪ ،‬فلهذا يمحو )‪ (13‬ما يشاء منها ويثبت ‪ ،‬يعني حتى نسخت‬
‫كلها بالقرآن الذي أنزله الله على رسوله ‪ ،‬صلوات الله وسلمه عليه‪.‬‬
‫ت { اختلف المفسرون في ذلك ‪ ،‬فقال‬ ‫شاُء وَي ُث ْب ِ ُ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫حوا الل ّ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫شْيم ‪،‬‬ ‫كيع ‪ ،‬وهُ َ‬ ‫الثوري ‪ ،‬ووَ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬بشرا"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬اللحم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪ (5063‬وصحيح مسلم برقم )‪ (1401‬وليس فيهما‬
‫‪" :‬وآكل الدسم"‪.‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪.(5/421‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬أبي السماك"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في أ ‪" :‬أبو السماك"‪.‬‬
‫)‪ (10‬سنن الترمذي برقم )‪.(1080‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬السموات" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (12‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بمعنى"‪.‬‬
‫)‪ (13‬في ت ‪" :‬يمحى"‪.‬‬

‫) ‪(4/468‬‬

‫جب َْير ‪ ،‬عن ابن‬ ‫عن ابن أبي ليلى ‪ ،‬عن المنهال بن عمرو ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬
‫عباس ‪ :‬يدبر أمر السنة ‪ ،‬فيمحو ما يشاء ‪ ،‬إل الشقاء والسعادة ‪ ،‬والحياة‬
‫ت { قال ‪ :‬كل شيء إل‬ ‫شاُء وَي ُث ْب ِ ُ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫حوا الل ّ ُ‬ ‫م ُ‬‫والموت‪ .‬وفي رواية ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫الحياة والموت ‪ ،‬والشقاء والسعادة فإنهما قد فرغ منهما‪.‬‬
‫ت { إل الحياة والموت ‪ ،‬والشقاء‬ ‫شاُء وَي ُث ْب ِ ُ‬ ‫ما ي َ َ‬‫ه َ‬ ‫حوا الل ّ ُ‬ ‫م ُ‬‫وقال مجاهد ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫والسعادة ‪ ،‬فإنهما ل يتغيران‪.‬‬
‫وقال منصور ‪ :‬سألت مجاهدا فقلت ‪ :‬أرأيت دعاء أحدنا يقول ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إن‬
‫كان اسمي في السعداء فأثبته فيهم ‪ ،‬وإن كان في الشقياء فامحه عنهم‬
‫واجعله في السعداء‪ .‬فقال ‪ :‬حسن‪ .‬ثم لقيته بعد ذلك بحول أو أكثر ‪ ،‬فسألته‬
‫َ‬
‫فَرقُ ك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫ن ِفيَها ي ُ ْ‬
‫من ْذِِري َ‬ ‫مَباَرك َةٍ إ ِّنا ك ُّنا ُ‬ ‫عن ذلك ‪ ،‬فقال ‪ } :‬إ ِّنا أنزل َْناهُ ِفي ل َي ْل َةٍ ُ‬
‫كيم ٍ { ]الدخان ‪ [4 ، 3 :‬قال ‪ :‬يقضي في ليلة القدر ما يكون في‬ ‫َ‬
‫ح ِ‬
‫مرٍ َ‬
‫أ ْ‬
‫سنة من رزق أو مصيبة ‪ ،‬ثم يقدم ما )‪ (1‬يشاء ويؤخر ما )‪ (2‬يشاء ‪ ،‬فأما‬ ‫ال ّ‬
‫كتاب الشقاوة )‪ (3‬والسعادة فهو ثابت ل ُيغير )‪.(4‬‬
‫قيق بن سلمة ‪ :‬إنه كان يكثر أن يدعو بهذا‬ ‫ش ِ‬ ‫وقال العمش ‪ ،‬عن أبي وائل َ‬
‫الدعاء ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إن كنت كتبتنا أشقياء فامحه ‪ ،‬واكتبنا سعداء ‪ ،‬وإن كنت‬
‫كتبتنا سعداء فأثبتنا ‪ ،‬فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب‪ .‬رواه ابن‬
‫جرير )‪.(5‬‬
‫وقال ابن جرير أيضا ‪ :‬حدثنا عمرو بن علي ‪ ،‬حدثنا معاذ بن هشام ‪ ،‬حدثني‬
‫أبي ‪ ،‬عن أبي حكيمة )‪ (6‬عصمة ‪ ،‬عن أبي عثمان الن ّْهدي ؛ أن عمر بن‬
‫الخطاب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال وهو يطوف بالبيت وهو يبكي ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إن‬
‫كنت كتبت علي شقوة أو ذنًبا فامحه ‪ ،‬فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ‪ ،‬وعندك أم‬
‫الكتاب ‪ ،‬فاجعله سعادة ومغفرة‪(7) .‬‬
‫ذاء ‪ ،‬عن أبي قلبة عن ابن مسعود أنه كان يدعو‬ ‫وقال حماد عن خالد الح ّ‬
‫بهذا الدعاء أيضا‪.‬‬
‫ورواه شريك ‪ ،‬عن هلل بن حميد ‪ ،‬عن عبد الله بن عُك َْيم ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪،‬‬
‫بمثله‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني المثنى ‪ ،‬حدثنا حجاج ‪ ،‬حدثنا خصاف ‪ ،‬عن أبي حمزة‬
‫‪ ،‬عن إبراهيم ؛ أن كعبا قال لعمر بن الخطاب ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬لول آية‬
‫في كتاب الله لنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة‪ .‬قال ‪ :‬وما هي ؟ قال ‪:‬‬
‫ُ‬
‫ب { )‪.(8‬‬ ‫م ال ْك َِتا ِ‬
‫عن ْد َه ُ أ ّ‬‫ت وَ ِ‬ ‫شاُء وَي ُث ْب ِ ُ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫حوا الل ّ ُ‬ ‫م ُ‬
‫قول الله تعالى ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫ومعنى هذه القوال ‪ :‬أن القدار ينسخ الله ما يشاء منها ‪ ،‬ويثبت منها ما‬
‫يشاء ‪ ،‬وقد يستأنس لهذا القول )‪ (9‬بما رواه المام أحمد ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬من"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬من"‪.‬‬
‫في ت ‪" :‬الشقاء"‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫رواه الطبري في تفسيره )‪.(16/480‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫رواه الطبري في تفسيره )‪.(16/481‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫في أ ‪" :‬أبي حكيم"‪.‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫تفسير الطبري )‪.(16/481‬‬ ‫)‪(7‬‬
‫تفسير الطبري )‪.(16/484‬‬ ‫)‪(8‬‬
‫في أ ‪" :‬القوال"‪.‬‬ ‫)‪(9‬‬

‫) ‪(4/469‬‬

‫كيع ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬وهو الثوري ‪ ،‬عن عبد الله بن عيسى ‪ ،‬عن عبد‬ ‫حدثنا وَ ِ‬
‫جْعد ‪ ،‬عن ث َوَْبان قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫الله بن أبي ال َ‬
‫در إل الدعاء ‪ ،‬ول يزيد‬ ‫ق َ‬
‫صيبه ‪ ،‬ول يرد ال َ‬ ‫"إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب ي ُ ِ‬
‫في العمر إل البر"‪.‬‬
‫ورواه النسائي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث سفيان الثوري ‪ ،‬به )‪.(1‬‬
‫وثبت في الصحيح أن صلة الرحم تزيد في العمر )‪ (2‬وفي الحديث الخر ‪:‬‬
‫"إن الدعاء والقضاء ليعتلجان )‪ (3‬بين السماء والرض" )‪.(4‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني محمد بن سهل بن عسكر ‪ ،‬حدثنا عبد الرزاق ‪،‬‬
‫جَرْيج ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬إن لله لوحا محفوظا‬ ‫أخبرنا ابن ُ‬
‫مسيرة خمسمائة عام ‪ ،‬من درة بيضاء لها د َفَّتان من ياقوت ‪ -‬والدفتان ‪:‬‬
‫لوحان ‪ -‬لله ‪ ،‬عز وجل ]كل يوم ثلثمائة[ )‪ (5‬وستون لحظة ‪ ،‬يمحو ما يشاء‬
‫ويثبت وعنده أم الكتاب‪(6) .‬‬
‫قرظي ‪ ،‬عن‬ ‫وقال الليث بن سعد ‪ ،‬عن زياد بن محمد ‪ ،‬عن محمد بن كعب ال ُ‬
‫ضالة بن عَُبيد ‪ ،‬عن أبي الدرداء قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬ ‫فُ َ‬
‫وسلم ‪]" :‬إن الله[ )‪ (7‬يفتح الذكر في ثلث ساعات يبقين من الليل ‪ ،‬في‬
‫الساعة الولى منها ينظر في الذكر الذي ل ينظر فيه أحد غيره ‪ ،‬فيمحو ما‬
‫يشاء ويثبت"‪ .‬وذكر تمام الحديث‪ .‬رواه ابن جرير‪(8) .‬‬
‫ت { قال ‪ :‬يمحو من الرزق ويزيد‬ ‫شاُء وَي ُث ْب ِ ُ‬ ‫ما ي َ َ‬‫ه َ‬‫حوا الل ّ ُ‬
‫م ُ‬
‫وقال الكلبي ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫فيه ‪ ،‬ويمحو من الجل ويزيد فيه‪ .‬فقيل له ‪ :‬من حدثك بهذا ؟ فقال ‪ :‬أبو‬
‫صالح ‪ ،‬عن جابر بن عبد الله بن رئاب ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬ثم‬
‫سئل بعد ذلك عن هذه الية فقال ‪ :‬يكتب القول كله ‪ ،‬حتى إذا كان يوم‬
‫الخميس ‪ ،‬طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ول عقاب ‪ ،‬مثل قولك ‪ :‬أكلت‬
‫وشربت ‪ ،‬دخلت وخرجت ونحوه من الكلم ‪ ،‬وهو صادق ‪ ،‬ويثبت ما كان فيه‬
‫الثواب ‪ ،‬وعليه العقاب‪(9) .‬‬
‫رمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬الكتاب كتابان ‪ :‬فكتاب يمحو الله منه ما‬ ‫عك ْ ِ‬‫وقال ِ‬
‫يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب‪.‬‬
‫عن ْد َهُ‬ ‫شاُء وَي ُث ْب ِ ُ‬
‫ت وَ ِ‬ ‫ما ي َ َ‬
‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫حوا الل ُ‬ ‫م ُ‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫ُ‬
‫ب { يقول ‪ :‬هو‬ ‫م ال ْك َِتا ِ‬‫أ ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المسند )‪ (5/227‬وسنن ابن ماجة برقم )‪.(90‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم برقم )‪ (2557‬من حديث أنس ولفظه ‪" :‬من سره أن‬
‫يبسط عليه رزقه ‪ ،‬أو ينسأ في أثره ‪ ،‬فليصل رحمه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ليتعلجان"‪.‬‬
‫لم أعثر عليه بهذا اللفظ‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫زيادة من تفسير الطبري ‪ ،‬ومكانه في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ثلث"‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫تفسير الطبري )‪.(16/489‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬ ‫)‪(7‬‬
‫تفسير الطبري )‪.(16/488‬‬ ‫)‪(8‬‬
‫رواه الطبري في تفسيره )‪.(16/484‬‬ ‫)‪(9‬‬

‫) ‪(4/470‬‬

‫الرجل يعمل الزمان بطاعة الله ‪ ،‬ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضللة ‪،‬‬
‫فهو الذي يمحو ‪ -‬والذي يثبت ‪ :‬الرجل يعمل بمعصية الله ‪ ،‬وقد كان سبق له‬
‫خير حتى يموت وهو في طاعة الله ‪ ،‬وهو الذي يثبت‪.‬‬
‫شاُء‬‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫شاُء وَي ُعَذ ّ ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫فُر ل ِ َ‬ ‫جَبير ‪ :‬أنها بمعنى ‪ } :‬فَي َغْ ِ‬ ‫وروي عن سعيد بن ُ‬
‫ديٌر { ]البقرة ‪.[284 :‬‬ ‫َ‬
‫يٍء ق ِ‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َوالل ُ‬
‫ت{‬ ‫ْ‬
‫شاُء وَي ُثب ِ ُ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫حوا الل ُ‬ ‫م ُ‬ ‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫م الك َِتا ِ‬ ‫عن ْد َه ُ أ ّ‬
‫يقول ‪ :‬يبدل ما يشاء فينسخه ‪ ،‬ويثبت ما يشاء فل يبدله ‪ } ،‬وَ ِ‬
‫{ يقول ‪ :‬وجملة ذلك عنده في أم الكتاب ‪ ،‬الناسخ ‪ ،‬والمنسوخ ‪ ،‬وما يبدل ‪،‬‬
‫وما يثبت كل ذلك في كتاب‪.‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫خ ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ما ن َن ْ َ‬‫ت { كقوله } َ‬ ‫شاُء وَي ُث ْب ِ ُ‬ ‫ما ي َ َ‬‫ه َ‬ ‫حوا الل ّ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫وقال قتادة في قوله ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫مث ْل َِها { ]البقرة ‪[106 :‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫من َْها أوْ ِ‬ ‫خي ْرٍ ِ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫سَها ن َأ ِ‬ ‫آي َةٍ أوْ ن ُن ْ ِ‬
‫ت{‬ ‫شاُء وَي ُث ْب ِ ُ‬ ‫ما ي َ َ‬‫ه َ‬ ‫حوا الل ّ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫جيح ‪ ،‬عن مجاهد في قوله ‪ } :‬ي َ ْ‬ ‫وقال ابن أبي ن َ ِ‬
‫ي ِبآي َةٍ ِإل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬
‫ن ي َأت ِ َ‬‫لأ ْ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن ل َِر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫قال ‪ :‬قالت كفار قريش حين أنزلت ‪ } :‬وَ َ‬
‫ن الل ّهِ { ما نراك يا محمد تملك من شيء ‪ ،‬ولقد ُفرغ من المر‪ .‬فأنزلت‬ ‫ب ِإ ِذ ْ ِ‬
‫دا لهم ‪ :‬إنا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا ‪،‬‬ ‫هذه الية تخويفا ‪ ،‬ووعي ً‬
‫ونحدث في كل رمضان ‪ ،‬فنمحو ونثبت )‪ (1‬ما نشاء من أرزاق الناس‬
‫ومصائبهم ‪ ،‬وما نعطيهم ‪ ،‬وما نقسم لهم‪.‬‬
‫شاُء { قال ‪ :‬من جاء أجله ‪،‬‬ ‫ما ي َ َ‬‫ه َ‬ ‫حوا الل ّ ُ‬ ‫م ُ‬‫وقال الحسن البصري ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫ي يجري إلى أجله‪.‬‬ ‫هب ‪ ،‬ويثبت الذي هو ح ّ‬ ‫فَذ َ َ‬
‫وقد اختار هذا القول أبو جعفر بن جرير ‪ ،‬رحمه الله‪.‬‬
‫ُ‬
‫ب { قال ‪ :‬الحلل والحرام‪.‬‬ ‫م ال ْك َِتا ِ‬ ‫عن ْد َه ُ أ ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ ِ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬أي جملة الكتاب وأصله‪.‬‬
‫ُ‬
‫ب { قال ‪ :‬كتاب عند رب العالمين‪.‬‬ ‫م ال ْك َِتا ِ‬ ‫عن ْد َه ُ أ ّ‬ ‫وقال الضحاك ‪ } :‬وَ ِ‬
‫سّيار ‪ ،‬عن ابن عباس ؛‬ ‫سَنيد بن داود ‪ ،‬حدثني معتمر ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن َ‬ ‫وقال ُ‬
‫قه‬ ‫ْ‬
‫خل ُ‬ ‫أنه سأل كعًبا عن "أم الكتاب" ‪ ،‬فقال ‪ :‬عَِلم الله ‪ ،‬ما هو خالق ‪ ،‬وما َ‬
‫عاملون ‪ ،‬ثم قال )‪ (2‬لعلمه ‪" :‬كن كتابا"‪ .‬فكانا )‪ (3‬كتابا‪.‬‬
‫ُ‬
‫ب { قال ‪ :‬الذكر ‪] ،‬والله‬ ‫م ال ْك َِتا ِ‬ ‫عن ْد َه ُ أ ّ‬‫وقال ابن جرير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬وَ ِ‬
‫أعلم[‪(4) .‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيمحو ويثبت"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فكان"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫) ‪(4/471‬‬

‫ب‬
‫سا ُ‬
‫ح َ‬‫ك ال ْب ََلغ ُ وَعَل َي َْنا ال ْ ِ‬‫ما عَل َي ْ َ‬
‫ك فَإ ِن ّ َ‬‫م أ َوْ ن َت َوَفّي َن ّ َ‬ ‫ذي ن َعِد ُهُ ْ‬‫ض ال ّ ِ‬ ‫ما ن ُرِي َن ّ َ‬
‫ك ب َعْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق َ‬ ‫معَ ّ‬
‫مل ُ‬ ‫حك ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ن أطَرافَِها َوالل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫صَها ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ض ن َن ْ ُ‬‫م ي ََرْوا أّنا ن َأِتي الْر َ‬ ‫)‪ (40‬أوَل ْ‬
‫ب )‪(41‬‬ ‫سا ِ‬
‫ح َ‬ ‫ْ‬
‫ريعُ ال ِ‬ ‫س ِ‬‫مهِ وَهُوَ َ‬ ‫حك ْ ِ‬‫لِ ُ‬

‫ك ال َْبلغ ُ وَعَل َي َْنا‬ ‫ما عَل َي ْ َ‬ ‫ك فَإ ِن ّ َ‬ ‫م أ َوْ ن َت َوَفّي َن ّ َ‬ ‫ذي ن َعِد ُهُ ْ‬ ‫ض ال ّ ِ‬ ‫ك ب َعْ َ‬ ‫ما ن ُرِي َن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫} وَإ ِ ْ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مل‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ن أطَرافَِها َوالل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫صَها ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ض ن َن ْ ُ‬ ‫م ي ََرْوا أّنا ن َأِتي الْر َ‬ ‫ب )‪ (40‬أوَل ْ‬ ‫سا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫ب )‪{ (41‬‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ريعُ ال ْ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫مهِ وَهُوَ َ‬ ‫حك ْ ِ‬ ‫ب لِ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫معَ ّ‬ ‫ُ‬
‫م{‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫د‬ ‫ِ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ض‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫}‬ ‫محمد‬ ‫يا‬ ‫{‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫َِ َ ِ‬ ‫ن‬ ‫ما‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫لرسوله‬ ‫تعالى‬ ‫يقول‬
‫ك { ]أي[ )‬ ‫أي ‪ :‬نعد أعداءك من الخزي )‪ (1‬والنكال في الدنيا ‪ } ،‬أ َوْ ن َت َوَفّي َن ّ َ‬
‫ك ال َْبلغُ { أي ‪ :‬إنما أرسلناك لتبلغهم رسالة الله‬ ‫ما عَل َي ْ َ‬ ‫‪ (2‬قبل ذلك ‪ } ،‬فَإ ِن ّ َ‬
‫ب { أي ‪ :‬حسابهم وجزاؤهم ‪،‬‬ ‫سا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وقد بلغت )‪ (3‬ما أمرت به ‪ } ،‬وَعَلي َْنا ال ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ت َوَلى‬ ‫م ْ‬ ‫صي ْط ِرٍ ِإل َ‬ ‫م َ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ت عَلي ْهِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫مذ َك ٌّر ل ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫كما قال تعالى ‪ } :‬فَذ َك ّْر إ ِن ّ َ‬
‫م{‬ ‫ساب َهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ن عَل َي َْنا ِ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ن إ ِل َي َْنا إ َِياب َهُ ْ‬ ‫ب الك ْب ََر إ ِ ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫ه ال ْعَ َ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫فَر فَي ُعَذ ّب ُ ُ‬ ‫وَك َ َ‬
‫]الغاشية ‪.[26 - 21 :‬‬
‫ن أ َط َْرافَِها { قال ابن عباس ‪:‬‬ ‫م‬ ‫ها‬ ‫ص‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫تي‬ ‫وقوله ‪ } :‬أ َول َم يروا أ َنا نأ ْ‬
‫ْ َ َْ ُ َ ِ ْ‬ ‫َ ْ ََ ْ ّ َ ِ‬
‫أو لم يروا أنا نفتح لمحمد الرض بعد الرض ؟‬
‫وقال في رواية ‪ :‬أو لم يروا إلى القرية تخرب ‪ ،‬حتى يكون العمران في‬
‫ناحية ؟‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن أطَرافَِها { قال ‪ :‬خرابها‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫صَها ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫رمة ‪ } :‬ن َن ْ ُ‬ ‫عك ْ ِ‬ ‫وقال مجاهد و ِ‬
‫وقال الحسن والضحاك ‪ :‬هو ظهور المسلمين على المشركين‪.‬‬
‫وقال العوفي عن ابن عباس ‪ :‬نقصان أهلها وبركتها‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬نقصان النفس والثمرات وخراب الرض‪.‬‬
‫شك ‪ ،‬ولكن تنقص‬ ‫ح ّ‬ ‫وقال الشعبي ‪ :‬لو كانت الرض تنقص لضاق عليك ُ‬
‫رمة ‪ :‬لو كانت الرض تنقص لم تجد مكانا‬ ‫عك ْ ِ‬ ‫النفس والثمرات‪ .‬وكذا قال ِ‬
‫تقعد فيه ‪ ،‬ولكن هو الموت‪.‬‬
‫وقال ابن عباس في رواية ‪ :‬خرابها بموت فقهائها وعلمائها وأهل الخير منها‪.‬‬
‫وكذا قال مجاهد أيضا ‪ :‬هو موت العلماء‪.‬‬
‫وفي هذا المعنى روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أحمد بن عبد العزيز‬
‫أبي القاسم المصري الواعظ )‪ (4‬سكن أصبهان ‪ ،‬حدثنا أبو محمد طلحة بن‬
‫أسد المرئي بدمشق ‪ ،‬أنشدنا أبو بكر الجرى بمكة قال ‪ :‬أنشدنا أحمد بن‬
‫غزال لنفسه ‪:‬‬
‫ف‪...‬‬ ‫مت طر ُ‬ ‫َ‬ ‫عالم منها ي ُ‬ ‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫مَتى ي ُ‬ ‫عاش عالمها‪َ ...‬‬ ‫الرض تحَيا إذا ما َ‬
‫ف‪...‬‬ ‫َ‬
‫عاد في أكنافَها الت ّل ُ‬ ‫حل بها‪ ...‬وإن أبى َ‬ ‫حَيا إذا ما الغيث َ‬ ‫كالرض ت ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬الحزن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فعلت"‪.‬‬
‫)‪ (4‬لم أعثر على ترجمته في المخطوط من تاريخ دمشق ول في المختصر‬
‫لبن منظور‪.‬‬

‫) ‪(4/472‬‬
‫س‬
‫ف ٍ‬ ‫ب كُ ّ‬
‫ل نَ ْ‬ ‫ما ت َك ْ ِ‬
‫س ُ‬ ‫ميًعا ي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫ج ِ‬ ‫م فَل ِل ّهِ ال ْ َ‬
‫مك ُْر َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫مك ََر ال ّ ِ‬‫وَقَد ْ َ‬
‫دارِ )‪(42‬‬ ‫قَبى ال ّ‬ ‫ن عُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْك ُ ّ‬
‫فاُر ل ِ َ‬ ‫سي َعْل َ ُ‬
‫وَ َ‬

‫والقول الول أولى ‪ ،‬وهو ظهور السلم على الشرك قرية بعد قرية ‪] ،‬وك َ ْ‬
‫فًرا‬
‫ن ال ْ ُ‬ ‫فر ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬ول َ َ َ‬
‫قَرى { ]الحقاف ‪:‬‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫حوْل َك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫قد ْ أهْل َك َْنا َ‬ ‫َ‬ ‫بعد ك َ ْ‬
‫‪ [27‬الية ‪ ،‬وهذا اختيار ابن جرير ‪ ،‬رحمه الله[ )‪(1‬‬
‫س‬
‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬‫بك ّ‬‫ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ْ‬
‫ما ت َك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ميًعا ي َعْل َ ُ‬ ‫ج ِ‬‫مك ُْر َ‬ ‫م فَل ِل ّهِ ال ْ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫مك ََر ال ّ ِ‬ ‫} وَقَد ْ َ‬
‫دارِ )‪{ (42‬‬ ‫قَبى ال ّ‬ ‫ن عُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فاُر ل ِ َ‬ ‫م ال ْك ُ ّ‬ ‫سي َعْل َ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫م { برسلهم ‪ ،‬وأرادوا إخراجهم من‬ ‫َ‬
‫ن قب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫مكَر ال ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يقول ‪ } :‬وَقد ْ َ‬
‫بلدهم ‪ ،‬فمكر الله بهم ‪ ،‬وجعل العاقبة للمتقين ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَإ ِذ ْ‬
‫ه‬‫مك ُُر الل ّ ُ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫مك ُُرو َ‬ ‫ك وَي َ ْ‬ ‫جو َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ك أ َوْ ي ُ ْ‬‫قت ُُلو َ‬ ‫ك أ َوْ ي َ ْ‬ ‫فُروا ل ِي ُث ْب ُِتو َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫مك ُُر ب ِ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫مك َْرَنا‬ ‫مك ًْرا وَ َ‬ ‫مك َُروا َ‬ ‫ن { ]النفال ‪ [30 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ماك ِ ِ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬
‫مهُ ْ‬ ‫م وَقَوْ َ‬ ‫مْرَناهُ ْ‬‫م أّنا د َ ّ‬ ‫مك ْرِهِ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫عاقِب َ ُ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن َفان ْظْر ك َي ْ َ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫مك ًْرا وَهُ ْ‬ ‫َ‬
‫موا { الية ]النمل ‪.[52 - 50 :‬‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫خا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫يو‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫عي‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫أ َ‬‫ج‬
‫ْ‬
‫س { أي ‪ :‬إنه تعالى عالم بجميع السرائر‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ما ت َك ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ي َعْل َ ُ‬
‫والضمائر ‪ ،‬وسيجزي كل عامل بعمله‪.‬‬
‫دارِ { أي ‪ :‬لمن تكون‬ ‫قَبى ال ّ‬ ‫ن عُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فاُر { } ل ِ َ‬ ‫كافُِر { وقرئ ‪ } :‬الك ُ ّ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫سي َعْل َ ُ‬ ‫} وَ َ‬
‫الدائرة والعاقبة ‪ ،‬لهم أو لتباع الرسل ؟ كل بل هي لتباع الرسل في الدنيا‬
‫والخرة ‪ ،‬ولله الحمد والمنة‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/473‬‬

‫عن ْد َهُ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫دا ب َي ِْني وَب َي ْن َك ُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫فى ِبالل ّهِ َ‬
‫شِهي ً‬ ‫سًل قُ ْ‬
‫ل كَ َ‬ ‫مْر َ‬
‫ت ُ‬ ‫فُروا ل َ ْ‬
‫س َ‬ ‫ن كَ َ‬
‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬‫قو ُ‬ ‫وَي َ ُ‬
‫ب )‪(43‬‬ ‫م ال ْك َِتا ِ‬
‫عل ْ ُ‬ ‫ِ‬

‫ن‬
‫م ْ‬
‫م وَ َ‬‫دا ب َي ِْني وَب َي ْن َك ُ ْ‬
‫شِهي ً‬‫فى ِبالل ّهِ َ‬ ‫ل كَ َ‬
‫سل قُ ْ‬ ‫مْر َ‬ ‫ت ُ‬ ‫س َ‬ ‫فُروا ل َ ْ‬ ‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫} وَي َ ُ‬
‫ب )‪{ (43‬‬ ‫ْ‬
‫م الك َِتا ِ‬ ‫ْ‬
‫عل ُ‬ ‫عن ْد َه ُ ِ‬
‫ِ‬
‫سل { أي ‪ :‬ما أرسلك الله‬ ‫مْر َ‬
‫ت ُ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫يقول ‪ :‬ويكذبك هؤلء الكفار ويقولون ‪ } :‬ل ْ‬
‫م { أي ‪ :‬حسبي الله ‪ ،‬وهو الشاهد علي‬ ‫دا ب َي ِْني وَب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫شِهي ً‬ ‫فى ِبالل ّهِ َ‬ ‫ل كَ َ‬ ‫‪ } ،‬قُ ْ‬
‫وعليكم ‪ ،‬شاهد علي فيما بلغت عنه من الرسالة ‪ ،‬وشاهد عليكم أيها‬
‫المكذبون فيما تفترونه من البهتان‪.‬‬
‫ب { قيل ‪ :‬نزلت في عبد الله بن سلم قاله‬ ‫م ال ْك َِتا ِ‬ ‫عل ْ ُ‬‫عن ْد َه ُ ِ‬‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫مجاهد‪.‬‬
‫وهذا القول غريب ؛ لن هذه الية مكية ‪ ،‬وعبد الله بن سلم إنما أسلم في‬
‫أول مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة‪ .‬والظهر في هذا ما قاله‬
‫العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬هم من )‪ (1‬اليهود والنصارى‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬منهم ابن سلم ‪ ،‬وسلمان ‪ ،‬وتميم الداري‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ -‬في رواية ‪ -‬عنه ‪ :‬هو الله تعالى‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬في"‪.‬‬
‫) ‪(4/473‬‬

‫جب َْير ينكر أن يكون المراد بها عبد الله بن سلم ‪ ،‬ويقول ‪:‬‬ ‫وكان سعيد بن ُ‬
‫ب" ‪ ،‬ويقول ‪ :‬من عند الله‪.‬‬ ‫م الكتا ُ‬ ‫هي مكية ‪ ،‬وكان يقرؤها ‪" :‬ومن عنده عُل ِ َ‬
‫وكذا قرأها مجاهد والحسن البصري‪.‬‬
‫وقد روى ابن جرير من حديث ‪ ،‬هارون العور ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن سالم ‪،‬‬
‫عن ابن عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها ‪"" :‬ومن عنده‬
‫ب" ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬ل أصل له من حديث الزهري عند الثقات‪(1) .‬‬ ‫م الكتا ُ‬ ‫عُل ِ َ‬
‫قلت ‪ :‬وقد رواه الحافظ أبو يعلى في مسنده ‪ ،‬من طريق هارون بن موسى‬
‫هذا ‪ ،‬عن سليمان بن أرقم ‪ -‬وهو ضعيف ‪ -‬عن الزهري ‪ ،‬عن سالم ‪ ،‬عن أبيه‬
‫مرفوعا كذلك‪ .‬ول يثبت‪ (2) .‬والله أعلم‬
‫عن ْد َه ُ { اسم جنس يشمل علماء أهل الكتاب‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫والصحيح في هذا ‪ :‬أن } وَ َ‬
‫الذين يجدون صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته في كتبهم المتقدمة ‪،‬‬
‫يٍء‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫سعَ ْ‬ ‫مِتي وَ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫من بشارات النبياء به ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وََر ْ‬
‫ّ‬ ‫فَ َ‬
‫ن‬
‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م ِبآَيات َِنا ي ُؤْ ِ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫كاةَ َوال ّ ِ‬ ‫ن الّز َ‬ ‫ن وَي ُؤُْتو َ‬ ‫قو َ‬ ‫ن ي َت ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫سأك ْت ُب َُها ل ِل ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ل{‬ ‫ِ ِ‬ ‫جي‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫وال‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫را‬ ‫َْ‬ ‫و‬‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫د‬‫ْ‬ ‫ن‬‫ع‬‫ِ‬ ‫با‬‫ً‬ ‫تو‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫م‬
‫ُ َ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫دو‬‫ُ‬ ‫ج‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ذي‬‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ي‬
‫ّ ّ‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ي‬
‫ِ ّ‬ ‫ب‬‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫سو‬ ‫ُ‬ ‫الّر‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ُ‬
‫ن ي َعْل َ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫م آي َ ً‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫م ي َك ْ‬ ‫الية]العراف ‪ [157 ، 156 :‬وقال تعالى ‪ } :‬أوَل ْ‬
‫ل { الية ‪] :‬الشعراء ‪ .[197 :‬وأمثال ذلك مما فيه الخبار‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ماُء ب َِني إ ِ ْ‬ ‫عُل َ َ‬
‫عن علماء بني إسرائيل ‪ :‬أنهم يعلمون ذلك من كتبهم المنزلة‪ .‬وقد ورد في‬
‫حديث الحبار ‪ ،‬عن عبد الله بن سلم بأنه أسلم بمكة قبل الهجرة‪ .‬قال‬
‫الحافظ أبو نعيم الصبهاني في كتاب "دلئل النبوة" ‪ ،‬وهو كتاب جليل ‪:‬‬
‫حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني ‪ ،‬حدثنا عَْبدان بن أحمد ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫مصفى ‪ ،‬حدثنا الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن محمد بن حمزة بن يوسف ‪ ،‬بن عبد‬
‫الله بن سلم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬أن عبد الله بن سلم قال لحبار اليهود ‪ :‬إني أردت‬
‫جدد )‪ (3‬بمسجد أبينا إبراهيم وإسماعيل عهدا )‪ (4‬فانطلق إلى رسول‬ ‫أن أ َ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ‪ ،‬فوافاهم وقد انصرفوا من الحج ‪،‬‬
‫فوجد رسول الله ‪ ،‬بمنى ‪ ،‬والناس حوله ‪ ،‬فقام مع الناس ‪ ،‬فلما نظر إليه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬أنت عبد الله بن سلم ؟" قال ‪:‬‬
‫قلت ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪" :‬ادن"‪ .‬فدنوت منه ‪ ،‬قال ‪" :‬أنشدك بالله يا عبد الله بن‬
‫سلم ‪ ،‬أما تجدني في التوراة رسول الله ؟" فقلت له ‪ :‬انعت ربنا‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فجاء جبريل حتى وقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ل هُو الل ّ َ‬
‫حد ٌ {‬ ‫وا أ َ‬ ‫ف ً‬ ‫ه كُ ُ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬ ‫م ُيول َد ْ وَل َ ْ‬ ‫م ي َل ِد ْ وَل َ ْ‬ ‫مد ُ ل َ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫حد ٌ الل ّ ُ‬ ‫هأ َ‬ ‫ُ‬ ‫} قُ ْ َ‬
‫]سورة الخلص[ فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن‬
‫سلم ‪ :‬أشهد أن ل إله إل الله ‪ ،‬وأنك رسول الله‪ .‬ثم انصرف ابن سلم إلى‬
‫المدينة فكتم إسلمه‪ .‬فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى‬
‫دها ‪ ،‬فألقيت نفسي ‪ ،‬فقالت‬ ‫ج ّ‬ ‫المدينة وأنا فوق نخلة لي أ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير الطبري )‪.(16/506‬‬
‫)‪ (2‬مسند أبي يعلى )‪ (9/424‬وقد وقع فيه ‪" :‬عبد الرحيم بن موسى" بدل‬
‫من "هارون بن موسى"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أحدث" والمثبت من دلئل النبوة‪.‬‬
‫)‪ (4‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ‪" .‬عيدا" والمثبت من دلئل النبوة‪.‬‬
‫) ‪(4/474‬‬

