Escolar Documentos
Profissional Documentos
Cultura Documentos
وِذكر أبي طالب في هذا ،غريب جدا ،بل منكر ؛ لن هذه الية مدنية ،ثم
إن هذه القصة واجتماع قريش على هذا الئتمار والمشاورة على الثبات أو
النفي أو القتل ،إنما كان ليلة الهجرة سواء ،وكان ذلك بعد موت أبي طالب
بنحو من ثلث سنين لما تمكنوا منه واجترءوا عليه بعد موت عمه أبي
طالب ،الذي كان يحوطه وينصره ويقوم بأعبائه .والدليل على صحة ما قلنا :
سار صاحب "المغازي" عن عبد الله بن ما رواه المام محمد بن إسحاق بن ي َ َ
جيح ،عن مجاهد ،عن ابن عباس قال :وحدثني الكلبي ،عن باذان أبي ن َ ِ
مولى أم هانئ ،عن ابن عباس ؛ أن نفًرا من قريش من أشراف كل قبيلة ،
اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة ،فاعترضهم ) (1إبليس في صورة شيخ جليل ،
فلما رأوه قالوا :من أنت ؟ قال :شيخ من نجد ،سمعت أنكم اجتمعتم ،
فأردت أن أحضركم ولن يعدمكم رأيي ونصحي .قالوا :أجل ،ادخل فدخل
معهم فقال :انظروا في شأن هذا الرجل ،والله ليوشكن أن يواثبكم في
أمركم بأمره .قال :فقال قائل منهم :احبسوه في وثاق ،ثم تربصوا به ريب
المنون ،حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء :زهير والنابغة ،إنما
هو كأحدهم ،قال :فصرخ عدو الله الشيخ النجدي فقال :والله ما هذا لكم
برأي ،والله ليخرجنه ربه من محبسه ) (2إلى أصحابه ،فليوشكن أن يثبوا
عليه حتى يأخذوه من أيديكم ،فيمنعوه منكم ،فما آمن عليكم أن يخرجوكم
من بلدكم .قال :فانظروا في غير هذا.
قال :فقال قائل منهم :أخرجوه من بين أظهركم تستريحوا منه ،فإنه إذا
خرج لن يضركم ما صنع وأين وقع ،إذا غاب عنكم أذاه واسترحتم ،وكان
أمره في غيركم ،فقال الشيخ النجدي :والله ما هذا لكم برأي ،ألم تروا
حلوة ]قوله[ ) (3وطلوة لسانه ،وأخذ القلوب ما تسمع ) (4من حديثه ؟
والله لئن فعلتم ،ثم استعرض العرب ،ليجتمعن عليكم ) (5ثم ليأتين إليكم
حتى يخرجكم من بلدكم ويقتل أشرافكم .قالوا :صدق والله ،فانظروا بابا
غير هذا.
قال :فقال أبو جهل ،لعنه الله :والله لشيرن عليكم برأي ما أراكم
تصرمونه ) (6بعد ،ما أرى غيره .قالوا :وما هو ؟ قال :نأخذ من كل قبيلة
دا ،ثم يعطى كل غلم منهم سيفا صارما ،ثم يضربونه غلما شابا وسيطا نه ً
ضربة رجل واحد ،فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل ]كلها[ ) (7فل أظن هذا
الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش كلها .فإنهم إذا رأوا ذلك قبلوا
العقل ،واسترحنا وقطعنا عنا أذاه.
قال :فقال الشيخ النجدي :هذا والله الرأي .القول ما قال الفتى ل رأي
غيره ،قال :فتفرقوا على ذلك وهم مجمعون له )(8
فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم ،فأمره أل يبيت في مضجعه الذي
كان يبيت فيه ،وأخبره بمكر القوم.
__________
) (1في د " :واعترضهم".
) (2في أ " :من حبسه".
) (3زيادة من أ.
) (4في أ " :ما نشبع".
) (5في د ،ك ،م " :عليه".
) (6في أ " :بصرتموه"
) (7زيادة من د ،ك ،م ،أ.
) (8زيادة من د ،ك ،م.
) (4/44
فلم يبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته تلك الليلة ،وأذن الله له
عند ذلك بالخروج ،وأنزل الله عليه بعد قدومه المدينة "النفال" يذكر نعمه )
ك أ َْوقت ُُلو َ ك أ َوْ ي َ ْ
فُروا ل ِي ُث ْب ُِتو َ ن كَ َ ذي َ ك ال ّ ِ مك ُُر ب ِ َ (1عليه وبلءه عنده } :وَإ ِذ ْ ي َ ْ
ن { وأنزل ]الله[ ) (2في ري َ ماك ِ ِ ْ
خي ُْر ال َ ه َ ّ
ه َوالل ُ مك ُُر الل ّ ُ ن وَي َ ْ مك ُُرو َ ك وَي َ ْ جو َ خرِ ُ يُ ْ
قولهم " :تربصوا به ريب المنون ،حتى يهلك كما هلك من كان قبله من
َ
ن { ]الطور [30 :وكان مُنو ِ ب ال ْ َ ص ب ِهِ َري ْ َ عٌر ن َت ََرب ّ ُ شا ِ ن َ قوُلو َ م يَ ُ الشعراء" } ،أ ْ
ذلك اليوم يسمى "يوم الزحمة" ) (3للذي اجتمعوا عليه من الرأي )(4
سد ّيّ نحو هذا السياق ،وأنزل الله في إرادتهم إخراجه قوله تعالى : وعن ال ّ
َ
خلفك ِإل َ ن ِ ْ
من َْها وَإ ًِذا ل ي َلب َُثو َ جوك ِ َ خرِ ُ ض ل ِي ُ ْ َ َ ن َ
ن الْر ِ م َ فّزون َك ِ ست َ ِ
كاُدوا لي َ ْ } وَإ ِ ْ
قَِليل { ]السراء .[76 :
وفي ،عن ابن عباس .وروي عن مجاهد ،وعُْروة بن الزبير ، وكذا روى العَ ْ
سم ،وغير واحد ،نحو ذلك. ِ َ ْ ق م و ، وقتادة ، بة وموسى بن عُ َ
ْ ق
وقال يونس بن ب ُك َْير ،عن ابن إسحاق :فأقام رسول الله صلى الله عليه
وسلم ينتظر أمر الله ،حتى إذا اجتمعت قريش فمكرت به ،وأرادوا به ما
أرادوا ،أتاه جبريل ،عليه السلم ،فأمره أل يبيت في مكانه الذي كان يبيت
فيه ) (5فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ،فأمره
أن يبيت على فراشه وأن يتسجى بُبرد له أخضر ،ففعل .ثم خرج رسول الله
خَرج معه بحفنة من تراب صلى الله عليه وسلم على القوم وهم على بابه ،و َ
،فجعل يذرها على رؤوسهم ،وأخذ الله بأبصارهم عن نبيه محمد صلى الله
مشي َْناهُ ْكيم ِ { إلى قوله } :فَأ َغْ َ ح ِ ن ال ْ َ قْرآ ِ عليه وسلم وهو يقرأ } :يس َوال ْ ُ
ن { ]يس .[9 - 1 : صُرو َ م ل ي ُب ْ ِ فَهُ ْ
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي :روي عن عكرمة ما يؤكد هذا )(6
حّبان في صحيحه ،والحاكم في مستدركه ،من وقد روى ]أبو حاتم[ ) (7ابن ِ
جب َْير ،عن ابن عباس خثْيم ،عن سعيد بن ُ َ حديث عبد الله بن عثمان بن ُ
ة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبكي ، قال :دخلت فاطم ُ
فقال " :ما يبكيك يا ب ُن َّية ؟" قالت :يا أبت ] ،و[ ) (8ما لي ل أبكي ،وهؤلء
جر يتعاقدون باللت والعُّزى ومناة الثالثة الخرى ،لو المل من قريش في الح ْ
قد رأوك لقاموا إليك فيقتلونك ،وليس منهم إل من قد عرف نصيبه من
ضوء" .فتوضأ رسول الله صلى الله عليه دمك .فقال " :يا بنية ،ائتني بوَ ُ
وسلم ،ثم خرج إلى المسجد .فلما رأوه قالوا :إنما هو ذا ) (9فطأطؤوا
رؤوسهم ،وسقطت أذقانهم بين أيديهم ،فلم يرفعوا أبصارهم .فتناول
رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب فحصبهم بها ،وقال :
صاة من حصياته إل ُقتل يوم بدر ح َ"شاهت الوجوه" .فما أصاب رجل منهم َ
كافرا.
ثم قال الحاكم :صحيح على شرط مسلم ،ولم يخرجاه ،ول أعرف له علة )
(10
__________
) (1في ك ،م " :نعمته".
) (2زيادة من د ،ك ،أ.
) (3في د ،ك ،م ،أ " :الرحمة".
) (4رواه الطبري في تفسيره ) (13/494من طريق ابن إسحاق به.
) (5في د ،ك ،م " :به".
) (6دلئل النبوة للبيهقي ).(470 ، 2/469
) (7زيادة من ك ،م.
) (8زيادة من د.
) (9في د ،ك ،م " :ها هو ذا".
) (10صحيح ابن حبان برقم )" (1691موارد" والمستدرك ).(3/157
) (4/45
) (4/46
) (4/47
شعَْبة ،عن عبد الحميد ،صاحب الزّيادي ،عن أنس بن مالك قال :هو قال ُ
َ َ عن ْدِ َ ْ ن َ ّ
مط ِْر عَلي َْنا ك فَأ ْ ن ِم ْ ق ِ
ح ّ ن هَ َ
ذا هُوَ ال َ كا َ م إِ ْأبو جهل بن هشام قال } :اللهُ ّ
َ ّ َ َ ماِء أ َِوائ ْت َِنا ب ِعَ َ
تم وَأن ْ َ ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْن الل ُما كا َ ب أِليم ٍ { فنزلت } وَ َ ذا ٍ س َ
ن ال ّ م َ
جاَرةً ِ ح َ
ِ
ن { الية. فُرو َست َغْ ِ
م يَ ْ م وَهُ ْ معَذ ّب َهُ ْ ه ُ ّ
ن الل ُ َ
ما كا َ م وَ َ
ِفيهِ ْ
مَعاذ ،
رواه البخاري عن أحمد ومحمد بن النضر ،كلهما عن عَُبيد الله بن ُ
عن أبيه ،عن شعبة ،به )(1
وأحمد هذا هو :أحمد بن النضر بن عبد الوهاب .قاله الحاكم أبو أحمد ،
والحاكم أبو عبد الله النيسابوري ،والله أعلم.
وقال العمش ،عن رجل ،عن سعيد بن جبير ،عن ابن عباس في قوله :
ذا هو ال ْحق من عند َ َ
ن
م َ جاَرةً ِ ح َمط ِْر عَل َي َْنا ِ ك فَأ ْ ن هَ َ ُ َ َ ّ ِ ْ ِ ْ ِ كا َ ن َ م إِ ْ } وَإ ِذ ْ َقاُلوا الل ّهُ ّ
ب أِليم ٍ { قال :هو النضر بن الحارث بن كلدة ،قال : َ ماِء أ َوِ ائ ْت َِنا ب ِعَ َ
ذا ٍ َ
س َ ال ّ
ه َداِفع { ]المعارج : سل ُ َ ن لي ْ َ َ ري َ َ ْ
ب َواقِعْ ل ِلكافِ ِ َ
سائ ِل ب ِعَذا ٌٍ سأل َ َ فأنزل الله َ } :
[2 - 1وكذا قال مجاهد ،وعطاء ،وسعيد بن جبير ،والسدي :إنه النضر بن
ل ل ََنا قِط َّنا قَب ْ َ
ل ج ْ الحارث -زاد عطاء :فقال الله تعالى } :وََقاُلوا َرب َّنا عَ ّ
َ خل َ ْ ب { ]ص [16 :وقال } وَل َ َ مال ْ ِ
ة
مّر ٍل َ م أوّ َ قَناك ُ ْ ما َ موَنا فَُراَدى ك َ َ جئ ْت ُ ُ قد ْ ِ سا ِ ح َ ي َوْ ِ
ه َدافِعٌ { َ َ ْ
ب َواقٍِع ل ِل َ ل ب ِعَ َ سائ ِ ٌ سأ ََ
سل ُ ن لي ْ َ كاِفري َ ذا ٍ ل َ { ]النعام [94 :وقال } َ
]المعارج ، [2 ، 1 :قال عطاء :ولقد أنزل فيه بضع عشرة آية من كتاب الله
،عز وجل.
مْرد ُوَْيه :حدثنا محمد بن إبراهيم ،حدثنا الحسن بن أحمد بن الليث وقال ابن ُ
مْيلة ،حدثنا الحسين ،عن ابن ب َُرْيدة ،عن أبيه ،حدثنا أبو غسان حدثنا أبو ت ُ َ
حد على فرس ،وهو يقول :اللهم ، ُ
قال :رأيت عمرو بن العاص واقفا يوم أ ُ
إن كان ما يقول محمد حقا ،فاخسف بي وبفرسي".
َ
عن ْدِك { ن ِ م ْ حق ّ ِ ْ
ذا هُوَ ال َ ن هَ َ كا َ ن َ م إِ ْ وقال قتادة في قوله } :وَإ ِذ ْ َقاُلوا الل ّهُ ّ
الية ،قال :قال ذلك سفهة هذه المة وجهلتها ) (2فعاد الله بعائدته ورحمته
على سفهة هذه المة وجهلتها.
ّ َ
م ه و م
ُ ُ َ َُ ْ َ ُ ْهب ّ ذ ع م ه ل ال نَ َ
كا ما ه َُِ َُ ْ َ ْ َ ِ ِ ْ َ َ
و م ه في ت ن أ و م هب ّ ذ ع ي ل ن الل ّ ُكا َ ما َ وقوله تعالى } :وَ َ
ن { قال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا أبو حذيفة موسى بن فُرو َ ست َغْ ِ يَ ْ
ماك الحنفي ،عن ابن س َ مْيل ِ رمة بن عمار ،عن أبي ُز َ عك ْ ِ مسعود ،حدثنا ِ
عباس قال :كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون :لبيك اللهم لبيك ،
لبيك ل شريك لك ) (3فيقول النبي صلى الله عليه وسلم " :قَد ْ قد"!
ويقولون :ل شريك لك ،إل شريكا هو لك ،تملكه وما ملك .ويقولون :
َ
ن َ
ما كا َ م وَ َ ت ِفيهِ ْ م وَأن ْ َ ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ ن الل ّ ُ كا َ ما َ غفرانك ،غفرانك ،فأنزل الله } :وَ َ
ن { قال ابن عباس :كان فيهم أمانان :النبي فُرو َ ست َغْ ِ م يَ ْ م وَهُ ْ معَذ ّب َهُ ْ ه ُ الل ّ ُ
صلى الله عليه وسلم ،والستغفار ،فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقي
الستغفار )(4
__________
) (1صحيح البخاري برقم ).(4649 ، 4648
) (2في ك " :وجهلها".
) (3في أ " :لك لبيك".
) (4ورواه الطبري في تفسير ) (13/511من طريق أبي حذيفة موسى بن
مسعود به.
) (4/48
شر ،عن معْ َ وقال ابن جرير :حدثني الحارث ،حدثنا عبد العزيز ،حدثنا أبو َ
مان ومحمد بن قيس قال قالت قريش بعضها لبعض :محمد يزيد بن ُرو َ
َ َ َ ْ َ ّ
مط ِْر عَلي َْنا عن ْدِك فَأ ْ ن ِ م ْحق ّ ِ ن هَ َ
ذا هُوَ ال َ ن كا َ م إِ ْ أكرمه الله من بيننا } :اللهُ ّ
ب أِليم ٍ { فلما أمسوا ندموا على ما قالوا ، َ ماِء أ َوِ ائ ْت َِنا ب ِعَ َ
ذا ٍ س َ
ن ال ّ م َ
جاَرةً ِ ح َ ِ
َ ّ َ
ت
م وَأن ْ َ ه ]ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ ن الل ُ ما كا َ فقالوا :غفرانك اللهم! فأنزل الله ،عز وجل } :وَ َ
ن َ
ن { ) (1إلى قوله } :وَلك ِ ّ فُرو َست َغْ ِم يَ ْ م وَهُ ْ معَذ ّب َهُ ْ ه[ ُ ن الل ّ ُكا َ ما َم وَ َِفيهِ ْ
َ َ
ن { ]النفال .[34 : مو َ م ل ي َعْل ُ أك ْث ََرهُ ْ
َ
ت م وَأن ْ َ ن الل ّ ُ
ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ كا َما َوقال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس } :وَ َ
م { يقول :ما كان الله ليعذب قوما وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم ِفيهِ ْ
ن { يقول :وفيهم من قد فُرو َ ست َغْ ِ
م يَ ْ م وَهُ ْ معَذ ّب َهُ ْه ُ ّ
ن الل ُ َ
ما كا َ ،ثم قال } :وَ َ
سبق له من الله الدخول في اليمان ،وهو الستغفار -يستغفرون ،يعني : ُ
يصلون -يعني بهذا أهل مكة.
ي
سد ّ ّجب َْير ،وال ّ وفي ،وسعيد بن ُ مة ،وعطية العَ ْ عك ْرِ َ مجاهد ،و ِ وروي عن ُ
نحو ذلك.
ن { يعني : فُرو َ ست َغْ ِ م يَ ْ م وَهُ ْ معَذ ّب َهُ ْ ه ُ ّ
ن الل ُكا َ ما َ وقال الضحاك وأبو مالك } :وَ َ
المؤمنين الذين كانوا بمكة.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا عبد الغفار بن داود ،حدثنا النضر بن
عََربي ]قال[ ) (2قال ابن عباس :إن الله جعل في هذه المة أمانين ل
يزالون معصومين مجارين من قوارع العذاب ما داما بين أظهرهم :فأمان
َ
ت م وَأن ْ َ ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْن الل ّ ُ كا َ ما َ قبضه الله إليه ،وأمان بقي فيكم ،قوله } :وَ َ
ن{ فُرو َ ست َغْ ِم يَ ْ م وَهُ ْ معَذ ّب َهُ ْه ُ ن الل ّ ُ كا َ ما َم وَ َ ِفيهِ ْ
قال ) (3أبو صالح عبد الغفار :حدثني بعض أصحابنا ،أن النضر بن عربي
حدثه هذا الحديث ،عن مجاهد ،عن ابن عباس.
وا من هذا )(4 مْرد َُويه وابن جرير ،عن أبي موسى الشعري نح ً وروى ابن َ
وكذا ُروي عن قتادة وأبي العلء النحوي المقرئ.
مْير ،عن إسماعيل بن كيع ،حدثنا ابن ن ُ َ وقال الترمذي :حدثنا سفيان بن وَ ِ
إبراهيم بن مهاجر ،عن عباد بن يوسف ،عن أبي بردة بن أبي موسى ،عن
ي أمانين أبيه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :أنزل الله عل ّ
َ
مم وَهُ ْ معَذ ّب َهُ ْ ه ُ ن الل ّ ُكا َ ما َ م وَ َ ت ِفيهِ ْ م وَأن ْ َ ن الل ّ ُ
ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ كا َ ما َ لمتي } :وَ َ
ت فيهم الستغفار إلى يوم القيامة" )(5 ن { فإذا مضيت ،ترك ُ فُرو َ ست َغْ ِ
يَ ْ
ويشهد لهذا ) (6ما رواه المام أحمد في مسنده ،والحاكم في مستدركه ،
من حديث عبد الله بن وهب :أخبرني عمرو بن الحارث ،عن د ََراج ،عن أبي
الهيثم ،عن أبي سعيد ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
) (1زيادة من م.
) (2زيادة من د ،ك ،م ،أ.
) (3في ك " :وقال".
) (4تفسير الطبري ).(13/513
) (5سنن الترمذي برقم ) (3082وقال الترمذي " :هذا حديث غريب ،
وإسماعيل بن مهاجر يضعف في الحديث.
) (6في أ " :لصحة هذا".
) (4/49
وي عبادك ما دامت قال " :إن الشيطان قال :وعزتك يا رب ،ل أبرح أغْ ِ
أرواحهم في أجسادهم .فقال الرب :وعزتي وجللي ،ل أزال أغفر لهم ما
استغفروني".
ثم قال الحاكم :صحيح السناد ولم يخرجاه )(1
دين -هو ابن سعد - ش ِ وقال المام أحمد :حدثنا معاوية بن عمرو ،حدثنا رِ ْ
حدثني معاوية بن سعد الّتجيبي ،عمن حدثه ،عن فَ َ
ضالة بن عَُبيد ،عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال " :العبد آمن من عذاب الله ما استغفر الله ،
عز وجل" )(2
__________
) (1المسند ) (3/29والمستدرك ) (4/261وهذا سياق الحاكم .وأما سياق
أحمد في المسند من طريق ابن لهيعة عن دراج به.
) (2المسند ).(6/20
) (4/50
َ وما ل َه َ
ن
كاُنوا أوْل َِياَءهُ إ ِ ْ ما َ حَرام ِ وَ َجدِ ال ْ َس ِ
م ْ ن ال ْ َ ن عَ ِ دو َ ص ّ
م يَ ُ ه وَهُ ْ م الل ّ ُ م أّل ي ُعَذ ّب َهُ ُ َ َ ُ ْ
قون ول َكن أ َ َ
تعن ْد َ ال ْب َي ْ ِ م ِ هُ
َ ُ ْ ت َ
ل ص ن
َ َ
كا ما
َ َ و ( 34 ) نَ موُ َ ل ْ عَ ي لَ م
َ ُْ هر َ ثْ ك ّ ِ َ َ ُ ّ ت م
ُ ْ لا لّ أوْل َِياؤُه ُ ِ
إ
ن )(35 فُرو َم ت َك ْ ُ
ما ك ُن ْت ُ ْ ب بِ َذا َ ذوُقوا ال ْعَ َ ة فَ ُ صدِي َ ً كاًء وَت َ ْ إ ِّل ُ
م َ
َ } وما ل َه َ
كاُنوا أوْل َِياَءهُ ما َ حَرام ِ وَ َ جدِ ال ْ َ س ِ م ْ ن ال ْ َ ن عَ ِ دو َ ص ّ م يَ ُ ه وَهُ ْ م الل ّ ُ م أل ي ُعَذ ّب َهُ ُ َ َ ُ ْ
َ َ َ ْ قون ول َكن أ َ ْ إ َ
د ن ع
ِ
َ َ ُُ ْ ْ َ م ه ت صل ن كا ماَ َ و ( 34 ) ن
َْ ُ َ مو ل ع ي ل م
َ ْ ُ ه ر ث ك َ َ ِ ّ ُ ت
ُ ّ م ل ا إل ن أوْل َِياؤُ ُ ِ
ه ِ ْ
ن ){ (35 ُ َ رو ُ ف ْ ك َ ت م
ْ ُ تْ ن ُ ك ماَ ِ َب ب ذا َ َ عْ ل ا قوا ُ ذو ُ َ ف ة
ً ي ِ
َ ْ َ د ص َ ت و ً ء َ
كا م
ِ ُ إل ت ِ ال ْب َ ْ
ي
يخبر تعالى أنهم أهل لن يعذبهم ،ولكن لم يوقع ذلك بهم لبركة مقام رسول
الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم ؛ ولهذا لما خرج من بين أظهرهم ،
سراتهم .وأرشدهم قتل صناديدهم وأسرت ُ أوقع الله بهم بأسه يوم بدر ،ف ُ
تعالى إلى الستغفار من الذنوب ،التي هم متلبسون بها من الشرك
والفساد.
دي وغيرهما :لم يكن القوم يستغفرون ،ولو كانوا س ّ قال قتادة وال ّ
يستغفرون لما عذبوا.
واختاره ابن جرير ،فلول ما كان بين أظهرهم من المستضعفين من
المؤمنين المستغفرين ،لوقع بهم البأس الذي ل يرد ،ولكن دفع عنهم
دوك ُْ
م فُروا وَ َ ّ
ص ن كَ َ ذي َ م ال ّ ِ بسبب أولئك ،كما قال تعالى في يوم الحديبية } :هُ ُ
َ
ساٌء ن وَن ِ َ مُنو َ مؤ ْ ِ ل ُ جا ٌ ول رِ َ ه وَل َ ْ حل ّ ُ م ِ ن ي َب ْل ُغَ َ كوًفا أ ْ معْ ُ حَرام ِ َوال ْهَد ْيَ َ جدِ ال ْ َ س ِ م ْ ن ال ْ َ عَ ِ
َ
هل الل ّ ُ خ َ عل ْم ٍ ل ِي ُد ْ ِ معَّرةٌ ب ِغَي ْرِ ِ م َ من ْهُ ْ م ِ صيب َك ُ ْ م فَت ُ ِ ن ت َط َُئوهُ ْ مأ ْ موهُ ْ م ت َعْل َ ُ ت لَ ْ مَنا ٌ مؤ ْ ِ ُ
ما { ]الفتح : لي
ِ َ أ با ذا َ َ ع م ه ن م روا َ ف َ ك ن ذي ّ ل ا نا ب ّ ذ ع َ ل لوا ُ ي ز ت و َ ل ُ ءشا َ ي ن م ه ِ ت م ح ر في
ً ً ُ ْ ْ ِ ُ َ ِ َ َ ْ ْ َ ّ َ َ ْ َ ِ َ ْ َ ِ
.[25
ميد ،حدثنا يعقوب ،عن جعفر بن أبي المغيرة ، ح َ قال ابن جرير :حدثنا ابن ُ
عن ابن أبزى قال :كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ،فأنزل الله :
َ
م { قال :فخرج النبي صلى الله عليه ت ِفيهِ ْ م وَأن ْ َ ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ ن الل ّ ُ كا َ ما َ } وَ َ
ن{ فُرو َ ست َغْ ِ م يَ ْ م وَهُ ْ معَذ ّب َهُ ْ ه ُ ّ
ن الل ُ ما كا َ َ وسلم إلى المدينة ،فأنزل الله } :وَ َ
قال :وكان أولئك البقية من المؤمنين ) (1الذين بقوا فيها يستغفرون -يعني
بمكة -فلما خرجوا ،أنزل الله } :وما ل َه َ
ن
ن عَ ِ دو َ ص ّم يَ ُ ه وَهُ ْ م الل ّ ُ م أل ي ُعَذ ّب َهُ ُ َ َ ُ ْ
كاُنوا أ َوْل َِياَءهُ { قال :فأذن الله في فتح مكة ،فهو ما َ حَرام ِ وَ َ جدِ ال ْ َ س ِ م ْ ال ْ َ
العذاب الذي وعدهم.
وُروي عن ابن عباس ،وأبي مالك والضحاك ،وغير واحد نحو هذا.
م
م وَهُ ْ معَذ ّب َهُ ْ ه ُ ن الل ّ ُ كا َ ما َ وقد قيل :إن هذه الية ناسخة لقوله } :وَ َ
ن { على أن يكون المراد صدور الستغفار منهم أنفسهم. فُرو َ ست َغْ ِ يَ ْ
__________
) (1في د ،ك ،م " :المسلمين".
) (4/50
ميد ،حدثنا يحيى بن واضح ،عن الحسين بن ح َ قال ابن جرير :حدثنا ابن ُ
واقد ،عن يزيد النحوي ،عن عكرمة والحسن البصري قال قال في "النفال"
َ
ن{ فُرو َ ست َغْ ِم يَ ْ م وَهُ ْ معَذ ّب َهُ ْ ه ُ ن الل ّ ُ كا َ ما َ م وَ َ ت ِفيهِ ْ م وَأن ْ َ ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ ن الل ّ ُ كا َ ما َ } :وَ َ
ذوُقوا ه { إلى قوله } :فَ ُ ّ َ َ
م الل ُ م أل ي ُعَذ ّب َهُ ُ ما لهُ ْ فنسختها الية التي تليها } :وَ َ
قوتلوا بمكة ،فأصابهم فيها الجوع والضر. ن{ف ُ فُرو َ م ت َك ْ ُ ما ك ُن ْت ُ ْ ب بِ َ ذا َ ال ْعَ َ
مْيلة يحيى بن واضح )(2 وكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث أبي ) (1ت ُ َ
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ،حدثنا حجاج بن
ما َ َ و } جَرْيج وعثمان بن عطاء ،عن عطاء ،عن ابن عباس : محمد ،عن ابن ُ
ن { ثم استثنى أهل الشرك فقال ]تعالى[ ) فُرو َ ست َغْ ِ م يَ ْ م وَهُ ْ معَذ ّب َهُ ْ ه ُ ن الل ّ ُ كا َ َ
َ
حَرام ِ { جدِ ال ْ َ س ِ م ْ ن ال ْ َ ن عَ ِ دو َ ص ّ م يَ ُ ه وَهُ ْ م الل ّ ُ م أل ي ُعَذ ّب َهُ ُ ما ل َهُ ْ } (3وَ َ
ما َ ْ ْ ّ َ َ
كاُنوا حَرام ِ وَ َ جدِ ال َ س ِ م ْ ن ال َ ن عَ ِ دو َ ص ّ م يَ ُ ه وَهُ ْ م الل ُ م أل ي ُعَذ ّب َهُ ُ ما لهُ ْ وقوله } :وَ َ
َ َ َ ْ أ َول ِياَءه إ َ
ن { أي :وكيف ل مو َ م ل ي َعْل ُ ن أك ْث ََرهُ ْ ن وَلك ِ ّ قو َ مت ّ ُ ن أوْل َِياؤُه ُ ِإل ال ُ ْ َ ُ ِ ْ
يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام أي الذي ببكة ،يصدون
ماالمؤمنين الذين هم أهله عن الصلة عنده والطواف به ؛ ولهذا قال } :وَ َ
كاُنوا أ َوْل َِياَءه ُ { أي :هم ليسوا أهل المسجد الحرام ،وإنما أهله النبي صلى َ
َ
مُروا ن ي َعْ ُ نأ ْ كي َ شرِ ِ م ْ ن ل ِل ْ ُ كا َ ما َ الله عليه وسلم وأصحابه ،كما قال تعالى َ } :
م وَِفي الّناِر ُ َ َ فرِ ُأول َئ ِ َ م ِبال ْك ُ ْ ن عََلى أ َن ْ ُ جد َ الل ّهِ َ
مالهُ ْ ت أعْ َ حب ِط ْ ك َ سهِ ْ ف ِ دي َ شاهِ ِ سا ِم َ َ
صلةَ َ َ ْ ّ ّ
م ال ّ خرِ وَأقا َ ن ِباللهِ َوالي َوْم ِ ال ِ م َ نآ َ م ْ جد َ اللهِ َ سا ِ م َ مُر َ ما ي َعْ ُ ن إ ِن ّ َ دو َ خال ِ ُ م َ هُ ْ
ن { ]التوبة ْ ُ َ َ َ ُ َ ّ َ َ
دي َ مهْت َ ِ ن ال ُ م َ ن ي َكوُنوا ِ سى أولئ ِك أ ْ ه فعَ َ ش ِإل الل َ خ َ م يَ ْ َوآَتى الّزكاة َ وَل ْ
ْ ْ ُ ّ
حَرام ِ جدِ ال َ س ِ م ْ فٌر ب ِهِ َوال َ ل اللهِ وَك ْ سِبي ِ ن َ
ة أَ
صد ّ ع َ ْ ، [18 ، 17 :وقال تعالى } :وَ َ
ل[ { ) (4الية ]البقرة : ْ ِ ت َ ق ْ ل ا عن ْد َ الل ّهِ ] َ ِ ْ َ ُ َ ُ ِ َ
ن م ر بْ ك ن ت ف ْ لوا ه أ َك ْب َُر ِ من ْ ُ ج أهْل ِهِ ِ
خرا َ
وَإ ِ ْ َ ُ
..[217
مْرد َُويه في تفسير هذه الية :حدثنا سليمان بن وقال الحافظ أبو بكر بن َ
أحمد -هو الطبراني -حدثنا جعفر بن إلياس بن صدقة المصري ،حدثنا ن ُعَْيم
بن حماد ،حدثنا نوح بن أبي مريم ،عن يحيى بن سعيد النصاري ،عن أنس
بن مالك ،رضي الله عنه ،قال :سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من
ن
آلك ؟ قال ) (5كل تقي" ،وتل رسول الله صلى الله عليه وسلم } :إ ِ ْ
َ
ن { )(6 قو َ مت ّ ُ أوْل َِياؤُه ُ ِإل ال ْ ُ
وقال الحاكم في مستدركه :حدثنا أبو بكر الشافعي ،حدثنا إسحاق بن
خث َْيم ) الحسن ،حدثنا أبو حذيفة ،حدثنا سفيان ،عن عبد الله بن عثمان بن ُ
(7عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة ،عن أبيه ،عن جده قال :جمع رسول
الله صلى الله عليه وسلم قريشا فقال " :هل فيكم من غيركم ؟ " قالوا :
فينا ابن أختنا ) (8وفينا حليفنا ،وفينا مولنا .فقال " :حليفنا منا ،وابن أختنا
منا ،ومولنا منا ،إن أوليائي منكم المتقون".
ثم قال :هذا ]حديث[ ) (9صحيح ،ولم يخرجاه )(10
__________
) (1في أ " :ابن".
) (2في ك " :وضاح".
) (3زيادة من أ.
) (4زيادة من أ.
) (5في أ " :فقال".
) (6رواه الطبراني في المعجم الوسط برقم )" (5002مجمع البحرين"
وقال " :لم يروه عن يحيى إل نوح تفرد به نعيم" .وقال الهيثمي في المجمع
)" : (10/269فيه نوح بن أبي مريم وهو ضعيف".
) (7في أ " :خيثم".
) (8في د ،ك ،م " :أخينا".
) (9زيادة من أ.
) (10المستدرك ).(2/328
) (4/51
ن أ َوْل َِياؤُه ُ ِإل دي ،ومحمد بن إسحاق في قوله تعالى } :إ ِ ْ س ّ وقال عُْرَوة ،وال ّ
ن { قال :هم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ،رضي الله قو َ ال ْ ُ
مت ّ ُ
عنهم.
وقال مجاهد :هم المجاهدون ،من كانوا ،وحيث كانوا.
ثم ذكر تعالى ما كانوا يعتمدونه عند المسجد الحرام ،وما كانوا يعاملونه به ،
ة { قال عبد الله ) (1بن صدِي َ ًكاًء وَت َ ْ م َ ت ِإل ُ عن ْد َ ال ْب َي ْ ِم ِ صلت ُهُ ْ ن َ كا َما َ
فقال } :وَ َ
جب َْير ،وأبو رجاء ُ بن وسعيد ، وعكرمة ، ومجاهد ، عباس عمر ،وابن
شَرْيط ، جر بن عَن َْبس ،ون ُب َْيط بن ُ ح ْالعطاردي ،ومحمد بن كعب القرظي ،و ُ
وقتادة ،وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم :هو الصفير -وزاد مجاهد :وكانوا
يدخلون أصابعهم في أفواههم.
كاء" ، م َ كاء :الصفير على نحو طير أبيض يقال له " :ال ُ م َ وقال السدي :ال ُ
ويكون بأرض الحجاز.
والتصدية :التصفيق.
خلد سليمان بن خلد ،حدثنا يونس بن محمد قال ابن أبي حاتم :حدثنا أبو َ
المؤدب ،حدثنا يعقوب -يعني ابن عبد الله الشعري -حدثنا جعفر بن أبي
م
صلت ُهُ ْ ن َ كا َ ما َ المغيرة ،عن سعيد بن جبير ،عن ابن عباس في قوله } :وَ َ
ة { قال :كانت قريش تطوف بالكعبة ) (2عراة صدِي َ ًكاًء وَت َ ْ م َت ِإل ُعن ْد َ ال ْب َي ْ ِ ِ
تصفر وتصفق .والمكاء :الصفير ،وإنما شبهوا بصفير الطير وتصدية
التصفيق.
وفي ،عن ابن عباس .وكذا روى عن ابن وهكذا روى علي بن أبي طلحة والعَ ْ
عمر ،ومجاهد ،ومحمد بن كعب ،وأبي سلمة بن عبد الرحمن ،والضحاك ،
جر بن عَن َْبس ،وابن أبَزى نحو هذا. ح ْ وقتادة ،وعطية العوفي ،و ُ
وقال ابن جرير :حدثنا ابن بشار ،حدثنا أبو عمر ،حدثنا قُّرة ،عن عطية ،
ة { قال صدِي َ ً كاًء وَت َ ْ م َ
ت ِإل ُ عن ْد َ ال ْب َي ْ ِ
م ِ صلت ُهُ ْ
ن َ كا َ ما َ عن ابن عمر في قوله } :وَ َ
كى لنا عطية فعل ابن ح َ :المكاء :الصفير .والتصدية :التصفيق .قال قرة :و َ
عمر ،فصفر ابن عمر ،وأمال خده ،وصفق بيديه.
قون ف ُ ص ّضا أنه قال :كانوا يضعون خدودهم على الرض وي ُ َ وعن ابن عمر أي ً
فُرون .رواه ابن أبي حاتم في تفسيره بسنده عنه. ص ّوي ُ َ
وقال عكرمة :كانوا يطوفون بالبيت على الشمال.
قال مجاهد :وإنما كانوا يصنعون ذلك ليخلطوا بذلك على النبي صلى الله
عليه وسلم صلته.
وقال الزهري :يستهزئون بالمؤمنين.
دهم الناس صدَِية { قال :ص ّ جب َْير وعبد الرحمن بن زيد } :وَت َ ْ وعن سعيد بن ُ
عن سبيل الله ،عز وجل.
__________
) (1في أ " :عبد الرزاق".
) (2في ك " :البيت".
) (4/52
قو َ
ن
كو ُ م تَ ُ
قون ََها ث ُ ّ سي ُن ْفِ ُل الل ّهِ فَ َ سِبي ِ ن َ دوا عَ ْ ص ّ وال َهُ ْ
م ل ِي َ ُ م َ
نأ ْ فُروا ي ُن ْفِ ُ َ ن كَ َ ذي َ ن ال ّ ِ إِ ّ
هّ
ميَز الل ُ ن ) (36ل ِي َ ِ شُرو َ ح َم يُ ْ
جهَن ّ َ َ
فُروا إ ِلى َ ن كَ َ ذي َ ّ
ن َوال ِ َ
م ي ُغْلُبو َ سَرةً ث ُ ّ ح ْ م َ َ
عَلي ْهِ ْ
هَ
جعَل ُميًعا فَي َ ْ ج ِه َ م ُ ُ
ض فَي َْرك َ َ ْ جعَ َ ّ ال ْ َ
ه عَلى ب َعْ ٍ ض ُ
ث ب َعْ َخِبي َ ل ال َ ب وَي َ ْ ن الطي ّ ِ
ُ
م َث ِ خِبي َ
ن )(37 سُرو َ م ال ْ َ
خا ِ ك هُ ُ م أول َئ ِ َ جهَن ّ َ ِفي َ
جَرْيج ، ن { قال الضحاك ،وابن ُ فُرو َ م ت َك ْ ُ ما ك ُن ْت ُ ْ ب بِ َ ذا َ ذوُقوا ال ْعَ َ قوله } :فَ ُ
سْبي .واختاره ابن در من القتل وال ّ ومحمد بن إسحاق :هو ما أصابهم يوم ب َ ْ
جرير ،ولم يحك غيره.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا ابن أبي عمر ،حدثنا سفيان ،عن ابن
جيح ،عن مجاهد قال :عذاب أهل القرار بالسيف ،وعذاب أهل أبي ن َ ِ
التكذيب بالصيحة والزلزلة.
ّ َ َ
قون ََها ث ُ ّ
م سي ُن ْفِ ُ ل اللهِ فَ َ سِبي ِ
ن َ دوا عَ ْ ص ّ م ل ِي َ ُ والهُ ْ م َنأ ْ قو َ فُروا ي ُن ْفِ ُ ن كَ َ ذي َ ن ال ّ ِ } إِ ّ
ميَز ن ) (36ل ِي َ ِ شُرو َ ح َم يُ ْ جهَن ّ َ َ
فُروا إ ِلى َ نك ََ ذي َ ّ
ن َوال ِ َ
م ي ُغْلُبو َ سَرةً ث ُ ّ ح ْ م َ َ
ن عَلي ْهِ ْ كو ُ تَ ُ
ميًعا
ج ِه َ م ُض فَي َْرك ُ َ ض ُ َ ل ال ْ َ جعَ َ ن الط ّي ّ ِ ه ال ْ َ الل ّ ُ
ه عَلى ب َعْ ٍ ث ب َعْ َ خِبي َ ب وَي َ ْ
ُ
م َ ث ِ خِبي َ
ن ){ (37 سُرو َ خا ِ م ال ْ َ ك هُ ُ م أول َئ ِ َ جهَن ّ َ ه ِفي َ جعَل َ ُ فَي َ ْ
حّبان ،وعاصم قال محمد بن إسحاق :حدثني الزهري ،ومحمد بن يحيى بن ِ
صْين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعيد بن معاذ ، ح َ بن عمر بن قتادة ،وال ُ
قالوا :لما أصيبت قريش يوم بدر ،ورجع فَّلهم إلى مكة ،ورجع أبو سفيان
ره ،مشى عبد الله بن أبي ربيعة ،وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن ب ِِعي ِ
أمية ،في رجال من قريش أصيب آباؤهم ،وأبناؤهم وإخوانهم ببدر ،فكلموا
أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك ) (1العير من قريش تجارة ،
فقالوا :يا معشر قريش ،إن محمدا قد وَت ََركم وقتل خياركم ،فأعينونا بهذا
المال على حربه ،لعلنا أن ندرك منه ثأًرا بمن أصيب منا! ففعلوا .قال :
فُروا ن كَ َ ذي َ ن ال ّ ِ ففيهم -كما ذكر عن ابن عباس -أنزل الله ،عز وجل } :إ ِ ّ
ّ قو َ
فُروا َ
نك َ ذي َ ه[ { ) (2إلى قوله َ } :وال ِ ل الل ِ سِبي ِ ن َ دوا عَ ْ ص ّ م ]ل ِي َ ُ وال َهُ ْ م َ نأ ْ ي ُن ْفِ ُ َ
ن { )(3 شُرو َ ح َ م يُ ْ جهَن ّ َ إ َِلى َ
كم بن عتيبة ،وقتادة ، ح َ
جب َْير ،وال َ وهكذا روي عن مجاهد ،وسعيد بن ُ
حد ُ
دي ،وابن أبَزى :أنها نزلت ) (4في أبي سفيان ونفقته الموال في أ ُ س ّ وال ّ
لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الضحاك :نزلت في أهل بدر.
وعلى كل تقدير ،فهي عامة .وإن كان سبب نزولها خاصا ،فقد أخبر تعالى
أن الكفار ينفقون أموالهم ليصدوا عن اتباع طريق الحق ،فسيفعلون ذلك ،
جد ِسَرة ً { أي :ندامة ؛ حيث لم ت ُ ْ ح ْ م َ ن عَل َي ْهِ ْ كو ُ م تَ ُ ثم تذهب أموالهم } ،ث ُ ّ
شيًئا ؛ لنهم أرادوا إطفاء نور الله وظهور كلمتهم على كلمة الحق ،والله
معِْلن كلمته ،ومظهر دينه على متم نوره ولو كره الكافرون ،وناصر دينه ،و ُ
كل دين .فهذا الخزي لهم في الدنيا ،ولهم في الخرة عذاب النار ،فمن
عاش منهم ،رأى بعينه وسمع بأذنه ما يسوءه ،ومن قُِتل منهم أو مات ،
ن م تَ ُ
كو ُ قون ََها ث ُ ّ مدِيّ ؛ ولهذا قال } :فَ َ
سي ُن ْفِ ُ سْر َ خْزي البدي والعذاب ال ّ فإلى ال ِ
ن{ َ
حشُرو َم يُ ْ
جهَن ّ َ َ
فُروا إ ِلى َ َ
نك َ ذي َ ّ
ن َوال ِ َ
م ي ُغْلُبو َ ُ
سَرةً ث ّ
ح ْم َعَل َي ْهِ ْ
__________
) (1في م ،أ " :ذلك".
) (2زيادة من م.
) (3ورواه الطبري في تفسيره ).(13/532
) (4في م " :أنزلت".
) (4/53
ة
سن ّ ُ
ت ُ ض ْ م َقد ْ َ ن ي َُعوُدوا فَ َ ف وَإ ِ ْسل َ َ ما قَد ْ َ م َ فْر ل َهُ ْ ن ي َن ْت َُهوا ي ُغْ َ
فُروا إ ِ ْ ن كَ َ ذي َ ل ل ِل ّ ِقُ ْ
ّ ّ َ ُ َ
وا ه ل ِلهِ فَإ ِ ِ
ن ان ْت َهَ ْ ُ
ن كل ُ دي ُ ن ال ّ ُ
ة وَي َكو َ ن فِت ْن َ ٌ ُ
حّتى ل ت َكو َ م َ ن ) (38وََقات ِلوهُ ْ اْلوِّلي َ
َ
مم ن ِعْ َموَْلك ُ ْ ه َن الل ّ َموا أ ّ وا َفاعْل َ ُن ت َوَل ّ ْ صيٌر ) (39وَإ ِ ْ ن بَ ِ مُلو َ ما ي َعْ َه بِ َ ن الل ّ َ فَإ ِ ّ
صيُر )(40 م الن ّ ِ موَْلى وَن ِعْ َ ال ْ َ
ب { قال علي بن أبي طلحة ، ن الط ّي ّ ِ م َ ث ِ خِبي َ ه ال ْ َ ميَز الل ّ ُ وقوله تعالى } :ل ِي َ ِ
ب { فيميز أهل ّ
ن الطي ّ ِ م َ ث ِ خِبي َ ْ
ه ال َ ّ
ميَز الل ُ عن ابن عباس في قوله } :ل ِي َ ِ
دي :يميز المؤمن من الكافر .وهذا س ّالسعادة من أهل الشقاء ) (1وقال ال ّ
ن
ذي َ ل ل ِل ِّ قو ُ م نَ ُ يحتمل أن يكون هذا التمييز في الخرة ،كما قال تعالى } :ث ُ ّ
كانك ُ َ أَ ْ
م { ]يونس ، [28 :وقال تعالى } م فََزي ّل َْنا ب َي ْن َهُ ْ كاؤُك ُ ْ شَر َ م وَ ُ م أن ْت ُ ْ م َ َ ْ كوا َ شَر ُ
ن { ]الروم ، [14 :وقال في الية الخرى : فّرُقو َ مئ ِذ ٍ ي َت َ َ ة ي َوْ َ ساعَ ُ م ال ّ قو ُ م تَ ُ وَي َوْ َ
َ
م أي َّها ْ
مَتاُزوا الي َوْ َ ن { ]الروم ، [43وقال تعالى َ } :وا ْ عو َ صد ّ ُ مئ ِذ ٍ ي َ ّ } ي َوْ َ
ن { ]يس .[59 : مو َ جرِ ُ م ْ ال ْ ُ
ويحتمل أن يكون هذا التمييز في الدنيا ،بما يظهر من أعمالهم للمؤمنين ،
وتكون "اللم" معللة لما جعل الله للكفار من مال ينفقون في الصد عن
ب{ ن الط ّي ّ ِ م َ ث ِ خِبي َ ه ال ْ َ ميَز الل ّ ُ سبيل الله ،أي :إنما أقدرناهم على ذلك ؛ } ل ِي َ ِ
أي :من يطيعه بقتال أعدائه الكافرين ،أو يعصيه بالنكول عن ذلك كما قال
َ َ
م
ن وَل ِي َعْل َ مِني َ مؤ ْ ِ م ال ْ ُ ن الل ّهِ وَل ِي َعْل َ َ ن فَب ِإ ِذ ْ ِ مَعا ِ ج ْ قى ال ْ َ م ال ْت َ َ م ي َوْ َ صاب َك ُ ْ ما أ َ تعالى } :وَ َ
َ َ ُ َ ّ ُ َ َ
ل اللهِ أوِ اد ْفَُعوا َقالوا لوْ ن َعْل ُ
م سِبي ِ وا َقات ِلوا ِفي َ م ت ََعال ْ ل لهُ ْ قوا وَِقي َ ن َنافَ ُ ذي َ ال ّ ِ
ن
كا َ ما َ م { الية ]آل عمران ، [167 ، 166 :وقال تعالى َ } : قَِتال لت ّب َعَْناك ُ ْ
َ
نكا َ ما َ ب وَ َ ن الط ّي ّ ِ م َ ث ِ خِبي َ ميَز ال ْ َ حّتى ي َ ِ م عَل َي ْهِ َ ما أن ْت ُ ْ ن عََلى َ مِني َ مؤ ْ ِ ه ل ِي َذ ََر ال ْ ُ الل ّ ُ
َ
مب { الية ]آل عمران ، [179 :وقال تعالى } :أ ْ م عََلى ال ْغَي ْ ِ ه ل ِي ُط ْل ِعَك ُ ْ الل ّ ُ
َ
ن{ ري َ صاب ِ ِ م ال ّ م وَي َعْل َ َ من ْك ُ ْ دوا ِ جاهَ ُ ن َ ذي َ ه ال ّ ِ ما ي َعْل َم ِ الل ّ ُ ة وَل َ ّ جن ّ َ خُلوا ال ْ َ ن ت َد ْ ُ مأ ْ سب ْت ُ ْ ح ِ َ
]آل عمران [142 :ونظيرتها في براءة أيضا.
فمعنى الية على هذا :إنما ابتليناكم بالكفار يقاتلونكم ،وأقدرناهم على
إنفاق الموال وبذلها في ذلك ؛ ليتميز ) (2الخبيث من الطيب ،فيجعل
ه { أي :يجمعه كله ،وهو جمع الشيء م ُ الخبيث بعضه على بعض } ،فَي َْرك ُ َ
ما { ]النور : كا ً ه ُر َ جعَل ُ ُ م يَ ْ بعضه على بعض ،كما قال تعالى في السحاب } :ث ُ ّ
ن { أي : سُرو َ خا ِ م ال ْ َ ك هُ ُ م ُأول َئ ِ َ جهَن ّ َ ه ِفي َ جعَل َ ُ [43أي :متراكما متراكبا } ،فَي َ ْ
هؤلء هم الخاسرون في الدنيا والخرة.
تض ْ م َ قد ْ َ ن ي َُعوُدوا فَ َ ف وَإ ِ ْ سل َ َ ما قَد ْ َ م َ فْر ل َهُ ْ ن ي َن ْت َُهوا ي ُغْ َ فُروا إ ِ ْ ن كَ َ ذي َ ل ل ِل ّ ِ } قُ ْ
ن ه ل ِلهِ فَإ ِ ِ ّ ّ
ن ك ُل ُ دي ُ ن ال ّ كو َ ة وَي َ ُ ن فِت ْن َ ٌ كو َ حّتى ل ت َ ُ م َ ُ
ن ) (38وََقات ِلوهُ ْ ة الوِّلي َ سن ّ ُ ُ
َ
م ولك ُ ْ
م ن ِعْ َ م ْ
ه َن الل ّ َ موا أ ّ وا َفاعْل َ ُ ن ت َوَل ّ ْ
صيٌر ) (39وَإ ِ ْ مُلو َ
ن بَ ِ ما ي َعْ َ ن الل ّ َ
ه بِ َ وا فَإ ِ ّان ْت َهَ ْ
صيُر ){ (40 م الن ّ ِ َ
موْلى وَن ِعْ َ ال ْ َ
ن ي َن ْت َُهوا { أي : فُروا إ ِ ْن كَ َ ذي َل ل ِل ّ ِيقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم } :قُ ْ
عما هم فيه من الكفر والمشاقة والعناد ويدخلوا في السلم والطاعة والنابة
سَلف ،أي :من كفرهم ،وذنوبهم وخطاياهم ،كما جاء في ،يغفر لهم ما قد َ
الصحيح ،من حديث أبي وائل عن ابن مسعود ؛ أن رسول الله صلى الله
خذ بما عمل في الجاهلية ، سن في السلم ،لم ُيؤا َ ح َعليه وسلم قال " :من أ ْ
ومن أساء في السلم ،أخذ بالول والخر" )(3
__________
) (1في أ " :الشقاوة"
) (2في د ،م " :ليميز الله".
) (3صحيح البخاري برقم ) (6921وصحيح مسلم برقم ).(120
) (4/54
ضا :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :السلم وفي الصحيح أي ً
ب ما قبله ) (1والتوبة تجب ما كان قبلها". ج ّ يَ ُ
ة
سن ّ ُ ت ُ ض ْم َ قد ْ َ ن ي َُعوُدوا { أي :يستمروا على ما هم فيه } ،فَ َ وقوله } :وَإ ِ ْ
ن { أي :فقد مضت سنتنا في الولين أنهم إذا كذبوا واستمروا على الوِّلي َ
عنادهم ،أنا نعاجلهم بالعذاب والعقوبة.
ن { أي :في قريش يوم بدر وغيرها من ة الوِّلي َ سن ّ ُ
ت ُ ض ْ م َقد ْ َوقوله } :فَ َ
المم .وقال السدي ومحمد بن إسحاق :أي :يوم بدر.
ه ل ِلهِ { قال البخاري : ّ ن ك ُل ّ ُدي ُ ن ال ّ ة وَي َ ُ
كو َ ن فِت ْن َ ٌ حّتى ل ت َ ُ
كو َ م َ وقوله } :وََقات ُِلوهُ ْ
شَرْيح وة بن ُ حي ْ َ
حدثنا الحسن بن عبد العزيز ،حدثنا عبد الله بن يحيى ،حدثنا َ
،عن بكر بن عمرو ،عن ب ُك َْير ،عن نافع ،عن ابن عمر ؛ أن رجل جاءه فقال
ن
م َ ن ِ فَتا ِطائ ِ َن َ :يا أبا عبد الرحمن ،أل تسمع ما ذكر الله في كتابه } :وَإ ِ ْ
ن اقْت َت َُلوا { الية ]الحجرات ، [9 :فما يمنعك أل تقاتل كما ذكر الله ال ْ ُ
مؤ ْ ِ
مِني َ
في كتابه ؟ فقال :يا ابن أخي ،أعَّير بهذه الية ول أقاتل ،أحب إلي من أن ُ
قت ُ ْ ُ
دا { إلى م ً مت َعَ ّمًنا ُ مؤ ْ ِل ُ ن يَ ْ
م ْ
أعَّير بالية التي يقول الله ،عز وجل } : :وَ َ
حّتى م َ آخر ) (2الية ]النساء ، [93 :قال :فإن الله تعالى يقول } :وََقات ُِلوهُ ْ
ة { ؟ قال ابن عمر :قد فعلنا على عهد النبي صلى الله عليه ن فِت ْن َ ٌكو َ ل تَ ُ
وسلم إذ كان السلم قليل وكان الرجل ُيفتن في دينه :إما أن يقتلوه ،وإما
أن يوثقوه ،حتى كثر السلم فلم تكن فتنة ،فلما رأى أنه ل يوافقه فيما
يريد ،قال :فما قولك في علي وعثمان ؟ قال ابن عمر :ما قولي في علي
وعثمان ؟ أما عثمان فكان الله قد عفا عنه ،وكرهتم أن يعفو عنه ،وأما
خت َُنه -وأشار بيده -وهذه علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم و َ
ابنته أو :بنته -حيث ترون.
وحدثنا أحمد بن يونس ،حدثنا ُزهَْير ،حدثنا ب ََيان أن وََبرة حدثه قال :حدثني
جب َْير قال :خرج علينا -أو :إلينا -ابن عمر ،رضي الله عنهما ، سعيد بن ُ
فقال رجل :كيف ترى في قتال الفتنة ؟ فقال :وهل تدري ما الفتنة ؟ كان
محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين ،وكان الدخول عليهم فتنة ،
وليس بقتالكم على الملك.
هذا كله سياق البخاري ،رحمه الله )(3
وقال عبيد الله ،عن نافع ،عن ابن عمر ؛ أنه أتاه رجلن في فتنة ابن الزبير
فقال إن الناس قد صنعوا ما ترى ،وأنت ابن عمر بن الخطاب ،وأنت صاحب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فما يمنعك أن تخرج ؟ قال :يمنعني أن
حّتى ل ي دم أخي المسلم .قالوا :أو لم يقل الله } :وََقات ُِلوهُ ْ
م َ الله حرم عل ّ
ه ل ِل ّهِ { ؟
ن ك ُل ّ ُ
دي ُ
ن ال ّ ة وَي َ ُ
كو َ ن فِت ْن َ ٌ تَ ُ
كو َ
__________
) (1في ك ،م " :ما كان قبله".
) (2في ك ،م " :آخرها".
) (3صحيح البخاري برقم ).(4651 ، 4650
) (4/55
قال :قد قاتلنا حتى لم تكن فتنة ،وكان الدين كله لله ،وأنتم تريدون أن
تقاتلوا حتى تكون فتنة ،ويكون الدين لغير الله.
ماد بن سلمة ،عن علي بن زيد ،عن أيوب بن عبد الله اللخمي وكذا رواه ح ّ
قال :كنت عند عبد الله بن عمر ) (1رضي الله عنهما ،فأتاه رجل فقال :
ه ل ِل ّهِ { فقال ) ن ك ُل ّ ُدي ُن ال ّ كو َ ة وَي َ ُ ن فِت ْن َ ٌ كو َحّتى ل ت َ ُ م َ إن الله يقول } :وََقات ُِلوهُ ْ
(2ابن عمر :قاتلت أنا وأصحابي حتى كان الدين كله لله ،وذهب الشرك
ولم تكن فتنة ،ولكنك وأصحابك تقاتلون حتى تكون فتنة ،ويكون الدين لغير
مْرد َُويه.الله .رواهما ابن َ
مي ،عن أبيه قال :قال ذو وانة ،عن العمش ،عن إبراهيم الت ّي ْ ِ وقال أبو عَ َ
البطين -يعني أسامة بن زيد -ل أقاتل رجل يقول :ل إله إل الله أبدا .قال :
فقال سعد بن مالك :وأنا والله ل أقاتل رجل يقول :ل إله إل الله أبدا .فقال
ن ك ُل ّ ُ
ه دي ُ ن ال ّ كو َ ة وَي َ ُ ن فِت ْن َ ٌ كو َ حّتى ل ت َ ُ م َرجل :ألم يقل الله } :وََقات ُِلوهُ ْ
ل ِل ّهِ { ؟ فقال قد قاتلنا حتى لم تكن فتنة ،وكان الدين كله لله .رواه ابن
مردويه.
ة { يعني : ن فِت ْن َ ٌ ُ
حّتى ل ت َكو َ م َ ُ
وقال الضحاك ،عن ابن عباس } :وََقات ِلوهُ ْ
]حتى[ ) (3ل يكون شرك ،وكذا قال أبو العالية ،ومجاهد ،والحسن ،وقتادة
حّيان ،وزيد بن أسلم. مقاِتل بن َ ،والربيع عن أنس ،والسدي ،و ُ
وقال محمد بن إسحاق :بلغني عن الزهري ،عن عُْرَوة بن الزبير وغيره من
ة { حتى ل يفتن مسلم عن دينه. ن فِت ْن َ ٌ كو َحّتى ل ت َ ُ علمائنا َ } :
ه ل ِل ّهِ { قال الضحاك ،عن ابن عباس في هذه ن ك ُل ّ ُدي ُ
ن ال ّ وقوله } :وَي َ ُ
كو َ
الية ،قال :يخلص التوحيد لله.
ه ل ِلهِ { أن يقال :ل إله ّ ّ
ن ك ُل ُدي ُ ن ال ّ كو َ جَرْيج } :وَي َ ُ وقال الحسن وقتادة ،وابن ُ
إل الله.
وقال محمد بن إسحاق :ويكون التوحيد خالصا لله ،ليس فيه شرك ،ويخلع
ن ك ُل ّ ُ
ه دي ُ
ن ال ّ كو َما دونه من النداد .وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم } :وَي َ ُ
ل ِل ّهِ { ل يكون مع دينكم كفر.
ويشهد له ) (4ما ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال " :أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا :ل إله إل الله ،فإذا قالوها ،
عصموا مني دماءهم وأموالهم إل بحقها ،وحسابهم على الله ،عز وجل" )(5
سِئل رسول الله صلى الله وفي الصحيحين عن أبي موسى الشعري قال ُ :
مّية ،ويقاتل رَِياًء ،أيّ ذلك ح ِ عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل َ
في سبيل الله ،عز وجل ؟ فقال " :من قاتل لتكون
__________
) (1في أ " :عمرو".
) (2في أ " :قال".
) (3زيادة من م.
) (4في أ " :لهذا"
) (5رواه البخاري في صحيحه برقم ) (25ومسلم في صحيحه برقم )(22
من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب ،رضي الله عنهما.
) (4/56
) (4/57
بالحبشة ملك صالح يقال له " :النجاشي" ،ل يظلم أحد بأرضه ،وكان ي ُث َْنى
عليه مع ذلك ،وكانت أرض الحبشة متجرا لقريش ،يتجرون فيها ،وكانت
سك ًَنا لتجارهم ،يجدون فيها رفاغا من الرزق وأمنا ومتجرا حسنا ،فأمرهم م ْ
َ
بها النبي صلى الله عليه وسلم ،فذهب إليها عامتهم لما قهروا بمكة ،وخاف
) (1عليهم الفتن .ومكث هو فلم يبرح .فمكث بذلك سنوات يشتدون على
من أسلم منهم .ثم إنه فشا السلم فيها ،ودخل فيه رجال من أشرافهم
ومنعتهم .فلما رأوا ذلك .استرخوا استرخاءة عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم وعن أصحابه ،وكانت الفتنة الولى هي أخرجت من خرج من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ِقبل أرض الحبشة مخافتها ،وفرارا مما
كانوا فيه من الفتن والزلزال ،فلما استرخى عنهم ودخل في السلم من
دخل منهم ،تحدث باسترخائهم عنهم ،فبلغ ذلك من كان بأرض الحبشة من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم :أنه :قد استرخي عمن كان منهم
بمكة ،وأنهم ل يفتنون ،فرجعوا إلى مكة ،وكادوا يأمنون بها ،وجعلوا
يزدادون ويكثرون .وأنه أسلم من النصار بالمدينة ناس كثير ،وفشا بالمدينة
السلم ،وطفق أهل المدينة يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ،
فلما رأت قريش ذلك ،تآمرت على أن يفتنوهم ويشتدوا ،فأخذوهم ،
فحرصوا على أن يفتنوهم ،فأصابهم جهد شديد ،فكانت ) (2الفتنة الخيرة ،
فكانت فتنتان :فتنة أخرجت من خرج منهم إلى أرض الحبشة ،حين أمرهم
النبي صلى الله عليه وسلم بها ،وأذن لهم في الخروج إليها -وفتنة لما
رجعوا ورأوا من يأتيهم من أهل المدينة .ثم إنه جاء رسول الله صلى الله
عليه وسلم من المدينة سبعون نقيًبا ،رؤوس الذين أسلموا ،فوافوه بالحج ،
فبايعوه بالعقبة ،وأعطوه عهودهم على أنا منك وأنت منا ،وعلى أن ) (3من
جاء من أصحابك أو جئتنا ،فإنا ) (4نمنعك مما نمنع منه أنفسنا ،فاشتدت
عليهم قريش عند ذلك ،فأمر صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يخرجوا إلى
المدينة ،وهي الفتنة الخرة التي أخرج فيها رسول الله صلى الله عليه
وسلم أصحابه ،وخرج هو ،وهي التي أنزل الله ،عز وجل ،فيها :
ه ل ِل ّهِ { )(5
ن ك ُل ّ ُ
دي ُ
ن ال ّ ة وَي َ ُ
كو َ ن فِت ْن َ ٌ حّتى ل ت َ ُ
كو َ } وََقات ُِلوهُ ْ
م َ
ثم رواه عن يونس بن عبد العلى ،عن ابن وهب ،عن عبد الرحمن بن أبي
الّزَناد ،عن أبيه ،عن عروة بن الزبير :أنه كتب إلى الوليد -يعني ابن عبد
الملك بن مروان -بهذا ،فذكر مثله ) (6وهذا صحيح إلى عروة ،رحمه الله.
__________
) (1في أ " :وخافوا".
) (2في م ،أ " :وكانت".
) (3في ك ،م " :أنه".
) (4في أ " :فإنما".