‫أمي ‪] :‬لله[ )‪ (1‬أنت ‪ ،‬لو كان موسى بن عمران ما كان لك أن تلقي نفسك‬
‫من رأس النخلة‪ .‬فقلت ‪ :‬والله لني أسر بقدوم رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم من موسى بن عمران إذ ُبعث‪(2) .‬‬
‫وهذا حديث غريب جدا‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والدلئل‪.‬‬
‫)‪ (2‬دلئل النبوة )‪ (1/125‬وهو في المعجم الكبير برقم )‪" (372‬القطعة‬
‫المفقودة" وأعله الهيثمي بالنقطاع‪.‬‬

‫) ‪(4/475‬‬

‫م إ َِلى‬ ‫ت إ َِلى الّنورِ ب ِإ ِذ ْ ِ‬


‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن الظ ّل ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫س ِ‬
‫ج الّنا َ‬ ‫خرِ َ‬ ‫ك ل ِت ُ ْ‬‫ب أ َن َْزل َْناه ُ إ ِل َي ْ َ‬ ‫الر ك َِتا ٌ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬
‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ذي ل ُ‬ ‫ميدِ )‪ (1‬اللهِ ال ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيزِ ال َ‬ ‫ط العَ ِ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫ِ‬
‫ة‬
‫خَر ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫حَياةَ الد ّن َْيا عَلى ال ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ب َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وَوَي ْ ٌ‬
‫ذي َ‬‫ديد ٍ )‪ (2‬ال ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ل ل ِلكافِ ِ‬
‫ل ب َِعيد ٍ )‪(3‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ضل ٍ‬ ‫جا أولئ ِك ِفي َ‬ ‫عو َ ً‬‫ل اللهِ وَي َب ُْغون ََها ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫وَي َ ُ‬

‫تفسير سورة إبراهيم عليه السلم‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫َ‬
‫م إ ِلى‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫ت إ ِلى الّنورِ ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الظل َ‬ ‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫ج الّنا َ‬ ‫خرِ َ‬ ‫ك ل ِت ُ ْ‬ ‫ب َأنزل َْناهُ إ ِل َي ْ َ‬ ‫} الر ك َِتا ٌ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ط ال ْعَ ِ‬
‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ذي ل ُ‬ ‫ميدِ )‪ (1‬اللهِ ال ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيزِ ال َ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫ِ‬
‫ة‬
‫خَر ِ‬ ‫َ‬
‫حَياةَ الد ّن َْيا عَلى ال ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ديد ٍ )‪ (2‬ال ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬
‫ل ل ِلكافِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫وَوَي ْ ٌ‬
‫ل ب َِعيد ٍ )‪{ (3‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ضل ٍ‬ ‫جا أولئ ِك ِفي َ‬ ‫عو َ ً‬ ‫ل اللهِ وَي َب ُْغون ََها ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫وَي َ ُ‬
‫قد تقدم الكلم على الحروف المقطعة في أوائل السور‪.‬‬
‫ك { أي ‪ :‬هذا كتاب أنزلناه إليك يا محمد ‪ ،‬وهو القرآن‬ ‫ب َأنزل َْناهُ إ ِل َي ْ َ‬ ‫} ك َِتا ٌ‬
‫العظيم ‪ ،‬الذي هو أشرف كتاب أنزله الله من السماء ‪ ،‬على أشرف رسول‬
‫بعثه الله في الرض ‪ ،‬إلى جميع أهلها عربهم وعجمهم )‪.(1‬‬
‫ت إ َِلى الّنورِ { أي ‪ :‬إنما بعثناك يا محمد بهذا‬ ‫ما ِ‬ ‫ن الظ ّل ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫ج الّنا َ‬ ‫خرِ َ‬ ‫} ل ِت ُ ْ‬
‫الكتاب ؛ لتخرج الناس مما هم فيه من الضلل والغي إلى الهدى والرشد ‪،‬‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ت إ َِلى الّنورِ َوال ّ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن الظ ّل ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫جهُ ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫مُنوا ي ُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫ه وَل ِ ّ‬ ‫كما قال ‪ } :‬الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ت { الية]البقرة ‪:‬‬ ‫ما ِ‬ ‫ن الّنورِ إ َِلى الظ ّل ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫جون َهُ ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ت يُ ْ‬ ‫غو ُ‬ ‫طا ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫فُروا أوْل َِياؤُهُ ُ‬ ‫كَ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫جك ُ ْ‬ ‫خرِ َ‬ ‫ت ل ِي ُ ْ‬‫ت ب َي َّنا ٍ‬ ‫ل عََلى عَب ْدِهِ آَيا ٍ‬ ‫ذي ُينز ُ‬ ‫‪ ، [257‬وقال تعالى ‪ } :‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫ت إ َِلى الّنورِ { ]الحديد ‪.[9 :‬‬ ‫ما ِ‬ ‫الظ ّل ُ َ‬
‫م { أي ‪ :‬هو الهادي لمن َقدر له الهداية على يدي رسوله‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ب ِإ ِذ ْ ِ‬
‫زيزِ { أي ‪ :‬العزيز الذي ل يمانع‬ ‫ط العَ ِ‬‫ْ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫َ‬
‫المبعوث عن أمره يهديهم } إ ِلى ِ‬
‫ول يغالب ‪ ،‬بل هو القاهر لكل ما سواه ‪" ،‬الحميد" أي ‪ :‬المحمود في جميع‬
‫أفعاله وأقواله ‪ ،‬وشرعه وأمره ونهيه ‪ ،‬الصادق في خبره‪.‬‬
‫ض { قرأه بعضهم‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ذي ل َ ُ‬ ‫وقوله ‪ } :‬الل ّهِ ال ّ ِ‬
‫مستأنفا مرفوعا ‪ ،‬وقرأه آخرون على التباع صفة للجللة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫مل ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ك ال ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫ذي ل َ ُ‬ ‫ميًعا ال ّ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫س إ ِّني َر ُ‬ ‫ل َيا أي َّها الّنا ُ‬ ‫} قُ ْ‬
‫ض { ]العراف ‪.[158 :‬‬ ‫َوالْر ِ‬
‫ديدٍ { أي ‪ :‬ويل لهم يوم القيامة إذ‬ ‫ب َ‬
‫ش ِ‬ ‫ن عَ َ‬
‫ذا ٍ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬
‫ري َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَوَي ْل ل ِلكافِ ِ‬
‫خالفوك يا محمد‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عربيهم وعجميهم"‪.‬‬

‫) ‪(4/476‬‬

‫َ‬
‫دي‬ ‫ن يَ َ‬
‫شاُء وَي َهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫م فَي ُ ِ‬
‫ض ّ‬ ‫ن قَوْ ِ‬
‫مهِ ل ِي ُب َي ّ َ‬ ‫ل إ ِّل ب ِل ِ َ‬
‫سا ِ‬ ‫سو ٍ‬
‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬‫سل َْنا ِ‬
‫ما أْر َ‬‫وَ َ‬
‫م )‪(4‬‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫زيُز ال َ‬ ‫ْ‬
‫شاُء وَهُوَ العَ ِ‬ ‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬‫َ‬

‫وكذبوك‪.‬‬
‫ثم وصفهم بأنهم يستحبون الحياة الدنيا على الخرة ‪ ،‬أي ‪ :‬يقدمونها‬
‫سوا الخرة ‪ ،‬وتركوها وراء ظهورهم ‪،‬‬ ‫وُيؤثرونها عليها ‪ ،‬ويعملون للدنيا ون َ ُ‬
‫جا { أي ‪:‬‬ ‫عو َ ً‬ ‫ل الل ّهِ { وهي اتباع الرسل } وَي َب ُْغون ََها ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬‫} وَي َ ُ‬
‫جا مائلة عائلة )‪ (1‬وهي مستقيمة في‬ ‫ويحبون أن تكون سبيل الله عو ً‬
‫نفسها ‪ ،‬ل يضرها من خالفها ول من خذلها ‪ ،‬فهم )‪ (2‬في ابتغائهم ذلك في‬
‫جهل وضلل بعيد من الحق ‪ ،‬ل يرجى لهم ‪ -‬والحالة هذه ‪ -‬صلح‪.‬‬
‫َ‬
‫شاُء‬‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬‫ض ّ‬‫م فَي ُ ِ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫مهِ ل ِي ُب َي ّ َ‬‫ن قَوْ ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫ل ِإل ب ِل ِ َ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫} وَ َ‬
‫م )‪{ (4‬‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫زيُز ال َ‬ ‫ْ‬
‫شاُء وَهُوَ العَ ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬‫دي َ‬ ‫وَي َهْ ِ‬
‫هذا من لطفه تعالى بخلقه ‪ :‬أنه يرسل إليهم رسل )‪ (3‬منهم بلغاتهم ليفهموا‬
‫عنهم ما يريدون وما أرسلوا به إليهم ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا وكيع ‪ ،‬عن عمر )‪ (4‬بن ذر قال ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬عن أبي ذر قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لم يبعث الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬نبيا إل بلغة‬
‫قومه" )‪.(5‬‬
‫شاُء { أي ‪ :‬بعد البيان وإقامة‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬‫دي َ‬ ‫شاُء وَي َهْ ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فَي ُ ِ‬
‫الحجة عليهم يضل تعالى من يشاء عن وجه الهدى ‪ ،‬ويهدي من يشاء إلى‬
‫زيُز { الذي ما شاء كان ‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن ‪ } ،‬الحكيم {‬ ‫الحق ‪ } ،‬وَهُوَ ال ْعَ ِ‬
‫في أفعاله ‪ ،‬فيضل من يستحق الضلل ‪ ،‬ويهدي من هو أهل لذلك‪.‬‬
‫وقد كانت هذه سنة الله في خلقه ‪ :‬أنه ما بعث نبيا في أمة إل أن يكون‬
‫بلغتهم ‪ ،‬فاختص كل نبي بإبلغ رسالته إلى أمته دون غيرهم ‪ ،‬واختص محمد‬
‫بن عبد الله رسول الله بعموم الرسالة إلى سائر الناس ‪ ،‬كما ثبت في‬
‫الصحيحين عن جابر قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أعطيت‬
‫ت بالرعب مسيرة شهر ‪،‬‬ ‫صْر ُ‬ ‫سا لم ُيعط َُهن أحد من النبياء قبلي ‪ :‬ن ُ ِ‬ ‫خم ً‬
‫دا وطُهوًرا ‪ ،‬وأحلت لي الغنائم ولم تحل لحد قبلي ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫وجعلت لي الرض مسج ً‬
‫وأعطيت الشفاعة ‪ ،‬وكان النبي يبعث إلى قومه ‪ ،‬وبعثت إلى الناس عامة" )‬
‫‪.(6‬‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫ر‬ ‫ني‬ ‫إ‬ ‫س‬ ‫نا‬‫ال‬ ‫ها‬ ‫ي‬‫ل يا أ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫وقال‬ ‫‪،‬‬ ‫كثيرة‬ ‫وجوه‬ ‫من‬ ‫شواهد‬ ‫وله‬
‫ّ ُ ِّ َ ُ‬ ‫َ َّ‬
‫ميًعا { ]العراف ‪.[158 :‬‬ ‫ج ِ‬
‫م َ‬ ‫الل ّهِ إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬عائلة ‪ :‬أي جائزة‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬ففهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬رسول"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬عمرو"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪ (5/158‬ومجاهد لم يسمع من أبي ذر‪.‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري برقم )‪ (335‬وصحيح مسلم برقم )‪.(521‬‬

‫) ‪(4/477‬‬

‫ت إ َِلى الّنورِ وَذ َك ّْرهُ ْ‬


‫م‬ ‫ن الظ ّل ُ َ‬
‫ما ِ‬ ‫م َ‬
‫ك ِ‬ ‫م َ‬‫ج قَوْ َ‬ ‫خرِ ْ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫َ‬
‫سى ب ِآ ََيات َِنا أ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫سل َْنا ُ‬
‫ول َ َ َ‬
‫قد ْ أْر َ‬
‫كورٍ )‪(5‬‬‫ش ُ‬ ‫صّبارٍ َ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫يا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫م‬‫يا‬ ‫ب َأ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬

‫ت إ َِلى الّنورِ وَذ َك ّْرهُ ْ‬


‫م‬ ‫ما ِ‬‫ن الظ ّل ُ َ‬
‫م َ‬‫ك ِ‬‫م َ‬ ‫ج قَوْ َ‬ ‫ن أَ ْ‬
‫خرِ ْ‬
‫َ‬
‫سى ِبآَيات َِنا أ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫سل َْنا ُ‬
‫} ول َ َ َ‬
‫قد ْ أْر َ‬ ‫َ َ‬
‫ُ‬
‫صّبارٍ شكورٍ )‪{ (5‬‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ت ل ِكل َ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي ذل ِك لَيا ٍ‬ ‫ّ‬
‫ب ِأّيام ِ اللهِ إ ِ ّ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬وكما أرسلناك يا محمد وأنزلنا عليك الكتاب ‪ ،‬لتخرج الناس‬
‫كلهم ‪ ،‬تدعوهم إلى الخروج من الظلمات إلى النور ‪ ،‬كذلك أرسلنا موسى‬
‫في بني إسرائيل بآياتنا‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬وهي التسع اليات‪.‬‬
‫َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ج قَوْ َ‬
‫خرِ ْ‬
‫ت { أي ‪ :‬أمرناه قائلين له ‪ } :‬أ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن الظ ّل ُ َ‬‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫م َ‬‫ج قَوْ َ‬ ‫خرِ ْ‬ ‫}أ ْ‬
‫ت إ َِلى الّنورِ { أي ‪ :‬ادعهم إلى الخير ‪ ،‬ليخرجوا من ظلمات ما كانوا‬ ‫ما ِ‬ ‫الظ ّل ُ َ‬
‫فيه من الجهل والضلل إلى نور الهدى وبصيرة اليمان‪.‬‬
‫م ب ِأ َّيام ِ الل ّهِ { أي ‪ :‬بأياديه ونَعمه عليهم ‪ ،‬في إخراجه إياهم من أسر‬ ‫} وَذ َك ّْرهُ ْ‬
‫فرعون‪.‬‬
‫وقهره وظلمه وغشمه ‪ ،‬وإنجائه إياهم من عدوهم ‪ ،‬وفلقه لهم البحر ‪،‬‬
‫وتظليله إياهم بالغمام ‪ ،‬وإنزاله عليهم المن والسلوى ‪ ،‬إلى غير ذلك من‬
‫النعم‪ .‬قال ذلك مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫وقد ورد فيه الحديث المرفوع الذي رواه عبد الله بن المام أحمد بن حنبل‬
‫في مسند أبيه حيث )‪ (1‬قال ‪ :‬حدثني يحيى بن عبد الله مولى بني هاشم ‪،‬‬
‫حدثنا محمد بن أبان الجعفي ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ]عن ابن‬
‫عباس ‪ ،‬عن أبي بن كعب ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تبارك‬
‫م ب ِأ َّيام ِ الل ّهِ { قال ‪" :‬بنعم الله تبارك وتعالى[" )‪.(2‬‬ ‫وتعالى ‪ } :‬وَذ َك ّْرهُ ْ‬
‫]ورواه ابن جرير[ )‪ (3‬وابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث محمد بن أبان ‪ ،‬به )‪(4‬‬
‫ورواه عبد الله ابنه )‪ (5‬أيضا موقوفا )‪ (6‬وهو أشبه‪.‬‬
‫كورٍ { أي ‪ :‬إن فيما صنعنا بأوليائنا‬ ‫ش ُ‬ ‫صّبارٍ َ‬‫ل َ‬ ‫ت ل ِك ُ ّ‬ ‫ك لَيا ٍ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫بني إسرائيل حين أنقذناهم من يد فرعون ‪ ،‬وأنجيناهم مما كانوا فيه من‬
‫صّبار ‪ ،‬أي ‪ :‬في الضراء ‪ ،‬شكور ‪ ،‬أي ‪ :‬في‬ ‫العذاب المهين ‪ ،‬لعبرة لكل َ‬
‫صَبر ‪ ،‬وإذا أعطي شكر‪.‬‬ ‫السراء ‪ ،‬كما قال قتادة ‪ :‬نعم العبد ‪ ،‬عبد إذا ابت ُِلي َ‬
‫وكذا جاء في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إن‬
‫جب ‪ ،‬ل يقضي الله له قضاء إل كان خيًرا له ‪ ،‬إن أصابته‬ ‫أمر المؤمن ك ُّله عَ َ‬
‫شكر فكان خيرا له" )‪.(7‬‬ ‫ضراء صبر فكان خيرا له ‪ ،‬وإن أصابته سراء َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في هـ ‪" :‬في مسنده حديث قال" والمثبت من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زوائد المسند )‪ (5/122‬وتفسير الطبري )‪.(16/522‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬بن أحمد"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زوائد المسند )‪.(5/122‬‬
‫)‪ (7‬صحيح مسلم برقم )‪ (2999‬من حديث صهيب رضي الله عنه‪.‬‬

‫) ‪(4/478‬‬

‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫نآ ِ‬ ‫م ِ ْ‬ ‫جاك ُ ْ‬ ‫م إ ِذ ْ أن ْ َ‬ ‫ة الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫مهِ اذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬ ‫قو ْ ِ‬
‫سى ل ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫م ب ََلٌء‬ ‫َ‬ ‫سوَء ال ْعَ َ‬
‫م وَِفي ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ساَءك ُ ْ‬ ‫ن نِ َ‬ ‫حُيو َ‬ ‫ست َ ْ‬‫م وَي َ ْ‬ ‫ن أب َْناَءك ُ ْ‬ ‫حو َ‬ ‫ب وَي ُذ َب ّ ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م ُ‬ ‫مون َك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫ن كَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م إِ ّ‬ ‫فْرت ُ ْ‬ ‫م وَلئ ِ ْ‬ ‫م لِزيد َن ّك ُ ْ‬ ‫شك َْرت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م لئ ِ ْ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م )‪ (6‬وَإ ِذ ْ ت َأذ ّ َ‬ ‫ظي ٌ‬
‫م عَ ِ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن ت َك ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ميًعا فَإ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ج ِ‬‫ض َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫فُروا أن ْت ُ ْ‬ ‫سى إ ِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬‫ديد ٌ )‪ (7‬وََقا َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ذاِبي ل َ‬ ‫عَ َ‬
‫ميد ٌ )‪(8‬‬ ‫ح ِ‬‫ي َ‬ ‫ه لغَن ِ ّ‬‫َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫نآ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جاك ُ ْ‬ ‫م إ ِذ ْ أن ْ َ‬ ‫ة الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مهِ اذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫سى ل ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫} وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫َ‬ ‫سوَء ال ْعَ َ‬
‫م َبلٌء‬ ‫م وَِفي ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ساَءك ُ ْ‬ ‫ن نِ َ‬ ‫حُيو َ‬ ‫ست َ ْ‬‫م وَي َ ْ‬ ‫ن أب َْناَءك ُ ْ‬ ‫حو َ‬ ‫ب وَي ُذ َب ّ ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م ُ‬ ‫مون َك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م إِ ّ‬ ‫فْرت ُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫م وَل َئ ِ ْ‬ ‫م لِزيد َن ّك ُ ْ‬ ‫شك َْرت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ل َئ ِ ْ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م )‪ (6‬وَإ ِذ ْ ت َأذ ّ َ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫عا‬ ‫مي‬ ‫ج‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫روا‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫سى‬ ‫مو‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫و‬ ‫(‬ ‫‪7‬‬ ‫)‬ ‫د‬ ‫دي‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫بي‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫ِ ّ‬ ‫ِ‬
‫ْ ِ َ ً‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ميد ٌ )‪{ (8‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫غ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه‬
‫كر قومه بأيام الله عندهم ونعمه‬ ‫يقول تعالى مخبرا عن موسى ‪ ،‬حين ذ َ ّ‬
‫عليهم ‪ ،‬إذ أنجاهم من آل فرعون ‪ ،‬وما كانوا يسومونهم به من العذاب‬
‫والذلل ‪ ،‬حين )‪ (1‬كانوا يذبحون من وجد من أبنائهم ‪ ،‬ويتركون إناثهم فأنقذ‬
‫الله بني إسرائيل من ذلك ‪ ،‬وهذه نعمة عظيمة ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَِفي ذ َل ِك ُ ْ‬
‫م‬
‫م { أي ‪ :‬نعمة عظيمة منه عليكم في ذلك ‪ ،‬أنتم عاجزون‬ ‫ظي ٌ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫َبلٌء ِ‬
‫عن القيام بشكرها‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬وفيما كان يصنعه بكم قوم فرعون من تلك الفاعيل } بلء { أي ‪:‬‬
‫اختبار عظيم‪ .‬ويحتمل أن يكون المراد هذا وهذا ‪ ،‬والله أعلم ‪ ،‬كما قال تعالى‬
‫ن { ]العراف ‪.[168 :‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫ت ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫ت َوال ّ‬ ‫سَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫‪ } :‬وَب َل َوَْناهُ ْ‬
‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬آذنكم وأعلمكم بوعده لكم‪ .‬ويحتمل أن‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِذ ْ ت َأذ ّ َ‬
‫يكون المعنى ‪ :‬وإذ أقسم ربكم وآلى بعزته وجلله وكبريائه كما قال ‪ } :‬وَإ ِذ ْ‬
‫سوَء ال ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫ب [ )‪{ (2‬‬ ‫ذا ِ‬ ‫م ُ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مةِ ] َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ك ل َي َب ْعَث َ ّ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ت َأذ ّ َ‬
‫]العراف ‪.[167 :‬‬
‫م { )‪ (4‬أي ‪ :‬لئن شكرتم نعمتي )‪ (5‬عليكم‬ ‫م لِزيد َن ّك ُ ْ‬ ‫شك َْرت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وقوله )‪ } (3‬ل َئ ِ ْ‬
‫م { أي ‪ :‬كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها ‪،‬‬ ‫فْرت ُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫لزيدنكم منها ‪ } ،‬وَل َئ ِ ْ‬
‫ديد ٌ { وذلك بسلبها عنهم ‪ ،‬وعقابه إياهم على كفرها‪.‬‬ ‫ش ِ‬ ‫ذاِبي ل َ َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫} إِ ّ‬
‫وقد جاء في الحديث ‪" :‬إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" )‪.(6‬‬
‫مّر به سائل فأعطاه‬ ‫وفي المسند ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم َ‬
‫خطها ولم يقبلها ‪ ،‬ثم مر به آخر فأعطاه إياها ‪ ،‬فقبلها وقال ‪:‬‬ ‫س ّ‬ ‫تمرة ‪ ،‬فَت َ َ‬
‫تمرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فأمر له بأربعين درهما ‪ ،‬أو كما‬
‫قال‪.‬‬
‫صيدلني ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫عمارة‬ ‫حدثنا‬ ‫‪،‬‬ ‫أسود‬ ‫حدثنا‬ ‫‪:‬‬ ‫أحمد‬ ‫المام‬ ‫قال‬
‫أنس قال ‪ :‬أتى النبي صلى الله عليه وسلم سائل فأمر له بتمرة فلم يأخذها‬
‫‪ -‬أو ‪ :‬وحش بها ‪ -‬قال ‪ :‬وأتاه آخر فأمر له بتمرة ‪ ،‬فقال ‪ :‬سبحان الله! تمرة‬
‫من رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬فقال للجارية ‪" :‬اذهبي إلى أم سلمة ‪،‬‬
‫فأعطيه الربعين درهما التي‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬حيث"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وقال ها هنا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وإذ تأذن ربكم لئن"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬نعمة الله"‪.‬‬
‫)‪ (6‬رواه أحمد في المسند )‪ (5/80‬وابن ماجة في السنن برقم )‪ (90‬من‬
‫حديث ثوبان رضي الله عنه ‪ ،‬وحسنه العراقي كما في الزوائد للبوصيري )‬
‫‪.(1/61‬‬

‫) ‪(4/479‬‬

‫م َل‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬


‫ن ب َعْدِهِ ْ‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫مود َ َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عاد ٍ وَث َ ُ‬‫م قَوْم ِ ُنوٍح وَ َ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫م ن َب َأ ال ّ ِ‬
‫م ي َأت ِك ُ ْ‬‫أل َ ْ‬
‫م وََقاُلوا إ ِّنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫واهِهِ ْ‬‫م ِفي أفْ َ‬ ‫ت فََرّدوا أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬‫سل ُهُ ْ‬‫م ُر ُ‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬‫ه َ‬ ‫م إ ِّل الل ّ ُ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫ُ‬
‫ب )‪(9‬‬ ‫ري ٍ‬‫م ِ‬‫عون ََنا إ ِل َي ْهِ ُ‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬‫م ّ‬
‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫في َ‬ ‫م ب ِهِ وَإ ِّنا ل َ ِ‬ ‫سل ْت ُ ْ‬‫ما أْر ِ‬ ‫فْرَنا ب ِ َ‬ ‫كَ َ‬

‫عندها"‪.‬‬
‫تفرد به المام أحمد )‪.(1‬‬
‫وعمارة بن زاذان وثقه ابن حّبان ‪ ،‬وأحمد ‪ ،‬ويعقوب بن سفيان )‪ (2‬وقال ابن‬
‫عة ‪ :‬ل بأس به‪ .‬وقال أبو حاتم ‪ :‬يكتب حديثه ول‬ ‫معين ‪ :‬صالح‪ .‬وقال أبو ُزْر َ‬
‫يحتج به ‪ ،‬ليس بالمتين‪ .‬وقال البخاري ‪ :‬ربما يضطرب في حديثه‪ .‬وعن أحمد‬
‫أيضا أنه قال ‪ :‬روي عنه أحاديث منكرة‪ .‬وقال أبو داود ‪ :‬ليس بذاك‪ .‬وضعفه‬
‫الدارقطني ‪ ،‬وقال ابن عدي ‪ :‬ل بأس به ممن يكتب حديثه‪.‬‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ت َك ْ ُ‬ ‫وقوله تعالى ‪ } :‬وََقا َ‬
‫ن الل َ‬ ‫ميًعا فإ ِ ّ‬ ‫ج ِ‬‫ض َ‬‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫فُروا أن ْت ُ ْ‬ ‫سى إ ِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬
‫ميد ٌ { أي ‪ :‬هو غني عن شكر عباده ‪ ،‬وهو الحميد المحمود ‪ ،‬وإن‬ ‫ح ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ل َغَن ِ ّ‬
‫ضى‬ ‫م َول ي َْر َ‬ ‫ي عَن ْك ُ ْ‬ ‫ه غَن ِ ّ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫فُروا فَإ ِ ّ‬ ‫ن ت َك ْ ُ‬ ‫كفره من كفره ‪ ،‬كما قال ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫فُروا‬ ‫م { ]الزمر ‪ [7 :‬وقال تعالى ‪ } :‬فَك َ َ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫شك ُُروا ي َْر َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫فَر وَإ ِ ْ‬ ‫ل ِعَِبادِهِ ال ْك ُ ْ‬
‫ميد ٌ { ]التغابن ‪.[6 :‬‬ ‫ح ِ‬‫ي َ‬ ‫ه غَن ِ ّ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫ست َغَْنى الل ّ ُ‬ ‫وا َوا ْ‬ ‫وَت َوَل ّ ْ‬
‫وفي صحيح مسلم ‪ ،‬عن أبي ذر ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما‬
‫يرويه عن ربه ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬أنه قال ‪" :‬يا عبادي ‪ ،‬لو أن أولكم وآخركم ‪،‬‬
‫وإنسكم وجنكم ‪ ،‬كانوا على أتقى قلب رجل منكم ‪ ،‬ما زاد ذلك في ملكي‬
‫شيئا‪ .‬يا عبادي ‪ ،‬لو أن أولكم وآخركم ‪ ،‬وإنسكم وجنكم ‪ ،‬كانوا على أفجر‬
‫قلب رجل منكم ‪ ،‬ما نقص ذلك في )‪ (3‬ملكي شيئا‪ .‬يا عبادي ‪ ،‬لو أن أولكم‬
‫وآخركم ‪ ،‬وإنسكم وجنكم ‪ ،‬قاموا في صعيد واحد ‪ ،‬فسألوني ‪ ،‬فأعطيت كل‬
‫خَيط إذا‬ ‫قص الم ْ‬ ‫إنسان مسألته ‪ ،‬ما نقص ذلك من ملكي شيًئا ‪ ،‬إل كما ين ُ‬
‫أدخل في البحر"‪ .‬فسبحانه وتعالى الغني الحميد )‪.(4‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مل‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫مود َ َوال ِ‬ ‫عاد ٍ وَث َ ُ‬ ‫م قَوْم ِ ُنوٍح وَ َ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ن َب َأ ال ّ ِ‬ ‫م ي َأت ِك ُ ْ‬ ‫} أل َ ْ‬
‫م وََقاُلوا إ ِّنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِفي أفْ َ‬
‫واهِهِ ْ‬ ‫ت فََرّدوا أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫سل ُهُ ْ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م ِإل الل ّ ُ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫ُ‬
‫ب )‪{ (9‬‬ ‫ري ٍ‬ ‫م ِ‬‫عون ََنا إ ِل َي ْهِ ُ‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬‫م ّ‬ ‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫في َ‬ ‫م ب ِهِ وَإ ِّنا ل َ ِ‬ ‫سل ْت ُ ْ‬ ‫ما أْر ِ‬ ‫فْرَنا ب ِ َ‬ ‫كَ َ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬هذا من تمام قيل )‪ (5‬موسى لقومه )‪.(6‬‬
‫يعني ‪ :‬وتذكاره إياهم بأيام الله ‪ ،‬بانتقامه من المم المكذبة للرسل‪.‬‬
‫وفيما قال )‪ (7‬ابن جرير نظر ؛ والظاهر أنه خبر مستأنف من الله تعالى لهذه‬
‫المة ‪ ،‬فإنه قد قيل ‪:‬‬
‫__________‬
‫المسند )‪.(3/154‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫في ت ‪" :‬أحمد ويعقوب بن سفيان وابن حبان"‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬من"‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫صحيح مسلم برقم )‪.(2577‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫في أ ‪" :‬قول"‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫تفسير الطبري )‪.(16/529‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬قاله"‪.‬‬ ‫)‪(7‬‬