) (5تفسير الطبري ).(13/539
) (6تفسير الطبري ).(13/542
) (4/58
) (4/59
قال الضحاك ،عن ابن عباس ،رضي الله عنهما :كان رسول الله صلى الله
مس الغنيمة ،فضرب ذلك الخمس في خ ّسرِّية فغنموا َ ، عليه وسلم إذا بعث َ
ّ َ َ َ
ل{ سو ِ
ه وَِللّر ُ
س ُ
م َ
خ ُ
ن ل ِلهِ ُ يٍء فَأ ّ ش ْ ن َم ْ
م ِمت ُ ْما غَن ِ ْموا أن ّ َ خمسة .ثم قرأ َ } :واعْل ُ
ّ َ
ه { مفتاح كلم ،لله ما في السموات س ُ م َ خ ُ
ن ل ِلهِ ُ ]قال :وقوله[ ) } (1فَأ ّ
دا.وما في الرض ،فجعل سهم الله وسهم الرسول واح ً
خعي ،والحسن بن محمد ابن الحنفية .والحسن وهكذا قال إبراهيم الن ّ َ
عطاء بن أبي رباح ،وعبد الله بن بريدة ) (2وقتادة ، البصري ،والشعبي ،و َ
ومغيرة ،وغير واحد :أن سهم الله ورسوله واحد.
ويؤيد هذا ما رواه المام الحافظ أبو بكر البيهقي بإسناد صحيح ،عن عبد الله
بن شقيق ،عن رجل من بلقين قال :أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
سا ،فقلت :يا رسول الله ،ما تقول في قرى ،وهو يعرض فر ً وهو بوادي ال ُ
الغنيمة ؟ فقال " :لله خمسها ،وأربعة أخماس للجيش" .قلت :فما أحد
أولى به من أحد ؟ قال " :ل ول السهم تستخرجه من جنبك ،ليس أنت أحق
به من أخيك المسلم" )(3
وقال ابن جرير :حدثنا عمران بن موسى ،حدثنا عبد الوارث ،حدثنا أبان ،
عن الحسن قال :أوصى أبو بكر بالخمس ) (4من ماله ،وقال :أل أرضى
من مالي بما رضي الله لنفسه )(5
ثم اختلف قائلو هذا القول ،فروى علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس قال :
كانت الغنيمة تقسم ) (6على خمسة أخماس ،فأربعة منها بين من قاتل
عليها ،وخمس واحد يقسم على أربعة ) (7فربع لله وللرسول ولذي القربى
-يعني :قرابة النبي صلى الله عليه وسلم .فما كان لله وللرسول فهو
لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ولم يأخذ النبي صلى الله عليه
وسلم من الخمس شيًئا ] ،والربع الثاني لليتامى ،والربع الثالث للمساكين ،
والربع الرابع لبن السبيل[(8) .
ري ،حدثنا عبد الوارث ق ِمن ْ َ مر ال ِ
معْ َ
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا أبو َ
دة في قوله َ } :واعْل َ ُ
موا بن سعيد ،عن حسين المعلم ،عن عبد الله بن ب َُري ْ َ
َ َ
ل { قال :الذي لله فلنبيه ، سو ِه وَِللّر ُ
س ُ
م َ ن ل ِل ّهِ ُ
خ ُ يٍء فَأ ّ ن َ
ش ْ م ْ
م ِ ما غَن ِ ْ
مت ُ ْ أن ّ َ
والذي للرسول لزواجه.
وقال عبد الملك بن أبي سليمان ،عن عطاء بن أبي رباح قال :خمس الله
والرسول ) (9واحد ،يحمل منه ويصنع فيه ما شاء -يعني :النبي صلى الله
عليه وسلم.
__________
) (1زيادة من تفسير الطبري.
) (2في ك ،م ،أ " :عبد الله بن أبي بريدة".
) (3السنن الكبرى ).(6/324
) (4في جميع النسخ " :أوصى الحسن بالخمس" والمثبت من الطبري.
) (5تفسير الطبري ).(13/550
) (6في د " :تخمس".
) (7في د ،ك ،م ،أ " :أربعة أخماس".
) (8ما بين المعقوفين عن تفسير الطبري.
) (9في د " :خمس الله وخمس الرسول".
) (4/60
وهذا أعم وأشمل ،وهو أن الرسول ) (1صلى الله عليه وسلم ) (2يتصرف
في الخمس الذي جعله الله له بما شاء ،ويرده في أمته كيف شاء -ويشهد
لهذا ما رواه المام أحمد حيث قال :
حدثنا إسحاق بن عيسى ،حدثنا إسماعيل بن عياش ،عن أبي بكر بن عبد
الله بن أبي مريم ،عن أبي سلم العرج ،عن المقدام بن معد يكرب
الكندي :أنه جلس مع عبادة بن الصامت ،وأبي الدرداء ،والحارث بن
معاوية الكندي ،رضي الله عنهم ،فتذاكروا حديث رسول الله صلى الله
عليه وسلم ،فقال أبو الدرداء لعبادة :يا عبادة ،كلمات رسول الله صلى
الله عليه وسلم في غزوة كذا وكذا في شأن الخماس ؟ فقال عبادة :إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم في غزوة إلى بعير من المغنم ،
فلما سلم قام ) (3رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناول وََبرة بين أنملتيه
فقال " :إن هذه من غنائمكم ،وإنه ليس لي فيها إل نصيبي معكم إل الخمس
،والخمس مردود عليكم ،فأدوا الخيط والمخيط ،وأكبر ) (4من ذلك وأصغر
،ول تغلوا ،فإن الغلول نار وعار على أصحابه في الدنيا والخرة ،وجاهدوا
الناس في الله ) (5القريب والبعيد ،ول تبالوا في الله لومة لئم ،وأقيموا
حدود الله في الحضر والسفر ،وجاهدوا في ]سبيل[ ) (6الله ،فإن الجهاد
باب من أبواب الجنة ]عظيم[ ) (7ينجي به الله من الهم والغم" )(8
هذا حديث حسن عظيم ،ولم أره في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه.
ضا ،وأبو داود ،والنسائي ،من حديث عمرو بن ولكن روى المام أحمد أي ً
شعيب ،عن أبيه ،عن جده عن عبد الله بن عمرو ،عن ) (9رسول الله
صلى الله عليه وسلم نحوه في قصة الخمس والنهي عن الغلول )(10
وعن عمرو بن عََبسة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم إلى
بعير من المغنم ،فلما سلم أخذ وبرة ) (11من ذلك البعير ثم قال " :ول
يحل لي من غنائمكم مثل هذه ،إل الخمس ،والخمس مردود فيكم" .رواه
أبو داود والنسائي )(12
وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم من المغانم ) (13شيء يصطفيه لنفسه
فا أو نحو ذلك ،كما نص على ذلك محمد بن سا أو سي ًدا أو أمة أو فر ً
عب ً
سيرين وعامر الشعبي ،وتبعهما على ذلك أكثر العلماء.
وروى المام أحمد ،والترمذي -وحسنه -عن ابن عباس :أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم تنفل سيفه ذا )(14
__________
) (1في د " :وهو أنه".
) (2في أ " :صلوات الله وسلمه عليه".
) (3في أ " :قال".
) (4في أ " :وأكثر".
) (5في م " :في سبيل الله".
) (6زيادة من ك ،م ،أ ،ومسند أحمد.
) (7زيادة من ك ،م ،أ ،ومسند أحمد.
) (8المسند ).(5/316
) (9في أ " :أن".
) (10المسند ) (2/184وسنن أبي داود برقم ).(2694
) (11في د " :أخذ منه وبرة".
) (12سنن أبي داود برقم ).(2755
) (13في د ،ك ،م " :الغنيمة".
) (14في أ " :ذو".
) (4/61
قار يوم بدر ،وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد )(1 ف َ
ال َ
صفي .رواه أبو داود وعن عائشة ،رضي الله عنها ،قالت :كانت صفية من ال ّ
في سننه )(2
مْرَبد
ضا عن يزيد بن عبد الله قال :كنا بال ِضا بإسناده ،والنسائي أي ً
وروى أي ً
إذ دخل رجل معه قطعة أديم ،فقرأناها فإذا فيها " :من محمد رسول الله
دا
إلى بني زهير بن أقيش ،إنكم إن شهدتم أن ل إله إل الله ،وأن محم ً
رسول الله ،وأقمتم الصلة ،وآتيتم الزكاة ،وأديتم الخمس من المغنم ،
صفي ،أنتم آمنون بأمان الله ورسوله" .فقلنا :من وسهم النبي وسهم ال ّ
كتب لك هذا ؟ فقال :رسول الله صلى الله عليه وسلم )(3
فهذه أحاديث جيدة تدل على تقرر هذا وثبوته ؛ ولهذا جعل ذلك كثيرون من
الخصائص له صلوات الله وسلمه عليه.
وقال آخرون :إن الخمس يتصرف فيه المام بالمصلحة للمسلمين ،كما
يتصرف في مال الفيء.
وقال شيخنا المام العلمة ابن تيمية ،رحمه الله :وهذا قول مالك وأكثر
السلف ،وهو أصح القوال.
فإذا ثبت هذا وعلم ،فقد اختلف أيضا في الذي كان يناله عليه السلم )(4
من الخمس ،ماذا ُيصنع به من بعده ؟ فقال قائلون :يكون لمن يلي المر
من بعده .روى هذا عن أبي بكر وعلي وقتادة جماعة ،وجاء فيه حديث
مرفوع )(5
وقال آخرون :يصرف في مصالح المسلمين.
وقال آخرون :بل هو مردود على بقية الصناف :ذوي القربى ،واليتامى ،
والمساكين ،وابن السبيل ،اختاره ابن جرير.
وقال آخرون :بل سهم النبي صلى الله عليه وسلم وسهم ذوي القربى
مردودان على اليتامى والمساكين وابن السبيل.
قال ابن جرير :وذلك قول جماعة من أهل العراق.
وقيل :إن الخمس جميعه لذوي القربى كما رواه ابن جرير.
__________
) (1المسند ) (1/271وسنن الترمذي برقم ).(1561
) (2سنن أبي داود برقم ).(2994
) (3سنن أبي داود برقم ).(2994
) (4في أ " :صلى الله عليه وسلم".
) (5رواه البيهقي في السنن الكبرى ) (6/303من طريق الوليد بن جميع عن
أبي الطفيل :لما سألت فاطمة أبا بكر عن الخمس فقال :إني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " :إذا أطعم الله نبيا طعمة ثم قبضه
كانت للذي يلي بعده" فلما وليت رأيت أن أرده على المسلمين.
) (4/62
من َْهال بنحدثنا الحارث ،حدثنا عبد العزيز ،حدثنا عبد الغفار ،حدثنا ال ِ
عمرو ،وسألت عبد الله بن محمد بن علي ،وعلي بن الحسين ،عن
ن
كي َ
سا ِ مى َوال ْ َ
م َ الخمس فقال هو لنا .فقلت لعلي :فإن الله يقول َ } :وال ْي ََتا َ
ل { فقال يتامانا ومساكيننا. سِبي ِ
ن ال ّ َواب ْ َ
وقال سفيان الثوري ،وأبو ن ُعَْيم ،وأبو أسامة ،عن قيس بن مسلم :سألت
الحسن بن محمد ابن الحنفية ،رحمه الله تعالى ،عن قول الله ) (1تعالى :
َ َ
ل { قال ) (2هذا سو ِ ه وَِللّر ُ
س ُ
م َ
خ ُن ل ِل ّهِ ُ
يٍء فَأ ّ ن َ
ش ْ م ْ
م ِ ما غَن ِ ْ
مت ُ ْ موا أن ّ َ} َواعْل َ ُ
مفتاح كلم ،لله ) (3الدنيا والخرة .ثم اختلف الناس في هذين السهمين بعد
وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقال قائلون :سهم النبي صلى الله
عليه وسلم تسليما للخليفة من بعده .وقال قائلون :لقرابة النبي صلى الله
عليه وسلم .وقال قائلون :سهم القرابة لقرابة الخليفة .فاجتمع قولهم )(4
على أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والُعدة في سبيل الله ،فكانا على
ذلك في خلفة أبي بكر وعمر ،رضي الله عنهما )(5
قال ) (6العمش ،عن إبراهيم ) (7كان أبو بكر وعمر يجعلن سهم النبي
صلى الله عليه وسلم في الكراع والسلح ،فقلت لبراهيم :ما كان علي
يقول فيه ؟ قال :كان ]علي[ ) (8أشدهم فيه.
وهذا قول طائفة كثيرة من العلماء ،رحمهم الله.
وأما سهم ذوي القربى فإنه يصرف إلى بني هاشم وبني المطلب ؛ لن بني
المطلب وازروا بني هاشم في الجاهلية ]وفي أول السلم[ ) (9ودخلوا
معهم في الشعب غضبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحماية له :
مّية للعشيرة وأنفة وطاعة لبي ح ِمسلمهم طاعة لله ولرسوله ،وكافرهم َ
طالب عم رسول الله .وأما بنو عبد شمس وبنو نوفل -وإن كانوا أبناء عمهم
-فلم يوافقوهم على ذلك ،بل حاربوهم ونابذوهم ،ومالئوا بطون قريش
م أبي طالب لهم في قصيدته اللمية أشد على حرب الرسول ؛ ولهذا كان ذ َ ّ
جَزى الله عَّنا
من غيرهم ،لشدة قربهم .ولهذا يقول في أثناء قصيدته )َ (10
ل
قوبة شّر عاجل غير آج ِ عبد َ شمس وَنوفلع ُ ُ
ل
فسه غير عائ ِ ن نَ ْم ْ
ه شاهد ٌ ِ َ َ
سط ل َيخيس شِعيرةل ُ بميزان ق ْ
ل ط يا
َ َ ِ ِ غ وال بنا يضا ْ َ ق لفَ خ
َ دلوابني ب
ََ ّ ت قوم م
ُ أحل فهت س ُ
لقد َ
ل )(11
طوب الوائ ِ خ ُصى في ال ُ صميم من ذؤابة هاشموآل قُ َ ن ال ّ
ونح ُ
__________
) (1في د " :عن قوله".
) (2في د " :فقال".
) (3في ك " :كلم الله".
) (4في ك ،م " :رأيهم".
) (5في ك " :رضي الله عنهما وأرضاهما".
) (6في م " :وقال".
) (7في م " :إبراهيم قال".
) (8زيادة من الطبري.
) (9زيادة من د ،ك ،م.
) (10في ك " :قصيدته اللمية".
) (11البيات في السيرة النبوية لبن هشام ).(1/277
) (4/63
وقال جبير بن مطعم بن عدي ]بن نوفل[ ) (1مشيت أنا وعثمان بن عفان -
يعني ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس -إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم ،فقلنا :يا رسول الله ،أعطيت بني المطلب من خمس خيبر
هم منك بمنزلة واحدة ،فقال " :إنما بنو هاشم وبنو عبد وتركتنا ،ونحن وَ ُ
المطلب شيء واحد".
رواه مسلم ) (2وفي بعض روايات هذا الحديث " :إنهم لم يفارقونا في
جاهلية ول إسلم" )(3
وهذا قول جمهور العلماء أنهم بنو هاشم وبنو المطلب.
صْيف ،عنخ َقال ابن جرير :وقال آخرون :هم بنو هاشم .ثم روى عن ُ
مجاهد قال :علم الله أن في بني هاشم فقراء ،فجعل لهم الخمس مكان
الصدقة.
وفي رواية عنه قال :هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين ل
تحل لهم الصدقة.
ثم روى عن علي بن الحسين نحو ذلك.
قال ابن جرير :وقال آخرون :بل هم قريش كلها.
شر ،عن معْ َ
حدثني يونس بن عبد العلى ،حدثني عبد الله بن نافع ،عن أبي َ
دة إلى عبد الله بن عباس يسأله عن "ذي ج َ
ري قال :كتب ن َ ْ قب ُ ِ
سعيد الم ْ
القربى" ،فكتب إليه ابن عباس :كنا نقول :إنا هم فأبى ذلك علينا قومنا ،
وقالوا :قريش كلها ذوو قربى )(5) (4
وهذا الحديث في صحيح مسلم ،وأبي داود ،والترمذي ،والنسائي من
مز أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله حديث سعيد المقبري عن يزيد بن هر ُ
عن ذوي القربى فذكره إلى قوله " :فأبى ذلك علينا قومنا" ) (6والزيادة من
جيح بن عبد الرحمن المدني ،وفيه ضعف. أفراد أبي معشر ن َ ِ
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي ،حدثنا
رمة ،عن ابن عباس قال عك ْ ِ
حَنش ،عن ِ المعتمر بن سليمان ،عن أبيه ،عن َ
سالة اليدي ؛ ُ
:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :رغبت لكم عن غ َ
مس الخمس ما يغنيكم أو يكفيكم". خ ْ
لن لكم من ُ
هذا حديث حسن السناد ،وإبراهيم بن مهدي هذا وَّثقه أبو حاتم ،وقال يحيى
بن معين )(7
__________
) (1زيادة من د ،ك ،م.
) (2لم أجده في صحيح مسلم ول عزاه المزي له في تحفة الشراف ،ولم
أجزم بوهم الحافظ هنا ؛ لن الزيلعي عزاه للصحيحين في تخريج الكشاف )
، (2/30ورواه البخاري في صحيحه برقم ) (3140من طريق سعيد بن
المسيب عن جبير بن مطعم ،رضي الله عنه ،بنحوه.
) (3الرواية في سنن النسائي ).(7/130
) (4في أ " :قرابة".
) (5تفسير الطبري ).(13/555
) (6صحيح مسلم برقم ) (1812وسنن أبي داود برقم ) (2982وسنن
الترمذي برقم ) (1556وسنن النسائي ) ، (7/128وهو عند أبي داود
والنسائي من حديث الزهري عن يزيد.
) (7في د " :سعيد".
) (4/64
) (4/65
َ َ
م م وَل َوْ ت َ َ
واعَد ْت ُ ْ من ْك ُ ْ
ل ِ ف َ س َ
بأ ْ وى َوالّرك ْ ُ ص َق ْم ِبال ْعُد ْوَةِ ال ْ ُ م ِبال ْعُد ْوَةِ الد ّن َْيا وَهُ ْ إ ِذ ْ أن ْت ُ ْ
ن هَل َ َ فُعوًل ل ِي َهْل ِ َ قضي الل ّ َ
نك عَ ْ م ْ
ك َ م ْن َ كا َمًرا َهأ ْ ُ ن ل ِي َ ْ ِ َ ميَعادِ وَل َك ِ ْ م ِفي ال ْ ِ فت ُ ْ خت َل َ َْل ْ
م )(42 ميعٌ عَِلي ٌ
س ِ ه لَ َن الل ّ َ
ن ب َي ّن َةٍ وَإ ِ ّ
ي عَ ْ ح ّ ن َ م ْ
حَيى َ ب َي ّن َةٍ وَي َ ْ
فرق الله ]فيه[ ) (1بين الحق والباطل ،وهو يوم بدر ،وهو أول مشهد
شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم .وكان رأس المشركين عتبة بن
ربيعة ،فالتقوا يوم الجمعة لتسعَ عشرة َ -أو :سبع عشرة -مضت من
رمضان ،وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ثلثمائة وبضعة
عشر رجل والمشركون ما بين اللف والتسعمائة.
فهزم الله المشركين ،وقتل منهم زيادة على السبعين ،وأسر منهم مثل
ذلك.
وقد روى الحاكم في مستدركه ،من حديث العمش ،عن إبراهيم ،عن
السود ،عن ابن مسعود ،قال في ليلة القدر :تحروها لحدى عشرة يبقين )
(2فإن صبيحتها ) (3يوم بدر .وقال :على شرطهما )(4
ضا ،من حديث جعفر بن ب ُْرَقان ،عن وروي مثله عن عبد الله بن الزبير أي ً
رجل ،عنه.
وقال ابن جرير :حدثنا ابن حميد ،حدثنا يحيى بن واضح ،حدثنا يحيى بن
ون محمد بن عبيد الله الثقفي ) (5عن أبي عبد يعقوب أبو طالب ،عن ابن عَ ْ
الرحمن السلمي قال :قال الحسن بن علي :كانت ليلة "الفرقان يوم التقى
الجمعان" لسبع عشرة من رمضان ) (6إسناد جيد قوي.
مْرد َُويه ،عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب ،عن علي قال : ورواه ابن َ
كانت ليلة الفرقان ،ليلة التقى الجمعان ،في صبيحتها ليلة الجمعة لسبع
عشر مضت من شهر رمضان.
وهو الصحيح عند أهل المغازي والسير.
وقال يزيد بن أبي حبيب إمام أهل الديار المصرية في زمانه :كان يوم بدر
يوم الثنين ولم يتابع على هذا ،وقول الجمهور مقدم عليه ،والله أعلم.
َ َ
م وَل َ ْ
و من ْك ُ ْ ف َ
ل ِ س َ
بأ ْوى َوالّرك ْ ُ
ص َ م ِبال ْعُد ْوَةِ ال ْ ُ
ق ْ م ِبال ْعُد ْوَةِ الد ّن َْيا وَهُ ْ
} إ ِذ ْ أن ْت ُ ْ
قضي الل ّ َ
ن
م ْ ك َ فُعول ل ِي َهْل ِ َ
م ْ
ن َ كا َمًرا َ هأ ْ ُ ن ل ِي َ ْ ِ َ ميَعاد ِ وَل َك ِ ْ م ِفي ال ْ ِ خت َل َ ْ
فت ُ ْ مل ْ واعَد ْت ُ ْ تَ َ
م ){ (42 ميعٌ عَِلي ٌ س ِ هل ََ ّ
ن الل َ ن ب َي ّن َةٍ وَإ ِ ّي عَ ْ ح ّ
ن َ م ْ حَيا َ ن ب َي ّن َةٍ وَي َ ْهَلك عَ ْ َ َ
ْ
م ِبالعُد ْوَةِ الد ّن َْيا { أي :إذ َ ْ
يقول تعالى ]مخبًرا[ ) (7عن يوم الفرقان } :إ ِذ أن ْت ُ ْ
م { أي : ه
َ ُ ْ و } أنتم نزول بعدوة الوادي الدنيا القريبة إلى المدينة ،
وى { أي :البعيدة التي من ناحية مكة ، ص َ ق ْ المشركون نزول } ِبال ْعُد ْوَةِ ال ْ ُ
َ
لف َس َ
ب { أي :العير الذي فيه أبو سفيان بما معه من التجارة } أ ْ } والّرك ْ ُ
م { أي :أنتم والمشركون واعَد ْت ُ ْ َ
م { أي :مما يلي سيف البحر } وَلوْ ت َ َ من ْك ُ ْ ِ
ميَعادِ { ْ
م ِفي ال ِ فت ُ ْ َ
خت َل ْإلى مكان } ل ْ
__________
) (1زيادة من د ،ك.
) (2في ك " :بقين".
) (3في ك " :فإن في صبيحتها".
) (4المستدرك ).(3/20
) (5في جميع النسخ " :عن ابن عون ،عن محمد بن عبد الله الثقفي" ،
والمثبت من الطبري.
) (6تفسير الطبري ).(13/562
) (7زيادة من أ.
) (4/66
قال محمد بن إسحاق :وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ،عن
أبيه في هذه الية قال :ولو كان ذلك عن ميعاد منكم ومنهم ،ثم بلغكم كثرة
قضي الل ّ َ
فُعول {
م ْ
ن َ مًرا َ
كا َ هأ ُْ عددهم وقلة عددكم ،ما لقيتموهم } ،وَل َك ِ ْ
ن ل ِي َ ْ ِ َ
أي :ليقضي الله ما أراد بقدرته من إعزاز السلم وأهله ،وإذلل الشرك
وأهله ،عن غير مل منكم ،ففعل ما أراد من ذلك بلطفه.
وفي حديث كعب بن مالك قال :إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
عيَر قريش ،حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير والمسلمون يريدون ِ
ميعاد )(1
َ
وقال ابن جرير :حدثني يعقوب ،حدثني ابن عُلّية ،عن ابن عون ،عن عمير
بن إسحاق قال :أقبل أبو سفيان في الركب من الشام ،وخرج أبو جهل
ليمنعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ،فالتقوا ببدر ،ل
يشعر هؤلء بهؤلء ،ول هؤلء بهؤلء ،حتى التقت السقاة ،ونهد الناس
بعضهم لبعض )(2
وقال محمد بن إسحاق في السيرة :ومضى رسول الله صلى الله عليه
سَبس بن وسلم على وجهه ذلك حتى إذا كان قريًبا من "الصفراء" بعث ب َ ْ
جَهنيين ،يلتمسان الخبر عن أبي سفيان ، عمرو ،وعدي بن أبي الّزغباء ال ُ
فانطلقا حتى إذا وردا بدًرا فأناخا بعيريهما إلى تل من البطحاء ،فاستقيا في
ن لهما من الماء ،فسمعا جاريتين َيختصمان ،تقول إحداهما لصاحبتها : ش ّ َ
اقضيني حقي .وتقول الخرى :إنما تأتي العير غدا أو بعد غد ،فأقضيك
صدقت ،فسمع ذلك )(3 جدي بن عمرو ،وقال َ : م ْخّلص بينهما َ
حقك .فَ َ
س وعَدِيّ ،فجلسا على بعيريهما ،حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه سب َ ُ
بَ ْ
ذر ،فتقدم أمام عيره ح ِ
وسلم فأخبراه الخبر .وأقبل أبو سفيان حين وليا وقد َ
وقال لمجدي بن عمرو :هل أحسست على هذا الماء من أحد تنكره ؟
فقال :ل والله ،إل أني قد رأيت راكبين أناخا إلى هذا التل ،فاستقيا في
مناخ بعيريهما ،فأخذ من أبعارهما ن لهما ،ثم انطلقا .فجاء أبو سفيان إلى ُ ش ّ َ
فّته ،فإذا فيه النوى ،فقال :هذه والله علئف يثرب .ثم رجع سريًعا ،ف ََ
حل حتى إذا رأى أن قد أحرز عيره بعث سا
َ َ َ ف بها فانطلق ، عيره وجه فضرب
إلى قريش فقال :إن الله قد نجى عيَركم وأموالكم ورجالكم ،فارجعوا.
فقال أبو جهل :والله ) (4ل نرجع حتى نأتي بدرا -وكانت بدُر سوًقا من
جُزر )(5حُر بها ال ُ م بها الطعام ،ونن َ أسواق العرب -فنقيم بها ثلثا ،فَن ُ ْ
طع ُ
قى بها الخمر ،وتعزف علينا القيان ،وتسمع بنا العرب وبسيرنا ،فل س َون ُ ْ
يزالون يهابوننا بعدها أبدا.
جى أموالكم ، هرة ،إن الله قد ن َ ّ شَرْيق :يا معشر بني ُز َ فقال الخنس بن ُ
جى صاحبكم ،فارجعوا .فأطاعوه ،فرجعت بنو زهرة ،فلم يشهدوها ول ون َ ّ
بنو عدي )(6
__________
) (1رواه البخاري في صحيحه برقم ).(3951
) (2تفسير الطبري ).(13/567
) (3في م " :بذلك"
) (4في م " :ل والله".
) (5في أ " :الجزور".
) (6انظر :السيرة النبوية لبن هشام ).(1/617
) (4/67
قال محمد بن إسحاق :وحدثني يزيد بن ُرَومان ،عن عروة بن الزبير قال :
ي بن أبي وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم -حين دنا من بدر -عل ّ
طالب ،وسعد َ بن أبي وقاص ،والزبير بن العوام ،في نفر من أصحابه ،
قاة ً لقريش :غلما لبني ) (1سعيد بن س َ
يتجسسون له الخبر فأصابوا ُ
العاص ،وغلما لبني الحجاج ،فأتوا بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فوجدوه يصلي ،فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
سقاة لقريش ،بعثونا نسقيهم يسألونهما :لمن أنتما ؟ ) (2فيقولن :نحن ُ
جوا أن يكونا لبي سفيان ،فضربوهما من الماء .فكره القوم خبرهما ،ور َ
فلما ذلقوهما قال نحن لبي سفيان .فتركوهما ،وركع رسول الله صلى الله
دقاكم ضربتموهما ،وإذا عليه وسلم وسجد سجدتين ،ثم سلم وقال " :إذا ص َ
كذباكم تركتموهما .صدقا ،والله إنهما لقريش ،أخبراني عن قريش" .قال
قل -فقال قن ْ َكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى -والكثيب :العَ َ هم وراء هذا ال َ
لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم " :كم القوم ؟ " قال كثير .قال " :ما
حُرون كل يوم ؟ " قال يوما تسًعا ، دتهم ؟ " قال ما ندري .قال " :كم ين َ ع ّ
ويوما عشًرا ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :القوم ما بين
التسعمائة إلى اللف" .ثم قال لهما " :فمن فيهم من أشراف قريش ؟ " قال
حَزام ،ختري بن هشام ،وحكيم بن ِ عتبة بن ربيعة ،وشيبة بن ربيعة ،وأبو الب ْ
ُ
ونوفل بن خويلد ،والحارث بن عامر بن نوفل ،وطَعيمة بن عدي بن ]نوفل ،
مَعة بن السود ،وأبو جهل بن هشام ،وأمية[ ) (3بن والنضر بن الحارث ،وَز َ
من َّبه ابنا الحجاج ،وسهيل بن عمرو ،وعمرو بن عبد ود .فأقبل خلف ،ون ُب َْيه و ُ
رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال " :هذه مكة قد ألقت
إليكم أفلذ كبدها" )(4
قال محمد بن إسحاق ،رحمه الله تعالى :وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن
حزم :أن سعد بن معاذ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،لما التقى
شا تكون فيه ،ون ُِنيخ إليك الناس يوم بدر :يا رسول الله ،أل نبني لك عري ً
ركائبك ،ونلقى عدونا ،فإن أظفرنا الله عليهم وأعزنا فذاك ما نحب ،
س على ركائبك ،وتلحق بمن وراءنا من قومنا ، فقال :وإن تكن الخرى فَتجل َ
فقد -والله -تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد ّ لك حبا منهم ،لو علموا أنك
تلقى حربا ما تخلفوا عنك ،ويوادونك وينصرونك .فأثنى عليه رسول الله
ي له عريش ،فكان فيه رسول صلى الله عليه وسلم خيًرا ،ودعا له به .فب ُن ِ َ
الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ،ما معهما غيرهما )(5
قال ابن إسحاق :وارتحلت قريش حين أصبحت ،فلما أقبلت ورآها رسول
قل -وهو الكثيب -الذي جاءوا قن ْ َ
وب من العَ َ ص ّالله صلى الله عليه وسلم ت ُ َ
منه إلى الوادي قال " :اللهم هذه ) (6قريش قد أقبلت بفخرها وخيلئها
تحادك وتكذب رسولك ،اللهم أحنهم الغداة" )(7
ن ب َي ّن َةٍ { قال محمد بن
ي عَ ْح ّن َم ْ حَيى َ ن ب َي ّن َةٍ وَي َ ْك عَ ْ ن هَل َ َ
م ْ وقوله } :ل ِي َهْل ِ َ
ك َ
إسحاق :أي ليكفر من
__________
) (1في أ " :لبي".
) (2في د ،ك ،م " :أنتم".
) (3زيادة من د ،ك ،م ،أ ،وابن هشام.
) (4انظر :السيرة النبوية لبن هشام ).(1/616
) (5انظر :السيرة النبوية لبن هشام ).(1/620
) (6في أ " :اللهم إن هذه".
) (7انظر :السيرة النبوية لبن هشام ).(1/621
) (4/68
َ َ
ر
م ِم ِفي اْل ْ م وَل َت ََناَزعْت ُ ْشل ْت ُ ْف ِ م ك َِثيًرا ل َ َ ك قَِليًل وَل َوْ أَراك َهُ ْ م َ مَنا ِه ِفي َ م الل ّ ُريك َهُ ُ إ ِذ ْ ي ُ ِ
م ِفي قي ْت ُ ْ ْ
م إ ِذِ الت َ َ موهُ ْ ريك ُُ دورِ )َ (43وَإ ِذ ْ ي ُ ِ ص ُ ت ال ّ ذا ِ م بِ َه عَِلي ٌ م إ ِن ّ ُسل َّ ه َ ّ
ن الل َ وَل َك ِ ّ
َ َ
جعُفُعوًل وَإ َِلى الل ّهِ ت ُْر َ م ْ
ن َ كا َ مًرا َ هأ ْ ي الل ّ ُ ض َق ِ م ل ِي َ ْ
م ِفي أعْي ُن ِهِ ْ قل ّل ُك ُ ْم قَِليًل وَي ُ َ أعْي ُن ِك ُ ْ
ُ
موُر )(44 اْل ُ
كفر بعد الحجة ،لما رأى من الية والعبرة ،ويؤمن من آمن على مثل ذلك.
ط ذلك أنه ) (1تعالى يقول :إنما جمعكم مع عدوكم س ُ وهذا تفسير جيد .وب َ ْ
في مكان واحد على غير ميعاد ،لينصركم عليهم ،ويرفع كلمة الحق على
الباطل ،ليصير المر ظاهًرا ،والحجة قاطعة ،والبراهين ساطعة ،ول يبقى
ك { أي :يستمر في الكفر من ن هَل َ َ م ْك َ لحد حجة ول شبهة ،فحينئذ } ي َهْل ِ َ
حَيىاستمر فيه على بصيرة من أمره أنه مبطل ،لقيام الحجة عليه } ،وَي َ ْ
ن ب َي ّن َةٍ { أي :حجة وبصيرة .واليمان هو ي { أي :يؤمن من آمن } عَ ْ ح ّ
ن َ م ْ َ
ه ُنوًرا جعَل َْنا ل َُ و ه نا ي ي حَ أَ ف تا ي م ن َ
كا ن م وَ أ } : تعالى الله قال ، القلوب حياة
ْ ََْ ُ َ َ َ َ ًْ َ َ ْ
ي
ّ ف : الفك قصة في عائشة وقالت ، س { ]النعام [122 : شي ب ِهِ ِفي الّنا ِ م ِ يَ ْ
هلك من هلك أي :قال فيها ما قال من الكذب والبهتان والفك.
ميعٌ { أي :لدعائكم وتضرعكم واستغاثتكم به ه لَ َ
س ِ ن الل ّ َ
وقوله } :وَإ ِ ّ
م { أي :بكم وأنكم تستحقون النصر على أعدائكم الكفرة المعاندين. } عَِلي ٌ
َ ْ َ َ َ َ َ َ َ ّ َ
م ِفي م وَلت ََناَزعْت ُ ْ شلت ُ ْ ف ِ م كِثيًرا ل َ مك قِليل وَلوْ أَراكهُ ْ مَنا ِ ه ِفي َ م الل ُ ريكهُ ُ } إ ِذ ْ ي ُ ِ
م
قي ْت ُ ْ ْ
م إ ِذِ الت َ َ موهُ ْ ُ
ريك ُ ْ
دورِ ) َ (43وَإ ِذ ي ُ ِ ص ُ ت ال ّ َ
م ب ِذا ِ ه عَِلي ٌ م إ ِن ّ ُ سل َ ّ ه َ ّ
ن الل َ َ
مرِ وَلك ِ ّ ال ْ
فُعول وَإ َِلى الل ِّ
ه م ْ ن كاَ را مأ هّ ل ال ي ض ْ ق ي ل م ه ن ي ع َ أ في م ُ ك ُ لّ ل َ ق ي و ليل َ ُ
ِفي ْ ُ ِ ْ ِ
ق م ك ن ي ع َ أ
َ َ ُ ْ ً ُِِْ ْ َِ ِ َ ْ ِ َُ
موُر ){ (44 جعُ ال ُ ت ُْر َ
قال مجاهد :أراه الله إياهم في منامه ) (2قليل فأخبر النبي صلى الله عليه
وسلم أصحابه بذلك ،فكان تثبيتا لهم.
وكذا قال ابن إسحاق وغير واحد .وحكى ابن جرير عن بعضهم أنه رآهم بعينه
التي ينام بها.
وقد روى ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا يوسف بن موسى المدبر ،حدثنا
ه ِفي م الل ّ ُ ريك َهُ ُ أبو قتيبة ،عن سهل السراج ،عن الحسن في قوله } :إ ِذ ْ ي ُ ِ
ك قَِليل { قال :بعينك. م َ مَنا َِ
وهذا القول غريب ،وقد صرح بالمنام هاهنا ،فل حاجة إلى التأويل الذي ل
دليل عليه )(3
ْ َ َ
م { أي :لجبنتم عنهم واختلفتم فيما بينكم ، شلت ُ ْ ف ِ م كِثيًرا ل َ َ وقوله } :وَل َوْأَراكهُ ْ
َ
ت ذا ِ م بِ َ ه عَِلي ٌ م { أي :من ذلك :بأن أراكهم قليل } إ ِن ّ ُ سل ّ َ ه َ ن الل ّ َ } وَل َك ِ ّ
دورِ { أي :بما تجنه الضمائر ،وتنطوي عليه الحشاء ،فيعلم خائنة ص ُ ال ّ
العين وما تخفي الصدور.
َ م إ ِذِ ال ْت َ َ
ضا من لطفه م قَِليل { وهذا أي ً م ِفي أعْي ُن ِك ُ ْ قي ْت ُ ْ موهُ ْ ريك ُ ُ وقوله } :وَإ ِذ ْ ي ُ ِ
تعالى بهم ،إذ أراهم إياهم قليل في رأي العين ،فيجرؤهم عليهم ،ويطمعهم
فيهم.
__________
) (1في أ " :أن الله".
) (2في جميع النسخ " :أراهم الله في منامه" والمثبت من الطبري.
) (3في أ " :له".
) (4/69
ذي َ َ
ن )(45
حو َ
فل ِ ُ ه ك َِثيًرا ل َعَل ّك ُ ْ
م تُ ْ ة َفاث ْب ُُتوا َواذ ْك ُُروا الل ّ َ
م فِئ َ ً مُنوا إ َِذا ل َ ِ
قيت ُ ْ نآ ََيا أي َّها ال ّ ِ َ
سِبيعي ،عن أبي عبيدة ،عن عبد الله بن مسعود ،رضي قال أبو إسحاق ال ّ
الله عنه ،قال :لقد قُللوا في أعيننا يوم بدر ،حتى قلت لرجل إلى جانبي : ُ ّ
تراهم سبعين ؟ قال :ل بل ]هم[ ) (1مائة ،حتى أخذنا رجل منهم فسألناه ،
قال ) (2كنا ألفا .رواه ابن أبي حاتم ،وابن جرير )(3
َ
م { قال ابن أبي حاتم :حدثنا سليمان بن حرب م ِفي أعْي ُن ِهِ ْ قل ّل ُك ُ ْوقوله } :وَي ُ َ
،حدثنا حماد بن زيد ،عن الزبير بن الخّريت ) (4عن ) (5عكرمة } :وَإ ِذ ْ
َ َ
م { قال :حضض م ِفي أعْي ُن ِهِ ْقل ّل ُك ُ ْ
م قَِليل وَي ُ َم ِفي أعْي ُن ِك ُ ْ م إ ِذِ ال ْت َ َ
قي ْت ُ ْ ريك ُ ُ
موهُ ْ يُ ِ
بعضهم على بعض.
إسناد صحيح.
وقال محمد بن إسحاق :حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ،عن
فُعول { أي :ليلقي بينهم م ْ مًرا َ قضي الل ّ َ
ن َكا َ هأ ُْ أبيه في قوله تعالى } :ل ِي َ ْ ِ َ
الحرب ،للنقمة ممن أراد النتقام منه ،والنعام على من أراد تمام النعمة
عليه من أهل وليته.
ومعنى هذا أنه تعالى أغرى كل من الفريقين بالخر ،وقّلله في عينه ليطمع
فيه ،وذلك عند المواجهة .فلما التحم القتال وأيد الله المؤمنين بألف من
الملئكة مردفين ،بقي حزب الكفار يرى حزب اليمان ضعفيه ،كما قال
خَرى ل الل ّهِ وَأ ُ ْ سِبي ِ ل ِفي َ قات ِ ُ قَتا فِئ َ ٌ
ة تُ َ ن ال ْت َ َ ة ِفي فِئ َت َي ْ ِ م آي َ ٌن ل َك ُ ْ كا َ تعالى } :قَد ْ َ
ك ل َعِب َْرةً ْ
في ذ َل ِ َ ن يَ َ
شاُء إ ِن ّ ِ م ْ صرِهِ َه ي ُؤَي ّد ُ ب ِن َ ْ ن َوالل ّ ُ ْ
م َرأيَ العَي ْ ِ مث ْل َي ْهِ ْ
م ِ َ
كافَِرة ٌ ي ََروْن َهُ ْ
صارِ { ]آل عمران ، [13 :وهذا هو الجمع بين هاتين اليتين ،فإن لوِلي الب ْ َ
كل منها ) (6حق وصدق ،ولله الحمد والمنة.
ّ َ ّ َ
ن) حو َ فل ِ ُ
م تُ ْه ك َِثيًرا لعَلك ُ ْ ة َفاث ْب ُُتوا َواذ ْك ُُروا الل َ م فِئ َ ً مُنوا إ َِذا ل َ ِ
قيت ُ ْ نآ َ ذي َ} َيا أي َّها ال ّ ِ
{ (45
__________
) (1زيادة من د ،م.
) (2في د " :فقال".
) (3تفسير الطبري ).(13/572
) (4في د " :الحارث".
) (5في د " :وعن".
) (6في د ،م ،أ " :منهما".
) (4/70
َ
ع
م َ ن الل ّ َ
ه َ صب ُِروا إ ِ ّ حك ُ ْ
م َوا ْ شُلوا وَت َذ ْهَ َ
ب ِري ُ ه وََل ت ََناَز ُ
عوا فَت َ ْ
ف َ سول َ ُ طيُعوا الل ّ َ
ه وََر ُ وَأ ِ
ن )(46 ري َ
صاب ِ ِ
ال ّ
َ
ن الل ّ َ
ه صب ُِروا إ ِ ّ م َوا ْ حك ُ ْ ب ِري ُ شُلوا وَت َذ ْهَ َ ف َ عوا فَت َ ْ سول َ ُ
ه َول ت ََناَز ُ طيُعوا الل ّ َ
ه وََر ُ } وَأ ِ
ن ){ (46 ري َ
صاب ِ ِ
معَ ال ّ
َ
هذا تعليم الله ) (1عباده المؤمنين آداب اللقاء ،وطريق الشجاعة عند
َ
ة َفاث ْب ُُتوا {م فِئ َ ًقيت ُ ْمُنوا إ َِذا ل َ ِ نآ َذي َمواجهة العداء ] ،فقال[ )َ } (2يا أي َّها ال ّ ِ
ثبت في الصحيحين ،عن عبد الله بن أبي أوفى ،عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه انتظر في بعض أيامه التي لقي فيها العدو حتى إذا مالت
الشمس قام فيهم فقال " :يا أيها الناس ،ل تتمنوا لقاء العدو ،واسألوا الله
العافية ،فإذا لقيتموهم فاصبروا ) (3واعلموا أن الجنة تحت ظلل السيوف".
مجري منزل الكتاب ،و ُ ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم وقال " :اللهم ُ ،
السحاب ،وهازم الحزاب ،اهزمهم وانصرنا عليهم" )(4
__________
) (1في د ،ك ،م " :تعليم من الله".
) (2زيادة من د.
) (3في أ " :فاثبتوا".
) (4صحيح البخاري برقم ) (2818وصحيح مسلم برقم ).(1742
) (4/70
وقال عبد الرزاق ،عن سفيان الثوري ،عن عبد الرحمن بن زياد ،عن عبد
الله بن يزيد ،عن عبد الله بن عمرو قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " :ل تتمنوا لقاء العدو ،واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا
واذكروا الله فإن أجلبوا ) (1وضجوا ) (2فعليكم بالصمت )(3
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني :حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي ،حدثنا
سطام ،حدثنا معتمر بن سليمان ،حدثنا ثابت بن زيد ،عن رجل ، أمية بن ب ِ ْ
عن زيد بن أرقم ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " :إن الله يحب
الصمت عند ثلث :عند تلوة القرآن ،وعند الّزحف ،وعند الجنازة" )(4
ل عبدي الذي وفي الحديث الخر المرفوع يقول الله تعالى " :إن عبدي ك ّ
يذكرني وهو مناجز قرنه ) (5أي :ل يشغله ذلك الحال عن ذكرى ودعائي
واستعانتي.
وقال سعيد بن أبي عَُروبة ،عن قتادة في هذه الية ،قال :افترض ) (6الله
ذكره عند أشغل ما تكونون ) (7عند الضراب بالسيوف.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا عبدة بن سليمان ،حدثنا ابن
جريج ،عن عطاء قال :وجب النصات والذكر عند الزحف المبارك ،عن ابن ُ
،ثم تل هذه الية ،قلت :يجهرون بالذكر ؟ قال :نعم.
ضا ُ :قرئ علي يونس بن عبد العلى ،أنبأنا ابن وهب ،أخبرني عبد وقال أي ً
الله بن عياش ) (8عن يزيد بن قوذر ،عن كعب الحبار قال :ما من شيء
أحب إلى الله تعالى من قراءة القرآن والذكر ،ولول ذلك ما أمر الناس
بالصلة والقتال ،أل ترون أنه أمر الناس بالذكر عند القتال ،فقال َ } :يا أ َي َّها
ن{ حو َ فل ِ ُ م تُ ْه ك َِثيًرا ل َعَل ّك ُ ْ ة َفاث ْب ُُتوا َواذ ْك ُُروا الل ّ َم فِئ َ ً مُنوا إ َِذا ل َ ِ
قيت ُ ْ نآ َ ال ّ ِ
ذي َ
مُر
س ْ
ة ال ّ ف ُق َ مث َ ّت ِفيَنا ال ُ خطى يخطُر ب َي ْن ََناوََقد ن َهَل َ ْ قال الشاعر :ذكرتك وال َ
ن
طر م ْ ق ُ
ض ال ْهِن ْد ِ ت َ ْ جٌرِفيَنا وَِبي ُ وا ِ ش َح َ ما ُ قد ذ َك َْرُتك والّر َ وقال عنترة (9) :ول َ َ
مي دَ ِ
__________
) (1في د ،م ،أ " :جلبوا".
) (2في أ " :وصيحوا"
) (3مصنف عبد الرزاق برقم ) (9518ورواه البيهقي في السنن الكبرى )
(9/153من طريق ابن وهب ،وابن أبي شيبة في المصنف ) (12/463من
طريق عبد بن سليمان ،كلهما عن عبد الرحمن بن زياد به.
) (4المعجم الكبير ) (5/213وفيه راو لم يسم.
) (5رواه الترمذي في السنن برقم ) (3580من طريق عفير بن معدان عن
أبي دوس اليحصبي عن ابن عائذ عن عمارة بن زعكرة مرفوعا ،وقال :
"هذا حديث غريب ل نعرفه إل من هذا الوجه ،ليس إسناده بالقوي ،ول
نعرف لعمارة بن زعكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إل هذا الحديث
الواحد".
) (6في د " :فرض".
) (7في أ " :ما يكون".
) (8في أ " :عباس".
) (9في م " :آخر".
) (4/71
قال ابن عباس ،ومجاهد ،وقتادة ،والضحاك ،والسدي في قوله تعالى :
َ كال ّ ِ كوُنوا َ } َول ت َ ُ
س { قالوا :هم م ب َطًرا وَرَِئاَء الّنا ِ ن دَِيارِهِ ْ م ْ جوا ِ خَر ُ ن َ ذي َ
المشركون ،الذين قاتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر.
وقال محمد بن كعب :لما خرجت قريش من مكة إلى بدر ،خرجوا بالقيان
م ب َط ًَرا وَرَِئاَء ن دَِيارِهِ ْ م ْ جوا ِ خَر ُ ن َ ذي َ كال ّ ِ كوُنوا َ والدفوف ،فأنزل الله } َول ت َ ُ
ط{ حي ٌ م ِ ن ُ مُلو َ ما ي َعْ َ ه بِ َ ل الل ّهِ َوالل ّ ُ سِبي ِن َ ن عَ ْ دو َ ص ّس وَي َ ُ
َ الّنا ِ
س ْ ُ َ َ َ َ َ َ ّ َ ْ
ن الّنا ِ م َ م ِ م الي َوْ َ ب لك ُ م وَقال ل غال ِ َ مالهُ ْ ن أعْ َ م الشي ْطا ُ ن لهُ ُ وقوله } :وَإ ِذ َزي ّ َ
سن لهم -لعنه الله -ما جاؤوا له وما هموا به ، ّ ح : الية م{ جاٌر ل َك ُ ْ وَإ ِّني َ
وأطمعهم أنه ل غالب لهم اليوم من الناس ،ونفى عنهم الخشية من أن يؤتوا
في ديارهم من عدوهم بني بكر فقال :أنا جار لكم ،وذلك أنه تبدى لهم في
دلج ،كبير تلك الناحية ،وكل م ْ شم ،سيد بني ُ جعْ ُ سَراقة بن مالك بن ُ صورة ُ
م
ما ي َعِد ُهُ ُ م وَ َ مّنيهِ ْ م وَي ُ َ ذلك منه ،كما قال ]الله[ ) (1تعالى عنه } :ي َعِد ُهُ ْ
ن ِإل غُُروًرا { ]النساء .[120 : طا ُ شي ْ َال ّ
قال ابن جريج ) (2قال ابن عباس في هذه الية :لما كان يوم بدر سار
إبليس برايته وجنوده مع المشركين ،وألقى في قلوب المشركين :أن أحدا
لن يغلبكم ،وإني جار لكم .فلما التقوا ،ونظر الشيطان إلى إمداد الملئكة ،
َ
ن{ ما ل ت ََروْ َ قب َْيه { قال :رجع مدبرا ،وقال } :إ ِّني أَرى َ ص عََلى عَ ِ } ن َك َ َ
الية.
وقال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس قال :جاء إبليس يوم بدر في جند
من الشياطين ،معه رايته ،في صورة رجل من بني مدلج ،والشيطان في
صورة سراقة بن مالك ) (3بن جعشم ،فقال الشيطان للمشركين } :ل
م { فلما اصطف الناس أخذ رسول جاٌر ل َك ُ ْ س وَإ ِّني َ ن الّنا ِ م َ م ِ م ال ْي َوْ َ ب ل َك ُ ُ غال ِ ََ
الله صلى الله عليه وسلم قبضة من التراب فرمى بها في وجوه المشركين ،
فولوا مدبرين وأقبل جبريل ،عليه السلم ،إلى إبليس ،فلما رآه -وكانت
يده في يد رجل من المشركين -انتزع يده ثم ولى مدبرا هو وشيعته ،فقال
ن إ ِّني َ
ما ل ت ََروْ َ الرجل :يا سراقة ،أتزعم أنك لنا جار ؟ فقال } :إ ِّني أَرى َ
ب { وذلك حين رأى الملئكة. قا ِ ديد ُ ال ْعِ َ ش ِ ه َ ه َوالل ّ ُ ف الل ّ َ خا ُ أَ َ
وقال محمد بن إسحاق :حدثني الكلبي ،عن أبي صالح ،عن ابن عباس ؛ أن
إبليس خرج مع قريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ،فلما حضر
م{ من ْك ُ ْ
ريٌء ِ القتال ورأى الملئكة ،نكص على عقبيه ،وقال } :إ ِّني ب َ ِ
فتشبث ) (4الحارث بن هشام فنخر في وجهه ،فخر صعقا ،فقيل له :ويلك
م إ ِّني من ْك ُ ْريٌء ِ َيا سراقة ،على هذه َ الحال تخذلنا وتبرأ منا .فقال } :إ ِّني ب َ ِ
ب{ قا ِ ديد ُ ال ْعِ َ ش ِ ه َ ه َوالل ّ ُ ف الل ّ َ خا ُ ن إ ِّني أ َ ما ل ت ََروْ َ أَرى َ
وقال محمد بن عمر الواقدي :أخبرني عمر بن عقبة ،عن شعبة -مولى ابن
عباس -عن ابن
__________
) (1زيادة من م.
) (2في ك " :جرير".
) (3في ك " :مالك المدلجي".
) (4في ك " :فتشبث به".
) (4/73
عباس قال :لما تواقف الناس أغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ساعة ثم كشف عنه ،فبشر الناس بجبريل في جند من الملئكة ميمنة
الناس ،وميكائيل في جند آخر ميسرة الناس ،وإسرافيل في جند آخر ألف.
وإبليس قد تصور في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي ،يدبر
المشركين ويخبرهم أنه ل غالب لهم ) (1اليوم من الناس .فلما أبصر عدّو
َ
ما ل م إ ِّني أَرى َ من ْك ُ ْ ريٌء ِ الله الملئكة ،نكص على عقبيه ،وقال } :إ ِّني ب َ ِ
ن { فتشبث به الحارث بن هشام ،وهو يرى أنه سراقة لما سمع من ت ََروْ َ
كلمه ،فضرب في صدر الحارث ،فسقط الحارث ،وانطلق إبليس ) (2ل
يرى حتى سقط في البحر ،ورفع ثوبه وقال :يا رب ،موعدك الذي وعدتني
)(3
وفي الطبراني عن رفاعة بن رافع قريب من هذا السياق وأبسط منه )(4
ذكرناه في السيرة.
وقال محمد بن إسحاق :حدثني يزيد بن رومان ،عن عروة بن الزبير قال :
لما أجمعت ) (5قريش المسير ) (6ذكرت الذي بينها وبين بني بكر من
الحرب ،فكاد ذلك أن يثنيهم ،فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك
بن جعشم المدلجي -وكان من أشراف بني كنانة -فقال :أنا جار لكم أن
تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه ،فخرجوا سراعا.
قال محمد بن إسحاق :فذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة
سراقة بن مالك ) (7ل ينكرونه ،حتى إذا كان يوم بدر والتقى الجمعان ،كان
الذي رآه حين نكص الحارث بن هشام -أو :عمير بن وهب -فقال :أين ،
أي سراق ؟ ) (8ومثل عدو الله فذهب -قال :فأوردهم ثم أسلمهم -قال :
ونظر عدو الله إلى جنود الله ،قد أيد الله بهم رسوله ) (9والمؤمنين
َ
ن{ ما ل ت ََروْ َ م إ ِّني أَرى َ من ْك ُ ْ ريٌء ِ فانتكص ) (10على عقبيه ،وقال َ } :إ ِّني ب َ ِ
ب { )(11 قا ِ ديد ُ ال ْعِ َ ش ِ ه َ ه َوالل ّ ُ ف الل ّ َ خا ُ وصدق عدو الله ،وقال } :إ ِّني أ َ
وهكذا روي عن السدي ،والضحاك ،والحسن البصري ،ومحمد بن كعب
القرظي ،وغيرهم ،رحمهم الله.
وقال قتادة :وذكر لنا أنه رأى جبريل ،عليه السلم ،تنزل معه )(12
ما ل َ
الملئكة ،فعلم عدو الله أنه ل يدان له بالملئكة فقال } :إ ِّني أَرى َ
ه { وكذب عدو الله ،والله ما به مخافة الله ،ولكن علم ف الل ّ َ خا ُ ن إ ِّني أ َ َ ت ََروْ َ
أنه ل قوة له ول منعة ،وتلك عادة عدو الله لمن أطاعه واستقاد له ،حتى إذا
التقى الحق والباطل أسلمهم شر مسلم ،وتبرأ منهم عند ذلك.
ن إ ِذ ْ َقالَ طا ِ شي ْ َ ل ال ّ مث َ ِ قلت :يعني بعادته لمن أطاعه قوله تعالى } :ك َ َ
ه { ]الحشر ، [16 : ف الل ّ َ خا ُ ك إ ِّني أ َ َ من ْ َ ريٌء ِ ل إ ِّني ب َ ِ فَر َقا َ ما ك َ َ فْر فَل َ ّ ن اك ْ ُ سا ِ ِللن ْ َ
ق ح ْ لا د
َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ّع و م ُ ك د ع و ه ّ ل ال نْ ُ ّ إ ر م ال ي
ِ َ ض ُ ق ما ُ ّ َ ل ن طاَ ْ ي شّ ال لَ َ
قا َ و } : تعالى وقوله
ُ طا ِن إل أ َ َ ْ ُ َ َ خل َ ْ َ
م ت ب ج
ْ َ َ ُْ ْت س َ
فا م
ْ َ ُْ ْك ت و َ ع د ن ِ ٍ ل س ن
ْ ْ ِ ْ ُ م م ك ي ل َ ع لي َ ِ ن كا فت ُك ُ ْ َ َ
ما و م م فَأ ْ وَوَعَد ْت ُك ُ ْ
َ َ َ
ي إ ِّني خ ّ صرِ ِ م ْ م بِ ُ ما أن ْت ُ ْ م وَ َ خك ُ ْ صرِ ِ م ْ ما أَنا ب ِ ُ م َ سك ُ ْ ف َ موا أن ْ ُ موِني وَُلو ُ ِلي َفل ت َُلو ُ
َ َ
م { ]إبراهيم : ب أِلي ٌ ذا ٌ م عَ َ ن ل َهُ ْ مي َ ن ال ّ
ظال ِ ِ ل إِ ّ ن قَب ْ ُ م ْ ن ِ مو ِ شَرك ْت ُ ُ ما أ ْ ت بِ َ فْر ُ كَ َ
.[22
__________
) (1في م " :لكم".
) (2في أ " :إبليس هاربا".
) (3المغازي للواقدي ).(1/70
) (4المعجم الكبير ) (5/42من طريق عبد العزيز بن عمران عن رفاعة بن
يحيى بن معاذ بن رفاعة عن رفاعة بن رافع ،رضي الله عنه ،وقال الهيثمي
في المجمع )" : (6/82وفيه عبد العزيز بن عمران وهو ضعيف".
) (5في د ،م ،أ " :اجتمعت".
) (6في د " :للسير".
) (7في ك " :مالك المدلجي ،وكان من أشراف ركانة".
) (8في د ،أ " :إلى أين يا سراقة" ،وفي ك ،م " :أين أين سراقة".
) (9في أ " :رسله".
) (10في د ،ك ،م ،أ " :فنكص".
) (11في ك ،م ،أ " :إني أخاف عقاب الله" وهو خطأ.
) (12في د " :نزل مع".
) (4/74
وقال يونس بن ب ُك َْير ،عن محمد بن إسحاق :حدثني عبد الله بن أبي بكر بن
عمرو بن حزم ،عن بعض بني ساعدة قال :سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة
بعدما أصيب بصره يقول :لو كنت معكم الن ببدر ومعي بصري ،لخبرتكم
بالشعب الذي خرجت منه الملئكة ل أشك ول أتمارى )(1
فلما نزلت الملئكة ورآها إبليس ،وأوحى الله إليهم :أني معكم فثبتوا الذين
آمنوا ،وتثبيتهم أن الملئكة كانت تأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه ،
فيقول له :أبشر فإنهم ليسوا بشيء ،والله معكم ،كروا عليهم .فلما رأى
َ
ما لم إ ِّني أَرى َ من ْك ُ ْريٌء ِ إبليس الملئكة نكص على عقبيه ،وقال } :إ ِّني ب َ ِ
ن { وهو في صورة سراقة ،وأقبل أبو جهل يحضض أصحابه ويقول :ل ت ََروْ َ
يهولنكم خذلن سراقة إياكم ،فإنه كان على موعد من محمد وأصحابه .ثم
قال :واللت والعزى ل نرجع حتى نقرن محمدا وأصحابه في الحبال ،فل
ذا .وهذا من أبي جهل لعنه الله كقول فرعون للسحرة تقتلوهم وخذوهم أخ ً
َ َ
من َْها أهْلَها { ْ َ ْ َ ن هَ َ
جوا ِ خرِ ُ دين َةِ ل ِت ُ ْ م ِموه ُ ِفي ال َ مكْرت ُ ُ مكٌر َ ذا ل َ لما أسلموا } :إ ِ ّ
حَر { ]طه [71 : س ْ م ال ّ ُ
مك ُ ّ
ذي عَل َ ّ
م ال ِ ُ
ه لكِبيُرك َُ َ ]العراف ، [123 :وكقوله } إ ِن ّ ُ
،وهو من باب البهت والفتراء ،ولهذا كان أبو جهل فرعون هذه المة.
وقال مالك بن أنس ،عن إبراهيم بن أبي عبلة ) (2عن طلحة بن عبيد الله
ي إبليس في ريز ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :ما ُرئ ِ َ بن ك َ ِ
يوم هو فيه أصغر ول أحقر ول أدحر ول أغيظ منه في يوم عرفة وذلك مما
يرى من تنزل الرحمة والعفو عن الذنوب إل ما رأى يوم بدر" .قالوا :يا
رسول الله ،وما رأى يوم بدر ؟ قال " :أما إنه رأى جبريل ،عليه السلم ،
يزغ الملئكة" )(3
هذا مرسل من هذا الوجه.
م{ ض غَّر هَ ُ
ؤلِء ِدين ُهُ ْ مَر ٌ م َ ُ
ن ِفي قُلوب ِهِ ْ ذي َ ّ
ن َوال ِ قو َمَنافِ ُ ل ال ْ ُ قو ُ وقوله } :إ ِذ ْ ي َ ُ
قال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس في هذه الية قال :لما دنا القوم
بعضهم من بعض قلل الله المسلمين في أعين المشركين ،وقلل المشركين
م { وإنما قالوا ذلك ؤلِء ِدين ُهُ ْ في أعين المسلمين فقال المشركون } :غَّر هَ ُ
من قلتهم في أعينهم ،فظنوا ) (4أنهم سيهزمونهم ،ل يشكون في ذلك ،
م{ كي ٌح ِ زيٌز َ ه عَ ِ ن الل ّ َ ل عََلى الل ّهِ فَإ ِ ّ ن ي َت َوَك ّ ْ
م ْ فقال الله } :وَ َ
وقال قتادة :رأوا عصابة من المؤمنين تشددت لمر الله ،وذكر لنا أن أبا
جهل عدو الله لما أشرف على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال :
والله ل يعبدوا الله بعد اليوم ،قسوة وعتوا.
__________
) (1انظر :السيرة النبوية لبن هشام ).(1/633
) (2في ك " :علية".
) (3الموطأ ) (1/422وانظر كلم المام ابن عبد البر عن هذا الحديث في :
التمهيد ).(1/115
) (4في أ " :وظنوا".
) (4/75
َ مَلئ ِك َ ُ
م وَُذوُقوا م وَأد َْباَرهُ ْ جوهَهُ ْ ن وُ ُ ضرُِبو َة يَ ْ فُروا ال ْ َ ن كَ َذي َ وَل َوْ ت ََرى إ ِذ ْ ي َت َوَّفى ال ّ ِ
س ب ِظ َّلم ٍ ل ِل ْعَِبيد ِ )(51 َ َ
ه ل َي ْ َ
ن الل ّ َ ديك ُ ْ
م وَأ ّ ت أي ْ ِ م ْ ما قَد ّ َ
ك بِ َق ) (50ذ َل ِ َ ري ِ ح ِ ب ال ْ َ عَ َ
ذا َ
ض{ مَر ٌ م َ ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ ذي َن َوال ّ ِ قو َ مَنافِ ُ ل ال ْ ُ قو ُ جَرْيج في قوله } :إ ِذ ْ ي َ ُ وقال ابن ُ
هم قوم كانوا من المنافقين بمكة ،قالوه يوم بدر.
وقال عامر الشعبي :كان ناس من أهل مكة قد تكلموا بالسلم ،فخرجوا
م{ ؤلِء ِدين ُهُ ْ مع المشركين يوم بدر ،فلما رأوا قلة المسلمين قالوا } :غَّر هَ ُ
م ُ
ن ِفي قُلوب ِهِ ْ ذي َ ن َوال ّ ِ قو َ مَنافِ ُل ال ْ ُ قو ُ وقال مجاهد في قوله ،عز وجل } :إ ِذ ْ ي َ ُ
م { قال :فئة من قريش ] :أبو[ ) (1قيس بن الوليد بن ؤلِء ِدين ُهُ ْ ض غَّر هَ ُ مَر ٌ َ
المغيرة ،وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة ،والحارث بن زمعة بن السود بن
المطلب ،وعلي بن أمية بن خلف ،والعاص بن منبه بن الحجاج ،خرجوا مع
قريش من مكة وهم على الرتياب فحبسهم ارتيابهم ،فلما رأوا قلة أصحاب
م { حتى قدموا ؤلِء ِدين ُهُ ْ رسول الله صلى الله عليه وسلم ،قالوا } :غَّر هَ ُ
على ما قدموا عليه ،مع قلة عددهم وكثرة عدوهم.
وهكذا قال محمد بن إسحاق بن يسار ،سواء.
وقال ابن جرير :حدثنا محمد بن عبد العلى ،حدثنا محمد بن ثور ،عن
مر ،عن الحسن في هذه الية ،قال :هم قوم لم يشهدوا القتال يوم معْ َ َ
بدر ،فسموا منافقين -قال معمر :وقال بعضهم :هم قوم كانوا أقروا
بالسلم ،وهم بمكة فخرجوا مع المشركين يوم بدر ،فلما رأوا قلة
م { )(2 ؤلِء ِدين ُهُ ْ المسلمين قالوا } :غَّر هَ ُ
هّ
ن الل َ ل عََلى اللهِ { أي :يعتمد على جنابه } ،فَإ ِ ّ ّ ن ي َت َوَك ّ ْ
م ْ وقوله } :وَ َ
زيٌز { أي :ل ُيضام من التجأ إليه ،فإن الله عزيز منيع الجناب ،عظيم عَ ِ
السلطان ،حكيم في أفعاله ،ل يضعها إل في مواضعها ،فينصر من يستحق
النصر ،ويخذل من هو أهل لذلك.