‫) ‪(4/480‬‬

‫إن قصة عاد وثمود ليست في التوراة ‪ ،‬فلو كان هذا من كلم موسى لقومه‬
‫صه عليهم ذلك فل شك )‪ (1‬أن تكون هاتان القصتان في "التوراة" ‪ ،‬والله‬ ‫وق َ َ‬
‫أعلم‪ .‬وبالجملة فالله تعالى قد قص علينا خبر قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم‬
‫من المم المكذبة للرسل ‪ ،‬مما ل يحصي عددهم )‪ (2‬إل الله عز وجل أتتهم‬
‫رسلهم بالبينات ‪ ،‬أي ‪ :‬بالحجج والدلئل الواضحات الباهرات القاطعات‪.‬‬
‫وقال ابن )‪ (3‬إسحاق ‪ ،‬عن عمرو بن ميمون ‪ ،‬عن عبد الله أنه قال في قوله‬
‫ه { كذب النسابون‪.‬‬ ‫م ِإل الل ّ ُ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫‪ } :‬ل ي َعْل َ ُ‬
‫وقال عروة بن الزبير ‪ :‬ما وجدنا أحدا يعرف ما بعد معد بن عدنان‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م { اختلف المفسرون في معناه ‪ ،‬فقيل ‪:‬‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫م ِفي أفْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬فََرّدوا أي ْدِي َهُ ْ‬
‫معناه ‪ :‬أنهم أشاروا إلى أفواه الرسل يأمرونهم )‪ (4‬بالسكوت عنهم ‪ ،‬لما‬
‫دعوهم إلى الله ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬بل وضعوا أيديهم على أفواههم تكذيًبا لهم‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬بل هو عبارة عن سكوتهم عن جواب الرسل‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ ،‬ومحمد بن كعب ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬معناه ‪ :‬أنهم كذبوهم وردوا عليهم‬
‫قولهم بأفواههم‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وتوجيهه )‪ (5‬أن "في" ها هنا بمعنى "الباء" ‪ ،‬قال ‪ :‬وقد سمع‬
‫من العرب ‪" :‬أدخلك الله بالجنة" يعنون ‪ :‬في الجنة ‪ ،‬وقال الشاعر ‪:‬‬
‫َ‬
‫غب‪...‬‬ ‫ت أْر َ‬ ‫س ُ‬‫سْنبس ل َ ْ‬ ‫عن ِ‬ ‫هطه‪َ ...‬‬ ‫ط ور ْ‬ ‫عن َلقي ٍ‬ ‫ب ِفيَها َ‬ ‫وَأْرغَ ُ‬
‫يريد ‪ :‬أرغب بها )‪.(6‬‬
‫ما‬
‫فْرَنا ب ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قلت ‪ :‬ويؤيد قول مجاهد تفسير ذلك بتمام الكلم ‪ } :‬وَقالوا إ ِّنا ك َ‬
‫ُ‬
‫ب { فكأن هذا ]والله أعلم[ )‬ ‫ري ٍ‬ ‫م ِ‬‫عون ََنا إ ِل َي ْهِ ُ‬‫ما ت َد ْ ُ‬ ‫م ّ‬‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬‫في َ‬ ‫م ب ِهِ وَإ ِّنا ل َ ِ‬ ‫سل ْت ُ ْ‬
‫أْر ِ‬
‫‪ (7‬تفسير لمعنى َرد ّ أيديهم في أفواههم‪.‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬وإسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق عن أبي الحوص ‪ ،‬عن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م { قال ‪ :‬عضوا عليها غيظا‪.‬‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫م ِفي أفْ َ‬ ‫عبد الله في قوله ‪ } :‬فََرّدوا أي ْدِي َهُ ْ‬
‫وقال شعبة ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬أبي هَُبي َْرة ابن مريم ‪ ،‬عن عبد الله أنه قال‬
‫ذلك أيضا‪ .‬وقد اختاره عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬ووجهه ابن جرير‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ل ِ‬ ‫م َ‬‫م الَنا ِ‬ ‫ضوا عَل َي ْك ُ ُ‬ ‫وا عَ ّ‬‫خل َ ْ‬
‫مختاًرا له ‪ ،‬بقوله تعالى عن المنافقين ‪ } :‬وَإ َِذا َ‬
‫ظ { ]آل عمران ‪.[119 :‬‬ ‫ال ْغَي ْ ِ‬
‫عجبوا ‪ ،‬ورجعوا‬ ‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬لما سمعوا كتاب )‪ (8‬الله َ‬
‫بأيديهم إلى أفواههم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لوشك"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عدده"‪.‬‬
‫في ت ‪" :‬أبو"‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫في ت ‪" :‬يأمروهم"‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫في ت ‪" :‬ويوجهه"‬ ‫)‪(5‬‬
‫تفسير الطبري )‪.(16/534‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬ ‫)‪(7‬‬
‫في ت ‪" :‬كلم"‪.‬‬ ‫)‪(8‬‬

‫) ‪(4/481‬‬

‫ن‬
‫م ْ‬ ‫فَر ل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫م ل ِي َغْ ِ‬‫عوك ُ ْ‬ ‫ض ي َد ْ ُ‬ ‫َْ‬
‫ت َ َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫ك َفاط ِرِ ال ّ‬
‫س َ‬ ‫ش ّ‬ ‫م أ َِفي الل ّهِ َ‬ ‫سل ُهُ ْ‬‫ت ُر ُ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫نأ ْ‬ ‫دو َ‬‫ري ُ‬ ‫مث ْل َُنا ت ُ ِ‬
‫شٌر ِ‬ ‫م إ ِّل ب َ َ‬‫ن أن ْت ُ ْ‬‫مى َقاُلوا إ ِ ْ‬ ‫س ّ‬
‫م َ‬
‫ْ‬
‫ل ُ‬ ‫ج ٍ‬‫م إ َِلى أ َ‬ ‫خَرك ُ ْ‬‫م وَي ُؤَ ّ‬‫ذ ُُنوب ِك ُ ْ‬
‫سل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬
‫ن )‪(10‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫طا ٍ‬ ‫ن ي َعْب ُد ُ آَباؤَُنا فَأُتوَنا ب ِ ُ‬‫كا َ‬ ‫دوَنا عَ ّ‬ ‫ص ّ‬‫تَ ُ‬
‫ُ‬
‫ب{‬ ‫ري ٍ‬
‫م ِ‬‫عون ََنا إ ِل َي ْهِ ُ‬‫ما ت َد ْ ُ‬‫م ّ‬ ‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫في َ‬ ‫م ب ِهِ وَإ ِّنا ل َ ِ‬
‫سل ْت ُ ْ‬
‫ما أْر ِ‬ ‫وقالوا ‪ } :‬إ ِّنا ك َ َ‬
‫فْرَنا ب ِ َ‬
‫يقولون ‪ :‬ل نصدقكم فيما جئتم به ؛ فإن عندنا فيه شكا قويا‪.‬‬
‫م‬ ‫َ‬
‫فَر لك ُ ْ‬ ‫عوك ُ ْ‬
‫م ل ِي َغْ ِ‬ ‫ض ي َد ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ت َوالْر‬ ‫ماَوا ِ‬‫س َ‬ ‫ك َفاط ِرِ ال ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫م أ َِفي الل ّهِ َ‬ ‫سل ُهُ ْ‬‫ت ُر ُ‬ ‫} َقال َ ْ‬
‫شر مث ْل ُنا تريدو َ‬ ‫خرك ُم إَلى أ َجل مسمى َقاُلوا إ َ‬
‫ن‬
‫نأ ْ‬ ‫م ِإل ب َ َ ٌ ِ َ ُ ِ ُ َ‬ ‫ن أن ْت ُ ْ‬‫ِ ْ‬ ‫َ ٍ ُ َ ّ‬ ‫م وَي ُؤَ ّ َ ْ ِ‬ ‫ن ذ ُُنوب ِك ُ ْ‬‫م ْ‬‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪{ (10‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ن ُ‬‫سلطا ٍ‬ ‫ن ي َعْب ُد ُ آَباؤَُنا فَأُتوَنا ب ِ ُ‬‫ما كا َ‬ ‫دوَنا عَ ّ‬ ‫ص ّ‬‫تَ ُ‬

‫) ‪(4/482‬‬

‫ن‬
‫م ْ‬
‫شاُء ِ‬‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يَ ُ‬ ‫م وَل َك ِ ّ‬ ‫مث ْل ُك ُ ْ‬
‫شٌر ِ‬ ‫ن إ ِّل ب َ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫سل ُهُ ْ‬‫م ُر ُ‬‫ت ل َهُ ْ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّهِ وَعََلى الل ّهِ فَل ْي َت َوَك ّ ِ‬
‫ل‬ ‫ن إ ِّل ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫طا ٍ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ن ن َأت ِي َك ُ ْ‬ ‫ن ل ََنا أ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬‫عَبادِهِ وَ َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ما‬
‫ن عَلى َ‬ ‫صب َِر ّ‬ ‫سب ُلَنا وَلن َ ْ‬ ‫داَنا ُ‬ ‫ما لَنا أل ن َت َوَكل عَلى اللهِ وَقد ْ هَ َ‬ ‫ن )‪ (11‬وَ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ُ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(12‬‬ ‫مت َوَكلو َ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫موَنا وَعَلى اللهِ فلي َت َوَك ِ‬ ‫آذ َي ْت ُ ُ‬

‫شاءُ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬


‫ه يَ ُ‬ ‫م وَل َك ِ ّ‬ ‫مث ْل ُك ُ ْ‬‫شٌر ِ‬ ‫ن ِإل ب َ َ‬ ‫حُْ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫سل ُهُ ْ‬‫م ُر ُ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬
‫} َقال َ ْ‬
‫َ‬
‫ل‬‫ن الل ّهِ وَعََلى الل ّهِ فَل ْي َت َوَك ّ ِ‬ ‫ن ِإل ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫طا ٍ‬‫سل ْ َ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ن ن َأت ِي َك ُ ْ‬ ‫ن ل ََنا أ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬‫عَبادِهِ وَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ما‬
‫ن عَلى َ‬ ‫صب َِر ّ‬‫سب ُلَنا وَلن َ ْ‬‫داَنا ُ‬ ‫ل عَلى اللهِ وَقَد ْ هَ َ‬ ‫ما لَنا أل ن َت َوَك َ‬ ‫ن )‪ (11‬وَ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ال ُ‬
‫ن )‪{ (12‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫مت َوَكلو َ‬ ‫ْ‬
‫ل ال ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫موَنا وَعَلى اللهِ فلي َت َوَك ِ‬ ‫َ‬ ‫آذ َي ْت ُ ُ‬
‫يخبر تعالى عما دار بين الكفار وبين رسلهم من المجادلة ‪ ،‬وذلك أن أممهم‬
‫لما واجهوهم بالشك فيما جاءوهم به من عبادة الله وحده ل شريك له ‪ ،‬قالت‬
‫ك{‬ ‫ش ّ‬ ‫الرسل ‪ } :‬أ َِفي الل ّهِ َ‬
‫وهذا يحتمل شيئين ‪ ،‬أحدهما ‪ :‬أفي وجوده شك ‪ ،‬فإن الفطر شاهدة‬
‫طر‬ ‫بوجوده ‪ ،‬ومجبولة على القرار به ‪ ،‬فإن العتراف به ضروري في الف َ‬
‫السليمة ‪ ،‬ولكن قد يعرض )‪ (1‬لبعضها شك واضطراب ‪ ،‬فتحتاج إلى النظر‬
‫في الدليل الموصل إلى وجوده ؛ ولهذا قالت لهم الرسل ترشدهم إلى طريق‬
‫ض { الذي خلقها وابتدعها على غير‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫معرفته بأنه } َفاط ِرِ ال ّ‬
‫مثال سبق ‪ ،‬فإن شواهد الحدوث )‪ (2‬والخلق والتسخير ظاهر عليها ‪ ،‬فل بد‬
‫لها من صانع ‪ ،‬وهو الله ل إله إل هو ‪ ،‬خالق كل شيء وإلهه ومليكه‪.‬‬
‫ك { أي ‪ :‬أفي إلهيته وتفرده‬ ‫ش ّ‬ ‫والمعنى الثاني في قولهم ‪ } :‬أ َِفي الل ّهِ َ‬
‫بوجوب العبادة له شك ‪ ،‬وهو الخالق لجميع الموجودات ‪ ،‬ول )‪ (3‬يستحق‬
‫العبادة إل هو ‪ ،‬وحده ل شريك له ؛ فإن غالب المم كانت مقرة بالصانع ‪،‬‬
‫ولكن تعبد )‪ (4‬معه غيره من الوسائط التي يظنونها تنفعهم أو تقربهم من‬
‫الله زلفى‪.‬‬
‫وقالت لهم الرسل ‪ :‬ندعوكم )‪ (5‬ليغفر لكم من ذنوبكم ‪ ،‬أي ‪ :‬في الدار‬
‫َ‬
‫مى { أي ‪ :‬في الدنيا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫م إ َِلى أ َ‬
‫ج ٍ‬ ‫خَرك ُ ْ‬ ‫الخرة ‪ } ،‬وَي ُؤَ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مى‬ ‫س ّ‬
‫م َ‬
‫ل ُ‬ ‫سًنا إ َِلى أ َ‬
‫ج ٍ‬ ‫ح َ‬‫عا َ‬
‫مَتا ً‬
‫م َ‬ ‫م ُتوُبوا إ ِل َي ْهِ ي ُ َ‬
‫مت ّعْك ُ ْ‬ ‫م ثُ ّ‬‫فُروا َرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫نا ْ‬ ‫} وَأ ِ‬
‫ه { الية ]هود ‪ ، [3 :‬فقالت لهم المم محاجين في‬ ‫ضل َ ُ‬
‫ل فَ ْ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ل ِذي فَ ْ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫وَي ُؤْ ِ‬
‫ن‬
‫مقام الرسالة ‪ ،‬بعد تقدير تسليمهم للمقام الول ‪ ،‬وحاصل ما قالوه ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫مث ْل َُنا { أي ‪ :‬كيف نتبعكم بمجرد قولكم ‪ ،‬ولما نر منكم معجزة ؟‬ ‫م ِإل ب َ َ‬ ‫َ‬
‫شٌر ِ‬ ‫أن ْت ُ ْ‬
‫سل ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬خارق نقترحه عليكم‪.‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫طا ٍ‬ ‫} فَأُتوَنا ب ِ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬تعرض"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الحدث"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فل"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يعبد"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في هـ ‪" :‬وقالت لهم رسلهم ‪ :‬الرسل يدعوكم" ‪ ،‬والمثبت من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫) ‪(4/482‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫خرجنك ُم م َ‬


‫حى‬ ‫مل ّت َِنا فَأوْ َ‬‫ن ِفي ِ‬ ‫ضَنا أوْ ل َت َُعود ُ ّ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫م ل َن ُ ْ ِ َ ّ ْ ِ ْ‬ ‫سل ِهِ ْ‬ ‫فُروا ل ُِر ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫وََقا َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬
‫ك لِ َ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬‫م ْ‬‫ض ِ‬ ‫م اْلْر َ‬ ‫سك ِن َن ّك ُ ُ‬ ‫ن )‪ (13‬وَل َن ُ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫م ل َن ُهْل ِك َ ّ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫جّبارٍ عَِنيد ٍ )‪ِ (15‬‬ ‫ل َ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫خا َ‬ ‫حوا وَ َ‬ ‫فت َ ُ‬
‫ست َ ْ‬
‫عيد ِ )‪َ (14‬وا ْ‬ ‫ف وَ ِ‬ ‫خا َ‬ ‫مي وَ َ‬ ‫قا ِ‬ ‫م َ‬‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه وَل ي َ َ‬
‫مو ْ ُ‬‫ه وَي َأِتيهِ ال َ‬ ‫سيغُ ُ‬
‫كاد ُ ي ُ ِ‬ ‫جّرعُ ُ‬ ‫ديد ٍ )‪ (16‬ي َت َ َ‬ ‫ص ِ‬
‫ماٍء َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫قى ِ‬ ‫س َ‬ ‫م وَي ُ ْ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫وََرائ ِهِ َ‬
‫ب غَِليظ )‪(17‬‬ ‫ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ن وََرائ ِهِ عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت وَ ِ‬‫مي ّ ٍ‬ ‫ما هُوَ ب ِ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مكا ٍ‬‫َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬

‫م { أي ‪ :‬صحيح أنا بشر مثلكم‬ ‫مث ْل ُك ُ ْ‬‫شٌر ِ‬ ‫ن ِإل ب َ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫قالت لهم رسلهم ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫عَبادِهِ { أي ‪ :‬بالرسالة‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬‫ن عََلى َ‬ ‫م ّ‬ ‫ه يَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫في البشرية } وَل َك ِ ّ‬
‫سل ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ن { على وفق ما سألتم } ِإل ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫طا ٍ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ن ن َأت ِي َك ُ ْ‬ ‫ن ل ََنا أ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫والنبوة } وَ َ‬
‫الل ّهِ { أي ‪ :‬بعد سؤالنا إياه ‪ ،‬وإذنه لنا في ذلك ‪ } ،‬وَعََلى الل ّهِ فَل ْي َت َوَك ّ ِ‬
‫ل‬
‫ن { أي ‪ :‬في جميع أمورهم‪.‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ل عََلى الل ّهِ { أي ‪ :‬وما يمنعنا من التوكل‬ ‫ما ل ََنا َأل ن َت َوَك ّ َ‬ ‫ثم قالت الرسل ‪ } :‬وَ َ‬
‫موَنا‬ ‫ما آذ َي ْت ُ ُ‬ ‫ن عَلى َ‬ ‫َ‬ ‫صب َِر ّ‬ ‫َ‬
‫عليه ‪ ،‬وقد هدانا لقوم الطرق وأوضحها وأبينها ‪ } ،‬وَلن َ ْ‬
‫ل‬‫{ أي ‪ :‬من الكلم السيئ ‪ ،‬والفعال السخيفة ‪ } ،‬وَعََلى اللهِ فَلي َت َوَك ِ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ن{‬ ‫مت َوَك ُّلو َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مل ّت َِنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي ِ‬ ‫ضَنا أوْ ل َت َُعود ُ ّ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جن ّك ُ ْ‬ ‫خرِ َ‬ ‫م ل َن ُ ْ‬ ‫سل ِهِ ْ‬ ‫فُروا ل ُِر ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫} وََقا َ‬
‫م ذ َل ِكَ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫م الْر َ‬ ‫سك ِن َن ّك ُ‬ ‫ن )‪ (13‬وَلن ُ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ن الظال ِ ِ‬ ‫م لن ُهْل ِك ّ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫حى إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫فَأوْ َ‬
‫جّبارٍ عَِنيد ٍ )‪(15‬‬ ‫ل َ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫خا َ‬ ‫حوا وَ َ‬ ‫فت َ ُ‬ ‫ست َ ْ‬‫عيد ِ )‪َ (14‬وا ْ‬ ‫ف وَ ِ‬ ‫خا َ‬ ‫مي وَ َ‬ ‫قا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫لِ َ‬
‫ه‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه وَي َأِتي ِ‬ ‫سيغُ ُ‬ ‫ه َول ي َكاد ُ ي ُ ِ‬ ‫جّرعُ ُ‬ ‫ديد ٍ )‪ (16‬ي َت َ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ماٍء َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫قى ِ‬ ‫س َ‬ ‫م وَي ُ ْ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫ن وََرائ ِهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ظ )‪{ (17‬‬ ‫ب غَِلي ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ئ‬‫را‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ ٍ َ َ ُ َ ِ َ ّ ٍ َ ِ ْ ََ ِ ِ َ‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫م‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫ا َ ْ ُ ِ ْ‬
‫م‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬
‫يخبر تعالى عما توعدت به المم الكافرة رسلهم ‪ ،‬من الخراج من أرضهم ‪،‬‬
‫جن ّ َ‬
‫ك‬ ‫خرِ َ‬ ‫والنفي من بين أظهرهم ‪ ،‬كما قال قوم شعيب له ولمن آمن به ‪ } :‬ل َن ُ ْ‬
‫مل ّت َِنا { ]العراف ‪[88 :‬‬ ‫َ‬
‫ن ِفي ِ‬ ‫ن قَْري َت َِنا أوْ ل َت َُعود ُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫معَ َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب َوال ّ ِ‬ ‫شعَي ْ ُ‬ ‫َيا ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫س ي َت َطهُّرو َ‬ ‫م أَنا ٌ‬ ‫م إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن قَْري َت ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ِ‬ ‫ل لو ٍ‬ ‫جوا آ َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫‪ ،‬وقال قوم لوط ‪ } :‬أ ْ‬
‫كاُدوا‬ ‫ن َ‬ ‫]النمل ‪ ، [56 :‬وقال تعالى إخبارا عن مشركي قريش ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫ك ِإل قَِليل {‬ ‫خلفَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫من َْها وَإ ًِذا ل ي َل ْب َُثو َ‬ ‫ك ِ‬ ‫جو َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ض ل ِي ُ ْ‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫فّزون َ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ل َي َ ْ‬
‫قت ُُلو َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ك أوْ ي َ ْ‬ ‫فُروا ل ِي ُث ْب ُِتو َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫مك ُُر ب ِ َ‬ ‫]السراء ‪ ، [76 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَإ ِذ ْ ي َ ْ‬
‫ن { ]النفال ‪.[30 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫ماك ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫خي ُْر ال َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫مك ُُر الل ّ ُ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫مك ُُرو َ‬ ‫ك وَي َ ْ‬ ‫جو َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫أ َوْ ي ُ ْ‬
‫وكان )‪ (1‬من صنعه تعالى ‪ :‬أنه أظهر رسوله ونصره ‪ ،‬وجعل له بسبب‬
‫خروجه من مكة أنصاًرا وأعواًنا وجندا ‪ ،‬يقاتلون في سبيل الله ‪ ،‬ولم يزل‬
‫يرقيه ]الله[ )‪ (2‬تعالى من شيء إلى شيء ‪ ،‬حتى فتح له مكة التي أخرجته ‪،‬‬
‫ومكن له فيها ‪ ،‬وأرغم آناف أعدائه منهم ‪ ،‬و]من[ )‪ (3‬سائر ]أهل[ )‪(4‬‬
‫الرض ‪ ،‬حتى دخل الناس في دين الله أفواجا ‪ ،‬وظهرت كلمة الله ودينه على‬
‫سائر الديان ‪ ،‬في مشارق الرض ومغاربها في أيسر زمان ؛ ولهذا قال تعالى‬
‫َ‬
‫م { كما‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫م الْر َ‬ ‫سك ِن َن ّك ُ ُ‬‫ن وَل َن ُ ْ‬‫مي َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫م ل َن ُهْل ِك َ ّ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫حى إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫‪ } :‬فَأوْ َ‬
‫ن‬‫صوُرو َ‬ ‫من ْ ُ‬‫م ال ْ َ‬ ‫م ل َهُ ُ‬
‫ن إ ِن ّهُ ْ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫مت َُنا ل ِعَِبادَِنا ال ْ ُ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬وَل َ َ‬
‫ب‬‫ن { ]الصافات ‪ ، [173 - 171 :‬وقال تعالى ‪ } :‬ك َت َ َ‬ ‫م ال َْغال ُِبو َ‬ ‫جن ْد ََنا ل َهُ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫وَإ ِ ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫زيٌز { ]المجادلة ‪ ، [21 :‬وقال ‪:‬‬ ‫ه قَوِيّ )‪ (َ 5‬عَ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫سِلي إ ِ ّ‬ ‫ن أَنا وَُر ُ‬ ‫ْ‬
‫ه لغل ِب َ ّ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ن{‬ ‫حو َ‬ ‫صال ِ ُ‬
‫عَبادِيَ ال ّ‬ ‫ض ي َرِث َُها ِ‬ ‫ن الْر َ‬ ‫ن ب َعْدِ الذ ّك ْرِ أ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫قد ْ ك َت َب َْنا ِفي الّزُبورِ ِ‬ ‫} وَل َ َ‬
‫]النبياء ‪، [105 :‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فكان"‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬لقوى" وهو خطأ‪.‬‬

‫) ‪(4/483‬‬

‫شاُء‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ل ِل ّهِ ُيورِث َُها َ‬ ‫ن الْر َ‬ ‫صب ُِروا إ ِ ّ‬ ‫ست َِعيُنوا ِبالل ّهِ َوا ْ‬ ‫مهِ ا ْ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫سى ل ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫} َقا َ‬
‫َ‬
‫ن { ]العراف ‪ ، [128 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَأوَْرث َْنا‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ة ل ِل ُ‬ ‫عَبادِهِ َوالَعاقِب َ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫مَغارِب ََها الِتي َباَركَنا ِفيَها وَت َ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫شارِقَ الْر ِ‬ ‫ن َ‬ ‫فو َ‬ ‫ضعَ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ن كاُنوا ي ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ال َ‬
‫ن‬
‫صن َعُ فِْرعَوْ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫َ‬
‫ما كا َ‬ ‫مْرَنا َ‬ ‫صب َُروا وَد َ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫سَنى عَلى ب َِني إ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ْ‬
‫ة َرب ّك ال ُ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫ك َل ِ َ‬
‫ن { ]العراف ‪.[137 :‬‬ ‫شو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْرِ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫وَقَوْ ُ‬
‫عيد ِ { أي ‪ :‬وعيدي )‪ (1‬هذا لمن‬ ‫ف وَ ِ‬ ‫خا َ‬ ‫مي وَ َ‬ ‫قا ِ‬‫م َ‬‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ذ َل ِ َ‬
‫خاف مقامي بين يدي يوم القيامة ‪ ،‬وخشي من وعيدي ‪ ،‬وهو تخويفي‬
‫َ‬
‫م‬‫حي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫حَياةَ الد ّن َْيا فَإ ِ ّ‬ ‫ن ط ََغى َوآث ََر ال ْ َ‬ ‫م ْ‬‫ما َ‬‫وعذابي ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬فَأ ّ‬
‫َ‬ ‫هي ال ْ ْ‬
‫ي‬
‫ة هِ َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫وى فَإ ِ ّ‬ ‫ن ال ْهَ َ‬‫س عَ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫م َرب ّهِ وَن ََهى الن ّ ْ‬ ‫قا َ‬‫م َ‬‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫مأَوى وَأ ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ن{‬ ‫تا‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫قا‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫ف‬ ‫خا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقال‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬ ‫‪41‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪:‬‬ ‫]النازعات‬ ‫{‬ ‫وى‬ ‫ال ْم َأ ْ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬
‫]الرحمن ‪.[46 :‬‬
‫وقوله ‪ } :‬واستفتحوا { أي ‪ :‬استنصرت الرسل ربها على قومها‪ .‬قاله ابن‬
‫عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬استفتحت المم على أنفسها ‪ ،‬كما قالوا‬
‫ماِء أ َِو‬ ‫ذا هو ال ْحق من عند َ َ‬
‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫جاَرةً ِ‬ ‫ح َ‬ ‫مط ِْر عَل َي َْنا ِ‬ ‫ك فَأ ْ‬ ‫ن هَ َ ُ َ َ ّ ِ ْ ِ ْ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫‪ } :‬الل ّهُ ّ‬
‫ب أِليم ٍ { ]النفال ‪.[32 :‬‬ ‫َ‬ ‫ائ ْت َِنا ب ِعَ َ‬
‫ذا ٍ‬
‫ويحتمل أن يكون هذا مراًدا وهذا مراًدا ‪ ،‬كما أنهم استفتحوا على أنفسهم‬
‫ن‬‫يوم بدر ‪ ،‬واستفتح رسول الله واستنصر ‪ ،‬وقال الله تعالى للمشركين ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫م { الية ]النفال ‪، [19 :‬‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬ ‫ن ت َن ْت َُهوا فَهُوَ َ‬ ‫ح وَإ ِ ْ‬ ‫فت ْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫جاَءك ُ ُ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫حوا فَ َ‬ ‫فت ِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫تَ ْ‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫جّبارٍ عَِنيد ٍ { أي ‪ :‬متجبر في نفسه معاند للحق ‪ ،‬كما قال‬ ‫ب ك ُل َ‬
‫ّ‬ ‫خا َ‬ ‫} وَ َ‬
‫ع‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م َ‬
‫جعَل َ‬
‫ذي َ‬ ‫ب ال ِ‬
‫ري ٍ‬
‫م ِ‬
‫معْت َد ٍ ُ‬
‫خي ْرِ ُ‬
‫مّناٍع ل ِل َ‬
‫فارٍ عَِنيد ٍ َ‬ ‫م كل ك ّ‬ ‫جهَن ّ َ‬‫تعالى ‪ } :‬ألقَِيا ِفي َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ديد ِ { ]ق ‪.[26 - 24 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ش‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ب‬‫ِ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫خَر فَأل ْ ِ‬
‫قَياه ُ ِ‬ ‫الل ّهِ إ ِل ًَها آ َ‬
‫وفي الحديث ‪" :‬إنه يؤتى بجهنم يوم القيامة ‪ ،‬فتنادي الخلئق فتقول ‪ :‬إني‬
‫ُوكلت بكل جبار عنيد" الحديث )‪.(2‬‬
‫خاب وخسر حين اجتهد النبياء في البتهال إلى ربها العزيز المقتدر‪.‬‬
‫م { و"وراء" ها هنا بمعنى "أمام" ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫ن وََرائ ِهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وقوله ‪ِ } :‬‬
‫خذ ُ ك ُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫مل ِ ٌ‬ ‫} وَ َ‬
‫صًبا { ]الكهف ‪ ، [79 :‬وكان ابن‬ ‫فين َةٍ غَ ْ‬‫س ِ‬
‫ل َ‬ ‫ك ي َأ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن وََراَءهُ ْ‬ ‫كا َ‬
‫عباس يقرؤها "وكان أمامهم ملك"‪.‬‬
‫أي ‪ :‬من وراء الجبار العنيد جهنم ‪ ،‬أي ‪ :‬هي له بالمرصاد ‪ ،‬يسكنها مخلدا يوم‬
‫المعاد ‪ ،‬ويعرض عليها غدوا وعشيا إلى يوم التناد‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬وعدى"‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه أحمد في المسند )‪ (3/40‬من حديث أبي سعيد الخدري ‪ ،‬رضي الله‬
‫عنه ‪ ،‬ورواه الترمذي في السنن برقم )‪ (2574‬من طريق العمش ‪ ،‬عن أبي‬
‫صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬حديث حسن‬
‫غريب صحيح"‪.‬‬

‫) ‪(4/484‬‬

‫ديد ٍ { أي ‪ :‬في النار ليس له شراب إل من حميم أو‬ ‫ص ِ‬‫ماٍء َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫قى ِ‬ ‫س َ‬ ‫} وَي ُ ْ‬
‫غساق ‪ ،‬فهذا )‪ (1‬في غاية الحرارة ‪ ،‬وهذا في غاية البرد والنتن ‪ ،‬كما قال ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ذا فَل ْي َ ُ‬
‫ج { ]ص ‪.[58 ، 57 :‬‬ ‫شك ْل ِهِ أْزَوا ٌ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خُر ِ‬ ‫ساقٌ َوآ َ‬ ‫م وَغَ ّ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ذوُقوه ُ َ‬ ‫} هَ َ‬
‫وقال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ :‬الصديد ‪ :‬من القيح والدم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬هو ما يسيل من لحمه وجلده‪ .‬وفي رواية عنه ‪ :‬الصديد ‪ :‬ما‬
‫يخرج من جوف الكافر ‪ ،‬قد خالط القيح والدم‪.‬‬
‫شب ‪ ،‬عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت ‪ :‬قلت ‪:‬‬ ‫حو ْ َ‬‫شْهر بن َ‬ ‫ومن حديث َ‬
‫يا رسول الله ‪ ،‬ما طينة الخبال ؟ قال ‪" :‬صديد أهل النار" )‪ (2‬وفي رواية ‪:‬‬
‫صارة أهل النار" )‪.(3‬‬ ‫"ع ُ َ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا علي بن إسحاق ‪ ،‬أنبأنا عبد الله ‪ ،‬أنا صفوان بن‬
‫عمرو ‪ ،‬عن عبيد الله بن ب ُْر ‪ ،‬عن أبي أمامة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬عن النبي‬
‫ه { قال ‪:‬‬ ‫جّرعُ ُ‬
‫ديد ٍ ي َت َ َ‬
‫ص ِ‬‫ماٍء َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫قى ِ‬ ‫س َ‬‫صلى الله عليه وسلم في قوله ‪ } :‬وَي ُ ْ‬
‫شوى وجهه ‪ ،‬ووقعت فروة رأسه ‪ ،‬فإذا‬ ‫ب إليه فيتكرهه ‪ ،‬فإذا أدنى منه َ‬ ‫قّر ُ‬ ‫"ي ُ َ‬
‫ماًء‬ ‫قوا َ‬ ‫س ُ‬
‫شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره‪ .‬يقول الله تعالى )‪ } (4‬وَ ُ‬
‫َ‬
‫ماٍء‬‫ست َِغيُثوا ي َُغاُثوا ب ِ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م { ]محمد ‪ ، [15 :‬ويقول ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬ ‫مَعاَءهُ ْ‬ ‫قط ّعَ أ ْ‬ ‫ما فَ َ‬ ‫مي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ب { )‪] (5‬الكهف ‪.[29 :‬‬ ‫شَرا ُ‬ ‫س ال ّ‬ ‫جوه َ ب ِئ ْ َ‬ ‫ْ‬
‫وي الوُ ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫مهْ ِ‬ ‫ْ‬
‫كال ُ‬ ‫َ‬
‫وهكذا رواه ابن جرير ‪ ،‬من حديث عبد الله بن المبارك ‪ ،‬به )‪ (6‬ورواه هو‬
‫قّية ابن الوليد ‪ ،‬عن صفوان بن عمرو ‪ ،‬به )‪.(7‬‬ ‫وابن أبي حاتم ‪ :‬من حديث ب َ ِ‬
‫وقوله ‪ } :‬يتجرعه { أي ‪ :‬يتغصصه ويتكرهه ‪ ،‬أي ‪ :‬يشربه قهرا وقسرا ‪ ،‬ل‬
‫يضعه في فيه )‪ (8‬حتى يضربه الملك بمطراق من حديد ‪ ،‬كما قال تعالى ‪} :‬‬
‫ديد ٍ { ]الحج ‪.[21 :‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مع ُ ِ‬ ‫قا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م َ‬ ‫وَل َهُ ْ‬
‫ه { أي ‪ :‬يزدرده لسوء لونه وطعمه وريحه ‪ ،‬وحرارته أو برده‬ ‫سيغُ ُ‬ ‫كاد ُ ي ُ ِ‬ ‫} َول ي َ َ‬
‫الذي ل يستطاع‪.‬‬
‫ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬يألم له جميع بدنه وجوارحه وأعضائه‪.‬‬ ‫َ‬
‫مكا ٍ‬ ‫ّ‬
‫ن كل َ‬‫ُ‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫} وَي َأِتيهِ ال ْ َ‬
‫مو ْ ُ‬
‫مهَْران ‪ :‬من كل عظم ‪ ،‬وعرق ‪ ،‬وعصب‪.‬‬ ‫قال ميمون بن ِ‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬حتى من أطراف شعره‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فهذا حار"‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه أحمد في المسند )‪.(6/460‬‬
‫)‪ (3‬وهي رواية أبي ذر ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬رواها أحمد في المسند )‪.(5/171‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪.(5/265‬‬
‫)‪ (6‬تفسير الطبري )‪ (16/549‬ورواه الترمذي في السنن برقم )‪ (2583‬من‬
‫طريق عبد الله بن المبارك به ‪ ،‬وقال ‪" :‬هذا حديث غريب ‪ ،‬وهكذا قال محمد‬
‫بن إسماعيل عن عبيد الله بن بسر ‪ ،‬ول نعرف عبيد الله بن بسر إل في هذا‬
‫الحديث"‪.‬‬
‫)‪ (7‬ورواه الطبري في تفسيره )‪ (16/551‬من طريق حيوة بن شريح عن‬
‫بقية به‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬ل يضعه في فمه" وفي أ ‪" :‬ل يضيعه في فمه"‪.‬‬

‫) ‪(4/485‬‬

‫ف َل‬ ‫فروا بربه َ‬


‫ص ٍ‬
‫عا ِ‬
‫ح ِفي ي َوْم ٍ َ‬
‫ت ب ِهِ الّري ُ‬
‫شت َد ّ ْ‬ ‫م ك ََر َ‬
‫مادٍ ا ْ‬ ‫مال ُهُ ْ‬
‫م أعْ َ‬
‫َِ ِّ ْ‬ ‫ن كَ َ ُ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫ل الب َِعيد ُ )‪(18‬‬ ‫َ‬
‫ضل ُ‬ ‫ك هُوَ ال ّ‬ ‫يٍء ذ َل ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫بوا‬
‫ُ‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ما‬
‫ّ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫رو‬‫يَ ُ‬
‫ِ‬ ‫د‬ ‫ْ‬ ‫ق‬

‫وقال إبراهيم التيمي ‪ :‬من موضع كل شعرة ‪ ،‬أي ‪ :‬من جسده ‪ ،‬حتى من‬
‫أطراف شعره‪.‬‬
‫ْ‬
‫ن { أي ‪ :‬من أمامه وورائه ‪،‬‬ ‫كا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫مو ْ ُ‬‫وقال ابن جرير ‪ } :‬وَي َأِتيهِ ال ْ َ‬
‫وعن يمينه وشماله ‪ ،‬ومن فوقه )‪ (1‬ومن تحت أرجله )‪ (2‬ومن سائر أعضاء‬
‫جسده‪.‬‬
‫ن { قال ‪ :‬أنواع‬ ‫م َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫كا ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫موْ ُ‬ ‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ } :‬وَي َأِتيهِ ال َ‬
‫العذاب الذي يعذبه الله بها يوم القيامة في نار جهنم ‪ ،‬وليس منها نوع إل‬
‫الموت يأتيه منه لو كان يموت ‪ ،‬ولكن ل يموت ؛ لن الله تعالى قال ‪ } :‬ل‬
‫فورٍ [ )‬ ‫ل كَ ُ‬ ‫زي ك ُ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫ذاب َِها ]ك َذ َل ِ َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ف عَن ْهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫خ ّ‬ ‫موُتوا َول ي ُ َ‬ ‫م فَي َ ُ‬ ‫ضى عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫يُ ْ‬
‫‪] { (3‬فاطر ‪.[36 :‬‬
‫ومعنى كلم ابن عباس ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ :‬أنه ما من نوع من هذه النواع من‬
‫]هذا[ )‪ (4‬العذاب إل إذا ورد عليه اقتضى أن يموت منه لو كان يموت ‪ ،‬ولكنه‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫موْ ُ‬ ‫ل يموت ليخلد في دوام العذاب والنكال ؛ ولهذا قال ‪ } :‬وَي َأِتيهِ ال ْ َ‬
‫ت{‬ ‫مي ّ ٍ‬‫ما هُوَ ب ِ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫م َ‬
‫كا ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫ظ { أي ‪ :‬وله من بعد هذا الحال عذاب آخر‬ ‫ب غَِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ن وََرائ ِهِ عَ َ‬ ‫م ْ‬‫وقوله ‪ } :‬وَ ِ‬
‫غليظ ‪ ،‬أي ‪ :‬مؤلم صعب شديد أغلظ من الذي قبله وأدهى وأمر‪ .‬وهذا كما‬
‫حيم ِ ط َل ْعَُها‬ ‫َ‬
‫ج ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ج ِفي أ ْ‬ ‫خُر ُ‬ ‫جَرة ٌ ت َ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫قال تعالى عن شجرة الزقوم ‪ } :‬إ ِن َّها َ‬
‫َ‬
‫م‬‫ن ل َهُ ْ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫طو َ‬ ‫من َْها ال ْب ُ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫مال ُِئو َ‬ ‫من َْها فَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م لك ُِلو َ‬ ‫ن فَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫طي ِ‬‫شَيا ِ‬ ‫س ال ّ‬ ‫ه ُرُءو ُ‬ ‫ك َأن ّ ُ‬
‫حيم ِ { ]الصافات ‪- 64 :‬‬ ‫ج ِ‬ ‫م لَلى ال ْ َ‬ ‫جعَهُ ْ‬ ‫مْر ِ‬
‫ن َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ميم ٍ ث ُ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫شوًْبا ِ‬ ‫عَل َي َْها ل َ َ‬
‫‪ ، [68‬فأخبر أنهم تارة يكونون في أكل زقوم ‪ ،‬وتارة في شرب حميم ‪ ،‬وتارة‬
‫م‬
‫جهَن ّ ُ‬
‫يردون إلى الجحيم )‪ (5‬عياذا بالله من ذلك ‪ ،‬وهكذا قال تعالى ‪ } :‬هَذِهِ َ‬
‫ن { ]الرحمن ‪، 43 :‬‬ ‫ميم ٍ آ ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ب َي ْن ََها وَب َي ْ َ‬ ‫طوُفو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ب َِها ال ْ ُ‬ ‫ال ِّتي ي ُك َذ ّ ُ‬
‫ل ي َغِْلي ِفي‬ ‫مهْ ِ‬ ‫كال ْ ُ‬ ‫م الِثيم ِ َ‬ ‫جَرةَ الّزّقوم ِ ط ََعا ُ‬ ‫ش َ‬ ‫ن َ‬ ‫‪ ، [44‬وقال تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬ ‫س‬
‫ْ َ َ ِ ِ‬ ‫أ‬‫ر‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫بوا‬ ‫ص‬
‫َ ِ ِ ّ ُ ّ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫حي‬ ‫ج‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫وا‬ ‫َ َ‬ ‫س‬ ‫لى‬ ‫إ‬
‫ِْ ُ ِ‬ ‫ه‬ ‫لو‬ ‫ت‬‫ع‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫خ ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ذو‬ ‫ميم ِ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫ن ك َغَل ْ ِ‬ ‫طو ِ‬ ‫ال ْب ُ ُ‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫مت َُرو َ‬‫م ب ِهِ ت َ ْ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫ذا َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ري ُ‬ ‫زيُز ال ْك َ ِ‬ ‫ت ال ْعَ َ ِ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫ميم ِ ذ ُقْ إ ِن ّ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ل ِفي‬ ‫َ ِ‬‫ما‬ ‫ش‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ب‬
‫ْ َ ُ‬ ‫حا‬ ‫ص‬ ‫أ‬ ‫ما‬
‫َ ِ َ‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫ّ‬
‫ش‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫حا‬
‫َ ْ َ ُ‬ ‫ص‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقال‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬ ‫‪50‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪:‬‬ ‫]الدخان‬
‫ريم ٍ { ]الواقعة ‪، [44 - 41 :‬‬ ‫موم ٍ ل َبارِدٍ َول ك َِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ميم ٍ وَظ ِ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫موم ٍ وَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫َ‬
‫مَهاد ُ هَ َ‬
‫ذا‬ ‫ْ‬
‫س ال ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ئ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫ْ ْ َ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬
‫َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ب‬‫ّ َ ٍ‬ ‫مآ‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫غي‬
‫ِ‬ ‫طا‬ ‫ّ‬ ‫لل‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫َِ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫وقال‬
‫َ‬ ‫فَل ْي َ ُ‬
‫ج { ]ص ‪ ، [58 - 55 :‬إلى غير‬ ‫شك ْل ِهِ أْزَوا ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫َ ُ‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫وآ‬ ‫ٌ‬ ‫ق‬ ‫م وَغَ ّ‬
‫سا‬ ‫مي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ذوُقوه ُ َ‬
‫ذلك من اليات الدالة على تنوع العذاب عليهم ‪ ،‬وتكراره وأنواعه وأشكاله ‪،‬‬
‫ظلم ٍ ل ِل ْعَِبيد ِ {‬ ‫ك بِ َ‬ ‫ما َرب ّ َ‬ ‫مما ل يحصيه إل الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬جزاء وفاقا ‪ } ،‬وَ َ‬
‫]فصلت ‪.[46 :‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫فل‬ ‫ص ٍ‬ ‫عا ِ‬ ‫ح ِفي ي َوْم ٍ َ‬ ‫ت ب ِهِ الّري ُ‬ ‫شت َد ّ ْ‬ ‫مادٍ ا ْ‬ ‫م كَر َ‬‫َ‬ ‫مالهُ ْ‬ ‫م أع ْ َ‬ ‫فُروا ب َِرب ّهِ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ُ‬‫} َ‬
‫ل الب َِعيد ُ )‪{ (18‬‬ ‫ْ‬ ‫ضل ُ‬ ‫يٍء ذ َل ِك هُوَ ال ّ‬ ‫َ‬ ‫ش ْ‬ ‫سُبوا عَلى َ‬ ‫َ‬ ‫ما ك َ‬‫َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫قدُِرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫هذا مثل ضربه الله تعالى لعمال الكفار الذين عبدوا مع الله غيره ‪ ،‬وكذبوا‬
‫رسله ‪ ،‬وبنوا أعمالهم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬فوقهم"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬أرجلهم"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬جحيم"‪.‬‬

‫) ‪(4/486‬‬

‫موها أحوج ما كانوا إليها ‪ ،‬فقال‬ ‫على غير أساس صحيح ؛ فانهارت وعَدِ ُ‬
‫فروا بربه َ‬
‫م { أي ‪ :‬مثل أعمال الذين كفروا‬ ‫مال ُهُ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫َِ ِّ ْ‬ ‫ن كَ َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫تعالى ‪َ } :‬‬
‫يوم القيامة إذا طلبوا ثوابها من الله تعالى ؛ لنهم كانوا يحسبون أنهم على‬
‫صل من الرماد إذا‬ ‫شيء ‪ ،‬فلم يجدوا شيًئا ‪ ،‬ول ألفوا حاصل إل كما يتح ّ‬
‫ف { أي ‪ :‬ذي ريح عاصفة قوية ‪،‬‬ ‫ص ٍ‬ ‫عا ِ‬ ‫اشتدت به الريح العاصفة } ِفي ي َوْم ٍ َ‬
‫فل ]يقدرون على شيء من أعمالهم التي كسبوها في الدنيا إل كما[ )‪(1‬‬
‫مَنا إ َِلى‬ ‫يقدرون على جمع هذا الرماد في هذا اليوم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬وَقَدِ ْ‬
‫من ُْثوًرا { ]الفرقان ‪ ، [23 :‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫جعَل َْناه ُ هََباًء َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫م ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مُلوا ِ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ث‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫صا‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫ح‬ ‫ري‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫يا‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫ة‬ ‫يا‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ه‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫}‬
‫ْ ٍ‬ ‫َ َ ْ َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫ّ َ‬‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ها‬ ‫ي‬ ‫فسهم فَأ َهْل َك َته { ]آل عمران ‪ٍ ،ِ [117 :‬وقال تعالى ‪ } :‬يا أ َ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ظ َل َموا أ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫ُ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ول‬ ‫ِ َ‬ ‫س‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫َ‬
‫ئا‬ ‫ر‬ ‫ه‬
‫ُ ََ ُ ِ‬‫َ‬ ‫ل‬‫ما‬ ‫ق‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ذى‬ ‫َ‬ ‫وال‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ْ ِ َ ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ط‬ ‫ْ‬ ‫ب‬‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫نوا‬ ‫م ُ‬
‫آ َ‬
‫دا ل‬ ‫صل ً‬ ‫ْ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫ل فَت ََرك ُ‬ ‫ه َواب ِ ٌ‬ ‫صاب َ ُ‬ ‫ب فَأ َ‬ ‫ن عَلي ْهِ ت َُرا ٌ‬ ‫َ‬ ‫وا ٍ‬ ‫ف َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ل َ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫هك َ‬‫َ‬ ‫مث َل ُ‬‫ُ‬ ‫خرِ فَ َ‬ ‫ِباللهِ َوالي َوْم ِ ال ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ن { ]البقرة ‪:‬‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬
‫م الكافِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ْ‬
‫دي ال َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫ّ‬
‫سُبوا َوالل ُ‬ ‫ما ك َ‬ ‫َ‬ ‫م ّ‬ ‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫قدُِرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫‪.[264‬‬
‫ل الب َِعيد ُ { أي ‪ :‬سعيهم وعملهم على‬ ‫ْ‬ ‫ضل ُ‬ ‫َ‬
‫وقال في هذه الية ‪ } :‬ذ َل ِك هُوَ ال ّ‬
‫َ‬
‫غير أساس ول استقامة حتى فقدوا ثوابهم أحوج ما هم إليه ‪ } ،‬ذ َل ِك هُ َ‬
‫و‬
‫ل ال ْب َِعيد ُ { )‪.(2‬‬ ‫ضل ُ‬ ‫ال ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬هذا" وهو خطأ‪.‬‬

‫) ‪(4/487‬‬

‫ت بِ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫أ َل َم تر أ َن الل ّه خل َق السماوات واْل َرض بال ْحق إن ي َ ْ‬


‫ق‬
‫خل ٍ‬ ‫شأ ي ُذ ْهِب ْك ُ ْ‬
‫م وَي َأ ِ‬ ‫ّ َ َ ِ َ ْ َ ِ َ ّ ِ ْ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ْ ََ ّ‬
‫زيزٍ )‪(20‬‬ ‫ع‬
‫َِ ِ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ما‬
‫َ َ‬ ‫و‬ ‫(‬‫‪19‬‬ ‫ديد ٍ )‬
‫ج ِ‬
‫َ‬
‫ت بِ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫} أ َل َم تر أ َن الل ّه خل َق السماوات والرض بال ْحق إن ي َ ْ‬
‫ق‬‫خل ٍ‬ ‫م وَي َأ ِ‬ ‫شأ ي ُذ ْهِب ْك ُ ْ‬ ‫ّ َ َ ِ َ ْ َ ِ َ ّ ِ ْ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ْ ََ ّ‬
‫زيزٍ )‪{ (20‬‬ ‫ّ‬
‫ما ذ َل ِك عَلى اللهِ ب ِعَ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ديد ٍ )‪ (19‬وَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫يقول تعالى مخبًرا عن قدرته على معاد البدان يوم القيامة ‪ ،‬بأنه خلق‬
‫السموات والرض التي هي أكبر من خلق الناس ‪ ،‬أفليس الذي قدر على‬
‫خلق هذه السموات ‪ ،‬في ارتفاعها واتساعها وعظمتها وما فيها من الكواكب‬
‫الثوابت والسيارات ‪ ،‬والحركات المختلفات ‪ ،‬واليات الباهرات ‪ ،‬وهذه الرض‬
‫بما فيها من مهاد ووهاد وأوتاد ‪ ،‬وبرارى وصحارى وقفار ‪ ،‬وبحار وأشجار ‪،‬‬
‫َ‬
‫م‬‫ونبات وحيوان ‪ ،‬على اختلف أصنافها ومنافعها ‪ ،‬وأشكالها وألوانها ؛ } أوَل َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫قادِرٍ عََلى أ ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫قهِ ّ‬ ‫خل ْ ِ‬‫ي بِ َ‬ ‫م ي َعْ َ‬ ‫ض وَل َ ْ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ي ََرْوا أ ّ‬
‫ديٌر { ]الحقاف ‪ ، [33 :‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫موَْتى ب ََلى إ ِن ّ ُ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫حي ِ َ‬ ‫يُ ْ‬
‫َ‬
‫ب لَنا‬ ‫فةٍ فَإ َِذا هُوَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضَر َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫صي ٌ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن ن ُط َ‬ ‫م ْ‬ ‫قَناه ُ ِ‬ ‫خل ْ‬ ‫ن )‪ (1‬أّنا َ‬ ‫سا ُ‬ ‫م ي ََر الن ْ َ‬ ‫} أوَل ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫م قُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ْ‬
‫ها‬‫شأ َ‬ ‫ذي أن ْ َ‬ ‫حِييَها ال ِ‬ ‫ل يُ ْ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ي َر ِ‬ ‫م وَهِ َ‬ ‫حِيي العِظا َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ‬ ‫ي َ‬ ‫س َ‬ ‫مَثل وَن َ ِ‬ ‫َ‬
‫ضرِ َناًرا فَإ َِذا‬ ‫خ َ‬ ‫جرِ ال ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ل لك ْ‬ ‫َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫م ال ِ‬ ‫ق عَِلي ٌ‬ ‫ٍ‬
‫ْ‬ ‫خل‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫مّرةٍ وَهُوَ ب ِك ّ‬ ‫ل َ‬ ‫أ َوّ َ‬
‫َ‬ ‫أ َنتم منه توقدو َ‬
‫خل ُ َ‬
‫ق‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫قادِرٍ عََلى أ ْ‬ ‫ض بِ َ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫س ال ّ ِ‬ ‫ن أوَل َي ْ َ‬ ‫ُْ ْ ِ ْ ُ ُ ِ ُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م ب ََلى وَهُوَ ال َ‬
‫ْ‬
‫ن‬ ‫ن في َكو ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫هك ْ‬ ‫ُ‬ ‫قول ل ُ‬ ‫َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫شي ْئا أ ْ‬ ‫ً‬ ‫مُره ُ إ َِذا أَراد َ َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫م إ ِن ّ َ‬ ‫خلقُ العَِلي ُ‬ ‫مث ْل َهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن { ]يس ‪.[83 - 77 :‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫َ‬
‫يٍء وَإ ِلي ْهِ ت ُْر َ‬ ‫ت ك ْل ش ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ملكو ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ذي ب ِي َدِهِ َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫فَ ُ‬
‫ْ‬
‫زيزٍ { أي ‪:‬‬ ‫ك عََلى الل ّهِ ب ِعَ ِ‬ ‫ما ذ َل ِ َ‬ ‫ديد ٍ وَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ق َ‬ ‫خل ٍ‬
‫ت بِ َ ْ‬ ‫م وَي َأ ِ‬ ‫شأ ي ُذ ْهِب ْك ُ ْ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫بعظيم ول ممتنع ‪ ،‬بل هو سهل عليه إذا خالفتم أمره ‪ ،‬أن يذهبكم ويأتي‬
‫قَراُء إ َِلى‬ ‫ف َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س أن ْت ُ ُ‬ ‫قال تعالى ‪َ ْ } :‬يا أي َّها الّنا ُ‬ ‫بآخرين على غير صفتكم ‪ ،‬كما‬
‫ك عََلى‬ ‫ت بِ َ ْ‬ ‫ْ‬
‫ما ذ َل ِ َ‬ ‫ديد ٍ وَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ق َ‬ ‫خل ٍ‬ ‫م وَي َأ ِ‬ ‫شأ ي ُذ ْهِب ْك ُ ْ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ميد ُ إ ِ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫ه هُوَ ال ْغَن ِ ّ‬ ‫الل ّهِ َوالل ّ ُ‬
‫زيزٍ { ]فاطر ‪، [17 - 15 :‬‬ ‫الل ّهِ ب ِعَ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ولقد خلقنا النسان" وهو خطأ‪.‬‬

‫) ‪(4/487‬‬

‫فاُء ل ِل ّذين استك ْبروا إنا ك ُنا ل َك ُم تبعا فَه ْ َ‬


‫م‬‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ًََ‬ ‫ِّ ّ‬ ‫ِ َ ْ َ َُ‬ ‫ضعَ َ‬‫ل ال ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ميًعا فَ َ‬‫ج ِ‬ ‫وَب ََرُزوا ل ِل ّهِ َ‬
‫واٌء عَل َي َْنا‬ ‫س َ‬ ‫ه ل َهَد َي َْناك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫داَنا الل ّ ُ‬
‫يٍء َقاُلوا ل َوْ هَ َ‬
‫ش ْ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ب الل ّهِ ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن عَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن عَّنا ِ‬ ‫مغُْنو َ‬ ‫ُ‬
‫ص )‪(21‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حي ٍ‬‫م ِ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬
‫ما لَنا ِ‬ ‫صب َْرَنا َ‬
‫م َ‬ ‫جزِعَْنا أ ْ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬
‫م { ]محمد ‪:‬‬ ‫مَثال َك ُ ْ‬
‫كوُنوا أ ْ‬ ‫م ل يَ ُ‬ ‫م ثُ ّ‬‫ما غَي َْرك ُ ْ‬ ‫ل قَوْ ً‬‫ست َب ْدِ ْ‬‫وا ي َ ْ‬ ‫ن ت َت َوَل ّ ْ‬ ‫وقال ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫هّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ف ي َأِتي الل ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫ن ِدين ِهِ فَ َ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫من ْك ْ‬
‫ن ي َْرت َد ّ ِ‬
‫م ْ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫‪ ، [38‬وقال ‪َ } :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫س‬
‫م أي َّها الّنا ُ‬ ‫شأ ي ُذ ْهِب ْك ْ‬ ‫ن يَ َ‬‫ه { ]المائدة ‪ ، [54 :‬وقال ‪ } :‬إ ِ ْ‬ ‫حّبون َ ُ‬ ‫م وَي ُ ِ‬ ‫حب ّهُ ْ‬‫قوْم ٍ ي ُ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ديًرا { ]النساء ‪.[133 :‬‬ ‫ه عَلى ذ َل ِك قَ ِ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫ن وَكا َ‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ت ِبآ َ‬ ‫وَي َأ ِ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫م ت َب ًَعا فَهَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ميًعا فَ َ‬ ‫ّ‬
‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫ست َكب َُروا إ ِّنا كّنا لك ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫فاُء ل ِل ِ‬ ‫ضعَ َ‬
‫ل ال ّ‬ ‫ج ِ‬‫} وَب ََرُزوا ل ِلهِ َ‬
‫واٌء عَل َي َْنا‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ل َهَد َي َْناك ُ ْ‬ ‫داَنا الل ّ ُ‬ ‫يٍء َقاُلوا ل َوْ هَ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب الل ّهِ ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن عَّنا ِ‬ ‫مغُْنو َ‬ ‫ُ‬
‫ص )‪{ (21‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حي ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ما لَنا ِ‬ ‫صب َْرَنا َ‬ ‫م َ‬ ‫جزِعَْنا أ ْ‬ ‫أ َ‬
‫ه[ )‪ { (1‬أي ‪ :‬برزت الخلئق كلها ‪ ،‬برها وفاجرها لله‬ ‫يقول ‪ } :‬وَب ََرُزوا ]ل ِل ّ ِ‬
‫وحده الواحد القهار ‪ ،‬أي ‪ :‬اجتمعوا له في براز )‪ (2‬من الرض ‪ ،‬وهو المكان‬
‫الذي ليس فيه شيء يستر أحدا‪.‬‬
‫فاُء { وهم التباع لقادتهم وسادتهم وكبرائهم الذين استكبروا‬ ‫ضعَ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫قا َ‬ ‫} فَ َ‬
‫عن عبادة‪.‬‬
‫م ت َب ًَعا‬ ‫َ‬
‫الله وحده ل شريك له ‪ ،‬وعن موافقة الرسل ‪ ،‬فقالوا لهم ‪ } :‬إ ِّنا ك ُّنا لك ُ ْ‬
‫هّ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫{ أي ‪ :‬مهما أمرتمونا ائتمرنا وفعلنا ‪ } ،‬فَه ْ َ‬
‫ب الل ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن عَّنا ِ‬ ‫مغُْنو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫يٍء { أي ‪ :‬فهل تدفعون عنا شيًئا من عذاب الله ‪ ،‬كما كنتم تعدوننا‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫م { ولكن حق علينا‬ ‫ُ‬
‫ه لهَد َي َْناك ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫داَنا الل ُ‬ ‫َ‬
‫وتمنوننا ؟ فقالت القادة لهم ‪ } :‬لوْ هَ َ‬
‫قول ربنا ‪ ،‬وسبق فينا وفيكم قدر الله ‪ ،‬وحقت كلمة العذاب على الكافرين‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خلص مما‬ ‫ص { أي ‪ :‬ليس لنا َ‬ ‫حي ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ل ََنا ِ‬ ‫صب َْرَنا َ‬ ‫م َ‬ ‫جزِعَْنا أ ْ‬ ‫واٌء عَل َي َْنا أ َ‬ ‫س َ‬ ‫} َ‬
‫نحن فيه إن صبرنا عليه أو جزعنا منه‪.‬‬
‫قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬إن أهل النار قال بعضهم لبعض ‪ :‬تعالوا ‪،‬‬
‫فإنما أدرك أهل الجنة الجنة ببكائهم وتضرعهم إلى الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬تعالوا‬
‫نبك ونتضرع إلى الله فبكوا وتضرعوا ‪ ،‬فلما رأوا ذلك ل ينفعهم قالوا ‪:‬‬
‫تعالوا ‪ ،‬فإنما أدرك أهل الجنة الجنة بالصبر ‪ ،‬تعالوا حتى نصبر فصبروا صبرا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫جزِعَْنا أ ْ‬ ‫واٌء عَل َي َْنا أ َ‬ ‫س َ‬ ‫لم ير مثله ‪ ،‬فلم ينفعهم ذلك ‪ ،‬فعند ذلك قالوا )‪َ } (3‬‬
‫ص{‬ ‫حي ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ل ََنا ِ‬ ‫صب َْرَنا َ‬ ‫َ‬
‫قلت ‪ :‬والظاهر أن هذه المراجعة في النار بعد دخولهم إليها ‪ ،‬كما قال‬
‫م‬‫ست َك ْب َُروا إ ِّنا ك ُّنا ل َك ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫فاُء ل ِل ّ ِ‬ ‫ضعَ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن ِفي الّنارِ فَي َ ُ‬ ‫جو َ‬ ‫حا ّ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَإ ِذ ْ ي َت َ َ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫ست َكب َُروا إ ِّنا ك ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن الّنارِ َقا َ‬ ‫تبعا فَه ْ َ‬
‫ل ِفيَها إ ِ ّ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫صيًبا ِ‬ ‫ن عَّنا ن َ ِ‬ ‫مغُْنو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ًََ‬
‫خلوا ِفي‬ ‫ُ‬ ‫ل اد ْ ُ‬ ‫ن العَِباد ِ { ]غافر ‪ ، [48 ، 47 :‬وقال تعالى ‪َ } :‬قا َ‬ ‫ْ‬ ‫م ب َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫حك َ‬ ‫ه قَد ْ َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ت‬‫ة ل َعَن َ ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫تأ ّ‬ ‫خل َ ْ‬‫ما د َ َ‬ ‫س ِفي الّنارِ ك ُل ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ن َوالن ْ‬ ‫ج ّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫مم ٍ قَد ْ َ‬ ‫أ َ‬
‫ضّلوَنا‬ ‫َ‬ ‫ت أُ ْ‬ ‫أُ ْ‬
‫ؤلِء أ َ‬ ‫م َرب َّنا هَ ُ‬ ‫م لولهُ ْ‬ ‫خَراهُ ْ‬ ‫ميًعا َقال َ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫كوا ِفيَها َ‬ ‫حّتى إ َِذا اّداَر ُ‬ ‫خت ََها َ‬
‫ت‬‫ن وََقال َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ل ت َعْل َ ُ‬ ‫ف وَل َك ِ ْ‬ ‫ضعْ ٌ‬ ‫ل ِ‬ ‫ل ل ِك ُ ّ‬ ‫ن )‪ (4‬الّنارِ َقا َ‬ ‫م َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ضعْ ً‬ ‫ذاًبا ِ‬ ‫م عَ َ‬ ‫َفآت ِهِ ْ‬
‫ذوُقوا ال ْعَ َ‬ ‫ُ‬
‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ب بِ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬‫م عَل َي َْنا ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫خَراهُ ْ‬ ‫مل ْ‬ ‫أولهُ ْ‬
‫ن { ]العراف ‪، [39 ، 38 :‬‬ ‫سُبو َ‬ ‫ت َك ْ ِ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬برار"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬فقالوا"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬في"‪.‬‬