َ ْ
ُ
م وَُذوقوا م وَأد َْباَرهُ ْ جوهَهُ ْ ن وُ ُ ضرُِبو َ ة يَ ْ َ
ملئ ِك ُ فُروا ال َ ن كَ َذي َ } وَل َوْ ت ََرى إ ِذ ْ ي َت َوَّفى ال ّ ِ
ظلم ٍ ل ِل ْعَِبيد ِ ) س بِ َ َ َ
ه ل َي ْ َ ن الل ّ َ م وَأ ّ ديك ُ ْ ت أي ْ ِ م ْ ما قَد ّ َ ك بِ َق ) (50ذ َل ِ َ ري ِ ب ال ْ َ
ح ِ ذا َعَ َ
{ (51
يقول تعالى :ولو عاينت يا محمد حال توفي الملئكة أرواح الكفار ،لرأيت
أمرا عظيما هائل فظيعا منكرا ؛ إذ يضربون وجوههم وأدبارهم ،ويقولون لهم
ق{ ري ِ ح ِب ال ْ َ ذا َُ } :ذوُقوا عَ َ
قال ابن جريج ،عن مجاهد } :وأدبارهم { استاههم ،قال :يوم بدر.
جَرْيج ،قال ابن عباس :إذا أقبل المشركون ) (3بوجوههم إلى قال ابن ُ
المسلمين ،ضربوا وجوههم بالسيوف ،وإذا ولوا أدركتهم الملئكة فضربوا
أدبارهم.
ة فُروا ال َْ
ملئ ِك َُ ن كَ َ ذي
ِ َ ّ لا ّ
فى و تي
ِ ََ َْ ذإ } : قوله مجاهد عن ، جيحَ ِ ن أبي قال ابن
م{ َ
م وَأد َْباَرهُ ْ
جوهَهُ ْ ن وُ ُ
ضرُِبو َ
يَ ْ
__________
) (1زيادة من د ،ك ،أ ،وابن هشام والطبري.
) (2تفسير الطبري ).(14/13
) (3في ك " :المشركين" وهو خطأ.
) (4/76
يوم بدر.
كيع ،عن سفيان الثوري ،عن أبي هاشم إسماعيل بن كثير ،عن وقال وَ ِ
نضرُِبو َ جب َْير } :ي َ ْ مجاهد ،عن شعبة ،عن يعلى بن مسلم ،عن سعيد بن ُ
م { قال :وأستاههم ) (1ولكن الله ي َك ِْني. َ
م وَأد َْباَرهُ ْ جوهَهُ ْ وُ ُ
فرة )(2 وكذا قال عمر مولى غُ ْ
وعن الحسن البصري قال :قال رجل :يا رسول الله ،إني رأيت بظهر أبي
جهل مثل الشراك ) (3قال ما ذاك ؟ قال " :ضرب الملئكة )." (4
رواه ابن جرير ) (5وهو مرسل.
وهذا السياق -وإن كان سببه وقعة بدر -ولكنه عام في حق كل كافر ؛ ولهذا
ن لم يخصصه تعالى بأهل بدر ،بل قال تعالى } :وَل َوْ ت ََرى إ ِذ ْ ي َت َوَّفى ال ّ ِ
ذي َ
َ
م { وفي سورة القتال مثلها )(6 م وَأد َْباَرهُ ْ جوهَهُ ْ ن وُ ُ ضرُِبو َ ة يَ ْ ملئ ِك َ ُ فُروا ال ْ َ كَ َ
ن ِفي مو َ
ظال ِ ُوتقدم في سورة النعام ]عند[ ) (7قوله } :وَل َوْ ت ََرى إ ِذِ ال ّ
م { ]النعام : سك ُ ُ
ف َجوا أ َن ْ ُ م أَ ْ
خرِ ُ ديهِ ْ
ة باس ُ َ
طو أي ْ ِ ملئ ِك َ ُ َ ِ ت َوال ْ َ موْ ِ ت ال ْ َ مَرا ِغَ َ
[93أي :باسطو أيديهم بالضرب فيهم ،يأمرونهم إذ استصعبت أنفسهم ،
وامتنعت من الخروج من الجساد أن تخرج قهًرا .وذلك إذ بشروهم بالعذاب
والغضب من الله ،كما ]جاء[ ) (8في حديث البراء :إن ملك الموت -إذا
جاء الكافر عند احتضاره في تلك الصورة المنكرة -يقول :اخرجي أيتها
موم وحميم ،وظل من يحموم ،فتتفرق في بدنه ، س ُالنفس الخبيثة إلى َ
فيستخرجونها من جسده ،كما يخرج السفود من الصوف المبلول فتخرج
معها العروق والعصب ؛ ولهذا أخبر ) (9تعالى أن الملئكة تقول لهم :
ق{ ري ِ ح ِ ب ال ْ َ ذا َ } وَُذوُقوا عَ َ
َ
م { أي :هذا الجزاء بسبب ما عملتم ديك ُ ْت أي ْ ِ م ْما قَد ّ َك بِ َ وقوله تعالى } : :ذ َل ِ َ
ن َ
من العمال السيئة في حياتكم الدنيا ،جازاكم الله بها هذا الجزاء } ،وَأ ّ
ظلم ٍ ل ِل ْعَِبيد ِ { أي :ل يظلم أحدا من خلقه ،بل هو الحكم العدل ، س بِ َ ه ل َي ْ َ
الل ّ َ
الذي ل يجور ،تبارك وتعالى وتقدس وتنزه الغني الحميد ؛ ولهذا جاء في
الحديث الصحيح عند مسلم ،رحمه الله ،من رواية أبي ذر ،رضي الله عنه ،
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إن الله تعالى يقول :يا عبادي إني
ما فل تظالموا .يا عبادي ،إنما حرمت الظلم على نفسي ،وجعلته بينكم محر ً
هي أعمالكم أحصيها لكم ،فمن وجد خيًرا فليحمد الله ،ومن وجد غير ذلك
فل يلومن إل نفسه" ) (10ولهذا قال تعالى :
__________
) (1في د ،ك " :وأستاههم".
) (2في ك " :عمرة".
) (3في د ،ك " :الشوك".
) (4في د ،ك " :ذاك ضرب".
) (5تفسير الطبري ).(14/16
) (6يشير ابن كثير -رحمه الله -إلى الية 27 :من سورة محمد.
) (7زيادة من م.
) (8زيادة من أ.
) (9في أ " :قال".
) (10صحيح مسلم برقم ).(2577
) (4/77
َ ْ
ن
م إِ ّ ه ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ م الل ّ ُ خذ َهُ ُ ت الل ّهِ فَأ َ فُروا ب ِآ ََيا ِ م كَ َ ن قَب ْل ِهِ ْ
م ْن ِ ذي َ ن َوال ّ ِ ل فِْرعَوْ َ َ
بآ ِ ك َد َأ ِ
ب )(52 قا ِ ديد ُ ال ْعِ َ ه قَوِيّ َ
ش ِ الل ّ َ
َ ْ
ه ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ
م م الل ّ ُ خذ َهُ ُ ت الل ّهِ فَأ َ فُروا ِبآَيا ِ م كَ َ ن قَب ْل ِهِ ْ م ْ
ن ِذي َ ن َوال ّ ِ ل فِْرعَوْ َ بآ ِ } ك َد َأ ِ
ب ){ (52 قا ِ ديد ُ ال ْعِ َ ش ِه قَوِيّ َ ن الل ّ َ إِ ّ
يقول تعالى :فعل هؤلء المشركون المكذبون ) (1بما أرسلت به يا محمد ،
كما فعل المم المكذبة قبلهم ،ففعلنا بهم ما هو دأبنا ،أي :عادتنا وسنتنا
في أمثالهم من المكذبين من آل فرعون ومن قبلهم من المم المكذبة
َ
م { ]أي :بسبب ذنوبهم م الل ّ ُ
ه ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ خذ َهُ ُ بالرسل ،الكافرين بآيات الله } .فَأ َ
ب { أي : قا ِ ديد ُ ال ْعِ َش ِ ه قَوِيّ َ ن الل ّ َ أهلكهم ،فأخذهم أخذ عزيز مقتدر[ ) } (2إ ِ ّ
ل يغلبه غالب ،ول يفوته هارب.
__________
) (1في م " :المشركين المكذبين".
) (2زيادة من د ،ك ،م.
) (4/78
ن َ
م وَأ ّ سهِ ْ ف ِ ما ب ِأ َن ْ ُ
حّتى ي ُغَي ُّروا َ مَها عََلى قَوْم ٍ َ
ك مغَيرا ن ِعم ً َ
ة أن ْعَ َ م يَ ُ ُ ّ ً ْ َ ه لَ ْن الل ّ َ
ذ َل َ َ
ك ب ِأ ّ ِ
َ َ ّ َ ْ َ ّ
م
ت َرب ّهِ ْ م كذ ُّبوا ب ِآَيا ِ ن قَب ْل ِهِ ْ م ْن ِذي َن َوال ِ ل فِْرعَوْ َ بآ ِ م ) (53كد َأ ِ ميعٌ عَِلي ٌ س ِ ه َ الل َ
َ َ ُ َ
م وَأغَْرقَْنا آ َ َ ْ َ َ
شّر ن َ ن ) (54إ ِ ّ مي َ ل كاُنوا ظال ِ ِ ن وَك ّ ل فِْرعَوْ َ م ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ فَأهْلكَناهُ ْ
م ثُ ّ
م من ْهُ ْ ت ِ عاهَد ْ َ ن َ ذي َ ن ) (55ال ّ ِ مُنو َ م َل ي ُؤْ ِ فُروا فَهُ ْ ن كَ َ ذي َعن ْد َ الل ّهِ ال ّ ِ ب ِ الد َّوا ّ
بحْر ِ ْ
م ِفي ال َ فن ّهُ ْق َما ت َث ْ َ ن ) (56فَإ ِ ّ قو َ َ
م ل ي َت ّ ُ مّرةٍ وَهُ ْ ل َ ُ
م ِفي ك ّ ن عَهْد َهُ ْ ضو َ ق ُ ي َن ْ ُ
ن )(57 ّ
م ي َذ ّكُرو َ ّ
م لعَلهُ ْ َ فهُ ْ ْ
خل َ ن َ م ْ م َ شّرد ْ ب ِهِ ْ فَ َ
مسهِ ْ ف ِ ما ب ِأ َن ْ ُ
حّتى ي ُغَي ُّروا َ مَها عََلى قَوْم ٍ َ
ك مغَيرا ن ِعم ً َ
ة أن ْعَ َ م يَ ُ ُ ّ ً ْ َ ه لَ ْن الل ّ َ
} ذ َل َ َ
ك ب ِأ ّ ِ
َ ّ ْ َ ّ َ
تم كذ ُّبوا ِبآَيا ِ ن قَب ْل ِهِ ْ
م ْ
ن ِ ذي َ ن َوال ِ ل فِْرعَوْ َ بآ ِ م ) (53كد َأ ِ ميعٌ عَِلي ٌ س ِه َ ن الل َ وَأ ّ
كاُنوا َ م وَأ َغَْرقَْنا آ َ َ
ن ){ (54 مي َظال ِ ِ ل َ ن وَك ُ ّل فِْرعَوْ َ م فَأهْل َك َْناهُ ْ
م ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ َرب ّهِ ْ
يخبر تعالى عن تمام عدله ،وقسطه في حكمه ،بأنه تعالى ل يغير نعمة
هل ن الل ّ َ أنعمها على أحد ) (1إل بسبب ذنب ارتكبه ،كما قال تعالى } :إ ِ ّ
ما
ه وَ َ َ
مَرد ّ ل ُ سوًءا َفل َ قوْم ٍ ُ ه بِ َ َ
م وَإ َِذا أَراد َ الل ّ ُسهِ ْ ف ِ ما ب ِأ َن ْ ُ
حّتى ي ُغَي ُّروا َ قوْم ٍ َ ما ب ِ َ ي ُغَي ُّر َ
ْ
ن { أي : ل فِْرعَوْ َ بآ ِ ل { ]الرعد ، [11 :وقوله } ك َد َأ ِ وا ٍمن ْ َ
ن ُدون ِهِ ِ م ْ م ِ ل َهُ ْ
كصنعه ) (2بآل فرعون وأمثالهم حين كذبوا بآياته ،أهلكهم بسبب ذنوبهم ،
وسلبهم تلك النعم التي أسداها إليهم من جنات وعيون ،وزروع وكنوز ومقام
كريم ،ونعمة كانوا فيها فاكهين ،وما ظلمهم الله في ذلك ،بل ) (3كانوا هم
الظالمين.
ت
عاهَد ْ َ ن َ ذي َ ن ) (55ال ّ ِ مُنو َ م ل ي ُؤْ ِ فُروا فَهُ ْ ن كَ َ ذي َ عن ْد َ الل ّهِ ال ّ ِ ب ِ شّر الد َّوا ّ ن َ } إِ ّ
م ِفي فن ّهُ ْ ما ت َث ْ َ
ق َ ن ) (56فَإ ِ ّ قو َ م ل ي َت ّ ُ مّرةٍ وَهُ ْ ل َ م ِفي ك ُ ّ ن عَهْد َهُ ْ ضو َ ق ُ م ي َن ْ ُ م ثُ ّ من ْهُ ْ ِ
ن ){ (57 م ي َذ ّك ُّرو َ ّ
م لعَلهُ َْ فهُ ْ ْ
خل َ ن َ م ْ م َ شّرد ْ ب ِهِ ْ ب فَ َ حْر ِ ال َْ
أخبر تعالى أن شر ما دب على وجه الرض هم الذين كفروا فهم ل يؤمنون ،
مل الذين كلما عاهدوا عهدا نقضوه ،وكلما أكدوه باليمان نكثوه } ،وَهُ ْ
ن { أي :ل يخافون من الله في شيء ارتكبوه من الثام. قو َ ي َت ّ ُ
شّرد ْ ب { أي :تغلبهم وتظفر بهم في حرب } ،فَ َ حْر ِ ْ
م ِفي ال َ فن ّهُ ْق َ ما ت َث ْ َ } فَإ ِ ّ
م { أي :نكل بهم ،قاله :ابن عباس ،والحسن البصري ، فهُ ْ ْ
خل َ ن َ م ْ م َ ب ِهِ ْ
والضحاك ،والسدي ،وعطاء الخراساني ،وابن عيينة ،
__________
) (1في أ " :قوم".
) (2في د ،ك " : ،كصنيعهم".
) (3في أ " :ولكن".
) (4/78
ن) ب ال ْ َ
خائ ِِني َ ه َل ي ُ ِ
ح ّ ن الل ّ َ
واءٍ إ ِ ّ م عََلى َ
س َ ة َفان ْب ِذ ْ إ ِل َي ْهِ ْ ن قَوْم ٍ ِ
خَيان َ ً م ْ خافَ ّ
ن ِ ما ت َ َ
وَإ ِ ّ
(58
) (4/79
ست َط َعْت ُ ْ
م ما ا ْ م َ دوا ل َهُ ْع ّن ) (59وَأ َ ِ جُزو َ م َل ي ُعْ ِ قوا إ ِن ّهُ ْ سب َ ُفُروا َ ن كَ َ ذي َن ال ّ ِ سب َ ّ ح َ وََل ي َ ْ
م َل َ
ن ُدون ِهِ ْ م ْ ن ِري َ خ ِ
م وَآ َ ن ب ِهِ عَد ُوّ الل ّهِ وَعَد ُوّك ُ ْل ت ُْرهُِبو َ ط ال ْ َ
خي ْ ِ ن رَِبا ِ م ْن قُوّةٍ وَ ِ م ِْ
م لَ َ ُ َ ّ ن َ َ ّ َ
م وَأن ْت ُ ْف إ ِلي ْك ْ ل اللهِ ي ُوَ ّ سِبي ِيٍء ِفي َ ش ْ م ْ قوا ِ ما ت ُن ْفِ ُ
م وَ َ مهُ ْ ه ي َعْل ُم الل ُ مون َهُ ُ ت َعْل ُ
ن )(60 مو َ ت ُظ ْل َ ُ
بح ّ ه ل يُ ِ ن الل ّ َ الجزية وأنتم صاغرون ،فإن أبيتم نابذناكم على سواء } ،إ ِ ّ
ن { يفعل بهم ذلك ثلثة أيام ،فلما كان اليوم الرابع غدا الناس إليها ال ْ َ
خائ ِِني َ
ففتحوها بعون الله )(1
َ َ
مام َ دوا لهُ ْ ع ّن ) (59وَأ ِ جُزو َم ل ي ُعْ ِ قوا إ ِن ّهُ ْ سب َ ُفُروا َ ن كَ َ ذي َ ن ال ّ ِ سب َ ّ ح َ } َول ي َ ْ
ن
م ْ
ن ِري َ خ ِ م َوآ َ ُ ّ
ن ب ِهِ عَد ُوّ اللهِ وَعَد ُوّك ْ ل ت ُْرهُِبو َ خي ْ ِ ْ
ط ال َ ن رَِبا ِ م ْ ن قوّةٍ وَ ِ ُ م ْ م ِ ست َط َعْت ُ ْ ا ْ
فل اللهِ ي ُوَ ّ ّ سِبي ِ يٍء ِفي َ ش ْ ن َم ْ قوا ِ ما ت ُن ْفِ ُ م وَ َ مهُ ْ َ
ه ي َعْل ُ ّ
م الل ُ مون َهُ ُ َ
م ل ت َعْل ُ ُدون ِه ْ
ن ){ (60 مو َ لْ ظ ت ل م ت نإل َيك ُ ِم وأ َ
ُ َ ُ ِ ْ ْ َ ُْ ْ
ن
ِ َذي ّ ل ا } مد ّ مح يا { ن ب س ح
َ َ ْ َ َ ّ ت ول } : وسلم عليه الله صلى لنبيه تعالى يقول
قوا { أي :فاتونا فل نقدر عليهم ،بل هم تحت قهر قدرتنا وفي سب َ ُفُروا َ كَ َ
َ
مُلو َ
ن ن ي َعْ َ ذي َب ال ّ ِ س َ ح ِ م َ قبضة مشيئتنا فل يعجزوننا ،كما قال تعالى } :أ ْ
َ
ن { ]العنكبوت [4 :أي :يظنون ،وقال مو َ حك ُ ُ ما ي َ ْ ساَء َ قوَنا َ سب ِ ُ ن يَ ْ تأ ْ سي َّئا ِال ّ
َ ْ ن كَ َ ّ
م الّناُر وَلب ِئ ْ َ
س مأَواهُ ُ ض وَ َ ن ِفي الْر ِ زي َ ج ِمعْ ِ فُروا ُ ذي َ
ن ال ِ سب َ ّ ح َ تعالى } :ل ت َ ْ
فُروا ِفي ن كَ َ ب ال ّ ِ
ذي َ قل ّ ُ صيُر { ]النور ، [57 :وقال تعالى ) } (2ل ي َغُّرن ّ َ
ك تَ َ م ِ ال ْ َ
ْ
مَهاد ُ { ]آل عمران .[197 ، 196 : س ال ْ ِم وَب ِئ ْ َ جهَن ّ ُ م َ مأَواهُ ْ م َ ل ثُ ّ مَتاع ٌ قَِلي ٌال ِْبلد ِ َ
ثم أمر تعالى بإعداد آلت الحرب لمقاتلتهم حسب الطاقة والمكان
م { أي :مهما أمكنكم ، ست َط َعْت ُ ْما ا ْ م َ دوا ل َهُ ْ ع ّ والستطاعة ،فقال } :وَأ َ ِ
ل{ خي ْ ِ ط ال ْ َ ن رَِبا ِ م ْ ن قُوّةٍ وَ ِ م ْ} ِ
هب ،أخبرني عمرو قال المام أحمد :حدثنا هارون بن معروف ،حدثنا ابن وَ ْ
ي ،أنه سمع عقبة بن عامر يقول : ف ّ ش َمامة بن ُ بن الحارث ،عن أبي علي ث ُ َ
دوا َ
ع ّ
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر } :وَأ ِ
ن قُوّةٍ { أل إن القوة الرمي ،أل إن القوة الرمي" )(3 م ْ
م ِ ست َط َعْت ُ ْ
ما ا ْ م َ ل َهُ ْ
رواه مسلم ،عن هارون بن معروف ،وأبو داود عن سعيد بن منصور ،وابن
ماجة عن يونس بن عبد العلى ،ثلثتهم عن عبد الله بن وهب ،به )(4
ولهذا الحديث طرق أخر ،عن عقبة بن عامر ،منها ما رواه الترمذي ،من
حديث صالح بن ك َْيسان ،عن رجل ،عنه )(5
وروى المام أحمد وأهل السنن ،عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " :ارموا واركبوا ،وأن ترموا خير من أن تركبوا" )(6
__________
) (1المسند ) (5/440ورواه الترمذي في السنن برقم ) (1548من طريق
أبي عوانة ،عن عطاء بن السائب ،عن أبي البختري به نحوه ،وقال :
"حديث سلمان حديث حسن ل نعرفه إل من حديث عطاء بن السائب ،
وسمعت محمدا يقول :أبو البختري لم يدرك سلمان ؛ لنه لم يدرك عليا ،
وسلمان مات قبل علي".
) (2في د " :وقوله".
) (3في م ذكرت جملة "أل إن القوة الرمي" ثلث مرات.
) (4المسند ) (4/156وصحيح مسلم برقم ) (1917وسنن أبي داود برقم )
(2514وسنن ابن ماجة برقم ).(13/28
) (5سنن الترمذي برقم ) (3083وقال " :صالح بن كيسان لم يدرك عقبة بن
عامر ،وقد أدرك ابن عمر".
) (6المسند ).(4/144
) (4/80
وقال المام مالك ،عن زيد بن أسلم ،عن أبي صالح السمان ،عن أبي
هريرة ،رضي الله عنه ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :الخيل
جر ،ولرجل ستر ،وعلى رجل وزر ؛ فأما الذي له أجر فرجل لثلثة :لرجل أ ْ
ربطها في سبيل الله ،فأطال لها في مرج -أو :روضة -فما أصابت في
طيلها ذلك من المرج -أو :الروضة -كانت له حسنات ،ولو أنها قطعت
طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له ،ولو أنها
مرت بنهر فشربت منه ،ولم يرد أن يسقي به ،كان ذلك حسنات له ؛ فهي
لذلك الرجل أجر .ورجل ربطها تغن ًّيا وتعففا ،ولم ينس حق الله في رقابها
ول ظهورها ،فهي له ستر ،ورجل ربطها فخًرا ورياء ونواء فهي على ذلك
وزر" .وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر فقال " :ما أنزل
قا َ
ل ذ َّر ٍ
ة مث ْ َ م ْ
ل ِ ن ي َعْ َ الله علي فيها شيئا إل هذه الية الجامعة الفاذة } :فَ َ
م ْ
قا َ
ل ذ َّرةٍ َ
شّرا ي ََرهُ { ]الزلزلة .[8 ، 7 : مث ْ َ م ْ
ل ِ ن ي َعْ َ
م ْ
خي ًْرا ي ََره ُ وَ َ
َ
رواه البخاري -وهذا لفظه -ومسلم ،كلهما من حديث مالك )(1
وقال المام أحمد :حدثنا حجاج ،أخبرنا شريك ،عن الّرك َْين بن الربيع )(2
عن القاسم بن حسان ؛ عن عبد الله بن مسعود ،عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال " :الخيل ثلثة :ففرس للرحمن ،وفرس للشيطان ،وفرس
للنسان ،فأما فرس الرحمن فالذي يربط في سبيل الله ،فعلفه وروثه
وبوله ،وذكر ما شاء الله .وأما فرس الشيطان فالذي يقامر أو يراهن عليه ،
وأما فرس النسان فالفرس يرتبطها النسان يلتمس بطنها ،فهي ستر من
فقر" )(3
وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن الرمي أفضل من ركوب الخيل ،وذهب المام
مالك إلى أن الركوب أفضل من الرمي ،وقول الجمهور أقوى للحديث ،
والله أعلم.
وقال المام أحمد :حدثنا حجاج وهشام ) (4قال حدثنا ليث ،حدثني يزيد بن
أبي حبيب ،عن ابن شماسة :أن معاوية بن حديج ) (5مر على أبي ذر ،وهو
قائم عند فرس له ،فسأله ما تعالج من فرسك هذا ؟ فقال :إني أظن أن
هذا الفرس قد استجيب له دعوته! قال :وما دعاء بهيمة من البهائم ؟ قال :
والذي نفسي بيده ما من فرس إل وهو يدعو كل سحر فيقول :اللهم ،أنت
خولتني عبدا من عبادك ،وجعلت رزقي بيده ،فاجعلني أحب إليه من أهله
وماله وولده )(6
قال :وحدثنا يحيى بن سعيد ،عن عبد الحميد بن جعفر ؛ حدثني يزيد بن أبي
سوَْيد بن قيس ؛ عن معاوية بن حديج ) (7؛ عن أبي ذر ،رضي حبيب ،عن ُ
الله عنه ،قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إنه
__________
) (1الموطأ ) (2/414ومن طريقه ،رواه البخاري في صحيحه برقم )(2371
وأما مسلم فرواه من طريق حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن أبي
صالح به برقم ).(987
) (2في ك " :الربيع بن الركين".
) (3المسند ).(1/395
) (4في ك ،أ " :هاشم".
) (5في أ " :خديج".
) (6المسند ).(5/162
) (7في أ " :خديج".
) (4/81
) (4/82
ميعُ ال ْعَِلي ُ
م )(61 س ِ ل عََلى الل ّهِ إ ِن ّ ُ
ه هُوَ ال ّ ح ل ََها وَت َوَك ّ ْ سل ْم ِ َفا ْ
جن َ ْ حوا ِلل ّ
جن َ ُ
ن َ
وَإ ِ ْ
) (4/83
) (4/83
وهذا فيه نظر ؛ لن السياق كله في وقعة بدر ،وذكرها مكتنف لهذا كله.
وقول ابن عباس ،ومجاهد ،وزيد بن أسلم ،وعطاء الخراساني ،وعكرمة ،
والحسن ،وقتادة :إن هذه الية منسوخة بآية السيف في "براءة" َ } :قات ُِلوا
ضا ؛ خرِ { الية ]التوبة [29 :فيه نظر أي ً ن ِبالل ّهِ َول ِبال ْي َوْم ِ ال ِ مُنو َ ن ل ي ُؤْ ِ ذي َ ال ّ ِ
فا ، لن آية براءة فيها المر بقتالهم إذا أمكن ذلك ،فأما إذا كان العدو كثي ً
فإنه تجوز مهادنتهم ،كما دلت عليه هذه الية الكريمة ،وكما فعل النبي
صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ،فل منافاة ول نسخ ول تخصيص ،والله
أعلم.
ل عَلى اللهِ { أي :صالحهم وتوكل على الله ،فإن الله ّ َ وقوله } :وَت َوَك ّ ْ
كافيك وناصرك ،ولو كانوا يريدون بالصلح خديعة ليتقووا ويستعدوا } ،فَإ ِ ّ
ن
ه { أي :كافيك وحده. ك الل ّ ُ سب َ َ ح ْ َ
ثم ذكر نعمته عليه بما أيده به من المؤمنين المهاجرين والنصار ؛ فقال :
م { أي :جمعها على ن قُُلوب ِهِ ْ ف ب َي ْ َ ن وَأ َل ّ َ مِني َ مؤ ْ ِصرِهِ وَِبال ْ ُ ك ب ِن َ ْ ذي أ َي ّد َ َ } هُوَ ال ّ ِ
ض َ
اليمان بك ،وعلى طاعتك ومناصرتك وموازرتك } ل َوْ أن ْ َ
ما ِفي الْر ِ ت َ ق َ ف ْ
م { أي :لما كان بينهم من العداوة والبغضاء فإن ن قُُلوب ِهِ ْ ت ب َي ْ َ ف َ ما أ َل ّ ْ ميًعا َ ج ِ َ
النصار كانت بينهم حروب كثيرة في الجاهلية ،بين الوس والخزرج ،وأمور
يلزم منها التسلسل في الشر ،حتى قطع الله ذلك بنور اليمان ،كما قال
َ َ ة الل ّه عَل َيك ُم إذ ْ ك ُنت َ
محت ُ ْصب َ ْم فَأ ْ ن قُُلوب ِك ُ ْ ف ب َي ْ َ داًء فَأل ّ َ م أعْ َ ُْ ْ ْ ْ ِ ِ م َ تعالى َ } :واذ ْك ُُروا ن ِعْ َ
َ
ن الل ّ ُ
ه من َْها ك َذ َل ِ َ
ك ي ُب َي ّ ُ م ِ قذ َك ُ ْ ن الّنارِ فَأن ْ َ م َ فَرةٍ ِ ح ْ فا ُ ش َ م عََلى َ واًنا وَك ُن ْت ُ ْ خ َمت ِهِ إ ِ ْ
ب ِن ِعْ َ
ن { ]آل عمران .[103 : دو َ م ت َهْت َ ُ م آَيات ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ ل َك ُ ْ
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطب النصار في
شأن غنائم حنين قال لهم " :يا معشر النصار ،ألم أجدكم ضلل فهداكم الله
بي ،وعالة فأغناكم الله بي ،وكنتم متفرقين فألفكم الله بي" كلما قال شيئا
ن(1) . َ
م ّ قالوا :الله ورسوله أ َ
م { أي :عزيز كي ٌ ح ِ زيٌز َ ه عَ ِ م إ ِن ّ ُ ف ب َي ْن َهُ ْ ه أ َل ّ َن الل ّ َ ولهذا قال تعالى } :وَل َك ِ ّ
الجناب ،فل يخيب رجاء من توكل عليه ،حكيم في أفعاله وأحكامه.
قال الحافظ أبو بكر البيهقي :أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ،أنبأنا علي بن
بشر الصيرفي القزويني في منزلنا ،أنبأنا أبو عبد الله محمد بن الحسن )(2
القنديلي الستراباذي ،حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن النعمان الصفار
،حدثنا ميمون بن الحكم ،حدثنا بكر بن الشرود ،عن محمد بن مسلم
الطائفي ،عن إبراهيم بن ميسرة ،عن طاوس ،عن ابن عباس قال :قرابة
الرحم تقطع ،ومنة النعمة تكفر ،ولم ير مثل تقارب القلوب ؛ يقول الله
م { وذلك موجود ن قُُلوب ِهِ ْ ت ب َي ْ َ ف َ ما أ َل ّ ْ ميًعا َ ج ِ ض َ ما ِفي الْر ِ ت َ ق َ ف ْ تعالى } :ل َوْ أ َن ْ َ
شك واست َْغنى فليس بذي رحم فغَ ّ ت ذو القربى إليك برحمه َ م ّ في الشعر :إذا َ
ولكن ذا القربى الذي إن دعوتهأجاب ومن يرمي العدو الذي ترمي
__________
) (1صحيح البخاري برقم ) (4330وصحيح مسلم برقم ) (1061من حديث
عبد الله بن يزيد بن عاصم ،رضي الله عنه.
) (2في جميع النسخ "الحسين" والتصويب من الشعب والميزان.
) (4/84
قال :ومن ذلك قول القائل :ولقد صحبت الناس ثم سبرتهموبلوت ما وصلوا
من السباب
سَباب ْ َ
ب ال ْ قّرب قاطعاوإذا المودة أقَر ُ فإذا القرابة ل ت ُ َ
قال البيهقي :ل أدري هذا موصول بكلم ابن عباس ،أو هو من قول من
دونه من الرواة ؟ )(1
وقال أبو إسحاق السبيعي ،عن أبي الحوص ،عن عبد الله بن مسعود ،
تف َ ما أ َل ّ ْ ميًعا َج ِض َ ما ِفي الْر ِ ت َ ق َ ف ْ رضي الله عنه ،سمعته يقول } :ل َوْ أ َن ْ َ
م { الية ،قال :هم المتحابون في الله ،وفي رواية :نزلت في ن قُُلوب ِهِ ْ ب َي ْ َ
المتحابين في الله.
رواه النسائي والحاكم في مستدركه ،وقال :صحيح )(2
مر ،عن ابن طاوس ،عن أبيه ،عن ابن عباس معْ َوقال عبد الرازق :أخبرنا َ
قال :إن الرحم لتقطع ،وإن النعمة لتكفر ،وإن الله إذا قارب بين القلوب
نت ب َي ْ َ ف َ ما أ َل ّ ْ
ميًعا َ ج ِ ض َ ما ِفي الْر ِ ت َ ق َ ف ْ لم يزحزحها شيء ،ثم قرأ } :ل َوْ أ َن ْ َ
م{ قُُلوب ِهِ ْ
ضا.رواه الحاكم أي ً
ُ
وقال أبو عمرو الوزاعي :حدثني عبدة بن أبي لَبابة ،عن مجاهد -ولقيته
فأخذ بيدي فقال :إذا تراءى المتحابان في الله ،فأخذ أحدهما بيد صاحبه ،
وضحك إليه ،تحاتت خطاياهما كما يتحات ورق الشجر .قال عبدة :فقلت
تق َ ف ْله :إن هذا ليسير! فقال :ل تقل ذلك ؛ فإن الله تعالى يقول } :ل َوْ أ َن ْ َ
م { ! .قال عبدة :فعرفت أنه أفقه ن قُُلوب ِهِ ْ ت ب َي ْ َ ف َ ما أ َل ّ ْ ميًعا َ ج ِض َ ما ِفي الْر ِ َ
مني )(3
وقال ابن جرير :حدثنا أبو كريب ،حدثنا ابن يمان ) (4عن إبراهيم الخوزي )
(5عن الوليد بن أبي مغيث ،عن مجاهد قال :إذا التقى المسلمان فتصافحا
غفر لهما ،قال :قلت لمجاهد :بمصافحة يغفر لهما ؟ فقال مجاهد :أما
م وَل َك ِ ّ
ن ن قُُلوب ِهِ ْ ت ب َي ْ َ ف َما أ َل ّ ْ
ميًعا َ
ج ِض َ ما ِفي الْر ِ ت َ ق َ سمعته يقول } :ل َوْ أ َن ْ َ
ف ْ
م { ؟ فقال الوليد لمجاهد :أنت أعلم مني. ف ب َي ْن َهُ ْه أ َل ّ َ
الل ّ َ
صّرف ،عن مجاهد. م َ وكذا روى طلحة بن ُ
وقال ابن عون ،عن عمير بن إسحاق قال :كنا نحدث ) (6أن أول ما يرفع
من الناس ] -أو قال :عن الناس[ ) - (7اللفة.
وقال الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ،رحمه الله :حدثنا
الحسين بن إسحاق
__________
) (1شعب اليمان للبيهقي برقم ).(9034
) (2النسائي في السنن الكبرى برقم ) (11210والمستدرك ).(2/329
) (3رواه الطبري في تفسيره ).(14/46
) (4في هـ " :حدثنا أبو يمان" والتصويب من د ،ك ،م ،والطبري.
) (5في د ،ك " :الجزري".
) (6في د ،ك " :نتحدث".
) (7زيادة من الطبري.
) (4/85
َ َ
ض
حّر ِ ي َ ن )َ (64يا أي َّها الن ّب ِ ّ مِني َمؤ ْ ِ ن ال ْ ُ م َك ِ ن ات ّب َعَ َ م ِ ه وَ َ ك الل ّ ُ سب ُ َ ح ْي َ َيا أي َّها الن ّب ِ ّ
ن ي َك ُ ْ
ن ن وَإ ِ ْ مائ َت َي ْ ِن ي َغْل ُِبوا ِ صاب ُِرو َ ن َ شُرو َ ع ْ م ِ من ْك ُ ْن ِ ن ي َك ُ ْ ل إِ ْ قَتا ِن عََلى ال ْ ِ مِني َ مؤ ْ ِ ال ْ ُ
َ َ
فف َ خ ّ
ن َ ن ) (65اْل َ َ قُهو َ ف َم َل ي َ ْ م قَوْ ٌ فُروا ب ِأن ّهُ ْ ن كَ َ ذي َ ن ال ّ ِ م َ فا ِة ي َغْل ُِبوا أل ْ ً مئ َ ٌم ِ من ْك ُ ْ ِ
ن إو ن ي تَ ئ ما بوا ل غي ة رب صا ةَ ئ م م ُ ك ن م ن ُ ك ي ن إ َ ف فاً ع ض م ُ ك في ن َ أ م ل ع و م ُ ك ن ع ه ّ ل ال
ِ َْ ِ َِ ْ ِ ْ َ ْ ِ ْ ْ ِ ٌ َ َِ ٌ َْ ُِ ُ َْ ْ َ َِ َ ّ ِ ْ َ ْ
ن )(66 ري
ّ ِ ِ َ ب صا ال ع م
ِ َ ُ َ َه ّ ل وال هّ ل ال ن ْ
ن بِ ِ ِ
ذ إ ف ي َغْل ُِبوا أ َل ْ َ
في ْ ِ م أ َل ْ ٌ
من ْك ُ ْ ن ِ ي َك ُ ْ
التستري ،حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري ،حدثنا سالم بن غيلن ،
سمعت جعدا أبا عثمان ،حدثني أبو عثمان النهدي ،عن سلمان الفارسي :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :إن المسلم إذا لقي أخاه
المسلم ،فأخذ بيده ،تحاتت عنهما ذنوبهما ،كما يتحات الورق عن الشجرة
اليابسة في يوم ريح عاصف ،وإل غفر لهما ولو كانت ذنوبهما مثل زبد البحار
)(2) (1
َ َ
ض
حّر ِ ي َ ن )َ (64يا أي َّها الن ّب ِ ّ مِني َمؤ ْ ِ ن ال ْ ُ م َ ك ِ ن ات ّب َعَ َ م ِ ه وَ َ ك الل ّ ُ سب ُ َ ح ْ ي َ } َيا أي َّها الن ّب ِ ّ
ن ي َك ُ ْ
ن ن وَإ ِ ْ مائ َت َي ْ ِ
ن ي َغْل ُِبوا ِ صاب ُِرو َ ن َ شُرو َ ع ْ م ِ من ْك ُ ْن ِ ن ي َك ُ ْ ل إِ ْ قَتا ِ ن عََلى ال ْ ِ مِني َ مؤ ْ ِ ال ْ ُ
َ ن كَ َ ّ ْ َ
فف َ خ ّن َ ن ) (65ال َ قُهو َ ف َم ل يَ ْ م قَوْ ٌ فُروا ب ِأن ّهُ ْ ذي َ ن ال ِ م َ فا ِ ة ي َغْل ُِبوا أل ً مائ َ ٌ م ِ من ْك ُ ْ ِ
َ ّ
ن
ن وَإ ِ ْ مائ َت َي ْ ِصاب َِرة ٌ ي َغْل ُِبوا ِ ة َ مائ َ ٌ
م ِ من ْك ُ ْن ِ ن ي َك ُ ْ فا فَإ ِ ْ ضعْ ً م َ ن ِفيك ُ ْ مأ ّ م وَعَل ِ َ ه عَن ْك ُ ْ الل ُ
ّ ّ ْ َ ْ َ ُ
ن ){ (66 ري َ صاب ِ ِ معَ ال ّ ه َ ن اللهِ َوالل ُ ن ب ِإ ِذ ْ ِ في ْ ِف ي َغْل ُِبوا أل َ م أل ٌ من ْك ْ ن ِ ي َك ُ ْ
يحرض تعالى نبيه ،صلوات الله وسلمه عليه ،والمؤمنين على القتال
ومناجزة العداء ومبارزة القران ،ويخبرهم أنه حسبهم ،أي :كافيهم
وناصرهم ومؤيدهم على عدوهم ،وإن كثرت أعدادهم وترادفت أمدادهم ،
ولو قل عدد المؤمنين.
قال ابن أبي حاتم :حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم ،حدثنا عبيد الله بن
موسى ،أنبأنا سفيان ،عن شوذب ) (3عن الشعبي في قوله َ } :يا أ َي َّها
ن { قال :حسبك الله ،وحسب من مِني َ مؤ ْ ِ ن ال ْ ُ م َ ك ِ ن ات ّب َعَ َ م ِ ه وَ َ ك الل ّ ُ سب ُ َ ح ْ ي َ الن ّب ِ ّ
شهد معك.
قال :وروي عن عطاء الخراساني ،وعبد الرحمن بن زيد ]بن أسلم[ )(4
مثله.
ْ َ ْ َ
ل { أي :حثهم وذمر ) قَتا ِ ن عَلى ال ِ مِني َ مؤ ْ ِ ض ال ُ حّر ِ ي َ ولهذا قال َ } :يا أي َّها الن ّب ِ ّ
(5عليه ،ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرض على القتال
عند صفهم ومواجهة العدو ،كما قال لصحابه يوم بدر ،حين أقبل
ددهم " :قوموا إلى جنة عرضها السموات ددهم وعُ َ المشركون في عَ َ
حمام :عرضها السموات والرض ؟! فقال رسول والرض" .فقال عمير بن ال ُ
الله صلى الله عليه وسلم " :نعم" فقال :بخ بخ ،فقال " :ما يحملك على
قولك بخ بخ ؟ " قال ) (6رجاء أن أكون من أهلها! قال " :فإنك من أهلها"
فتقدم الرجل فكسر جفن سيفه ،وأخرج تمرات فجعل يأكل منهن ،ثم ألقى
بقيتهن من يده ،وقال :لئن أنا حييت حتى آكلهن إنها لحياة طويلة! ثم تقدم
فقاتل حتى قتل ،رضي الله عنه )(7
__________
) (1في د ،ك ،أ " :البحر".
) (2المعجم الكبير ) (6/256وفيه " :مثل زبد البحر" وقال الهيثمي في
المجمع )" : (8/37رجاله رجال الصحيح غير سالم بن غيلن وهو ثقة".
) (3في هـ ،ك " :عن ابن شوذب" والمثبت من م ،أ ،والطبري.
) (4زيادة من أ.
) (5في أ " :وذمرهم".
) (6في ك " :فقال".
) (7رواه مسلم في صحيحه برقم ) (1901من حديث أنس ،رضي الله عنه.
) (4/86
وقد روي عن سعيد بن المسيب ،وسعيد بن جبير :أن هذه الية نزلت حين
أسلم عمر بن الخطاب ،وكمل به الربعون.
وفي هذا نظر ؛ لن هذه الية مدنية ،وإسلم عمر كان بمكة بعد الهجرة إلى
أرض الحبشة وقبل الهجرة إلى المدينة ،والله أعلم.
ن
صاب ُِرو َ ن َ شُرو َ ع ْ م ِ ُ
من ْك ْ ن ِ ن ي َك ُ ْ شًرا للمؤمنين وآمرا } :إ ِ ْ مب َ ّثم قال تعالى ُ
َ ّ ْ َ مائ َ ٌ ُ ُ
فُروا { كل واحد نك َ ذي َ ن ال ِ م َ فا ِ ة ي َغْل ُِبوا أل ً م ِمن ْك ْ ن ِ ن ي َك ْ ن وَإ ِ ْ مائ َت َي ْ ِ ي َغْل ُِبوا ِ
بعشرة ) (1ثم نسخ هذا المر وبقيت البشارة.
خّريت ) قال عبد الله بن المبارك :حدثنا جرير بن حازم ،حدثني الزبير بن ال ِ
ن
شُرو َ ع ْ م ِ من ْك ُ ْ
ن ِ ن ي َك ُ ْ (2عن عكرمة ،عن ابن عباس قال :لما نزلت } :إ ِ ْ
ن { شق ذلك على المسلمين حين فرض الله عليهم أل مائ َت َي ْ ِ ن ي َغْل ُِبوا ِ صاب ُِرو َ َ
م{ ُ
ه عَن ْك ْ ّ
ف الل ُ ف َ خ ّ
ن َ يفر واحد من عشرة ،ثم جاء التخفيف ،فقال } :ال َ
ن { قال :خفف الله عنهم من العدة ،ونقص من مائ َت َي ْ ِ إلى قوله } :ي َغْل ُِبوا ِ
الصبر بقدر ما خفف عنهم.
وروى البخاري من حديث ابن المبارك ،نحوه )(3
وقال سعيد بن منصور :حدثنا سفيان ،عن عمرو بن دينار ،عن ابن عباس
في هذه الية قال :كتب عليهم أل يفر عشرون من مائتين ،ثم خفف الله
ف الل ّه عَنك ُم وعَل ِ َ
فا { فل ينبغي ضعْ ً م َ ن ِفيك ُ ْ مأ ّ َ ُ ْ ْ َ ف َ خ ّ ن َ عنهم ،فقال } :ال َ
لمائة أن يفروا من مائتين.
وروى البخاري ،عن علي بن عبد الله ،عن سفيان ،به ونحوه )(4
وقال محمد بن إسحاق :حدثني ابن أبي نجيح ،عن عطاء ،عن ابن عباس ،
قال :لما نزلت هذه الية ثقلت على المسلمين ،وأعظموا أن يقاتل عشرون
نفا ،فخفف الله عنهم فنسخها بالية الخرى فقال } :ال َ مائتين ،ومائة أل ً
َ
فا { الية ،فكانوا إذا كانوا على الشطر ضعْ ًم َ ُ
ن ِفيك ْ مأ ّ م وَعَل ِ َ ه عَن ْك ُ ْ ف الل ّ ُف َ خ ّ َ
من عدو لهم ) (5لم ينبغ لهم أن يفروا من عدوهم ،وإذا كانوا دون ذلك ،لم
يجب عليهم قتالهم ،وجاز لهم أن يتحوزوا عنهم.
وروى علي بن أبي طلحة والعوفي ،عن ابن عباس ،نحو ذلك .قال ابن أبي
حاتم :وروي عن مجاهد ،وعطاء ،وعكرمة ،والحسن ،وزيد بن أسلم ،
وعطاء الخراساني ،والضحاك نحو ذلك.
وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه ،من حديث المسيب بن شريك ،عن ابن
نشُرو َ ع ْ م ِمن ْك ُ ْ ن ِن ي َك ُ ْ عون ،عن نافع ،عن ابن عمر ،رضي الله عنهما } :إ ِ ْ
ن { قال :نزلت فينا أصحاب محمد صلى الله عليه مائ َت َي ْ ِ ن ي َغْل ُِبوا ِ صاب ُِرو َ َ
وسلم.
__________
) (1في ك " :لعشرة".
) (2في هـ " :الزبير بن الحارث" والمثبت من د ،ك ،م الطبري.
) (3صحيح البخاري برقم ).(4653
) (4صحيح البخاري برقم ).(4652
) (5في د ،ك " :عدوهم".
) (4/87
،عن وروى الحاكم في مستدركه ،من حديث أبي عمرو بن العلء ،عن نافع
عَن ْك ُ ْ
م ف الل ّ ُ
ه ف َ خ ّ ن َ ابن عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ } :ال َ
وعَل ِ َ
فا { رفع ،ثم قال :صحيح السناد ولم يخرجاه )(1 ضعْ ً م َ ن ِفيك ُ ْ مأ ّ َ َ
ض الد ّن َْيا ر َ ع ن دو ري ت ض ر ال في ن خ
ِ ْ ث ي تى ح رى س َ أ ه َ ل ن كوُ ي ن َ أ ي ب ن ِ ل ن كا َ ما }
َ َ َ ُ ُ
ْ ِ ِ ِ َ ُ ّ َ َ ْ ُ َ َ ْ ِ ّ َ َ َ
سك ُ ْ
م م ّ سب َقَ ل َ َ ن الل ّهِ َ َ م
ِ ب
ٌ تا
َ ِ ك ول ْ َ ل ( 67 ) م
ٌ كي
ِ ح
َ ز
ٌ زي ِ َ ع ه
ُ ّ ل وال َ َ َ ة ر خ ِ ال ُ د ريَوالل َ ِ
ُ ي ه
ُ ّ
هّ
ن الل َ ه إِ ّ ّ
قوا الل َ َ
حلل طي ًّبا َوات ّ ُ م َ مت ُ ْ َ
ما غن ِ ْ م ّ ُ ُ
م ) (68فَكلوا ِ ظي ٌ ب عَ ِ ذا ٌ م عَ َ خذ ْت ُ ْ ما أ َ ِفي َ
م ){ (69 حي ٌ فوٌر َر ِ غَ ُ
قال المام أحمد :حدثنا علي بن عاصم ،عن حميد ،عن أنس ،رضي الله
عنه ،قال :استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في السارى
يوم بدر ،فقال " :إن الله قد أمكنكم منهم" فقام عمر بن الخطاب فقال :يا
رسول الله ،اضرب أعناقهم .فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم ،ثم
عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " :يا أيها الناس ،إن الله قد
أمكنكم منهم ،وإنما هم إخوانكم بالمس" .فقام عمر فقال :يا رسول الله ،
اضرب أعناقهم .فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم ،ثم عاد النبي
صلى الله عليه وسلم فقال للناس مثل ذلك ،فقام أبو بكر الصديق ،رضي
الله عنه ،فقال :يا رسول الله ،نرى أن تعفو عنهم ،وأن تقبل منهم الفداء.
قال :فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من
ول َ
الغم ،فعفا عنهم ،وقبل منهم الفداء .قال :وأنزل الله ،عز وجل } :ل ْ
سب َقَ { الية )(2 ن الل ّهِ َ م َ ب ِ ك َِتا ٌ
وقد سبق في أول السورة حديث ابن عباس في صحيح مسلم بنحو ذلك.
وقال العمش ،عن عمرو بن مرة ،عن أبي عبيدة ،عن عبد الله قال :لما
كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :ما تقولون في هؤلء )
(3السارى ؟ " قال :فقال أبو بكر :يا رسول الله ،قومك وأهلك ،
استبقهم واستتبهم ،لعل الله أن يتوب عليهم .قال :وقال عمر :يا رسول
الله ،أخرجوك ،وكذبوك ،فقدمهم فاضرب أعناقهم .قال :وقال عبد الله
بن رواحة :يا رسول الله ،أنت في واد كثير الحطب ،فأضرم الوادي عليهم
ناًرا ،ثم ألقهم فيه] .قال :فقال العباس :قطعت رحمك[ ) (4قال :فسكت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم شيًئا ،ثم قام فدخل فقال
ناس :يأخذ بقول أبي بكر .وقال ناس :يأخذ بقول عمر .وقال ناس :يأخذ
بقول عبد الله بن رواحة .ثم خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال " :إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن ،وإن الله
ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة ،وإن مثلك يا أبا بكر
صاِني ن عَ َ م ْ مّني وَ َ ه ِ ن ت َب ِعَِني فَإ ِن ّ ُ م ْ كمثل إبراهيم ،عليه السلم ،قال } :فَ َ
م { ]إبراهيم ، [36 :وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى ،عليه حي ٌ فوٌرَر ِ ك غَ ُ فَإ ِن ّ َ
َ
زيُز ت ال ْعَ ِ ك أن ْ َ م فَإ ِن ّ َ فْر ل َهُ ْ ن ت َغْ ِ ك وَإ ِ ْ عَباد ُ َ م ِ م فَإ ِن ّهُ ْ ن ت ُعَذ ّب ْهُ ْ السلم ،قال } :إ ِ ْ
م { ]المائدة ، [118 :وإن مثلك يا عمر مثل موسى كي ُ ح ِ ال ْ َ
__________
) (1المستدرك ).(2/239
) (2المسند ).(3/243
) (3في أ " :هذه".
) (4زيادة من د ،ك ،م ،والمسند والطبري.
) (4/88
َ
م َفل شد ُد ْ عََلى قُُلوب ِهِ ْ م َوا ْ وال ِهِ ْ س عََلى أ ْ
م َ م ْ عليه السلم ،قال َ } :رب َّنا اط ْ ِ
م { ]يونس ، [88 :وإن مثلك يا عمر كمثل نوح ب الِلي َ حّتى ي ََرُوا ال ْعَ َ
ذا َ مُنوا َي ُؤْ ِ
َ ْ َ
ن د َّياًرا { ]نوح : ري َ
ن الكافِ ِ م َ ض ِ ب ل ت َذ َْر عَلى الْر ِ عليه السلم ،قال َ } :ر ّ
، [26أنتم عالة فل ينفلتن أحد منهم إل بفداء أو ضربة عنق" .قال ابن
مسعود :قلت :يا رسول الله ،إل سهيل بن بيضاء ،فإنه يذكر السلم ،
فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع
ي حجارة من السماء مني في ذلك اليوم ،حتى قال رسول الله صلى الله عل ّ
ن َ َ
يأ ْ ن ل ِن َب ِ ّ
ما كا َ
عليه وسلم " :إل سهيل بن بيضاء" فأنزل الله تعالى َ } :
كون ل َ َ
سَرى { إلى آخر الية. هأ ْ يَ ُ َ ُ
رواه المام أحمد والترمذي ،من حديث أبي معاوية ،عن العمش ،والحاكم
في مستدركه ،وقال :صحيح السناد ولم يخرجاه ) (1وروى الحافظ أبو بكر
بن مردويه ،عن عبد الله بن عمر ،وأبي هريرة ،رضي الله عنهما ،عن
النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ) (2وفي الباب عن أبي أيوب النصاري.
وروى ابن مردويه أيضا -واللفظ له -والحاكم في مستدركه ،من حديث
عبيد الله بن موسى :حدثنا إسرائيل ،عن إبراهيم بن مهاجر ،عن مجاهد ،
عن ابن عمر قال :لما أسر السارى يوم بدر ،أسر العباس فيمن أسر ،
أسره رجل من النصار ،قال :وقد أوعدته النصار أن يقتلوه .فبلغ ذلك
للنبي صلى الله عليه وسلم ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إني
لم أنم الليلة من أجل عمي العباس ،وقد زعمت النصار أنهم قاتلوه" فقال
له عمر :فآتهم ؟ قال " :نعم" فأتى عمر النصار فقال لهم :أرسلوا العباس
فقالوا :ل والله ل نرسله .فقال لهم عمر :فإن كان لرسول الله صلى الله
عليه وسلم رضى ؟ قالوا :فإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم رضى
فخذه .فأخذه عمر فلما صار في يده قال له :يا عباس ،أسلم ،فوالله لن
تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب ،وما ذاك إل لما رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يعجبه إسلمك ،قال :فاستشار رسول الله صلى الله
عليه وسلم أبا بكر ،فقال أبو بكر :عشيرتك .فأرسلهم ،فاستشار عمر ،
فقال :اقتلهم ،ففاداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فأنزل الله :
كون ل َ َ َ
ض { ) (3الية. ن ِفي الْر ِ خ َ حّتى ي ُث ْ ِ سَرى َ هأ ْ ن يَ ُ َ ُ يأ ْ ن ل ِن َب ِ ّ ما َ
كا َ } َ
قال الحاكم :صحيح السناد ،ولم يخرجاه )(4
وقال سفيان الثوري ،عن هشام -هو ابن حسان -عن محمد بن سيرين ،
عن عبيدة ،عن علي ،رضي الله عنه ،قال :جاء جبريل إلى النبي صلى
خّير أصحابك في السارى :إن شاءوا الله عليه وسلم يوم بدر فقال َ :
الفداء ،وإن شاؤوا القتل على أن يقتل منهم مقبل مثلهم .قالوا :الفداء
ويقتل منا.
رواه الترمذي ،والنسائي ،وابن حبان في صحيحه من حديث الثوري ،به )
(5وهذا حديث غريب
__________
) (1المسند ) (1/383وسنن الترمذي برقم ) (3084والمستدرك )(3/21
وقال الترمذي " :هذا حديث حسن وأبو عبيدة بن عبد الله لم يسمع من
أبيه".
) (2ذكرهما السيوطي في الدر المنثور ).(107 ، 4/104
) (3في ك " :تكون".
) (4المستدرك ) (2/329وقال الذهبي " :على شرط مسلم".
) (5سنن الترمذي برقم ) (1567والنسائي في السنن الكبرى برقم )(8662
وقال الترمذي " :هذا حديث غريب من حديث الثوري ل نعرفه إل من حديث
ابن أبي زائدة".
) (4/89
جدا.
وقال ابن عون ]عن محمد بن سيرين[ ) (1عن عبيدة ،عن علي قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسارى يوم بدر " :إن شئتم قتلتموهم ،
وإن شئتم فاديتموهم واستمتعتم بالفداء ،واستشهد منكم بعدتهم" .قال :
فكان آخر السبعين ثابت بن قيس ،قتل يوم اليمامة ،رضي الله عنه )(2
ومنهم من روى هذا الحديث عن عبيدة مرسل ) (3فالله أعلم.
وقال محمد بن إسحاق ،عن ابن أبي نجيح ،عن عطاء ،عن ابن عباس :
كون ل َ َ َ
م { قال : ظي ٌ
ب عَ ِ ذا ٌ سَرى { فقرأ حتى بلغ } :عَ َ هأ ْن يَ ُ َ ُ يأ ْ ن ل ِن َب ِ ّ ما َ
كا َ } َ
غنائم بدر ،قبل أن يحلها لهم ،يقول :لول أني ل أعذب من عصاني حتى
أتقدم إليه ،لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم.
وكذا روى ابن أبي نجيح ،عن مجاهد.
وقال العمش :سبق منه أل يعذب أحدا شهد بدرا .وروى نحوه عن سعد بن
أبي وقاص ،وسعيد بن جبير ،وعطاء.
سب َقَ { ّ
ن اللهِ َ م َ ب ِ ول ك َِتا ٌ َ
وقال شعبة ،عن أبي هاشم ) (4عن مجاهد } :ل ْ
أي :لهم بالمغفرة ونحوه عن سفيان الثوري ،رحمه الله.
هّ
ن الل ِم َ ب ِ ول ك َِتا ٌ وقال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس في قوله } :ل َ ْ
سب َقَ { يعني :في أم الكتاب الول أن المغانم والسارى حلل لكم ، َ
م { قال الله تعالى : ظي َ ع ب َ
ذا َ ع } السارى من { م تْ ذ خ
َ } ل َمسك ُم فيما أ َ
ِ ٌ ٌ ُ ْ َ ّ ْ ِ َ
م { الية .وكذا روى العوفي ،عن ابن عباس .وروي مثله ْ ُ ْت م ِ نَ غ ما م ّ } فَك ُُلوا ِ
عن أبي هريرة ،وابن مسعود ،وسعيد بن جبير ،وعطاء ،والحسن
سب َقَ {ن الل ّهِ َ م َب ِ ول ك َِتا ٌ البصري ،وقتادة والعمش أيضا :أن المراد } ل َ ْ
لهذه المة بإحلل الغنائم وهو اختيار ابن جرير ،رحمه الله.
ويستشهد لهذا القول بما أخرجاه في الصحيحين ،عن جابر بن عبد الله ،
رضي الله عنه ،قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :أعطيت
خمسا ،لم يعطهن أحد من النبياء قبلي :نصرت بالرعب مسيرة شهر ،
وجعلت لي الرض مسجدا وطهورا ،وأحلت لي الغنائم ولم تحل لحد قبلي ،
وأعطيت الشفاعة ،وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة" )
(5
وقال العمش ،عن أبي صالح ،عن أبي هريرة ،رضي الله عنه ،قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :لم تحل
__________
) (1زيادة من المستدرك ودلئل النبوة.
) (2رواه الحاكم في المستدرك ) (2/140والبيهقي في دلئل النبوة )
(3/139من طريق إبراهيم بن عرعرة قال :أخبرنا أزهر ،عن ابن عون ،
عن محمد عن عبيدة ،عن علي به ،وقال ابن عرعرة " :رددت هذا على
أزهر فأبى إل أن يقول :عبيدة عن علي" وصححه الحاكم وقال " :على
شرط الشيخين".
) (3رواه الطبري في تفسيره ) (14/67من طريق ابن علية عن ابن عون
عن ابن سيرين عن عبيدة به مرسل.
) (4في د " :هشام".
) (5صحيح البخاري برقم ) (335وصحيح مسلم برقم ).(521
) (4/90
) (4/91
) (4/91
وبه ،عن ابن عباس قال :لما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
بدر ،والسارى محبوسون بالوثاق ،بات رسول الله صلى الله عليه وسلم
ساهرا أول الليل ،فقال له أصحابه :يا رسول الله ،ما لك ل تنام ؟ -وقد
أسر العباس رجل من النصار -فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"سمعت أنين عمي العباس في وثاقه" فأطلقوه ،فسكت ،فنام رسول الله
صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن إسحاق :وكان أكثر السارى يوم بدر فداء العباس بن عبد
موسرا فافتدى نفسه بمائة أوقية ذهبا )(1 المطلب ،وذلك أنه كان رجل ُ
وفي صحيح البخاري ،من حديث موسى بن عقبة ،قال ابن شهاب :حدثني
أنس بن مالك أن رجال من النصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه
ك لبن أختنا عباس فداءه .قال ) (2ل والله ل ن لنا فَل ْن َت ُْر ْ
وسلم فقالوا :ائذ َ ْ
ذرون منه درهما" )(3 تَ َ
وقال يونس بن ب ُك َْير ،عن محمد بن إسحاق ،عن يزيد بن ُرومان ،عن عُْرَوة
-وعن الزهري ،عن جماعة سماهم قالوا :بعثت قريش إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم في فداء أسراهم ،ففدى ) (4كل قوم أسيرهم بما
رضوا ،وقال العباس :يا رسول الله ،قد كنت مسلما! فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " :الله أعلم بإسلمك ،فإن يكن كما تقول فإن الله
ي أخيك :نوفل بن يجزيك ،وأما ظاهرك فقد كان علينا ،فافتد نفسك وابن ْ
عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب ،وحليفك الحارث بن عبد المطلب ،و َ
عتبة بن عمرو أخي بني الحارث بن فهر" قال :ما ذاك عندي يا رسول الله!
تقال " :فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل ؟ فقلت ) (5لها :إن أصب ُ
في سفري هذا ،فهذا المال الذي دفنته لَبني :الفضل ،وعبد الله ،وُقثم".
قال :والله يا رسول الله ،إني لعلم أنك رسول الله ،إن هذا لشيء ما
علمه أحد ) (6غيري وغيُر أم الفضل ،فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم
مني :عشرين أوقية من مال كان معي فقال ؟ رسول الله صلى الله عليه
وسلم " :ل ذاك شيء أعطانا الله تعالى منك" .ففدى نفسه وابني أخويه
َ َ
ن
م َ م ِ ديك ُ ْ ن ِفي أي ْ ِ م ْل لِ َ ي قُ ْ
وحليفه ،وأنزل الله ،عز وجل فيه َ } :يا أي َّها الن ّب ِ ّ
فْر ل َك ُ ْ
م م وَي َغْ ِمن ْك ُ ْ
خذ َ ِما أ ُ ِ
م ّ
خي ًْرا ِ م َ خي ًْرا ي ُؤْت ِك ُ ْ
م َه ِفي قُُلوب ِك ُ ْ ن ي َعْل َم ِ الل ّ ُ
سَرى إ ِ ْ ال ْ
م { ) (7قال العباس :فأعطاني الله مكان العشرين الوقية حي ٌ فوٌر َر ِ َوالل ّ ُ
ه غَ ُ
في السلم عشرين عبدا ،كلهم في يده مال يضرب به ،مع ما أرجو من
مغفرة الله ،عز وجل.
جيح ،عن عطاء ،عن ابن عباس وقد روى ابن إسحاق أيضا ،عن ابن أبي ن َ ِ
في هذه الية بنحو مما تقدم.
__________
) (1في د ،ك " :ذهب".
) (2في ك " :فقال".
) (3صحيح البخاري برقم ).(4026
) (4في ك " :يفادى".
) (5في د " :فقال".
) (6في أ " :بشر".
) (7في د " :السرى".
) (4/92
كيع ،حدثنا ابن إدريس ]عن ابن وقال ) (1أبو جعفر بن جرير :حدثنا ابن وَ ِ
جيح ،عن مجاهد ،عن ابن عباس قال :قال إسحاق [ ) (2عن ابن أبي ن َ ِ
ن ِفي حّتى ي ُث ْ ِ َ َ ُ َ ما َ
خ َ سَرى َ هأ ْ نل ُ ن ي َكو َ يأ ْن ل ِن َب ِ ّ
كا َ العباس :في نزلت َ } :
ي صلى الله عليه وسلم بإسلمي ،وسألته أن يحاسبني ض { فأخبرت النب ّ الْر ِ
بالعشرين الوقية التي أخذ ) (3مني ،فأبى ،فأبدلني الله بها عشرين عبدا ،
كلهم تاجر ،مالي في يده.
وقال ابن إسحاق أيضا :حدثني الكلبي ،عن أبي صالح ،عن ابن عباس ،عن
ي
جابر بن عبد الله ابن رئاب قال :كان العباس بن عبد المطلب يقول :ف ّ
نزلت -والله -حين ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إسلمي -ثم
ذكر نحو الحديث الذي قبله.