‫) ‪(4/488‬‬

‫خل َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫فت ُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫حقّ وَوَعَد ْت ُك ُ ْ‬ ‫م وَعْد َ ال ْ َ‬ ‫ه وَعَد َك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مُر إ ِ ّ‬ ‫ي اْل ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ما قُ ِ‬ ‫ن لَ ّ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫وََقا َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫موِني‬ ‫م ِلي فَل ت َلو ُ‬ ‫جب ْت ُ ْ‬
‫ست َ َ‬‫م َفا ْ‬ ‫ن د َعَوْت ُك ْ‬ ‫ن إ ِل أ ْ‬ ‫سلطا ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ي عَلي ْك ْ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫ما كا َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ت بِ َ‬ ‫فْر ُ‬ ‫َ‬
‫ي إ ِّني ك َ‬ ‫خ ّ‬ ‫صرِ ِ‬‫م ْ‬ ‫م بِ ُ‬
‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ُ‬
‫خك ْ‬ ‫صرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ما أَنا ب ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ف َ‬ ‫موا أن ْ ُ‬ ‫وَُلو ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أَ ْ‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫م )‪ (22‬وَأد ْ ِ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬‫م عَ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مو ِ‬ ‫شَرك ْت ُ ُ‬
‫م‬
‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫ن ِفيَها ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬‫حت َِها اْل َن َْهاُر َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫وَعَ ِ‬
‫م )‪(23‬‬ ‫َ‬
‫سل ٌ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫حي ّت ُهُ ْ‬ ‫تَ ِ‬
‫ه وَأ َط َعَْنا‬ ‫ن َيا ل َي ْت ََنا أط َعَْنا الل ّ َ‬
‫َ‬
‫قوُلو َ‬ ‫م ِفي الّنارِ ي َ ُ‬ ‫جوهُهُ ْ‬ ‫ب وُ ُ‬ ‫قل ّ ُ‬ ‫م تُ َ‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬ي َوْ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫في ْ ِ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫سِبيل َرب َّنا آت ِهِ ْ‬ ‫ضلوَنا ال ّ‬ ‫َ‬
‫ساد َت ََنا وَكب ََراَءَنا فأ َ‬ ‫ُ‬ ‫سول وََقاُلوا َرب َّنا إ ِّنا أطعَْنا َ‬
‫َ‬ ‫الّر ُ‬
‫م لعًْنا كِبيًرا { ]الحزاب ‪.[68 - 66 :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب َوالعَن ْهُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن العَذا ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪(1‬‬ ‫ِ ُ َ‬ ‫مو‬ ‫ل‬ ‫ظا‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ذ‬
‫ِِ‬ ‫إ‬ ‫رى‬ ‫َ ْ ََ‬‫ت‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫تعالى‬ ‫فقال‬ ‫‪،‬‬ ‫المحشر‬ ‫في‬ ‫تخاصمهم‬ ‫وأما‬
‫فوا‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ل يَ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ض ال ْ َ‬ ‫ضهُ ْ َ‬ ‫موُْقوُفو َ‬
‫ِ َ ْ ُ ْ‬ ‫م إ ِلى ب َعْ ٍ‬ ‫جعُ ب َعْ ُ‬ ‫م ي َْر ِ‬
‫َ‬
‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫َ‬
‫فوا‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫ِ َ ْ ُ ْ‬‫ت‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫روا‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ك‬
‫ِ َ ْ َ َُ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ن‬
‫ّ ُ ِ َ‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫ُْ ْ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ول‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫روا‬ ‫ْ‬
‫لِ ِ َ ْ َ َ ُ‬
‫ب‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫ن وََقا َ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ل ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م بَ ْ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫دى ب َعْد َ إ ِذ ْ َ‬ ‫ن الهُ َ‬ ‫ِ‬ ‫م عَ‬ ‫صد َد َْناك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ح‬
‫أن َ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫فَر ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن ن َك ْ ُ‬ ‫مُرون ََنا أ ْ‬ ‫ل َوالن َّهارِ إ ِذ ْ ت َأ ُ‬ ‫مك ُْر الل ّي ْ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ست َك ْب َُروا ب َ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫فوا ل ِل ّ ِ‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫ست ُ ْ‬ ‫ا ْ‬
‫ل ِفي‬ ‫غل َ‬ ‫جعَلَنا ال ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ما َرأُوا العَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫جعَ َ‬
‫ب وَ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ةل ّ‬ ‫م َ‬ ‫دا َ‬ ‫سّروا )‪ (2‬الن ّ َ‬ ‫داًدا وَأ َ‬ ‫ه أن ْ َ‬ ‫لل ُ‬ ‫وَن َ ْ‬
‫ن { ]سبأ ‪.[33 - 31 :‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫فُروا هَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ملو َ‬ ‫ما كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ن ِإل َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫ل يُ ْ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ق ال ِ‬ ‫أعَْنا ِ‬
‫م‬‫حقّ وَوَعَد ْت ُك ُ ْ‬ ‫م وَعْد َ ال ْ َ‬ ‫ه وَعَد َك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مُر إ ِ ّ‬ ‫ي ال ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ما قُ ِ‬ ‫ن لَ ّ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫} وََقا َ‬
‫م ِلي َفل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫جب ْت ُ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫ن د َعَوْت ُك ْ‬ ‫ن ِإل أ ْ‬ ‫سلطا ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ِلي عَلي ْك ْ‬ ‫ما كا َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫فت ُك ْ‬ ‫فَأ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫موا أ َن ْ ُ‬
‫ما‬‫ت بِ َ‬ ‫فْر ُ‬ ‫ي إ ِّني ك َ َ‬ ‫خ ّ‬ ‫صرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫خك ُ ْ‬ ‫صرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما أَنا ب ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫موِني وَُلو ُ‬ ‫ت َُلو ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أَ ْ‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫م )‪ (22‬وَأد ْ ِ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مو ِ‬ ‫شَرك ْت ُ ُ‬
‫م‬
‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫ن ِفيَها ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫وَعَ ِ‬
‫م )‪{ (23‬‬ ‫سل ٌ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫حي ّت ُهُ ْ‬ ‫تَ ِ‬
‫يخبر تعالى عما خطب به إبليس ]لعنه الله[ )‪ (3‬أتباعه ‪ ،‬بعدما قضى الله بين‬
‫عباده ‪ ،‬فأدخل المؤمنين الجنات ‪ ،‬وأسكن الكافرين الدركات ‪ ،‬فقام فيهم‬
‫غبنا إلى‬ ‫إبليس ‪ -‬لعنه الله ‪ -‬حينئذ خطيبا ليزيدهم حزنا إلى حزنهم )‪ (4‬و َ‬
‫حقّ { أي ‪:‬‬ ‫م وَعْد َ ال ْ َ‬ ‫ه وَعَد َك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫غْبنهم ‪ ،‬وحسرة إلى حسرتهم ‪ ،‬فقال ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫دا حقا ‪،‬‬ ‫على ألسنة رسله ‪ ،‬ووعدكم في اتباعهم النجاة والسلمة ‪ ،‬وكان وع ً‬
‫م‬
‫وخبرا صدقا ‪ ،‬وأما أنا فوعدتكم وأخلفتكم ‪ ،‬كما قال الله تعالى ‪ } :‬ي َعِد ُهُ ْ‬
‫ن ِإل غُُروًرا { ]النساء ‪.[120 :‬‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ما ي َعِد ُهُ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مّنيهِ ْ‬ ‫وَي ُ َ‬
‫ن { أي ‪ :‬ما كان لي عليكم فيما‬ ‫سلطا ٍ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ن ِلي عَلي ْك ْ‬ ‫َ‬ ‫ما كا َ‬ ‫َ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬وَ َ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن د َعَوْت ُك ْ‬ ‫دعوتكم إليه من دليل ول حجة على صدق ما وعدتكم به ‪ِ } ،‬إل أ ْ‬
‫م ِلي { بمجرد ذلك ‪ ،‬هذا وقد أقامت عليكم الرسل الحجج والدلة‬ ‫جب ْت ُ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫َفا ْ‬
‫الصحيحة على صدق ما جاءوكم به ‪ ،‬فخالفتموهم فصرتم إلى ما أنتم فيه ‪} ،‬‬
‫م { فإن الذنب لكم ‪ ،‬لكونكم خالفتم‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫موا أ َن ْ ُ‬ ‫موِني { اليوم ‪ } ،‬وَُلو ُ‬ ‫َفل ت َُلو ُ‬
‫الحجج واتبعتموني بمجرد‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬المجرمون" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬وأسر وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬خزيا إلى خزيهم"‪.‬‬

‫) ‪(4/489‬‬

‫َ‬
‫م { أي ‪ :‬بنافعكم ومنقذكم‬ ‫خك ُ ْ‬‫صرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ما أَنا ب ِ ُ‬ ‫ما دعوتكم إلى الباطل ‪َ } ،‬‬
‫ي { أي ‪ :‬بنافعي بإنقاذي مما أنا‬ ‫َ‬
‫خ ّ‬ ‫صرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م بِ ُ‬
‫ما أن ْت ُ ْ‬‫ومخلصكم مما أنتم فيه ‪ } ،‬وَ َ‬
‫ل{‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما أ ْ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬‫مو ِ‬ ‫شَركت ُ ُ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫فْر ُ‬‫فيه من العذاب والنكال ‪ } ،‬إ ِّني ك َ‬
‫قال قتادة ‪ :‬أي بسبب ما أشركتمون من قبل‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬يقول ‪ :‬إني جحدت أن أكون شريكا لله ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫ن‬ ‫ض ّ‬ ‫وهذا الذي قال هو الراجح )‪ (1‬كما قال تعالى ‪ } :‬وم َ‬
‫م ْ‬‫عو ِ‬
‫ن ي َد ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫م ّ‬‫ل ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ن وَإ َِذا‬‫غافُِلو َ‬ ‫م َ‬ ‫عائ ِهِ ْ‬ ‫ن دُ َ‬‫م عَ ْ‬ ‫مةِ وَهُ ْ‬ ‫قَيا َ‬‫ه إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫جي ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫ُدو ِ‬
‫ن { ]الحقاف ‪، [6 ، 5 :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ري َ‬ ‫م كافِ ِ‬ ‫داًء وَكاُنوا ب ِعَِباد َت ِهِ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫س كاُنوا لهُ ْ‬ ‫شَر الّنا ُ‬ ‫ح ِ‬
‫ُ‬
‫دا { ]مريم ‪.[82 :‬‬ ‫ض ّ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ن عَلي ْهِ ْ‬ ‫ُ‬
‫م وَي َكوُنو َ‬ ‫ن ب ِعَِباد َت ِهِ ْ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ْ‬
‫سي َك ُ‬ ‫وقال ‪ } :‬كل َ‬‫َ‬
‫ن { أي ‪ :‬في إعراضهم عن الحق واتباعهم الباطل‬ ‫مي‬
‫ِ ِ َ‬ ‫ل‬ ‫ظا‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫وقوله ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫م{‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫} ل َهُ ْ‬
‫والظاهر من سياق الية ‪ :‬أن هذه الخطبة تكون من إبليس بعد دخولهم‬
‫النار ‪ ،‬كما قدمنا‪ .‬ولكن قد ورد في حديث رواه ابن أبي حاتم ‪ -‬وهذا لفظه ‪-‬‬
‫جري ‪ ،‬عن‬ ‫ح ْ‬ ‫وابن جرير من رواية عبد الرحمن بن زياد ‪ :‬حدثني دخين )‪ (2‬ال َ‬
‫عقبة بن عامر ‪ ،‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إذا جمع‬
‫الله الولين والخرين ‪ ،‬فقضى بينهم ‪ ،‬ففرغ من القضاء ‪ ،‬قال المؤمنون ‪ :‬قد‬
‫قضى بيننا ربنا ‪ ،‬فمن يشفع لنا ؟ فيقولون ‪ :‬انطلقوا بنا إلى آدم ‪ -‬وذكر‬
‫نوحا ‪ ،‬وإبراهيم ‪ ،‬وموسى ‪ ،‬وعيسى ‪ -‬فيقول عيسى ‪ :‬أدلكم على النبي‬
‫المي‪ .‬فيأتوني ‪ ،‬فيأذن الله لي أن أقوم إليه فيثور )‪] (3‬من[ )‪ (4‬مجلسي‬
‫من أطيب ريح شمها أحد قط ‪ ،‬حتى آتي ربي فيشفعني ‪ ،‬ويجعل لي نورا من‬
‫شعر رأسي إلى ظفر قدمي ‪ ،‬ثم يقول الكافرون هذا ‪ :‬قد وجد المؤمنون من‬
‫يشفع لهم ‪ ،‬فمن يشفع لنا ؟ ما هو إل إبليس هو الذي أضلنا ‪ ،‬فيأتون إبليس‬
‫فيقولون ‪ :‬قد وجد المؤمنون من يشفع لهم ‪ ،‬فقم أنت فاشفع لنا ‪ ،‬فإنك أنت‬
‫أضللتنا‪ .‬فيقوم فيثور من مجلسه من أنتن ريح شمها أحد قط ‪ ،‬ثم يعظم‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫م وَعْد َ ال ْ َ‬ ‫ه وَعَد َك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مُر إ ِ ّ‬ ‫ي ال ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ما قُ ِ‬ ‫ن لَ ّ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ل )‪ (6‬ال ّ‬ ‫نحيبهم )‪ } (5‬وََقا َ‬
‫َ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫جب ْت ُ ْ‬‫ست َ َ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫ن د َعَوْت ُك ُ ْ‬ ‫ن ِإل أ ْ‬ ‫طا ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ِلي عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫فت ُك ُ ْ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫وَوَعَد ْت ُك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م { )‪.(7‬‬ ‫سك ُ ْ‬‫ف َ‬ ‫موا أن ْ ُ‬ ‫موِني وَلو ُ‬ ‫ِلي َفل ت َلو ُ‬
‫شدين بن سعد ‪ ،‬عن عبد‬ ‫وهذا سياق ابن أبي حاتم ‪ ،‬ورواه ابن المبارك عن رِ ْ‬
‫قَبة ‪ ،‬به مرفوعا )‪.(9‬‬ ‫خْين )‪ (8‬عن عُ ْ‬ ‫الرحمن بن زياد بن أنعم ‪ ،‬عن د ُ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬الرجح"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬دجين"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيفور"‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بجهنم"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ويقول" وهو خطأ‪.‬‬
‫)‪ (7‬تفسير الطبري )‪ (16/562‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير )‬
‫‪ (17/320‬من طريق ابن وهب ‪ :‬أخبرني ابن نعيم )كذا في المعجم( عن‬
‫دخين ‪ ،‬عن عقبة مرفوعا‪ .‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" : (10/376‬فيه عبد‬
‫الرحمن بن زياد بن أنعم ‪ ،‬وهو ضعيف" وضعف السيوطي إسناده أيضا‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬دجين"‪.‬‬
‫)‪ (9‬ورواه الطبري في تفسيره )‪ (16/562‬من طريق سويد بن نصر ‪ ،‬عن‬
‫ابن المبارك به‪.‬‬

‫) ‪(4/490‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫صل َُها َثاب ِ ٌ‬
‫ت وَفَْرعَُها ِفي‬ ‫جَرةٍ ط َي ّب َةٍ أ ْ‬
‫ش َ‬ ‫ة ط َي ّب َ ً‬
‫ة كَ َ‬ ‫مث ًَل ك َل ِ َ‬
‫م ً‬ ‫ب الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ضَر َ‬
‫ف َ‬‫م ت ََر ك َي ْ َ‬‫أل َ ْ‬
‫ماِء )‪(24‬‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫واٌء‬ ‫س َ‬ ‫قرظي ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬لما قال أهل النار ‪َ } :‬‬ ‫وقال محمد بن كعب ال ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ه وَعَد َك ْ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ص { قال لهم إبليس ‪ } :‬إ ِ ّ‬ ‫حي ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ما لَنا ِ‬ ‫صب َْرَنا َ‬ ‫م َ‬ ‫جزِعَْنا أ ْ‬ ‫عَل َي َْنا أ َ‬
‫ت‬ ‫ق ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حقّ { الية ‪ ،‬فلما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم ‪ ،‬فنودوا ‪ } :‬ل َ َ‬ ‫وَعْد َ ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن { ]غافر ‪.[10 :‬‬ ‫فُرو َ‬ ‫ن فَت َك ْ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن إ َِلى الي َ‬ ‫م إ ِذ ْ ت ُد ْعَوْ َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫م أن ْ ُ‬ ‫قت ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫الل ّهِ أك ْب َُر ِ‬
‫وقال عامر الشعبي ‪ :‬يقوم خطيبان يوم القيامة على رءوس الناس ‪ ،‬يقول‬
‫م َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬
‫ن‬‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ي إ ِلهَي ْ ِ‬ ‫ذوِني وَأ ّ‬ ‫خ ُ‬ ‫س ات ّ ِ‬ ‫ت ِللّنا ِ‬ ‫ت قُل ْ َ‬ ‫الله لعيسى ابن مريم ‪ } :‬أأن ْ َ‬
‫م { ]المائدة ‪:‬‬ ‫صد ْقُهُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫فعُ ال ّ‬ ‫م ي َن ْ َ‬ ‫ذا ي َوْ ُ‬ ‫ه هَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫الل ّهِ { إلى قوله ‪َ } :‬قا َ‬
‫ن ِلي‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫‪ ، [119 ، 116‬قال ‪ :‬ويقوم إبليس ‪ -‬لعنه الله ‪ -‬فيقول ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫سل ْ َ‬
‫م ِلي { الية‪.‬‬ ‫جب ْت ُ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫ن د َعَوْت ُك ُ ْ‬ ‫ن ِإل أ ْ‬ ‫طا ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫كال‪ .‬وأن‬ ‫ثم لما ذكر تعالى مآل الشقياء وما صاروا إليه من الخزي والن ّ َ‬
‫خطيبهم إبليس ‪ ،‬عطف بحال السعداء وأنهم يدخلون يوم القيامة جنات‬
‫ن‬
‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫تجري من تحتها النهار سارحة فيها حيث ساروا وأين ساروا )‪َ } (1‬‬
‫م{‬ ‫سل ٌ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫حي ّت ُهُ ْ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫ِفيَها { ماكثين أبدا ل يحولون ول يزولون ‪ } ،‬ب ِإ ِذ ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫سل ٌ‬ ‫خَزن َت َُها َ‬ ‫م َ‬ ‫ل لهُ ْ‬ ‫واب َُها وَقا َ‬ ‫ت أب ْ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ها وَفُت ِ َ‬ ‫جاُءو َ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫كما قال تعالى ‪َ } :‬‬
‫ن ك ُلّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن عَلي ْهِ ْ‬‫َ‬ ‫خلو َ‬ ‫ُ‬ ‫ة ي َد ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ملئ ِك ُ‬ ‫ْ‬
‫م { ]الزمر ‪ ، [73 :‬وقال تعالى ‪َ } :‬وال َ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫ة‬
‫حي ّ ً‬ ‫ن ِفيَها ت َ ِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫م { ]الرعد ‪ [24 ، 23 :‬وقال تعالى ‪ } :‬وَي ُل َ ّ‬ ‫م عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫سل ٌ‬ ‫ب َ‬ ‫َبا ٍ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ي‬
‫ُ ّ ََ ِ ُُّ ْ‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ن‬ ‫حا‬ ‫ب‬ ‫س‬
‫َ ْ َ ُ ْ ِ َ ُ ْ َ َ‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫وا‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫}‬ ‫‪:‬‬ ‫وقال‬ ‫‪،‬‬ ‫[‬ ‫‪75‬‬ ‫‪:‬‬ ‫]الفرقان‬ ‫{‬ ‫ما‬ ‫وَ َ ً‬‫سل‬
‫َ‬
‫ن { ]يونس ‪.[10 :‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مأ ِ‬ ‫واهُ ْ‬ ‫خُر د َعْ َ‬ ‫م َوآ ِ‬ ‫سل ٌ‬ ‫ِفيَها َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت وَفَْرعَُها‬ ‫صل َُها َثاب ِ ٌ‬ ‫جَرةٍ ط َي ّب َةٍ أ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ة كَ َ‬ ‫ة ط َي ّب َ ً‬ ‫م ً‬ ‫مَثل ك َل ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ف َ‬ ‫م ت ََر ك َي ْ َ‬ ‫} أل َ ْ‬
‫ماِء )‪{ (24‬‬ ‫س َ‬ ‫ِفي ال ّ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬شاءوا أين شاءوا" وفي أ ‪" :‬شاءوا حيث شاءوا"‪.‬‬

‫) ‪(4/491‬‬

‫ن)‬ ‫س ل َعَل ّهُ ْ‬


‫م ي َت َذ َك ُّرو َ‬ ‫ل ِللّنا َ ِ‬
‫َ‬
‫ه اْل ْ‬
‫مَثا َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضرِ ُ‬ ‫ن َرب َّها وَي َ ْ‬ ‫ن ب ِإ ِذ ْ ِ‬
‫حي ٍ‬
‫ل ِ‬‫ت ُؤِْتي أ ُك ُل ََها ك ُ ّ‬
‫ن قََراٍر‬
‫م ْ‬‫ما ل ََها ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ق الْر ِ‬
‫ن فَوْ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جت ُث ّ ْ‬
‫ت ِ‬ ‫خِبيث َةٍ ا ْ‬
‫جَرةٍ َ‬ ‫ش َ‬ ‫خِبيث َةٍ ك َ َ‬ ‫ل ك َل ِ َ‬
‫مةٍ َ‬ ‫مث َ ُ‬‫‪ (25‬وَ َ‬
‫)‪(26‬‬

‫ن)‬ ‫م ي َت َذ َك ُّرو َ‬‫س ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ل ِللّنا ِ‬‫مَثا َ‬


‫ه ال ْ‬‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضرِ ُ‬ ‫ن َرب َّها وَي َ ْ‬ ‫ن ب ِإ ِذ ْ ِ‬
‫حي ٍ‬
‫ل ِ‬ ‫} ت ُؤِْتي أ ُك ُل ََها ك ُ ّ‬
‫ن قََراٍر‬‫م ْ‬ ‫ما ل ََها ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ق الْر ِ‬ ‫ن فَوْ ِ‬‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫جت ُث ّ ْ‬‫خِبيث َةٍ ا ْ‬‫جَرةٍ َ‬ ‫ش َ‬ ‫خِبيث َةٍ ك َ َ‬
‫مةٍ َ‬ ‫ل ك َل ِ َ‬‫مث َ ُ‬
‫‪ (25‬وَ َ‬
‫)‪{ (26‬‬
‫ة{‬ ‫َ‬
‫ة طي ّب َ ً‬ ‫م ً‬ ‫َ‬
‫مَثل كل ِ َ‬ ‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪َ } :‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت{‬ ‫صلَها َثاب ِ ٌ‬ ‫جَرةٍ ط َي ّب َةٍ { وهو المؤمن ‪ } ،‬أ ْ‬ ‫ش َ‬‫شهادة أن ل إله إل الله ‪ } ،‬ك َ َ‬
‫ماِء { يقول ‪ :‬يرفع‬ ‫يقول ‪ :‬ل إله إل الله في قلب المؤمن ‪ } ،‬وَفَْرعَُها ِفي ال ّ‬
‫س َ‬
‫بها عمل المؤمن إلى السماء‪.‬‬
‫رمة وقتادة وغير واحد ‪ :‬إن ذلك‬ ‫ْ‬
‫عك ِ‬ ‫جَبير ‪ ،‬و ِ‬ ‫وهكذا قال الضحاك ‪ ،‬وسعيد بن ُ‬
‫عبارة عن المؤمن ‪ ،‬وقوله الطيب ‪ ،‬وعمله الصالح ‪ ،‬وإن المؤمن كالشجرة‬
‫من النخل ‪ ،‬ل يزال يرفع له عمل صالح في كل حين ووقت ‪ ،‬وصباح ومساء‪.‬‬
‫مّرة ‪ ،‬عن ابن مسعود قال ‪ :‬هي النخلة‪.‬‬ ‫دي ‪ ،‬عن ُ‬ ‫س ّ‬ ‫وهكذا رواه ال ّ‬
‫وشعبة ‪ ،‬عن معاوية بن قَُرة ‪ ،‬عن أنس ‪ :‬هي النخلة‪.‬‬

‫) ‪(4/491‬‬
‫وحماد بن سلمة ‪ ،‬عن شعيب بن الحبحاب ‪ ،‬عن أنس ‪ :‬أن رسول الله صلى‬
‫سر فقال ‪" (1) :‬ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة"‬ ‫الله عليه وسلم أتي بقناع ب ُ ْ‬
‫قال ‪" :‬هي النخلة" )‪.(2‬‬
‫وروي من هذا الوجه ومن غيره ‪ ،‬عن أنس موقوفا )‪ (3‬وكذا نص عليه‬
‫مسروق ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة وغيرهم‪.‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا عَُبيد ُ بن إسماعيل ‪ ،‬عن أبي أسامة ‪ ،‬عن عبيد الله ‪،‬‬
‫عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‬
‫‪" :‬أخبروني عن شجرة تشبه ‪ -‬أو ‪ :‬كالرجل ‪ -‬المسلم ‪ ،‬ل يتحات ورقها ]ول‬
‫ول ول[ )‪ (4‬تؤتي أكلها كل حين"‪ .‬قال ابن عمر ‪ :‬فوقع في نفسي أنها النخلة‬
‫‪ ،‬ورأيت أبا بكر وعمر ل يتكلمان ‪ ،‬فكرهت أن أتكلم ‪ ،‬فلما لم يقولوا شيئا ‪،‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬هي النخلة"‪ .‬فلما قمنا قلت لعمر ‪:‬‬
‫يا أبتا ‪ ،‬والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة‪ .‬قال ‪ :‬ما منعك أن تكلم ؟‬
‫قال ‪ :‬لم أركم تتكلمون ‪ ،‬فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئا‪ .‬قال عمر ‪ :‬لن‬
‫تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا )‪.(5‬‬
‫وقال أحمد ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن ابن أبي نجيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬صحبت ابن‬
‫عمر إلى المدينة ‪ ،‬فلم أسمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫إل حديثا واحدا ‪ -‬قال ‪ :‬كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بجمار‪.‬‬
‫فقال ‪" :‬من الشجر شجرة مثلها مثل الرجل المسلم"‪ .‬فأردت أن أقول ‪ :‬هي‬
‫النخلة ‪ ،‬فنظرت فإذا أنا أصغر القوم ‪] ،‬فسكت[ )‪ (6‬فقال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬هي النخلة" أخرجاه )‪.(7‬‬
‫وقال مالك وعبد العزيز ‪ ،‬عن عبد الله بن دينار ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما لصحابه ‪" :‬إن من الشجر شجرة ل‬
‫يطرح ورقها ‪ ،‬مثل المؤمن"‪ .‬قال ‪ :‬فوقع الناس في شجر البوادي ‪ ،‬ووقع في‬
‫قلبي أنها النخلة ]فاستحييت ‪ ،‬حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫"هي النخلة[" )‪ (8‬أخرجاه أيضا )‪.(9‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا أبان ‪-‬‬
‫يعني ابن زيد العطار ‪ -‬حدثنا قتادة ‪ :‬أن رجل قال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ذهب أهل‬
‫الدثور بالجور! فقال ‪" :‬أرأيت لو عمد إلى متاع‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في هـ ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقرأ" والمثبت من الطبري والترمذي‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه الطبري في تفسيره )‪ (16/570‬والترمذي في السنن برقم )‬
‫‪ (3119‬من طريق حماد بن سلمة به ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬وروى غير واحد مثل‬
‫هذا موقوفا ‪ ،‬ول نعلم أحدا رفعه غير حماد بن سلمة ‪ ،‬ورواه معمر وحماد بن‬
‫زيد وغير واحد ولم يرفعوه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه أبو بكر بن شعيب بن الحبحاب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أنس بن مالك نحوه‬
‫موقوفا ‪ ،‬أخرجه الترمذي في السنن برقم )‪ (3119‬ورواه حماد بن زيد ‪ ،‬عن‬
‫شعيب بن الحبحاب ‪ ،‬عن أنس موقوفا ‪ ،‬أخرجه الترمذي في السنن برقم )‬
‫‪.(3119‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والبخاري‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري برقم )‪.(4698‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (7‬المسند )‪ (2/12‬وصحيح البخاري برقم )‪ (72‬وصحيح مسلم برقم )‬
‫‪.(2811‬‬
‫)‪ (8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والصحيحين‪.‬‬
‫)‪ (9‬صحيح البخاري برقم )‪ (131‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2811‬‬

‫) ‪(4/492‬‬

‫الدنيا ‪ ،‬فركب بعضها على بعض أكان يبلغ السماء ؟ أفل أخبرك بعمل أصله‬
‫في الرض وفرعه في السماء ؟"‪ .‬قال ‪ :‬ما هو يا رسول الله ؟ قال ‪:‬‬
‫"تقول ‪ :‬ل إله إل الله ‪ ،‬والله أكبر ‪ ،‬وسبحان الله ‪ ،‬والحمد لله" ‪ ،‬عشر مرات‬
‫في دبر كل صلة ‪ ،‬فذاك أصله في الرض وفرعه في السماء" )‪.(1‬‬
‫جَرةٍ ط َي ّب َةٍ { قال ‪ :‬هي شجرة في الجنة‪.‬‬ ‫ش َ‬‫وعن ابن عباس } ك َ َ‬
‫عشيا‪ .‬وقيل ‪ :‬كل شهر‪.‬‬ ‫غدوة و َ‬ ‫ن { قيل ‪ُ :‬‬ ‫حي ٍ‬
‫ل ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ت ُؤِْتي أ ُك ُل ََها ك ُ ّ‬
‫وقيل ‪ :‬كل شهرين‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬كل ستة أشهر‪ .‬وقيل ‪ :‬كل سبعة أشهر‪ .‬وقيل ‪ :‬كل سنة‪.‬‬
‫والظاهر من السياق ‪ :‬أن المؤمن مثله كمثل شجرة ‪ ،‬ل يزال يوجد منها ثمر‬
‫في كل وقت من صيف أو شتاء ‪ ،‬أو ليل أو نهار ‪ ،‬كذلك المؤمن ل يزال يرفع‬
‫له عمل صالح آناء الليل وأطراف النهار في كل وقت وحين‪.‬‬
‫س‬
‫ِ ّ ِ‬ ‫نا‬ ‫لل‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ثا‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ال‬ ‫ب الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ضرِ ُ‬
‫ن َرب َّها { أي ‪ :‬كامل حسنا كثيرا طيبا ‪ } ،‬وَي َ ْ‬ ‫} ب ِإ ِذ ْ ِ‬
‫ن{‬ ‫م ي َت َذ َك ُّرو َ‬‫ل َعَل ّهُ ْ‬
‫خِبيث َةٍ { هذا مثل كفر الكافر ‪ ،‬ل أصل‬ ‫جَرةٍ َ‬ ‫خِبيث َةٍ ك َ َ‬
‫ش َ‬ ‫مةٍ َ‬ ‫ل ك َل ِ َ‬‫مث َ ُ‬
‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫له ول ثبات ‪ ،‬وشبه بشجرة الحنظل ‪ ،‬ويقال لها ‪" :‬الشريان"‪] .‬رواه شعبة ‪،‬‬
‫عن معاوية بن قُّرة ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ :‬أنها شجرة الحنظل[ )‪.(2‬‬
‫وقال أبو بكر البزار الحافظ ‪ :‬حدثنا يحيى بن محمد بن السكن ‪ ،‬حدثنا أبو زيد‬
‫سبه رفعه‬ ‫سعيد بن الربيع ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن معاوية بن قرة ‪ ،‬عن أنس ‪ -‬أح َ‬
‫ة‬
‫م ٍ‬ ‫َ‬
‫ل كل ِ َ‬ ‫مث َ ُ‬
‫‪ -‬قال ‪" :‬مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة" ‪ ،‬قال ‪ :‬هي النخلة ‪ } ،‬وَ َ‬
‫شْريان )‪.(3‬‬ ‫خِبيث َةٍ { قال ‪ :‬هي ال ّ‬ ‫جَرةٍ َ‬ ‫ش َ‬‫خِبيث َةٍ ك َ َ‬ ‫َ‬
‫در ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن معاوية ‪ ،‬عن أنس‬ ‫ثم رواه عن محمد بن المثنى ‪ ،‬عن غُن ْ َ‬
‫موقوفا )‪.(4‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا حماد ‪-‬‬
‫حْبحاب عن أنس بن مالك ؛ أن النبي صلى‬ ‫هو ابن سلمة ‪ -‬عن شعيب بن ال َ‬
‫الله عليه وسلم قال ‪" :‬ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة" هي الحنظلة"‪.‬‬
‫فأخبرت بذلك أبا العالية فقال ‪ :‬هكذا كنا نسمع‪.‬‬
‫ورواه ابن جرير ‪ ،‬من حديث حماد بن سلمة ‪ ،‬به )‪ (5‬ورواه أبو يعلى في‬
‫مسنده بأبسط من هذا فقال ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬أورده السيوطي في الدر المنثور )‪ (5/22‬وعزاه لبن أبي حاتم ‪ ،‬وهو‬
‫مرسل‪.‬‬
‫)‪ (2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (3‬ورواه حماد بن سلمة عن شعيب بن الحبحاب عن أنس مرفوعا مثله‬
‫رواه الطبري في تفسيره )‪.(585 ، 16/570‬‬
‫)‪ (4‬ورواه الطبري في تفسيره )‪ (16/583‬عن محمد بن المثنى به موقوفا ‪،‬‬
‫ورواه شبابة وعمرو بن الهيثم ‪ ،‬عن شعبة فأوقفوه‪ .‬انظر ‪ :‬تفسير الطبري )‬
‫‪.(16/583‬‬
‫)‪ (5‬تفسير الطبري )‪.(16/585‬‬
‫) ‪(4/493‬‬

‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي اْل َ ِ‬ ‫ذي َ‬


‫ل الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ض ّ‬
‫خَرةِ وَي ُ ِ‬ ‫ت ِفي ال ْ َ‬
‫ل الّثاب ِ ِ‬
‫قو ْ ِ‬‫مُنوا ِبال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ال ّ ِ َ‬ ‫ت الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ي ُث َب ّ ُ‬
‫شاُء )‪(27‬‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬‫فعَ ُ‬
‫وَي َ ْ‬ ‫ن‬‫مي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬

‫حدثنا غسان ‪ ،‬عن حماد ‪ ،‬عن شعيب ‪ ،‬عن أنس ؛ أن رسول الله صلى الله‬
‫سر ‪ ،‬فقال ‪ :‬ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة ‪،‬‬ ‫عليه وسلم أتي بقناع عليه ب ُ ْ‬
‫أصلها ثابت وفرعها في السماء‪ .‬تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها فقال ‪" :‬هي‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ما ل ََها ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ق الْر ِ‬ ‫ن فَوْ ِ‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫جت ُث ّ ْ‬‫خِبيث َةٍ ا ْ‬
‫جَرةٍ َ‬ ‫ش َ‬ ‫خِبيث َةٍ ك َ َ‬ ‫مةٍ َ‬ ‫ل ك َل ِ َ‬ ‫مث َ ُ‬‫النخلة" } وَ َ‬
‫قََرارٍ { قال ‪" :‬هي الحنظل" )‪ (1‬قال شعيب ‪ :‬فأخبرت بذلك أبا العالية فقال‬
‫‪ :‬كذلك كنا نسمع )‪.(2‬‬
‫ن قََرارٍ {‬ ‫م ْ‬ ‫ما لَها ِ‬ ‫َ‬ ‫ض َ‬ ‫ن فَوْ ِ‬ ‫جت ُث ّ ْ‬
‫ق الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت { أي ‪ :‬استؤصلت } ِ‬ ‫وقوله ‪ } :‬ا ْ‬
‫أي ‪ :‬ل أصل لها ول ثبات ‪ ،‬كذلك الكفر ل أصل له ول فرع ‪ ،‬ول يصعد للكافر‬
‫عمل ‪ ،‬ول يتقبل منه شيء‪.‬‬
‫ضلّ‬ ‫خَرةِ وَي ُ ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ‬ ‫ْ‬
‫ت ِفي ال َ‬ ‫ّ‬
‫ل الثاب ِ ِ‬ ‫مُنوا ِبال ْ َ‬
‫قو ْ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫ت الل ّ ُ‬ ‫} ي ُث َب ّ ُ‬
‫شاُء )‪{ (27‬‬ ‫ما ي َ َ‬‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫فعَ ُ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ه ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫مْرَثد قال ‪:‬‬ ‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا أبو الوليد ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬أخبرني علقمة بن َ‬
‫سمعت سعد بن عبيدة ‪ ،‬عن البراء بن عازب ‪ ،‬رضي الله عنه ؛ أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬المسلم إذا سئل في القبر ‪ ،‬شهد أن ل إله‬
‫ل‬
‫قو ْ ِ‬ ‫مُنوا ِبال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫ت الل ّ ُ‬‫إل الله وأن محمدا رسول الله ‪ ،‬فذلك قوله ‪ } :‬ي ُث َب ّ ُ‬
‫خَرةِ { )‪.(3‬‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ‬ ‫ت ِفي ال ْ َ‬ ‫الّثاب ِ ِ‬
‫قّية الجماعة كلهم ‪ ،‬من حديث شعبة ‪ ،‬به )‪.(4‬‬ ‫ورواه مسلم أيضا وب َ ِ‬
‫من َْهال بن‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن ال ِ‬
‫عمرو ‪ ،‬عن زاذان ‪ ،‬عن البراء بن عازب قال ‪ :‬خرجنا مع رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم في جنازة رجل من النصار ‪ ،‬فانتهينا إلى القبر ولما يلحد ‪،‬‬
‫فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله ‪ ،‬كأن على رءوسنا‬
‫الطير ‪ ،‬وفي يده عود ي َْنكت به في الرض ‪ ،‬فرفع رأسه فقال ‪" :‬استعيذوا‬
‫بالله من عذاب القبر" ‪ ،‬مرتين أو ثلثا ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬إن العبد المؤمن إذا كان‬
‫في انقطاع من الدنيا وإقبال من الخرة نزل إليه ملئكة من السماء ‪ ،‬بيض‬
‫حُنوط من‬ ‫الوجوه كأن وجوههم الشمس ‪ ،‬معهم كفن من أكفان الجنة و َ‬
‫حُنوط الجنة ‪ ،‬حتى يجلسوا منه مد البصر‪ .‬ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس‬ ‫َ‬
‫عند رأسه ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أيتها النفس الطيبة ‪ ،‬اخرجي إلى مغفرة من الله‬
‫قاء فيأخذها ‪،‬‬ ‫س َ‬ ‫ورضوان"‪ .‬قال ‪" :‬فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من ِفي ال ّ‬
‫فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين ‪ ،‬حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك‬
‫الكفن وفي ذلك الحُنوط ‪ ،‬ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه‬
‫الرض‪ .‬فيصعدون بها ‪ ،‬فل يمرون ‪ -‬يعني بها ‪ -‬على مل من الملئكة‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬الحنظلة"‪.‬‬
‫)‪ (2‬ورواه الترمذي في السنن برقم )‪ (3119‬عن عبد بن حميد ‪ ،‬عن أبي‬
‫الوليد ‪ ،‬عن حماد بن سلمة به نحوه ‪ ،‬وقد سبق الكلم عليه‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري برقم )‪.(4699‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم برقم )‪ (2871‬وسنن أبي داود برقم )‪ (4750‬وسنن‬
‫الترمذي برقم )‪ (3120‬وسنن النسائي )‪ (4/101‬وسنن ابن ماجة برقم )‬
‫‪.(4269‬‬

‫) ‪(4/494‬‬

‫إل قالوا ‪ :‬ما هذا الروح ]الطيب[ )‪ (1‬؟ فيقولون ‪ :‬فلن ابن فلن ‪ ،‬بأحسن‬
‫أسمائه التي ]كانوا[ )‪ (2‬يسمونه بها في الدنيا ‪ ،‬حتى ينتهوا به إلى السماء‬
‫الدنيا ‪ ،‬فيستفتحون له ‪ ،‬فيفتح له ‪ ،‬فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى‬
‫السماء التي تليها ‪ ،‬حتى ينتهى بها إلى السماء السابعة ‪ ،‬فيقول الله ‪ :‬اكتبوا‬
‫عليين ‪ ،‬وأعيدوه إلى الرض ‪ ،‬فإني منها خلقتهم وفيها‬ ‫كتاب عبدي في ِ‬
‫أعيدهم ‪ ،‬ومنها أخرجهم تارة أخرى"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬فت َُعاد روحه ]في جسده[ )‪ (3‬فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولن له ‪ :‬من‬
‫ربك ؟ فيقول ‪ :‬ربي الله‪ .‬فيقولن له ‪ :‬ما دينك ؟ فيقول ‪ :‬ديني السلم‪.‬‬
‫فيقولن له ‪ :‬ما هذا الرجل الذي ُبعث فيكم ؟ فيقول ‪ :‬هو رسول الله‪.‬‬
‫فيقولن له ‪ :‬وما علمك ؟ فيقول ‪ :‬قرأت كتاب الله ‪ ،‬فآمنت به وصدقت‪.‬‬
‫فينادي مناد من السماء ‪ :‬أن صدق عبدي ‪ ،‬فأفرشوه من الجنة ‪ ،‬وألبسوه‬
‫حها وطيبها ‪،‬‬ ‫من الجنة ‪ ،‬وافتحوا له باًبا إلى الجنة ‪ -‬قال ‪ :‬فيأتيه من َروْ ِ‬
‫ويفسح له في قبره مد بصره‪ .‬ويأتيه رجل حسن الوجه ‪ ،‬حسن الثياب ‪،‬‬
‫طيب الريح ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أبشر بالذي يسرك ‪ ،‬هذا يومك الذي كنت توعد‪.‬‬
‫فيقول له من أنت ؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير‪ .‬فيقول ‪ :‬أنا عملك الصالح‪.‬‬
‫فيقول ‪ :‬رب أقم الساعة‪ .‬رب ‪ ،‬أقم الساعة ‪ ،‬حتى أرجع إلى أهلي ومالي"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الخرة ‪،‬‬
‫سوح ‪ ،‬فجلسوا منه مد‬ ‫م ُ‬ ‫نزل إليه من السماء ملئكة سود الوجوه ‪ ،‬معهم ال ُ‬
‫البصر‪ .‬ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أيتها النفس‬
‫ضب"‪ .‬قال ‪" :‬فَتفرق في جسده ‪،‬‬ ‫خط من الله وغَ َ‬ ‫س َ‬ ‫الخبيثة ‪ ،‬اخرجي إلى َ‬
‫فود من الصوف المبلول ‪ ،‬فيأخذها ‪ ،‬فإذا أخذها لم‬ ‫س ّ‬‫فينتزعها كما ينتزع ال ّ‬
‫يدعوها )‪ (4‬في يده طرفة عين ‪ ،‬حتى يجعلوها في تلك المسوح‪ .‬ويخرج منها‬
‫كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الرض ‪ ،‬فيصعدون بها فل يمرون بها على‬
‫مل من الملئكة إل قالوا ‪ :‬ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون ‪ :‬فلن ابن فلن ‪،‬‬ ‫َ‬
‫بأقبح أسمائه التي كان يسمونه بها في الدنيا ]حتى ينتهى به إلى السماء‬
‫الدنيا[ )‪ (5‬فيستفتح له فل يفتح له"‪ .‬ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فتح ل َه َ‬
‫م‬
‫س ّ‬
‫ل ِفي َ‬ ‫م ُ‬ ‫ج َ‬‫ج ال ْ َ‬‫حّتى ي َل ِ َ‬ ‫ة َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫خُلو َ‬
‫ماِء َول ي َد ْ ُ‬ ‫س َ‬
‫ب ال ّ‬ ‫وا ُ‬‫م أب ْ َ‬
‫‪ } :‬ل تُ َ ّ ُ ُ ْ‬
‫ط { ]العراف ‪ ، [40 :‬فيقول الله ‪" :‬اكتبوا كتابه في سجين ‪ ،‬في‬ ‫خَيا ِ‬‫ال ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ك ِباللهِ فَك َأن ّ َ‬
‫ما‬ ‫شرِ ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫الرض السفلى ‪ ،‬فتطرح روحه طرحا"‪ .‬ثم قرأ ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ق { ]الحج ‪:‬‬ ‫حي ٍ‬ ‫س ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كا ٍ‬‫م َ‬ ‫ح ِفي َ‬ ‫وي ب ِهِ الّري ُ‬ ‫ه الط ّي ُْر أوْ ت َهْ ِ‬ ‫ف ُ‬‫خط َ ُ‬‫ماِء فَت َ ْ‬‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬
‫خّر ِ‬ ‫َ‬
‫‪.[31‬‬
‫"فتعاد روحه في جسده ‪ ،‬ويأتيه ملكان فيجلسانه ويقولن له ‪ :‬من ربك ؟‬
‫فيقول ‪ :‬هاه هاه ‪ ،‬ل أدري‪ .‬فيقولن له ‪ :‬ما دينك ؟ فيقول ‪ :‬هاه هاه ‪ ،‬ل‬
‫أدري‪ .‬فيقولن له ‪ :‬ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول ‪ :‬هاه هاه ‪ ،‬ل‬
‫أدري‪ .‬فينادي مناد من السماء ‪ :‬أن كذب فأفرشوه من النار ‪ ،‬وافتحوا له بابا‬
‫إلى النار‪ .‬فيأتيه من حرها وسمومها ‪ ،‬ويضيق عليه قبره ‪ ،‬حتى تختلف فيه‬
‫أضلعه ‪ ،‬ويأتيه رجل‬
‫__________‬
‫زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫في أ ‪" :‬لم يدعها"‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬

‫) ‪(4/495‬‬

‫قبيح الوجه ‪ ،‬قبيح الثياب ‪ ،‬منتن الريح فيقول ‪ :‬أبشر بالذي يسوءك ‪ ،‬هذا‬
‫يومك الذي كنت توعد‪ .‬فيقول ‪ :‬ومن أنت فوجهك ]الوجه[ )‪ (1‬يجيئ بالشر‪.‬‬
‫فيقول ‪ :‬أنا عملك الخبيث ‪ ،‬فيقول ‪ :‬رب ‪ ،‬ل تقم الساعة"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود من حديث العمش ‪ ،‬والنسائي وابن ماجة من حديث المنهال‬
‫بن عمرو ‪ ،‬به )‪.(2‬‬
‫مر ‪ ،‬عن يونس بن خباب )‪(3‬‬ ‫معْ َ‬ ‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫من َْهال بن عمرو ‪ ،‬عن زاذان ‪ ،‬عن البراء بن عازب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪،‬‬ ‫عن ال ِ‬
‫قال ‪ :‬خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة ‪ ،‬فذكر نحوه‪.‬‬
‫وفيه ‪" :‬حتى إذا خرج روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والرض ‪] ،‬وكل‬
‫ملك في السماء[ )‪ (4‬وفتحت أبواب السماء ‪ ،‬ليس من أهل باب إل وهم‬
‫يدعون الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬أن يعرج بروحه من قبلهم"‪.‬‬
‫وفي آخره ‪" :‬ثم يقيض له أعمى أصم أبكم ‪ ،‬وفي يده مرزّبة لو ضرب بها‬
‫جبل لكان ترابا ‪ ،‬فيضربه ضربة فيصير ترابا‪ .‬ثم يعيده الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬كما‬
‫كان ‪ ،‬فيضربه ضربة أخرى فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إل الثقلين"‪ .‬قال‬
‫البراء ‪ :‬ثم يفتح له باب إلى النار ‪ ،‬ويمهد من فرش النار )‪.(5‬‬
‫مة ‪ ،‬عن البراء في قوله تعالى ‪:‬‬ ‫خي ْث َ َ‬‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا { قال ‪ :‬عذاب القبر‪.‬‬ ‫ْ‬
‫ت ِفي ال َ‬ ‫ل الّثاب ِ ِ‬ ‫مُنوا ِبال ْ َ‬
‫قو ْ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ت الل ّ ُ‬‫} ي ُث َب ّ ُ‬
‫خارق ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عبد الله قال ‪ :‬إن‬ ‫م َ‬ ‫وقال المسعودي ‪ ،‬عن عبد الله بن ُ‬
‫المؤمن إذا مات أجلس في قبره ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬من ربك ؟ ما دينك ؟ من‬
‫نبيك ؟ فيثبته الله ‪ ،‬فيقول ‪ :‬ربي الله ‪ ،‬وديني السلم ‪ ،‬ونبيي محمد صلى‬
‫ت ِفي‬ ‫ل الّثاب ِ ِ‬ ‫مُنوا ِبال ْ َ‬
‫قو ْ ِ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫ه ال ّ ِ‬
‫ت الل ّ ُ‬ ‫الله عليه وسلم‪ .‬وقرأ عبد الله ‪ } :‬ي ُث َب ّ ُ‬
‫خَرةِ { )‪.(6‬‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫وقال المام عبد بن حميد ‪ ،‬رحمه الله ‪ ،‬في مسنده ‪ :‬حدثنا يونس بن محمد ‪،‬‬
‫حدثنا شيبان بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬حدثنا أنس بن مالك قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن العبد إذا وضع في قبره ‪ ،‬وتولى عنه‬
‫أصحابه ‪ ،‬إنه ليسمع قرع نعالهم"‪ .‬قال ‪" :‬فيأتيه ملكان فيقعدانه فيقولن له ‪:‬‬
‫ما كنت تقول في هذا الرجل ؟" قال ‪" :‬فأما المؤمن فيقول ‪ :‬أشهد أنه عبد‬
‫الله ورسوله"‪ .‬قال ‪" :‬فيقال له ‪ :‬انظر إلى مقعدك من النار ‪ ،‬قد أبدلك الله‬
‫به مقعدا من الجنة"‪ .‬قال نبي الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬فيراهما جميعا"‪.‬‬
‫قال‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسند )‪ (4/287‬وسنن أبي داود برقم )‪ (4753‬وسنن النسائي برقم )‬
‫‪ (4/78‬وسنن ابن ماجة برقم )‪.(1548‬‬
‫)‪ (3‬في هـ ‪ ،‬أ ‪" :‬يونس بن حبيب" والمثبت من ت والمسند‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫)‪ (5‬المسند )‪.(4/295‬‬
‫)‪ (6‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(16/597‬‬

‫) ‪(4/496‬‬

‫ضًرا إلى‬
‫خ ِ‬‫قتادة ‪ :‬وذكر لنا أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعا ‪ ،‬ويمل عليه َ‬
‫يوم القيامة‪.‬‬
‫رواه مسلم عن عبد بن حميد ‪ ،‬به )‪ (1‬وأخرجه النسائي من حديث يونس بن‬
‫محمد المؤدب ‪ ،‬به )‪.(2‬‬
‫جَرْيج ‪ ،‬أخبرني أبو‬‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد ‪ ،‬عن ابن ُ‬
‫الزبير ‪ ،‬أنه سأل جابر بن عبد الله عن فَّتاني القبر فقال ‪ :‬سمعت النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم يقول ‪" :‬إن هذه المة ت ُب ْت ََلى في قبورها ‪ ،‬فإذا أدخل المؤمن‬
‫قبره وتولى عنه أصحابه ‪ ،‬جاء ملك شديد النتهار ‪ ،‬فيقول له ‪ :‬ما كنت تقول‬
‫في هذا الرجل ؟ فيقول المؤمن ‪ :‬أقول ‪ :‬إنه رسول الله وعبده‪ .‬فيقول له‬
‫الملك ‪ :‬انظر إلى مقعدك الذي كان لك في النار ‪ ،‬قد أنجاك الله منه ‪،‬‬
‫وأبدلك بمقعدك الذي ترى من النار مقعدك الذي ترى من الجنة ‪ ،‬فيراهما‬
‫كليهما‪ .‬فيقول المؤمن ‪ :‬دعوني أبشر أهلي‪ .‬فيقال له ‪ :‬اسكن‪ .‬وأما المنافق‬
‫فيقعد إذا تولى عنه أهله ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول ‪:‬‬
‫ل أدري ‪ ،‬أقول كما يقول الناس‪ .‬فيقال له ‪ :‬ل دريت ‪ ،‬هذا مقعدك الذي كان‬
‫لك في الجنة ‪ ،‬قد أبدلت مكانه مقعدك من النار"‪.‬‬
‫قال جابر ‪ :‬فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬يبعث كل عبد في‬
‫القبر على ما مات ‪ ،‬المؤمن على إيمانه ‪ ،‬والمنافق على نفاقه"‪.‬‬
‫إسناده )‪ (3‬صحيح على شرط مسلم ‪ ،‬ولم يخرجاه )‪.(5) (4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو عامر ‪ ،‬حدثنا عباد بن راشد ‪ ،‬عن داود بن أبي‬
‫شِهدنا مع رسول الله‬ ‫هند ‪ ،‬عن أبي نضرة ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري قال ‪َ :‬‬
‫صلى الله عليه وسلم جنازة ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬يا‬
‫أيها الناس ‪ ،‬إن هذه المة ُتبَتلى في قبورها ‪ ،‬فإذا النسان دفن وتفرق عنه‬
‫أصحابه ‪ ،‬جاءه ملك في يده مطراق فأقعده ‪ ،‬قال ‪ :‬ما تقول في هذا‬
‫الرجل ؟ فإن كان مؤمنا قال ‪ :‬أشهد أن ل إله إل الله ‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبد‬
‫الله ورسوله )‪ (6‬فيقول له ‪ :‬صدقت‪ .‬ثم يفتح له بابا إلى النار ‪ ،‬فيقول ‪ :‬هذا‬
‫كان منزلك لو كفرت بربك ‪ ،‬فأما إذ آمنت فهذا منزلك‪ .‬فيفتح له بابا إلى‬
‫الجنة ‪ ،‬فيريد أن ينهض إليه ‪ ،‬فيقول له ‪ :‬اسكن‪ .‬ويفسح له في قبره"‪" .‬وإن‬
‫كان كافرا أو منافقا يقول )‪ (7‬له ‪ :‬ما تقول في هذا الرجل ؟ فيقول ‪ :‬ل‬
‫أدري ‪ ،‬سمعت الناس يقولون شيئا )‪ (8‬فيقول ‪ :‬ل دريت ول تليت ول‬
‫اهتديت‪ .‬ثم يفتح له بابا إلى الجنة ‪ ،‬فيقول له ‪ :‬هذا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المنتخب لعبد بن حميد برقم )‪ (1178‬وصحيح مسلم برقم )‪.(2870‬‬
‫)‪ (2‬سنن النسائي )‪.(4/97‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬إسناد"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬ولم يخرجوه"‪.‬‬
‫)‪ (5‬الذي في المسند )‪ : (3/346‬حدثنا موسى بن داود ‪ ،‬حدثنا ابن لهيعة ‪،‬‬
‫عن أبي الزبير به ‪ ،‬وكذا في أطراف المسند لبن حجر )‪.(2/110‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬وأن محمدا رسول الله"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيقول"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في أ ‪" :‬شيئا فقلته"‪.‬‬

‫) ‪(4/497‬‬

‫منزلك لو آمنت بربك ‪ ،‬فأما إذ كفرت به فإن الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬أبدلك به هذا‪.‬‬
‫خل ْقُ الله ‪،‬‬
‫ة بالمطراق يسمعها َ‬ ‫معه قمع ً‬ ‫فيفتح )‪ (1‬له بابا إلى النار ‪ ،‬ثم يق َ‬
‫عز وجل ‪ ،‬كلهم غير الثقلين"‪ .‬فقال بعض القوم ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ما أحد‬
‫يقوم عليه ملك في يده مطراق )‪ (2‬إل هيل عند ذلك‪ .‬فقال رسول الله صلى‬
‫ل الّثاب ِ ِ‬
‫ت { )‪.(3‬‬ ‫قو ْ ِ‬‫مُنوا ِبال ْ َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ت الل ّ ُ‬
‫الله عليه وسلم ‪ } :‬ي ُث َب ّ ُ‬
‫وهذا أيضا إسناد ل بأس به ‪ ،‬فإن عباد بن راشد التميمي روى له البخاري‬
‫مقرونا ‪ ،‬ولكن ضعفه بعضهم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسين بن محمد ‪ ،‬عن ابن أبي ذئب ‪ ،‬عن محمد بن‬
‫سار ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى الله‬ ‫عمرو بن عطاء ‪ ،‬عن سعيد بن ي َ َ‬
‫عليه وسلم )‪ (4‬إن الميت تحضره الملئكة ‪ ،‬فإذا كان الرجل الصالح قالوا ‪:‬‬
‫اخرجي أيتها النفس المطمئنة )‪ (5‬كانت في الجسد الطيب ‪ ،‬اخرجي‬
‫حميدة ‪ ،‬وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان"‪ .‬قال ‪" :‬فل يزال يقال لها‬
‫ذلك حتى تخرج ‪ ،‬ثم ي ُعَْرج بها إلى السماء ‪ ،‬فيستفتح لها فيقال ‪ :‬من هذا ؟‬
‫فيقال ‪ :‬فلن‪ .‬فيقولون ‪ :‬مرحبا بالروح الطيبة كانت في الجسد الطيب ‪،‬‬
‫ادخلي حميدة ‪ ،‬وأبشري بروح وريحان ‪ ،‬ورب غير غضبان" قال ‪ :‬فل يزال‬
‫يقال لها ذلك ‪ ،‬حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل‪.‬‬
‫وإذا كان الرجل السوء قالوا ‪ :‬اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد‬
‫ساق ‪ ،‬وآخر من شكله أزواج‪.‬‬ ‫الخبيث ‪ ،‬اخرجي ذميمة ‪ ،‬وأبشري بحميم وغَ ّ‬
‫فل يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ‪ ،‬ثم يعرج بها إلى السماء ‪ ،‬فيستفتح لها‬
‫فيقال ‪ :‬من هذا ؟ فيقال ‪ :‬فلن ‪ ،‬فيقال ‪ :‬ل مرحبا بالنفس الخبيثة كانت في‬
‫الجسد الخبيث ‪ ،‬ارجعي ذميمة ‪ ،‬فإنه ل تفتح )‪ (6‬لك أبواب السماء‪ .‬فيرسل‬
‫)‪ (7‬من السماء ‪ ،‬ثم يصير )‪ (8‬إلى القبر" ‪ ،‬فيجلس الرجل الصالح فيقال له‬
‫مثل ما قيل في الحديث الول ‪ ،‬ويجلس الرجل السوء فيقال له مثل ما قيل‬
‫في الحديث الول‪.‬‬
‫ورواه النسائي وابن ماجة ‪ ،‬من طريق ابن أبي ذئب )‪ (9‬بنحوه )‪.(10‬‬
‫وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬إذا خرجت روح‬
‫العبد المؤمن ‪ ،‬تلقاها ملكان يصعدان بها‪ .‬قال حماد ‪ :‬فذكر من طيب ريحها‬
‫وذكر المسك‪ .‬قال ‪ :‬ويقول أهل السماء ‪ :‬روح طيبة جاءت من قَِبل الرض ‪،‬‬
‫مرينه ‪ ،‬فُينط َل َقُ به إلى ربه عز وجل ‪،‬‬ ‫سد كنت ت َعْ ُ‬ ‫ج َ‬‫صّلى الله عليك وعلى َ‬ ‫َ‬
‫فيقول ‪ :‬انطلقوا به إلى آخر الجل‪ .‬وإن الكافر إذا خرجت روحه‪ .‬قال حماد ‪:‬‬
‫وذكر من‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬ففتح"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬مطرقة"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(3/3‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الطيبة"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يفتح"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬فترسل"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬تصير"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪" :‬ابن أبي ذهاب" وفي أ ‪" :‬ابن أبي ذر"‪.‬‬
‫)‪ (10‬المسند )‪ (2/364‬وسنن ابن ماجة برقم )‪ (4262‬وقال البوصيرى في‬
‫الزوائد )‪" : (3/311‬هذا إسناد صحيح رجاله ثقات"‪.‬‬

‫) ‪(4/498‬‬

‫ن َْتنها وذكر مقتا ‪ ،‬ويقول أهل السماء ‪ :‬روح خبيثة جاءت من قبل الرض‪ .‬قال‬
‫‪ :‬فيقال ‪ :‬انطلقوا به إلى آخر الجل‪ .‬قال أبو هريرة ‪ :‬فرد ّ رسول الله صلى‬
‫ة كانت عليه على أنفه ‪ ،‬هكذا )‪.(1‬‬ ‫الله عليه وسلم َرب ْط َ ً‬
‫وقال ابن حبان في صحيحه ‪ :‬حدثنا عمر بن محمد الهمداني ‪ ،‬حدثنا زيد بن‬
‫أخزم ‪ ،‬حدثنا معاذ بن هشام ‪ ،‬حدثني أبي ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن قسامة بن زهير ‪،‬‬
‫عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن المؤمن إذا ُقبض‬
‫‪ ،‬أتته ملئكة الرحمة بحريرة بيضاء ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬اخرجي إلى روح الله‪ .‬فتخرج‬
‫كأطيب ريح مسك ‪ ،‬حتى إنه ليناوله بعضهم بعضا يشمونه حتى يأتوا به باب‬
‫السماء ‪ ،‬فيقولون ما هذا الريح الطيبة التي جاءت من ِقبل الرض ؟ ول‬
‫يأتون سماء إل قالوا مثل ذلك ‪ ،‬حتى يأتوا به أرواح المؤمنين ‪َ ،‬فلُهم أشد ّ‬
‫حا به من أهل الغائب بغائبهم ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬ما فعل فلن ؟ فيقولون ‪ :‬دعوه‬ ‫فر ً‬
‫م! فيقول ‪ :‬قد مات ‪ ،‬أما أتاكم ؟ فيقولون ‪:‬‬ ‫حتى يستريح ‪ ،‬فإنه كان في غ ّ‬
‫سح فيقولون ‪:‬‬ ‫ُذهب به إلى أمه الهاوية‪ .‬وأما الكافر فيأتيه ملئكة العذاب بم ْ‬
‫هب به إلى باب‬ ‫اخرجي إلى غضب الله ‪ ،‬فتخرج كأنتن ريح جيفة ‪ ،‬فَي ُذ ْ َ‬
‫الرض" )‪.(2‬‬
‫مام بن يحيى ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أبي الجوزاء ‪ ،‬عن‬ ‫وقد روي أيضا من طريق هَ ّ‬
‫أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه‪ .‬قال ‪" :‬فَُيسأل ‪ :‬ما فعل‬
‫فلن ‪ ،‬ما فعل فلن ؟ ما فعلت فلنة ؟" قال ‪" :‬وأما الكافر فإذا ُقبضت‬
‫نفسه ‪ ،‬وُذهب بها إلى باب الرض تقول خزنة الرض ‪ :‬ما وجدنا ريحا أنتن‬
‫من هذه‪ .‬فَي ُب ْل َغُ بها الرض السفلى" )‪.(3‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬وحدثني رجل ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن عبد الله بن عمرو‬
‫قال ‪ :‬أرواح المؤمنين تجمع بالجابية‪ .‬وأرواح الكفار تجمع ببرهوت ‪ ،‬سبخة‬
‫بحضرموت‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو عيسى الترمذي ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬حدثنا يحيى بن خلف ‪ ،‬حدثنا‬
‫بشر بن المفضل ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن إسحاق ‪ ،‬عن سعيد بن أبي سعيد‬
‫ري ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إذا‬ ‫قب ُ ِ‬
‫الم ْ‬
‫قبر الميت ‪ -‬أو قال ‪ :‬أحدكم ‪ -‬أتاه ملكان أسودان أزرقان )‪ (4‬يقال‬
‫لحدهما ‪ :‬المنكر ‪ ،‬والخر ‪ :‬النكير ‪ ،‬فيقولن ‪ :‬ما كنت تقول في هذا الرجل ؟‬
‫فيقول ما كان يقول ‪ :‬هو عبد الله ورسوله ‪ ،‬أشهد أن ل إله إل الله ‪ ،‬وأشهد‬
‫دا عبده ورسوله‪ .‬فيقولن ‪ :‬قد كنا نعلم أنك تقول هذا‪ .‬ثم يفسح له‬ ‫أن محم ً‬
‫م‪.‬‬
‫ور له فيه ‪ ،‬ثم يقال له ‪ :‬ن َ ْ‬ ‫في قبره سبعون ذراعا في سبعين‪ .‬ثم ين ّ‬
‫ة العروس الذي ل‬ ‫م نوم َ‬ ‫فيقول ‪ :‬أرجع إلى أهلي فأخبرهم ‪ ،‬فيقولن ‪ :‬ن َ ْ‬
‫ب أهله إليه ‪ ،‬حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك‪ .‬وإن كان منافقا‬ ‫ح ّ‬
‫يوقظه إل أ َ‬
‫قال ‪ :‬سمعت الناس يقولون فقلت مثلهم ‪ ،‬ل أدري‪ .‬فيقولن ‪ :‬قد كنا نعلم‬
‫أنك‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم برقم )‪.(2872‬‬
‫)‪ (2‬صحيح ابن حبان برقم )‪" (733‬موارد"‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح ابن حبان برقم )‪" (731‬موارد" ورواه الحاكم في المستدرك )‬
‫‪ (1/351‬من طريق همام به نحوه وصححه الحاكم ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬أزراق"‪.‬‬

‫) ‪(4/499‬‬

‫تقول ذلك ‪ ،‬فيقال )‪ (1‬للرض ‪ :‬التئمي عليه‪ .‬فتلتئم عليه ‪ ،‬فتختلف أضلعه ‪،‬‬
‫فل يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك" )‪.(2‬‬
‫ثم قال الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪.‬‬
‫وقال حماد بن سلمة ‪ ،‬عن محمد بن عمرو ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة‬
‫ل‬
‫قو ْ ِ‬‫مُنوا ِبال ْ َ‬
‫نآ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ت الل ّ ُ‬‫قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ } :‬ي ُث َب ّ ُ‬
‫خَرةِ { قال ‪" :‬ذاك إذا قيل له في القبر ‪ :‬من‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ‬ ‫ت ِفي ال ْ َ‬ ‫الّثاب ِ ِ‬
‫ربك ؟ وما دينك ؟ فيقول ‪ :‬ربي الله ‪ ،‬وديني السلم ‪ ،‬ونبيي محمد ‪ ،‬جاءنا‬
‫ت ‪ ،‬على هذا‬ ‫صد َقْ َ‬ ‫دقت‪ .‬فيقال له ‪َ :‬‬ ‫بالبينات من عند الله ‪ ،‬فآمنت به وص ّ‬
‫عشت ‪ ،‬وعليه مت ‪ ،‬وعليه تبعث" )‪.(3‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا مجاهد بن موسى والحسن بن محمد قال حدثنا يزيد ‪،‬‬
‫أنبأنا محمد بن عمرو ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة )‪ (4‬إن الميت ليسمع‬
‫خفق نعالهم حين يولون عنه مدبرين ‪ ،‬فإذا كان مؤمنا كانت الصلة عند رأسه‬
‫‪ ،‬والزكاة عن يمينه ‪ ،‬والصيام عن يساره ‪ ،‬وكان فعل الخيرات من الصدقة‬
‫والصلة والمعروف والحسان إلى الناس عند رجليه ‪ ،‬فيؤتى من عند رأسه‬
‫فتقول الصلة ‪ :‬ما قبلي مدخل ‪ ،‬فيؤتى من عن يمينه فتقول الزكاة ‪ :‬ما‬
‫ل‪ .‬فيؤتى من‬ ‫خ ٌ‬ ‫مد َ‬ ‫قبلي مدخل‪ .‬فيؤتى عن يساره فيقول الصيام ‪ :‬ما قَِبلي َ‬
‫عند رجليه فيقول )‪ (5‬فعل الخيرات ‪ :‬ما قَِبلي مدخل‪ .‬فيقال له اجلس‪.‬‬
‫فيجلس ‪ ،‬قد َتمّثلت )‪ (6‬له الشمس ‪ ،‬قد دنت للغروب ‪ ،‬فيقال له أخبرنا عما‬
‫)‪ (7‬نسألك‪ .‬فيقول ‪ :‬دعوني )‪ (8‬حتى أصلي‪ .‬فيقال ‪ :‬إنك ستفعل ‪ ،‬فأخبرنا‬
‫م تسألوني ؟ فيقال ‪ :‬أرأيت هذا الرجل الذي كان‬ ‫عما نسألك‪ .‬فيقول ‪ :‬وعَ ّ‬
‫فيكم ‪ ،‬ماذا تقول فيه ‪ ،‬وماذا تشهد به عليه ؟ فيقول ‪ :‬أمحمد ؟ فيقال له ‪:‬‬
‫نعم‪ .‬فيقول ‪ :‬أشهد أنه رسول الله ‪ ،‬وأنه جاءنا )‪ (9‬بالبينات من عند الله ‪،‬‬
‫ت ‪ ،‬وعلى ذلك تبعث إن‬ ‫ت ‪ ،‬وعلى ذلك م ّ‬ ‫حيي َ‬ ‫فصدقناه‪ .‬فيقال له ‪ :‬على ذلك َ‬
‫ور له فيه ‪ ،‬ويفتح له باب‬ ‫شاء الله‪ .‬ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا وي ُن َ ّ‬
‫إلى الجنة ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬انظر إلى ما أعد الله لك فيها‪ .‬فيزداد غبطة ]وسرورا[‬
‫)‪ (10‬ثم يجعل نسمه في النسم الطيب ‪ ،‬وهي طير خضر تعلق بشجر‬
‫ت‬‫الجنة ‪ ،‬ويعاد الجسد إلى ما بدئ منه من التراب" ‪ ،‬وذلك قول الله ‪ } :‬ي ُث َب ّ ُ‬
‫خَرةِ { )‪.(11‬‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ‬‫ت ِفي ال ْ َ‬‫ل الّثاب ِ ِ‬
‫قو ْ ِ‬‫مُنوا ِبال ْ َ‬‫نآ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ورواه ابن حّبان ‪ ،‬من طريق المعتمر بن سليمان ‪ ،‬عن محمد بن عمرو ‪،‬‬
‫وذكر جواب الكافر‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬ويقال"‪.‬‬
‫)‪ (2‬سنن الترمذي برقم )‪.(1071‬‬
‫)‪ (3‬رواه الطبري في تفسيره )‪.(16/596‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عن أبي هريرة قال"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬فتقول"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مثلت"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬كما"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬دعني"‪.‬‬
‫)‪ (9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬جاء"‪.‬‬
‫)‪ (10‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والطبري‪.‬‬
‫)‪ (11‬تفسير الطبري )‪.(597 ، 16/596‬‬