لي قُ ْ َ
جريج ،عن عطاء الخراساني ،عن ابن عباس َ } :يا أي َّها الن ّب ِ ّ وقال ابن ُ
َ
سَرى { عباس وأصحابه .قال :قالوا للنبي صلى الله ن ال ْ م َ ديك ُ ْ
م ِ ن ِفي أي ْ ِ م ْ لِ َ
عليه وسلم :آمنا بما جئت به ،ونشهد أنك رسول الله ،لننصحن لك على
خذ َ ما أ ُ ِم ّخي ًْرا ِ م َ خي ًْرا ي ُؤْت ِك ُ ْ
م َ ه ِفي قُُلوب ِك ُ ْ ن ي َعْل َم ِ الل ّ ُ
قومنا .فأنزل الله } :إ ِ ْ
م{ ُ
فْر لك َْ م { إيمانا وتصديقا ،يخلف ) (4لكم خيرا مما أخذ منكم } وَي َغْ ِ من ْك ُ ِْ
الشرك الذي كنتم عليه .قال :فكان العباس يقول :ما أحب أن هذه الية لم
م { فقد من ْك ُ ْ خذ َ ِ ما أ ُ ِ م ّخي ًْرا ِ م َ تنزل فينا ،وأن لي الدنيا ،لقد قال } :ي ُؤْت ِك ُ ْ
م { وأرجو أن فْر ل َك ُ ْ أعطاني خيرا مما أخذ مني مائة ضعف ،وقال } :وَي َغْ ِ
غفر لي. يكون )ُ (5
وقال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس في هذه الية :كان العباس أسر
يوم بدر ،فافتدى نفسه بأربعين أوقية من ذهب ،فقال العباس حين قرئت
خصلتين ،ما أحب أن لي بهما هذه الية :لقد أعطانا ) (6الله ،عز وجل َ ،
ديت نفسي بأربعين أوقية .فآتاني أربعين الدنيا :إني أسرت يوم بدر فَ َ
ف َ
عبدا ،وأنا أرجو المغفرة التي وعدنا الله ،جل ثناؤه.
وقال قتادة في تفسير هذه الية ُ :ذكر لنا أن رسول ) (7الله صلى الله عليه
وسلم لما قدم عليه مال البحرين ثمانون ألفا ،وقد توضأ لصلة الظهر ،فما
أعطى يومئذ ساكًتا ول حرم سائل وما صلى يومئذ حتى فرقه ،فأمر العباس
أن يأخذ منه ويحتثي ،فأخذ .قال :فكان العباس يقول :هذا خير مما أخذ منا
،وأرجو المغفرة.
وقال يعقوب بن سفيان :حدثنا عمرو بن عاصم ،حدثنا سليمان بن المغيرة ،
عن حميد بن هلل قال :بعث ابن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه
د .قال : وسلم من البحرين ثمانين ألفا ،ما أتاه مال أكثر منه ل َقب ُ
ل ول َبع ُ
فنثرت على حصير ونودي بالصلة .قال :وجاء رسول الله صلى الله عليه
وسلم ،فمثل قائما على المال ،
__________
) (1في ك " :وقال أيضا".
) (2زيادة من د ،ك ،م ،والطبري.
) (3في أ " :أخذت".
) (4في ك : :نخلف".
) (5في ك ،أ " :يكون قد".
) (6في أ " :أعطاه".
) (7في ك " :نبي".
) (4/93
ضا ] ،قال[ )(1 ن ،ما كان إل قَب ْ ً وجاء أهل المسجد فما كان يومئذ عدد ٌ ول وز ٌ
خميصة عليه ،وذهب يقوم فلم وجاء العباس بن عبد المطلب يحثى في َ
يستطع ،قال :فرفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :يا
رسول الله ،ارفع علي .قال :فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
خرج ضاحكه -أو :نابه -وقال له " :أعد ْ من المال طائفة ،وقم بما تطيق".
قال :ففعل ،وجعل العباس يقول -وهو منطلق : -أما إحدى اللتين وعدنا
ن ِفي ي قُ ْ َ
م ْ
ل لِ َ الله فقد أنجزنا ،وما ندري ما يصنع في الخرى َ } :يا أي َّها الن ّب ِ ّ
َ
سَرى { ) (2الية ،ثم قال :هذا خير مما أخذ منا ،ول أدري ما ن ال ْ
م َ ديك ُ ْ
م ِ أي ْ ِ
يصنع الله في الخرى ) (3فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم مائل
على ذلك المال ،حتى ما بقي منه درهم ،وما بعث إلى أهله بدرهم ،ثم أتى
الصلة فصلى )(4
حديث آخر في ذلك :قال الحافظ أبو بكر البيهقي :أنبأنا أبو عبد الله
الحافظ ،أخبرني أبو الطيب محمد بن محمد بن عبد الله السعيدي ،حدثنا
مان ،عن مش بن عصام ،حدثنا حفص بن عبد الله ،حدثنا إبراهيم بن ط َهْ َ ح َ
م ْ َ
عبد العزيز بن صهيب ،عن أنس بن مالك قال :أتي رسول الله صلى الله
عليه وسلم بمال من البحرين ،فقال " :انثروه في المسجد".
قال :وكان أكثر مال أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فخرج إلى
الصلة ولم يلتفت إليه ،فلما قضى الصلة جاء فجلس إليه .فما كان يرى
أحدا إل أعطاه ،إذ جاء العباس فقال :يا رسول الله ،أعطني فإني فاديت
عقيل .فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " :خذ". نفسي ،وفاديت َ
ي.
مْر بعضهم يرفعه إل ّ قله فلم يستطع ،فقال ُ : ّ فحثا في ثوبه ،ثم ذهب ي ُ ِ
ي .قال " :ل" فنثر منه ثم احتمله على ّ عل أنت قال " :ل" .قال :فارفعه
كاهله ،ثم انطلق ،فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعه بصره
حْرصه ،فما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم جًبا من ِ ي عنه ،عَ َ ف َ خ ِ
حتى َ
م منها درهم )(5 وث َ ّ
وقد رواه البخاري في مواضع من صحيحه تعليقا بصيغة الجزم ،يقول :
"وقال إبراهيم بن طهمان" ويسوقه ،وفي بعض السياقات أتم من هذا )(6
قد ْك { أي :فيما أظهروا لك من القوال } ،فَ َ خَيان َت َ َ دوا ِري ُ ن يُ ِوقوله } :وَإ ِ ْ
َ
م { أي : من ْهُ ْ
ن ِ َ
مك َل { أي :من قبل بدر بالكفر به } ،فَأ ْ ن قَب ْ ُم ْ ه ِخاُنوا الل ّ َ َ
م { أي :عليم بما يفعله ،حكيم فيه. كي ٌ
ح ِم َه عَِلي ٌ ّ
بالسار يوم بدر َ } ،والل ُ
سْرح الكاتب حين ارتد ، قال قتادة :نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي َ
ولحق بالمشركين.
__________
) (1زيادة من أ.
) (2في د " :السرى".
) (3في ك " :الخرة".
) (4ورواه الحاكم في المستدرك ) (3/329من طريق هاشم بن القاسم عن
سليمان بن المغيرة به نحوه ،وقال " :هذا حديث صحيح على شرط مسلم
ولم يخرجاه".
) (5السنن الكبرى ) (6/356ووقع فيه "محمد بن محمد بن عبد الله
الشعيري".
) (6صحيح البخاري برقم ).(3165 ، 3049 ، 421
) (4/94
جَرْيج ،عن عطاء الخراساني ،عن ابن عباس :نزلت في عباس وقال ابن ُ
وأصحابه ،حين قالوا :لننصحن لك على قومنا.
سد ّيّ على العموم ،وهو أشمل وأظهر ،والله أعلم. وفسرها ال ّ
ّ ّ َ َ
ن
ذي َ ل اللهِ َوال ِ سِبي ِم ِفي َ سهِ ْ
ف ِ م وَأن ْ ُ وال ِهِ ْم َ
دوا ب ِأ ْ جاهَ ُ جُروا وَ َها َ مُنوا وَ َ نآ َ ذي َ ن ال ّ ِ } إِ ّ
ن ُ َ َ ّ َ َ َ ُ
م ْم ِ ما لك ْ جُروا َ م ي َُها ِ
مُنوا وَل ْ نآ َ ذي َض َوال ِ م أوْل َِياُء ب َعْ ٍ ضهُ ْ
صُروا أولئ ِك ب َعْ ُ آوَْوا وَن َ َ
صُر ِإل ن ال م
ّ ِ َ ْ ُ ّ ْ ُ ك يَ لع َ ف ن دي ال في ْ ِ م ُ ك رو ص ن ت س
َِ ِ ْ َْ َ ُ ا ن إ و روا ج هاي تى
ْ َ ّ َُ ِ ُ ح ٍ ءي ش َ نم ِ ْ
م َولي َت ِهِ ْ
صيٌر ){ (72 ن بَ ِ مُلو َ ما ت َعْ َ ميَثاقٌ َوالل ّ ُ
ه بِ َ م ِ م وَب َي ْن َهُ ْ عََلى قَوْم ٍ ب َي ْن َك ُ ْ
ذكر تعالى أصناف المؤمنين ،وقسمهم إلى مهاجرين ،خرجوا من ديارهم
وأموالهم ،وجاؤوا لنصر الله ورسوله ،وإقامة دينه ،وبذلوا أموالهم وأنفسهم
في ذلك .وإلى أنصار ،وهم :المسلمون من أهل المدينة إذ ذاك ،آووا
إخوانهم المهاجرين في منازلهم ،وواسوهم في أموالهم ،ونصروا الله
ورسوله بالقتال معهم ،فهؤلء بعضهم أولى ببعض ) (1أي :كل منهم أحق
بالخر من كل أحد ؛ ولهذا آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين
ما علىوان ،فكانوا يتوارثون بذلك إرًثا مقد ً خ َالمهاجرين والنصار ،كل اثنين أ َ
القرابة ،حتى نسخ الله تعالى ذلك بالمواريث ،ثبت ذلك في صحيح
وفي ،وعلي بن أبي طلحة ،عنه )(3 البخاري ،عن ابن عباس ) (2ورواه العَ ْ
وقال ) (4مجاهد ،وعكرمة ،والحسن ،وقتادة ،وغيرهم.
كيع ،عن شريك ،عن عاصم ،عن أبي وائل ،عن قال المام أحمد :حدثنا وَ ِ
جرير -هو ابن عبد الله البجلي -رضي الله عنه -قال :قال رسول الله َ
صلى الله عليه وسلم " :المهاجرون والنصار أولياء بعضهم لبعض ،والطلقاء
من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض إلى يوم القيامة" تفرد به
أحمد )(5
رمة -يعني ابن إبراهيم ْ
عك ِوقال الحافظ أبو يعلى :حدثنا شيبان ) (6حدثنا ِ
قيق ،عن ابن مسعود قال :سمعت رسول الزدي -حدثنا عاصم ،عن َ
ش ِ
الله صلى الله عليه وسلم يقول " :المهاجرون والنصار ،والطلقاء من
قريش والعتقاء من ثقيف ،بعضهم أولياء بعض في الدنيا والخرة" .هكذا
رواه في مسند عبد الله بن مسعود )(7
__________
) (1في د ،ك ،م ،أ " :بعضهم أولياء بعض".
) (2صحيح البخاري برقم ).(6747
) (3رواه الطبري في تفسيره ).(14/78
) (4في أ " :وقاله".
) (5المسند ).(4/363
) (6في د " :سفيان".
) (7مسند أبي يعلى ) (8/446وفيه عكرمة بن إبراهيم ،ضعيف.
) (4/95
وقد أثنى الله ورسوله على المهاجرين والنصار في غير ما آية في )(1
من ات ّب َُعوهُ ْ ذي َصارِ َوال ّ ِ ن َوالن ْ َ ري َ ج ِ مَها ِ ن ال ْ ُ م َ ن ِ ن الوُّلو َ قو َ ساب ِ ُ كتابه ،فقال َ } :وال ّ
َ َ
حت ََها الن َْهاُر { ري ت َ ْ ج ِ ت تَ ْ جّنا ٍ م َ ه وَأعَد ّ لهُ ْ ضوا عَن ْ ُ م وََر ُ ه عَن ْهُ ْ ي الل ّ ُ ض َ ن َر ِ سا ٍ ح َ ب ِإ ِ ْ
صاِر ن وال ن ري ج
ِّ ّ َ ُ َ ِ ِ َ َ ْ َ ها م ْ لوا ي بن ال لى َ ع
ُ َ ه ّ لال ب ْ َ َ تا د َ ق َ ل } : وقال ، [ 100 : ]التوبة الية
سَرةِ { الية] .التوبة ، [117 :وقال تعالى : ساعَةِ ال ْعُ ْ ن ات ّب َُعوه ُ ِفي َ ذي َ ال ّ ِ
َ ُ
ن
م َ ضل ِ ن فَ ْ م ي َب ْت َُغو َ وال ِهِ ْ
م َ م وَأ ْ ن ِديارِهِ ْ م ْ جوا ِ خرِ ُ نأ ْ ذي َ ن ال ّ ِ ري َ ج ِ مَها ِ قَراِء ال ْ ُ ف َ} ل ِل ْ ُ
ّ َ ُ َ ّ
داَر ن ت َب َوُّءوا ال ّ ذي َ ن َوال ِ صادُِقو َ م ال ّ ك هُ ُ ه أولئ ِ َ سول ُ ه وََر ُ ن الل َ صُرو َ واًنا وَي َن ْ ُ ض َالل ّهِ وَرِ ْ
ما م ّ ة ِ ج ً
حا َم َ دورِهِ ْ ص ُ ن ِفي ُ دو َ ج ُ م َول ي َ ِ جَر إ ِل َي ْهِ ْ ها َ ن َ م ْ ن َ حّبو َ م يُ ِ ن قَب ْل ِهِ ْ م ْ ن ِما َ َوالي َ
َ
م وَلوْ َ َ َ ُ
ة { الية ]الحشر .[9 ، 8 : ص ٌ صا َ خ َ م َ ن ب ِهِ ْ كا َ سهِ ْ ف ِ ن عَلى أن ْ ُ أوُتوا وَي ُؤْث ُِرو َ
ما ُأوُتوا { أي : م ّ ة ِ ج ً حا َ م َ دورِهِ ْ ص ُ ن ِفي ُ دو َ ج ُ وأحسن ما قيل في قوله َ } :ول ي َ ِ
ل يحسدونهم على فضل ما أعطاهم الله على هجرتهم ،فإن ظاهر اليات
تقديم المهاجرين على النصار ،وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء ،ل
يختلفون في ذلك ،ولهذا قال المام أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق
مر ،حدثنا مسلم بن إبراهيم ،حدثنا معْ َ البزار في مسنده :حدثنا محمد بن َ
حماد بن سلمة ،عن علي بن زيد ،عن سعيد بن المسيب ،عن حذيفة قال :
ل الله صلى الله عليه وسلم بين الهجرة والنصرة ،فاخترت خّيرني رسو ُ َ
الهجرة )(2
ثم قال :ل نعرفه إل من هذا الوجه.
م { ]قرأ حمزة : ن َولي َت ِهِ ْ
م ْ
م ِ ُ َ
ما لك ْ
جُروا َ مُنوا وَل َ ْ
م ي َُها ِ نآ َ وقوله َ } :وال ّ ِ
ذي َ
ن
م ْدللة[ )ِ } (3 دللة وال ّ "وليتهم" بالكسر ،والباقون بالفتح ،وهما واحد كال ّ
جُروا { هذا هو الصنف الثالث من المؤمنين ،وهم الذين آمنوا حّتى ي َُها ِيٍء َش ْ َ
واديهم ،فهؤلء ليس لهم في المغانم نصيب ، ولم يهاجروا ،بل أقاموا في ب َ َ
خمسها إل ما حضروا فيه القتال ،كما قال المام أحمد : ول في ُ
مْرَثد ،عن سليمان بن ب َُرْيدة ،عن حدثنا َوكيع ،حدثنا سفيان ،عن علقمة بن َ
صيب السلمي ،رضي الله عنه ،قال :كان رسول الله ح َأبيه :ب َُرْيدة بن ال ُ
صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرا على سرية أو جيش ،أوصاه في خاصة
نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيًرا ،وقال " :اغزوا باسم الله
في سبيل الله ،قاتلوا من كفر بالله ،إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم
إلى إحدى ثلث خصال -أو :خلل -فأيتهن ما أجابوك ) (4إليها فاقبل منهم ،
ف عنهم :ادعهم إلى السلم ،فإن أجابوك فاقبل منهم ،وكف عنهم ،ثم وك ُ ّ
ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين ،وأعلمهم إن فعلوا ذلك أن
لهم ما للمهاجرين ،وأن عليهم ما على المهاجرين .فإن أبوا واختاروا دارهم
فأعلمهم أنهم يكونون كأعراب
__________
) (1في د ،أ " :من".
) (2مسند البزار برقم )" (2718كشف الستار" وفيه علي بن زيد ،ضعيف.
) (3زيادة من د ،م ،أ.
) (4في أ " :ما أجابوا".
) (4/96
المسلمين ،يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ،ول يكون
لهم في الفيء والغنيمة نصيب ،إل أن يجاهدوا مع المسلمين ،فإن هم أبوا
فادعهم إلى إعطاء الجزية .فإن أجابوا فاقبل منهم وكف عنهم ،فإن أبوا
فاستعن بالله ثم قاتلهم".
انفرد به ) (1مسلم ،وعنده زيادات أخر )(2
ُ َ
صُر ِإل عَلى قَوْم ٍ ب َي ْن َك ْ
م م الن ّ ْ ن فَعَل َي ْك ُ ُ صُروك ُ ْ
دي ِم ِفي ال ّ ست َن ْ َ نا ْ وقوله } :وَإ ِ ِ
صيٌر { يقول تعالى :وإن استنصروكم هؤلء ن بَ ِملو َ ُ ما ت َعْ َ ه بِ َ ّ
ميَثاقٌ َوالل ُ م ِوَب َي ْن َهُ ْ
العراب ،الذين لم يهاجروا في قتال ديني ،على عدو لهم فانصروهم ،فإنه
واجب عليكم نصرهم ؛ لنهم إخوانكم في الدين ،إل أن يستنصروكم على
ميَثاقٌ { أي :مهادنة إلى مدة ،فل تخفروا م ِم وَب َي ْن َهُ ْ قوم من الكفار } ب َي ْن َك ُ ْ
ذمتكم ،ول تنقضوا أيمانكم مع الذين عاهدتم .وهذا مروي عن ابن عباس ،
رضي الله عنه.
َ
ض وَفَ َ
ساد ٌ ة ِفي الْر ِ ن فِت ْن َ ٌفعَُلوه ُ ت َك ُ ْ ض ِإل ت َ ْ
م أوْل َِياُء ب َعْ ٍ ضهُ ْ فُروا ب َعْ ُ ن كَ َ } َوال ّ ِ
ذي َ
ك َِبيٌر ){ (73
ضهم أولياء بعض ،قطع الموالة بينهم وبين لما ذكر تعالى أن المؤمنين بع ُ
الكفار ،كما قال الحاكم في مستدركه :
حدثنا محمد بن صالح بن هانئ ،حدثنا أبو سعد ) (3يحيى بن منصور
الهروي ،حدثنا محمد بن أبان ،حدثنا محمد بن يزيد وسفيان بن حسين ،عن
الزهري ،عن علي بن الحسين ،عن عمرو بن عثمان ،عن أسامة ،عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " :ل يتوارث أهل ملتين ،ول يرث مسلم
فروا بعضه َ
ض ِإل
م أوْل َِياُء ب َعْ ٍ
َْ ُ ُ ْ ن كَ َ ُ كافًرا ،ول كافر مسلما" ،ثم قرأ َ } :وال ّ ِ
ذي َ
ساد ٌ ك َِبيٌر { ثم قال الحاكم :صحيح السناد ض وَفَ َ
ة ِفي الْر ِ فعَُلوه ُ ت َك ُ ْ
ن فِت ْن َ ٌ تَ ْ
ولم يخرجاه )(4
قلت :الحديث في الصحيحين من رواية أسامة بن زيد قال :قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " :ل يرث المسلم الكافر ول الكافر المسلم" ) (5وفي
المسند والسنن ،من حديث عمرو بن شعيب ،عن أبيه ،عن جده قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :ل يتوارث أهل ملتين شتى" ) (6وقال
الترمذي :حسن صحيح.
وقال أبو جعفر بن جرير :حدثنا محمد ] ،عن محمد بن ثور[ ) (7عن معمر ،
عن الزهري :أن
__________
) (1في أ " :انفرد بإخراجه".
) (2المسند ) (5/352وصحيح مسلم برقم ).(1731
) (3في جميع النسخ " :أبو سعيد" والتصويب من كتب الرجال.
) (4المستدرك ).(2/240
) (5صحيح البخاري برقم ) (6764وصحيح مسلم برقم ).(1614
) (6المسند ) (2/195وسنن أبي داود برقم ) (2911ولم أقع عليه في سنن
الترمذي ،وإنما أشار إليه عند حديث أسامة بن زيد ،والله أعلم.
) (7زيادة من م ،أ ،والطبري.
) (4/97
رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ على رجل دخل في السلم فقال :
"تقيم الصلة ،وتؤتي الزكاة ،وتحج البيت ،وتصوم رمضان ،وأنك ل ترى نار
مشرك إل وأنت له حرب" )(1
وهذا مرسل من هذا الوجه ،وقد روي متصل من وجه آخر ،عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم :أنه قال " :أنا بريء من كل مسلم بين ظهراني
المشركين" ،ثم قال " :ل يتراءى ناراهما" )(2
وقال أبو داود في آخر كتاب الجهاد :حدثنا محمد بن داود بن سفيان ،
أخبرني يحيى بن حسان ،أنبأنا سليمان بن موسى أبو داود ،حدثنا جعفر بن
دب ]حدثني خبيب بن سليمان ،عن أبيه سليمان بن جن ْ ُ
مَرة بن ُ
س ُ
سعد بن َ
سمرة[ ) (3عن سمرة بن جندب :أما بعد ،قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " :من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله" )(4
مْرد َُويه ،من حديث حاتم بن إسماعيل ،عن عبد وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن َ
الله بن هرمز ،عن محمد وسعيد ابنى عبيد ،عن أبي حاتم ) (5المزني
قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إذا أتاكم من ت َْرضون دينه
وخلقه فأنكحوه إل تفعلوا ) (6تكن فتنة في الرض وفساد عريض" .قالوا :يا
رسول الله ،وإن كان ؟ قال " :إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه"
ثلث مرات.
وأخرجه أبو داود والترمذي ،من حديث حاتم بن إسماعيل ،به بنحوه )(7
جلن ،عن ابن ثم ُرويَ من حديث عبد الحميد بن سليمان ،عن ابن ) (8عَ ْ
صري ) (9عن أبي هريرة ،رضي الله عنه ،قال :قال رسول الله ة الن ّ ْ
َوثيم َ
صلى الله عليه وسلم " :إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ،إل
تفعلوا ) (10تكن فتنة في الرض وفساد عريض" )(11
ساد ٌ ك َِبيٌر { أي :إنض وَفَ َ
ة ِفي الْر ِ فعَُلوه ُ ت َك ُ ْ
ن فِت ْن َ ٌ ومعنى قوله تعالى ِ } :إل ت َ ْ
لم تجانبوا المشركين وتوالوا المؤمنين ،وإل وقعت الفتنة في الناس ،وهو
التباس المر ،واختلط المؤمن بالكافر ،فيقع بين الناس فساد منتشر طويل
عريض.
__________
) (1تفسير الطبري ).(14/82
) (2رواه أبو داود في السنن برقم ) (2645والترمذي في السنن برقم )
(1604والنسائي في السنن ) (8/36من حديث جرير بن عبد الله ،رضي
الله عنه.
) (3زيادة من د ،ك ،م ،وأبي داود.
) (4سنن أبي داود برقم ).(2787
) (5في أ " :حازم".
) (6في ك " :تفعلوه".
) (7رواه أبو داود في المراسيل برقم ) (224والترمذي في السنن برقم )
.(1085
) (8في أ " :أبي".
) (9في أ " :ابن أبي وثيمة النصري".
) (10في ك " :تفعلوه".
) (11ورواه الترمذي في السنن برقم ) (1084من طريق عبد الحميد بن
سليمان به ،وقال " :حديث أبي هريرة قد خولف عبد الحميد ابن سليمان
في هذا الحديث ،ورواه الليث بن سعد عن ابن عجلن عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم مرسل ثم قال :وحديث الليث أشبه ،ولم يعد
حديث عبد الحميد محفوظا".
) (4/98
) (4/99
عامة تشمل جميع القرابات .كما نص ابن عباس ،ومجاهد ،وعكرمة ،
والحسن ،وقتادة وغير واحد :على أنها ناسخة للرث بالحلف والخاء اللذين
كانوا يتوارثون بهما أو ل وعلى هذا فتشمل ذوي الرحام بالسم الخاص .ومن
لم يورثهم يحتج بأدلة من أقواها حديث " :إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه
صّية لوارث" ،قالوا :فلو كان ذا حق لكان له فرض في كتاب الله ،فل و ِ
مسمى ،فلما لم يكن كذلك لم يكن وارثا ،والله أعلم.
آخر ]تفسير[ ) (1سورة "النفال" ،ولله الحمد والمنة ،وعليه )] (2الثقة و[
) (3التكلن وهو حسبنا ونعم الوكيل.
__________
) (1زيادة من أ.
) (2في أ " :وبه".
) (3زيادة من أ.
) (4/100
]بسم الله الرحمن الرحيم ،وبه أستعين وهو حسبي ونعم الوكيل[ )(1
تفسير سورة التوبة )(2
مدنية )(3
حوا ِفي سي ُ ن ) (1فَ ِ كي َ شرِ ِ م ْ ْ
ن ال ُ م َ م ِ عاهَد ْت ُ ْ ن َ ذي َ ّ َ
سول ِهِ إ ِلى ال ِ ّ
ن اللهِ وََر ُ م َ } ب ََراَءة ٌ ِ
ْ
زي ال َ ّ َ ّ َ َ َ ض أ َْرب َعَ َ
ن)ري َكافِ ِ خ ِ
م ْه ُ ن الل َ زي اللهِ وَأ ّ ج ِ معْ ِ م غَي ُْر ُ موا أن ّك ُ ْ ةأ ْ
شهُرٍ َواعْل ُ الْر ِ
{ (2
هذه السورة الكريمة من أواخر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه
وسلم ،كما قال البخاري.
حدثنا ]أبو[ ) (4الوليد ،حدثنا شعبة ،عن أبي إسحاق قال :سمعت البراء
كلل َةِ { ]النساء : م ِفي ال ْ َ فِتيك ُ ْ ه يُ ْل الل ّ ُ ك قُ ِ فُتون َ َ ست َ ْ يقول :آخر آية نزلت } :ي َ ْ
[176وآخر سورة نزلت براءة ).(5
وإنما ل يبسمل ) (6في أولها لن الصحابة لم يكتبوا البسملة في أولها في
المصحف المام ،والقتداء في ذلك بأمير المؤمنين عثمان بن عفان ،رضي
الله عنه وأرضاه ،كما قال الترمذي :
حدثنا محمد بن بشار ،حدثنا يحيى بن سعد ،ومحمد بن جعفر ) (7وابن أبي
جميلة ) (8أخبرني يزيد سْهل بن يوسف قالوا :حدثنا عوف بن أبي َ عَدِيّ ،و َ
الفارسي ،أخبرني ابن عباس قال :قلت لعثمان بن عفان :ما حملكم أن
عمدتم إلى النفال ،وهي من المثاني ،وإلى براءة وهي من المئين ،فقرنتم
حيم ِ { ن الّر ِ م ِ
ح َ سم ِ الل ّهِ الّر ْ ) (9بينهما ،ولم تكتبوا بينهما سطر } ب ِ ْ
ول ،ما حملكم على ذلك ؟ فقال عثمان : ووضعتموها ) (10في السبع الط ّ ّ
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان وهو ُينزل )(11
عليه السور ذوات العدد ،فكان إذا نزل عليه الشيُء دعا بعض من كان يكتب
ذكر فيها كذا وكذا ،فإذا نزلت ،فيقول :ضعوا هذه اليات في السورة التي ي ُ ْ
) (12عليه الية فيقول " :ضعوا هذه ) (13في السورة التي يذكر فيها كذا
وكذا" ،وكانت النفال من أول ما نزل ) (14بالمدينة ،وكانت براءة من آخر
ت أنها منها ،وقبض رسول حسب ْ ُ القرآن ،وكانت قصتها شبيهة بقصتها ) (15و َ
الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها ،فمن أجل ذلك قرنت بينهما
حيم ِ { فوضعتها في السبع ن الّر ِ م ِ ح َ سم ِ الل ّهِ الّر ْ ،ولم أكتب بينهما سطر } ب ِ ْ
الطول ).(16
__________
) (1زيادة من ك.
) (2في ك " :براءة".
) (3زيادة من ك.
) (4زيادة من د ،ك ،والبخاري.
) (5صحح البخاري برقم ).(4645
) (6في ك " :ل تبسمل".
) (7في د ،ك " :محمد بن أبي جعفر".
) (8في ت " :حملة".
) (9في د " :وقرنتم".
) (10في د " :ووضعتموهما".
) (11في ت " :تنزل".
) (12في ت " :أنزلت".
) (13في ك ،أ " :هذه الية".
) (14في ت ،أ " :نزلت".
) (15في ت " :بعضها".
) (16سنن الترمذي برقم ).(3086
) (4/101
وكذا رواه أحمد ،وأبو داود ،والنسائي ،وابن حّبان في صحيحه ،والحاكم
في مستدركه ،من طرق أخر ،عن عوف العرابي ،به ) (1وقال الحاكم :
صحيح السناد ولم يخرجاه.
وأول هذه السورة الكريمة نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،لما
رجع من غزوة تبوك وهم بالحج ،ثم ُذكر أن المشركين يحضرون عامهم هذا
الموسم على عادتهم في ذلك ،وأنهم يطوفون بالبيت عراة فكره مخالطتهم
،فبعث أبا بكر الصديق ،رضي الله عنه ،أميًرا على الحج هذه السنة ،ليقيم
للناس مناسكهم ،ويعلم المشركين أل يحجوا بعد عامهم هذا ،وأن ينادي في
الناس ببراءة ،فلما قفل أتبعه بعلي بن أبي طالب ليكون مبلًغا عن رسول
صَبة له ،كما سيأتي بيانه. الله صلى الله عليه وسلم ،لكونه عَ َ
سول ِهِ { أي :هذه براءة ،أي :تبرؤ من الله ن الل ّهِ وََر ُ م َ فقوله } :ب ََراَءة ٌ ِ
َ ْ
ةض أْرب َعَ َ حوا ِفي الْر ِ سي ُ َ
نف ِ كي َمشرِ ِ ْ ن ال ُ م َ
م ِ عاهَد ْت ُ ْ ن َ ذي َ ورسوله } إ َِلى ال ّ ِ
شهُرٍ {أَ ْ
اختلف المفسرون ها هنا اختلفا كثيرا ،فقال قائلون :هذه الية لذوي العهود
المطلقة غير المؤقتة ،أو من له عهد دون أربعة أشهر ،فيكمل له أربعة
أشهر ،فأما من كان له عهد مؤّقت فأجله إلى مدته ،مهما كان ؛ لقوله
َ
ن { ]التوبة : قي َ ب ال ْ ُ
مت ّ ِ ح ّ ن الل ّ َ
ه يُ ِ م إِ ّ مد ّت ِهِ ْم إ َِلى ُ م عَهْد َهُ ْ موا إ ِل َي ْهِ ْ تعالى } :فَأت ِ ّ
[4ولما سيأتي في الحديث " :ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه
وسلم عهد فعهده إلى مدته" .وهذا أحسن القوال وأقواها ،وقد اختاره ابن
ي ،وغير واحد. قَرظ ِ ّ جرير ،رحمه الله ،وُروي عن الكلبي ومحمد بن كعب ال ُ
هّ
ن الل ِ م َ وقال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس في قوله } :ب ََراَءةٌ ِ
َ َ
شهُرٍ {ةأ ْ ض أْرب َعَ َ حوا ِفي الْر ِ سي ُ ن فَ ِ كي َشرِ ِ م ْن ال ْ ُ
م َ م ِ عاهَد ْت ُ ْن َ ذي َ سول ِهِ إ َِلى ال ّ ِ
وََر ُ
قال :حد الله للذين عاهدوا رسوله أربعة أشهر ،يسيحون في الرض حيثما
خ الشهر الحرم ] ،من يوم النحر شاءوا ،وأجل أجل من ليس له عهد ،انسل َ
إلى انسلخ المحرم ،فذلك خمسون ليلة ،فإذا انسلخ الشهر الحرم [ )(2
أمره بأن يضع السيف فيمن ل عهد له.
وكذا رواه العوفي ،عن ابن عباس.
وقال ]الضحاك[ ) (3بعد قوله :فذلك خمسون ليلة :فأمر الله نبيه إذا
انسلخ المحرم أن يضع السيف فيمن لم يكن بينه وبينه عهد ،يقتلهم حتى
يدخلوا في السلم .وأمر ممن كان له عهد إذا انسلخ أربعة أشهر من يوم
النحر إلى عشر خلون من ربيع الخر ،أن يضع فيهم السيف ) (4حتى يدخلوا
في السلم.
وقال أبو معشر المدني :حدثنا محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا :بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الموسم سنة تسع ،
وبعث علي بن أبي طالب بثلثين آية أو أربعين آية من "براءة" فقرأها
__________
) (1المسند ) (1/57وسنن أبي داود برقم ) (786والنسائي في السنن
الكبرى برقم ) (8007والمستدرك ).(2/330
) (2زيادة من ت ،م.
) (3زيادة من ت ،م.
) (4من ت " :السيف أيضا".
) (4/102
َ َ
ن
م َ ريٌء ِ ِ ه بَ ج اْل َك ْب َرِ أ ّ
ن الل ّ َ م ال ْ َ
ح ّ س ي َوْ َِ سول ِهِ إ َِلى الّنا ن الل ّهِ وََر ُ م َن ِ وَأَذا ٌ
َ
م غَي ُْرموا أن ّك ُ ْم َفاعْل َ ُ ن ت َوَل ّي ْت ُ ْ
م وَإ ِ ْخي ٌْر ل َك ُ ْم فَهُوَ َ ه فَإ ِ ْ
ن ت ُب ْت ُ ْ سول ُ ُن وََر ُ كي َ
شرِ ِ م ْال ْ ُ
ب أ َِليم ٍ )(3 ذا ٍ فُروا ب ِعَ َ ن كَ َ ذي َ شرِ ال ّ ِ زي الل ّهِ وَب َ ّ ج ِمعْ ِ ُ
) (4/103
مؤّذنين ،بعثهم يوم ) (1النحر ُ ،يؤّذنون بمنى :أل يحج بعد جة في ال ُ ح ّ
تلك ال َ
ي
العام مشرك ،ول يطوف ) (2بالبيت عريان .قال حميد :ثم أردف النب ّ
صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب ،فأمره أن ي ُؤَّذن ببراءة .قال أبو
ي في أهل منى يوم النحر ببراءة وأل يحج بعد العام ن معنا عل ّهريرة :فأذ ّ َ
مشرك ،ول يطوف بالبيت عريان )(3
شَعيب ،عن الزهري ،أخبرني ورواه البخاري أيضا :حدثنا أبو اليمان ،أخبرنا ُ
حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال :بعثني أبو بكر فيمن ُيؤّذن يوم النحر
عريان ،ويوم الحج بمنى :ل يحج بعد العام مشرك ،ول يطوف ) (4بالبيت ُ
الكبر يوم النحر ،وإنما قيل " :الكبر" ،من أجل قول الناس " :الحج
الصغر" ،فَن َب َذ َ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام ،فلم يحج عام حجة الوداع
الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مشرك.
وهذا لفظ البخاري في كتاب "الجهاد" )(5
مر ،عن الزهري ،عن ابن المسيب ،عن أبي معْ َ
وقال عبد الرزاق ،عن َ
سول ِهِ { قال :لمان الل ّهِ وََر ُم َهريرة ،رضي الله عنه ،في قوله } :ب ََراَءة ٌ ِ
جعِّرانة ،ثم أمَر أبا
كان النبي صلى الله عليه وسلم زمن حنين ،اعتمر من ال ِ
دث أن بكر على تلك الحجة -قال معمر :قال الزهري :وكان أبو هريرة يح ّ
أبا بكر أمَر أبا هريرة أن يؤذن ببراءة في حجة أبي بكر ) (6قال أبو هريرة :
ثم أتبعنا النبي صلى الله عليه وسلم عليا ،وأمره أن يؤذن ببراءة ،وأبو بكر
على الموسم كما هو ،أو قال :على هيئته )(7
جعّرانة وهذا السياق فيه غرابة ،من جهة أن أمير ) (8الحج كان سنة عمرة ال ِ
إنما هو عَّتاب بن أسيد ،فأما أبو بكر إنما كان أميًرا سنة تسع.
وقال أحمد :حدثنا محمد بن جعفر ،حدثنا شعبة ،عن مغيرة ،عن الشعبي ،
محّرر بن أبي هريرة ،عن أبيه قال :كنت مع علي بن أبي طالب ،حين عن ُ
بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة "ببراءة" ،فقال :ما
كنتم تنادون ؟ قال :كنا ننادي :أل يدخل الجنة إل مؤمن ،ول يطوف بالبيت
عريان ،ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فإن أجله
ده -إلى أربعة أشهر ،فإذا مضت الربعة الشهر فإن الله بريءم َ
) - (9أو أ َ
من المشركين ورسوله ،ول يحج هذا البيت بعد العام مشرك .قال :فكنت )
صحل صوتي )(11 (10أنادي حتى َ
__________
) (1في ك " :بعثهم في يوم ".
) (2في ك ،أ " :يطوفن".
) (3صحيح البخاري برقم ).(4655
) (4في أ " :ول يطوفن".
) (5صحيح البخاري برقم ).(3177
) (6في أ " :في حجة أبي بكر بمكة".
) (7الذي في تفسير عبد الرزاق هو ما جاء في الصحيح ولعله رواه في
المصنف.
) (8في ت " :أمر".
) (9في أ " :فأجله".
) (10في ت " :وكنت".
) (11المسند ).(2/299
) (4/104
) (4/105
عن حنش ،عن علي ،رضي الله عنه ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين بعثه ب"براءة" قال :يا نبي الله ،إني لست باللسن ول بالخطيب ،قال
" :ما ب ُد ّ لي أن أذهب بها أنا أو تذهب بها أنت" .قال :فإن كان ول بد ّ
فسأذهب أنا .قال " :انطلق ) (1فإن الله يثبت لسانك ويهدي قلبك" .قال :
ثم وضع يده على فيه )(2
َ
وقال المام أحمد :حدثنا سفيان ،عن أبي إسحاق ،عن زيد بن ي ُثيع -رجل
مدان : -سألنا عليا :بأي شيء بعثت ؟ يعني :يوم بعثه النبي صلى من هَ ْ
الله عليه وسلم مع أبي بكر في الحجة ،قال :بعثت بأربع :ل يدخل الجنة إل
نفس مؤمنة ،ول يطوف بالبيت عريان ،ومن كان بينه وبين النبي صلى الله
عليه وسلم عهد فعهده ) (3إلى مدته ،ول يحج المشركون والمسلمون بعد
عامهم هذا.
ورواه الترمذي عن قلبة ،عن سفيان بن عيينة ،به ) (4وقال :حسن
صحيح.
كذا قال ،ورواه شعبة ،عن أبي إسحاق فقال :عن زيد بن ي َُثيع ) (5وهم
فيه .ورواه الثوري ،عن أبي إسحاق ،عن بعض أصحابه ،عن علي ،رضي
الله عنه.
وقال ابن جرير :حدثنا ابن وكيع ،حدثنا أبو أسامة ،عن زكريا ،عن أبي
إسحاق ،عن زيد بن ي َُثيع ،عن علي قال :بعثني رسول الله صلى الله عليه
وسلم حين أنزلت "براءة" بأربع :أل يطوف بالبيت عريان ،ول يقرب
المسجد الحرام مشرك بعد عامهم هذا ،ومن كان بينه وبين رسول الله
صلى الله عليه وسلم عهد فهو إلى مدته ،ول يدخل الجنة إل نفس مؤمنة )
(6
ثم رواه ابن جرير ،عن محمد بن عبد العلى ،عن ابن ثور ،عن معمر ،عن
أبي إسحاق ،عن الحارث ،عن علي قال :أمرت بأربع .فذكره )(7
وقال إسرائيل ،عن أبي إسحاق ،عن زيد بن ي َُثيع قال :نزلت براءة فبعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر ،ثم أرسل علًيا ،فأخذها منه ،فلما
رجع أبو بكر قال :نزل ) (8في شيء ؟ قال " :ل ولكن أمرت أن أبلغها أنا
أو رجل من أهل بيتي" .فانطلق إلى أهل مكة ،فقام فيهم بأربع :ل يدخل
مكة مشرك بعد عامه هذا ،ول يطوف بالبيت عريان ،ول يدخل الجنة إل
نفس مسلمة ،ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد ،
فعهده إلى مدته )(10) (9
__________
) (1في أ " :فانطلق".
) (2زوائد المسند ) (1/150وفي إسناده أسباط بن نصر وحنش بن المعتمر
متكلم فيهما.
) (3في د " :فعهدته".
) (4المسند ) (1/79وسنن الترمذي برقم ).(3092
) (5في أ " :أثيل".
) (6تفسير الطبري ).(14/106
) (7تفسير الطبري ).(14/105
) (8في ت " :هل نزل".
) (9في ك " :إلى مدته هنا".
) (10رواه الطبري في تفسيره ) (14/107من طريق إسرائيل به.
) (4/106
) (4/107
) (4/108
وروى شعبة وغيره ،عن عبد الملك بن عمير ،به نحوه .وهكذا ) (1رواه
هشيم وغيره ،عن الشيباني عن عبد الله بن أبي أوفى.
وقال العمش ،عن عبد الله بن سنان قال :خطبنا المغيرة بن شعبة يوم
الضحى على بعير فقال :هذا يوم الضحى ،وهذا يوم النحر ،وهذا يوم الحج
الكبر.
رمة ،عن ابن عباس أنه قال : ْ
عك ِماك ،عن ِس َ
وقال حماد بن سلمة ،عن ِ
الحج الكبر ،يوم النحر.
جَبير ،وعبد الله بن شداد بن الهاد ، حْيفة ،وسعيد بن ُ
ج َ
وكذا روي عن أبي ُ
رمة ، ْ
عك ِخِعي ،ومجاهد ،و ِ
جَبير بن مطعم ،والشعبي ،وإبراهيم الن ّ َ ونافع بن ُ
وأبي جعفر الباقر ،والزهري ،وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنهم قالوا :
يوم الحج الكبر هو يوم النحر .واختاره ابن جرير .وقد تقدم الحديث عن أبي
هريرة في صحيح البخاري :أن أبا بكر بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى ،وقد
ورد في ذلك أحاديث أخر ،كما قال المام أبو جعفر بن جرير :حدثني سهل
بن محمد السجستاني ،حدثنا أبو جابر الحرمي ،حدثنا هشام بن الغاز
الجرشي -عن نافع ،عن ابن عمر قال :وقف رسول الله صلى الله عليه
وسلم يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع ،فقال " :هذا يوم الحج
الكبر" )(2
مْرُدويه من حديث أبي جابر -واسمه محمد وهكذا رواه ابن أبي حاتم ،وابن َ
بن عبد الملك ،به ،ورواه ابن مردويه أيضا من حديث الوليد بن مسلم ،عن
هشام بن الغاز ،به .ثم رواه من حديث سعيد بن عبد العزيز ،عن نافع ،به.
مداني ،عن رجل من أصحاب مّرة عن مرة الهَ ْ
وقال شعبة ،عن عمرو بن ُ
النبي صلى الله عليه وسلم قال :قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
على ناقة حمراء مخضرمة ،فقال " :أتدرون أي يوم يومكم هذا ؟" قالوا :
يوم النحر .قال " :صدقتم ،يوم الحج الكبر" )(3
وقال ابن جرير :حدثنا أحمد بن المقدام ،حدثنا يزيد بن ُزَريع ،حدثنا ابن
عون ،عن محمد بن سيرين ،عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ،عن أبيه قال :
لما كان ذلك اليوم ،قعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعير له ،
وأخذ الناس بخطامه -أو :زمامه -فقال " :أي يوم هذا ؟" قال :فسكتنا
حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه ،فقال " :أليس هذا يوم الحج الكبر" )
(4
وهذا إسناد صحيح ،وأصله مخرج في الصحيح.
وقال أبو الحوص ،عن شبيب بن غرقدة ،عن سليمان بن عمرو بن الحوص
،عن أبيه قال :
__________
) (1في ت ،ك " :وكذا".
) (2تفسير الطبري ).(14/124
) (3رواه الطبري في تفسيره ).(14/125
) (4تفسير الطبري ) (14/123وأصله في صحيح البخاري برقم )(4406
وصحيح مسلم برقم ).(1679
) (4/109
ظاهُِروا عَل َي ْك ُ ْ
م م يُ َ شي ًْئا وَل َ ْ م َ صوك ُ ْ ق ُ م ي َن ْ ُم لَ ْ ن ثُ ّ كي َشرِ ِ م ْ ن ال ْ ُم َم ِ عاهَد ْت ُ ْ ن َ ذي َ َ إ ِّل ال ّ ِ
َ ْ ّ َ َ َ
خسل َ ن ) (4فَإ َِذا ان ْ َ قي َ مت ّ ِ
ب ال ُ ح ّ ه يُ ِن الل َ م إِ ّ مد ّت ِهِ ْم إ ِلى ُ م عَهْد َهُ ْ موا إ ِلي ْهِ ْ دا فَأت ِ ّ ح ًأ َ
م
صُروهُ ْ ح ُ م َوا ْذوهُ ْ خ ُ م وَ ُ موهُ ْ جد ْت ُ ُ ث وَ َ حي ْ ُ ن َ كي َشرِ ِ م ْ م َفاقْت ُُلوا ال ْ ُ حُر ُ شهُُر ال ْ ُ اْل َ ْ
َ َ
سِبيل َهُ ْ
م خّلوا َ وا الّز َ
كاةَ فَ َ صَلة َ وَآت َ ُ موا ال ّ ن َتاُبوا وَأَقا ُ صد ٍ فَإ ِ ْ مْر َ ل َ م كُ ّ دوا ل َهُ ْ َواقْعُ ُ
م )(5 حي ٌ فوٌر َر ِ ه غَ ُ ّ
ن الل َ إِ ّ
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ،فقال " :أي يوم
هذا ؟" فقالوا :اليوم الحج الكبر )(1
وعن سعيد بن المسيب أنه قال :يوم الحج الكبر اليوم الثاني من يوم النحر.
رواه ابن أبي حاتم .وقال مجاهد أيضا :يوم الحج الكبر أيام الحج كلها.
وكذا قال أبو عبيد ،قال سفيان " :يوم الحج" ،و"يوم الجمل" ،و"يوم
صفين" أي :أيامه كلها.
وقال سهل السراج :سئل الحسن البصري عن يوم الحج الكبر ،فقال :ما
لكم وللحج الكبر ،ذاك عام حج فيه أبو بكر ،الذي استخلفه رسول الله
صلى الله عليه وسلم فحج بالناس .رواه ابن أبي حاتم.
كيع ،حدثنا أبو أسامة ،عن ابن عون :سألت وقال ابن جرير :حدثنا ابن وَ ِ
محمدا -يعني ابن سيرين -عن يوم الحج الكبر فقال :كان يوما وافق فيه
حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حج أهل الوبر )(2
م َ
م ي ُظاهُِروا عَلي ْك ُ ْ َ َ
شي ًْئا وَل ْ م َ صوك ُ ْ ق ُم ي َن ْ ُ م لَ ْ ن ثُ ّ كي َ شرِ ِ م ْ ن ال ْ ُ م َ م ِ عاهَد ْت ُ ْ ن َ ذي َ } ِإل ال ّ ِ
َ َ
ن ){ (4 قي َ ب ال ْ ُ
مت ّ ِ ح ّ ه يُ ِن الل ّ َ م إِ ّ مد ّت ِهِ ْ م إ َِلى ُ م عَهْد َهُ ْ موا إ ِل َي ْهِ ْ دا فَأت ِ ّ ح ًأ َ
هذا استثناء من ضرب مدة التأجيل بأربعة أشهر ،لمن له عهد مطلق ليس
بمؤقت ،فأجله ،أربعة أشهر ،يسيح في الرض ،يذهب فيها لينجو بنفسه
حيث شاء ،إل من له عهد مؤقت ،فأجله إلى مدته المضروبة التي عوهد
عليها ،وقد تقدمت الحاديث " :ومن كان له عهد مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم فعهده إلى مدته" وذلك بشرط أل ينقض المعاهد عهده ،ولم
يظاهر على المسلمين أحدا ،أي :يمالئ عليهم من سواهم ،فهذا الذي
يوفى له بذمته وعهده ) (3إلى مدته ؛ ولهذا حرض ) (4الله تعالى على
ن { أي :الموفين بعهدهم. قي َ مت ّ ِ ب ال ْ ُ ح ّ ه يُ ِ ن الل ّ َ الوفاء بذلك فقال } :إ ِ ّ
مذوهُ ْ خ ُ م وَ ُ موهُ ْ جد ْت ُ ُث وَ َ حي ْ ُ ن َ كي َشرِ ِ م ْ م َفاقْت ُُلوا ال ْ ُ حُر ُ شهُُر ال ْ ُ خ ال ْ سل َ َ} فَإ َِذا ان ْ َ
َ
كاةَوا الّز َ صلة َ َوآت َ ُ موا ال ّ ن َتاُبوا وَأَقا ُ صدٍ فَإ ِ ْ مْر َ ل َ م كُ ّ دوا ل َهُ ْ م َواقْعُ ُ صُروهُ ْ ح ُ َوا ْ
م ){ (5 حي ٌ فوٌر َر ِ ه غَ ُ ن الل ّ َ م إِ ّ سِبيل َهُ ْ خّلوا َ فَ َ
اختلف المفسرون في المراد بالشهر الحرم هاهنا ،ما هي ؟ فذهب ابن
محُر ٌ ة ُ من َْها أ َْرب َعَ ٌ
جرير إلى أنها ]الربعة[ ) (5المذكورة في قوله تعالى ِ } :
م { الية ]التوبة ، [36 :قاله أبو سك ُ ْ ف َ ن أ َن ْ ُ موا ِفيهِ ّ م َفل ت َظ ْل ِ ُ ن ال ْ َ
قي ّ ُ دي ُ ك ال ّ ذ َل ِ َ
جعفر الباقر ،لكن قال ابن جرير :آخر الشهر الحرم في حقهم المحرم
وهذا الذي ذهب إليه حكاه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ،وإليه ذهب
ضا ،وفيه نظر ، الضحاك أي ً
__________
) (1رواه الترمذي في السنن برقم ) (2159عن هناد عن أبي الحوص به
بأطول منه ،وقال " :هذا حديث حسن صحيح".
) (2تفسير الطبري ).(14/121
) (3في ت " :بعهده وذمته".
) (4في ت " :فرض".
) (5زيادة من ت ،أ.
) (4/110
والذي يظهر من حيث السياق ما ذهب إليه ابن عباس في رواية العوفي
عنه ،وبه قال مجاهد ،وعمرو بن شعيب ،ومحمد بن إسحاق ،وقتادة ،
والسدي ،وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم :أن المراد بها أشهر التسيير
ة أَ ْ
شهُرٍ { ض أ َْرب َعَ َ
حوا ِفي الْر ِ الربعة المنصوص عليها في قوله } :فَ ِ
سي ُ
م { أي :إذا انقضت الشهر حُر ُ ْ سل َ َ
خ ال ْ
شهُُر ال ُ ل } فَإ َِذا ان ْ َ
م َقا َ
]التوبة [2 :ث ُ ّ
الربعة التي حرمنا عليكم فيها قتالهم ،وأجلناهم فيها ،فحيثما وجدتموهم
فاقتلوهم ؛ لن عود العهد على مذكور أولى من مقدر ؛ ثم إن الشهر الربعة
المحرمة سيأتي بيان حكمها في آية أخرى بعد في هذه السورة الكريمة.
م { أي :من الرض .وهذا عام ، موهُ ْجد ْت ُ ُ ث وَ َ حي ْ ُ
ن َ كي َ شرِ ِ م ْ وقوله َ } :فاقْت ُُلوا ال ْ ُ
عن ْد َ
م ِ قات ُِلوهُ ْ
والمشهور تخصيصه بتحريم القتال في الحرم بقوله َ } :ول ت ُ َ
م { ]البقرة [191 : م َفاقْت ُُلوهُ ْن َقات َُلوك ُ ْ م ِفيهِ فَإ ِ ْ قات ُِلوك ُ ْ حّتى ي ُ َ حَرام ِ َ جدِ ال ْ َس ِ م ْال ْ َ
م { أي :وأسروهم ،إن شئتم قتل وإن شئتم أسرا. ذوهُ ْ خ ُوقوله } :وَ ُ
صد ٍ { أي :ل تكتفوا بمجرد مْر َ ل َ م كُ ّ دوا ل َهُ ْ م َواقْعُ ُ صُروهُ ْ ح ُ وقوله َ } :وا ْ
وجدانكم لهم ،بل اقصدوهم بالحصار في معاقلهم وحصونهم ،والرصد في
طرقهم ومسالكهم حتى تضيقوا عليهم الواسع ،وتضطروهم إلى القتل أو
َ
سِبيل َهُ ْ
م خّلوا َ كاة َ فَ َ وا الّز َ
صلة َ َوآت َ ُ موا ال ّ ن َتاُبوا وَأَقا ُ السلم ؛ ولهذا قال } :فَإ ِ ْ
م{ حي ٌ فوٌر َر ِ ن الل ّ َ
ه غَ ُ إِ ّ
ولهذا اعتمد الصديق ،رضي الله عنه ،في قتال مانعي الزكاة على هذه الية
الكريمة وأمثالها ،حيث حرمت قتالهم بشرط هذه الفعال ،وهي الدخول
في السلم ،والقيام بأداء واجباته .ونبه بأعلها على أدناها ،فإن أشرف
الركان بعد الشهادة الصلة ،التي هي حق الله ،عز وجل ،وبعدها أداء
الزكاة التي هي نفع متعد إلى الفقراء والمحاويج ،وهي أشرف الفعال
المتعلقة بالمخلوقين ؛ ولهذا كثيرا ما يقرن الله بين الصلة والزكاة ،وقد جاء
في الصحيحين ) (1عن ابن عمر ،رضي الله عنهما ،عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أنه قال " :أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ) (2أن ل إله
دا رسول الله ،ويقيموا الصلة ،ويؤتوا الزكاة" الحديث. إل الله وأن محم ً
وقال أبو إسحاق ،عن أبي عبيدة ،عن عبد الله بن مسعود ،رضي الله
عنه ،قال :أمرتم بإقام الصلة وإيتاء الزكاة ،ومن لم يزك فل صلة له.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم :أبى الله أن يقبل الصلة إل بالزكاة ،
وقال :يرحم الله أبا بكر ،ما كان أفقهه.
وقال المام أحمد :حدثنا علي بن إسحاق ،أنبأنا عبد الله بن المبارك ،أنبأنا
حميد الطويل ،عن أنس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل الله وأن محمدا
__________
) (1في ت ،أ " :الصحيح".
) (2في ت " :يقولوا"
) (4/111
رسول الله ،فإذا شهدوا أن ل إله إل الله وأن محمدا رسول الله ،واستقبلوا
قبلتنا ،وأكلوا ذبيحتنا ،وصلوا صلتنا ،فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إل
بحقها ،لهم ما للمسلمين ،وعليهم ما عليهم".
ورواه البخاري في صحيحه وأهل السنن إل ابن ماجه ،من حديث عبد الله
بن المبارك ،به )(1
وقال المام أبو جعفر بن جرير :حدثنا عبد العلى بن واصل السدي ،حدثنا
عبيد الله بن موسى ،أخبرنا أبو جعفر الرازي ،عن الربيع بن أنس ]عن
أنس[ ) (2قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :من فارق الدنيا
على الخلص لله وحده ،وعبادته ل يشرك به شيئا ،فارقها والله عنه راض"
-قال :وقال أنس :هو دين الله الذي جاءت به الرسل وبلغوه عن ربهم ،
قبل هرج الحاديث ،واختلف الهواء ،وتصديق ذلك في كتاب الله في آخر
خّلوا وا الّز َ
كاةَ فَ َ َ
صلة َ َوآت َ ُ
موا ال ّ ن َتاُبوا وَأَقا ُما أنزل ،قال الله تعالى } :فَإ ِ ْ
م { -قال :توبتهم خلع الوثان ،وعبادة ربهم ،وإقام الصلة ،وإيتاء سِبيل َهُ َْ
َ
وا الّزكاةَ َ َ َ
صلة َ َوآت َ ُ موا ال ّ ن َتاُبوا وَأقا ُ
الزكاة ،ثم قال في آية أخرى } :فإ ِ ْ
ن { )] (3التوبة [11 : دي ِم ِفي ال ّ وان ُك ُ ْ فَإ ِ ْ
خ َ
ورواه ابن مردويه.
ورواه محمد بن نصر المروزي في كتاب "الصلة" له :حدثنا إسحاق بن
سْلم ) (4حدثنا أبو جعفر الرازي ،به سواء )(5 كام بن ِ ح ّ إبراهيم ،أنبأنا َ
وهذه الية الكريمة هي آية السيف التي قال فيها الضحاك بن مزاحم :إنها
نسخت كل عهد بين النبي ) (6صلى الله عليه وسلم وبين أحد من المشركين
،وكل عهد ،وكل مدة.
وقال العوفي ،عن ابن عباس في هذه الية :لم يبق لحد من المشركين
عهد ول ذمة ،منذ نزلت براءة وانسلخ الشهر الحرم ،ومدة من كان له عهد
من المشركين قبل أن تنزل ) (7أربعة أشهر ،من يوم أذن ببراءة إلى عشر
من أول شهر ربيع الخر.
وقال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس في هذه الية ،قال :أمره الله
تعالى أن يضع السيف فيمن عاهد إن لم يدخلوا في السلم ،ونقض ما كان
سمي لهم من العقد والميثاق ،وأذهب الشرط الول.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا إسحاق بن موسى النصاري قال :
قال سفيان ) (8قال
__________
) (1المسند ) (3/199وصحيح البخاري برقم ) (392وسنن أبي داود برقم )
(2641وسنن الترمذي برقم ) (2608وسنن النسائي ).(8/109
) (2زيادة من ت ،أ ،والطبري.
) (3تفسير الطبري ) (14/135ورواه ابن ماجة في السنن برقم ) (70من
طريق عبيد الله بن موسى بنحوه ،وقال البوصيري في الزوائد ): (1/56
"هذا إسناد ضعيف ،الربيع بن أنس ضعيف هنا".
) (4في ك " :سلمة".
) (5تعظيم قدر الصلة برقم ).(1
) (6في أ " :رسول الله".
) (7في ت ،ك ،أ " :تنزل براءة".
) (8في ت ،ك ،أ " :سفيان بن عيينة".
) (4/112
علي بن أبي طالب :بعث النبي صلى الله عليه وسلم بأربعة أسياف :سيف
ث
حي ْ ُن َكي َ
شرِ ِ م ْ في المشركين من العرب ) (1قال الله َ } :فاقْت ُُلوا ال ْ ُ
م [ { )(2 ذوهُ ْ خ ُ
م ]وَ ُ موهُ ْجد ْت ُ ُ
وَ َ
هكذا رواه مختصرا ،وأظن أن السيف الثاني هو قتال أهل الكتاب في قوله :
هم الل ّ ُ حّر َ
ما َن َ مو َحّر ُ خرِ َول ي ُ َ ن ِبالل ّهِ َول ِبال ْي َوْم ِ ال ِ
مُنو َن ل ي ُؤْ ِ } َقات ُِلوا ال ّ ِ
ذي َ
ورسول ُه ول يدينون دين ال ْحق من ال ّذي ُ
ن
ة عَ ْ
جْزي َ َ طوا ال ْ ِحّتى ي ُعْ ُ ب َ ن أوُتوا ال ْك َِتا َ ِ َ َ ّ ِ َ ََ ُ ُ َ َ ِ ُ َ ِ َ
ن { ]التوبة [29 :والسيف الثالث :قتال المنافقين في صاِغُرو َ م َ ي َد ٍ وَهُ ْ
م[ { ]التوبة : َ ْ ُ ْ ْ ُ ْ َ
ن ]َواغلظ عَلي ْهِ ْ قي َ مَنافِ ِ فاَر َوال ُ جاهِدِ الك ّ ي َ قوله َ } :يا أي َّها الن ّب ِ ّ
ن
م َ
ن ِ فَتا ِ َ
ن طائ ِ َ ، 73والتحريم (3) [9 :والرابع :قتال الباغين في قوله } :وَإ ِ ْ
قات ُِلوا ال ِّتي َ
خَرى فَ َ ما عََلى ال ْ داهُ َ
ح َ ت إِ ْ ن ب َغَ ْ ما فَإ ِ ْ حوا ب َي ْن َهُ َ صل ِ ُن اقْت َت َُلوا فَأ ْ مِني َ مؤ ْ ِ ال ْ ُ
مرِ الل ّهِ { ]الحجرات [9 : َ
فيَء إ َِلى أ ْ حّتى ت َ ِ ت َب ِْغي َ
ثم اختلف المفسرون في آية السيف هذه ،فقال الضحاك والسدي :هي
داًء { ]محمد [4 :وقال قتادة ما فِ َ مّنا ب َعْد ُ وَإ ِ ّ ما َ منسوخة بقوله تعالى } :فَإ ِ ّ
بالعكس.
َ ّ مع َ َ َ جاَر َ ْ } وإ َ
ه
م أب ْل ِغْ ُ م اللهِ ث ُ ّ كل َ س َ حّتى ي َ ْ جْرهُ َ ك فَأ ِ ست َ َ نا ْ كي َ شرِ ِ م ْ ن ال ُ مَ َ حد ٌ ِ نأ َ َِ ْ
َ ه ذ َل ِ َ ْ
ن ){ (6 مو َ م ل ي َعْل ُ م قَوْ ٌ ك ب ِأن ّهُ ْ من َ ُ
مأ َ َ
ن{ كي ر ش ْ م ْ ل ا ن م د ح يقول تعالى لنبيه ،صلوات الله وسلمه عليه } :وإن أ َ
ِ َ ِ ُ َ ِ ٌ َ ْ َِ
الذين أمرتك بقتالهم ،وأحللت لك استباحة نفوسهم وأموالهم ،
م الل ّهِ { أي كل َ مع َ َ س َ حّتى ي َ ْ ك { أي :استأمنك ،فأجبه إلى طلبته } َ جاَر َ ست َ َ }ا ْ
] :القرآن[ ) (4تقرؤه عليه وتذكر له شيئا من ]أمر[ ) (5الدين تقيم عليه به ً
ه { أي :وهو آمن مستمر المان حتى يرجع إلى حجة الله } ،ث ُم أ َبلغه ْ
من َ ُمأ َ ّ ِْ ْ ُ َ
ن { أي :إنما شرعنا أمان َ َ َ َ َ
مو َ م ل ي َعْل ُ م قو ْ ٌ بلده وداره ومأمنه } ،ذل ِك ب ِأن ّهُ ْ
مثل هؤلء ليعلموا دين الله ،وتنتشر دعوة الله في عباده.
وقال ابن أبي نجيح ،عن مجاهد ،في تفسير هذه الية ،قال :إنسان يأتيك
يسمع ما تقول وما أنزل عليك ،فهو آمن حتى يأتيك فيسمع كلم الله ،وحتى
يبلغ مأمنه ،حيث جاء.
ومن هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي المان لمن جاءه ،
دا أو في رسالة ،كما جاءه يوم الحديبية جماعة من الرسل من مسترش ً
مكَرز بن حفص ،وسهيل بن عمرو ، ْ قريش ،منهم :عروة بن مسعود ،و ِ
دا بعد واحد ،يترددون في القضية بينه وبين المشركين ،فرأوا وغيرهم واح ً
من إعظام المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بهرهم وما لم
يشاهدوه عند ملك ول قيصر ،فرجعوا إلى قومهم فأخبروهم بذلك ،وكان
ذلك وأمثاله من أكبر أسباب هداية أكثرهم.