‫) ‪(4/500‬‬

‫وعذابه )‪.(1‬‬
‫وقال البزار ‪ :‬حدثنا سعيد بن بحر القراطيسي ‪ ،‬حدثنا الوليد بن القاسم ‪،‬‬
‫سبه رفعه ‪ -‬قال ‪:‬‬ ‫حدثنا يزيد بن ك َْيسان ‪ ،‬عن أبي حازم ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ -‬أح َ‬
‫"إن المؤمن ينزل به الموت ‪ ،‬ويعاين ما يعاين ‪ ،‬فيود ّ )‪ (2‬لو خرجت ‪ -‬يعني‬
‫سه ‪ -‬والله يحب لقاءه ‪ ،‬وإن المؤمن يصعد بروحه إلى السماء ‪ ،‬فتأتيه‬ ‫نف ُ‬
‫أرواح المؤمنين ‪ ،‬فتستخبره )‪ (3‬عن معارفهم من أهل الرض ‪ ،‬فإذا قال ‪:‬‬
‫تركت فلنا في الرض )‪ (4‬أعجبهم ذلك‪ .‬وإذا قال ‪ :‬إن فلنا قد مات ‪ ،‬قالوا ‪:‬‬
‫ما جيء به إلينا‪ .‬وإن المؤمن يجلس في قبره ‪ ،‬فيسأل ‪ :‬من ربك ؟ فيقول ‪:‬‬
‫ربي الله )‪ (5‬ويسأل ‪ :‬من نبيك ؟ فيقول ‪ :‬محمد نبيي )‪ (6‬فيقال ‪ :‬ماذا دينك‬
‫؟ قال ‪ :‬ديني السلم‪ .‬فيفتح له باب في قبره ‪ ،‬فيقول ‪ -‬أو ‪ :‬يقال ‪ -‬انظر‬
‫دو الله نزل به‬ ‫دة‪ .‬وإذا كان عَ ُ‬‫إلى مجلسك‪ .‬ثم يرى القبر فكأنما كانت َرقْ َ‬
‫الموت وعاين ما عاين ‪ ،‬فإنه ل يحب أن تخرج روحه أبدا ‪ ،‬والله يبغض‬
‫لقاءه ‪ ،‬فإذا جلس في قبره ‪ -‬أو ‪ :‬أجلس ‪ -‬يقال له ‪ :‬من ربك ؟ فيقول ‪ :‬ل‬
‫أدري‪ .‬فيقال ‪ :‬ل دريت‪ .‬فيفتح له باب من جهنم ‪ ،‬ثم يضرب )‪ (7‬ضربة‬
‫يسمعها )‪ (8‬كل دابة إل الثقلين ‪ ،‬ثم يقال له ‪ :‬نم كما ينام المنهوش"‪ .‬قلت‬
‫لبي هريرة ‪ :‬ما المنهوش ؟ قال ‪ :‬الذي تنهشه الدواب والحيات ‪ ،‬ثم يضيق‬
‫عليه قبره‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬ل نعلم رواه إل الوليد بن القاسم )‪.(9‬‬
‫جين بن المثنى ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز بن‬ ‫ح َ‬‫وقال المام أحمد ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬حدثنا ُ‬
‫در قال ‪ :‬كانت أسماء ‪ -‬يعني بنت‬ ‫منك َ ِ‬‫أبي سلمة الماجشون ‪ ،‬عن محمد بن ال ُ‬
‫الصديق ‪ -‬رضي الله عنها ‪ ،‬تحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قالت ‪:‬‬
‫ف به عمُله ‪ :‬الصلةُ‬ ‫ح ّ‬
‫قال ‪" :‬إذا دخل النسان قبره ‪ ،‬فإن كان مؤمنا أ َ‬
‫والصيام" ‪ ،‬قال ‪" :‬فيأتيه الملك من نحو الصلة فترده ‪ ،‬ومن نحو الصيام‬
‫فيرده" ‪ ،‬قال ‪" :‬فيناديه ‪ :‬اجلس‪ .‬فيجلس‪ .‬فيقول له ‪ :‬ماذا تقول في هذا‬
‫الرجل ؟ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬من ؟ قال ‪ :‬محمد‪ .‬قال‬
‫أشهد أنه رسول الله ‪ ،‬قال ‪ :‬يقول ‪ :‬وما يدريك ؟ أدركته ؟ قال ‪ :‬أشهد أنه‬
‫ث‪ .‬وإن )‬ ‫ت ‪ ،‬وعليه تبع ُ‬ ‫ت ‪ ،‬وعليه م ّ‬ ‫رسول الله‪ .‬قال ‪ :‬يقول ‪ :‬على ذلك عش َ‬
‫‪ (10‬كان فاجًرا أو كافًرا ‪ ،‬جاءه الملك ليس بينه وبينه شيء ي َُرّده ‪ ،‬فأجلسه‬
‫يقول ‪ :‬اجلس ‪ ،‬ماذا تقول في هذا الرجل ؟ قال ‪ :‬أي رجل ؟ قال ‪ :‬محمد ؟‬
‫قال ‪ :‬يقول ‪ :‬والله ما أدري ‪ ،‬سمعت الناس يقولون شيئا فقلته‪ .‬قال له‬
‫ت ‪ ،‬وعليه‬ ‫ت ‪ ،‬وعليه م َ‬‫الملك ‪ :‬على ذلك عش َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح ابن حبان برقم )‪" (781‬موارد"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬فود"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬فيستخبرونه"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬في الدنيا"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬الله ربي"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬نبيي محمد"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يضربه"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يسمع"‪.‬‬
‫)‪ (9‬مسند البزار برقم )‪" (874‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع )‬
‫‪" : (3/52‬في الصحيح طرف منه رواه البزار ورجاله ثقات خل سعيد بن بحر‬
‫القراطيسى ‪+‬فإني لم أعرفه"‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪" :‬قال ‪ :‬وإن"‪.‬‬

‫) ‪(4/501‬‬

‫جمرة ٌ مثل‬ ‫مَرته )‪َ (1‬‬ ‫ث‪ .‬قال ‪ :‬وتسّلط عليه دابة في قبره ‪ ،‬معها سوط ت َ ْ‬ ‫تبع ُ‬
‫حمه" )‪.(3‬‬ ‫غَْرب )‪ (2‬البعير ‪ ،‬تضربه ما شاء الله ‪ ،‬صماء ل تسمع صوَته فتر َ‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬رضي الله عنهما ‪ ،‬في هذه الية قال ‪ :‬إن‬
‫حضَره الموت شهدته الملئكة ‪ ،‬فسلموا عليه وبشروه بالجنة ‪،‬‬ ‫المؤمن إذا َ‬
‫صلوا عليه مع الناس ‪ ،‬فإذا دفن أجلس في‬ ‫ّ‬ ‫شوا مع جنازته ‪ ،‬ثم َ‬ ‫م َ‬ ‫فإذا مات َ‬
‫قبره فيقال له ‪ :‬من ربك ؟ فيقول ‪ :‬ربي الله‪ .‬فيقال له ‪ :‬من رسولك ؟‬
‫فيقول ‪ :‬محمد صلى الله عليه وسلم‪ .‬فيقال له ‪ :‬ما شهادتك ؟ فيقول ‪:‬‬
‫سع له في قبره مد‬ ‫أشهد أن ل إله إل الله ‪ ،‬وأشهد أن محمدا رسول الله‪ .‬فيو ّ‬
‫صره‪ .‬وأما الكافر فتنزل عليه الملئكة ‪ ،‬فيبسطون أيديهم ‪" -‬والبسط" ‪ :‬هو‬ ‫بَ َ‬
‫الضرب ‪ -‬يضربون وجوههم وأدبارهم عند الموت‪ .‬فإذا أدخل قبره أقعد ‪،‬‬
‫فقيل له ‪ :‬من ربك ؟ فلم ي َْرجع إليهم شيئا ‪ ،‬وأنساه الله ذكر ذلك‪ .‬وإذا قيل ‪:‬‬
‫ث إليك ؟ لم يهتد له ‪ ،‬ولم يرجع إليه شيًئا ‪ ،‬كذلك يضل‬ ‫من الرسول الذي ُبع َ‬
‫الله الظالمين‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم الودي ‪ ،‬حدثنا شريح بن‬
‫مسلمة حدثنا إبراهيم بن يوسف ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عامر بن‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫ت الل ّ ُ‬ ‫سعد البجلي ‪ ،‬عن أبي قتادة النصاري في قوله تعالى ‪ } :‬ي ُث َب ّ ُ‬
‫خَرةِ { الية ‪ ،‬قال ‪ :‬إن المؤمن‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ‬ ‫ت ِفي ال ْ َ‬ ‫ل الّثاب ِ ِ‬ ‫مُنوا ِبال ْ َ‬
‫قو ْ ِ‬ ‫آ َ‬
‫إذا مات أجلس في قبره ‪ ،‬فيقال )‪ (4‬له ‪ :‬من ربك ؟ فيقول ‪ :‬الله‪ .‬فيقال‬
‫له ‪ :‬من نبيك ؟ فيقول ‪ :‬محمد بن عبد الله‪ .‬فيقال له في ذلك مرات‪ .‬ثم‬
‫غت )‪ (5‬ثم‬ ‫يفتح له باب إلى النار ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬انظر إلى منزلك في النار لو ُز ْ‬
‫يفتح له باب إلى الجنة ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬انظر إلى منزلك ]من الجنة إذ ثبت‪ .‬وإذا‬
‫مات الكافر أجلس في قبره ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬من ربك ؟ من نبيك ؟ فيقول ‪ :‬ل‬
‫أدري ‪ ،‬كنت أسمع الناس يقولون‪ .‬فيقال له ‪ :‬ل دريت‪ .‬ثم يفتح له باب إلى‬
‫الجنة ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬انظر إلى منزلك[ )‪ (6‬لو ثبت ‪ ،‬ثم يفتح له باب إلى النار ‪،‬‬
‫ت الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫فيقال له ‪ :‬انظر إلى منزلك إذ زغت )‪ (7‬فذلك قوله تعالى ‪ } :‬ي ُث َب ّ ُ‬
‫خَرةِ {‬‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ‬‫ت ِفي ال ْ َ‬ ‫ل الّثاب ِ ِ‬‫قو ْ ِ‬‫مُنوا ِبال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ه ال ّ ِ‬ ‫ت الل ّ ُ‬ ‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬عن معمر ‪ ،‬عن ابن طاوس ‪ ،‬عن أبيه ‪ } :‬ي ُث َب ّ ُ‬
‫خَرةِ {‬ ‫ت ِفي ال ْ َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا { قال ‪ :‬ل إله إل الله ‪ } ،‬وَِفي ال ِ‬ ‫ل الّثاب ِ ِ‬ ‫مُنوا ِبال ْ َ‬
‫قو ْ ِ‬ ‫آ َ‬
‫المسألة في القبر )‪.(8‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح ‪ } ،‬وَِفي‬
‫خَرةِ { في القبر‪ .‬وكذا روي عن غير واحد من السلف‪.‬‬ ‫ال ِ‬
‫وقال أبو عبد الله الحكيم الترمذي في كتابه "نوادر الصول" ‪ :‬حدثنا أبي ‪،‬‬
‫حدثنا عبد الله بن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تمر به"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عرف"‪.‬‬
‫)‪ (3‬المسند )‪.(6/352‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬يقال"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬لو رغبت"‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إذ رغبت"‪.‬‬
‫)‪ (8‬تفسير عبد الرزاق )‪.(1/296‬‬

‫) ‪(4/502‬‬

‫نافع ‪ ،‬عن ابن أبي فُد َْيك ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن عبد الله )‪ (1‬عن سعيد بن‬
‫المسيب ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن سمرة قال ‪ :‬خرج علينا رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ذات يوم ‪ ،‬ونحن في مسجد المدينة ‪ ،‬فقال ‪" :‬إني رأيت البارحة‬
‫عجًبا ‪ ،‬رأيت رجل من أمتي ]جاءه ملك الموت ليقبض روحه ‪ ،‬فجاءه بّره‬
‫بوالديه )‪ (2‬فرد عنه‪ .‬ورأيت رجل من أمتي[ )‪ (3‬قد بسط عليه عذاب القبر ‪،‬‬
‫فجاءه ُوضوءه فاستنقذه من ذلك‪ .‬ورأيت رجل من أمتي ]قد[ )‪ (4‬احتوشته‬
‫الشياطين ‪ ،‬فجاءه ذكر الله فخلصه من بينهم‪ .‬ورأيت رجل من أمتي قد‬
‫احتوشته ملئكة العذاب ‪ ،‬فجاءته صلته فاستنقذته من أيديهم‪ .‬ورأيت رجل‬
‫منع منه ‪ ،‬فجاءه صيامه فسقاه‬ ‫من أمتي يلهث عطشا ‪ ،‬كلما ورد حوضا ُ‬
‫َ‬
‫وأرواه‪ .‬ورأيت رجل من أمتي والنبيون قعود حلقا حلقا ‪ ،‬وكلما دنا لحقة‬
‫طردوه ‪ ،‬فجاءه اغتساله من الجنابة ‪ ،‬فأخذ بيده فأقعده إلى جنبي‪ .‬ورأيت‬
‫رجل من أمتي ]من[ )‪ (5‬بين يديه ظلمة ‪ ،‬ومن خلفه ظلمة ‪ ،‬وعن يمينه‬
‫ظلمة ‪ ،‬وعن شماله ظلمة ‪ ،‬ومن فوقه ظلمة ‪ ،‬ومن تحته ظلمة ‪ ،‬وهو متحير‬
‫فيها ‪ ،‬فجاءته حجته وعمرته ‪ ،‬فاستخرجاه من الظلمة وأدخله النور ‪ ،‬ورأيت‬
‫رجل من أمتي يكلم المؤمنين فل يكلمونه ‪ ،‬فجاءته صَلة الرحم ‪ ،‬فقالت ‪ :‬يا‬
‫هج الّنار أو‬
‫معشر المؤمنين ‪ ،‬كلموه ‪ ،‬فكلموه‪ .‬ورأيت رجل من أمتي يتقي وَ َ‬
‫ها بيده عن وجهه ‪ ،‬فجاءته صدقته فصارت سترا على وجهه وظل على‬ ‫َ‬
‫شرر َ‬
‫رأسه‪ .‬ورأيت رجل من أمتي قد أخذته الزبانية من كل مكان ‪ ،‬فجاءه أمره‬
‫بالمعروف ونهيه عن المنكر ‪ ،‬فاستنقذاه من أيديهم ‪ ،‬وأدخله مع ملئكة‬
‫الرحمة‪ .‬ورأيت رجل من أمتي جاثيا على ركبتيه ‪ ،‬بينه وبين الله حجاب ‪،‬‬
‫خُلقه ‪ ،‬فأخذ بيده فأدخله على الله ‪ ،‬عز وجل‪ .‬ورأيت رجل من‬ ‫فجاءه حسن ُ‬
‫هوت صحيفته من قبل شماله ‪ ،‬فجاءه خوفه من الله فأخذ‬ ‫أمتي قد َ‬
‫صحيفته ‪ ،‬فجعلها في يمينه‪] .‬ورأيت رجل من أمتي قد خف ميزانه ‪ ،‬فجاءته‬
‫أفراطه فثقلوا ميزانه[ )‪ (6‬ورأيت رجل من أمتي قائما على شفير جهنم ‪،‬‬
‫جله من الله ‪ ،‬فاستنقذه من ذلك ومضى‪ .‬ورأيت رجل من أمتي هوى‬ ‫فجاءه و َ‬
‫في النار ‪ ،‬فجاءته دموعه التي بكى من خشية الله في الدنيا فاستخرجته من‬
‫سَعفة ‪،‬‬
‫عد كما ترعد ال ّ‬
‫النار ‪] ،‬ورأيت رجل من أمتي قائما على الصراط ُير َ‬
‫دته ‪ ،‬ومضى[ )‪ (7‬ورأيت رجل من أمتي‬ ‫فجاء حسن ظنه بالله ‪ ،‬فس ّ‬
‫كن رِعْ َ‬
‫ي ‪ ،‬فأخذت بيده‬ ‫على الصراط يزحف أحيانا ويحبو أحيانا ‪ ،‬فجاءته صلته عل ّ‬
‫فأقامته ومضى على الصراط‪ .‬ورأيت رجل من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة ‪،‬‬
‫فغلقت البواب دونه ‪ ،‬فجاءته شهادة ‪ :‬أن ل إله إل الله ‪ ،‬ففتحت له البواب‬
‫وأدخلته الجنة" )‪.(8‬‬
‫قال القرطبي بعد إيراده هذا الحديث من هذا الوجه ‪ :‬هذا حديث عظيم ‪ ،‬ذكَر‬
‫فيه أعمال خاصة تنجي من أهوال خاصة‪ .‬أورده هكذا في كتابه "التذكرة" )‬
‫‪.(9‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في التذكرة ‪" :‬عبد الرحمن بن أبي عبد الله"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬بوالدته"‪.‬‬
‫)‪ (3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والتذكرة‪.‬‬
‫)‪ (4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والتذكرة‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والتذكرة‪.‬‬
‫)‪ (6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والتذكرة‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والتذكرة‪.‬‬
‫)‪ (8‬ذكره الزبيدي في التحاف وعزاه للحكيم في النوادر وضعفه ‪ ،‬ورواه‬
‫الخرائطي في مكارم الخلق برقم )‪ (49‬من طريق سعيد بن عبد الله ‪ ،‬عن‬
‫علي بن زيد ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن سمرة مرفوعا‬
‫بأخصر منه ‪ ،‬وذكر أن ابن تيمية كان يعظم شأن هذا الحديث ويقول ‪:‬‬
‫"شواهد الصحة عليه"‪.‬‬
‫)‪ (9‬التذكرة في أحوال الموتى وأمور الخرة )ص ‪.(242 - 240‬‬

‫) ‪(4/503‬‬

‫وقد روى الحافظ أبو يعلى الموصلي في هذا حديثا غريبا مطول فقال ‪ :‬حدثنا‬
‫ري ‪ ،‬حدثنا محمد بن بكر البرساني أبو‬ ‫أبو عبد الله )‪ (1‬أحمد بن إبراهيم الن ّك ْ ِ‬
‫عثمان ‪ ،‬حدثنا أبو عاصم الحبطي ‪ -‬وكان من خيار أهل البصرة ‪ ،‬وكان من‬
‫أصحاب حزم ‪ ،‬وسلم بن أبي مطيع ‪ -‬حدثنا بكر بن خنيس ‪ ،‬عن ضرار بن‬
‫عمرو ‪ ،‬عن يزيد الرقاشي ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬عن تميم الداري ‪ ،‬عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬يقول الله ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬لملك الموت ‪ :‬انطلق‬
‫ضربته بالسراء والضراء ‪ ،‬فوجدته حيث أحب‪.‬‬ ‫إلى وليي فأتني به ‪ ،‬فإني قد َ‬
‫ائتني به َفلريحّنه )‪.(2‬‬
‫حُنوط‬‫فينطلق إليه ملك الموت ومعه خمسمائة من الملئكة ‪ ،‬معهم أكفان و َ‬
‫من الجنة ‪ ،‬ومعهم ضبائر الريحان ‪ ،‬أصل الريحانة واحد وفي رأسها عشرون‬
‫لونا ‪ ،‬لكل لون منها ريح سوى ريح صاحبه ‪ ،‬ومعهم الحرير البيض فيه‬
‫المسك الذفر‪ .‬فيجلس )‪ (3‬ملك الموت عند رأسه ‪ ،‬وتحف به الملئكة‪.‬‬
‫ويضع كل ملك منهم يده على عضو من أعضائه وي َْبسط ذلك الحرير البيض‬
‫ل عند‬ ‫ب إلى الجنة ‪ ،‬فإن نفسه ل ََتعل ّ ُ‬
‫والمسك الذَفر تحت ذقنه ‪ ،‬ويفَتح له با ٌ‬
‫ذلك بطرف الجنة تارة ‪ ،‬وبأزواجها )‪] (4‬مرة[ )‪ (5‬ومّرةً بكسواتها ومرة‬
‫بثمارها ‪ ،‬كما ي ُعَّلل الصبي أهله إذا بكى"‪ .‬قال ‪" :‬وإن أزواجه ليبتهشن عند‬
‫ذلك ابتها ً‬
‫شا"‪.‬‬
‫جل إلى ما تحب‪.‬‬ ‫ساني ‪ :‬يريد أن تخرج من العَ َ‬ ‫قال ‪" :‬وتنزو الروح"‪ .‬قال الب ُْر َ‬
‫مَلك الموت ‪ :‬اخرجي يا أيتها الروح الطيبة ‪ ،‬إلى سدر‬ ‫قال ‪" :‬ويقول َ‬
‫مَلك‬ ‫مخضود ‪ ،‬وطلح منضود ‪ ،‬وظل ممدود ‪ ،‬وماء مسكوب"‪ .‬قال ‪" :‬ول ََ‬
‫الموت أشد ّ به لطفا من الوالدة بولدها ‪ ،‬يعرف أن ذلك الروح حبيب لربه ‪،‬‬
‫ل روحه كما تسل‬ ‫س ّ‬ ‫فهو يلتمس بلطفه تحببا لديه رضاء للرب عنه ‪ ،‬فت ُ َ‬
‫ملئ ِك َ ُ‬
‫ة‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬ ‫ن ت َت َوَّفاهُ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫الشعرة من العجين"‪ .‬قال ‪" :‬وقال الله ‪ ،‬عز وجل ‪ } :‬ال ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫حا ٌ‬ ‫ح وََري ْ َ‬‫ن فََروْ ٌ‬ ‫قّرِبي َ‬
‫م َ‬‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫ن { ]النحل ‪ ، [32 :‬وقال } فَأ ّ‬
‫ما إ ِ ْ‬ ‫ط َي ِّبي َ‬
‫ة ن َِعيم ٍ { ]الواقعة ‪ ، [89 ، 88 :‬قال ‪" :‬روح من جهة الموت ‪ ،‬وريحان‬ ‫جن ّ ُ‬
‫وَ َ‬
‫يتلقى به ‪ ،‬وجنة نعيم تقابله"‪ .‬قال ‪" :‬فإذا َقبض ملك الموت روحه ‪ ،‬قالت‬
‫الروح للجسد ‪ :‬جزاك الله عني خيرا ‪ ،‬فقد كنت سريعا بي إلى طاعة الله ‪،‬‬
‫بطيئا بي عن معصية الله ‪ ،‬فقد نجيت وأنجيت"‪ .‬قال ‪" :‬ويقول الجسد للروح‬
‫مثل ذلك"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬وتبكي )‪ (6‬عليه بقاع الرض التي كان يطيع الله فيها ‪ ،‬وكل باب من‬
‫السماء يصعد منه عمله‪ .‬وينزل منه رزقه أربعين ليلة"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬فإذا قََبض ملك الموت روحه ‪ ،‬أقامت الخمسمائة من الملئكة عند‬
‫جسده ‪ ،‬فل يقلبه )‪ (7‬بنو آدم لشق إل قلبته الملئكة قبلهم ‪ ،‬وغسلته وكفنته‬
‫بأكفان قبل أكفان بني آدم ‪ ،‬وحنوط قبل حنوط‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬أبو عبد الرحمن"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فلريحه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬قال ‪ . :‬فيجلس"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مرة بأزواجها"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬ويبكي"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فل تقلبه"‪.‬‬

‫) ‪(4/504‬‬

‫فان من الملئكة ‪،‬‬‫بني آدم ‪ ،‬ويقوم من بين باب بيته إلى باب قبره ص ّ‬
‫يستقبلونه بالستغفار ‪ ،‬فيصيح عند ذلك إبليس صيحة تتصدع )‪ (1‬منها عظام‬
‫خَلص هذا العبد منكم ‪،‬‬‫)‪ (2‬جسده"‪ .‬قال ‪" :‬ويقول لجنوده ‪ :‬الويل لكم‪ .‬كيف َ‬
‫فيقولون إن هذا كان عبدا معصوما"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬فإذا صعد ملك الموت بروحه ‪ ،‬يستقبله جبريل في سبعين ألفا من‬
‫الملئكة ‪ ،‬كل يأتيه ببشارة من ربه سوى بشارة صاحبه"‪ .‬قال ‪" :‬فإذا انتهى‬
‫خّر الروح ساجدا"‪ .‬قال ‪" :‬يقول الله ‪ ،‬عز‬‫ملك الموت بروحه إلى العرش ‪َ ،‬‬
‫وجل ‪ ،‬لملك الموت ‪ :‬انطلق بروح عبدي فضعه في سدر مخضود ‪ ،‬وطلح‬
‫منضود ‪ ،‬وظل ممدود ‪ ،‬وماء مسكوب"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬فإذا وضع في قبره ‪ ،‬جاءته الصلة فكانت عن يمينه ‪ ،‬وجاءه الصيام‬
‫فكان عن يساره ‪ ،‬وجاءه القرآن فكان عند رأسه ‪ ،‬وجاءه مشيه إلى الصلة‬
‫فكان عند رجليه ‪ ،‬وجاءه الصبر فكان ناحية القبر"‪ .‬قال ‪" :‬فيبعث الله ‪ ،‬عز‬
‫قا من العذاب"‪ .‬قال ‪" :‬فيأتيه عن يمينه" قال ‪" :‬فتقول الصلة ‪:‬‬ ‫وجل ‪ ،‬عُن ُ ً‬
‫وراءك والله ما زال دائبا عمره كله وإنما استراح الن حين وضع في قبره"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬فيأتيه عن يساره ‪ ،‬فيقول الصيام مثل ذلك"‪ .‬قال ‪" :‬ثم يأتيه من عند‬
‫رأسه ‪ ،‬فيقول القرآن والذكر مثل ذلك"‪ .‬قال ‪" :‬ثم يأتيه من عند رجليه ‪،‬‬
‫فيقول مشيه إلى الصلة مثل ذلك‪ .‬فل يأتيه العذاب من ناحية يلتمس هل‬
‫جد ولي الله قد أخذ جنته"‪ .‬قال ‪" :‬فينقمع العذاب عند ذلك‬ ‫غا إل و َ‬ ‫يجد مسا ً‬
‫فيخرج"‪ .‬قال ‪" :‬ويقول الصبر لسائر العمال ‪ :‬أما إنه لم يمنعني أن أباشر‬
‫أنا بنفسي إل أني نظرت ما عندكم ‪ ،‬فإن عجزتم كنت أنا صاحبه ‪ ،‬فأما إذ‬
‫أجزأتم عنه فأنا له ذخر عند الصراط والميزان"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬ويبعث الله ملكين أبصارهما كالبرق الخاطف ‪ ،‬وأصواتهما كالرعد‬
‫القاصف ‪ ،‬وأنيابهما كالصياصي ‪ ،‬وأنفاسهما كاللهب ‪ ،‬يطآن في أشعارهما ‪،‬‬
‫كب كل واحد مسيرة كذا وكذا ‪ ،‬وقد نزعت منهما الرأفة والرحمة ‪،‬‬ ‫من ْ ِ‬ ‫بين َ‬
‫يقال لهما ‪ :‬منكر ونكير ‪ ،‬في يد كل واحد منهما مطرقة ‪ ،‬لو اجتمع عليها‬
‫ربيعة ومضر لم ُيقّلوها"‪ .‬قال ‪" :‬فيقولن له ‪ :‬اجلس"‪ .‬قال ‪" :‬فيجلس‬
‫فيستوي جالسا"‪ .‬قال ‪" :‬وتقع أكفانه في حقويه"‪ .‬قال ‪" :‬فيقولن له ‪ :‬من‬
‫ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬قالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ومن يطيق الكلم عند ذلك ‪ ،‬وأنت تصف من‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫كين ما تصف ؟ قال ‪ :‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ } " :‬ي ُثب ّ ُ‬ ‫مل َ َ‬‫ال َ‬
‫ل الل ُّ‬
‫ه‬ ‫ض ّ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ر‬‫خ‬
‫ِ َ ِ َُ ِ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫و‬ ‫يا‬‫ن‬ ‫د‬ ‫ال‬
‫َ َ ِ َّْ َ ِ‬ ‫ة‬ ‫يا‬ ‫ح‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫في‬ ‫ت‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ب‬ ‫ّ‬
‫ثا‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫ْ ِ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫ل‬‫با‬‫الل ّ ُ ِ َ َ ُ ِ‬
‫نوا‬ ‫م‬ ‫آ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬
‫شاُء {‬‫ما ي َ َ‬‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫فعَ ُ‬
‫ن وَي َ ْ‬‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫قال ‪" :‬فيقول ‪ :‬ربي الله وحده ل شريك له ‪ ،‬وديني السلم الذي دانت به‬
‫الملئكة ‪ ،‬ونبيي محمد خاتم النبيين"‪ .‬قال ‪" :‬فيقولن ‪ :‬صدقت"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فيدفعان القبر ‪ ،‬فيوسعان من بين يديه أربعين ذراعا ‪ ،‬وعن يمينه أربعين‬
‫ذراعا ‪ ،‬وعن شماله )‪ (3‬أربعين ذراعا ‪ ،‬ومن خلفه أربعين ذراعا ‪ ،‬ومن عند‬
‫رأسه‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يتصدع"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬بعض عظام"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬وعن يساره"‪.‬‬

‫) ‪(4/505‬‬

‫أربعين ذراعا ‪ ،‬ومن عند رجليه أربعين ذراعا"‪ .‬قال ‪" :‬فيوسعان له مائتي‬
‫ذراع"‪.‬‬
‫قال البرساني ‪ :‬فأحسبه ‪ :‬وأربعين ذراعا تحاط به )‪.(1‬‬
‫قال ‪" :‬ثم يقولن له ‪ :‬انظر فوقك ‪ ،‬فإذا باب مفتوح إلى الجنة"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ي الله ‪ ،‬هذا منزلك إذ أطعت الله"‪ .‬فقال رسول الله صلى‬ ‫"فيقولن له ‪ :‬ول ّ‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬والذي نفس محمد بيده )‪ (2‬إنه يصل إلى قلبه عند ذلك‬
‫دا ‪ ،‬ثم يقال له ‪ :‬انظر تحتك"‪ .‬قال ‪" :‬فينظر تحته فإذا باب‬ ‫فرحة ‪ ،‬ول ترتد أب ً‬
‫مفتوح إلى النار قال ‪" :‬فيقولن ‪ :‬ولي الله نجوت آخر ما عليك"‪ .‬قال ‪ :‬فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك فرحة ل‬
‫ترتد أبدا"‪ .‬قال ‪ :‬فقالت عائشة ‪ :‬يفتح له سبعة وسبعون بابا إلى الجنة ‪ ،‬يأتيه‬
‫ريحها وبردها ‪ ،‬حتى يبعثه الله ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫وبالسناد المتقدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬ويقول الله تعالى‬
‫لملك )‪ (3‬الموت ‪ :‬انطلق إلى عدوي فأتني به ‪ ،‬فإني قد بسطت له رزقي ‪،‬‬
‫سرت له نعمتي ‪ ،‬فأبى إل معصيتي ‪ ،‬فأتني به لنتقم منه"‪.‬‬ ‫وي َ ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫قال ‪" :‬فينطلق إليه ملك الموت في أكره صورة ما رآها أحد من الناس قط ‪،‬‬
‫فود من النار كثير الشوك ‪ ،‬ومعه خمسمائة‬ ‫س ُ‬
‫له اثنتا عشرة )‪ (4‬عينا ‪ ،‬ومعه َ‬
‫من الملئكة ‪ ،‬معهم نحاس وجمر من جمر جهنم ‪ ،‬ومعهم سياط من نار ‪،‬‬
‫لينها لين السياط وهي نار تأجج"‪ .‬قال ‪" :‬فيضربه ملك الموت بذلك السفود‬
‫فود في أصل كل شعرة وعرق‬ ‫ب كل أصل شوكة من ذلك الس ّ‬ ‫ضربة يغي ُ‬
‫وظفر"‪ .‬قال ‪" :‬ثم يلويه ليا شديدا"‪ .‬قال ‪" :‬فينزع روحه من أظفار قدميه"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬فيلقيها" في عقبيه )‪ (5‬ثم يسكر )‪ (6‬عند ذلك عدو الله )‪ (7‬سكرة ‪،‬‬
‫فيرفه ملك الموت عنه"‪ .‬قال ‪" :‬وتضرب )‪ (8‬الملئكة وجهه ود ُُبره بتلك‬
‫السياط"‪] .‬قال ‪" :‬فيشده ملك الموت شدة ‪ ،‬فينزع روحه من عقبيه ‪،‬‬
‫فيلقيها في ركبتيه ‪ ،‬ثم يسكر عدو الله عند ذلك سكرة ‪ ،‬فيرفه ملك الموت‬
‫عنه"‪ .‬قال ‪" :‬فتضرب الملئكة وجهه ودبره بتلك السياط"[ )‪ (9‬قال ‪" :‬ثم‬
‫ينتره )‪ (10‬ملك الموت ن ََترة ‪ ،‬فينزع روحه من ركبتيه فيلقيها في حقويه"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬فيسكر عدو الله عند ذلك سكرة ‪ ،‬فيرّفه ملك الموت عنه"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"وتضرب الملئكة )‪ (11‬وجهه ود ُُبره بتلك السياط"‪ .‬قال ‪" :‬كذلك إلى‬
‫صدره ‪ ،‬ثم كذلك إلى حلقه"‪ .‬قال ‪ :‬ثم تبسط الملئكة ذلك النحاس وجمر‬
‫جهنم تحت ذقنه"‪ .‬قال ‪" :‬ويقول ملك الموت ‪ :‬اخرجي أيتها الروح اللعينة‬
‫موم وحميم ‪ ،‬وظل من يحموم ‪ ،‬ل بارد ول كريم"‪.‬‬ ‫س ُ‬
‫الملعونة إلى َ‬
‫قال ‪" :‬فإذا قبض ملك الموت روحه قال الروح للجسد ‪ :‬جزاك الله عني شرا‬
‫‪ ،‬فقد كنت سريعا بي‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬محاط"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬والذي نفسي بيده"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬إلى ملك"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في أ ‪" :‬اثني عشر"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في هـ ‪" :‬ركبتيه" والمثبت من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في أ ‪" :‬قال ‪ :‬فيسكر"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬قال فيسكر عدو الله عند ذلك"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬ويضرب"‪.‬‬
‫)‪ (9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (10‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فينتره"‪.‬‬
‫)‪ (11‬في ت ‪" :‬فيضرب" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬فتضرب"‪.‬‬

‫) ‪(4/506‬‬

‫إلى معصية الله ‪ ،‬بطيئا بي عن طاعة الله ‪ ،‬فقد هلكت وأهلكت" قال ‪:‬‬
‫"ويقول الجسد للروح مثل ذلك ‪ ،‬وتلعنه بقاع الرض التي كان يعصي الله‬
‫عليها ‪ ،‬وتنطلق جنود إبليس إليه فيبشرونه بأنهم قد أوردوا عبدا من ولد آدم‬
‫النار"‪.‬‬
‫ضيق عليه قبره حتى تختلف )‪ (1‬أضلعه ‪ ،‬حتى‬ ‫قال ‪ :‬فإذا وضع في قبره ُ‬
‫تدخل اليمنى في اليسرى ‪ ،‬واليسرى في اليمنى" قال ‪" :‬ويبعث الله إليه‬
‫ما كأعناق البل يأخذن )‪ (2‬بأرنبته وإبهامي قدميه فيقرضنه حتى‬ ‫أفاعي ُده ً‬
‫يلتقين في وسطه"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬ويبعث الله ملكين أبصارهما )‪ (3‬كالبرق الخاطف ‪ ،‬وأصواتهما كالرعد‬
‫القاصف ‪ ،‬وأنيابهما كالصياصي ‪ ،‬وأنفاسهما كاللهب )‪ (4‬يطآن في‬
‫أشعارهما ‪ ،‬بين منكبي كل واحد منهما مسيرة كذا وكذا ‪ ،‬قد نزعت منهما‬
‫الرأفة والرحمة يقال لهما ‪ :‬منكر ونكير ‪ ،‬في يد كل واحد منهما مطرقة ‪ ،‬لو‬
‫اجتمع عليها ربيعة ومضر لم يقلوها" قال ‪" :‬فيقولن له ‪ :‬اجلس"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"فيستوي جالسا" قال ‪" :‬وتقع أكفانه في حقويه" قال ‪" :‬فيقولن له ‪ :‬من‬
‫ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فيقول ‪ :‬ل أدري‪ .‬فيقولن ‪ :‬ل دريت ول‬
‫َتلّيت"‪] .‬قال[ )‪ (5‬فيضربانه ضربة يتطاير شررها في قبره ‪ ،‬ثم يعودان"‪ .‬قال‬
‫‪" :‬فيقولن ‪ :‬انظر فوقك‪ .‬فينظر ‪ ،‬فإذا باب مفتوح من الجنة ‪ ،‬فيقولن ‪ :‬هذا‬
‫‪ -‬عدو الله )‪ - (6‬منزلك لو أطعت الله"‪.‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬إنه ليصل إلى‬
‫دا"‪.‬‬
‫قلبه عند ذلك حسرة ل ترتد أب ً‬
‫قال ‪" :‬ويقولن له ‪ :‬انظر تحتك فينظر تحته ‪ ،‬فإذا باب مفتوح إلى النار ‪،‬‬
‫فيقولن ‪ :‬عدو الله ‪ ،‬هذا منزلك إذ عصيت الله"‪.‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬إنه ليصل إلى‬
‫قلبه عند ذلك حسرة ل ترتد أبدا"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وقالت عائشة ‪ :‬ويفتح له سبعة وسبعون باًبا إلى النار ‪ ،‬يأتيه ]من[ )‪(7‬‬
‫حرها وسمومها حتى يبعثه الله إليها )‪.(8‬‬
‫دا ‪ ،‬وسياق عجيب ‪ ،‬ويزيد الرقاشي ‪ -‬راويه عن أنس ‪ -‬له‬ ‫هذا حديث غريب ج ً‬
‫غرائب ومنكرات ‪ ،‬وهو ضعيف الرواية عند الئمة ‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫ولهذا قال أبو داود ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ‪ ،‬حدثنا هشام ‪ -‬هو ابن‬
‫يوسف ‪ -‬عن عبد الله بن َبحير ‪ ،‬عن هانئ مولى عثمان ‪ ،‬عن عثمان ‪ ،‬رضي‬
‫الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الرجل‬
‫وقف عليه فقال ‪" :‬استغفروا لخيكم ‪ ،‬واسألوا له بالتثبيت ‪ ،‬فإنه الن يسأل"‬
‫‪ ،‬انفرد به أبو‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪" :‬يختلف"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬يأخذونه"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في أ ‪" :‬أيضا وهما"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬كاللهيب"‪.‬‬
‫)‪ (5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عدو الله هذا"‪.‬‬
‫)‪ (7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫)‪ (8‬أورده ابن حجر في المطالب العالية )‪ (4/382‬وعزاه لبي يعلى قال ‪:‬‬
‫"هذا حديث عجيب السياق ‪ ،‬وهو شاهد لكثير مما ثبت في حديث البراء‬
‫الطويل المشهور ‪ ،‬ولكن إسناده غريب وفيه ضعف"‪.‬‬

‫) ‪(4/507‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫جهَن ّ َ‬
‫وارِ )‪َ (28‬‬ ‫م َداَر ال ْب َ َ‬ ‫حّلوا قَوْ َ‬
‫مهُ ْ‬ ‫فًرا وَأ َ‬ ‫ة الل ّهِ ك ُ ْ‬ ‫ن ب َد ُّلوا ن ِعْ َ‬
‫م َ‬ ‫ذي َ‬‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬‫أل َ ْ‬
‫َ‬
‫مت ُّعوا‬ ‫سِبيل ِهِ قُ ْ‬
‫ل تَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ضّلوا عَ ْ‬ ‫جعَُلوا ل ِل ّهِ أن ْ َ‬
‫داًدا ل ِي ُ ِ‬ ‫قَراُر )‪ (29‬وَ َ‬ ‫س ال ْ َ‬
‫صل َوْن ََها وَب ِئ ْ َ‬‫يَ ْ‬
‫م إ ِلى الّنارِ )‪(30‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫صيَرك ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫فَإ ِ ّ‬
‫داود )‪.(1‬‬
‫َ‬
‫مرُدويه عند قوله تعالى ‪ } :‬وَلوْ ت ََرى إ ِذِ‬ ‫وقد أورد الحافظ أبو بكر بن َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫م { الية ]النعام ‪[93 :‬‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫سطو أي ْ ِ‬ ‫ة َبا ِ‬ ‫َ‬
‫ملئ ِك ُ‬ ‫ت َوال َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ن ِفي غَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ُ‬
‫حديثا مطول جدا ‪ ،‬من طريق غريب ‪ ،‬عن الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس مرفوعا ‪،‬‬
‫وفيه غرائب أيضا )‪.(2‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫وارِ )‪َ (28‬‬ ‫م َداَر ال ْب َ َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫حّلوا قَوْ َ‬ ‫فًرا وَأ َ‬ ‫ة الل ّهِ ك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب َد ُّلوا ن ِعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫} أل َ ْ‬
‫َ‬
‫مت ُّعوا‬‫ل تَ َ‬ ‫سِبيل ِهِ قُ ْ‬ ‫ن َ‬‫ضّلوا عَ ْ‬ ‫داًدا ل ِي ُ ِ‬ ‫جعَُلوا ل ِل ّهِ أن ْ َ‬ ‫قَراُر )‪ (29‬وَ َ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫صل َوْن ََها وَب ِئ ْ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫م إ ِلى الّنارِ )‪{ (30‬‬ ‫َ‬ ‫صيَرك ُ ْ‬ ‫م ِ‬‫ن َ‬ ‫فَإ ِ ّ‬
‫فًرا { ألم‬ ‫ّ‬
‫ة اللهِ ك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ب َد ّلوا ن ِعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ ِلى ال ِ‬ ‫)‪ (3‬قال البخاري ‪ :‬قوله ‪ } :‬أل ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جوا {‬ ‫خَر ُ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ ِلى ال ِ‬ ‫ف { ]إبراهيم ‪ } [24 :‬أل ْ‬ ‫م ت ََر ك َي ْ َ‬ ‫تعلم ؟ كقوله ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫ما ُبوًرا { ]الفرقان ‪:‬‬ ‫]البقرة ‪ [243 :‬البوار ‪ :‬الهلك ‪ ،‬بار يبور َبوًرا ‪ ،‬و } قَوْ ً‬
‫‪ ، 18‬الفتح ‪ [12 :‬هالكين‪.‬‬
‫حدثنا علي بن عبد الله ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عمرو ‪ ،‬عن عطاء سمع ابن‬
‫ة الل ّهِ ك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫فًرا { قال ‪ :‬هم كفار أهل مكة‬ ‫م َ‬ ‫ن ب َد ُّلوا ن ِعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫عباس ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫)‪.(4‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية ‪ :‬هو جبلة بن اليهم ‪ ،‬والذين‬
‫اتبعوه من العرب ‪ ،‬فلحقوا بالروم‪ .‬والمشهور الصحيح عن ابن عباس هو‬
‫القول الول ‪ ،‬وإن كان المعنى يعم جميع الكفار ؛ فإن الله تعالى بعث محمدا‬
‫صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ‪ ،‬ونعمة للناس ‪ ،‬فمن قبلها وقام‬
‫بشكرها دخل الجنة ‪ ،‬ومن ردها وكفرها دخل النار‪.‬‬
‫وقد روي عن علي نحو قول ابن عباس الول ‪ ،‬قال ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا مسلم بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن القاسم بن أبي بزة ‪،‬‬
‫فًرا‬ ‫ة الل ّهِ ك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫ن ب َد ُّلوا ن ِعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عن أبي الطفيل ‪ :‬أن ابن الكواء سأل عليا عن } ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫وارِ { قال ‪ :‬كفار قريش يوم بدر‪.‬‬ ‫م َداَر ال ْب َ َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫حّلوا قَوْ َ‬ ‫وَأ َ‬
‫حدثنا المنذر بن شاذان ‪ ،‬حدثنا يعلى بن عبيد ‪ ،‬حدثنا بسام ‪ -‬هو الصيرفي )‬
‫‪ - (5‬عن أبي الطفيل قال ‪ :‬جاء رجل إلى علي فقال ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬من‬
‫الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن أبي داود برقم )‪.(3221‬‬
‫)‪ (2‬ذكره السيوطي في الدر المنثور )‪ (3/318‬وقال ‪" :‬أخرج ابن مردويه‬
‫بسند ضعيف عن ابن عباس فذكره"‪.‬‬
‫)‪ (3‬تنبيه ‪ :‬من هذه الية يبتدئ العتماد في تخريج الحاديث والثار في‬
‫تفسير الطبري على الطبعة المصورة عن الطبعة الميرية بعد أن كان‬
‫العتماد على الطبعة التي حققها الفاضلن الشيخ أحمد شاكر والستاذ‬
‫محمود شاكر في ستة عشر مجلدا وطبعت في دار المعارف ‪ ،‬والله أسأل‬
‫أن يقيض لهذا الكتاب من يكمل تحقيقه فهو من أعظم كتب التفسير وأجلها ‪،‬‬
‫والله المستعان‪.‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري برقم )‪.(4700‬‬
‫)‪ (5‬في ت ‪" :‬الصرفي"‪.‬‬

‫) ‪(4/508‬‬
‫البوار ؟ قال ‪ :‬منافقو قريش‪.‬‬
‫قل ‪،‬‬ ‫معْ ِ‬‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن نفيل قال ‪ :‬قرأت على َ‬
‫عن ابن أبي حسين )‪ (1‬قال ‪ :‬قام علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي الله عنه ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬أل أحد يسألني عن القرآن ‪ ،‬فوالله لو أعلم اليوم أحدا أعلم مني به )‬
‫‪ (2‬وإن كان من وراء البحار لتيته‪ .‬فقام عبد الله بن الكواء )‪ (3‬فقال ‪ :‬من‬
‫الذين بدلوا نعمة الله كفًرا وأحلوا قومهم دار البوار ؟ فقال ‪ :‬مشركو‬
‫قريش ‪ ،‬أتتهم نعمة )‪ (4‬الله ‪ :‬اليمان ‪ ،‬فبدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم‬
‫دار البوار‪.‬‬
‫فًرا { الية ‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ة اللهِ ك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ب َد ّلوا ن ِعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ ِلى ال ِ‬ ‫وقال العدوي في قوله ‪ } :‬أل ْ‬
‫ذكر مسلم المستوفي )‪ (5‬عن علي أنه قال ‪ :‬هم الفجران من قريش ‪ :‬بنو‬
‫أمية ‪ ،‬وبنو المغيرة ‪ ،‬فأما بنو المغيرة فأحلوا قومهم دار البوار يوم بدر ‪ ،‬وأما‬
‫بنو أمية فأحلوا قومهم دار البوار يوم أحد‪ .‬وكان أبو جهل يوم بدر ‪ ،‬وأبو‬
‫سفيان يوم أحد‪ .‬وأما دار البوار فهي جهنم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬حدثنا محمد بن يحيى ‪ ،‬حدثنا الحارث بن‬
‫منصور ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عمرو بن مرة قال ‪ :‬سمعت‬
‫َ‬
‫وارِ { قال ‪ :‬هم الفجران من‬ ‫م َداَر ال ْب َ َ‬ ‫مهُ ْ‬‫حّلوا قَوْ َ‬ ‫عليا قرأ هذه الية ‪ } :‬وَأ َ‬
‫قريش ‪ :‬بنو أمية وبنو المغيرة ‪ ،‬فأما بنو المغيرة فأهلكوا يوم بدر ‪ ،‬وأما بنو‬
‫أمية فمّتعوا إلى حين‪.‬‬
‫ورواه أبو إسحاق ‪ ،‬عن عمرو بن مرة ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬نحوه ‪ ،‬وروي من غير وجه‬
‫عنه‪.‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪ ،‬عن يوسف بن سعد ‪ ،‬عن عمر بن‬
‫ة الل ّهِ ك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫فًرا { قال ‪ :‬هم‬ ‫م َ‬ ‫ن ب َد ُّلوا ن ِعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫الخطاب ‪ ،‬في قوله ‪ } :‬أل َ ْ‬
‫هم‬ ‫مو ُ‬ ‫كفيت ُ‬ ‫الفجران من قريش ‪ :‬بنو المغيرة وبنو أمية ‪ ،‬فأما بنو المغيرة ف ُ‬
‫يوم بدر ‪ ،‬وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين‪.‬‬
‫وكذا رواه حمزة الزيات ‪ ،‬عن عمرو بن مرة قال ‪ :‬قال ابن عباس لعمر بن‬
‫حّلوا‬ ‫َ‬ ‫ة الل ّهِ ك ُ ْ‬
‫فًرا وَأ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب َد ُّلوا ن ِعْ َ‬‫ذي َ‬ ‫الخطاب ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬هذه الية ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫وارِ { قال ‪ :‬هم الفجران من قريش ‪ :‬أخوالي وأعمامك فأما‬ ‫م َداَر ال ْب َ َ‬
‫مهُ ْ‬‫قَوْ َ‬
‫أخوالي فاستأصلهم الله يوم بدر ‪ ،‬وأما أعمامك فأملى الله لهم إلى حين‪.‬‬
‫وقال مجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وقتادة بن زيد )‪ (6‬هم كفار قريش‬
‫الذين قتلوا يوم بدر وكذا رواه مالك في تفسيرة عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر‪.‬‬
‫َ‬
‫سِبيل ِهِ { أي ‪ :‬جعلوا له )‪ (7‬شركاء‬ ‫ن َ‬ ‫ضّلوا عَ ْ‬ ‫داًدا ل ِي ُ ِ‬ ‫جعَُلوا ل ِل ّهِ أن ْ َ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَ َ‬
‫وا الناس إلى ذلك‪.‬‬ ‫عبدوهم معه ‪ ،‬ود َعَ ُ‬
‫ثم قال تعالى مهد ًّدا لهم )‪ (8‬ومتوعدا لهم على لسان نبيه صلى الله عليه‬
‫م إ َِلى الّنارِ {‬ ‫صيَرك ُ ْ‬‫م ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مت ُّعوا فَإ ِ ّ‬ ‫ل تَ َ‬ ‫وسلم ‪ } :‬قُ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ت ‪ ،‬أ ‪ : :‬حنين"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬به مني"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬الكراء"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬نعم"‪.‬‬
‫)‪ (5‬في أ ‪" :‬المسوف"‪.‬‬
‫)‪ (6‬في ت ‪" :‬وقتادة وابن زيد"‪.‬‬
‫)‪ (7‬في ت ‪" :‬جعلوا لله"‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ت ‪" :‬له"‪.‬‬
‫) ‪(4/509‬‬

‫سّرا وَعََلن ِي َ ً‬ ‫صَلة َ وَي ُن ْفِ ُ‬ ‫ذي َ‬


‫ن‬
‫م ْ‬
‫ة ِ‬ ‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫م ّ‬
‫قوا ِ‬ ‫موا ال ّ‬‫قي ُ‬
‫مُنوا ي ُ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ل ل ِعَِبادِ ْيَ ال ّ ِ َ‬‫قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل )‪(31‬‬ ‫خل ٌ‬ ‫م ل ب َي ْعٌ ِفيهِ وَل ِ‬ ‫ي ي َوْ ٌ‬
‫ن ي َأت ِ َ‬
‫لأ ْ‬‫قَب ْ ِ‬

‫أي ‪ :‬مهما قدرتم عليه في الدنيا فافعلوا ‪ ،‬فمهما يكن من شيء } فَإ ِ ّ‬
‫ن‬
‫م إ َِلى الّنارِ { أي ‪ :‬مرجعكم وموئلكم إليها ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬ ‫صيَرك ُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ظ { ]لقمان ‪ ، [24 :‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫ب غَِلي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬
‫ّ ْ ِ‬‫م‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ض‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ليل‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫َ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫}‬
‫كاُنوا‬ ‫ما َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫دي‬
‫ِ‬ ‫ش‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ب‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬‫ُ ُ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫َ ْ ِ ُ ْ ّ‬‫ث‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬
‫ّ ِ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫يا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫ّ‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫مَتاع ٌ ِ‬ ‫} َ‬
‫ن { ]يونس ‪.[70 :‬‬ ‫فُرو َ‬ ‫ي َك ْ ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫علن ِي َ ً‬ ‫سّرا وَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫قوا ِ‬ ‫صلة َ وَي ُن ْفِ ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫قي ُ‬ ‫مُنوا ي ُ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ل ِعَِبادِيَ ال ّ ِ‬ ‫} قُ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل )‪{ (31‬‬ ‫خل ٌ‬ ‫م ل ب َي ْعٌ ِفيهِ َول ِ‬ ‫ي ي َوْ ٌ‬ ‫ن ي َأت ِ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫قَب ْ ِ‬
‫يقول تعالى آمًرا العباد )‪ (1‬بطاعته والقيام بحقه ‪ ،‬والحسان إلى خلقه ‪ ،‬بأن‬
‫يقيموا الصلة وهي عبادة الله وحده ل شريك له ‪ ،‬وأن ينفقوا مما رزقهم الله‬
‫بأداء الزكوات ‪ ،‬والنفقة على القرابات والحسان إلى الجانب‪.‬‬
‫والمراد بإقامتها هو ‪ :‬المحافظة على وقتها وحدودها ‪ ،‬وركوعها وخشوعها‬
‫وسجودها‪.‬‬
‫وأمر تعالى بالنفاق مما رزق في السر ‪ ،‬أي ‪ :‬في الخفية ‪ ،‬والعلنية وهي ‪:‬‬
‫م { وهو يوم‬ ‫ْ‬ ‫الجهر ‪ ،‬وليبادروا إلى ذلك لخلص أنفسهم } من قَب َ‬
‫ي ي َوْ ٌ‬ ‫ن ي َأت ِ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ِ ْ ْ ِ‬
‫ل { أي ‪ :‬ل يقبل من أحد فدية بأن تباع‬ ‫خل ٌ‬ ‫القيامة ‪ ،‬وهو يوم } ل ب َي ْعٌ ِفيهِ َول ِ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة َول ِ‬ ‫م فِد ْي َ ٌ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫خذ ُ ِ‬ ‫م ل ي ُؤْ َ‬ ‫)‪ (2‬نفسه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ } :‬فال ْي َوْ َ‬
‫فُروا { ]الحديد ‪.[15 :‬‬ ‫كَ َ‬
‫خالة )‪ (3‬خليل ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل { قال ابن جرير ‪ :‬يقول ‪ :‬ليس هناك ُ‬ ‫خل ٌ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬ول ِ‬
‫خالته ‪ ،‬بل هنالك العدل‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫فيصفح )‪ (4‬عمن استوجب العقوبة ‪ ،‬عن العقاب ل ُ‬
‫والقسط ‪ ،‬فالخلل مصدر ‪ ،‬من قول القائل ‪" :‬خاللت فلنا ‪ ،‬فأنا أخاله مخالة‬
‫وخلل" ‪ ،‬ومنه قول امرئ القيس ‪:‬‬
‫قلى الخلل ول َقال )‪(5‬‬ ‫ت بم ْ‬ ‫س ُ‬ ‫َ‬
‫شَية الّرَدى‪ ...‬وَل ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن من َ‬ ‫وى عَن ْهُ ّ‬ ‫ت الهَ َ‬ ‫صَرف ُ‬ ‫َ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬إن الله قد علم أن في الدنيا بيوعا وخلل يتخالون بها في‬
‫الدنيا ‪ ،‬فينظر رجل من يخالل وعلم صاحب ‪ ،‬فإن كان لله فليداوم ‪ ،‬وإن‬
‫كان لغير الله فسيقطع عنه‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬والمراد من هذا أنه يخبر تعالى أنه ل ينفع أحدا بيع ول فدية ‪ ،‬ولو‬
‫افتدى بملء الرض ذهبا لو وجده ‪ ،‬ول ينفعه صداقة أحد ول شفاعة أحد إذا‬
‫شْيئا ً‬ ‫س َ‬ ‫وما ً ل ت َ ْ‬
‫ف ٍ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫س عَ ْ‬ ‫ف ٌ‬ ‫زي ن َ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫قوا ي َ ْ‬ ‫لقي الله كافرا ‪ ،‬قال الله تعالى ‪َ } :‬وات ّ ُ‬
‫ن { ]البقرة ‪، [123 :‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ي ُن ْ َ‬ ‫ة َول هُ ْ‬ ‫فاعَ ٌ‬ ‫ش َ‬‫فعَُها َ‬ ‫ل َول ت َن ْ َ‬ ‫من َْها عَد ْ ٌ‬ ‫ل ِ‬ ‫قب َ ُ‬ ‫َول ي ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مل‬ ‫ي ي َوْ ٌ‬ ‫ن ي َأت ِ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ن قَب ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما َرَزقَْناك ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫قوا ِ‬ ‫مُنوا أن ْفِ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقال تعالى ‪َ } :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫ن { ]البقرة ‪.[254 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫م الظال ِ ُ‬‫ّ‬ ‫ن هُ ُ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ْ‬
‫ة َوال َ‬ ‫فاعَ ٌ‬ ‫ش َ‬ ‫ة َول َ‬ ‫خل ّ ٌ‬‫ب َي ْعٌ ِفيهِ َول ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لعباده"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في ت ‪" :‬يباع"‪.‬‬
‫)‪ (3‬في ت ‪" :‬مخالطة"‪.‬‬
‫)‪ (4‬في ت ‪" :‬فصفح"‪.‬‬
‫)‪ (5‬البيت في تفسير الطبري )‪.(13/149‬‬
‫) ‪(4/510‬‬

‫َ‬ ‫ض وَأ َن َْز َ‬ ‫َ‬


‫ن‬
‫م َ‬ ‫ج ب ِهِ ِ‬ ‫خَر َ‬‫ماًء فَأ ْ‬
‫َ‬
‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ت َواْلْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬
‫س َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫الل ّ ُ‬
‫خَر ل َك ُ ُ‬
‫م‬ ‫س ّ‬‫مرِهِ وَ َ‬ ‫حرِ ب ِأ ْ‬‫جرِيَ ِفي ال ْب َ ْ‬ ‫ك ل ِت َ ْ‬ ‫فل ْ َ‬
‫م ال ْ ُ‬ ‫خَر ل َك ُ ُ‬
‫س ّ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ت رِْزًقا ل َك ُ ْ‬
‫مَرا ِ‬ ‫الث ّ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل َوالن َّهاَر )‬ ‫م اللي ْ َ‬ ‫ُ‬
‫خَر لك ُ‬ ‫س ّ‬‫ن وَ َ‬ ‫مَر َدائ ِب َي ْ ِ‬‫ق َ‬ ‫س َوال َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ُ‬
‫خَر لك ُ‬ ‫س ّ‬‫اْلن َْهاَر )‪ (32‬وَ َ‬
‫‪(33‬‬
‫َ‬ ‫ض وََأنز َ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ج ب ِهِ ِ‬ ‫خَر َ‬‫ماًء فَأ ْ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫} الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫خَر ل َك ُ ُ‬
‫م‬ ‫س ّ‬‫مرِهِ وَ َ‬ ‫حرِ ب ِأ ْ‬ ‫جرِيَ ِفي ال ْب َ ْ‬ ‫ك ل ِت َ ْ‬ ‫فل ْ َ‬
‫م ال ْ ُ‬‫خَر ل َك ُ ُ‬
‫س ّ‬ ‫ت رِْزًقا ل َك ُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫الث ّ َ‬
‫ل َوالن َّهاَر )‬ ‫ّ‬
‫م اللي ْ َ‬ ‫ُ‬
‫خَر لك ُ‬‫َ‬ ‫س ّ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مَر َدائ ِب َي ْ ِ‬‫ق َ‬ ‫س َوال َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫خَر لك ُ‬ ‫س ّ‬‫الن َْهاَر )‪ (32‬وَ َ‬
‫‪{ (33‬‬

‫) ‪(4/511‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ل َظ َُلو ٌ‬
‫م‬ ‫ن اْل ِن ْ َ‬
‫سا َ‬ ‫ها إ ِ ّ‬
‫صو َ‬ ‫ة الل ّهِ َل ت ُ ْ‬
‫ح ُ‬ ‫م َ‬
‫دوا ن ِعْ َ‬
‫ن ت َعُ ّ‬ ‫سأل ْت ُ ُ‬
‫موه ُ وَإ ِ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَآَتاك ُ ْ‬
‫م ِ‬
‫فاٌر )‪(34‬‬ ‫كَ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫سا َ‬ ‫ن الن ْ َ‬ ‫ها إ ِ ّ‬ ‫صو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ة الل ّهِ ل ت ُ ْ‬ ‫م َ‬‫دوا ن ِعْ َ‬ ‫ن ت َعُ ّ‬ ‫موه ُ وَإ ِ ْ‬ ‫سأل ْت ُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫} َوآَتاك ُ ْ‬
‫فاٌر )‪{ (34‬‬ ‫م كَ ّ‬ ‫ل َظ َُلو ٌ‬
‫ظا )‪(1‬‬ ‫يعدد تعالى نعمه على خلقه ‪ ،‬بأن خلق لهم السماوات سقفا محفو ً‬
‫شا ‪ ،‬وأنزل من السماء ماء فأخرج به أزواجا من نبات شتى ‪ ،‬ما‬ ‫والرض فرا ً‬
‫بين ثمار وزروع ‪ ،‬مختلفة اللوان والشكال ‪ ،‬والطعوم والروائح والمنافع ‪،‬‬
‫وسخر الفلك بأن جعلها طافية على تيار ماء البحر ‪ ،‬تجري عليه بأمر الله‬
‫تعالى ‪ ،‬وسخر البحر يحملها ليقطع المسافرون بها من إقليم إلى إقليم آخر ‪،‬‬
‫لجلب ما هنا إلى هناك ‪ ،‬وما هناك إلى هاهنا ‪ ،‬وسخر النهار تشق الرض من‬
‫قطر إلى قطر ‪ ،‬رزقا للعباد من شرب وسقي وغير ذلك من أنواع المنافع‪.‬‬
‫ن { أي ‪ :‬يسيران ل يقران )‪ (2‬ليل ول‬ ‫مَر ََدائ ِب َي ْ ِ‬ ‫ق َ‬ ‫س َوال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫خَر ل َك ُ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫} وَ َ‬
‫ل ِفي‬ ‫ساب ِقُ الن َّهارِ وَك ُ ّ‬ ‫ل َ‬ ‫مَر َول الل ّي ْ ُ‬ ‫ق َ‬‫ك ال ْ َ‬ ‫ن ت ُد ْرِ َ‬ ‫س ي َن ْب َِغي ل ََها أ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫نهارا ‪ } ،‬ل ال ّ‬
‫س‬‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫حِثيًثا َوال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ل الن َّهاَر ي َطلب ُ ُ‬ ‫ّ‬
‫شي اللي ْ َ‬ ‫ن { ]يس ‪ } ، [40 :‬ي ُغْ ِ‬ ‫حو َ‬ ‫سب َ ُ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫فَل َ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫ه َر ّ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫مُر ت ََباَر َ‬ ‫خل ْقُ َوال ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫مرِهِ أل ل َ ُ‬ ‫ت ب ِأ ْ‬ ‫خَرا ٍ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ُ‬ ‫جو َ‬ ‫مَر َوالن ّ ُ‬ ‫ق َ‬‫َوال ْ َ‬
‫ن { ]العراف ‪ ، [54 :‬فالشمس والقمر يتعاقبان ‪ ،‬والليل والنهار‬ ‫مي َ‬ ‫ال َْعال َ ِ‬
‫عارضان )‪ (3‬فتارة يأخذ هذا من هذا فيطول ‪ ،‬ثم يأخذ الخر من هذا فيقصر ‪،‬‬
‫مَر ك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫ق َ‬ ‫س َوال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫خَر ال ّ‬ ‫س ّ‬ ‫ج الن َّهاَر ِفي الل ّي ْ ِ‬
‫ل وَ َ‬ ‫ل ِفي الن َّهارِ وَُيول ِ ُ‬ ‫ج الل ّي ْ َ‬ ‫} ُيول ِ ُ‬
‫خِبيٌر )‪] { (4‬لقمان ‪، [29 :‬‬ ‫ن َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ملو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫مى وَأ ّ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ري إ ِلى أ َ‬ ‫ج ِ‬‫يَ ْ‬
‫خَر‬ ‫س ّ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل عَلى الن َّهارِ وَي ُكوُّر الن َّهاَر عَلى اللي ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫وقال تعالى ‪ } :‬ي ُكوُّر اللي ْ َ‬
‫مى { ]الزمر ‪.[5 :‬‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ج ٍَ‬ ‫ري ل َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫مَر ك ُ ّ‬ ‫ق َ‬ ‫س َوال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ال ّ‬
‫موه ُ { يقول ‪ :‬هيأ لكم كل ما تحتاجون إليه‬ ‫ْ‬
‫سألت ُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن كل َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫وقوله ‪َ } :‬وآَتاك ْ‬
‫في جميع أحوالكم مما تسألونه بحالكم )‪ (5‬وقالكم‪.‬‬
‫وقال بعض السلف ‪ :‬من كل ما سألتموه وما لم تسألوه‪.‬‬
‫وقرأ بعضهم ‪" :‬وأتاكم من كل ما سألتموه"‪.‬‬
‫ها { يخبر عن عجز العباد عن تعداد‬ ‫صو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ة الل ّهِ ل ت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ن ِعْ َ‬ ‫ن ت َعُ ّ‬ ‫وقوله ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫النعم فضل عن القيام بشكرها ‪ ،‬كما قال طلق بن حبيب ‪ ،‬رحمه الله ‪ :‬إن‬
‫حق الله أثقل من أن يقوم به العباد ‪ ،‬وإن نعم الله أكثر )‪ (6‬من أن يحصيها )‬
‫سوا توابين‪.‬‬
‫‪ (7‬العباد ‪ ،‬ولكن أصبحوا توابين وام ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في أ ‪" :‬مرفوعا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬في أ ‪" :‬ل يفتران"‪.‬‬

Você também pode gostar