__________
) (1في ت ،د " :سيف في المشركين وسيف في العرب".
) (2زيادة من أ.
) (3زيادة من أ.
) (4زيادة من ت ،د ،ك ،أ.
) (5زيادة من ت ،د ،ك ،أ.
) (4/113
ولهذا أيضا لما قدم رسول مسيلمة الكذاب على رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال له " :أتشهد ) (1أن مسيلمة رسول الله ؟" قال :نعم .فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :لول أن الرسل ل تقتل لضربت عنقك" )
(2وقد قيض الله له ضرب العنق في إمارة ابن مسعود على الكوفة ،وكان
يقال له :ابن النواحة ،ظهر عنه في زمان ابن مسعود أنه يشهد لمسيلمة
بالرسالة ،فأرسل إليه ابن مسعود فقال له :إنك الن لست في رسالة ،
وأمر به فضربت عنقه ،ل رحمه الله ولعنه.
والغرض أن من قدم من دار الحرب إلى دار السلم في أداء رسالة أو تجارة
،أو طلب صلح أو مهادنة أو حمل جزية ،أو نحو ذلك من السباب ،فطلب
من المام أو نائبه أماًنا ،أعطي أماًنا ما دام متردًدا في دار السلم ،وحتى
يرجع إلى مأمنه ووطنه .لكن قال العلماء :ل يجوز أن يمكن من القامة في
دار السلم سنة ،ويجوز أن يمكن من إقامة أربعة أشهر ،وفيما بين ذلك
فيما ) (3زاد على أربعة أشهر ونقص عن سنة قولن ،عن المام الشافعي
وغيره من العلماء ،رحمهم الله.
__________
) (1في ك " :أما تشهد".
) (2رواه أحمد في المسند ) (3/487وأبو داود في السنن برقم ) (2761من
طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن سعد بن طارق عن سلمة
بن نعيم عن أبيه قال :كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه رسل
مسيلمة ،فذكر نحوه.
) (3في ت " :ما".
) (4/114
عن ْد َم ِ عاهَد ْت ُ ْ ن َ ذي َ سول ِهِ ِإل ال ّ ِ عن ْد َ َر ُعن ْد َ الل ّهِ وَ ِ ن عَهْد ٌ ِ كي َشرِ ِ م ْ ن ل ِل ْ ُكو ُ ف يَ ُ } ك َي ْ َ
ن) قي َ مت ّ ِب ال ْ ُ ح ّ ه يُ ِ ن الل ّ َ م إِ ّ موا ل َهُ ْ قي ُ م َفا ْ
ست َ ِ موا ل َك ُ ْ قا ُ ست َ َما ا ْ حَرام ِ فَ َ جدِ ال ْ َ س ِ م ْ ال ْ َ
{ (7
يبين تعالى ) (1حكمته في البراءة من المشركين ونظرته إياهم أربعة أشهر ،
ن
كو ُ ف يَ ُ ثم بعد ذلك السيف المرهف أين ثقفوا ،فقال تعالى } :ك َي ْ َ
ن عَهْد ٌ { وأمان ويتركون فيما هم فيه وهم مشركون بالله كافرون ) كي َ شرِ ِ م ْ ل ِل ْ ُ
حَرام ِ { يعني يوم جدِ ال ْ َ س ِم ْعن ْد َ ال ْ َ م ِ عاهَد ْت ُ ْ ن َ ذي َ (2به وبرسوله ِ } ،إل ال ّ ِ
حَرام ِ جدِ ال ْ َ س ِ م ْ ن ال ْ َ م عَ ِ دوك ُ ْ ص ّ فُروا وَ َ ن كَ َ ذي َم ال ّ ِ الحديبية ،كما قال تعالى } :هُ ُ
َ َ
موا لك ُ ْ
م قا ُ ست َ َ ما ا ْ ه { الية ]الفتح } ، [25 :فَ َ حل ّ ُم ِ ن ي َب ْل ُغَ َكوًفا أ ْ معْ ُ َوال ْهَد ْيَ َ
م { أي :مهما ) (3تمسكوا بما عاقدتموهم عليه وعاهدتموهم موا ل َهُ ْ قي ُ ست َ ِ َفا ْ
بح ّ ه يُ ِ ّ
ن الل َ م إِ ّ َ
موا لهُ ْ قي ُست َ ِمن ترك الحرب بينكم وبينهم عشر سنين } َفا ْ
ن { وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك والمسلمون ، قي َ مت ّ ِ ال ْ ُ
استمر العقد والهدنة مع أهل مكة من ذي القعدة في سنة ست ،إلى أن
نقضت قريش العهد ومالئوا حلفاءهم بني بكر على خزاعة أحلف رسول الله
صلى الله عليه وسلم ،فقتلوهم معهم في الحرم أيضا ،فعند ذلك غزاهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان سنة ثمان ،ففتح الله عليه
البلد الحرام ،ومكنه من نواصيهم ،ولله الحمد والمنة ،فأطلق من أسلم
منهم بعد القهر والغلبة عليهم ،فسموا الطلقاء ،وكانوا قريبا من ألفين ،
ومن استمر على كفره وفر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليه
بالمان والتسيير في الرض أربعة أشهر ،يذهب حيث شاء :منهم صفوان بن
رمة بن أبي جهل وغيرهما ،ثم هداهم الله بعد ذلك إلى السلم عك ْ ِ أمية ،و ِ
التام ،والله المحمود على جميع ما يقدره ويفعله.
__________
) (1في ت " :يبين تعالى أن".
) (2في ت ،ك " : ،كافرين" وهو خطأ.
) (3في د " :فمهما".
) (4/114
م وَت َأ َْبىواهِهِ ْ
َ
م ب ِأفْ َ ضون َك ُ ْ ة ي ُْر ُ م ًم إ ِّل وََل ذِ ّ م َل ي َْرقُُبوا ِفيك ُ ْ ن ي َظ ْهَُروا عَل َي ْك ُ ْ ف وَإ ِ ْ ك َي ْ َ
ً ّ َ َ
ه
سِبيل ِ ِن َ دوا عَ ْ ص ّ مًنا قَِليل فَ َ ت اللهِ ث َ َ ن ) (8ا ْ
شت ََرْوا ب ِآَيا ِ قو َ س ُ م َفا ِ م وَأك ْث َُرهُ ْ قُُلوب ُهُ ْ
م
ك هُ ُ ة وَُأول َئ ِ َ م ً ن إ ِّل وََل ذِ ّ م ٍ مؤ ْ ِ ن ِفي ُ ن )َ (9ل ي َْرقُُبو َ مُلو َ كاُنوا ي َعْ َ ما َ ساَء َ م َ إ ِن ّهُ ْ
َ َ َ
ن دي ِ
م ِفي ال ّ ُ
وان ُك ْ خ َ َ
وا الّزكاة َ فَإ ِ ْ صلة َ وَآت َ ُ موا ال ّ ن َتاُبوا وَأَقا ُ ن ) (10فَإ ِ ْ دو َ معْت َ ُ ال ْ ُ
ن )(11 مو َقوْم ٍ ي َعْل َ ُ ت لِ َل اْل ََيا ِ ص ُ ف ّ وَن ُ َ
َ
مواهِهِ ْ م ب ِأفْ َ ضون َك ُ ْ
ة ي ُْر ُ م ًم ِإل َول ذِ ّ م ل ي َْرقُُبوا ِفيك ُ ْ ن ي َظ ْهَُروا عَل َي ْك ُ ْ ف وَإ ِ ْ } ك َي ْ َ
َ ْ
ن ){ (8 قو َ م َفا ِ
س ُ م وَأك ْث َُرهُ ْ وَت َأَبى قُُلوب ُهُ ْ
يقول تعالى محرضا للمؤمنين على معاداة المشركين والتبري منهم ،ومبينا
أنهم ل يستحقون أن يكون لهم عهد لشركهم بالله وكفرهم برسول الله )(1
ولو أنهم إذ ظهروا ) (2على المسلمين وأِديلوا عليهم ،لم يبقوا ولم يذروا ،
ول راقبوا فيهم إل ول ذمة.
رمة ،والعوفي عن ابن عباس " :الل" : عك ِْ قال علي بن أبي طلحة ،و ِ
القرابة " ،والذمة" :العهد .وكذا قال الضحاك والسدي ،كما قال تميم بن
قِبل : م ُْ
ل وأعراقَ الرحم )(3 ف خلفوا ...قطعوا ال ّ خلو ٌ أفسد الناس ُ
وقال حسان بن ثابت ،رضي الله عنه :
ل والعهد ل يكذب )(4 م ...وذو ال ّ م كاذًبا إ ِل ّهُ ْ وجدناهُ ُ
ن ِإل { قال :الله. ُ ِ ٍم ْ ؤ م في ن
َْ ُ َ ِبو ُ ق ر ي ل } : مجاهد عن ، نجيح أبي ابن وقال
وفي رواية :ل يرقبون الله ول غيره.
وقال ابن جرير :حدثني يعقوب ،حدثنا ابن علية ،عن سليمان ،عن أبي
ة { مثل قوله : م ً ن ِإل َول ذِ ّ م ٍ مؤ ْ ِ ن ِفي ُ مجلز في قوله تعالى } :ل ي َْرقُُبو َ
"جبرائيل" " ،ميكائيل" " ،إسرافيل" ] ،كأنه يقول :يضيف "جبر" ،و"ميكا" ،
ن ِإل { [ )(5 م ٍمؤ ْ ِ ن ِفي ُ و"إسراف" ،إلى "إيل" ،يقول عبد الله } :ل ي َْرقُُبو َ
كأنه يقول :ل يرقبون الله.
والقول الول أشهر وأظهر ،وعليه الكثر.
وعن مجاهد أيضا " :الل" :العهد .وقال قتادة " :الل" :الحلف.
ن) ملو َ ُ كاُنوا ي َعْ َ ما َ ساَء َ م َ سِبيل ِهِ إ ِن ّهُ ْ ن َ دوا عَ ْ ص ّمًنا قَِليل فَ َ ت الل ّهِ ث َ َ شت ََرْوا ِبآَيا ِ }ا ْ
َ ْ َ َ ُ ُ
ن َتاُبوا ن ) (10فإ ِ ْ دو َ معْت َ ُ م ال ُ ة وَأولئ ِك هُ ُ م ًن ِإل َول ذِ ّ م ٍ مؤ ْ ِ ن ِفي ُ (9ل ي َْرقُبو َ
َ ُ َ َ َ
ن
مو َ قوْم ٍ ي َعْل ُ ت لِ َ صل الَيا ِ ُ ف ّ ن وَن ُ َ دي ِ م ِفي ال ّ وان ُك ْ خ َ وا الّزكاةَ فإ ِ ْ صلة َ َوآت َ ُ موا ال ّ وَأَقا ُ
){ (11
__________
) (1في د " :برسوله صلى الله عليه وسلم".
) (2في ت " :ظاهروا".
) (3البيت في تفسير الطبري ).(14/148
) (4قال المعلق على طبعة الشعب :هكذا نسبه ابن كثير إلى حسان بن
ثابت ،ولم نجده في ديوانه .والبيت في تفسير الطبري غير منسوب
15/148وأما بيت حسان الذي استشهد به الطبري فهو لعمرك إن إلك من
قريش ...كإل الشقب من رأل النعام
وهذا البيت في ديوان حسان ص ، 336واللسان ،مادة "ألل".
) (5زيادة من الطبري ).(14/146
) (4/115
ة ال ْك ُ ْ َ َ
م
فرِ إ ِن ّهُ ْ قات ُِلوا أئ ِ ّ
م َ م وَط َعَُنوا ِفي ِدين ِك ُ ْ
م فَ َ ن ب َعْد ِ عَهْدِهِ ْ
م ْ م ِ مان َهُ ْن ن َك َُثوا أي ْ َ وَإ ِ ْ
ّ َ َ َ
ن )(12 م ي َن ْت َُهو َم لعَلهُ ْ ن لهُ ْ ما َ َل أي ْ َ
ت الل ّهِ شت ََرْوا ِبآَيا ِ يقول تعالى ذما للمشركين وحثا للمؤمنين على قتالهم } :ا ْ
مًنا قَِليل { يعني :أنهم اعتاضوا عن اتباع آيات الله بما التهوا به من أمور ثَ َ
سِبيل ِهِ { أي :منعوا المؤمنين من اتباع ن َ دوا عَ ْ ص ّ الدنيا الخسيسة } ،فَ َ
ة { تقدم م ً ن ِإل َول ذِ ّ م ٍ مؤ ْ ِن ِفي ُ ن ل ي َْرقُُبو َ مُلو َ كاُنوا ي َعْ َ ما َ ساَء َ م َ الحق } ،إ ِن ّهُ ْ
َ
صلة َ { إلى آخرها ، موا ال ّ ن َتاُبوا وَأَقا ُ تفسيره ،وكذا الية التي بعدها } :فَإ ِ ْ
تقدمت.
وقال الحافظ أبو بكر البزار :حدثنا محمد بن المثنى ،حدثنا يحيى بن أبي
بكر ،حدثنا أبو جعفر الرازي ،حدثنا الربيع بن أنس قال :سمعت أنس بن
مالك يقول :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :من فارق الدنيا على
الخلص لله وعبادته ،ل يشرك ) (1به ،وأقام الصلة ،وآتى الزكاة ،فارقها
والله عنه راض ،وهو دين الله الذي جاءت به الرسل وبلغوه عن ربهم ،قبل
ن َتاُبوا { هَْرج الحاديث واختلف الهواء" .وتصديق ذلك في كتاب الله } :فَإ ِ ْ
خّلوا كاةَ فَ َ وا الّز َ َ
صلة َ َوآت َ ُ موا ال ّ يقول :فإن خلعوا الوثان وعبادتها } وَأَقا ُ
َ
كاةَ وا الّز َ صلة َ َوآت َ ُ موا ال ّ ن َتاُبوا وَأَقا ُ م { وقال في آية أخرى } :فَإ ِ ْ سِبيل َهُ ْ َ
ن{ ّ ِدي ال في م ُ
فَ ِ ْ َ ُ ْ ِ
ك نوا خ إ
ثم قال البزار :آخر الحديث عندي والله أعلم " :فارقها وهو عنه راض" ،
وباقيه عندي من كلم الربيع بن أنس )(2
ة ال ْك ُ ْ َ َ
ر
ف ِ م َقات ُِلوا أئ ِ ّ م فَ َ م وَط َعَُنوا ِفي ِدين ِك ُ ْ ن ب َعْد ِ عَهْدِهِ ْ م ْ م ِ مان َهُ ْ ن ن َك َُثوا أي ْ َ } وَإ ِ ْ
ن ){ (12 ّ َ َ َ
م ي َن ْت َُهو َ م لعَلهُ ْ ن لهُ ْ ما َ م ل أي ْ َ إ ِن ّهُ ْ
يقول تعالى :وإن نكث هؤلء المشركون الذين عاهدتموهم على مدة معينة
م { أي :عابوه أيمانهم ،أي :عهودهم ومواثيقهم } ،وَط َعَُنوا ِفي ِدين ِك ُ ْ
وانتقصوه .ومن هاهنا أخذ قتل من سب الرسول ،صلوات الله وسلمه
ُ
قات ِلوا عليه ،أو من طعن في دين السلم أو ذكره بتنقص ؛ ولهذا قال } :فَ َ
َ َ
ن { أي :يرجعون عما هم فيه من م ي َن ْت َُهو َ م ل َعَل ّهُ ْن ل َهُ ْ ما َ م ل أي ْ َ فرِ إ ِن ّهُ ْ ة ال ْك ُ ْ م َأئ ِ ّ
الكفر والعناد والضلل.
وقد قال قتادة وغيره :أئمة الكفر كأبي جهل ،وعتبة ،وشيبة ،وأمية بن
خلف ،وعدد رجال.
وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال :مر سعد برجل من الخوارج ،
فقال الخارجي :هذا من أئمة الكفر .فقال سعد :كذبت ،بل أنا قاتلت أئمة
الكفر .رواه ابن مردويه.
وقال العمش ،عن زيد بن وهب ،عن حذيفة أنه قال :ما قوتل أهل هذه
الية بعد.
__________
) (1في ت ،ك " :ل شريك".
) (2ورواه الحاكم في المستدرك ) (2/331من طريق أحمد بن مهران عن
عبيد الله بن موسى بنحوه ،ولم يفرق بين المرفوع والموقوف ،وقال
الحاكم " :صحيح السناد" وتعقبه الذهبي قلت " :صدر الحديث مرفوع
وسائره مدرج فيما أرى".
) (4/116
ة
مّر ٍ م أ َوّ َ
ل َ م ب َد َُءوك ُ ْ
ل وَهُ ْ
سو ِ
خَراِج الّر ُ موا ب ِإ ِ ْم وَهَ ّ مان َهُ ْ
َ
ن َك َُثوا أي ْ َ ن قَوْ ً
ما قات ُِلو َأ ََل ت ُ َ
َ َ أ َت َ ْ
ن )(13 مؤ ْ ِ
مِني َ ن ك ُن ْت ُ ْ
م ُ خ َ
شوْه ُ إ ِ ْ ن تَ ْ حق ّ أ ْ أ َ م َفالل ّ ُ
ه شوْن َهُ ْخ َ
) (4/117
) (4/117
أ َم حسبت َ
ن
ن ُدو ِ
م ْ خ ُ
ذوا ِ م وَل َ ْ
م ي َت ّ ِ من ْك ُ ْ
دوا ِجاهَ ُ
ن َذي َ ه ال ّ ِ
ما ي َعْل َم ِ الل ّ ُكوا وَل َ ّ ن ت ُت َْر ُ
مأ ْْ َ ِ ُْ ْ
ن )(16 َ لوُ م ع ت ما ب ربي خ هّ ل وال ة
ُ ِ ِ َ َِ َ ً َ ُ َ ِ ٌ ِ َ َْ َ ج لي و ن ني م ْ ؤ مْ لا لَ الل ّهِ وََل َر ُ ِ ِ َ
و ه لسو
ثم قال تعالى عزيمة على المؤمنين ،وبيانا لحكمته فيما شرع لهم من الجهاد
مع قدرته على إهلك العداء بأمر من عنده َ } :قاتُلوهم يعذ ّبهم الل ّ َ
ديك ُ ْ
م ه ب ِأي ْ ُِ ِ ُ ْ َُ ُْ ُ
ن { وهذا عام في مِني َ مؤ ْ ِ دوَر قَوْم ٍ ُ ص ُ ف ُ ش ِ م وَي َ ْ م عَل َي ْهِ ْ صْرك ُ ْ م وَي َن ْ ُ خزِهِ ْ وَي ُ ْ
المؤمنين كلهم.
َ
دوَر قوْم ٍ ص ُ ف ُ ش ِ رمة ،والسدي في هذه الية } :وَي َ ْ ْ
عك ِ وقال مجاهد ،و ِ
ن { يعني :خزاعة. مِني َمؤ ْ ِ ُ
م { عليهم أيضا. ه
ِِ ْ ب لوُ ُ ق َ
ظ يَ غ
َُ ِ ْ ْ ب ه ْ ذ ي و } : قوله في الضمير (1 ) وأعاد
ن لعمر بن عبد العزيز ،رضي الله عنه ، وقد ذكر ابن عساكر في ترجمة مؤذ ٍ
عن مسلم بن يسار ،عن عائشة ،رضي الله عنها ،أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان إذا غضبت أخذ بأنفها ،وقال " :يا عويش ،قولي :اللهم ،
رب النبي محمد ) (2اغفر ذنبي ،وأذهب غيظ قلبي ،وأجرني من مضلت
الفتن".
ساقه من طريق أبي أحمد الحاكم ،عن الباغندي ،عن هشام بن عمار ،
حدثنا عبد الرحمن بن أبي الجون ،عنه )(3
م { أي :بما ه عَِلي ٌ ّ
شاُء { أي :من عباده َ } ،والل ُ ن يَ َ م ْ ه عََلى َ ب الل ّ ُ } وَي َُتو ُ
م { في أفعاله وأقواله الكونية والشرعية ،فيفعل ما كي ٌ ح ِ يصلح عباده َ } ،
يشاء ،ويحكم ما يريد ،وهو العادل الحاكم الذي ل يجور أبدا ،ول يضيع
مثقال ذرة من خير وشر ،بل يجازي عليه في الدنيا والخرة.
} أ َم حسبت َ
ن
م ْ ذوا ِ خ ُ م ي َت ّ ِ م وَل َ ْ من ْك ُ ْ دوا ِ جاهَ ُ ن َ ذي َ ه ال ّ ِما ي َعْل َم ِ الل ّ ُ كوا وَل َ ّ ن ت ُت َْر ُ مأ ْ ْ َ ِ ُْ ْ
ن ){ (16 َ لوُ م ع ت ما ب ر بي خ ه
ُ ِ ِ َ َِ َ ً َ ُ َ ِ ٌ ِ َ َْ َ ّ ل وال ة ج لي و ن ني م ْ ؤ م ْ لا ول ن الل ّهِ َول َ ُ ِ ِ َ
ه ل سو ر ُدو ِ
م { أيها المؤمنون أن نترككم مهملين ،ل نختبركم َ
سب ْت ُ ْح ِ م َ يقول تعالى } :أ ْ
َ بأمور يظهر فيها أهل العزم الصادق من الكاذب ؟ ولهذا قال } :وَل َ ّ
ما ي َعْلم ِ
نمِني َ مؤْ ِ سول ِهِ َول ال ْ ُ ن الل ّهِ َول َر ُ ن ُدو ِ م ْ ذوا ِ خ ُم ي َت ّ ِ م وَل َ ْ من ْك ُ ْ دوا ِ جاهَ ُ ن َ ذي َ ه ال ّ ِ الل ّ ُ
ة { أي :بطانة ودخيلة ) (4بل هم في الظاهر والباطن على النصح لله ج ً
وَِلي َ
ولرسوله ،فاكتفى بأحد القسمين عن الخر ،كما قال الشاعر :
وما أدري إذا يممت أرضا ...أريد الخير أيهما يليني...
ن َ ُ َ َ
ن ي ُت َْركوا أ ْ سأ ْ ب الّنا ُ س َ ح ِوقد قال الله تعالى في الية الخرى ] } :الم[ أ َ
نذي َ ه ال ّ ِ ن الل ّ ُ م ّم فَل َي َعْل َ َن قَب ْل ِهِ ْم ْ ن ِذي َ قد ْ فَت َّنا ال ّ ِ ن وَل َ َ فت َُنو َ
م ل يُ ْ مّنا وَهُ ْ قوُلوا آ َ يَ ُ
م َ أ } : تعالى وقال [ 3 - 1 : ]العنكبوت (5 ) { ن بي ذ كاَ ْ لا ن م َ ل عيَ ل و قواُ د ص
ْ ِِ َ َ َْ َ ّ َ َ
ن{ ري ب صا ال م َ ل عي و م ُ ك ن م دوا ه جا ن ذي ّ لا ه ّ ل ال م َ لع ي ما َ لو ة ن ج ْ ل ا لواُ خ َ
ّ ِ ِ َ ِ ْ ْ ََْ َ ُ ِ َ َ َ ُ َ ّ َ َ ّ َْ ِ ُ ح ِ ُْ ْ ْ َ ْ
د ت ن أ م ت ب س َ
]آل عمران [142 :
__________
) (1في ت ،د ،ك " :وأعادوا".
) (2في ك " :محمدا".
) (3تاريخ دمشق )" (19/335المخطوط"( ورواه ابن السني في عمل اليوم
والليلة من طريق أبي العميس عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة
ومن طريق سلمة بن علي عن هشام بن عروة عن عائشة.
) (4في ت " :دخلة".
) (5زيادة من ت ،أ.
) (4/118
ر م ِبال ْك ُ ْ
ف ِ سهِ ْ
ف ِ ن عََلى أ َن ْ ُ دي َشاهِ ِ جد َ الل ّهِ َسا ِم َ مُروا َ ن ي َعْ ُ
شركي َ
نأ ْ م ْ ِ ِ َ ن ل ِل ْ ُ
كا َما َ َ
ن م هّ لال د ج سا م ر م ع ي ما نإ ( 17 ) ن دو لخا
َ م ه رنا ال في و م ه ُ لما ْ عَ أ ت َ ط ب ح َ
ك ُ ِ
ئَ ل أو
ِ َ ْ ِّ َ َ ْ ُ ُ َ َ ِ َ ِ ُ َ ّ ِ ُ ْ َ ُ ْ َ ِ ْ َ ِ
صَلة َ وَآ ََتى الّز َ َ ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل َ ِ َ
سى ه فَعَ َ ش إ ِّل الل ّ َخ َ كاةَ وَل َ ْ
م يَ ْ م ال ّ خرِ وَأَقا َ م َ آ َ
ُأول َئ ِ َ َ
ن )(18 دي َمهْت َ ِن ال ْ ُ م َ كوُنوا ِ ن يَ ُ كأ ْ
َ
ميَزحّتى ي َ ِ م عَل َي ْهِ َ ما أن ْت ُ ْ ن عََلى َ مِني َ مؤ ْ ِ ه ل ِي َذ ََر ال ْ ُ ن الل ّ ُ كا َ ما َ وقال تعالى َ } :
ب { ]آل عمران [179 : ْ
م عَلى الغَي ْ ِ َ ُ ْ
ه ل ِي ُطل ِعَك ْ ّ
ن الل ُ ما كا ََ ب وَ َ ن الط ّي ّ ِ م َ ث ِ خِبي َ ال ْ َ
والحاصل أنه تعالى لما شرع الجهاد لعباده ،بين أن له فيه حكمة ،وهو
اختبار ) (1عبيده :من يطيعه ممن يعصيه ،وهو تعالى العالم بما كان وما
يكون ،وما لم يكن لو كان كيف كان يكون ؟ فيعلم الشيء قبل كونه ،ومع
كونه على ما هو عليه ،ل إله إل هو ،ول رب سواه ،ول راد لما قدره
وأمضاه.
ر ْ
م ِبالك ُ ْ َ َ جد َ اللهِ َ ّ َ م ْ ْ ما َ
ف ِ سهِ ْ ف ِ ن عَلى أن ْ ُ دي َ شاهِ ِ سا ِ م َ مُروا َ ن ي َعْ ُ نأ ْ كي َ شرِ ِ
َ
ن ل ِل ُ كا َ } َ
ن
م ْ ّ
جد َ اللهِ َ سا ِ م َ مُر َ ما ي َعْ ُ ن ) (17إ ِن ّ َ دو َ خال ِ ُ م َ م وَِفي الّنارِ هُ ْ مالهُ ُْ ت أعْ َ َ
حب ِط ْ ك َ ُأول َئ ِ َ
َ
سى ه فَعَ َ ش ِإل الل ّ َ خ َ م يَ ْ كاةَ وَل َ ْ صلة َ َوآَتى الّز َ م ال ّ خرِ وَأَقا َ ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ م َ آ َ
ن ){ (18 ْ ُ َ َ َ ُ
دي َ مهْت َ ِ ن ال ُ م َ ن ي َكوُنوا ِ أولئ ِك أ ْ
يقول تعالى :ما ينبغي للمشركين بالله أن يعمروا مساجد الله التي بنيت
على اسمه وحده ل شريك له .ومن قرأ " :مسجد الله" فأراد به المسجد
الحرام ،أشرف المساجد في الرض ،الذي بني من أول يوم على عبادة الله
وحده ل شريك له .وأسسه خليل الرحمن هذا ،وهم شاهدون على أنفسهم
دي :لو سألت النصراني :ما س ّ بالكفر ،أي :بحالهم وقالهم ،كما قال ال ّ
دينك ؟ لقال :نصراني ،واليهودي :ما دينك ؟ لقال يهودي ،والصابئي ،لقال
:صابئي ،والمشرك ،لقال :مشرك.
َ } ُأول َئ ِ َ
ن { كما دو َ خال ِ ُ م َ م { أي :بشركهم } ،وَِفي الّنارِ هُ ْ مال ُهُ ْ ت أعْ َ حب ِط َ ْ ك َ
قال تعالى } :وما ل َه َ
ماحَرام ِ وَ َ جدِ ال ْ َ س ِ م ْ ن ال ْ َ ن عَ ِ دو َ ص ّ م يَ ُ ه وَهُ ْ م الل ّ ُ م أل ي ُعَذ ّب َهُ ُ َ َ ُ ْ
م ل ي َعْل َُ ْ قون ول َكن أ َ ْ كانوا أ َول ِياَءه إ َ
ن { ]النفال [34 : مو َ ُ
َ ْ ه ر َ ث ك ّ ِ َ َ ُ ّ تمُ ل ا إل ن أوْل َِياؤُ ُ ِ
ه ْ َ ُ ِ ْ َ ُ
خرِ { فشهد ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِم َنآ َم ْجد َ الل ّهِ َسا ِ م َ
مُر َ
ما ي َعْ ُ
؛ ولهذا قال } :إ ِن ّ َ
تعالى باليمان لعمار المساجد ،كما قال المام أحمد :
حدثنا سريج ) (2حدثنا ابن وهب ،عن عمرو بن الحارث ؛ أن دراجا أبا
السمح حدثه ،عن أبي الهيثم ،عن أبي سعيد الخدري ؛ أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال " :إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد ) (3فاشهدوا له
ْ ّ جد َ الل ّهِ َ
ن ِباللهِ َوالي َوْم ِ
م َ نآ َ م ْ سا ِ
م َ مُر َما ي َعْ ُ
باليمان ؛ قال الله تعالى } :إ ِن ّ َ
خرِ {ال ِ
ورواه الترمذي ،وابن مردويه ،والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله
بن وهب ،به )(4
وقال ) (5عبد بن حميد في مسنده :حدثنا يونس بن محمد ،حدثنا صالح
المري ،عن ثابت البناني ،عن ميمون بن سياه ،وجعفر بن زيد ،عن أنس
بن مالك قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إنما عمار المساجد
هم أهل الله" )(6
__________
) (1في ت ،ك " :إخبار".
) (2في ك ،أ " :شريح".
) (3في ت ،أ " :المساجد"
) (4المسند ) (3/68وسنن الترمذي برقم ) (3093والمستدرك )(2/332
ودراج عن أبي الهيثم ضعيف.
) (5في د " :وروى".
) (6فيه صالح المري وهو ضعيف ،وقد اختلف عليه فيه كما سيأتي في رواية
البزار.
) (4/119
ورواه الحافظ أبو بكر البزار ،عن عبد الواحد بن غياث ،عن صالح بن بشير
المري ،عن ثابت ،عن أنس قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"إنما ) (1عمار المساجد هم أهل الله" ثم قال :ل نعلم رواه عن ثابت غير
صالح )(2
وقد روى الدارقطني في الفراد من طريق حكامة بنت عثمان بن دينار ،عن
أبيها ،عن أخيه مالك بن دينار ،عن أنس مرفوعا " :إذا أراد الله بقوم عاهة ،
نظر إلى أهل المساجد ،فصرف عنهم" .ثم قال :غريب )(3
وروى الحافظ البهاء في المستقصى ،عن أبيه بسنده إلى أبي أمية
الطرسوسي :حدثنا منصور بن صقير ،حدثنا صالح المرى ،عن ثابت ،عن
أنس مرفوعا " :يقول الله :وعزتي وجللي ،إني لهم بأهل الرض عذابا ،
فإذا نظرت إلى عمار بيوتي وإلى المتحابين في ،وإلى المستغفرين بالسحار
،صرفت ذلك عنهم" .ثم قال ابن عساكر :حديث غريب )(4
وقال المام أحمد :حدثنا روح ،حدثنا سعيد ،عن قتادة ،حدثنا العلء بن زياد
،عن معاذ بن جبل ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " :إن الشيطان
ذئب النسان ،كذئب الغنم يأخذ الشاة القاصية والناحية ،فإياكم والشعاب ،
وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد" )(5
مر ،عن أبي إسحاق ،عن عمرو بن ميمون الودي معْ َ
وقال عبد الرازق ،عن َ
قال :أدركت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم يقولون :إن المساجد
بيوت الله في الرض ،وإنه حق على الله أن يكرم من زاره فيها )(6
وقال المسعودي ،عن حبيب بن أبي ثابت وعدي بن ثابت ،عن سعيد بن
جَبير ،عن ابن عباس ،رضي الله عنهما ،قال :من سمع النداء بالصلة ثم ُ
لم يجب ويأتي المسجد ويصلي ،فل صلة له ،وقد عصى الله ورسوله ،قال
خرِ { الية رواهن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ
م َ
نآ َ جد َ الل ّهِ َ
م ْ سا ِ
م َمُر َ
ما ي َعْ ُ
الله تعالى } :إ ِن ّ َ
ابن مردويه.
وقد روي مرفوعا من وجه آخر ،وله شواهد من وجوه أخر ليس هذا موضع
بسطها.
__________
) (1في ت ،ك ،أ " :إن".
) (2مسند البزار برقم )" (433كشف الستار" ورواه البيهقي في السنن
الكبرى ) (3/66من طريق هاشم بن القاسم عن صالح المري به ،وقال
الهيثمي في المجمع )" : (2/23فيه صالح المرى وهو ضعيف".
) (3لم أعثر عليه في الطراف لبن القيسراني.
) (4وفيه منصور بن صقير ،قال أبو حاتم :ليس بالقوي .وقال العقيلي :في
حديثه بعض الوهم ،ورواه ابن عدي في الكامل ) (4/61من طريق سعيد بن
أشعث عن صالح المري به نحوه ،ورواه البيهقي في شعب اليمان برقم )
(9051من طريق عبدان عن معاذ بن خالد بن شقيق عن صالح المري به
نحوه ،وصالح المرى ضعيف.
) (5المسند ) (5/232وقال الهيثمي في المجمع )" : (2/23العلء بن زياد لم
يسمع من معاذ".
) (6ورواه البيهقي في شعب اليمان برقم ) (9052من طريق أحمد بن
منصور عن عبد الرزاق عن معمر عن رجل من قريش رفع الحديث ،فذكر
نحوه ،وهو معضل.
) (4/120
) (4/121
ن دي َ خال ِ ِ م )َ (21 قي ٌ م ِ م ُ م ِفيَها ن َِعي ٌ ت ل َهُ ْ جّنا ٍ ن وَ َ وا ٍ ض َ ه وَرِ ْ من ْ ُ مةٍ ِ ح َ م ب َِر ْ م َرب ّهُ ْ شُرهُ ْ ي ُب َ ّ
م ُ َ خ ُ َ َ ّ َ َ ّ َ
ذوا آَباَءك ْ مُنوا ل ت َت ّ ِ نآ َ ذي َ م )َ (22يا أي َّها ال ِ ظي ٌ جٌر عَ ِ عن ْد َه ُ أ ْ ه ِ ن الل َ دا إ ِ ّ ِفيَها أب َ ً
م َ َ ُ َ ُ ّ ْ َ ُ ْ َ ُ
م فأولئ ِك هُ ُ من ْك ْ م ِ ن ي َت َوَلهُ ْ م ْ ن وَ َ ما ِ لي َ لى ا ِ فَر عَ حّبوا الك ْ ست َ َ نا ْ م أوْل َِياَء إ ِ ِ وان َك ْ خ َ وَإ ِ ْ
ُ ُ َ ُ ُ َ ُ َ َ ْ ُ ّ
م شيَرت ُك ْ م وَعَ ِ جك ْ م وَأْزَوا ُ وان ُك ْ خ َ م وَإ ِ ْ م وَأب َْناؤُك ْ ن آَباؤُك ْ ن كا َ ن ) (23قل إ ِ ْ مو َ الظال ِ ُ
ن ُ َ َ َ خ َ ْ ْ ٌ َ
م َ م ِ ب إ ِلي ْك ْ ح ّ ضوْن ََها أ َ ن ت َْر َ ُ
الل ّه ورسوله وجهاد في سبيله فَتربصوا حتى يأ ْتي الل ّ َ
ساك ِ م َ ها وَ َ ساد َ َ نك َ شو ْ َ جاَرة ٌ ت َ ْ ها وَت ِ َ مو َ وال اقت ََرفت ُ ُ َ م
وَأ ْ
دي ه َل ي َهْ ِ مرِهِ َوالل ّ ُ ه ب ِأ ْ ُ َ ّ َ ِ َ َ ِ ِ ِ ََ ّ ُ ِ ََ ُ ِ ِ َ ِ َ ٍ ِ
ن إ ِذ ْ ي ن ح م و ي و ة ر ثي َ ك ن ط وا م في ه ّ ل ال م ُ ك ر ص ن د َ ق َ ل ( ن )24 قي َ س ِ فا ِ م ال ْ َ قو ْ َ ال ْ َ
َ َ ِ َ ِ ََ ٍ َ َ ْ َ ُ َ ْ ٍ ُ ِ ْ َ َ َ ُ
َ
م ت ثُ ّ حب َ ْ ما َر ُ ض بِ َ م اْلْر ُ ت عَل َي ْك ُ ُ ضاقَ ْ شي ًْئا وَ َ م َ ن عَن ْك ُ ْ ِ م ت ُغْ م فَل َ ْ م ك َث َْرت ُك ُ ْ جب َت ْك ُ ْ أعْ َ
ل ن وَأ َن َْز َ مِني َ مؤ ْ ِ سول ِهِ وَعََلى ال ْ ُ ه عََلى َر ُ كين َت َ ُ س ِ ه َ ل الل ّ ُ م أ َن َْز َ ن ) (25ث ُ ّ ري َ مد ْب ِ ِ م ُ وَل ّي ْت ُ ْ
هّ
ب الل ُ م ي َُتو ُ ن ) (26ث ُ ّ ري َ كافِ ِ جَزاُء ال َ ْ ك َ فُروا وَذ َل ِ َ ن كَ َ ذي َ ب ال ِ ّ ها وَعَذ ّ َ م ت ََروْ َ جُنوًدا ل ْ َ ُ
ما َ ّ َ َ ّ َ َ َ َ
مُنوا إ ِن َّ َ َ آ ن ذي ِ ل ا ها َ ّ ي أ يا َ ( 27 ) مٌ حي ِ ر ٌ َ ر فو ُ غ ه َ ُ ل وال ُ ء شا َ ي ن
َ ْ م لى َ ع ك ِ ل ذ ِ د ْ ع َ ب نم ْ ِ
ةَ
م عَي ْل ً فت ُ ْ خ ْ ن ِ ذا وَإ ِ ْ م هَ َ مهِ ْ عا ِ م ب َعْد َ َ حَرا َ جد َ ال َْ س ِ م ْ قَرُبوا ال َ ْ س فَل ي َ ْ َ ج ٌ ن نَ َ شرِكو َ ُ م ْ ال ُ ْ
نذي َ ّ
م )َ (28قات ِلوا ال ِ ُ كي ٌ ح ِ م َ ه عَِلي ٌ ن الل َ ّ شاَء إ ِ ّ ن َ ضل ِهِ إ ِ ْ ن فَ ْ م ْ ه ِ م الل ُ ّ ف ي ُغِْنيك ُ ُ سو ْ َ فَ َ
ن ديُنو َ ه وَل ي َ ِ َ سول ُ ُ ه وََر ُ م الل ُ ّ حّر َ ما َ ن َ مو َ حّر ُ خرِ وَل ي ُ َ َ َ ْ
ن ِباللهِ وَل ِبالي َوْم ِ ال ِ ْ َ ّ مُنو َ َل ي ُؤْ ِ
ُ
ن) صاِغُرو َ م َ ن ي َد ٍ وَهُ ْ ة عَ ْ جْزي َ َ طوا ال ْ ِ حّتى ي ُعْ ُ ب َ ن أوُتوا ال ْك َِتا َ ذي َ ن ال ّ ِ م َ حق ّ ِ ن ال ْ َ ِدي َ
م ُ
ن اللهِ ذ َل ِك قَوْلهُ ْ َ ّ ح اب ْ ُ سي ُ م ِ صاَرى ال َ ْ ت الن ّ َ ن اللهِ وََقال ِ َ ّ ت الي َُهود ُ عَُزي ٌْر اب ْ ُ ْ (29وََقال ِ َ
ُ َ َ ّ َ َ َ َ ّ َ ُ َ
ن )(30 ه أّنى ي ُؤْفكو َ م الل ُ ل قات َلهُ ُ ن قب ْ ُ م ْ فُروا ِ نك َ ذي َ ل ال ِ ن قوْ َ ضاهِئو َ م يُ َ واهِهِ ْ ب ِأفْ َ
مُروا إ ِّل ُ ذوا أ َحبارهُم ورهْبانه َ
ما أ ِ م وَ َ مْري َ َ ن َ ح اب ْ َ سي َ م ِ ن الل ّهِ َوال ْ َ ن ُدو ِ م ْ م أْرَباًبا ِ ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ خ ُ ات ّ َ
فئوا ُ ْ َ ُ ْ ّ َ َ َ
ن ي ُط ِ نأ ْ دو َ ري ُ ن ) (31ي ُ ِ ما ي ُشرِكو َ ه عَ ّ حان َ ُ سب ْ َ ه إ ِل هُوَ ُ دا ل إ ِل َ ح ً دوا إ ِلًها َوا ِ ل ِي َعْب ُ ُ
ذي ن ) (32هُوَ ال ِّ رو ف كا َ ْ ل ا ه ر َ ك و َ ل و ه ر نو م ت ي ن َ أ ل ّ إ ه ّ ل ال بى واههم ويأ ْ ْ ف نور الل ّه بأ َ
ِ ُ َ ْ ُِ ّ ُ َ ُ َ ْ ِ َ ُ ِ ِ ِ َ ِ ِ ْ ََ َ ُ َ
ن كو ُ ر ش ْ م ْ ل ا ه ر َ ك و َ ل و ه ّ ل ُ ك ن دي ال لى َ ع ه ر ه ْ ظ ي ل ق ح ْ لا ن دي و دى ه ْ ل با ه َ ل سو ر َ
ل س َ
َ ِْ َ ْ َ ِ َ ُ ِ ّ ِ َ َ ّ ُِ ِ َ ُ ِ َ ِ َ ُ ُ ِ ُ َ أْر َ
َ
س
ل الّنا ِ وا َ م َ نأ ْ ن ل َي َأك ُُلو َ حَبارِ َوالّرهَْبا ِ ن اْل َ ْ م َ ن ك َِثيًرا ِ مُنوا إ ِ ّ نآ َ
ذي َ
)َ (33يا أي َّها ال ّ ِ َ
قون ََها ة وََل ي ُن ْفِ ُ ض َ ف ّ ب َوال ْ ِ ن الذ ّهَ َ ن ي َك ْن ُِزو َ ذي َ ل الل ّهِ َوال ّ ِ سِبي ِ ن َ ن عَ ْ دو َ ص ّ ل وَي َ ُ ِبال َْباط ِ ِ
َ
مجهَن ّ َ مى عَل َي َْها ِفي َنارِ َ ح َ م يُ ْ ب أِليم ٍ ) (34ي َوْ َ ذا ٍ م ب ِعَ َ شْرهُ ْ ل الل ّهِ فَب َ ّ سِبي ِ ِفي َ
َ ُ
م ما ك ُن ْت ُ ْ ذوُقوا َ م فَ ُ سك ُ ْ ف ِ م ِلن ْ ُ ما ك َن َْزت ُ ْ ذا َ م هَ َ م وَظُهوُرهُ ْ جُنوب ُهُ ْ م وَ ُ جَباهُهُ ْ وى ب َِها ِ فَت ُك ْ َ
م ب اللهِ ي َوْ َ ّ شهًْرا ِفي ك َِتا ِ شَر َ عن ْد َ اللهِ اث َْنا عَ َ ّ شُهورِ ِ عد ّةَ ال ّ ن ِ ن ) (35إ ِ ّ ت َك ْن ُِزو َ
َ َ
ن
موا ِفيهِ ّ م فََل ت َظ ْل ِ ُ قي ّ ُ ن ال ْ َ دي ُ ك ال ّ م ذ َل ِ َ حُر ٌ ة ُ من َْها أْرب َعَ ٌ ض ِ ت َواْلْر َ ماَوا ِ س َ خل َقَ ال ّ َ
ّ َ َ م كافّ ً َ ُ ُ َ ن كافّ ً َ ْ ُ ُ أ َن ْ ُ
ع
م َ ه َ ن الل َ موا أ ّ ة َواعْل ُ قات ِلون َك ْ ما ي ُ َ ةك َ كي َ شرِ ِ م ْ م وََقات ِلوا ال ُ سك ْ ف َ
ما عا ً ه َ حّلون َ ُ فُروا ي ُ ِ ن كَ َ ذي َ ل ب ِهِ ال ّ ِ ض ّ فرِ ي ُ َ سيُء زَِياد َة ٌ ِفي ال ْك ُ ْ ما الن ّ ِ ن ) (36إ ِن ّ َ قي َ مت ّ ِ ال ْ ُ
سوُء م ُ ن ل َهُ ْ ه ُزي ّ َ م الل ّ ُ حّر َ ما َ حّلوا َ ه فَي ُ ِ م الل ّ ُ حّر َ ما َ عد ّة َ َ واط ُِئوا ِ ما ل ِي ُ َ عا ً ه َ مون َ ُ حّر ُ وَي ُ َ
م إ َِذا ُ َ َ ّ َ َ ْ ْ َ ّ َ
ما لك ْ مُنوا َ نآ َ ذي َ ن )َ (37يا أي َّها ال ِ ري َ ِ م الكافِ قو ْ َ دي ال َ ه ل ي َهْ ِ م َوالل ُ مال ِهِ ْ أعْ َ
َ َْ
ن
م َ حَياةِ الد ّن َْيا ِ م ِبال ْ َ ضيت ُ ْ ض أَر ِ م إ ِلى الْر ِ
ل الل ّهِ اّثاقَل ْت ُ ْ َ سِبي ِ فُروا ِفي َ م ان ْ ِ ل ل َك ُ ُ ِقي َ
م فُروا ي ُعَذ ّب ْك ُ ْ ل ) (38إ ِّل ت َن ْ ِ خَرةِ إ ِّل قَِلي ٌ حَياةِ الد ّن َْيا ِفي اْل َ ِ مَتاعُ ال ْ َ ما َ خَرةِ فَ َ اْل َ ِ
ه عََلى ك ُ ّ َ
ديٌر ) يٍء قَ ِ ش ْ ل َ شي ًْئا َوالل ّ ُ ضّروهُ َ م وََل ت َ ُ ما غَي َْرك ُ ْ ل قَوْ ً ست َب ْدِ ْ ما وَي َ ْ ذاًبا أِلي ً عَ َ
ما ِفي ْ ْ َ َ ّ َ ْ ّ َ ّ
ن إ ِذ هُ َ ي اثن َي ْ فُروا ثان ِ َ نك َ ذي َ َ ه ال ِ ج ُ خَر َ ه إ ِذ أ ْ صَرهُ الل ُ قد ْ ن َ َ صُروه ُ ف َ (39إ ِل ت َن ْ ُ
ه د ي ل الل ّه سكينته عَِل َيه وأ َ َ ز ن أ َ ف نا ع م ه ّ ل ال ن إ ن ز ح ت ل َ ُ ال َْغارِ إ ِذ ْ ي َ ُ
ْ ِ َ ّ َ ُ ُ َ ِ ََ ُ َْ َ َ َ َ َ ْ َ ْ ِ ّ قو ِ َ ِ ِ ِ
ه ب ح صا ل ل
ي ال ْعُل َْيا َوالل ّ ُ
ه ة الل ّهِ هِ َ م ُ فَلى وَك َل ِ َ س ْ فُروا ال ّ ن كَ َ ذي َ ة ال ّ ِ م َ ل ك َل ِ َ جعَ َ ها وَ َ م ت ََروْ َ جُنود ٍ ل َ ْ بِ ُ
َ َ
ل
سِبي ِ م ِفي َ سك ُ ْ ف ِ م وَأن ْ ُ وال ِك ُ ْ م َ دوا ب ِأ ْ جاهِ ُ قاًل وَ َ فاًفا وَث ِ َ خ َ فُروا ِ م ) (40ان ْ ِ كي ٌ ح ِ زيٌز َ عَ ِ
داص ً فًرا َقا ِ س َ ريًبا وَ َ ضا قَ ِ ن عََر ً كا َ ن ) (41لوْ َ َ مو َ م ت َعْل ُ َ ن ك ُن ْت ُ ْ م إِ ْ خي ٌْر لك ُ ْ َ م َ الل ّهِ ذ َل ِك ُ ْ
معَك ُ ْ
م جَنا َ خَر ْ ست َط َعَْنا ل َ َ ن ِبالل ّهِ ل َوِ ا ْ فو َ حل ِ ُ سي َ ْ ة وَ َ ق ُ ش ّ م ال ّ ت عَل َي ْهِ ُ ن ب َعُد َ ْ ك وَل َك ِ ْ َلت ّب َُعو َ
ك لِ َ ن أ َن ْ ُ
م ت ل َهُ ْ م أذِن ْ َ ه عَن ْ َ َ فا الل ّ ُ ن ) (42عَ َ كاذُِبو َ م لَ َ م إ ِن ّهُ ْ ه ي َعْل َ ُ م َوالل ّ ُ سهُ ْ ف َ كو َ ي ُهْل ِ ُ
ّ ست َأذِن ُ َ ْ َ َ ْ َ ّ نل َ َ
ن مُنو َ ن ي ُؤْ ِ ذي َ ك ال ِ ن ) (43ل ي َ ْ م الكاذِِبي َ صد َُقوا وَت َعْل َ ن َ ذي َ ك ال ِ حّتى ي َت َب َي ّ َ َ
ن )(44 ْ ّ َ َ َ َ ْ ْ ّ
قي َ مت ّ ِ م ِبال ُ ه عَِلي ٌ م َوالل ُ سهِ ْ ف ِ م وَأن ْ ُ وال ِهِ ْ م َ دوا ب ِأ ْ جاهِ ُ ن يُ َ خرِ أ ْ ِباللهِ َوالي َوْم ِ ال ِ
م ِفي م فَهُ ْ ت قُلوب ُهُ ْ ُ خرِ َواْرَتاب َ ْ َ
ن ِباللهِ َوالي َوْم ِ ال ِ ْ ْ ّ مُنو َ ن ل ي ُؤْ ِ َ ذي َ ك ال ّ ِ ست َأ ْذِن ُ َ ما ي َ ْ إ ِن ّ َ
هّ َ َ َ َ َ ْ َ َ
ن كرِهَ الل ُ ه عُد ّة ً وَلك ِ ْ دوا ل ُ ج لعَ ّ خُرو َ ن ) (45وَلوْ أَراُدوا ال ُ م ي َت ََرد ُّدو َ َري ْب ِهِ ْ
مما َزاُدوك ْ ُ م َ جوا ِفيك ْ ُ خَر ُ ن ) (46لوْ َ َ دي َ ع ِ قا ِ معَ ال َ ْ دوا َ ل اقعُ ُ ْ م وَِقي َ م فث َب ّطهُ ْ َ َ ان ْب َِعاث َهُ ْ
م ّ َ ُ ْ ُ ُ َ َ خَباًل وَلوْ َ َ َ إ ِّل َ
ه عَِلي ٌ م َوالل ُ ن لهُ ْ عو َ ما ُ س ّ م َ ة وَِفيك ْ فت ْن َ َ م ال ِ م ي َب ُْغون َك ُ خللك ْ ضُعوا ِ
جاَء ال ْ َ ُ
ق
ح ّ حّتى َ موَر َ ك اْل ُ ل وَقَل ُّبوا ل َ َ ن قَب ْ ُ م ْ ة ِ فت ْن َ َ وا ال ْ ِ قدِ اب ْت َغَ ُ ن ) (47ل َ َ مي َ ظال ِ ِ ِبال ّ
فت ِّني أَل ِفي َ ن ِلي وََل ت َ ْ َ
ل ائ ْذ َ ْ قو ُ ن يَ ُ م ْ م َ من ْهُ ْ ن ) (48وَ ِ هو َ كارِ ُ م َ مُر الل ّهِ وَهُ ْ وَظ َهََر أ ْ
مسؤْهُ ْ ة تَ ُ سن َ ٌ ح َ ك َ صب ْ َ ن تُ ِ ن ) (49إ ِ ْ ري َ كافِ ِ ة ِبال ْ َ حيط َ ٌ م ِ م لَ ُ جهَن ّ َ ن َ طوا وَإ ِ ّ ق ُ س َ فت ْن َةِ َ ال ْ ِ
َ َ
ن )(50 حو َ م فَرِ ُ وا وَهُ ْ ل وَي َت َوَل ّ ْ ن قَب ْ ُ م ْ مَرَنا ِ خذ َْنا أ ْ قوُلوا قَد ْ أ َ ة يَ ُ صيب َ ٌ م ِ ك ُ صب ْ َ ن تُ ِ وَإ ِ ْ
ن) مُنو َ مؤ ْ ِ ل ال ْ ُ موَْلَنا وَعََلى الل ّهِ فَل ْي َت َوَك ّ ِ ه ل ََنا هُوَ َ ب الل ّ ُ ما ك َت َ َ صيب ََنا إ ِّل َ ن يُ ِ ل لَ ْ قُ ْ
َ ْ ّ
مصيب َك ُ ُ ن يُ ِ مأ ْ ص ب ِك ُ ْ ن ن َت ََرب ّ ُ ح ُ ن وَن َ ْ سن َي َي ْ ِ ح ْ دى ال ُ ح َ ن ب َِنا إ ِل إ ِ ْ صو َ ل ت ََرب ّ ُ ل هَ ْ (51قُ ْ
َ َ َ
قوا ل أن ْفِ ُ ن ) (52قُ ْ صو َ مت ََرب ّ ُ م ُ معَك ُ ْ صوا إ ِّنا َ ديَنا فَت ََرب ّ ُ عن ْدِهِ أوْ ب ِأي ْ ِ ن ِ م ْ ب ِ ذا ٍ ه ب ِعَ َ الل ّ ُ
ل منك ُم إنك ُم ك ُنتم قَوما َفاسقين ) (53وما منعه َ عا أ َوْ ك َْر ً
ن مأ ْ َ َ َ ََ ُ ْ
ْ ِ ِ َ قب ّ َ ِ ْ ْ ِ ّ ْ ْ ُ ْ ْ ً ن ي ُت َ َ ها ل َ ْ ط َوْ ً
َ
م صَلة َ إ ِّل وَهُ ْ ن ال ّ سول ِهِ وََل ي َأُتو َ فُروا ِبالل ّهِ وَب َِر ُ م كَ َ م إ ِّل أن ّهُ ْ قات ُهُ ْ ف َ م نَ َ من ْهُ ْ ل ِ قب َ َ تُ ْ
َ َ َ ُ َ َ َ ّ َ َ
ما م إ ِن ّ َ م وَل أوْلد ُهُ ْ والهُ ْ م َ جب ْك أ ْ َ ن ) (54فَل ت ُعْ ِ هو َ م كارِ ُ ن إ ِل وَهُ ْ قو َ سالى وَل ي ُن ْفِ ُ كُ َ
َ
ن )(55 كافُِرو َ م َ م وَهُ ْ سهُ ْ ف ُ حَياةِ الد ّن َْيا وَت َْزهَقَ أن ْ ُ م ب َِها ِفي ال ْ َ ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ ريد ُ الل ّ ُ يُ ِ
ن
دو َ ج ُ ن ) (56لوْ ي َ ِ َ فَرقو َ ُ م يَ ْ م قوْ ٌ َ م وَلك ِن ّهُ ْ َ من ْك ْ ُ م ِ ما هُ ْ م وَ َ من ْك ْ ُ مل ِ َ ن ِباللهِ إ ِن ّهُ ْ ّ فو َ حل ِ ُ وَي َ ْ
ن ي َل ِْ َ ّ َ ً َ َ ً
مُزكَ م ْ م َ من ْهُ ْ ن ) (57وَ ِ حو َ م ُ ج َ م يَ ْ وا إ ِلي ْهِ وَهُ ْ خل لوَل ْ مد ّ َ ت أوْ ُ مَغاَرا ٍ جأ أوْ َ مل ْ َ َ
ُ َ َ ُ ُ َ َ
ن) خطو َ س َ م يَ ْ من َْها إ َِذا هُ ْ وا ِ م ي ُعْط ْ نل ْ ضوا وَإ ِ ْ من َْها َر ُ ن أعْطوا ِ ت فإ ِ ْ صد َقا ِ ِفي ال ّ
ّ ّ ُ ُ ّ َ َ
ن
ُ ِ ْ م ه ل ال نا ُ َ ُ ِ َ تي ْ ؤ ي س ه ل ال نا َ ْ َُ ب س ح لوا قا َ و
ُ ََ ُ ُ َ ه ل سو ر و ه ل ال م َ َ ُ ُ ه تا آ ما ضوا (58وَل َ ْ ّ ُ ْ َ ُر م ه ن أ و
ن كي ِ سا ِ م َ قَراِء َوال ْ َ ف َ ت ل ِل ْ ُ صد ََقا ُ ما ال ّ ن ) (59إ ِن ّ َ ه إ ِّنا إ َِلى الل ّهِ َراِغُبو َ سول ُ ُ ضل ِهِ وََر ُ فَ ْ
ل الل ّ ِ
ه سِبي ِ ن وَِفي َ مي َ ب َوال َْغارِ ِ م وَِفي الّرَقا ِ فةِ قُُلوب ُهُ ْ مؤَل ّ َ ن عَل َي َْها َوال ْ ُ مِلي َ َوال َْعا ِ
نن ي ُؤُْذو َ ذي َ م ال ّ ِ من ْهُ ُ م ) (60وَ ِ كي ٌ ح ِ م َ ه عَِلي ٌ ن الل ّهِ َوالل ّ ُ م َ ة ِ ض ً ري َ ل فَ ِ سِبي ِ ن ال ّ َواب ْ ِ
ْ ّ َ ُ ُ ُ
ةم ٌ ح َ ن وََر ْ مِني َ مؤ ْ ِ ن ل ِل ُ م ُ ن ِباللهِ وَي ُؤْ ِ م ُ م ي ُؤْ ِ خي ْرٍ لك ُ ْ ن َ ل أذ ُ ُ ن قُ ْ ن هُوَ أذ ُ ٌ قولو َ ي وَي َ ُ الن ّب ِ ّ
َ َ ّ ّ َ
نفو َ حل ِ ُ م ) (61ي َ ْ ب أِلي ٌ ذا ٌ م عَ َ ل اللهِ لهُ ْ سو َ ن َر ُ ن ي ُؤُْذو َ ذي َ م َوال ِ من ْك ُ ْ مُنوا ِ نآ َ ذي َ ل ِل ّ ِ
َ َ بالل ّه ل َك ُم ل ِيرضوك ُم والل ّه ورسول ُ َ
ن ) (62أل َ ْ
م مِني َ مؤ ْ ِ كاُنوا ُ ن َ ضوه ُ إ ِ ْ ن ي ُْر ُ حق ّ أ ْ هأ َ ْ َ ُ ََ ُ ُ ْ ُْ ُ ِ ِ
ْ َ َ َ ّ َ
ي
خْز ُ دا ِفيَها ذ َل ِك ال ِ َ خال ِ ً م َ جهَن ّ َ ه َناَر َ نل ُ ه فَأ ّ سول ُ ه وََر ُ حادِدِ الل َ ن يُ َ م ْ ه َ موا أن ّ ُ ي َعْل َ ُ
َ
مما ِفي قُُلوب ِهِ ْ م بِ َ سوَرة ٌ ت ُن َب ّئ ُهُ ْ م ُ ل عَل َي ْهِ ْ ن ت ُن َّز َ نأ ْ قو َ مَنافِ ُ حذ َُر ال ْ ُ م ) (63ي َ ْ ظي ُ ال ْعَ ِ
َ
ما ك ُّنا ن إ ِن ّ َ قول ُ ّ م ل َي َ ُ سأل ْت َهُ ْ ن َ ن ) (64وَل َئ ِ ْ حذ َُرو َ ما ت َ ْ ج َ خرِ ٌ م ْ ه ُ ن الل ّ َ ست َهْزُِئوا إ ِ ّ لا ْ قُ ِ
َ ُ َ ّ َ ْ
ن ) (65ل ت َعْت َذُِروا قَد ْ ست َهْزُِئو َ م تَ ْ سول ِهِ كن ْت ُ ْ ل أِباللهِ وَآَيات ِهِ وََر ُ ب قُ ْ ض وَن َلعَ ُ خو ُ نَ ُ
َ َ َ ُ َ ُ كَ َ
م كاُنوا ة ب ِأن ّهُ ْ ف ً ب طائ ِ َ م ن ُعَذ ّ ْ من ْك ْ فةٍ ِ ن طائ ِ َ ف عَ ْ ن ن َعْ ُ م إِ ْ مان ِك ْ م ب َعْد َ ِإي َ فْرت ُ ْ
ْ
من ْك َ ِ
ر ن ِبال ْ ُ مُرو َ ض ي َأ ُ ن ب َعْ ٍ م ْ م ِ ضهُ ْ ت ب َعْ ُ قا ُ مَنافِ َ ن َوال ْ ُ قو َ مَنافِ ُ ن ) (66ال ْ ُ مي َ جرِ ِ م ْ ُ
م ْ َ ّ َ ْ
ن هُ ُ قي َ مَنافِ ِ ن ال ُ م إِ ّ سي َهُ ْ ه فن َ ِ سوا الل َ م نَ ُ ن أي ْدِي َهُ ْ ضو َ قب ِ ُ ف وَي َ ْ معُْرو ِ ن ال َ ن عَ ِ وَي َن ْهَوْ َ
ن دي
َ َ َ َ َ ّ َ َ ِ ِ َ ل خا م ن ه ج ر نا ر فا ّ ُ ك ْ ل وا ِ َ ت قا َ ف نا
ُ ُ َ ِ ِ َ َ ُ َ ِ م ْ ل وا ن قي ف نا م ْ ل ا ه ّ ل ال َ َ َ د ع و ( 67 ) نَ قو ُ س
فا ِ ال ْ َ
كاُنوا م َ ن قَب ْل ِك ُ ْ م ْ ن ِ ذي َ كال ّ ِ م )َ (68 قي ٌ م ِ ب ُ ذا ٌ م عَ َ ه وَل َهُ ْ م الل ّ ُ م وَل َعَن َهُ ُ سب ُهُ ْ ح ْ ي َ ِفيَها هِ َ
م ُ َ َ َ َ َ َ ً َ َ ْ َ ُ ُ أَ َ
خلقِك ْ م بِ َ مت َعْت ُ ْ ست َ ْ م فا ْ خلقِهِ ْ مت َُعوا ب ِ َ ست َ ْ وال وَأوْلًدا فا ْ م َ م قوّة ً وَأكثَر أ ْ من ْك ْ شد ّ ِ
ت حب ِط َ ْ ك َ ضوا ُأول َئ ِ َ خا ُ ذي َ كال ّ ِ م َ ضت ُ ْ خ ْ م وَ ُ خَلقِهِ ْ م بِ َ ن قَب ْل ِك ُ ْ م ْ ن ِ ذي َ مت َعَ ال ّ ِ ست َ ْ ما ا ْ كَ َ
ُ ْ َ ُ َ َ
ن ذي َ م ن َب َأ ال ّ ِ م ي َأت ِهِ ْ ن ) (69أل َ ْ سُرو َ خا ِ م ال ْ َ ك هُ ُ خَرةِ وَأول َئ ِ َ م ِفي الد ّن َْيا َواْل ِ مال ُهُ ْ أعْ َ
َ
ت كا ِ ف َ مؤْت َ ِ ن َوال ْ ُ مد ْي َ َ ب َ حا ِ ص َ م وَأ ْ هي َ مود َ وَقَوْم ِ إ ِب َْرا ِ عاد ٍ وَث َ ُ م قَوْم ِ ُنوٍح وَ َ ن قَب ْل ِهِ ْ م ْ ِ
ن) مو ل ْ ظ ي م ه س ُ ف ن َ أ نوا كاَ ن ك َ ل و م ه م ل ْ ظ ي ل ه ّ ل ال ن كا َ ما َ ف ت ْ ُ َ
ُ َ ِ ْ َ ُ ْ َ ُ َ ُ ْ َ ِ ْْ ِ ُ َ ِ َ َ أَُْ ْ ُ ُ ُ ْ ِ ََّ ِ نا ي ب ل با م ه ل س ر م ه ت ت
(70وال ْمؤْمنون وال ْمؤْمنات بعضه َ
ن ف وَي َن ْهَوْ َ معُْرو ِ ن ِبال ْ َ مُرو َ ض ي َأ ُ ٍ م أوْل َِياُء ب َعْ َ ُ ِ ُ َ َ ُ ِ َ ُ َْ ُ ُ ْ
َ ُ َ ّ
ك ه أولئ ِ َ سول ُ ه وََر ُ ن الل َ طيُعو َ كاةَ وَي ُ ِ ن الّز َ صَلة َ وَي ُؤُْتو َ ن ال ّ مو َ قي ُ من ْك َرِ وَي ُ ِ ن ال ْ ُ عَ ِ
ت جّنا ٍ ت َ مَنا ِ مؤ ْ ِ ن َوال ُ ْ مِني َ مؤ ْ ِ ه ال ُ ْ ّ
م ) (71وَعَد َ الل ُ كي ٌ ح ِ زيٌز َ ه عَ ِ ن الل َ ّ ه إِ ّ م الل ُ ّ مهُ ُ ح ُ سي َْر َ َ
ن وا ٌ ض ر و ن د ع ت نا ج في ة ب ي َ ط ن ك سا م و ها في ن دي ل خا ر ها ن َ ل ْ ا ها ت ح ت ن م ري
ٍ َ ِ َ ْ ْ َ ِ ّ َ ِ ً َ ّ
َ
َ ِ َ َ َ َ ِ َ ِ ِ َ َ ُ ْ َ ِ ْ َ ْ
َ
ِ تَ ِ ج
ْ
ن
قي َ مَنافِ ِ فاَر َوال ُ ْ ُ
جاهِدِ الك ّ ْ ي َ م )َ (72يا أي َّها الن ّب ِ ّ ظي ُ فوُْز العَ ِ ْ ْ
ن اللهِ أكب َُر ذ َل ِك هُوَ ال َ َ ْ ّ م َ ِ
َ ُ ّ ْ ْ َ ْ ُ
قد ْ ما َقالوا وَل َ ن ِباللهِ َ فو َ حل ِ ُ صيُر ) (73ي َ ْ م ِ س ال َ م وَب ِئ ْ َ جهَن ّ ُ م َ مأَواهُ ْ م وَ َ َواغْلظ عَلي ْهِ ْ
َ ّ ُ َ َ ة ال ْك ْ
ن موا إ ِل أ ْ ق ُ ما ن َ َ م ي ََنالوا وَ َ ما ل ْ موا ب ِ َ م وَهَ ّ مهِ ْ سل ِ فُروا ب َعْد َ إ ِ ْ فرِ وَك َ َ ُ م َ َقاُلوا ك َل ِ َ
َ
م الل ّ ُ
ه وا ي ُعَذ ّب ْهُ ُ ن ي َت َوَل ّ ْ م وَإ ِ ْ خي ًْرا ل َهُ ْ ك َ ن ي َُتوُبوا ي َ ُ ضل ِهِ فَإ ِ ْ ن فَ ْ م ْ ه ِ سول ُ ُ ه وََر ُ م الل ّ ُ أغَْناهُ ُ
َْ ما ِفي الد ّن َْيا َواْل َ ِ َ
صيرٍ )(74 ي وََل ن َ ِ ن وَل ِ ّ م ْ ض ِ م ِفي الْر ِ ما ل َهُ ْ خَرةِ وَ َ ذاًبا أِلي ً عَ َ
ن) ُ َ َ َ َ َ َ ّ
حي َ صال ِ ِ ن ال َ ّ م َ ن ِ ن وَلن َكون َ ّ صد ّق ّ ضل ِهِ لن َ ّ نف ْ م ْ ن آَتاَنا ِ ه لئ ِ ْ عاهَد َ الل َ ن َ م ْ م َ من ْهُ ْ وَ ِ
فاًقا م نِ َ ه ب َ ق ع أ َ ف ( 76 ) ن ضو ر ع م م ه و وا ّ ل و ت و ه ب لوا ُ خ ب ه ل ض َ ف ن م م ه تا َ آ ما َ ل َ ف ( 75
ْ َُ ْ ِ ِ ََ َ ْ َ ُ ْ ُ ْ ِ ُ َ ْ ِ ِ َ ِ ّ َ ُ ْ ِ ْ
ّ َ قونه بما أ َ
ن )(77 ُ َ ُِ َ بو ذ ْ ك ي نوا كا َ ما َ َ َ ُ ُ َِ َ ب و ه دو َ ع و ما ه ل ال فوا ُ ل خ ْ م إ َِلى ي َوْ ِ َ ْ َ ُ ِ َ َ ْ ل ي م ِفي قُُلوب ِهِ ْ
َ َ َ
ن ذي َ ب ) (78ال ّ ِ م ال ْغُُيو ِ ه عَّل ُ ن الل ّ َ م وَأ ّ واهُ ْ ج َ م وَن َ ْ سّرهُ ْ م ِ ه ي َعْل َ ُ ن الل ّ َ موا أ ّ م ي َعْل َ ُ أل َ ْ
مجهْد َهُ ْ ن إ ِّل ُ دو َ ج ُ ن َل ي َ ِ ذي َ ت َوال ّ ِ صد ََقا ِ ن ِفي ال ّ مِني َ مؤ ْ ِ ن ال ْ ُ م َ ن ِ عي َ مط ّوّ ِ ن ال ْ ُ مُزو َ ي َل ْ ِ
م أ َوْ لَ فْر لهُ ْ َ ست َغْ ِ م ) (79ا ْ ب أِلي ٌ
َ
ذا ٌ م عَ َ م وَلهُ ْ َ من ْهُ ْ ه ِ ّ
خَر الل ُ س ِ م َ من ْهُ ْ ن ِ خُرو َ س َ فَي َ ْ
م كَ َ َ م ذ َل ِ َ َ ّ َ َ َ
فُروا ك ب ِأن ّهُ ْ ه لهُ ْ فَر الل ُ ن ي َغْ ِ مّرةً فَل ْ ن َ سب ِْعي َ م َ فْر لهُ ْ ست َغْ ِ ن تَ ْ م إِ ْ فْر لهُ ْ ست َغْ ِ تَ ْ
مقعَدِهِ ْ م ْ ن بِ َ فو َ خل ُ ّ م َ ح ال ُ ْ ن ) (80فَرِ َ قي َ س ِ فا ِ م ال َ ْ قو ْ َ دي ال َ ْ ه ل ي َهْ ِ َ سول ِهِ َوالل ُ ّ ِباللهِ وََر ُ ّ
هّ َ َ َ ّ
ل الل ِ سِبي ِ م ِفي َ سهِ ْ ف ِ م وَأن ْ ُ وال ِهِ ْ م َ دوا ب ِأ ْ جاهِ ُ ن يُ َ هوا أ ْ ل اللهِ وَكرِ ُ َ سو ِ ف َر ُ خَل َ ِ
َ َ َ حّر قُ ْ ْ َ ُ
ن )(81 قُهو َ ف َ حّرا لوْ كاُنوا ي َ ْ شد ّ َ مأ َ جهَن ّ َ ل َناُر َ فُروا ِفي ال َ وََقالوا ل ت َن ْ ِ
هّ
جعَك الل ُ َ ن َر َ ن ) (82فَإ ِ ْ سُبو َ ما كاُنوا ي َك ِ ْ َ جَزاًء ب ِ َ كوا قَِليل وَلي َب ْكوا كِثيًرا َ َ ُ ْ ً ح ُ ض َ فَل ْي َ ْ
قات ُِلوا َ ْ
ن تُ َ دا وَل َ ْ ي أب َ ً معِ َ جوا َ خُر ُ ن تَ ْ ل لَ ْ ق ْ خُروِج فَ ُ ك ل ِل ْ ُ ست َأذ َُنو َ م َفا ْ من ْهُ ْ فةٍ ِ طائ ِ َ إ َِلى َ
َ
ل ص ّ ن ) (83وََل ت ُ َ في َ خال ِ ِ معَ ال ْ َ دوا َ مّرةٍ َفاقْعُ ُ ل َ قُعودِ أوّ َ م ِبال ْ ُ ضيت ُ ْ م َر ِ ي عَد ُّوا إ ِن ّك ُ ْ معِ َ َ
ماُتوا ّ َ َ َ َ َ َ َ
سول ِهِ وَ َ فُروا ِباللهِ وََر ُ مك َ م عَلى قب ْرهِ إن ّهُ ْ ق ْ دا وَل ت َ ُ ت أب َ ً ما َ م َ من ْهُ ْ حد ٍ ِ عَلى أ َ
ك أ َموال ُهم وأِ َوَل ِدهُم إنما يريد الل ّه أ َ َ َ
م ب َِها ُ ْ َُ َُ ْ ه ب ّ ذ ع ي ن ْ َ ُ ْ َ ْ ُ ْ ِّ َ ُ ِ ُ ب
َ ُْ ِ ْ ج ع ت ل و ( 84 ) ن َ قو ُ سم َفا ِ وَهُ ْ
َ َ ُ َ
مُنوا ِبالل ّ ِ
ه نآ ِ سوَرة ٌ أ ْ ت ُ ن ) (85وَإ َِذا أن ْزِل َ ْ كافُِرو َ م َ م وَهُ ْ سهُ ْ ف ُ ِفي الد ّن َْيا وَت َْزهَقَ أن ْ ُ
معَ ال ْ َ ُ ْ
ن) دي َ ع ِ قا ِ ن َ م وََقاُلوا ذ َْرَنا ن َك ُ ْ من ْهُ ْ ل ِ ك أوُلو الط ّوْ ِ ست َأذ َن َ َ سول ِهِ ا ْ معَ َر ُ
َ
دوا َ جاهِ ُ وَ َ
ن )(87 قُهو َ ف َ م َل ي َ ْ م فَهُ ْ ف وَط ُب ِعَ عََلى قُُلوب ِهِ ْ وال ِ ِ خ َ معَ ال ْ َ كوُنوا َ ن يَ ُ ضوا ب ِأ ْ َ (86ر ُ
َ َ ُ َ َ َ ّ
م ك لهُ ُ م وَأولئ ِ َ سهِ ْ ف ِ م وَأن ْ ُ وال ِهِ ْ م َ دوا ب ِأ ْ جاهَ ُ ه َ معَ ُ مُنوا َ نآ َ ذي َ ل َوال ِ سو ُ ن الّر ُ ِ ل َك ِ
َ ت وَُأول َئ ِ َ
حت َِها ن تَ ْ م ْ ري ِ ج ِ ت تَ ْ جّنا ٍ م َ ه ل َهُ ْ ن ) (88أعَد ّ الل ّ ُ حو َ فل ِ ُ م ْ م ال ْ ُ ك هُ ُ خي َْرا ُ ال ْ َ
َ اْل َن َْهاُر َ
بن اْلعَْرا ِ م َ ن ِ معَذ ُّرو َ جاَء ال ْ ُ م ) (89وَ َ ظي ُ فوُْز ال ْعَ ِ ك ال ْ َ ن ِفيَها ذ َل ِ َ دي َ خال ِ ِ
ب ذا ٌ م عَ َ من ْهُ ْ فُروا ِ ن كَ َ ذي َ ب ال ّ ِ صي ُ سي ُ ِ ه َ سول َ ُ ه وََر ُ ن ك َذ َُبوا الل ّ َ ذي َ م وَقَعَد َ ال ّ ِ ن ل َهُ ْ ل ِي ُؤْذ َ َ
ما َ ّ َ َ ْ َ َ َ َ َ
ن َ دو َ ج ُ ن ل يَ ِ ذي َ ضى وَل عَلى ال ِ مْر َ فاِء وَل عَلى ال َ ضعَ َ س عَلى ال ّ م ) (90لي ْ َ أِلي ٌ
فوٌر ه غَ ُ ل َوالل ّ ُ سِبي ٍ ن َ م ْ ن ِ سِني َ ح ِ م ْ ما عََلى ال ْ ُ سول ِهِ َ حوا ل ِل ّهِ وََر ُ ص ُ ج إ َِذا ن َ َ حَر ٌ ن َ قو َ ي ُن ْفِ ُ
َ ُ ُ َ َ َ ْ َ َ َ ّ َ َ
ه
م عَلي ْ ِ مل ك ْ ح ِ ما أ ْ جد ُ َ تلأ ِ م قُل َ ملهُ ْ ح ِ ما أت َوْك ل ِت َ ْ ن إ َِذا َ ذي َ م ) (91وَل عَلى ال ِ حي ٌ َر ِ
ل سِبي ُ ّ َ َ ّ
ما ال ّ ن ) (92إ ِن ّ َ قو َ ما ي ُن ْفِ ُ دوا َ ج ُ حَزًنا أل ي َ ِ مِع َ ن الد ّ ْ م َ ض ِ في ُ م تَ ِ وا وَأعْي ُن ُهُ ْ ت َوَل ْ
هّ َ ْ َ َ ْ
ف وَطب َعَ الل ُ وال ِ ِ خ َ معَ ال َ ن ي َكوُنوا َ ُ ضوا ب ِأ ْ م أغن َِياُء َر ُ ْ ست َأذُِنون َك وَهُ ْ َ ن يَ ْ ذي َ عََلى ال ِ ّ
ل َل م قُ ْ م إ ِل َي ْهِ ْ جعْت ُ ْ م إ َِذا َر َ ن إ ِل َي ْك ُ ْ ن ) (93ي َعْت َذُِرو َ مو َ م َل ي َعْل َ ُ م فَهُ ْ عََلى قُُلوب ِهِ ْ
َ َ
سول ُ ُ
ه م وََر ُ مل َك ُ ْ ه عَ َ سي ََرى الل ّ ُ م وَ َ خَبارِك ُ ْ نأ ْ م ْ ه ِ م قَد ْ ن َب ّأَنا الل ّ ُ ن ل َك ُ ْ م َ ن ن ُؤْ ِ ت َعْت َذُِروا ل َ ْ
ن )(94 مُلو َ م ت َعْ َ ما ك ُن ْت ُ ْ م بِ َ شَهاد َةِ فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ ب َوال ّ عال ِم ِ ال ْغَي ْ ِ ن إ َِلى َ م ت َُرّدو َ ثُ ّ
م َ َ َ َ م إ َِذا ان ْ َ ُ َ ّ
م إ ِن ّهُ ْ ضوا عَن ْهُ ْ م فأعْرِ ُ ضوا عَن ْهُ ْ م ل ِت ُعْرِ ُ م إ ِلي ْهِ ْ قلب ْت ُ ْ ن ِباللهِ لك ْ فو َ حل ِ ُ سي َ ْ َ
وا ُ َ ْ َ ْ
ض ْ م ل ِت َْر َ ن لك ْ فو َ حل ِ ُ ن ) (95ي َ ْ سُبو َ ما كاُنوا ي َك ِ جَزاًء ب ِ َ م َ جهَن ّ ُ م َ مأَواهُ ْ س وَ َ ج ٌ رِ ْ
ب ْ َ ُ را ع َ لْ ا ( 96 ) ن قي س فا َ ْ ل ا م و َ ق ْ ل ا ن ع ضى ر ي ل َ ه ّ ل ال ن َ
عَن ْ ُ ْ ِ ْ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ ِ ّ
إ ف م ه ن ع وا ض ر ت ن إ َ ف م ه
ِ ِ َ ْ ِ ََ ِ َْ َ َ
َ َ
مه عَِلي ٌ سول ِهِ َوالل ّ ُ ه عََلى َر ُ ل الل ّ ُ ما أن َْز َ دود َ َ ح ُ موا ُ جد َُر أّل ي َعْل َ ُ فاًقا وَأ ْ فًرا وَن ِ َ شد ّ ك ُ ْ أَ َ
َ
م الد َّوائ َِر ص ب ِك ُ ُ ما وَي َت ََرب ّ ُ مغَْر ً فق ُ َ ما ي ُن ْ ِ خذ ُ َ ن ي َت ّ ِ م ْ ب َ ن اْلعَْرا ِ م َ م ) (97وَ ِ كي ٌ ح ِ َ
هّ
ن ِبالل ِ مِ ْ ؤ ي
َ ِ َ ْ ُ ن م ب را ْ ع َ ل ْ ا ن م
ِ و ( 98 ) م لي ِ َ ع ع
ّ ْ َ ُ َ ٌ مي ِ س ه ّ ل وال ِ ء و س ال ُ ة ر ِ ئ دا م ه ي َ ل َ ع
ُ َ َ ٌ ِْ ْ َ َ
ل أ ََل إ ِن َّها قُْرب َ ٌ
ة ّ ُ ِ سو ر ال ت ِ وا َ َ َ َ ل ص و ِ ه ّ ل ال َ د ْ ن ع ِ ت ٍ با َ ر ُ ُ ُ ق ق ف
ِ ْ ن ُ ي ما َ ُ ذ خِ ّ ت َ ي َوال ْي َوْم ِ اْل ِ َ
و ر خ
ِ َ
ن اْل َوُّلو َ
ن قو َ ساب ِ ُ م )َ (99وال ّ حي ٌ فوٌر َر ِ ه غَ ُ ن الل ّ َ مت ِهِ إ ِ ّ ح َ ه ِفي َر ْ م الل ّ ُ خل ُهُ ُ سي ُد ْ ِ م َ ل َهُ ْ
َ
ه
ضوا عَن ْ ُ م وََر ُ ه عَن ْهُ ْ ي الل ّ ُ ض َ ن َر ِ سا ٍ ح َ م ب ِإ ِ ْ ن ات ّب َُعوهُ ْ ذي َ صارِ َوال ّ ِ ن َواْلن ْ َ ري َ ج ِ مَها ِ ن ال ْ ُ م َ ِ
م) ْ ْ
دا ذ َل ِك ال َ َ َ َ ْ َ َ
ظي ُ فوُْز العَ ِ ن ِفيَها أب َ ً دي َ خال ِ ِ حت ََها الن َْهاُر َ ري ت َ ْ ج ِ ت تَ ْ جّنا ٍ م َ وَأعَد ّ لهُ ْ
مَرُدوا عَلى َ ْ َ َ ْ ُ َ
دين َةِ َ م ِ ل ال َ ن أهْ ِ م ْ ن وَ ِ قو َ مَنافِ ُ ب ُ ن العَْرا ِ م َ م ِ حوْلك ْ ن َ م ْ م ّ (100وَ ِ
ظيم ٍ ) ب عَ ِ ذا ٍ ن إ ِلى عَ َ َ م ي َُرّدو َ ن ثُ ّ سن ُعَذ ّب ُهُ ْ َ ق َل ت َعْل ُ
َ
َ مّرت َي ْ ِ م َ م َ مهُ ْ ن ن َعْل ُ ح ُ م نَ ْ مهُ ْ فا ِ الن ّ َ
ّ ً َ ً ُ َ ُ َ
ن هأ ْ سى الل ُ سي ّئا عَ َ خَر َ حا وَآ َ صال ِ ً مل َ خلطوا عَ َ م َ ن اعْت ََرفوا ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ خُرو َ (101وَآ َ
َ َ ّ
م ة ت ُطهُّرهُ ْ صد َق ً َ م َ وال ِهِ ْ م َ نأ ْ م ْ خذ ْ ِ م )ُ (102 حي ٌ فوٌر َر ِ هغ ُ َ ن الل َ م إِ ّ ب عَل َي ْهِ ْ ي َُتو َ
م َ َ ّ َ َ َ َ َ ّ ّ
م ) (103أل ْ ميعٌ عَِلي ٌ س ِ ه َ م َوالل ُ ن لهُ ْ سك ن صلت َك َ مإ ّ صل عَلي ْهِ ْ م ب َِها وَ َ وَت َُزكيهِ ْ
ّ َ ل الت ِوبة َعن عباده ٌويأ ْ ّ َ
ب َ ُ َ ّ ّ ُ وا ت ال و ه ه ل ال ن ّ َ ِ َ ّ أ و ت قا َ د ص ال ُ ذ خ ّ َْ َ َ ْ ِ َ ِ ِ ََ ُ ُ ب
َ ُ َ َ َ ْ ق ي و ه ه ل ال ن موا أ ّ ي َعْل َ ُ
ن
مُنو َ مؤ ْ ِ ه َوال ْ ُ سول ُ ُ م وََر ُ مل َك ُ ْ ه عَ َ سي ََرى الل ّ ُ مُلوا فَ َ ل اعْ َ م ) (104وَقُ ِ حي ُ الّر ِ
ن )(105 مُلو َ م ت َعْ َ ما ك ُن ْت ُ ْ م بِ َ شَهاد َةِ فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ ب َوال ّ عال ِم ِ ال ْغَي ْ ِ ن إ َِلى َ ست َُرّدو َ وَ َ
َ وَآ َ َ
م) كي ٌ ح ِ م َ ه عَِلي ٌ م َوالل ّ ُ ب عَل َي ْهِ ْ ما ي َُتو ُ م وَإ ِ ّ ما ي ُعَذ ّب ُهُ ْ مرِ الل ّهِ إ ِ ّ ن ِل ْ جو ْ َ مْر َ ن ُ خُرو َ
صاًدا ن وَإ ِْر َ مِني َ مؤ ْ ِ ن ال ْ ُ قا ب َي ْ َ ري ً ف َِ فًرا وَت َ ْ ضَراًرا وَك ُ ْ دا ِ ج ً س ِ م ْ ذوا َ خ ُ ن ات ّ َ ذي َ َ (106وال ّ ِ
شهَد ُ ه يَ ْ سَنى َوالل ّ ُ ح ْ ن أَرد َْنا إ ِّل ال ْ ُ ن إِ ْ ف ّ حل ِ ُ ل وَل َي َ ْ ن قَب ْ ُ م ْ ه ِ سول َ ُ ه وََر ُ ب الل ّ َ حاَر َ ن َ م ْ لِ َ
َ َ ُ َ َ َ َ َ
ل ي َوْم ٍ ن أوّ ِ م ْ وى ِ ق َ س عَلى الت ّ ْ س َ جد ٌ أ ّ س ِ م ْ دا ل َ
َ
م ِفيهِ أب َ ً ق ْ ن ) (107ل ت َ ُ م لكاذُِبو َ
َ
إ ِن ّهُ ْ
َ
ن )(108 ري َ مطهّ ِ ّ ب ال ُ ْ ح ّ ه يُ ِ ّ
ن ي َت َطهُّروا َوالل ُ َ نأ ْ حّبو َ ل يُ ِ جا ٌ م ِفيهِ ِفيهِ رِ َ قو َ ن تَ ُ حق ّ أ ْ أ َ
ه عََلى خير أ َم م َ أ َفَم َ
س ب ُن َْيان َ ُ س َ نأ ّ ن َ ٌْ ْ َ ْ وا ٍ ض َ ن الل ّهِ وَرِ ْ م َ وى ِ ق َ ه عََلى ت َ ْ س ب ُن َْيان َ ُ س َ نأ ّ َ ْ
ن )(109 مي َ م الظال ِ ِ ّ قو ْ َ دي ال َ ْ ه ل ي َهْ ِ َ م َوالل ُ ّ جهَن ّ َ هارٍ َفان َْهاَر ب ِهِ ِفي َنارِ َ ف َ جُر ٍ فا ُ ش َ َ
م ّ ُ ُ ّ َ ّ ُ ُ ّ َل ي ََزا ُ
ه عَِلي ٌ م َوالل ُ قطعَ قلوب ُهُ ْ ن تَ َ م إ ِل أ ْ ة ِفي قلوب ِهِ ْ وا ِريب َ ً ذي ب َن َ ْ م ال ِ ل ب ُن َْيان ُهُ ُ
َ َ َ
ة
جن ّ َ م ال ْ َ ن ل َهُ ُ م ب ِأ ّ وال َهُ ْ م َ م وَأ ْ سهُ ْ ف َ ن أن ْ ُ مِني َ مؤ ْ ِ ن ال ْ ُ م َ شت ََرى ِ ها ْ ن الل ّ َ م ) (110إ ِ ّ كي ٌ ح ِ َ
ل جي ِ ْ
قا ِفي الت ّوَْراةِ َوال ِن ْ ِ ح ّ دا عَلي ْهِ َ َ ن وَعْ ً قت َلو َ ُ ن وَي ُ ْ قت ُلو َ ُ ل اللهِ في َ ْ َ ّ سِبي ِ ن ِفي َ قات ِلو َ ُ يُ َ
ك م ب ِهِ وَذ َل ِ َ ت ع ي با ذي ّ ل ا م ُ ك ع ي ب ب روا ش ب ت س فا َ ه ّ ل ال ن م ه د ه ع ب فى َ َ َ ْ
ِ َ َُْ ْ َِِْ ُ ْ َْ ِ ُ ِ َِ ْ ِ ِ ِ َ َوا ْ ِ َ َ ْ ْ
و أ ن م و ن آ ر ُ ق ل
نن الّراك ُِعو َ حو َ سائ ِ ُ ن ال ّ دو َ م ُ حا ِ ن ال ْ َ دو َ ن ال َْعاب ِ ُ م ) (111الّتائ ُِبو َ ظي ُ فوُْز ال ْعَ ِ هُوَ ال ْ َ
دودِ الل ّ ِ
ه ح ُ ن لِ ُ ظو َ حافِ ُ من ْك َرِ َوال ْ َ ن ال ْ ُ ن ِبال ْ َ ن اْل ِ َ
َ ن عَ ِ هو َ ف َوالّنا ُ معُْرو ِ مُرو َ دو َ ج ُ سا ِ ال ّ
َ
ن كي َ شرِ ِ م ْ فُروا ل ِل ْ ُ ست َغْ ِ ن يَ ْ مُنوا أ ْ نآ َ ذي َ ي َوال ّ ِ ن ِللن ّب ِ ّ كا َ ما َ ن )َ (112 مِني َ مؤْ ِ شرِ ال ْ ُ وَب َ ّ
ْ َ َ َ ُ وَل َوْ َ
ما حيم ِ ) (113وَ َ ج ِ ب ال َ حا ُ ص َ مأ ْ م أن ّهُ ْ ن لهُ ْ ما ت َب َي ّ َ ن ب َعْد ِ َ م ْ كاُنوا أوِلي قُْرَبى ِ
ها إياه فَل َما تبين ل َ َ َ
ه عَد ُوّ ل ِل ّ ِ
ه ه أن ّ ُ ّ ََّ َ ُ عد َةٍ وَعَد َ َ ِ ّ ُ مو ْ ِ ن َ م ِلِبيهِ إ ِّل عَ ْ هي َ فاُر إ ِب َْرا ِ ست ِغْ َ نا ْ كا َ َ
ّ َ َ َ َ
مداهُ ْ ما ب َعْد َ إ ِذ ْ هَ َ ل قَوْ ً ض ّ ه ل ِي ُ ِ ن الل ُ ما كا َ م ) (114وَ َ حِلي ٌ م لّواه ٌ َ هي َ ن إ ِب َْرا ِ ه إِ ّ من ْ ُ ت َب َّرأ ِ
مل ْكُ ه ُ هل ُ َ ن الل َ ّ م ) (115إ ِ ّ يٍء عَِلي ٌ ش ْ ل َ ه ب ِك ّ ُ ن الل َ ّ ن إِ ّ قو َ ما ي َت ّ ُ م َ ن لهُ ْ َ حّتى ي ُب َي ّ َ َ
صيرٍ ) ي وَل ن َ ِ َ ّ ُ َ َ ْ
ن وَل ِ ّ م ْ ن اللهِ ِ ن ُدو ِ م ْ م ِ ما لك ْ ت وَ َ مي ُ حِيي وَي ُ ِ ض يُ ْ ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َ ال ّ
ة
ساعَ ِ ّ َ ْ ْ َ ّ َ
ن ات ّب َُعوه ُ ِفي َ ذي َ صارِ ال ِ ن َوالن ْ َ ري َ ج ِ مَها ِ ي َوال ُ ه عَلى الن ّب ِ ّ ب الل ُ قد ْ َتا َ (116ل َ
فم َرُءو ٌ ه ب ِهِ ْ م إ ِن ّ ُ ب عَلي ْهِ ْ َ م َتا َ م ثُ ّ من ْهُ ْ ق ِ ب فَ ِ زيغُ قُلو ُ ُ َ ال ْعُ ْ
َ ري ٍ ما كاد َ ي َ ِ ن ب َعْد ِ َ م ْ سَرةِ ِ
ما ض بِ َ م اْلْر ُ ت عَل َي ْهِ ُ ضاقَ ْ حّتى إ َِذا َ
َ
فوا َ خل ّ ُ ن ُ ذي َ م ) (117وَعََلى الث َّلث َةِ ال ّ ِ حي ٌ َر ِ
ب ُ َ ّ ّ ْ َ َ َ َ َ َ
م َتا َ ن اللهِ إ ِل إ ِلي ْهِ ث ّ م َ جأ ِ مل َ نل َ م وَظّنوا أ ْ سهُ ْ ف ُ م أن ْ ُ ت عَلي ْهِ ْ ضاق ْ ت وَ َ حب َ ْ َر ُ
هّ َ ّ َ ّ
قوا الل َ مُنوا ات ّ ُ نآ َ ذي َ م )َ (118يا أي َّها ال ِ حي ُ ب الّر ِ وا ُ ه هُوَ الت ّ ّ ن الل َ م ل ِي َُتوُبوا إ ِ ّ عَل َي ْهِ ْ
َ َ َ
ن
بأ ْ ن اْلعَْرا ِ م َ م ِ حوْل َهُ ْ ن َ م ْ دين َةِ وَ َ م ِ ل ال ْ َ ن ِلهْ ِ كا َ ما َ ن )َ (119 صادِِقي َ معَ ال ّ كوُنوا َ وَ ُ
فسه ذ َل َ َ ل الل ّهِ وََل ي َْرغَُبوا ب ِأ َن ْ ُ
مصيب ُهُ ْ م َل ي ُ ِ ك ب ِأن ّهُ ْ ن نَ ْ ِ ِ ِ م عَ ْ سهِ ْ ف ِ سو ِ ن َر ُ فوا عَ ْ خل ّ ُ ي َت َ َ
فاَر وَلَ ظ ال ْك ُّ موْط ًِئا ي َِغي ُ َ َ ّ َ َ ٌ
ن َ ُ
ل اللهِ وَل ي َطئو َ سِبي ِ ة ِفي َ ص ٌ م َ خ َ م ْ ب وَل َ ص ٌ مأ وَل ن َ َ ظَ َ
َ
ن
سِني َ ح ِ م ْ جَر ال ْ ُ ضيعُ أ ْ ه َل ي ُ ِ ن الل ّ َ ح إِ ّ صال ِ ٌ ل َ م ٌ م ب ِهِ عَ َ ب ل َهُ ْ ن عَد ُوّ ن َي ًْل إ ِّل ك ُت ِ َ م ْ ن ِ ي ََناُلو َ
ب ل َهُ ْ
م ن َوادًِيا إ ِّل ك ُت ِ َ قط َُعو َ صِغيَرةً وََل ك َِبيَرةً وََل ي َ ْ ة َ ق ًف َ ن نَ َ قو َ ) (120وََل ي ُن ْفِ ُ
ل ِيجزيهم الل ّ َ
ةكافّ ً فُروا َ ن ل ِي َن ْ ِ مُنو َ مؤ ْ ِ ن ال ْ ُ كا َ ما َ ن ) (121وَ َ مُلو َ كاُنوا ي َعْ َ ما َ ن َ س َ ح َ هأ ْ ُ َ ْ َُِ ُ
م إ َِذا ْ َ ُ ْ ه م و َ ق روا ذ ن
ّ ِ َ ُْ ُِ ي ِ ل و ن دي ال في ِ هوا ََ ُ ّ ق َ ف ت ي ِ ل ة
ٌ َ ف ِ ئ طاَ م ه
ِ ْ ٍ ِ ُْ ْن م ة َ ق ر ف ل ّ ُ ك ن ف َ ِ ْ م ر فَل َوَْل ن َ َ
ُ ّ ُ َ ّ َ ّ َ َ
ن
م َ م ِ ن ي َلون َك ُ ْ ذي َ مُنوا َقات ِلوا ال ِ نآ َ ذي َ ن )َ (122يا أي َّها ال ِ حذ َُرو َ م يَ ْ م لعَلهُ ْ جُعوا إ ِلي ْهِ ْ َر َ
َ ُ ْ ّ َ َ َ ْ ْ ال ْك ُ ّ
تما أن ْزِل ْ ن ) (123وَإ َِذا َ قي َ مت ّ ِ معَ ال ُ ه َ ن الل َ موا أ ّ ة َواعْل ُ م ِغلظ ً دوا ِفيك ُ ْ ج ُ فارِ وَلي َ ِ
ذي َ َ قو ُ َ
ماًنا م ِإي َ مُنوا فََزاد َت ْهُ ْ نآ َ ما ال ّ ِ َ ماًنا فَأ ّ ه هَذِهِ ِإي َ م َزاد َت ْ ُ ل أي ّك ُ ْ ن يَ ُ م ْ م َ من ْهُ ْ سوَرة ٌ فَ ِ ُ
َ
سا إ ِلى َ ُ ُ ّ َ
ج ً م رِ ْ ُ ْ ه ْ ت َ د زا َ ف ض
ِِ ْ َ َ ٌ ر م م ه ب لو ق في ِ نَ ذيِ ل ا ما َ ّ أ و ( 124 ) ن
َ رو ُ شِ ْ ب َ ت سْ َ ي موَ ْ ُ ه
مّرةً ُ
ن ِفي ك ّ َ َ َ َ
عام ٍ َ ل َ فت َُنو َ م يُ ْ ن أن ّهُ ْ ن ) (125أوَل ي ََروْ َ م كافُِرو َ ماُتوا وَهُ ْ م وَ َ سهِ ْ ج ِ رِ ْ
سوَرة ٌ ن َظَرَ َ ُ ّ َ َ َ
ت ُ ما أن ْزِل ْ ن ) (126وَإ َِذا َ م ي َذ ّكُرو َ ن وَل هُ ْ م ل ي َُتوُبو َ ن ثُ ّ ِ مّرت َي ْ أوْ َ
َ ل يراك ُم م َ
م م ب ِأن ّهُ ْ ه قُُلوب َهُ ْ ف الل ّ ُ صَر َ صَرُفوا َ م ان ْ َ حد ٍ ث ُ ّ نأ َ ض هَ ْ َ َ ْ ِ ْ م إ ِلى ب َعْ ٍ
ضهُ ْ َ ب َعْ ُ
َ ُ َ ُ َ َ
مما عَن ِت ّ ْ زيٌز عَلي ْهِ َ م عَ ِ سك ْ ف ِ ن أن ْ ُ م ْ ل ِ سو ٌ م َر ُ جاَءك ْ قد ْ َ ن ) (127ل َ قُهو َ ف َ م ل يَ ْ قَوْ ٌ
ه َل ي الل ّ ُ سب ِ َ ح ْ ل َ ق ْ وا فَ ُ ن ت َوَل ّ ْ م ) (128فَإ ِ ْ حي ٌ ف َر ِ ن َرُءو ٌ مِني َ مؤ ْ ِ م ِبال ْ ُ ص عَل َي ْك ُ ْ ري ٌ ح ِ َ
ظيم ِ )(129 ش العَ ِ ْ ْ ْ ّ َ ّ َ
ب العَْر ِ ت وَهُوَ َر ّ ه إ ِل هُوَ عَلي ْهِ ت َوَكل ُ إ ِل َ
م )(21 قي ٌ م ِ م ُ م ِفيَها ن َِعي ٌ ت ل َهُ ْ جّنا ٍ ن وَ َ وا ٍض َ ه وَرِ ْ من ْ ُ مةٍ ِ ح َ م ب َِر ْ م َرب ّهُ ْ شُرهُ ْ } ي ُب َ ّ
ذوا خ ُ مُنوا ل ت َت ّ ِ ّ َ َ ّ َ
نآ َ ذي َ م )َ (22يا أي َّها ال ِ ظي ٌ جٌر عَ ِ عن ْد َه ُ أ ْ ه ِ ن الل َ دا إ ِ ّ ن ِفيَها أب َ ً دي َ خال ِ ِ َ
م ُ ّ َ ُ ْ َ ُ ُ
من ْك ْ م ِ ن ي َت َوَلهُ ْ م ْ ن وَ َ ما ِ لي َ فَر عَلى ا َ ِ حّبوا الك ْ ست َ َ نا ْ م أوْل َِياَء إ ِ ِ وان َك ْ خ َ م وَإ ِ ْ آَباَءك ْ
َ ّ ُ
م ُ
جك ْ م وَأْزَوا ُ ُ
وان ُك ْ خ َ م وَإ ِ ْ ُ
م وَأب َْناؤُك ْ ُ
ن آَباؤُك ْ ن كا َ َ ل إِ ْ ن ) (23قُ ْ مو َ م الظال ِ ُ فَأول َئ ِك هُ ُ
َ
َ
ضوْن ََها ن ت َْر َ ُ ساك ِ م َ ها وَ َ ساد َ َ ن كَ َ شو ْ َ خ َجاَرة ٌ ت َ ْ ها وَت ِ َ مو َ ل اقْت ََرفْت ُ ُ وا ٌ َ م م وَأ ْ شيَرت ُك ُ ْ وَعَ ِ
ه َ ّ ْ َ ّ ُ َ َ
مرِ ِ ه ب ِأ ْ ي الل ُ حّتى ي َأت ِ َ صوا َ سِبيل ِهِ فت ََرب ّ ُ جَهادٍ ِفي َ سول ِهِ وَ ِ ن اللهِ وََر ُ م َ م ِ ب إ ِلي ْك ْ ح ّ أ َ
ن ){(24 قي َ س ِ فا ِ م ال ْ َ قو ْ َ دي ال ْ َ ه ل ي َهْ ِ َوالل ّ ُ
أمر الله تعالى بمباينة الكفار به ،وإن كانوا آباء أو أبناء ،ونهى عن موالتهم
حّبوا ( أي :اختاروا الكفر على اليمان ،وتوعد على ذلك كما قال ست َ َ
إذا ) ا ْ
سول َ ُ
ه ه وََر ُ حاد ّ الل ّ َ ن َ م ْ ن َ واّدو َ خرِ ي ُ َ ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ مُنو َ ما ي ُؤْ ِ جد ُ قَوْ ً تعالى } :ل ت َ ِ
ُ َ ُ َ َ َ َ وَل َوْ َ
ب ِفي قُلوب ِهِ ُ
م ك ك َت َ َ م أولئ ِ َ شيَرت َهُ ْ م أوْ عَ ِ وان َهُ ْ خ َ م أوْ إ ِ ْ م أوْ أب َْناَءهُ ْ كاُنوا آَباَءهُ ْ
حت َِها ال َن َْهاُر { الية َ
ن تَ ْ م ْ ري ِ ج ِ ت تَ ْ جّنا ٍ م َ خل ُهُ ْ ه وَي ُد ْ ِ من ْ ُ م ب ُِروٍح ِ ن وَأي ّد َهُ ْ ما َ لي َ
ا ِ
]المجادلة .[22 :
وروى الحافظ ]أبو بكر[ ) (1البيهقي من حديث عبد الله بن شوذب قال :
جعل أبو أبي عبيدة بن
__________
) (1زيادة من ت ،ك ،أ.
) (4/121
ه وَل َوْ َ
كاُنوا سول َ ُ ه وََر ُ حاد ّ الل ّ َن َ م ْن َ واّدو َ خرِ ي ُ َن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل َ ِ مُنو َ ما ي ُؤْ ِ جد ُ قَوْ ً َل ت َ ِ
ُ َ َ َ َ َ
نما َ ماِْ
لي َ ب ِفي قُُلوب ِهِ ُ م أول َئ ِ َ
ك ك َت َ َ شيَرت َهُ ْ م أوْ عَ ِ وان َهُ ْخ َم أوْ إ ِ ْ م أوْ أب َْناَءهُ ْ آَباَءهُ ْ
َ
ي
ض َن ِفيَها َر ِ دي َ خال ِ ِ حت َِها اْل َن َْهاُر َ
ن تَ ْ م ْري ِ ِ جت تَ ْ جّنا ٍ م َ خل ُهُ ْ ه وَي ُد ْ ِمن ْ ُم ب ُِروٍح ِ وَأي ّد َهُ ْ
َ ه ُأول َئ ِ َ
ن )(22 حو َفل ِ ُ
م ْ م ال ْ ُ ب الل ّهِ هُ ُ حْز َ ن ِ ب الل ّهِ أَل إ ِ ّ حْز ُ ك ِ ضوا عَن ْ ُ م وََر ُ ه عَن ْهُ ْ الل ّ ُ
الجراح ينعت له اللهة يوم بدر ،وجعل أبو عبيدة يحيد عنه ،فلما أكثر الجراح
ن
مُنو َما ي ُؤْ ِ جد ُ قَوْ ً قصده ابنه أبو عبيدة فقتله ،فأنزل الله فيه هذه الية } :ل ت َ ِ
خرِ { الية ]المجادلة (1) [22 : ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ
ثم أمر تعالى رسوله أن يتوعد من آثر ) (2أهله وقرابته وعشيرته على الله
َ
م وَأب َْناؤُك ُ ْ
م ن آَباؤُك ُ ْ كا َ ن َ ل إِ ْ وعلى رسوله وجهاد في سبيله ،فقال ) :قُ ْ
َ َ
ها ( أي :اكتسبتموها مو َ ل اقْت ََرفْت ُ ُوا ٌ م َم وَأ ْ شيَرت ُك ُ ْ م وَعَ ِ جك ُ ْم وَأْزَوا ُوان ُك ُ ْخ َ
وَإ ِ ْ
ضوْن ََها ( أي :تحبونها ن ت َْر َ ساك ِ ُم َها وَ َساد َ َ ن كَ َ شو ْ َ خ َجاَرة ٌ ت َ ْ وحصلتموها ) وَت ِ َ
ّ َ َ
ه
سول ِ ِ ن اللهِ وََر ُ م َ م ِ ب إ ِلي ْك ُ ْ ح ّ لطيبها وحسنها ،أي :إن كانت هذه الشياء ) أ َ
صوا ( أي :فانتظروا ماذا يحل بكم من عقابه ونكاله
َ ْ سِبيل ِهِ فَت ََرب ّ ُجَهادٍ ِفي َ وَ ِ
ن( قي َ س ِ
فا ِ ْ
م ال َ قو ْ َ ْ
دي ال َ ه ل ي َهْ ِ ّ
مرِهِ َوالل ُه ب ِأ ْ ّ
ي الل ُ حّتى ي َأت ِ َ بكم ؛ ولهذا قال َ ) :
وقال المام أحمد :حدثنا قتيبة بن سعيد ،حدثنا ابن لهيعة ،عن زهرة بن
معبد ،عن جده قال :كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وهو آخذ بيد
عمر بن الخطاب ،فقال :والله لنت يا رسول الله أحب إلي من كل شيء
إل من نفسي فقال رسول الله ) (3صلى الله عليه وسلم " :ل يؤمن أحدكم
حتى أكون أحب إليه من نفسه" .فقال عمر :فأنت الن والله أحب إلي من
نفسي .فقال رسول الله " :الن يا عمر" )(4
انفرد بإخراجه ) (5البخاري ،فرواه عن يحيى بن سليمان ،عن ابن وهب ،
عن حيوة بن شريح ،عن أبي عقيل زهرة بن معبد ،أنه سمع جده عبد الله
بن هشام ،عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا )(6
وقد ثبت في الصحيح عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " :والذي
نفسي بيده ،ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس
أجمعين" )(7
وروى المام أحمد ،وأبو داود -واللفظ له -من حديث أبي عبد الرحمن
الخراساني ،عن عطاء الخراساني ،عن نافع ،عن ابن عمر قال :سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " :إذا تبايعتم بالعينة ،وأخذتم بأذناب
البقر ،ورضيتم بالزرع ،وتركتم الجهاد ،سلط الله عليكم ذل ل ينزعه حتى
ترجعوا إلى دينكم" )(8
وروى المام أحمد أيضا عن يزيد بن هارون ،عن أبي جناب ،عن شهر بن
حوشب أنه سمع عبد الله ابن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بنحو ذلك ) (9وهذا شاهد للذي قبله ،والله أعلم.
__________
) (1سنن البيهقي الكبرى ) (9/27من طريق الربيع بن سليمان عن أسد بن
موسى عن ضمرة بن ربيعة عن عبد الله بن شوذب ،وقال البيهقي " :هذا
منقطع".
) (2في ت ،د " :أحب".
) (3في ت ،ك " :النبي".
) (4المسند ).(4/336
) (5في د " :انفرد به".
) (6صحيح البخاري برقم ).(6632
) (7صحيح البخاري برقم ) (14من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
) (8المسند ) (2/42وسنن أبي داود برقم ).(3462
) (9المسند ).(2/84
) (4/124
َ
ن
م ت ُ َغْ ِ م فَل َ ْ
م ك َث َْرت ُك ُ ْ جب َت ْك ُ ْن إ ِذ ْ أعْ َ حن َي ْ ٍ
م ُ ن ك َِثيَرةٍ وَي َوْ َواط ِ َ م َ ه ِفي َ م الل ّ ُ صَرك ُ ُ قد ْ ن َ َلَ َ
َ
م أن َْز َ
ل ن ) (25ث ُ ّ ري َ مد ْب ِ ِ م ُ م وَل ّي ْت ُ ْت ثُ ّ حب َ ْ
ما َر ُ ض بِ َ م اْلْر ُ ت عَل َي ْك ُ ُ ضاقَ ْ شي ًْئا وَ َ م َعَن ْك ُ ْ
َ
ن
ذي َب ال ّ ِ ها وَعَذ ّ َ م ت ََروْ َ جُنوًدا ل َ ْ ل ُن وَأن َْز َ مِني َ مؤ ْ ِسول ِهِ وَعََلى ال ْ ُ ه عََلى َر ُ كين َت َ ُ
س ِه َ الل ّ ُ
ن )(26 ري َ كافِ ِ جَزاُء ال ْ َ ك َ فُروا وَذ َل ِ َ كَ َ
َ
نم ت ُغْ ِ م فَل َ ْ م ك َث َْرت ُك ُ ْجب َت ْك ُ ْن إ ِذ ْ أعْ َ حن َي ْ ٍ
م ُ ن ك َِثيَرةٍ وَي َوْ َ
واط ِ َ م َ ه ِفي َ م الل ّ ُصَرك ُ ُ قد ْ ن َ َ} لَ َ
َ َ
لم أن َْز َ ن ) (25ث ُ ّ ري َمد ْب ِ ِ م ُم وَل ّي ْت ُ ْت ثُ ّ حب َ ْ
ما َر ُ ض بِ َ م الْر ُ ت عَل َي ْك ُ ُ ضاقَ ْ شي ًْئا وَ َ م َ عَن ْك ُ ْ
َ
ن
ذي َ ب ال ّ ِ ها وَعَذ ّ َ م ت ََروْ َ جُنوًدا ل َ ْ ل ُ ن وَأن َْز َ مِني َ سول ِهِ وَعََلى ال ْ ُ
مؤ ْ ِ ه عََلى َر ُ كين َت َ ُ
س ِه َ الل ّ ُ
ن ){(26 ري َ كافِ ِ جَزاُء ال ْ َ ك َ فُروا وَذ َل ِ َ كَ َ
جَرْيج ،عن مجاهد :هذه أول آية نزلت من ]سورة[ )" (1براءة". قال ابن ُ
يذكر تعالى للمؤمنين فضله عليهم وإحسانه لديهم في نصره إياهم في
مواطن كثيرة من غزواتهم مع رسوله ) (2وأن ذلك من عنده تعالى ،وبتأييده
وتقديره ،ل بَعددهم ول بُعددهم ونبههم على أن النصر من عنده ،سواء قل
حنين أعجبتهم كثرتهم ،ومع هذا ما أجدى ذلك عنهم الجمع أو كثر ،فإن يوم ُ
شيئا فولوا مدبرين إل القليل منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .ثم
أنزل ]الله[ ) (3نصره وتأييده على رسوله وعلى المؤمنين الذين معه ،كما
سنبينه إن شاء الله تعالى مفصل ليعلمهم ) (4أن النصر من عنده تعالى
وحده وبإمداده وإن قل الجمع ،فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله
،والله مع الصابرين.
وقد قال المام أحمد :حدثنا وهب بن جرير ،حدثنا أبي ،سمعت يونس
يحدث عن الزهري ،عن عبيد الله ،عن ابن عباس قال :قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " :خير الصحابة أربعة ،وخير السرايا أربعمائة ،وخير
الجيوش أربعة آلف ،ولن تغلب اثنا عشر ألفا من قلة".
وهكذا رواه أبو داود ،والترمذي ) (5ثم قال (6) :هذا حديث حسن غريب ،
ل يسنده كبير أحد غير جرير بن حازم ،وإنما روي عن الزهري ،عن النبي
صلى الله عليه وسلم مرسل.
وقد رواه ابن ماجه والبيهقي وغيره ،عن أكثم بن الجون ،عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ،بنحوه ) (7والله أعلم.
حنين" بعد فتح مكة في شوال سنة ثمان من الهجرة ، وقد كانت وقعة ُ " :
وذلك لما فرغ عليه السلم ) (8من فتح مكة ،وتمهدت أمورها ،وأسلم عامة
أهلها ،وأطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فبلغه أن
__________
) (1زيادة من أ.
) (2في ت " :رسول الله صلى الله عليه وسلم".
) (3زيادة من ت ،أ.
) (4في د " :ليعلم".
) (5المسند ) (1/294وسنن أبي داود برقم ) (2611وسنن الترمذي برقم )
.(1555
) (6في د " :وقال".
) (7سنن ابن ماجه برقم ) (2827وسنن البيهقي الكبرى ) (9/263من
طريق أبي سلمة العاملي عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال لكثم بن الجون ،فذكر نحو حديث ابن عباس .وقال
البوصيري في الزوائد )" : (2/412هذا إسناد ضعيف ؛ لضعف أبي سلمة
العاملي الزدي وعبد الملك بن محمد الصنعاني".
) (8في أ " :رسوله الله صلى الله عليه وسلم".
) (4/125
ضري ،ومعه ثقيف هوازن جمعوا له ليقاتلوه ،وأن أميرهم مالك بن عوف الن ّ ْ
جشم وبنو سعد بن بكر ،وأوزاع من بني هلل ،وهم قليل ، بكمالها ،وبنو ُ
وناس من بني عمرو بن عامر ،وعوف بن عامر ،وقد أقبلوا معهم النساء
ضيضهم فخرج إليهم رسول الله ضهم وقَ ِق ّ
والولدان والشاء والّنعم ،وجاءوا ب َ
صلى الله عليه وسلم في جيشه الذي جاء ) (1معه للفتح ،وهو عشرة آلف
من المهاجرين والنصار وقبائل العرب ،ومعه الذين أسلموا من أهل مكة ،
وهم الطلقاء في ألفين أيضا ،فسار بهم إلى العدو ،فالتقوا بواد بين مكة
والطائف يقال له "حنين" ،فكانت فيه الوقعة في أول النهار في غلس
الصبح ،انحدروا في الوادي وقد كمنت فيه هوازن ،فلما تواجهوا لم يشعر
المسلمون إل بهم قد ثاوروهم ) (2ورشقوا بالنبال ،وأصلتوا السيوف ،
وحملوا حملة رجل واحد ،كما أمرهم ملكهم .فعند ذلك ولى المسلمون
مدبرين ،كما قال الله ،عز وجل ) (3وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم
،وهو راكب يومئذ بغلته الشهباء يسوقها إلى نحر العدو ،والعباس عمه آخذ
بركابها اليمن ،وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بركابها اليسر ،
يثقلنها لئل تسرع السير ،وهو ينوه باسمه ،عليه الصلة والسلم ،ويدعو
ي أنا رسول المسلمين إلى الرجعة ]ويقول[ ) " : (4أين يا عباد الله ؟ إل ّ
الله" ،ويقول في تلك الحال :
أنا النبي ل كذب ...أنا ابن عبد المطلب...
وثبت معه من أصحابه قريب من مائة ،ومنهم من قال :ثمانون ،فمنهم :
أبو بكر ،وعمر ،رضي الله عنهما ،والعباس وعلي ،والفضل بن عباس ،
وأبو سفيان بن الحارث ،وأيمن بن أم أيمن ،وأسامة بن زيد ،وغيرهم ،
رضي الله عنهم ثم أمر صلى الله عليه وسلم عمه العباس -وكان جهير
الصوت -أن ينادي بأعلى صوته :يا أصحاب الشجرة -يعني شجرة بيعة
الرضوان ،التي بايعه المسلمون من المهاجرين والنصار تحتها ،على أل
يفروا عنه -فجعل ينادي بهم :يا أصحاب السمرة ) (5ويقول تارة :يا
أصحاب سورة البقرة ،فجعلوا يقولون :يا لبيك ،يا لبيك ،وانعطف الناس
فجعلوا يتراجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،حتى إن الرجل منهم
إذا لم يطاوعه بعيره على الرجوع ،لبس درعه ،ثم انحدر عنه ،وأرسله ،
ورجع بنفسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .فلما رجعت ) (6شرذمة
منهم ،أمرهم عليه السلم ) (7أن يصدقوا الحملة ،وأخذ قبضة من التراب
بعدما دعا ربه واستنصره ،وقال " :اللهم أنجز لي ما وعدتني" ثم رمى القوم
بها ،فما بقي إنسان منهم إل أصابه منها في عينيه وفمه ما شغله عن القتال
،ثم انهزموا ،فاتبع ) (8المسلمون أقفاءهم يقتلون ويأسرون ،وما تراجع
بقية الناس إل والسارى مجدلة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال المام أحمد :حدثنا عفان ،حدثنا حماد بن سلمة ،أخبرنا يعلى بن
عطاء ،عن عبد الله بن يسار أبي همام ،عن أبي عبد الرحمن الفهري -
واسمه يزيد بن أسيد ،ويقال :يزيد بن أنيس ،
__________
في ت ،أ " :الذي جاءوا" ،وفي د " :الذين جاءوا". )(1
في ت " :بادروهم". )(2
في ت " :الله تعالى". )(3
زيادة من ت ،أ. )(4
في ت " :الشجرة". )(5
في د " :اجتمعت". )(6
في أ " :صلى الله عليه وسلم". )(7
في ت ،د " :واتبع". )(8
) (4/126
ويقال :ك ُْرز -قال :كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة
حنين ،فسرنا في يوم قائظ شديد الحر ،فنزلنا تحت ظلل الشجر ،فلما
زالت الشمس لبست لمتي وركبت فرسي ،فانطلقت إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو في فسطاطه ،فقلت :السلم عليك يا رسول الله
ورحمة الله ،حان الرواح ؟ فقال " :أجل" .فقال " :يا بلل" فثار من تحت
سمرة ) (1كأن ظله ظل طائر ،فقال :لبيك وسعديك ،وأنا فداؤك )(2
فقال " :أسرج لي فرسي" .فأخرج سرجا دفتاه من ليف ،ليس فيهما أشٌر
ول ب َ َ
طر.
قال :فأسرج ،فركب وركبنا ،فصاففناهم عشيتنا وليلتنا ،فتشامت الخيلن ،
ن(ري َمد ْب ِ ِ
م ُ م وَل ّي ْت ُ ْ
فولى المسلمون مدبرين ،كما قال الله ،عز وجل ) :ث ُ ّ
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :يا عباد الله ،أنا عبد الله ورسوله"
،ثم قال " :يا معشر المهاجرين ،أنا عبد الله ورسوله" .قال :ثم اقتحم
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرسه ) (3فأخذ كفا من تراب ،
فأخبرني الذي كان أدنى إليه مني :أنه ضرب به وجوههم ،وقال " :شاهت
الوجوه" .فهزمهم الله عز وجل .قال يعلى بن عطاء :فحدثني أبناؤهم ،عن
آبائهم ،أنهم قالوا :لم يبق منا أحد إل امتلت عيناه وفمه ترابا ،وسمعنا
صلصلة بين السماء والرض ،كإمرار الحديد على الطست ) (4الجديد.
وهكذا رواه الحافظ البيهقي في "دلئل النبوة" من حديث أبي داود
الطيالسي ،عن حماد بن سلمة به )(5
وقال محمد بن إسحاق :حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ،عن عبد الرحمن
بن جابر ،عن أبيه جابر عن عبد الله قال :فخرج مالك بن عوف بمن معه
إلى حنين ،فسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ،فأعدوا وتهيئوا في
مضايق الوادي وأحنائه ،وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ،
حتى انحط بهم الوادي في عماية الصبح ،فلما انحط الناس ثارت في
قِبل أحد عن وجوههم الخيل ،فاشتدت عليهم ،وانكفأ الناس منهزمين ،ل ي ُ ْ
أحد ،وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين يقول " :أيها
ي أنا رسول الله ،أنا رسول الله ،أنا محمد بن عبد الله" الناس ) (6هلموا إل ّ
فل شيء ،وركبت البل بعضها بعضا ) (7فلما رأى رسول الله صلى الله
عليه وسلم أمر الناس قال " :يا عباس ،اصرخ :يا معشر النصار ،يا
أصحاب السمرة" .فأجابوه :لبيك ،لبيك ،فجعل الرجل يذهب ليعطف بعيره
،فل يقدر على ذلك ،فيقذف درعه في عنقه ،ويأخذ سيفه وقوسه ،ثم ي َؤُ ّ
م
الصوت ،حتى اجتمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة ،
س فاقتتلوا ،وكانت الدعوة أول ما كانت بالنصار ،ثم جعلت فاستعرض النا ُ
صب ًُرا عند الحرب ،وأشرف رسول الله صلى اللهآخًرا بالخزرج ) (8وكانوا ُ
َ
مجت َلد القوم ،فقال " :الن حمي
عليه وسلم في ركائبه ) (9فنظر إلى ُ
وطيس" :قال :فوالله ما راجعه الناس إل والسارى عند رسول الله صلى ال َ
قون ،فقتل الله منهم من قتل ، الله عليه وسلم مل َ
__________
) (1في ت " :شجرة".
) (2في ك " :فداك".
) (3في ت " :قرب".
) (4في ت " :الطشت".
) (5المسند ) (5/286ودلئل النبوة ).(5/141
) (6في ت " :يأيها الناس".
) (7في ك " :بعض".
) (8في ت " :بالخروج".
) (9في ك ،أ " :ركابه".
) (4/127
) (4/128
المهاجرون ) (1والنصار ؟" قلت :هم هناك .قال " :اهتف بهم" .فهتفت بهم
،فجاءوا وسيوفهم بأيمانهم ،كأنها ) (2الشهب ،وولى المشركون أدبارهم.
ورواه المام أحمد في مسنده عن عفان ،به نحوه )(3
وقال الوليد بن مسلم :حدثني عبد الله بن المبارك ،عن أبي بكر الُهذلي ،
رمة مولى ابن عباس ،عن شيبة بن عثمان قال :لما رأيت رسول عك ْ ِ
عن ِ
عرى ،ذكرت أبي وعمي وقتل علي الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قد َ
وحمزة إياهما ،فقلت :اليوم أدرك ثأري منه -قال :فذهبت لجيئه عن يمينه
ما ،عليه درع بيضاء كأنها فضة ، ،فإذا أنا بالعباس بن عبد المطلب قائ ً
مه ولن يخذله -قال :فجئته ) (4عن يساره ، يكشف عنها العجاج ،فقلت :عَ ّ
فإذا أنا بأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ،فقلت :ابن عمه ولن
وره سورة بالسيف ،إذ رفع لي س ّ
يخذله .فجئته من خلفه ،فلم يبق إل أن أ َ
شني ،فوضعت يدي ح َ
م َ
واظ من نار بيني وبينه ،كأنه برق ،فخفت أن ت َ ْ ُ
ش َ
على بصري ومشيت القهقري ،فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ب ،يا شيب ) (5ادن مني ) (6اللهم أذهب عنه الشيطان". وقال " :يا شي َ
قال :فرفعت إليه بصري ،ولهو أحب إلي من سمعي وبصري ،فقال " :يا
شيب ) (7قاتل الكفار".
رواه البيهقي من حديث الوليد ،فذكره ) (8ثم روى من حديث أيوب بن جابر
،عن صدقة بن سعيد ،عن مصعب بن شيبة عن أبيه قال :خرجت مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ،والله ما أخرجني إسلم ول
معرفة به ،ولكني أبيت أن تظهر هوازن على قريش ،فقلت وأنا واقف
معه :يا رسول الله ،إني أرى خيل ُبلقا ،فقال " :يا شيبة ،إنه ل يراها إل
كافر" .فضرب بيده في ) (9صدري ،ثم قال " :اللهم ،اهد شيبة" ،ثم
ضربها الثانية ،ثم قال " :اللهم ،اهد شيبة" ،ثم ضربها الثالثة ثم قال :
"اللهم اهد شيبة" .قال :فوالله ما رفع يده عن صدري في الثالثة حتى ما
ي منه ،وذكر تمام الحديث ،في التقاء الناس كان أحد من خلق الله أحب إل ّ
وانهزام المسلمين ونداء العباس واستنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى هزم الله المشركين )(10
سار ،عمن حدثه ،عن قال محمد بن إسحاق :حدثني والدي إسحاق بن ي َ َ
جَبير بن مطعم ،رضي الله عنه ،قال :إنا لمع رسول الله صلى الله عليه ُ
جاد السود يهوي وسلم يوم حنين ،والناس يقتتلون ،إذ نظرت إلى مثل الب ِ َ
من السماء ،حتى وقع بيننا وبين القوم ،فإذا نمل منثور قد مل الوادي ،فلم
يكن إل هزيمة القوم ،فما كنا نشك أنها الملئكة.
__________
) (1في ت " :المهاجرين" وهو خطأ.
) (2في ت " :كأنهم".
) (3دلئل النبوة ) (5/142والمسند ).(1/454
) (4في أ " :ثم جئته".
) (5في أ " :يا شبيب يا شبيب".
) (6في د " :ادن مني يا شيب".
) (7في أ " :يا شبيب".
) (8دلئل النبوة للبيهقي ).(5/145
) (9في ت ،د ،ك ،أ " :يده على".
) (10دلئل النبوة للبيهقي ).(5/146
) (4/129
وقال سعيد بن السائب بن يسار ،عن أبيه قال :سمعت يزيد بن عامر
وائي -وكان شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم بعد -فكنا نسأله عن س َ
ال ّ
الرعب الذي ألقى الله في قلوب المشركين يوم حنين ،فكان يأخذ الحصاة
ن ،فيقول ) (2كنا نجد في أجوافنا مثل هذا. ست ) (1فيط ّ فيرمي بها في الط ّ ْ
وقد تقدم له شاهد من حديث يزيد بن أبي أسيد ) (3فالله أعلم.
مر ،عن معْ َ وفي صحيح مسلم ،عن محمد بن رافع ،عن عبد الرزاق أنبأنا َ
مام قال :هذا ما حدثنا أبو هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه هَ ّ
وسلم " :نصرت بالرعب ،وأوتيت جوامع الكلم" )(4
َ م َأنز َ
لن وَأنز َ مؤ ْ ِ
مِني َ سول ِهِ وَعََلى ال ْ ُه عََلى َر ُكين َت َ ُ
س ِ
ه َ ل الل ّ ُ ولهذا قال تعالى ) :ث ُ ّ
ن ( )(5 ري َ
كافِ ِ ْ
جَزاُء ال َ فُروا وَذ َل ِ َ
ك َ ن كَ َذي َ ّ
ب ال ِ ها وَعَذ ّ َ جُنوًدا ل َ ْ
م ت ََروْ َ ُ
__________
) (1في ت " :الطشت".
) (2في ت " :ثم يقول".
) (3في ت " :أسد".
) (4صحيح مسلم برقم ).(523
) (5في ك ،أ " :فأنزل" وهو خطأ.
) (4/130
م )(27
حي ٌ
فوٌر َر ِ شاُء َوالل ّ ُ
ه غَ ُ ن يَ َ ك عََلى َ
م ْ ن ب َعْد ِ ذ َل ِ َ
م ْ ب الل ّ ُ
ه ِ ثُ ّ
م ي َُتو ُ
م ){ (27
حي ٌ
فوٌر َر ِ شاُء َوالل ّ ُ
ه غَ ُ ن يَ َ ك عََلى َ
م ْ ن ب َعْد ِ ذ َل ِ َ
م ْ
ه ِب الل ّ ُ } ثُ ّ
م ي َُتو ُ
جَرْيج ،عن مجاهد :هذه أول آية نزلت من ]سورة[ )" (1براءة". قال ابن ُ
يذكر تعالى للمؤمنين فضله عليهم وإحسانه لديهم في نصره إياهم في
مواطن كثيرة من غزواتهم مع رسوله ) (2وأن ذلك من عنده تعالى ،وبتأييده
وتقديره ،ل بَعددهم ول بُعددهم ونبههم على أن النصر من عنده ،سواء قل
حنين أعجبتهم كثرتهم ،ومع هذا ما أجدى ذلك عنهم الجمع أو كثر ،فإن يوم ُ
شيئا فولوا مدبرين إل القليل منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .ثم
أنزل ]الله[ ) (3نصره وتأييده على رسوله وعلى المؤمنين الذين معه ،كما
سنبينه إن شاء الله تعالى مفصل ليعلمهم ) (4أن النصر من عنده تعالى
وحده وبإمداده وإن قل الجمع ،فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله
،والله مع الصابرين.
وقد قال المام أحمد :حدثنا وهب بن جرير ،حدثنا أبي ،سمعت يونس
يحدث عن الزهري ،عن عبيد الله ،عن ابن عباس قال :قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " :خير الصحابة أربعة ،وخير السرايا أربعمائة ،وخير
الجيوش أربعة آلف ،ولن تغلب اثنا عشر ألفا من قلة".
وهكذا رواه أبو داود ،والترمذي ) (5ثم قال (6) :هذا حديث حسن غريب ،
ل يسنده كبير أحد غير جرير بن حازم ،وإنما روي عن الزهري ،عن النبي
صلى الله عليه وسلم مرسل.
وقد رواه ابن ماجه والبيهقي وغيره ،عن أكثم بن الجون ،عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ،بنحوه ) (7والله أعلم.
حنين" بعد فتح مكة في شوال سنة ثمان من الهجرة ، وقد كانت وقعة ُ " :
وذلك لما فرغ عليه السلم ) (8من فتح مكة ،وتمهدت أمورها ،وأسلم عامة
أهلها ،وأطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فبلغه أن
__________
) (1زيادة من أ.
) (2في ت " :رسول الله صلى الله عليه وسلم".
) (3زيادة من ت ،أ.
) (4في د " :ليعلم".
) (5المسند ) (1/294وسنن أبي داود برقم ) (2611وسنن الترمذي برقم )
.(1555
) (6في د " :وقال".
) (7سنن ابن ماجه برقم ) (2827وسنن البيهقي الكبرى ) (9/263من
طريق أبي سلمة العاملي عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال لكثم بن الجون ،فذكر نحو حديث ابن عباس .وقال
البوصيري في الزوائد )" : (2/412هذا إسناد ضعيف ؛ لضعف أبي سلمة
العاملي الزدي وعبد الملك بن محمد الصنعاني".
) (8في أ " :رسوله الله صلى الله عليه وسلم".
) (4/130
ضري ،ومعه ثقيف هوازن جمعوا له ليقاتلوه ،وأن أميرهم مالك بن عوف الن ّ ْ
جشم وبنو سعد بن بكر ،وأوزاع من بني هلل ،وهم قليل ، بكمالها ،وبنو ُ
وناس من بني عمرو بن عامر ،وعوف بن عامر ،وقد أقبلوا معهم النساء
ضيضهم فخرج إليهم رسول الله ضهم وقَ ِق ّ
والولدان والشاء والّنعم ،وجاءوا ب َ
صلى الله عليه وسلم في جيشه الذي جاء ) (1معه للفتح ،وهو عشرة آلف
من المهاجرين والنصار وقبائل العرب ،ومعه الذين أسلموا من أهل مكة ،
وهم الطلقاء في ألفين أيضا ،فسار بهم إلى العدو ،فالتقوا بواد بين مكة
والطائف يقال له "حنين" ،فكانت فيه الوقعة في أول النهار في غلس
الصبح ،انحدروا في الوادي وقد كمنت فيه هوازن ،فلما تواجهوا لم يشعر
المسلمون إل بهم قد ثاوروهم ) (2ورشقوا بالنبال ،وأصلتوا السيوف ،
وحملوا حملة رجل واحد ،كما أمرهم ملكهم .فعند ذلك ولى المسلمون
مدبرين ،كما قال الله ،عز وجل ) (3وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم
،وهو راكب يومئذ بغلته الشهباء يسوقها إلى نحر العدو ،والعباس عمه آخذ
بركابها اليمن ،وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بركابها اليسر ،
يثقلنها لئل تسرع السير ،وهو ينوه باسمه ،عليه الصلة والسلم ،ويدعو
ي أنا رسول الله" ، المسلمين إلى الرجعة ]ويقول[ ) (4أين يا عباد الله ؟ إل ّ
ويقول في تلك الحال :
أنا النبي ل كذب ...أنا ابن عبد المطلب...
وثبت معه من أصحابه قريب من مائة ،ومنهم من قال :ثمانون ،فمنهم :
أبو بكر ،وعمر ،رضي الله عنهما ،والعباس وعلي ،والفضل بن عباس ،
وأبو سفيان بن الحارث ،وأيمن بن أم أيمن ،وأسامة بن زيد ،وغيرهم ،
رضي الله عنهم ثم أمر صلى الله عليه وسلم عمه العباس -وكان جهير
الصوت -أن ينادي بأعلى صوته :يا أصحاب الشجرة -يعني شجرة بيعة
الرضوان ،التي بايعه المسلمون من المهاجرين والنصار تحتها ،على أل
يفروا عنه -فجعل ينادي بهم :يا أصحاب السمرة ) (5ويقول تارة :يا
أصحاب سورة البقرة ،فجعلوا يقولون :يا لبيك ،يا لبيك ،وانعطف الناس
فجعلوا يتراجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،حتى إن الرجل منهم
إذا لم يطاوعه بعيره على الرجوع ،لبس درعه ،ثم انحدر عنه ،وأرسله ،
ورجع بنفسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .فلما رجعت ) (6شرذمة
منهم ،أمرهم عليه السلم ) (7أن يصدقوا الحملة ،وأخذ قبضة من التراب
بعدما دعا ربه واستنصره ،وقال " :اللهم أنجز لي ما وعدتني" ثم رمى القوم
بها ،فما بقي إنسان منهم إل أصابه منها في عينيه وفمه ما شغله عن القتال
،ثم انهزموا ،فاتبع ) (8المسلمون أقفاءهم يقتلون ويأسرون ،وما تراجع
بقية الناس إل والسارى مجدلة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال المام أحمد :حدثنا عفان ،حدثنا حماد بن سلمة ،أخبرنا يعلى بن
عطاء ،عن عبد الله بن يسار أبي همام ،عن أبي عبد الرحمن الفهري -
واسمه يزيد بن أسيد ،ويقال :يزيد بن أنيس ،
__________
) (1في ت ،أ " :الذي جاءوا" ،وفي د " :الذين جاءوا".
) (2في ت " :بادروهم".
) (3في ت " :الله تعالى".
) (4زيادة من ت ،أ.
) (5في ت " :الشجرة".
) (6في د " :اجتمعت".
) (7في أ " :صلى الله عليه وسلم".
) (8في ت ،د " :واتبع".
) (4/126
ويقال :ك ُْرز -قال :كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة
حنين ،فسرنا في يوم قائظ شديد الحر ،فنزلنا تحت ظلل الشجر ،فلما
زالت الشمس لبست لمتي وركبت فرسي ،فانطلقت إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو في فسطاطه ،فقلت :السلم عليك يا رسول الله
ورحمة الله ،حان الرواح ؟ فقال " :أجل" .فقال " :يا بلل" فثار من تحت
سمرة ) (1كأن ظله ظل طائر ،فقال :لبيك وسعديك ،وأنا فداؤك )(2
فقال " :أسرج لي فرسي" .فأخرج سرجا دفتاه من ليف ،ليس فيهما أشٌر
ول ب َ َ
طر.
قال :فأسرج ،فركب وركبنا ،فصاففناهم عشيتنا وليلتنا ،فتشامت الخيلن ،
ن{ ري َمد ْب ِ ِ
م ُم وَل ّي ْت ُ ْ
فولى المسلمون مدبرين ،كما قال الله ،عز وجل } :ث ُ ّ
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :يا عباد الله ،أنا عبد الله ورسوله"
،ثم قال " :يا معشر المهاجرين ،أنا عبد الله ورسوله" .قال :ثم اقتحم
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرسه ) (3فأخذ كفا من تراب ،
فأخبرني الذي كان أدنى إليه مني :أنه ضرب به وجوههم ،وقال " :شاهت
الوجوه" .فهزمهم الله عز وجل .قال يعلى بن عطاء :فحدثني أبناؤهم ،عن
آبائهم ،أنهم قالوا :لم يبق منا أحد إل امتلت عيناه وفمه ترابا ،وسمعنا
صلصلة بين السماء والرض ،كإمرار الحديد على الطست ) (4الجديد.
وهكذا رواه الحافظ البيهقي في "دلئل النبوة" من حديث أبي داود
الطيالسي ،عن حماد بن سلمة به )(5
وقال محمد بن إسحاق :حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ،عن عبد الرحمن
بن جابر ،عن أبيه جابر عن عبد الله قال :فخرج مالك بن عوف بمن معه
إلى حنين ،فسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ،فأعدوا وتهيئوا في
مضايق الوادي وأحنائه ،وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ،
حتى انحط بهم الوادي في عماية الصبح ،فلما انحط الناس ثارت في
قِبل أحد عن وجوههم الخيل ،فاشتدت عليهم ،وانكفأ الناس منهزمين ،ل ي ُ ْ
أحد ،وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين يقول " :أيها
ي أنا رسول الله ،أنا رسول الله ،أنا محمد بن عبد الله" الناس ) (6هلموا إل ّ
فل شيء ،وركبت البل بعضها بعضا ) (7فلما رأى رسول الله صلى الله
عليه وسلم أمر الناس قال " :يا عباس ،اصرخ :يا معشر النصار ،يا
أصحاب السمرة" .فأجابوه :لبيك ،لبيك ،فجعل الرجل يذهب ليعطف بعيره
،فل يقدر على ذلك ،فيقذف درعه في عنقه ،ويأخذ سيفه وقوسه ،ثم ي َؤُ ّ
م
الصوت ،حتى اجتمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة ،
س فاقتتلوا ،وكانت الدعوة أول ما كانت بالنصار ،ثم جعلت فاستعرض النا ُ
صب ًُرا عند الحرب ،وأشرف رسول الله صلى الله آخًرا بالخزرج ) (8وكانوا ُ
مجت َلد القوم ،فقال " :الن حمي َ عليه وسلم في ركائبه ) (9فنظر إلى ُ
وطيس" :قال :فوالله ما راجعه الناس إل والسارى عند رسول الله صلى ال َ
قون ،فقتل الله منهم من قتل ، الله عليه وسلم مل َ
__________
في ت " :شجرة". )(1
في ك " :فداك". )(2
في ت " :قرب". )(3
في ت " :الطشت". )(4
المسند ) (5/286ودلئل النبوة ).(5/141 )(5
في ت " :يأيها الناس". )(6
في ك " :بعض". )(7
في ت " :بالخروج". )(8
في ك ،أ " :ركابه". )(9
) (4/127
) (4/128
المهاجرون ) (1والنصار ؟" قلت :هم هناك .قال " :اهتف بهم" .فهتفت بهم
،فجاءوا وسيوفهم بأيمانهم ،كأنها ) (2الشهب ،وولى المشركون أدبارهم.
ورواه المام أحمد في مسنده عن عفان ،به نحوه )(3
وقال الوليد بن مسلم :حدثني عبد الله بن المبارك ،عن أبي بكر الُهذلي ،
رمة مولى ابن عباس ،عن شيبة بن عثمان قال :لما رأيت رسول عك ْ ِ
عن ِ
عرى ،ذكرت أبي وعمي وقتل علي الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قد َ
وحمزة إياهما ،فقلت :اليوم أدرك ثأري منه -قال :فذهبت لجيئه عن يمينه
ما ،عليه درع بيضاء كأنها فضة ، ،فإذا أنا بالعباس بن عبد المطلب قائ ً
مه ولن يخذله -قال :فجئته ) (4عن يساره ، يكشف عنها العجاج ،فقلت :عَ ّ
فإذا أنا بأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ،فقلت :ابن عمه ولن
وره سورة بالسيف ،إذ رفع لي س ّ
يخذله .فجئته من خلفه ،فلم يبق إل أن أ َ
شني ،فوضعت يدي ح َ
م َواظ من نار بيني وبينه ،كأنه برق ،فخفت أن ت َ ْ ُ
ش َ
على بصري ومشيت القهقري ،فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ب ،يا شيب ) (5ادن مني ) (6اللهم أذهب عنه الشيطان". وقال " :يا شي َ
قال :فرفعت إليه بصري ،ولهو أحب إلي من سمعي وبصري ،فقال " :يا
شيب ) (7قاتل الكفار".
رواه البيهقي من حديث الوليد ،فذكره ) (8ثم روى من حديث أيوب بن جابر
،عن صدقة بن سعيد ،عن مصعب بن شيبة عن أبيه قال :خرجت مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ،والله ما أخرجني إسلم ول
معرفة به ،ولكني أبيت أن تظهر هوازن على قريش ،فقلت وأنا واقف
معه :يا رسول الله ،إني أرى خيل ُبلقا ،فقال " :يا شيبة ،إنه ل يراها إل
كافر" .فضرب بيده في ) (9صدري ،ثم قال " :اللهم ،اهد شيبة" ،ثم
ضربها الثانية ،ثم قال " :اللهم ،اهد شيبة" ،ثم ضربها الثالثة ثم قال :
"اللهم اهد شيبة" .قال :فوالله ما رفع يده عن صدري في الثالثة حتى ما
ي منه ،وذكر تمام الحديث ،في التقاء الناس كان أحد من خلق الله أحب إل ّ
وانهزام المسلمين ونداء العباس واستنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى هزم الله المشركين )(10
سار ،عمن حدثه ،عن قال محمد بن إسحاق :حدثني والدي إسحاق بن ي َ َ
جَبير بن مطعم ،رضي الله عنه ،قال :إنا لمع رسول الله صلى الله عليه ُ
جاد السود يهوي وسلم يوم حنين ،والناس يقتتلون ،إذ نظرت إلى مثل الب ِ َ
من السماء ،حتى وقع بيننا وبين القوم ،فإذا نمل منثور قد مل الوادي ،فلم
يكن إل هزيمة القوم ،فما كنا نشك أنها الملئكة.
__________
) (1في ت " :المهاجرين" وهو خطأ.
) (2في ت " :كأنهم".
) (3دلئل النبوة ) (5/142والمسند ).(1/454
) (4في أ " :ثم جئته".
) (5في أ " :يا شبيب يا شبيب".
) (6في د " :ادن مني يا شيب".
) (7في أ " :يا شبيب".
) (8دلئل النبوة للبيهقي ).(5/145
) (9في ت ،د ،ك ،أ " :يده على".
) (10دلئل النبوة للبيهقي ).(5/146
) (4/129
ذي َ َ
م ب َعْد َ حَرا َ جد َ ال ْ َ س ِ م ْقَرُبوا ال ْ َ س فََل ي َ ْ ج ٌ ن نَ َ كو َ شرِ ُ م ْ ما ال ْ ُ مُنوا إ ِن ّ َ نآ َ َيا أي َّها ال ّ ِ َ
ن الل ّ َ
ه شاَء إ ِ ّ ن َ ضل ِهِ إ ِ ْ ن فَ ْ م ْه ِ م الل ّ ُ ف ي ُغِْنيك ُ ُ سو ْ َ ة فَ َ م عَي ْل َ ً فت ُ ْ خ ْ ن ِذا وَإ ِ ْم هَ َ مهِ ْ عا ِ َ
ما
ن َمو َ حّر ُ َ
خرِ وَل ي ُ َ َ ْ ْ َ
ن ِباللهِ وَل ِبالي َوْم ِ ال ِ ّ مُنو َ َ
ن ل ي ُؤْ ِ ّ ُ
م )َ (28قات ِلوا ال ِ
ذي َ كي ٌ ح ِ م َ عَِلي ٌ
ُ
حّتى ي ُعْطوا ْ ُ ّ ْ َ ُ ّ
ب َ ن أوُتوا الك َِتا َ ذي َن ال ِ م َحقّ ِ ن ال َ ن ِدي َ ديُنو َ ه وَل ي َ ِ سول ُ ه وََر ُ م الل ُ حّر َ َ
ن )(29 صاِغُرو َ م َ ن ي َد ٍ وَهُ ْة عَ ْ جْزي َ َ ْ
ال ِ
وقال سعيد بن السائب بن يسار ،عن أبيه قال :سمعت يزيد بن عامر
وائي -وكان شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم بعد -فكنا نسأله عن س َ
ال ّ
الرعب الذي ألقى الله في قلوب المشركين يوم حنين ،فكان يأخذ الحصاة
ن ،فيقول ) (2كنا نجد في أجوافنا مثل هذا. ست ) (1فيط ّ فيرمي بها في الط ّ ْ
وقد تقدم له شاهد من حديث يزيد بن أبي أسيد ) (3فالله أعلم.
مر ،عن معْ َ وفي صحيح مسلم ،عن محمد بن رافع ،عن عبد الرزاق أنبأنا َ
مام قال :هذا ما حدثنا أبو هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه هَ ّ
وسلم " :نصرت بالرعب ،وأوتيت جوامع الكلم" )(4
َ ْ َ م َأنز َ
ن وَأنز َ
ل مِني َمؤ ْ ِسول ِهِ وَعَلى ال ُ ه عََلى َر ُ كين َت َ ُ
س ِ ه َ ل الل ّ ُ ولهذا قال تعالى } :ث ُ ّ
ن { )(5 ري َ َ ْ
جَزاُء الكافِ ِ َ
فُروا وَذ َل ِك َ َ
نك َ ذي َ ّ
ب ال ِ ها وَعَذ ّ َ جُنوًدا ل َ ْ
م ت ََروْ َ ُ
م { قد حي ٌ فوٌر َر ِ َ
هغ ُ ّ
شاُء َوالل ُ ن يَ َ
م ْ َ َ
ن ب َعْد ِ ذ َل ِك عَلى َ م ْه ِ ّ
ب الل ُ م ي َُتو ُوقوله } :ث ُ ّ
تاب الله على بقية هوازن ،وأسلموا وقدموا عليه مسلمين ،ولحقوه وقد
جعِّرانة ،وذلك بعد الوقعة بقريب من عشرين يوما ،فعند قارب مكة عند ال ِ
خّيرهم بين سبيهم وبين أموالهم ،فاختاروا سبيهم ،وكانوا ستة آلف ذلك َ
أسير ما بين صبي وامرأة ،فرده عليهم ،وقسم أموالهم بين الغانمين ،
ة من ة مائ ً ونفل أناسا من الطلقاء ليتألف قلوبهم على السلم ،فأعطاهم مائ ً
ضري ،واستعمله البل ،وكان من جملة من أعطي مائة مالك بن عوف الن ّ ْ
على قومه كما كان ،فامتدحه بقصيدته التي يقول فيها :
مد... ح ّم َ ت بمث ِْله ...في الّناس ك ُّلهم بمثل ُ سمع ُ ت ول َ ن َرأي ُ ما إ ْ
غد... ما في َ ك عَ ّ خبْر َ شأ ي ُ ْ متى ت َ َ طى للجزيل إذا اجُتدى ...و َ أوَْفى وأعْ َ
مهَّند... ل ُ ضْرب ك ُ ّ مَهريّ وَ َ س ْ ت أنياُبها ...بال ّ وإَذا الكتيبة عَّرد َ ْ
صد مْر َ خادر في َ كأّنه ليث على أشَباله ...وسط الهََباءة )َ (6 ْ فَ َ
َ
م ب َعْد َحَرا َ جد َ ال ْ َ
س ِ م ْ قَرُبوا ال ْ َ س َفل ي َ ْ ج ٌ ن نَ َ كو َ شرِ ُ م ْما ال ْ ُ مُنوا إ ِن ّ َ نآ َ ذي َ } َيا أي َّها ال ّ ِ
ن الل ّ َ
ه شاَء إ ِ ّ ن َ ضل ِهِ إ ِ ْن فَ ْ م ْ ه ِ م الل ّ ُ ف ي ُغِْنيك ُ ُ سو ْ َ ة فَ َ م عَي ْل َ ً فت ُ ْ
خ ْ ن ِ ذا وَإ ِ ْ م هَ َ مهِ ْ عا ِ َ
ما
ن َ مو َ حّر ُ خرِ َول ي ُ َ ن ِبالل ّهِ َول ِبال ْي َوْم ِ ال ِ مُنو َ ن ل ي ُؤْ ِ ذي َ م )َ (28قات ُِلوا ال ّ ِ كي ٌ ح ِ م َ عَِلي ٌ
ُ
حّتى ي ُعْطوا ْ ُ ّ ْ ُ ّ
ب َ ن أوُتوا الك َِتا َ ذي َ ن ال ِ م َ حقّ ِ ن ال َ ن ِدي َ ديُنو َ ه َول ي َ ِ سول ُ ه وََر ُ م الل ُ حّر َ َ
ن ){ (29 صاِغُرو َ َ ْ َ م ُ ه و ٍ دَ ي ن
ْ َ ع ة
َ َ ي زْ ج
ا ِْ ل
أمر تعالى عباده المؤمنين الطاهرين ديًنا وذاًتا بنفي المشركين ،الذين هم
جس ديًنا ،عن المسجد نَ َ
__________
) (1في ت " :الطشت".
) (2في ت " :ثم يقول".
) (3في ت " :أسد".
) (4صحيح مسلم برقم ).(523
) (5في ك ،أ " :فأنزل" وهو خطأ.
) (6في ت ،د " :المياه" ،وفي أ " :المناة".
) (4/130
الحرام ،وأل يقربوه بعد نزول هذه الية .وكان نزولها في سنة تسع ؛ ولهذا
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا صحبة أبي بكر ،رضي الله عنهما
،عامئذ ،وأمره أن ينادي في المشركين :أل يحج بعد العام مشرك ،ول
يطوف ) (1بالبيت عريان .فأتم الله ذلك ،وحكم به شرعا وقدرا.
جَرْيج ،أخبرني أبو الزبير ،أنه سمع جابر بن وقال عبد الرازق :أخبرنا ابن ُ
جد َس ِم ْ ْ
قَرُبوا ال َس َفل ي َ ْ
ج ٌ ن نَ َ ُ
شرِكو َ م ْ ْ
ما ال ُ عبد الله يقول في قوله تعالى } :إ ِن ّ َ
دا ،أو أحدا من أهل الذمة )(2 ذا { إل أن يكون عب ً م هَ َ مهِ ْ عا ِ م ب َعْد َ َ حَرا َال ْ َ
سين ) (3حدثنا ح َ وقد روي مرفوعا من وجه آخر ،فقال المام أحمد :حدثنا ُ
وار -عن الحسن ،عن جابر قال :قال س ّ شريك ،عن الشعث -يعني :ابن َ
النبي صلى الله عليه وسلم " :ل يدخل مسجدنا بعد عامنا هذا مشرك ،إل
أهل العهد وخدمهم )(5) " (4
تفرد به أحمد مرفوعا ،والموقوف أصح إسنادا.
وقال المام أبو عمرو الوزاعي :كتب عمر بن عبد العزيز ،رضي الله عنه :
أن امنعوا اليهود والنصارى من دخول مساجد المسلمين ،وأتبع نهيه قول
س{ ج ٌ ن نَ َ كو َشرِ ُ م ْما ال ْ ُ الله } :إ ِن ّ َ
م
حَرا َ ْ
جد َ ال َس ِم ْ ْ
قَرُبوا ال َ وقال عطاء :الحرم كله مسجد ،لقوله تعالى َ } :فل ي َ ْ
ذا {. م هَ َ مهِ ْ عا ِب َعْد َ َ
ودلت هذه الية الكريمة على نجاسة المشرك كما دلت ]على طهارة المؤمن
،ولما[ ) (6ورد في ]الحديث[ ) (7الصحيح " :المؤمن ل ينجس" ) (8وأما
نجاسة بدنه فالجمهور على أنه ليس بنجس البدن والذات ؛ لن الله تعالى
أحل طعام أهل الكتاب ،وذهب بعض الظاهرية إلى نجاسة أبدانهم.
وقال أشعث ،عن الحسن :من صافحهم فليتوضأ .رواه ابن جرير.
ضل ِهِ { قال ابن إسحاق : ن فَ ْ م ْ
ه ِم الل ّ ُف ي ُغِْنيك ُ ُ سو ْ َة فَ َم عَي ْل َ ًفت ُ ْ
خ ْ ن ِ وقوله } :وَإ ِ ْ
وذلك أن الناس قالوا :لتنقطعن عنا السواق ،ولتهلكن ) (9التجارة وليذهبن
فسو ْ َ م عَي ْل َ ً
ة فَ َ فت ُ ْ
خ ْ
ن ِ
ما كنا نصيب فيها من المرافق ،فنزلت ) } (10وَإ ِ ْ
م
شاَء { إلى قوله } :وَهُ ْ ن َ ن فَ ْ
ضل ِهِ { من وجه غير ذلك } -إ ِ ْ م ْ م الل ّ ُ
ه ِ ي ُغِْنيك ُ ُ
ن { أي :إن هذا عوض ما تخوفتم من قطع تلك السواق ،فعوضهم صاِغُرو َ َ
الله بما قطع عنهم من أمر الشرك ،ما أعطاهم من أعناق أهل الكتاب ،من
الجزية.
__________
) (1في ت ،أ " :يطوفن".
) (2تفسير عبد الرزاق ).(1/245
) (3في أ " :حسن".
) (4في ت ،أ " :وخدمكم".
) (5المسند ) (3/392وقال الهيثمي في المجمع )" : (4/10فيه أشعث بن
سوار وفيه ضعف وقد وثق".
) (6زيادة من ك ،أ.
) (7زيادة من ك ،أ.
) (8صحيح البخاري برقم ) (283من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ،
ولفظه " :إن المسلم ل ينجس".
) (9في ت " :وليمكن".
) (10في ك ،أ " :فنزل".
) (4/131
جَبير ،وقتادة رمة ،وسعيد بن ُ عك ْ ِ وهكذا ُروي عن ابن عباس ،ومجاهد ،و ِ
والضحاك ،وغيرهم.
كيم { أي :فيما يأمر به وينهى عنه ح ِ م { أي :بما يصلحكم َ } ، ه عَِلي ٌ ن الل ّ َ
} إِ ّ
؛ لنه الكامل في أفعاله وأقواله ،العادل في خلقه وأمره ،تبارك وتعالى ؛
ولهذا عوضهم عن تلك المكاسب بأموال الجزية التي يأخذونها من أهل الذمة
محّر َ ما َ ن َ مو َ حّر ُ خرِ َول ي ُ َ ن ِبالل ّهِ َول ِبال ْي َوْم ِ ال ِ مُنو َ ن ل ي ُؤْ ِ ذي َ ،فقال َ } :قات ُِلوا ال ّ ِ
ُ
ة
جْزي َ َ طوا ال ْ ِ حّتى ي ُعْ ُ ب َ ن أوُتوا ال ْك َِتا َ ذي َ ن ال ّ ِ
م َ حق ّ ِ ن ال ْ َ ن ِدي َ ديُنو َ ه َول ي َ ِ سول ُ ُ ه وََر ُ الل ّ ُ
ن { فهم في نفس المر لما كفروا بمحمد صلى الله عليه صاِغُرو َ م َ ن ي َد ٍ وَهُ ْعَ ْ
وسلم ) (1لم يبق لهم إيمان صحيح بأحد من الرسل ،ول بما جاءوا به ،وإنما
يتبعون آراءهم وأهواءهم وآباءهم فيما هم فيه ،ل لنه شرع الله ودينه ؛ لنهم
لو كانوا مؤمنين بما بأيديهم إيمانا صحيحا لقادهم ذلك إلى اليمان بمحمد ،
صلوات الله عليه ،لن جميع النبياء ]القدمين[ ) (2بشروا به ،وأمروا
باتباعه ،فلما جاء وكفروا ) (3به ،وهو أشرف الرسل ،عُِلم أنهم ليسوا
متمسكين بشرع النبياء القدمين لنه من عند الله ،بل لحظوظهم
وأهوائهم ،فلهذا ل ينفعهم إيمانهم ببقية النبياء ،وقد كفروا بسيدهم
ّ
ن ِباللهِ َول مُنو َ ن ل ي ُؤْ ِ وأفضلهم وخاتمهم وأكملهم ؛ ولهذا قال َ } :قات ُِلوا ال ّ ِ
ذي َ
ن
ذي َ ن ال ّ ِ م َ حق ّ ِ ن ال ْ َ ن ِدي َ ديُنو َ ه َول ي َ ِ سول ُ ُ ه وََر ُ م الل ّ ُحّر َ ما َ ن َمو َ حّر ُ خرِ َول ي ُ َ ِبال ْي َوْم ِ ال ِ
ُ
ب { وهذه الية الكريمة ]نزلت[ ) (4أول المر بقتال أهل الكتاب ، أوُتوا ال ْك َِتا َ
بعد ما تمهدت أمور المشركين ودخل الناس في دين الله أفواجا ،فلما
استقامت ) (5جزيرة العرب أمر الله ورسوله بقتال أهل الكتابين اليهود
والنصارى ،وكان ذلك في سنة تسع ؛ ولهذا تجهز رسول الله صلى الله عليه
وسلم لقتال الروم ودعا الناس إلى ذلك ،وأظهره لهم ،وبعث إلى أحياء
َ
عبوا معه ،واجتمع من المقاتلة ) (6نحو العرب حول المدينة فندبهم ،فَأوْ َ
ض الناس من أهل المدينة ومن حولها من ]من[ ) (7ثلثين ألفا ،وتخلف بع ُ
دب ،ووقت قَْيظ وحر ،وخرج ، ج
َ ْ عام المنافقين وغيرهم ،وكان ذلك في
عليه السلم ،يريد الشام لقتال الروم ،فبلغ تبوك ،فنزل بها وأقام على
ما ،ثم استخار الله في الرجوع ،فرجع عامه مائها ) (8قريًبا من عشرين يو ً
ذلك لضيق الحال وضعف الناس ،كما سيأتي بيانه بعد إن شاء الله.
من يرى أنه ل تؤخذ الجزية إل من أهل الكتاب ل بهذه الية الكريمة َ وقد استد ّ
،أو من أشباههم كالمجوس ،لما ) (9صح فيهم الحديث أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر ) (10وهذا مذهب الشافعي ،وأحمد
-في المشهور عنه -وقال أبو حنيفة ،رحمه الله :بل تؤخذ من جميع
العاجم ،سواء كانوا ) (11من أهل الكتاب أو من المشركين ،ول تؤخذ من
العرب إل من أهل الكتاب.
ي، وقال المام مالك :بل يجوز أن تضرب الجزية على جميع الكفار من كتاب ّ
ومجوسي ،ووثني ،
__________
) (1في ك " :صلوات الله وسلمه عليه".
) (2زيادة من أ.
) (3في أ " :فلما جاءوا كفروا".
) (4زيادة من ت ،أ.
) (5في جمع النسخ " :واستقامت" ،وصوبناه ليستقيم النص.
) (6في ك " :القابلة".
) (7زيادة من ت ،ك ،أ.
) (8في د " :وأقام بها قريبا".
) (9في ت ،د ،ك " :كما".
) (10في هـ " :من هجر" ،وفي أ " :من يهود هجر" والمثبت من ت ،ك ،أ.
) (11في ك " :سواء أن كانوا".
) (4/132
وغير ذلك ،ولمأخذ هذه المذاهب وذكر أدلتها مكان غير هذا ،والله أعلم.
ن ي َد ٍ { أي :عن
ة { أي :إن لم يسلموا } ،عَ ْ طوا ال ْ ِ
جْزي َ َ حّتى ي ُعْ ُ
وقوله َ } :
ن { أي :ذليلون حقيرون مهانون .فلهذا ل صاِغُرو َ م َ قهر لهم وغلبة } ،وَهُ ْ
صَغرة
يجوز إعزاز أهل الذمة ول رفعهم على المسلمين ،بل هم أذلء َ
أشقياء ،كما جاء في صحيح مسلم ،عن أبي هريرة ،رضي الله عنه ،أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " :ل تبدءوا اليهود والنصارى بالسلم ،وإذا
لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه" )(1
ولهذا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ،رضي الله عنه ،تلك
الشروط المعروفة في إذللهم وتصغيرهم وتحقيرهم ،وذلك مما رواه الئمة
الحفاظ ،من رواية ) (2عبد الرحمن بن غَْنم الشعري قال :كتبت لعمر بن
الخطاب ،رضي الله عنه ،حين صالح نصارى من أهل الشام :
بسم الله الرحمن الرحيم ،هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من
نصارى مدينة كذا وكذا ،إنكم لما قدمتم علينا سألناكم المان لنفسنا
وذرارينا ) (3وأموالنا وأهل ملتنا وشرطنا لكم على أنفسنا أل نحدث في
معة راهب ،ول نجدد صو ْ َ
مدينتنا ول فيما حولها ديًرا ول كنيسة ،ول ِقلية ول َ
ما خرب منها ،ول نحيي منها ما كان خطط ) (4المسلمين ،وأل نمنع كنائسنا
أن ينزلها أحد من المسلمين في ليل ول نهار ،وأن نوسع أبوابها للمارة وابن
السبيل ،وأن ينزل من مر بنا من المسلمين ثلثة أيام نطعمهم ،ول نأوي
شا للمسلمين ،ول نعلم أولدنا سا ،ول نكتم غ ًفي كنائسنا ول منازلنا جاسو ً
دا من ذوي قرابتنا دا ؛ ول نمنع أح ًالقرآن ،ول نظهر شركا ،ول ندعو إليه أح ً
الدخول في السلم إن أرادوه ،وأن نوقر المسلمين ،وأن نقوم لهم من
مجالسنا إن أرادوا الجلوس ،ول نتشبه بهم في شيء من ملبسهم ،في
قلنسوة ،ول عمامة ،ول نعلين ،ول فرق شعر ،ول نتكلم بكلمهم ،ول
نكتني بك َُناهم ،ول نركب السروج ،ول نتقلد السيوف ،ول نتخذ شيئا من
السلح ،ول نحمله معنا ،ول ننقش خواتيمنا بالعربية ،ول نبيع الخمور ،وأن
نجز مقاديم رءوسنا ،وأن نلزم ِزينا حيثما كنا ،وأن نشد الزنانير على
أوساطنا ،وأل نظهر الصليب على كنائسنا ،وأل نظهر صلبنا ول كتبنا ) (5في
شيء من طرق المسلمين ول أسواقهم ،ول نضرب نواقيسنا في كنائسنا إل
ضربا خفيا ،وأل نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا في شيء من حضرة
المسلمين ،ول نخرج شعانين ول باعوًثا ،ول نرفع أصواتنا مع موتانا ،ول
نظهر النيران معهم في شيء من طرق المسلمين ول أسواقهم ،ول
نجاورهم بموتانا ،ول نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين ،وأن
نرشد المسلمين ،ول نطلع عليهم في منازلهم.
__________
) (1صحيح مسلم برقم ).(2167
) (2في ت ،ك ،أ " :حديث".
) (3في ت ،أ " :وذرياتنا".
) (4في ت ،أ " :ما كان في خطط".
) (5في أ " :صليبا ول كساء".
) (4/133
مك قَوْل ُهُ ْ ن الل ّهِ ذ َل ِ َ ح اب ْ ُ سي ُ م ِ صاَرى ال ْ َ ت الن ّ َ ن الل ّهِ وََقال َ ِ ت ال ْي َُهود ُ عَُزي ٌْر اب ْ ُ وََقال َ ِ
َ َ
ن )(30 كو َ ه أّنى ي ُؤْفَ ُ م الل ّ ُ ل َقات َل َهُ ُ ن قَب ْ ُم ْفُروا ِ ن كَ َذي َل ال ّ ِن قَوْ َ ضاهُِئو َ م يُ َ واهِهِ ْ ب ِأفْ َ
مُروا إ ِّل ُ ذوا أ َحبارهُم ورهْبانه َ
ما أ ِ م وَ َ مْري َ َ
ن َ ح اب ْ َ سي َ م ِ ن الل ّهِ َوال ْ َ ن ُدو ِ م ْ م أْرَباًبا ِ ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ خ ُ ات ّ َ
ن )(31 كو َ شرِ ُ ما ي ُ ْه عَ ّ حان َ ُ
سب ْ َ ه إ ِّل هُوَ ُ دا َل إ ِل َ َ
ح ًدوا إ ِل ًَها َوا ِ ل ِي َعْب ُ ُ
دا من المسلمين ، قال :فلما أتيت عمر بالكتاب ،زاد فيه :ول نضرب أح ً
شرطنا لكم ذلك على أنفسنا وأهل ملتنا ،وقبلنا عليه المان ،فإن نحن
فنا على أنفسنا ،فل ذمة لنا ،وقد خالفنا في شيء مما شرطناه لكم وَوَظ َ ْ
حل لكم منا ما يحل من أهل المعاندة والشقاق.
ك قَوْل ُهُ ْ
م ن الل ّهِ ذ َل ِ َ ح اب ْ ُ سي ُ م ِصاَرى ال ْ َ ت الن ّ َ ن الل ّهِ وََقال َ ِ ت ال ْي َُهود ُ عَُزي ٌْر اب ْ ُ } وََقال َ ِ
َ َ
ن )(30 كو َ ه أّنى ي ُؤْفَ ُ م الل ّ ُل َقات َل َهُ ُ ن قَب ْ ُم ْ فُروا ِ ن كَ َ
ذي َ ل ال ّ ِ ن قَوْ َ ضاهُِئو َ م يُ َ واهِهِ ْ ب ِأفْ َ
ُ ذوا أ َحبارهُم ورهْبانه َ
مُروا ِإل ما أ ِ م وَ َمْري َ َ
ن َ ح اب ْ َ سي َ م ِ ن الل ّهِ َوال ْ َ ن ُدو ِ م ْ م أْرَباًبا ِ ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ خ ُ ات ّ َ
ن ){ (31 كو َ شرِ ُ ما ي ُ ْه عَ ّ حان َ ُ
سب ْ َ ه ِإل هُوَ ُ َ
دا ل إ ِل َح ً َ
دوا إ ِلًها َوا ِ ل ِي َعْب ُ ُ
وهذا إغراء من الله تعالى للمؤمنين على قتال المشركين الكفار من اليهود
فْرية على الله تعالى ،فأما والنصارى ،لمقالتهم هذه المقالة الشنيعة ،وال ِ
اليهود فقالوا في العَُزير " :إنه ابن الله" ،تعالى ]الله[ ) (1عن ذلك علوا
كبيرا .وذكر السدي وغيره أن الشبهة التي حصلت لهم في ذلك ،أن العمالقة
سَبوا كبارهم ،بقي العزير لما غلبت على بني إسرائيل ،فقتلوا علماءهم و َ
يبكي على بني إسرائيل وذهاب العلم منهم ،حتى سقطت جفون عينيه ،
مّر على جبانة ،وإذ ) (2امرأة تبكي عند قبر وهي فبينا هو ذات يوم إذ َ
تقول :وامطعماه! واكاسياه! ]فقال لها ويحك[ ) (3من كان يطعمك قبل هذا
؟ قالت :الله .قال :فإن الله حي ل يموت! قالت :يا عزير فمن كان ُيعلم
العلماء قبل بني إسرائيل ؟ قال :الله .قالت :فلم تبكي عليهم ؟ فعرف أنه
ل هناك ص ّ شيء قد ُوعظ به .ثم قيل له :اذهب إلى نهر كذا فاغتسل منه ،و َ
ركعتين ،فإنك ستلقى هناك شيخا ،فما أطعمك فكله .فذهب ففعل ما أمر
به ،فإذا شيخ فقال له :افتح فمك .ففتح فمه .فألقى فيه شيًئا كهيئة الجمرة
العظيمة ،ثلث مرات ،فرجع عَُزير وهو من أعلم الناس بالتوراة ،فقال :يا
ذابا .فعمد بني إسرائيل ،قد جئتكم بالتوراة .فقالوا :يا عَُزير ،ما كنت ك َ ّ
فربط على إصبع من أصابعه قلما ،وكتب التوراة بإصبعه كلها ،فلما تراجع
الناس من عَد ُّوهم ورجع العلماء ،وأخبروا بشأن عزير ،فاستخرجوا النسخ
التي كانوا أودعوها في الجبال ،وقابلوها ) (4بها ،فوجدوا ما جاء به صحيحا ،
فقال بعض جهلتهم :إنما صنع هذا لنه ابن الله.
ذب الله سبحانه الطائفتين ضلل النصارى في المسيح فظاهر ؛ ولهذا ك َ ّ وأما َ
َ
م { أي :ل مستند لهم فيما ادعوه سوى م ب ِأفْ َ
واهِهِ ْ ك قَوْل ُهُ ْ
فقال } :ذ َل ِ َ
نم ْفُروا ِ ن كَ َ ذي َ ّ افترائهم واختلقهم } ،يضاهئون { أي :يشابهون } قَوْ َ
ل ال ِ
ه{ ّ
م الل ُ َ
ل { أي :من قبلهم من المم ،ضلوا كما ضل هؤلء َ } ،قات َلهُ ُ قَب ْ ُ
ُ َ
ن { ؟ أي :كيف يضلون عن وقال ابن عباس :لعنهم الله } ،أّنى ي ُؤْفَكو َ
الحق ،وهو ظاهر ،ويعدلون إلى الباطل ؟
__________
) (1زيادة من ت ،ك.
) (2في ت ،د " :وإذا".
) (3زيادة من ت ،د ،أ.
) (4في ت ،د ،ك " :وقابلوه".
) (4/134
) (4/135
) (4/135
َ
ن ي ُط ْ ِ
فُئوا ُنوَر يقول تعالى :يريد هؤلء الكفار من المشركين وأهل الكتاب } أ ْ
الل ّهِ { ) (1أي :ما بعث به رسوله من الهدى ودين الحق ،بمجرد جدالهم
وافترائهم ،فمثلهم في ذلك كمثل من يريد أن يطفئ شعاع الشمس ،أو نور
القمر بنفخه ،وهذا ل سبيل إليه ،فكذلك ما أرسل الله به رسوله ل بد أن
ْ
يتم ويظهر ؛ ولهذا قال تعالى مقابل لهم فيما راموه وأرادوه } :وَي َأَبى الل ّ ُ
ه
ن{ م ُنوَره ُ وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ َ َ
كافُِرو َ ن ي ُت ِ ِّإل أ ْ
والكافر :هو الذي يستر الشيء ويغطيه ،ومنه سمي الليل "كافرا" ؛ لنه
يستر الشياء ،والزارع كافرا ؛ لنه يغطي الحب في الرض كما قال :
ه { ]الحديد (2) [20 : ب ال ْك ُ ّ َ
فاَر ن ََبات ُ ُ ج َ } أعْ َ
َ
حقّ { فالهدى :هو ن ال ْ َ
دى وَِدي ِه ِبال ْهُ َ
سول َ ُ
ل َر ُس َ
ذي أْر َ ثم قال تعالى } :هُوَ ال ّ ِ
ما جاء به من الخبارات الصادقة ،واليمان الصحيح ،والعلم النافع -ودين
الحق :هي العمال ]الصالحة[ ) (3الصحيحة النافعة في الدنيا والخرة.
ن ك ُل ّهِ { أي :على سائر الديان ،كما ثبت في الصحيح ، دي ِ } ل ِي ُظ ْهَِره ُ عََلى ال ّ
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " :إن الله َزَوى لي الرض
مشارقها ومغاربها ،وسيبلغ ملك أمتي ما ُزوي لي منها" )(4
وقال المام أحمد :حدثنا محمد بن جعفر ،حدثنا شعبة ،عن محمد بن أبي
يعقوب :سمعت شقيق بن حيان يحدث عن مسعود بن قَِبيصة -أو :قبيصة
حارب" الصبح ،فلما صلوا قال م َ بن مسعود -يقول :صلى هذا الحي من " ُ
شاب منهم :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " :إنه سيفتح
لكم مشارق الرض ومغاربها ،وإن عمالها في النار ،إل من اتقى الله وأدى
المانة" )(5
وقال المام أحمد :حدثنا أبو المغيرة ،حدثنا صفوان ،حدثنا سليم بن عامر ،
عن تميم الداري ،رضي الله عنه ،قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه
در
م َ ل والنهار ،ول يترك الله بيت َ وسلم يقول " :ليبلغن هذا المُر ما بلغ اللي ُ
ل ذليل ،عزا يعز الله به ول وََبر إل أدخله هذا الدين ،بعِّز عزيز ،أو ب ِذ ُ ّ
السلم ،وذل يذل الله به الكفر" ،فكان تميم الداري يقول :قد عرفت ذلك
ف والعّز ،ولقد أصاب في أهل بيتي ،لقد أصاب من أسلم منهم الخيَر والشر َ
من كان منهم كافرا الذل والصغار والجزية )(6
وقال المام أحمد :حدثنا يزيد بن عبد ربه ،حدثنا الوليد بن مسلم ،حدثني
ابن جابر ،سمعت سليم بن عامر قال :سمعت المقداد بن السود يقول :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " :ل يبقى على وجه الرض
ل ذليل ،إما در ول وََبر ،إل أدخله الله كلمة السلم بعّز عزيز ،أو بذ ّ م َ بيت َ
يعزهم الله فيجعلهم من أهلها ،وإما يذلهم فيدينون لها" )(7
__________
) (1في ت ،أ " :ليطفئوا" وهو خطأ.
) (2في جميع النسخ " :يعجب" والصواب ما أثبتناه.
) (3زيادة من ك.
) (4صحيح مسلم برقم ) (2889من حديث ثوبان رضي الله عنه.
) (5المسند ).(5/366
) (6المسند ) (4/103وقال الهيثمي في المجمع )" : (6/14رجال أحمد
رجال الصحيح".
) (7المسند ) (6/4ورواه ابن حبان في صحيحه برقم )" (1631موارد" من
طريق عبد الرحمن بن إبراهيم عن الوليد بن مسلم به.
) (4/136
س وا َ يا أ َيها ال ّذين آ َمنوا إن ك َِثيرا من اْل َحبار والرهْبان ل َيأ ْك ُُلو َ
ل الّنا ِ م َ نأ ْ َ ْ َ ِ َ ّ َ ِ َ ً ِ َ ِ َ َ ُ ِ ّ َ َّ
قون ََها َ
ة وَل ي ُن ْفِ ُ ض َف ّ ْ
ب َوال ِ ن الذ ّهَ َ ْ
ن ي َكن ُِزو َ ذي َ ّ ّ
ل اللهِ َوال ِ سِبي ِ ن َ ن عَ ْ دو َ ص ّل وَي َ ُِبال َْباط ِ ِ
َ
م
جهَن ّ َ مى عَل َي َْها ِفي َنارِ َ ح َم يُ ْ ب أِليم ٍ ) (34ي َوْ َ م ب ِعَ َ
ذا ٍ شْرهُ ْ ل الل ّهِ فَب َ ّ سِبي ِِفي َ
م ت نُ ك ما قوا ُ ُ
ذو َ ف مُ ك س ُ ف نَ ل م ت ز نَ ك ما َ
ذا ه م ه ر هو ُ
فَت ُك ْ َ ِ َ ِ َ ُ ُ ْ َ ُ ُ ُ ُ ْ َ ُ ُ ُ ْ َ
ظ و م ه ب نو ج و م ه ه با ج ها ب وى
ُْ ْ َ َْ ُ ْ ِ ْ ِ ْ َ
ن )(35 ت َك ْن ُِزو َ
وفي المسند أيضا :حدثنا محمد بن أبي عَدِيّ ،عن ابن عون ،عن ابن
سيرين ،عن أبي حذيفة ،عن عدي بن حاتم سمعه ) (1يقول :دخلت على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " :يا عدي ،أسلم تسلم" .فقلت :
إني من أهل دين .قال " :أنا أعلم بدينك منك" .فقلت :أنت أعلم بديني مني
سّية ،وأنت تأكل مرباع قومك ؟" .قلت : كو ِ ؟ قال " :نعم ،ألست من الّر ُ
بلى .قال " :فإن هذا ل يحل لك في دينك" .قال :فلم ي َعْد ُ أن قالها فتواضعت
لها ،قال " :أما إني أعلم ما الذي يمنعك من السلم ،تقول :إنما اتبعه
مْتهم العرب ،أتعرف الحيرة ؟" قلت : ة الناس ومن ل قوة له ،وقد َر َ ف ُ ضعَ َ َ
لم أرها ،وقد سمعت بها .قال " :فوالذي نفسي بيده ،ليتمن الله هذا المر
حتى تخرج الظ ِّعينة من الحيرة ،حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد ،
ولتفتحن ) (2كنوز كسرى بن هرمز" .قلت :كسرى بن هرمز ؟ .قال :
ن المال حتى ل يقبله أحد" .قال عدي بن ذل ّ "نعم ،كسرى بن هرمز ،ولي ُب ْ َ
حاتم :فهذه الظعينة تخرج من الحيرة ،فتطوف بالبيت في غير جوار أحد ،
ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز ،والذي نفسي بيده ،لتكونن
الثالثة ؛ لن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها ).(3
ي ،حدثنا خالد بن الحارث ، ش ّ وقال مسلم :حدثنا أبو معن زيد بن يزيد الّرَقا ِ
حدثنا عبد الحميد بن جعفر ،عن السود بن العلء ،عن أبي سلمة ،عن
عائشة ،رضي الله عنها ،قالت :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ت والعُّزى" .فقلت :يا رسول يقول " :ل يذهب الليل والنهار حتى ت ُعَْبد الل ُ
َ
هسول َ ُ ل َر ُ س َ ذي أْر َ الله ،إن كنت لظن حين أنزل الله ،عز وجل } :هُوَ ال ّ ِ
ن { أن ذلك تام ،قال : كو َ شرِ ُ م ْ حقّ { إلى قوله } :وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ ُ ن ال ْ َ دى وَِدي ِ ِبال ْهُ َ
"إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ،عز وجل ،ثم يبعث الله ريحا طيبة
حّبة خردل من إيمان[ ) (4فيبقى من ل ل من كان في قلبه مثقال َ ]فيتوفى ك ّ
خير فيه ،فيرجعون إلى دين آبائهم" )(5
َ ُ ْ َ َ
سل الّنا ِ وا َ م َنأ ْ ُ
ن لي َأكلو َ حَبارِ َوالّرهَْبا ِ ن ال ْ م َ ن ك َِثيًرا ِ مُنوا إ ِ ّنآ َ ذي َ } َيا أي َّها ال ّ ِ
قون ََها ة َول ي ُن ْفِ ُ ض َف ّ ب َوال ْ ِ ن الذ ّهَ َ كنزو َ ن يَ ْ ذي َ ل الل ّهِ َوال ّ ِ سِبي ِ ن َ ن عَ ْ دو َ ص ّ
ل وَي َ ُ ِبال َْباط ِ ِ
َ
م
جهَن ّ َ مى عَل َي َْها ِفي َنارِ َ ح َ م يُ ْ ب أِليم ٍ ) (34ي َوْ َ ذا ٍ م ب ِعَ َ شْرهُ ْ ل الل ّهِ فَب َ ّ سِبي ِ ِفي َ
م ُ
ما كن ْت ُ ْ ذوُقوا َ م فَ ُ سك ْ ُ ف ِ م لن ْ ُ ما كنزت ُ َْ ذا َ م هَ َ م وَظُهوُرهُ ْ ُ جُنوب ُهُ ْ م وَ ُجَباهُهُ ْ وى ب َِها ِ فَت ُك ْ َ
ن ){ (35 كنزو َ تَ ْ
قال السدي :الحبار من اليهود ،والرهبان من النصارى.
مول ي َن َْهاهُ ُ َ
وهو كما قال ،فإن الحبار هم علماء اليهود ،كما قال تعالى } :ل ْ
َ
ت { ]المائدة [63 : ح َ س ْ م ال ّ م وَأك ْل ِهِ ُ م الث ْ َ ن قَوْل ِهِ ُ حَباُر عَ ْ ن َوال ْ الّرّبان ِّيو َ
__________
) (1في ت ،أ " :سمعته".
) (2في ت ،أ " :وليفتحن".
) (3المسند ) (378 ، 4/377وكأن الحافظ اختصره هنا.
) (4زيادة من ت ،ك ،أ ،ومسلم.
) (5صحيح مسلم برقم ).(2907
) (4/137
) (4/139
حديث آخر :قال ) (1المام أحمد :حدثنا وكيع ،حدثنا عبد الله بن عمرو بن
مرة ،عن أبيه ،عن سالم بن أبي الجعد ،عن ثوبان قال :لما نزل في
الفضة والذهب ) (2ما نزل قالوا :فأي المال نتخذ ؟ قال ]عمر :أنا أعلم
ذلك لكم فأوضع ) (3على بعير فأدركه ،وأنا في أثره ،فقال :يا رسول
الله ،أي المال نتخذ ؟ قال[ ) (4ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا
وزوجة تعين أحدكم في ) (5أمر الخرة ".
ورواه الترمذي ،وابن ماجه ،من غير وجه ،عن سالم بن أبي الجعد )(6
وقال الترمذي :حسن ،وحكي عن البخاري أن سالما لم يسمعه من ثوبان.
قلت :ولهذا رواه بعضهم عنه مرسل والله أعلم.
حديث آخر :قال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا حميد بن مالك ،حدثنا
يحيى بن يعلى المحاربي ،حدثنا أبي ،حدثنا غَْيلن بن جامع المحاربي ،عن
عثمان أبي اليقظان ،عن جعفر بن إياس ،عن مجاهد ،عن ابن عباس قال :
ة { الية ،ك َُبر ذلك علىض َ ب َوال ْ ِ
ف ّ ن الذ ّهَ َ ن يَ ْ
كنزو َ لما نزلت هذه الية َ } :وال ّ ِ
ذي َ
المسلمين ،وقالوا :ما يستطيع أحد منا أن يترك لولده ما ل يبقى بعده.
فقال عمر :أنا أفّرج عنكم .فانطلق عمر واتبعه ثوبان ،فأتى النبي صلى الله
ي الله ،إنه قد ك َُبر على أصحابك هذه الية .فقال نب ّ
ي عليه وسلم فقال :يا نب ّ
الله صلى الله عليه وسلم " :إن الله لم يفرض الزكاة إل ليطيب بها ما بقي
من أموالكم ،وإنما فرض المواريث من أموال تبقى بعدكم" .قال :فكّبر
عمر ،ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم " :أل أخبرك بخير ما يكنز المرء
؟ المرأة الصالحة التي إذا نظر إليها سرته ،وإذا أمرها أطاعته ،وإذا غاب
عنها حفظته".
ورواه أبو داود ،والحاكم في مستدركه ،وابن مردويه من حديث يحيى بن
يعلى ،به ) (7وقال الحاكم :صحيح على شرطهما ،ولم يخرجاه.
حديث آخر :قال المام أحمد :حدثنا روح ،حدثنا الوزاعي ،عن حسان بن
عطية قال :كان شداد بن أوس ،رضي الله عنه ،في سفر ،فنزل منزل
فَرةِ نعَْبث بها .فأنكرت عليه ،فقال :ما تكلمت فقال لغلمه :ائتنا بال ّ
ش ْ
مها غير كلمتي هذه ،فل تحفظونها )(8 مها وأز ّ خط ُبكلمة منذ أسلمت إل وأنا أ ْ
علي ،واحفظوا ما أقول لكم :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول " :إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هؤلء الكلمات :اللهم ،إنى
أسألك الثبات في المر ،والعزيمة على الرشد ،وأسألك شكر نعمتك ،
وأسألك حسن عبادتك ،وأسألك قلبا سليما ،وأسألك لسانا صادقا ،وأسألك
من خير ما تعلم ،وأعوذ بك من شر ما تعلم ،وأستغفرك لما تعلم ،إنك أنت
علم الغيوب" )(9
__________
) (1في ت ،ك " :وقال".
) (2في ت ،ك " :في الذهب والفضة".
) (3في ت ،ك " :أعلم لكم ذلك قال :فأوضع".
) (4زيادة من ت ،د ،ك ،أ والمسند.
) (5في ت ،د ،ك ،أ " ،علي".
) (6المسند ) (5/282وسنن الترمذي برقم ) (3094وسنن ابن ماجه برقم )
.(1856
) (7سنن أبي داود برقم ) (1664والمستدرك ) (2/333قال الذهبي :
"وعثمان ل أعرفه والخبر عجيب".
) (8في ت ،د ،ك ،أ " :تحفظوها".
) (9المسند ).(4/123
) (4/140
م
جُنوب ُهُ ْ م وَ ُ جَباهُهُ ْ
وى ب َِها ِ م فَت ُك ْ َ مى عَل َي َْها ِفي َنارِ َ
جهَن ّ َ ح َ م يُ ْ وقوله تعالى } :ي َوْ َ
ن { أي :يقال لهم م ت َكنزو َْ ُ
ما كن ْت ُ ْ ُ
ذوقوا َ َ
مف ُ ُ
سك ْ ف ِ م لن ْ ُ كنزت ُ ْ ما َ ذا َ م هَ َ وَظ ُُهوُرهُ ْ
ْ
نم ْ سهِ ِ صّبوا فَوْقَ َرأ ِ م ُ هذا الكلم تبكيتا وتقريعا وتهكما ،كما في قوله } :ث ُ ّ
ذاب ال ْحميم ذ ُقْ إن َ َ
م { ]الدخان [49 ، 48 :أي :هذا ري ُ زيُز ال ْك َ ِ ت ال ْعَ ِ ك أن ْ َ ِّ َ ِ ِ عَ َ ِ
بذاك ،وهو ) (1الذي كنتم تكنزون لنفسكم ؛ ولهذا يقال :من أحب شيئا
وقدمه على طاعة الله ،عذب به .وهؤلء لما كان جمع هذه الموال آثر
داعندهم من رضا الله عنهم ،عذبوا بها ،كما كان أبو لهب ،لعنه الله ،جاه ً
في عداوة الرسول ،صلوات الله ]وسلمه[ ) (2عليه ) (3وامرأته تعينه في
ها { أي ] :في[ )(4 جيدِ َ ذلك ،كانت يوم القيامة عوًنا على عذابه أيضا } ِفي ِ
سد ٍ { ]المسد [5 :أي :تجمع من الحطب في النار م َ ن َم ْل ِ حب ْ ٌ
عنقها } َ
وتلقي عليه ،ليكون ذلك أبلغ في عذابه ممن هو أشفق عليه -كان -في
الدنيا ،كما أن هذه الموال لما كانت أعز الشياء على أربابها ،كانت أضر
الشياء عليهم في الدار الخرة ،فيحمى عليها في نار جهنم ،وناهيك بحرها ،
فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم.
قال سفيان ،عن العمش ،عن عبد الله بن مرة ،عن مسروق ،عن عبد
الله بن مسعود :والله الذي ل إله غيره ،ل يكوى عبد بكنز فيمس دينار
سع جلده ،فيوضع كل دينار ودرهم على ديناًرا ،ول درهم درهما ،ولكن يو ّ
حدته )(6) (5
وقد رواه ابن مْرُدويه ،عن أبي هريرة مرفوعا ،ول يصح رفعه ،والله أعلم.
مر ،عن ابن طاوس ،عن أبيه قال :بلغني أن معْ َ وقال عبد الرزاق :أخبرنا َ
الكنز يتحول يوم القيامة شجاعا يتبع صاحبه ،وهو يفر منه ويقول :أنا كنزك!
ل يدرك منه شيئا إل أخذه.
وقال المام أبو جعفر بن جرير :حدثنا بشر ،حدثنا يزيد ،حدثنا سعيد ،عن
دان بن أبي طلحة ،عن ثوبان أن معْ َ
جْعد ،عن َ قتادة ،عن سالم بن أبي ال َ
مَثل له نبي ) (7الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " :من ترك بعده كنزا َ
عا أقرع له زبيبَتان ،يتبعه ،يقول :ويلك ما أنت ؟ فيقول : شجا ً يوم القيامة ُ
صها ) ق َص ِ أنا كنزك الذي تركته ) (8بعدك! ول يزال يتبعه حتى ُيلقمه يده فَي ُ َ
ق ْ
(9ثم يتبعها سائر جسده".
ورواه ابن حبان في صحيحه ،من حديث يزيد ،عن سعيد به ) (10وأصل هذا
الحديث في الصحيحين من رواية أبي الزناد ،عن العرج ،عن أبي هريرة
رضي الله عنه )(11
__________
) (1في ت ،د ،ك " :وهذا".
) (2زيادة من أ.
) (3في د ،ك " :صلى الله عليه وسلم".
) (4زيادة من ك.
) (5في أ " :جلده".
) (6رواه الطبري في تفسيره ) (14/233من طريق سفيان به.
) (7في د " :رسول".
) (8في أ " :كنزته".
) (9في د ،أ " :فيقضمها".
) (10تفسير الطبري ) (14/232وصحيح ابن حبان برقم )" (803موارد"
ورواه ابن خزيمة في صحيحه برقم ) (2255من طريق بشر ابن معاذ به.
) (11صحيح البخاري برقم ) (4659ولم أعثر عليه في صحيح مسلم من هذا
الطريق.
) (4/141
وفي صحيح مسلم ،من حديث سهيل بن أبي صالح ،عن أبيه ،عن أبي
هريرة :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :ما من رجل ل يؤدي
زكاة ماله إل جعل ) (1يوم القيامة صفائح من نار يكوى ) (2بها جنبه وجبهته
وظهره ،في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ،حتى يقضى بين الناس ،
ثم ي ََرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار" وذكر تمام الحديث )(3
صْين ،ح َوقال البخاري في تفسير هذه الية :حدثنا قتيبة ،حدثنا جرير ،عن ُ
عن زيد بن وهب قال :مررت على أبي ذر بالّرَبذة ،فقلت :ما أنزلك بهذه
ة َولض َف ّب َوال ْ ِن الذ ّهَ َ ن يَ ْ
كنزو َ الرض ،قال ) (4كنا بالشام ،فقرأت َ } :وال ّ ِ
ذي َ
ب أ َِليم ٍ { فقال معاوية :ما هذه فينا ) م ب ِعَ َ
ذا ٍ شْرهُ ْ ل الل ّهِ فَب َ ّ
سِبي ِ
قون ََها ِفي َ
ي ُن ْفِ ُ
(5ما هذه إل في أهل الكتاب .قال :قلت :إنها لفينا وفيهم )(6
ورواه ابن جرير من حديث عبثر بن القاسم ،عن حصين ،عن زيد بن وهب ،
عن أبي ذر ،رضي الله عنه ،فذكره وزاد :فارتفع في ذلك بيني وبينه القول
ي عثمان أن أقبل إليه ،قال :فأقبلت ،فكتب إلى عثمان يشكوني ،فكتب إل ّ
،فلما قدمت المدينة ركبني ) (7الناس كأنهم لم يروني قبل يومئذ ،فشكوت
ح قريبا .قلت :والله لن أدع ما كنت أقول )(8 ذلك إلى عثمان ،فقال لي :ت َن َ ّ
قلت :كان من مذهب أبي ذر ،رضي الله عنه ،تحريم ادخار ما زاد على
نفقة العيال ،وكان يفتي ]الناس[ ) (9بذلك ،ويحثهم عليه ،ويأمرهم به ،
ويغلظ في خلفه ،فنهاه معاوية فلم ينته ،فخشي أن يضر بالناس في هذا ،
فكتب يشكوه إلى أمير المؤمنين عثمان ،وأن يأخذه إليه ،فاستقدمه عثمان
إلى المدينة ،وأنزله بالربذة وحده ،وبها مات ،رضي الله عنه ،في خلفة
عثمان .وقد اختبره معاوية ،رضي الله عنه ) (10وهو عنده ،هل يوافق
عمله قوله ؟ فبعث إليه بألف دينار ،ففرقها من يومه ،ثم بعث إليه الذي
أتاه بها فقال :إن معاوية إنما بعثني إلى غيرك فأخطأت ،فهات الذهب!
فقال :ويحك! إنها خرجت ،ولكن إذا جاء مالي حاسبناك ) (11به.
وهكذا روى علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس أنها عامة :
وقال السدي :هي في أهل القبلة.
مل من وقال الحنف بن قيس :قدمت المدينة ،فبينا أنا في حلقة فيها َ
قريش ،إذ جاء رجل أخشن الثياب ،أخشن الجسد ،أخشن الوجه ،فقام
ضف يحمى عليه في عليهم فقال :بشر الكانزين بَر ْ
__________
) (1في د " :جعل له".
) (2في ت " :فتكوى" ،وفي د ،أ " :فيكوى".
) (3صحيح مسلم برقم ).(987
) (4في ت ،د ،ك ،أ " :فقال".
) (5في ت ،د ،ك " :ما هذا".
) (6صحيح البخاري برقم ).(4660
) (7في ت " :ولقيني".
) (8تفسير الطبري ).(14/227
) (9زيادة من أ.
) (10زيادة من أ " :عنهما".
) (11في ت ،أ " :حاسبناه".
) (4/142
) (4/143
ت
ماَوا ِ س َخل َقَ ال ّ م َ ب الل ّهِ ي َوْ َ شهًْرا ِفي ك َِتا ِ شَر َ عن ْد َ الل ّهِ اث َْنا عَ َ شُهورِ ِ عد ّةَ ال ّ
ن ِ إِ ّ
م وََقات ُِلوا َ َ َ
سك ُ ْف َ
ن أن ْ ُ موا ِفيهِ ّ م فََل ت َظ ْل ِ ُ ن ال ْ َ
قي ّ ُ دي ُ ك ال ّ م ذ َل ِ َحُر ٌ ة ُ من َْها أْرب َعَ ٌ
ض َِواْلْر َ
َ
ن )(36 قي َ مت ّ ِ معَ ال ْ ُ
ه َ ن الل ّ َ موا أ ّ ة َواعْل َ ُ م َ
كافّ ً قات ُِلون َك ُ ْ ة كَ َ
ما ي ُ َ ن َ
كافّ ً كي َ
شرِ ِم ْ ال ْ ُ
) (4/144
قال " :أليست البلدة ؟" قلنا :بلى .قال " :فإن دماءكم وأموالكم -قال :
وأحسبه قال :وأعراضكم -عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ،في شهركم
هذا ،في بلدكم هذا ،وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ،أل ل ترجعوا
ضلل يضرب بعضكم رقاب بعض ،أل هل بلغت ؟ أل ليبلغ الشاهد بعدي ُ
الغائب منكم ،فلعل من يبلغه يكون أوعى له من بعض من يسمعه )(2) (1
ورواه البخاري في التفسير وغيره ،ومسلم من حديث أيوب ،عن محمد -
وهو ابن سيرين -عن عبد الرحمن بن أبي ب َك َْرة ،عن أبيه ،به )(3
مر ،حدثنا روح ،حدثنا أشعث ،عن معْ َ
وقد قال ابن جرير :حدثنا محمد بن َ
محمد بن سيرين ،عن أبي هريرة ،رضي الله عنه ،قال :قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " :إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات
والرض ،وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق
السموات والرض منها أربعة حرم ،ثلثة متواليات ،ورجب مضر بين جمادى
وشعبان" )(4
ورواه الب َّزار ،عن محمد بن معمر ،به ) (5ثم قال :ل يروى عن أبي هريرة
ون وقُّرة ،عن ابن سيرين ،عن عبد إل من هذا الوجه ،وقد رواه ابن عَ ْ
الرحمن بن أبي بكرة ،عن أبيه ،به.
ضا :حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ،حدثنا زيد وقال ابن جرير أي ً
حَباب ،حدثنا موسى بن عبيدة الرَبذي ،حدثني صدقة بن يسار ،عن ابن بن ُ
عمر قال :خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى
في أوسط أيام التشريق فقال " :أيها الناس ،إن الزمان قد استدار ،فهو
اليوم كهيئته يوم خلق الله السموات والرض ،وإن عدة الشهور عند الله اثنا
جب مضر بين جمادى وشعبان ،وذو عشر شهرا منها أربعة حرم ،أولهن َر َ
القعدة ،وذو الحجة ،والمحرم" )(6
مْرُدويه من حديث موسى بن عبيدة ،عن عبد الله بن دينار ،عن وروى ابن َ
ابن عمرو ،مثله أو نحوه.
حّرة ) (7حدثني وقال حماد بن سلمة :حدثني علي بن زيد ،عن أبي ُ
ذا بزمام ناقة رسول الرقاشي ،عن عمه -وكانت له صحبة -قال :كنت آخ ً
الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق ،أذود الناس عنه ،فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :أل إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق
الله السموات والرض ،وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهًرا في كتاب
الله يوم خلق السموات والرض ،منها أربعة حرم فل
__________
) (1في ت ،د ،أ " :سمعه".
) (2المسند ).(5/37
) (3صحيح البخاري برقم ) (4662وبرقم )(5550 ، 7447 ، 4406 ، 3197
وصحيح مسلم برقم ).(1679
) (4تفسير الطبري ).(14/235
) (5في ت ،أ " :معاوية".
) (6تفسير الطبري ) (14/234وموسى بن عبيده ضعيف.
) (7في ك ،أ " :حمزة".
) (4/145
) (4/146
) (4/147
م { فهذا مما كانت العرب أيضا في الجاهلية حُر ٌ ة ُ من َْها أ َْرب َعَ ٌ
وقوله تعالى ِ } :
) (1تحرمه ،وهو الذي كان عليه جمهورهم ،إل طائفة منهم يقال لهم :
دا.سل" ،كانوا يحرمون من السنة ثمانية أشهر ،تعمقا وتشدي ً "الب َ ْ
وأما قوله " :ثلث متواليات :ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ،ورجب مضر
الذي بين جمادى وشعبان ] ،فإنما أضافه إلى مضر ،ليبين صحة قولهم في
رجب أنه الشهر الذي بين جمادى وشعبان[ ) (2ل كما كانت تظنه ربيعة من
ن رجب المحرم هو الشهر الذي بين شعبان وشوال ،وهو رمضان اليوم ، أ ّ
فبين ،عليه ]الصلة و[ ) (3السلم ،أنه رجب مضر ل رجب ربيعة .وإنما
سْرد ٌ وواحد فرد ؛ لجل أداء مناسك الحج كانت الشهر المحرمة أربعة ،ثلثة َ
والعمرة ،فحرم قبل شهر الحج شهر ،وهو ذو القعدة ؛ لنهم يقعدون فيه
حّرم شهر ذي الحجة لنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون فيه عن القتال ،و ُ
بأداء المناسك ،وحرم بعده شهر آخر ،وهو المحرم ؛ ليرجعوا فيه إلى نائي
أقصى بلدهم آمنين ،وحرم رجب في وسط الحول ،لجل زيارة البيت
والعتمار به ،لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب ،فيزوره ثم يعود إلى
وطنه فيه آمنا.
م { أي :هذا هو الشرع المستقيم ،من قي ّ ُ ْ
ن ال َ دي ُ َ
وقوله تعالى } :ذ َل ِك ال ّ
ذو بها على ما سبق في ح ْامتثال أمر الله فيما جعل من الشهر الحرم ،وال َ
كتاب الله الول.
م { أي :في هذه الشهر المحرمة ؛ ُ َ ْ َ
سك ْ ف َن أن ْ ُ موا ِفيهِ ّ وقال تعالى } :فل ت َظل ِ ُ
لنه آكد وأبلغ في الثم من غيرها ،كما أن المعاصي في البلد الحرام
ب أ َِليم ٍ { ن عَ َ
ذا ٍ م ْ ه ِحادٍ ب ِظ ُل ْم ٍ ن ُذِقْ ُ ن ي ُرِد ْ ِفيهِ ب ِإ ِل ْ َ م ْ تضاعف ،لقوله تعالى } :وَ َ
]الحج [25 :وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الثام ؛ ولهذا تغلظ فيه الدية
حقّ من قتل في في مذهب الشافعي ،وطائفة كثيرة من العلماء ،وكذا في َ
الحرم أو قتل ذا محرم.
مْهران ،عن ابن وقال حماد بن سلمة ،عن علي بن زيد ،عن يوسف بن ِ
م { قال :في الشهور كلها. سك ُ ْ ف َ ن أ َن ْ ُ
موا ِفيهِ ّ عباس ،في قوله َ } :فل ت َظ ْل ِ ُ
عن ْد َ الل ّ ِ
ه شُهورِ ِ عد ّةَ ال ّن ِ وقال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس قوله } :إ ِ ّ
م { في كلهن ،ثم اختص ّ سك ُ ْ ف َ ن أ َن ْ ُ موا ِفيهِ ّ شهًْرا { الية } َفل ت َظ ْل ِ ُ اث َْنا عَ َ
شَر َ
حُرماتهن ،وجعل الذنب فيهن عظم ُ من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراما ،و َ
أعظم ،والعمل الصالح والجر أعظم.
َ
م { إن الظلم في الشهر ُ
سك ْ ف َ ن أن ْ ُ موا ِفيهِ ّ وقال قتادة في قوله َ } :فل ت َظ ْل ِ ُ
الحرم أعظم خطيئة ووزًرا ،من الظلم فيما سواها ،وإن كان الظلم على
كل حال عظيما ،ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء .قال :إن الله اصطفى
فايا من خلقه ،اصطفى من الملئكة رسل ومن الناس رسل واصطفى من ص َ
َ
ْ
الكلم ذِكَره ،واصطفى من الرض المساجد ،واصطفى من الشهور رمضان
والشهر الحرم ،
__________
) (1في ت ،ك ،أ " :جاهليتها".
) (2زيادة من ت ،أ.
) (3زيادة من ت ،أ.
) (4/148
ظموا واصطفى من اليام يوم الجمعة ،واصطفى من الليالي ليلة القدر ،فَعَ ّ
ما عظم الله ،فإنما ت َُعظم المور ) (1بما عظمها الله به عند أهل الفهم
وأهل العقل.
وقال الثوري ،عن قيس بن مسلم ،عن الحسن بن محمد بن الحنفية :بأل
تحرموهن كحرمتهن )(2
م { أي :ل تجعلوا ُ َ ْ َ
سك ْ ف َ ن أن ْ ُ موا ِفيهِ ّ وقال محمد بن إسحاق } :فل ت َظل ِ ُ
حرامها حلل ول حللها حراما ،كما فعل أهل الشرك ،فإنما النسيء الذي
فُروا { الية ن كَ َ ذي َ ل ب ِهِ ال ّ ِ ض ّ كانوا يصنعون من ذلك ،زيادة في الكفر } ي ُ َ
]التوبة .[37 :
وهذا القول اختيار ابن جرير.
م َ
كافّ ً
ة ُ
قات ِلون َك ُ ْ ما ي ُ َ ة { أي :جميعكم ) } (3ك َ َ كافّ ً ن َ كي َ
شرِ ِ م ْوقوله } :وََقات ُِلوا ال ْ ُ
َ
ن{ قي َ مت ّ ِمعَ ال ْ ُ ه َ ن الل ّ َ موا أ ّ { أي :جميعهم َ } ،واعْل َ ُ
وقد اختلف العلماء في تحريم ابتداء القتال في الشهر الحرام :هل هو
منسوخ أو محكم ؟ على قولين :
موا ْ
أحدهما -وهو الشهر :أنه منسوخ ؛ لنه تعالى قال هاهنا َ } :فل ت َظل ِ ُ
م { وأمر بقتال المشركين وظاهر السياق مشعر بأنه أمر بذلك سك ُ ْف َ ن أ َن ْ ُِفيهِ ّ
أمًرا عاما ،فلو كان محرما ما في الشهر الحرام لوشك أن يقيده
بانسلخها ؛ ولن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف في
شهر حرام -وهو ذو القعدة -كما ثبت في الصحيحين :أنه خرج إلى هوازن
في شوال ،فلما كسرهم واستفاء أموالهم ،ورجع فَّلهم ،فلجئوا إلى
عمد إلى الطائف فحاصرها أربعين يوما ،وانصرف ولم يفتتحها )(4 الطائف َ -
فثبت أنه حاصر في الشهر الحرام.
والقول الخر :أن ابتداء القتال في الشهر الحرام حرام ،وأنه لم ينسخ
شَعائ َِر الل ّهِ َول حّلوا َ َ
مُنوا ل ت ُ ِ نآ َ ذي َ تحريم الحرام ،لقوله تعالى َ } :يا أي َّها ال ّ ِ
ر
شهْ ِ م ِبال ّ حَرا ُ شهُْر ال ْ َ م { ]الية[ )] (5المائدة [ 2 :وقال } :ال ّ حَرا َ شهَْر ال ْ َ ال ّ
دى ما اعْت َ َ ل َ مث ْ ِ َ
دوا عَلي ْهِ ب ِ ِ م َفاعْت َ ُ َ
دى عَلي ْك ُ ْ ن اعْت َ َ ص فَ َ ْ ال ْ َ
م ِ صا ٌ ت قِ َ ما ُ حُر َ حَرام ِ َوال ُ
م َفاقْت ُُلوا حُر ُ شهُُر ال ْ ُ خ ال ْ سل َ َم { الية]البقرة [194 :وقال } :فَإ َِذا ان ْ َ عَل َي ْك ُ ْ
ن { ]الية[ ]التوبة (6) [50 : كي َ شرِ ِ م ْ ال ْ ُ
وقد تقدم أنها الربعة المقررة في كل سنة ،ل أشهر التسيير على أحد
القولين.
ة { فيحتمل ّ
م كاف ً َ ُ
قات ِلون َك ْ ُ ما ي ُ َ ةك ََ ّ
ن كاف ً َ كي َ شرِ ِ م ْ ْ ُ َ
وأما قوله تعالى } :وَقات ِلوا ال ُ
أنه منقطع عما قبله ،وأنه حكم مستأنف ،ويكون من باب التهييج
والتحضيض ،أي :كما يجتمعون لحربكم إذا حاربوكم فاجتمعوا أنتم أيضا لهم
إذا حاربتموهم ،وقاتلوهم بنظير ما يفعلون ،ويحتمل أنه أذن للمؤمنين بقتال
__________
) (1في ت ،أ " :يعظم من المور".
) (2في ت " :لحرمتهن".
) (3في ت " :جميعهم".
) (4في ت " :يفتحها".
) (5زيادة من ت ،ك ،أ.
) (6زيادة من ت ،ك ،أ.
) (4/149
المشركين في الشهر الحرام إذا كانت البداءة منهم ،كما قال تعالى :
ص { ]البقرة [194 :وقال صا ٌ ت قِ َ ما ُ حَرام ِ َوال ْ ُ
حُر َ شهْرِ ال ْ َم ِبال ّحَرا ُ شهُْر ال ْ َ
} ال ّ
م ُ ُ َ
ن قات َلوك ْ َ
م ِفيهِ فإ ِ ْ ُ ُ
قات ِلوك ْ
حّتى ي ُ َ
حَرام ِ َ ْ
جدِ ال َ س ِ م ْ ْ
عن ْد َ ال َ
م ِ ُ
قات ِلوهُ ْتعالى َ } :ول ت ُ َ
م { الية]البقرة ، [191 :وهكذا الجواب عن حصار رسول الله صلى َفاقْت ُُلوهُ ْ
الله عليه وسلم أهل الطائف ،واستصحابه الحصار إلى أن دخل الشهر
الحرام ،فإنه من ) (1تتمة قتال هوازن وأحلفها من ثقيف ،فإنهم هم الذين
ابتدءوا القتال ،وجمعوا الرجال ،ودعوا إلى الحرب والنزال ،فعندما قصدهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم ،فلما تحصنوا بالطائف ذهب
إليهم لينزلهم من حصونهم ،فنالوا من المسلمين ،وقتلوا جماعة ،واستمر
الحصار بالمجانيق وغيرها قريبا من أربعين يوما .وكان ابتداؤه في شهر
حلل ،ودخل الشهر الحرام ،فاستمر فيه أياما ،ثم قفل عنهم لنه يغتفر في
الدوام ما ل يغتفر في البتداء ،وهذا هو أمر مقرر ،وله نظائر كثيرة ،والله
أعلم .ولنذكر الحاديث الواردة في ذلك ) (2وقد حررنا ذلك في السيرة ،
والله أعلم )(3
__________
) (1في ت ،أ " :في".
) (2كذا ولم أجد شيئا من ذلك ،ورفع في هـ ،ك فراغ قدر أربعة أسطر ،
ووصل الكلم في باقي النسخ.
) (3في ك " :والحمد لله".
) (4/150
ه
مون َ ُحّر ُما وَي ُ َ
عا ً
ه َ حّلون َ ُ ن كَ َ
فُروا ي ُ ِ ل ب ِهِ ال ّ ِ
ذي َ ض ّ سيُء زَِياد َة ٌ ِفي ال ْك ُ ْ
فرِ ي ُ َ ما الن ّ ِ إ ِن ّ َ
م َ َ ّ ّ ه فَي ُ ِ ّ واط ُِئوا ِ
مال ِهِ ْ
سوُء أعْ َ م ُ ن لهُ ْ ه ُزي ّ َ م الل ُحّر َ
ما َ حلوا َ م الل ُ حّر َما َ عد ّة َ َ ما ل ِي ُ َ عا ً َ
ن )(37 ري َكافِ ِ ْ
م ال َقو ْ َ ْ
دي ال َ ه ل ي َهْ َِ ّ
َوالل ُ
ه
مون َ ُ
حّر ُ
ما وَي ُ َ عا ً حّلون َ ُ
ه َ فُروا ي ُ ِ ن كَ َ ل ب ِهِ ال ّ ِ
ذي َ ض ّ فرِ ي ُ َ سيُء زَِياد َة ٌ ِفي ال ْك ُ ْ ما الن ّ ِ} إ ِن ّ َ
م ه لما ع َ أ ُ ءسو م ه َ ل ن ي ز هّ ل ال م رح ما لوا ّ ح يَ ف ه ّ ل ال م ر ح ما ة د ع ُ
ئوا
ْ َ ِِ ْ ُ ُ ّ َ ُ ْ ُ َ َ ّ َ ُ ُ ِ ِ ّ َ َ َ ّ َ ما ِ ُ َ ِ
ط وا ي ل عا ًَ
ن ){ (37 ري
ِ ِ َ ف َ
كا ْ لا م
ْ َ و َ قْ لا دي ه
َْ ِ ي ل ه
َ ُّ ل وال
هذا مما ذم الله تعالى به المشركين من تصرفهم في شرع الله بآرائهم
الفاسدة ،وتغييرهم أحكام الله بأهوائهم الباردة ،وتحليلهم ما حرم الله
ضِبية والشهامة وتحريمهم ما أحل الله ،فإنهم كان فيهم من القوة الغ َ
والحمية ما استطالوا به مدة الشهر الثلثة في التحريم المانع لهم من قضاء
أوطارهم من قتال أعدائهم ،فكانوا قد أحدثوا قبل السلم بمدة تحليل
المحرم وتأخيره إلى صفر ،فيحلون الشهر الحرام ،ويحرمون الشهر الحلل
،ليواطئوا عدة الشهر الربعة ) (1كما قال شاعرهم -وهو عمير بن قيس
المعروف -بجذل الطعان :
كراما...م ِن ل َهُ ْم الّناس أ ّ مي ...كَرا ُن َقو ِ
معد أ ّ علمت َ لَ َ
قد ْ َ
حَراما...
جعلَها َُ حل ن َ ْ
شُهوَر ال ِمعدُ ... ن على َ سنا الناسئي َ أل ْ
س لم ت ُد َْرك بوْتر? ...وأيّ الّناس لم ن ُْعلك لجاما? )(2 َ
فأيّ الّنا ِ
__________
) (1في ك ،أ " :ليواطئوا عدة ما حرم الله الشهر الربعة".
) (2انظر :السيرة النبوية لبن هشام ).(1/45
) (4/150
سيُء زَِياد َة ٌ ِفي ما الن ّ ِ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله } :إ ِن ّ َ
جنادة بن عوف بن أمية الكناني ،كان يوافي ن ُ فرِ { قال :النسيء أ ّ ال ْك ُ ْ
مامة" ،فينادي :أل إن أبا ثمامة ل الموسم في كل عام ،وكان يكنى "أبا ث ُ َ
ُيحاب ول ُيعاب ،أل وإن صفر العام الول حلل .فيحله للناس ،فيحرم صفرا
سيُء زَِياد َة ٌ ِفي ما الن ّ ِ عاما ،ويحرم المحرم عاما ،فذلك قول الله } :إ ِن ّ َ
فرِ { [ سيُء زَِياد َة ٌ ِفي ال ْك ُ ْ ما الن ّ ِ فرِ { ]إلى قوله } :الكافرين { وقوله } إ ِن ّ َ ال ْك ُ ْ
) (1يقول :يتركون المحرم عاما ،وعاما يحرمونه.
وروى العوفي عن ابن عباس نحوه.
وقال ليث بن أبي سليم ،عن مجاهد ،كان رجل من بني كنانة يأتي كل عام
إلى الموسم على حمار له ،فيقول :يا أيها الناس ،إني ل أعاب ول أجاب ،
حّرمنا المحرم ،وأخرنا صفر .ثم يجيء العام مَرد ّ لما أقول ،إنا قد َ ول َ
المقبل بعده فيقول مثل مقالته ،ويقول :إنا قد حرمنا صفر ،وأخرنا
ه { قال :يعني الربعة م الل ّ ُ حّر َ ما َ عد ّة َ َ واط ُِئوا ِ المحرم .فهو قوله } :ل ِي ُ َ
ه { لتأخير هذا الشهر الحرام. م الل ّ ُ
حّر َ حّلوا َ
ما َ } فَي ُ ِ
وروي عن أبي وائل ،والضحاك ،وقتادة نحو هذا.
سيُء زَِياد َة ٌ ِفي ما الن ّ ِ وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله } :إ ِن ّ َ
مس" ،وكان في قل َّ
فرِ { الية ،قال :هذا رجل من بني كنانة يقال له " :ال َ ال ْك ُ ْ
الجاهلية ،وكانوا في الجاهلية ل يغيُر بعضهم على بعض في الشهر الحرام ،
مد ّ إليه يده ،فلما كان هو ،قال :اخرجوا بنا. يلقى الرجل قاتل أبيه ول ي َ ُ
قالوا له :هذا المحرم! قال :ننسئه العام ،هما العام صفران ،فإذا كان
محّرمين .قال :ففعل ذلك ،فلما كان عام قابل العام القابل قضينا جعلناهما ُ
قال :ل تغُزوا في صفر ،حرموه مع المحرم ،هما محرمان.
فهذه صفة غريبة في النسيء ،وفيها نظر ؛ لنهم في عام إنما يحرمون على
هذا ثلثة أشهر فقط ،وفي العام الذي يليه يحرمون خمسة أشهر ،فأين هذا
ه {.م الل ّ ُ حّر َ
ما َ عد ّة َ َ واط ُِئوا ِ ما ل ِي ُ َ عا ً ه َ مون َ ُ حّر ُما وَي ُ َ
عا ًه َ حّلون َ ُ من قوله تعالى } :ي ُ ِ
وقد روي عن مجاهد صفة أخرى غريبة أيضا ،فقال عبد الرزاق ،أخبرنا
سيُء زَِياد َة ٌ ِفي ما الن ّ ِ جيح ،عن مجاهد في قوله } :إ ِن ّ َ مر ،عن ابن أبي ن َ ِ معْ َ َ
فرِ { الية ،قال :فرض الله ،عز وجل ،الحج في ذي الحجة .قال :وكان ُ
الك ْْ
المشركون يسمون الشهر ذا الحجة ،والمحرم ،وصفر ،وربيع ،وربيع ،
وجمادى ،وجمادى ،ورجب ،وشعبان ،ورمضان ،وشوال ) (2وذا القعدة.
وذا الحجة يحجون فيه مرة أخرى ثم يسكتون عن المحرم ول يذكرونه ،ثم
يعودون فيسمون صفر صفر ،ثم يسمون رجب جمادى الخرة ،ثم يسمون
شعبان رمضان ،ثم يسمون شوال رمضان ،ثم يسمون ذا القعدة شوال
__________
) (1زيادة من ت ،ك ،أ ،والطبري.
) (2في أ " :وشوال".
) (4/151
) (4/152
) (4/153
ل { )) (1 خَرةِ ِإل قَِلي ٌ حَياةِ الد ّن َْيا ِفي ال ِ مَتاع ُ ال ْ َ ما َ حسنة" ثم تل هذه الية } :فَ َ
(2
فالدنيا ما مضى منها وما بقي منها عند الله قليل.
حَياةِ الد ّن َْيا مَتاعُ ال ْ َ ما َ وقال ]سفيان[ ) (3الثوري ،عن العمش في الية } :فَ َ
ل { قال :كزاد الراكب. خَرةِ ِإل قَِلي ٌ ِفي ال ِ
وقال عبد العزيز بن أبي حازم ) (4عن أبيه :لما حضرت عبد العزيز بن
مروان الوفاة ُ قال :ائتوني بكفني الذي أكفن فيه ،أنظر إليه ) (5فلما وضع
ما لي من ك َِبير ) (6ما أخلف من الدنيا إل هذا ؟ ثم ظر إليه فقال :أ َ بين يديه ن َ َ
ف لك من دار .إن كان كثيُرك لقليل ،وإن كان ولى ظهره فبكى وهو يقول أ ّ
قليلك لقصير ،وإن كنا منك لفي غرور.
َ م عَ َ ُ
ما { قال ذاًبا أِلي ً فُروا ي ُعَذ ّب ْك ْ ثم توعد تعالى على ترك الجهاد فقال ِ } :إل ت َن ْ ِ
ابن عباس :استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا من العرب ،
طر فكان عذابهم. ق ْ فتثاقلوا عنه ،فأمسك الله عنهم ال َ
م { أي :لنصرة نبيه وإقامة دينه ،كما قال تعالى : ما غَي َْرك ُ ْ ل قَوْ ً ست َب ْدِ ْ } وَي َ ْ
م { ]محمد .[38 : ُ َ َ َ ُ ُ ُ َ َ ْ ّ
مثالك ْ م ل ي َكوُنوا أ ْ مث ّ ما غي َْرك ْ ست َب ْدِل قوْ ً وا ي َ ْ
ن ت َت َوَل ْ} إِ ْ
كولكم شي ًْئا { أي :ول تضروا الله شيًئا بتوليكم عن الجهاد ،ون ُ ُ ضّروه ُ َ } َ َ ُ
ت ول
ديٌر { أي :قادر على النتصار من يٍء قَ ِ ش ْ ل َ ه عََلى ك ُ ّ وتثاقلكم عنه َ } ،والل ّ ُ
العداء بدونكم.
ن ما َ
كا َ قال { وقوله } َ فاًفا وَث ِ َ خ َ فُروا ِ وقد قيل :إن هذه الية ،وقوله } :ان ْ ِ
ّ ّ َ
ل اللهِ { ]التوبة : سو ِ ن َر ُفوا عَ ْ خل ُ ن ي َت َ َ بأ ْ ن العَْرا ِ م َ حوْل َهُ ْ
م ِ ن َ م ْ دين َةِ وَ َم ِ ل ال ْ َ لهْ ِ
ول َ
ة فَل ْ كافّ ًفُروا َ ن ل ِي َن ْ ِ مُنو َ مؤ ْ ِ ْ
ن ال ُ كا َ ما َ [120إنهن منسوخات بقوله تعالى } :وَ َ
ة { ]التوبة ُ [122 :روي هذا عن ابن عباس ، ف ٌ م َ
طائ ِ َ ل فِْرقَةٍ ِ
من ْهُ ْ ن كُ ّ م ْ فَر ِ نَ َ
رمة ،والحسن ،وزيد بن أسلم .ورده ) (7ابن جرير وقال :إنما هذا ْ
عك ِ و ِ
فيمن دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجهاد ،فتعين عليهم
ذلك ،فلو تركوه لعوقبوا عليه.
وهذا له اتجاه ،والله ]سبحانه و[ ) (8تعالى أعلم ]بالصواب[ )(9
ما ِفي ن إ ِذ ْ هُ َِ ي اث ْن َي ْفُروا َثان ِ َ ن كَ َ َ ه ال ّ ِ
ذي ج ُخَر َه إ ِذ ْ أ َ ْ صَرهُ الل ّ ُ قد ْ ن َ َ صُروه ُ فَ َ } ِإل ت َن ْ ُ
َ َ ّ َ
معََنا فَأنز َ ّ قو ُ ال َْغارِ إ ِذ ْ ي َ ُ
ه عَلي ْهِ وَأي ّد َهُ كين َت َ ُ س ِه َ ل الل ُ ه َن الل َ ن إِ ّ حَز ْ حب ِهِ ل ت َ ْ صا ِ ل لِ َ
ي ال ْعُل َْيا َوالل ّ ُ
ه ة الل ّهِ هِ َ فَلى وَك َل ِ َ
م ُ س ْفُروا ال ّ ن كَ َذي َ ة ال ّ ِ م َل ك َل ِ َجعَ َ ها وَ َ م ت ََروْ َ جُنود ٍ ل َ ْ بِ ُ
م ){ (40 كي ٌ ح ِ زيٌز َ عَ ِ
__________
) (1في ت ،ك ،أ " :ما الحياة" وهو خطأ.
) (2ورواه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ،وابن مردويه في تفسيره كما
في الدر المنثور ).(5/193
) (3زيادة من ت ،ك ،أ.
) (4في أ " :حاتم".
) (5في ت " :فيه".
) (6في ت ،ك ،أ " :كثير".
) (7في أ " :ورواه".
) (8زيادة من ت ،أ.
) (9زيادة من ت ،أ.
) (4/154
صُروه ُ { أي :تنصروا رسوله ،فإن الله ناصره ومؤيده يقول تعالى ِ } :إل ت َن ْ ُ
َ ّ َ
ن ]إ ِذ ْ هُ َ
ما ي اث ْن َي ْ ِ
فُروا َثان ِ َ نك َ ذي َ ه ال ِ ج ُخَر َ وكافيه وحافظه ،كما تولى نصره } إ ِذ ْ أ ْ
ِفي ال َْغاِر[ { ) (1أي :عام الهجرة ،لما هم المشركون بقتله أو حبسه أو
ديقه وصاحبه أبي بكر بن أبي قحافة ،فلجأ نفيه ،فخرج منهم هارًبا صحبة ص ّ
ب الذين خرجوا في آثارهم ،ثم يسيرا نحو إلى غار ثور ثلثة أيام ليرجع الط ّل َ ُ
طلع عليهم أحد ، المدينة ،فجعل أبو بكر ،رضي الله عنه ،يجزع أن ي َ ّ
فيخلص إلى الرسول ،عليه السلم ) (2منهم أذى ،فجعل النبي صلى الله
كنه وَيثّبته ويقول " :يا أبا بكر ،ما ظنك باثنين الله ثالثهما" ، س ّعليه وسلم ي ُ َ
كما قال المام أحمد :
حدثنا عفان ،حدثنا همام ،أنبأنا ثابت ،عن أنس أن أبا بكر حدثه قال :قلت
للنبي صلى الله عليه وسلم ،ونحن في الغار :لو أن أحدهم ) (3نظر إلى
قدميه لبصرنا تحت قدميه .قال :فقال " :يا أبا بكر ،ما ظنك باثنين الله
ثالثهما".
أخرجاه في الصحيحين )(4
ه عَلي ْهِ { أي :تأييده ونصره عليه ، َ كين َت َ ُ
س ِ ه َ ّ
ل الل ُ ولهذا قال تعالى } :فََأنز َ
أي :على الرسول في أشهر القولين :وقيل :على أبي بكر ،وروي عن ابن
عباس وغيره ،قالوا :لن الرسول لم تزل معه سكينة ،وهذا ل ينافي تجدد
َ
ها { أي : جُنود ٍ ل َ ْ
م ت ََروْ َ سكينة خاصة بتلك الحال ؛ ولهذا قال } :وَأي ّد َه ُ ب ِ ُ
ي ال ْعُل َْيا { ة الل ّهِ هِ َ م ُفَلى وَك َل ِ َ س ْفُروا ال ّ ن كَ َ ذي َ ة ال ّ ِم َل ك َل ِ َ
جعَ َالملئكة } ،وَ َ
ة اللهِ { هي : ّ م ُ َ
فُروا { الشرك و } كل ِ َ َ
نك َ ذي َ ّ
ة ال ِ م َ َ
قال ابن عباس :يعني } كل ِ َ
ل إله إل الله.
وفي الصحيحين عن أبي موسى الشعري ،رضي الله عنه ،قال :سئل
مّية ،
ح ِ
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ،ويقاتل َ
ويقاتل رياء ،أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال " :من قاتل لتكون كلمة الله
هي العليا فهو في سبيل الله" )(5
زيٌز { أي :في انتقامه وانتصاره ،منيع الجناب ،ل ُيضام وقوله َ } :والل ّ ُ
ه عَ ِ
م { في أقواله وأفعاله.
كي ٌ
ح ِ
من لذ ببابه ،واحتمى بالتمسك بخطابه َ } ،
__________
) (1زيادة من ك.
) (2في ك " :رسول الله صلى الله عليه وسلم".
) (3في ت " :أحدا".
) (4المسند ) (1/4وصحيح البخاري برقم ) (3653وصحيح مسلم برقم )
.(2381
) (5صحيح البخاري برقم ) (2810وصحيح مسلم برقم ).(1904
) (4/155
م وَأ َن ْ ُ َ
خي ٌْر ل َك ُ ْ
م ل الل ّهِ ذ َل ِك ُ ْ
م َ سِبي ِ سك ُ ْ
م ِفي َ ف ِ وال ِك ُ ْ
م َ
دوا ب ِأ ْ قاًل وَ َ
جاهِ ُ فاًفا وَث ِ َ خ َفُروا ِ ان ْ ِ
ن )(41 مو َ م ت َعْل َ ُ
ن ك ُن ْت ُ ْإِ ْ
م وَأ َن ْ ُ َ
خي ٌْر ل الل ّهِ ذ َل ِك ُ ْ
م َ سِبي ِ سك ُ ْ
م ِفي َ ف ِ وال ِك ُ ْ
م َ
دوا ب ِأ ْ
جاهِ ُ
قال وَ َفاًفا وَث ِ َ خ َفُروا ِ } ان ْ ِ
ن ){ (41 مو َ َ
م ت َعْل ُ ُ
ن كن ْت ُ ْ
م إِ ْ ل َك ُ ْ
صبيح :هذه الية : حى مسلم بن َ قال سفيان الثوري ،عن أبيه ،عن أبي الض َ
قال {فاًفا وَث ِ َ خ َفُروا ِ } ان ْ ِ
) (4/155
) (4/156
وقال الحسن بن أبي الحسن البصري أيضا :في العسر واليسر .وهذا كله
من مقتضيات العموم في الية ،وهذا اختيار ابن جرير.
وقال المام أبو عمرو الوزاعي :إذا كان النفير إلى ُدروب الروم نفَر الناس
إليها خفافا وركبانا ،وإذا كان النفير إلى هذه السواحل نفروا إليها خفافا
وثقال وركبانا ومشاة .وهذا تفصيل في المسألة.
وقد روي عن ابن عباس ،ومحمد بن كعب ،وعطاء الخراساني وغيرهم أن
ة{ ف ٌ م َ
طائ ِ َ من ْهُ ْل فِْرقَةٍ ِ ن كُ ّ
م ْفَر ِ ول ن َ َ هذه الية منسوخة بقوله تعالى } :فَل َ ْ
وسيأتي الكلم على ذلك إن شاء الله.
قال { يقول :غنًيا وفقيًرا ،وقوًيا فاًفا وَث ِ َ خ َفُروا ِ
وقال السدي قوله } :ان ْ ِ
فا فجاءه رجل يومئذ ،زعموا أنه المقداد ،وكان عظيما سميًنا ،فشكا وضعي ً
قال { فلما فاًفا وَث ِ َ خ َفُروا ِ إليه وسأله أن يأذن له ،فأبى فنزلت يومئذ ) } (1ان ْ ِ
َ
س عَلى َ
نزلت هذه الية اشتد على الناس شأنها فنسخها الله ،فقال } :لي ْ َ
ج إ َِذا حَر ٌ ن َ قو َ ما ي ُن ْفِ ُ ن َ دو َ
ج ُ ن ل يَ ِ ذي َ ضى َول عََلى ال ّ ِ مْر َ فاِء َول عََلى ال ْ َ ضعَ َال ّ
سول ِهِ { ]التوبة .[91 : ّ
حوا ل ِلهِ وََر ُ ص ُنَ َ
َ
وقال ابن جرير :حدثني يعقوب ،حدثنا ابن عُلّية ،حدثنا أيوب ،عن محمد
قال :شهد أبو أيوب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا ثم لم يتخلف
دا قال :وكان أبو أيوب غزاة للمسلمين إل وهو في آخرين إل عاما واح ً عن َ
فا أو ثقيل )(2 قال { فل أجدني إل خفي ً فاًفا وَث ِ َ
خ َ
فُروا ِ يقول :قال الله } :ان ْ ِ
ريز ، ح ِقّية ،حدثنا َ سكوني ،حدثنا ب َ ِ ُ وقال ابن جرير :حدثني سعيد بن عمر ال ّ
حْبراني قال :وافيت حدثني عبد الرحمن بن ميسرة ،حدثني أبو راشد ال ُ
المقدام بن السود فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا على
تابوت من توابيت الصيارفة بحمص ،وقد فضل عنها من عظمه ،يريد
الغزو ،فقلت له :لقد أعذر الله إليك فقال :أتت علينا سورة "البعوث )(3
قال { )(4 فاًفا وَث ِ َ
خ َ
فُروا ِ
} ان ْ ِ
عبي قال :نفرنا مع صفوان بن وبه قال ابن جرير :حدثني حيان بن زيد ال ّ
شْر ِ
خا
سوس ،إلى الجراجمة فلقيت شي ً عمرو ،وكان واليا على حمص قَِبل الف ُ
كبيًرا هما ،وقد سقط حاجباه على عينيه ،من أهل دمشق ،على راحلته ،
فيمن أغار .فأقبلت إليه ) (5فقلت :يا عم ،لقد أعذر الله إليك .قال :فرفع
حاجبيه ) (6فقال :يا ابن أخي ،استنفرنا الله خفافا وثقال إنه من يحبه الله
يبتليه ،ثم يعيده الله فيبقيه ) (7وإنما يبتلي الله من عباده من شكر وصبر
وذكر ،ولم يعبد إل الله ،عز وجل )(8
__________
) (1في أ " :فنزلت هذه الية".
) (2تفسير الطبري ).(14/267
) (3في هـ ،ت ،د " :البعوث" والمثبت من الطبري.
) (4تفسير الطبري ).(14/268
) (5في ت ،أ " :عليه".
) (6في ت " :حاجبه".
) (7في أ " :فيقتنيه".
) (8رواه الطبري في تفسيره ).(14/264
) (4/157
ة
ق ُ
ش ّ م ال ّ ت عَل َي ْهِ ُ ن ب َعُد َ ْ ك وَل َك ِ ْ دا َلت ّب َُعو َ ص ً فًرا َقا ِ س َريًبا وَ َ ضا قَ ِ ن عََر ً كا َل َوْ َ
َ
م
م إ ِن ّهُ ْه ي َعْل َ ُ م َوالل ّ ُ سهُ ْ ف َ ن أن ْ ُ كو َ م ي ُهْل ِ ُ
معَك ُ ْ جَنا َ خَر ْ ست َط َعَْنا ل َ َ ن ِبالل ّهِ ل َوِ ا ْ فو َ حل ِ ُسي َ ْ وَ َ
َ ّ َ َ َ َ َ ّ لَ َ
صد َُقوا وَت َعْل َ
م ن َ ذي َ ن لك ال ِ حّتى ي َت َب َي ّ َ م َ ت لهُ ْ م أذِن ْ َ ه عَن ْك ل ِ َ فا الل ُ ن ) (42عَ َ كاذُِبو َ
َ ْ
دوا جاهِ ُ ن يُ َ خرِ أ ْ ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل َ ِ مُنو َ ن ي ُؤْ ِ ذي َ ك ال ّ ِست َأذِن ُ َ ن )َ (43ل ي َ ْ كاذِِبي َ ال ْ َ
ْ َ َ
نمُنو َ ن َل ي ُؤْ ِ ذي َ ك ال ّ ِ ست َأذِن ُ َ ما ي َ ْ ن ) (44إ ِن ّ َ قي َ مت ّ ِم ِبال ْ ُ ه عَِلي ٌ م َوالل ّ ُ سهِ ْ ف ِ م وَأن ْ ُوال ِهِ ْ م َ ب ِأ ْ
ن )(45 م ي َت ََرد ُّدو َ م ِفي َري ْب ِهِ ْ م فَهُ ْ ت قُُلوب ُهُ ْ خرِ َواْرَتاب َ ْ ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل َ ِ
) (4/158
لم وَِقي َ م فَث َب ّط َهُ ْه ان ْب َِعاث َهُ ْن ك َرِهَ الل ّ ُه عُد ّة ً وَل َك ِ ْ ج َل َعَ ّ
دوا ل َ ُ خُرو َ وَل َوْ أ ََراُدوا ال ْ ُ
ضُعوا خَباًل وََل َوْ َ م إ ِّل َ ما َزاُدوك ُ ْ م َ جوا ِفيك ُ ْ خَر ُ ن ) (46ل َوْ َ دي َ ع ِ
قا ِ معَ ال ْ َ دوا َ اقْعُ ُ
ن )(47 مي َ م ِبال ّ
ظال ِ ِ ه عَِلي ٌ م َوالل ّ ُن ل َهُ ْعو َ ما ُ س ّم َ ة وَِفيك ُ ْ م ال ْ ِ
فت ْن َ َ خَلل َك ُ ْ
م ي َب ُْغون َك ُ ُ ِ
قال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا أبو حصين بن ]يحيي بن[ ) (1سليمان
سَعر ) (3عن عون قال :هل م ْالرازي ) (2حدثنا سفيان بن عيينة ،عن ِ
هّ
فا الل ُ سمعتم بمعاتبة أحسن من هذا ؟ بدأ بالعفو قبل المعاتبة فقال } :ع َ َ
ك لِ َ
جلي وغيره. موَّرق العِ ْ م { وكذا قال ُ ت ل َهُ ْم أذِن ْ َ عَن ْ َ َ
خص له وقال قتادة :عاتبه كما تسمعون ،ثم أنزل التي في سورة النور ،فر ّ
ْ ك لبعض َ ْ ْ
ت ْ
شئ َن ِ م ْ م فَأذ َ ْ
ن لِ َ شأن ِهِ ْ ست َأذ َُنو َ ِ َ ْ ِ في أن يأذن لهم إن شاء } :فَإ َِذا ا ْ
م { ]النور [62 :وكذا ُروي عن عطاء الخراساني. من ْهُ ِْ
وقال مجاهد :نزلت هذه الية في أناس قالوا :استأذُِنوا رسول الله فإن أذن
لكم فاقعدوا ،وإن لم يأذن لكم فاقعدوا.
صد َُقوا { أي :في إبداء العذار } ، ن َ ذي َ ك ال ّ ِ
ن لَ َ حّتى ي َت َب َي ّ َ
ولهذا قال تعالى َ } :
ن { ) (4يقول تعالى :هل تركتهم لما استأذنوك ،فلم تأذن لحد كاذِِبي َم ال ْ َ
وَت َعْل َ َ
منهم في القعود ،لتعلم الصادق منهم في إظهار طاعتك من الكاذب ،فإنهم
قد كانوا مصرين على القعود عن الغزو ]وإن لم تأذن لهم فيه .ولهذا أخبر
تعالى أنه ل يستأذنه في القعود عن الغزو[ ) (5أحد يؤمن بالله ورسوله ،
ن ِبالل ّ ِ
ه مُنو َ ن ي ُؤْ ِ ذي َ ك { أي :في القعود عن الغزو } ال ّ ِ ست َأ ْذِن ُ َ فقال } :ل ي َ ْ
م { ؛ لن أولئك يرون الجهاد قربة ، َ َ وال ْيوم ال ِ َ
سهِ ْ ف ِ م وَأن ْ ُ وال ِهِ ْ َ م
دوا ب ِأ ْ جاهِ ُ ن يُ َ خرِ أ ْ َ َ ْ ِ
ك { أي : ست َأ ْذِن ُ َ ي ما نإ ن قي
َ ُ َ ِ ٌ ِ ُ ّ ِ َ ِّ َ َ ْت م ْ لبا م لي ع ه ّ ل وال } وامتثلوا. بادروا إليه ندبهم ولما
خرِ { أي :ل ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ مُنو َ ن ل ي ُؤْ ِ ذي َ في القعود ممن ل عذر له } ال ّ ِ
م { أي : ت قُُلوب ُهُ ْ يرجون ثواب الله في الدار الخرة على أعمالهم َ } ،واْرَتاب َ ْ
ن { أي :يتحيرون ، م ي َت ََرد ُّدو َ م ِفي َري ْب ِهِ ْ شكت في صحة ما جئتهم به } ،فَهُ ْ
مون رجل ويؤخرون أخرى ،وليست لهم قدم ثابتة في شيء ،فهم قوم قد ّ ُ
يُ َ
حيارى هَلكى ،ل إلى هؤلء ول إلى هؤلء ،ومن يضلل الله فلن تجد له ْ
سبيل.
َ ّ َ َ َ َ
} وَل َوْ أَراُدوا ال ُ
ْ
م وَِقي َ
ل م فَث َب ّطهُ ْ ه ان ْب َِعاث َهُ ْن كرِهَ الل ُ ه عُد ّة ً وَلك ِ ْ دوا ل ُ ج لعَ ّ خُرو َ
ضُعوا خَبال َولوْ َ م ِإل َ ما َزاُدوك ُ ْ م َ جوا ِفيك ُ ْ خَر ُ ن ) (46ل َوْ َ دي َ ع ِقا ِ معَ ال ْ َدوا َ اقْعُ ُ
ن ){ (47 مي َ ّ
م ِبالظال ِ ِ ه عَِلي ٌ ّ
م َوالل ُ ن لهُ َْ عو َ ما ُ س ّ م َ ُ
ة وَِفيك ْ فت ْن َ َ ْ
م ال ِ ُ
م ي َب ُْغون َك ُ خلل َك ْ
ُ ِ
ه عُد ّة ً { َ ْ َ َ
دوا ل ُ ج { أي :معك إلى الغزو } لعَ ّ خُرو َ يقول تعالى } :وَلوْ أَراُدوا ال ُ
م { أي :أبغض أن يخرجوا َ
ه ان ْب َِعاثهُ ْ ّ
ن كرِهَ الل ُ َ أي :لكانوا تأهبوا له } ،وَل َك ِ ْ
ن{ دي َ ع ِ قا ِ معَ ال ْ َ دوا َ ل اقْعُ ُ م { أي :أخرهم } ،وَِقي َ معك )َ (6قدًرا } ،فَث َب ّط َهُ ْ
أي :قدًرا.
__________
) (1زيادة من الجرح والتعديل .4/2/364مستفادا من هامش ط .الشعب.
) (2في أ " :الداري".
) (3في أ " :مشرف".
) (4في ت " :ويعلم".
) (5زيادة من ت ،ك ،أ.
) (6في ت ،ك " :معكم".
) (4/159
ثم بين ]الله تعالى[ ) (1وجه كراهيته لخروجهم مع المؤمنين .فقال } :ل َوْ
ضُعوا خَبال { أي :لنهم جبناء مخذولون َ } ،ولوْ َ م ِإل َ ما َزاُدوك ُ ْ م َجوا ِفيك ُ ْ خَر ُ
َ
ة { أي :ولسرعوا السير والمشي بينكم بالنميمة فت ْن َ َ ْ
م ال ِ ُ
م ي َب ُْغون َك ُ ُ َ
خللك ْ ِ
م { أي :مطيعون لهم ومستحسنون ه َ ل ن عو ما
َ ِ ْ َ ّ ُ َ ُ ْ س مُ ك في و } ، والفتنة والبغضاء
لحديثهم وكلمهم ،يستنصحونهم وإن كانوا ل يعلمون حالهم ،فيؤدي هذا إلى
وقوع شر بين المؤمنين وفساد كبير.
م { أي : َ
ن لهُ ْ
عو َ
ما ُ
س ّ
م َوقال مجاهد ،وزيد بن أسلم ،وابن جرير } :وَِفيك ُ ْ
عيون يسمعون لهم الخبار وينقلونها إليهم.
وهذا ل يبقى له اختصاص بخروجهم معهم ،بل هذا عام في جميع الحوال ،
والمعنى الول أظهر في المناسبة بالسياق ،وإليه ذهب قتادة وغيره من
المفسرين.
وقال محمد بن إسحاق :كان فيما بلغني -من استأذن -من ذوي الشرف
جد ّ بن قيس ،وكانوا أشرافا في منهم :عبد الله بن أبي ابن سلول وال َ
قومهم ،فثبطهم الله ،لعلمه بهم :أن يخرجوا معه ) (2فيفسدوا عليه
جنده ،وكان في جنده قوم أهل محبة لهم وطاعة فيما يدعونهم إليه ،
م { )(3 ن ل َهُ ْعو َ ما ُ س ّ
م َلشرفهم فيهم ،فقال } :وَِفيك ُ ْ
ن { فأخبر بأنه مي َ ظال ِ ِ م ِبال ّ ه عَِلي ٌ ثم أخبر تعالى عن تمام علمه فقال َ } :والل ّ ُ
]يعلم[ ) (4ما كان ،وما يكون ،وما لم يكن لو كان كيف كان يكون ؛ ولهذا
خَبال { فأخبر عن حالهم كيف م ِإل َ ما َزاُدوك ُ ْ م َ جوا ِفيك ُ ْ خَر ُ قال تعالى } :ل َوْ َ
ما يكون لو خرجوا ومع هذا ما خرجوا ،كما قال تعالى } :وَل َوْ ُرّدوا ل ََعاُدوا ل ِ َ
م
ه ِفيهِ ْ م الل ّ ُ ن { ]النعام [28 :وقال تعالى } :وَل َوْ عَل ِ َ كاذُِبو َ م لَ َ ه وَإ ِن ّهُ ْن ُُهوا عَن ْ ُ
َ
ن { ]النفال [23 :وقال ضو َ معْرِ ُ م ُ وا وَهُ ْ م ل َت َوَل ّ ْ معَهُ ْس َ م وَل َوْ أ ْ معَهُ ْ س َ
خي ًْرا ل ْ َ
َ َ ُ َ َ َ َ
مام َ ن دَِيارِك ُ ْ م ْ جوا ِ خُر ُم أوِ ا ْ سك ُ ْ ف َ ن اقْت ُلوا أن ْ ُ مأ ِ تعالى } :وَلوْ أّنا ك َت َب َْنا عَلي ْهِ ْ
َ َ َ ُ ُ َ
شد ّ ت َث ِْبيًتام وَأ َ خي ًْرا لهُ ْ ن َ كا َ ن ب ِهِ ل َ ما ُيوعَظو َ م فَعَلوا َ م وَل َوْ أن ّهُ ْ من ْهُ ْ
ل ِ فَعَُلوه ُ ِإل قَِلي ٌ
صَرا ً َ
ما { ]النساء 66 : قي ً ست َ ِ م ْطا ُ م ِ ما وَل َهَد َي َْناهُ ْ ظي ً جًرا عَ ِ ن ل َد ُّنا أ ْ م ْ م ِ وَإ ًِذا لت َي َْناهُ ْ
[68 -واليات في هذا كثيرة.
__________
) (1زيادة من ك.
) (2في ت " :معهم".
) (3رواه الطبري في تفسيره ).(14/281
) (4زيادة من ت ،ك.
) (4/160
) (4/160
حيط َ ٌ َ
ة م ِ م لَ ُ جهَن ّ َ ن َ طوا وَإ ِ ّ ق ُ س َفت ْن َةِ َفت ِّني أَل ِفي ال ْ ِ ن ِلي وََل ت َ ْ ل ائ ْذ َ ْ قو ُن يَ ُم ْم َ من ْهُ ْ
وَ ِ
خذ َْنا َ
قولوا قَد ْ أ َ ُ صب ْ َ صب ْ َ ِبال ْ َ
ة يَ ُ صيب َ ٌ
م ِك ُ ن تُ ِ سؤْهُ ْ
م وَإ ِ ْ ة تَ ُ
سن َ ٌ ح َ ك َ ن تُ ِ ن ) (49إ ِ ْ ري َكافِ ِ َ
ه ل ََنا هُ َ
و ب الل ّ ُ ما ك َت َ َ صيب ََنا إ ِّل َ
ن يُ ِ ل لَ ْ ن ) (50قُ ْ حو َ م فَرِ ُ وا وَهُ ْ ل وَي َت َوَل ّ ْ
ن قَب ْ ُم ْ مَرَنا ِ أ ْ
ن )(51 مُنو َمؤ ْ ِ ل ال ْ ُ موَْلَنا وَعََلى الل ّهِ فَل ْي َت َوَك ّ ِ َ
وذلك أول مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة رمته العرب عن قوس
واحدة ،وحاربته يهود المدينة ومنافقوها ،فلما نصره الله يوم بدر وأعلى
جه .فدخلوا في كلمته ،قال عبد الله بن أبي وأصحابه :هذا أمر قد ت َوَ ّ
السلم ظاهًرا ،ثم كلما أعز الله السلم وأهله غاظهم ) (1ذلك وساءهم ؛
َ
ن{ هو َ كارِ ُ م َ مُر الل ّهِ وَهُ ْحقّ وَظ َهََر أ ْجاَء ال ْ َ
حّتى َولهذا قال تعالى َ } :
ُ ْ َ
م
جهَن ّ َ
ن َقطوا وَإ ِ ّ س َ
فت ْن َةِ َ
فت ِّني أل ِفي ال ِ ن ِلي َول ت َ ْل ائ ْذ َ ْ
قو ُ ن يَ ُ م ْ م َ
من ْهُ ْ
} وَ ِ
ن ){ (49 ري َ َ ْ
ة ِبالكافِ ِ َ
حيط ٌ لَ ُ
م ِ
ن ِلي { في يقول تعالى :ومن المنافقين من يقول لك يا محمد } :ائ ْذ َ ْ
فت ِّني { بالخروج معك ،بسبب الجواري من نساء الروم ،قال القعود } َول ت َ ْ
ق ُ َ
طوا { أي :قد سقطوا في الفتنة بقولهم س َ فت ْن َةِ َ الله تعالى } :أل ِفي ال ْ ِ
هذا .كما قال محمد بن إسحاق ،عن الزهري ،ويزيد بن ُرومان ،وعبد الله
بن أبي بكر ،وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم قالوا :قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم ذات يوم ،وهو في جهازه ،للجد بن قيس أخي بني سلمة :
م في جلد بني الصفر ؟" فقال :يا رسول الله ،أو تأذن جد ّ العا َ "هل لك يا َ
لي ول تفتني ،فوالله لقد عرف قومي ما رجل أشد عجًبا بالنساء مني ،وإني
أخشى إن رأيت نساء بني الصفر ل أصبر عنهن .فأعرض عنه رسول الله
جد ّ بن قيس نزلت هذه : صلى الله عليه وسلم وقال " :قد أذنت لك" .ففي ال َ
فت ِّني { الية ،أي :إن كان إنما يخشى من ن ِلي َول ت َ ْ ل ائ ْذ َ ْ قو ُ ن يَ ُ م ْ م َ من ْهُ ْ } وَ ِ
نساء بني الصفر وليس ذلك به ،فما سقط فيه من الفتنة بتخلفه عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم والرغبة بنفسه عن نفسه ،أعظم )(2
وهكذا روي عن ابن عباس ،ومجاهد ،وغير واحد :أنها نزلت في الجد بن
قيس .وقد كان الجد بن قيس هذا من أشراف بني سلمة ،وفي الصحيح :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم " :من سيدكم يا بني سلمة ؟"
خله ) (3فقال رسول الله صلى الله عليه قالوا :الجد بن قيس ،على أنا ن ُب َ ّ
ْ
جْعد ب ِشر بن سّيدكم الفتى البيض ال َ وسلم " :وأي داء أدوأ من البخل ،ولكن َ
معُْرور". البراء بن َ
محيد لهم عنها ،ول ن { أي :ل َ ري َ كافِ ِة ِبال ْ َ حيط َ ٌ م ِ م لَ ُ جهَن ّ َ ن َ وقوله تعالى } :وَإ ِ ّ
مهَرب. محيص ،ول َ َ
ن قَب ْ ُ
ل م نا ر م َ أ نا ْ ذ خ
َ َ أ د َ ق لواُ قو ُ ي ة
ٌ ب صي م كَ ب ص ت ن إ و م ُ ه ْ ؤ س ت ة
ٌ ن س ح كَ ب ص ت ن إ }
ْ ِ َ ْ َ َ ْ َ َ ِ ُ ْ ِ ُ ْ َِ ْ ُ َ َ َ َ ْ ِ ُ ِ ْ
ولَنا وَعََلى م
َ َ ْ و ُ ه نا
َ َ ل ه
ُ ّ ل ال ب
َ َ تَ ك ما
ِ َ إل نا َ َ ب صي ِ ُ ي ن
ْ َ ل ْ
ل ُ ق ( 50 ) نَ حو ُ َ
وَي َت َوَل ْ َ ْ ِ
ر ف م ُ ه و وا ّ
ن ){ (51 مُنو َ مؤ ْ ِ ل ال ْ ُ الل ّهِ فَل ْي َت َوَك ّ ِ
ة{ سن َ ٌح َ يعلم تبارك وتعالى نبيه بعداوة هؤلء له ؛ لنه مهما أصابه من } َ
أي :فتح ونصر وظفر
__________
) (1في ت " :أغاظهم".
) (2رواه عنهم الطبري في تفسيره ).(14/287
) (3في ت " :نبجله".
) (4/161
ة
صيب َ ٌ م ِك ُ صب ْ َ
ن تُ ِ
على العداء ،مما يسره ويسر أصحابه ،ساءهم ذلك } ،وَإ ِ ْ
ن قَب ْ ُ َ قوُلوا قَد ْ أ َ َ
ل { أي :قد احترزنا من متابعته من قبل هذا } ، م ْ خذ َْنا أ ْ
مَرَنا ِ يَ ُ
ن { فأرشد الله تعالى رسوله ،صلوات الله وسلمه عليه ، حو َ م فَرِ ُ وا وَهُ ْ وَي َت َوَل ّ ْ
صيب ََنا
ن يُ ِ ل { أي :لهم } ل َ ْ إلى جوابهم في عداوتهم هذه التامة ،فقال } :قُ ْ
ولَنا { ه ل ََنا { أي :نحن تحت مشيئة الله ،وقدره } ،هُوَ َ
م ْ ب الل ّ ُ ما ك َت َ َ ِإل َ
ن { أي :ونحن متوكلون مُنو َمؤ ْ ِ ْ ْ ّ َ
أي :سيدنا وملجؤنا } وَعَلى اللهِ فَلي َت َوَك ّ ِ
ل ال ُ
عليه ،وهو حسبنا ونعم الوكيل.
هّ ُ َ ُ ْ ل هَ ْ } قُ ْ
م الل ُ صيب َك ُ ن يُ ِ مأ ْ ص ب ِك ْ ن ن َت ََرب ّ ُ ح ُ ن وَن َ ْ سن َي َي ْ ِ ح ْ دى ال ُ ح َ ن ب َِنا ِإل إ ِ ْ صو َ ل ت ََرب ّ ُ
َ َ َ
قوا ط َوْ ً
عا ل أن ْفِ ُ ن ) (52قُ ْ صو َ مت ََرب ّ ُ م ُ معَك ُ ْ صوا إ ِّنا َ ديَنا فَت ََرب ّ ُ عن ْدِهِ أوْ ب ِأي ْ ِ ن ِ م ْ ب ِ ذا ٍ ب ِعَ َ
َ أ َوْ ك َْر ً
لقب َ َ
ن تُ ْ مأ ْ من َعَهُ ْ ما َ ن ) (53وَ َ قي َْ س ِ ما َفا ِ م قَوْ ً م ك ُن ْت ُ ْ م إ ِن ّك ُ ْ من ْك ُ ْ ل ِ قب ّ َ ن ي ُت َ َ ها ل َ ْ
ساَلى َ
م كُ َ صلة َ ِإل وَهُ ْ ن ال ّ سول ِهِ َول ي َأُتو َ فُروا ِبالل ّهِ وَب َِر ُ م كَ َ م ِإل أن ّهُ ْ قات ُهُ ْ ف َ
م نَ َ من ْهُ ْ ِ
ن ){ (54 َ هو ُ ِ ر كا َ مَ ِ َ ْ ُ ه و إل ن قو ُ ف ن
َ ُْ ِي ول
ن ب َِنا { ؟ أي :تنتظرون بنا صو
َ ّ ُ َ ب ر َ ت لْ َ ه } : محمد يا لهم { لْ ُ ق } : تعالى يقول
فٌر بكم .قاله ابن عباس ،ومجاهد ، َ
ن { شهاَدة أو ظ َ ْ
عنده أوَ َ سن َي َي ْ ِ ح ْدى ال ُ ح َ } ِإل إ ِ ْ
ن ِ ْ ِ ِ ْ م ْ ب ِ ذا ٍه ب ِعَ َ ّ
م الل ُ صيب َك ُ ُ ن يُ ِ مأ ْ ص ب ِك ُ ْ ن ن َت ََرب ّ ُ ح ُ وقتادة ،وغيرهم } .وَن َ ْ
ديَنا { أي :ننتظر بكم هذا أو هذا ،إما أن يصيبكم الله بقارعة من عنده أو َ
ب ِأي ْ ِ
ن{ صو َ مت ََرب ّ ُم ُ معَك ُ ْ صوا إ ِّنا َ بأيدينا ،بسبي أو بقتل } ،فَت ََرب ّ ُ
ها { أي :مهما أنفقتم من نفقة طائعين أو عا أ َوْ ك َْر ً قوا ط َوْ ً ل أ َن ْفِ ُ وقوله } :قُ ْ
ن{ قي َس ِ ما َفا ِ م قَوْ ً ُ
م كن ْت ُ ْ ُ
م إ ِن ّك ْ ُ
من ْك ْ ل ِ قب ّ َ ن ي ُت َ َ مكرهين } ل َ ْ
فُروا م كَ َ َ
ثم أخبر تعالى عن سبب ذلك ،وهو أنهم ل يتقبل منهم ِ } ،إل أن ّهُ ْ
سول ِهِ { أي ] :قد كفروا[ ) (1والعمال إنما تصح باليمان َ } ،ول ِبالل ّهِ وَب َِر ُ
ساَلى { أي :ليس لهم قصد صحيح ،ول همة في ْ
م كُ َ صلة َ ِإل وَهُ ْ ن ال ّ ي َأُتو َ
ن{ هو َ كارِ ُ م َ ن { نفقة } ِإل وَهُ ْ قو َ العمل َ } ،ول ي ُن ْفِ ُ
وقد أخبر الصادق المصدوق أن الله ل يمل حتى تملوا ،وأنه طيب ل يقبل إل
طيبا ؛ فلهذا ل يتقبل الله من هؤلء نفقة ول عمل لنه إنما يتقبل من المتقين.
__________
) (1زيادة من أ.
) (4/162
) (4/162
ن
دو َج ُ ن ) (56ل َوْ ي َ ِ فَرُقو َ م يَ ْ م قَوْ ٌ م وَل َك ِن ّهُ ْ من ْك ُ ْ
م ِ ما هُ ْ م وَ َ من ْك ُ ْ م لَ ِ ن ِبالل ّهِ إ ِن ّهُ ْ فو َ حل ِ ُوَي َ ْ
ن ي َل ِْ َ ّ َ ً َ َ ً
مُزكَ م ْ م َ من ْهُ ْ
ن ) (57وَ ِ حو َ م ُ ج َ م يَ ْ وا إ ِلي ْهِ وَهُ ْ خل لوَل ْ مد ّ َت أوْ ُ مَغاَرا ٍ جأ أوْ َ مل ْ ََ
ن) ُ َ َ َ ُ ُ َ َ
خطو َ س َ م يَ ْ من َْها إ ِذا هُ ْ وا ِ م ي ُعْط ْ نل ْ ضوا وَإ ِ ْ من َْها َر ُ ن أعْطوا ِ ت فإ ِ ْ صد َقا ِ ِفي ال ّ
ّ ّ ُ ُ ّ َ َ
ن م
ُ ِ ْ ه ل ال نا تيْ ؤ
ُ َ ُ ِ َ ي س ه ل ال نا ب س
َ ْ َُ ح لوا َ
قا و ه ل
ُ ََ ُ ُ َ سو ر و ه ل ال م ه
َ َ ُ ُتا آ ما ضوا (58وَل َ ْ ّ ُ ْ َ ُ
ر م ه ن أ و
ن )(59 ه إ ِّنا إ َِلى الل ّهِ َراِغُبو َ سول ُ ُضل ِهِ وََر ُ فَ ْ
) (4/163
) (4/164
م وَِفي فةِ قُُلوب ُهُ ْمؤَل ّ َن عَل َي َْها َوال ْ ُ ن َوال َْعا ِ
مِلي َ كي ِ
سا ِ قَراِء َوال ْ َ
م َ ف َت ل ِل ْ ُ صد ََقا ُ ما ال ّ إ ِن ّ َ
م ن الل ّهِ َوالل ّ ُ
ه عَِلي ٌ م َ ة ِض ً ري َ ل فَ ِ سِبي ِن ال ّ سِبي ِ ّ
ل اللهِ َواب ْ ِ ن وَِفي َ مي َ ب َوال َْغارِ ِ الّرَقا ِ
م )(60 كي ٌ
ح ِ َ
) (4/165
وقال الثوري ،عن منصور ،عن إبراهيم :هم فقراء المهاجرين .قال سفيان
ب منها شيئا.
طى العرا ُ الثوري :يعني :ول ي ُعْ َ
جَبير ،وسعيد بن عبد الرحمن بن أب َْزى. وكذا روي عن سعيد بن ُ
رمة :ل تقولوا لفقراء المسلمين مساكين ،وإنما المساكين عك ْ ِ
وقال ِ
مساكين أهل الكتاب.
ولنذكر أحاديث تتعلق بكل من الصناف الثمانية.
فأما "الفقراء" ،فعن ابن عمرو ) (1قال :قال رسول الله صلى الله عليه
ي" .رواه أحمد ،وأبو داود ، سو ّمّرة َ ي ول لذي ِ
وسلم " :ل تحل الصدقة لغَن ِ ّ
والترمذي )(2
ولحمد أيضا ،والنسائي ،وابن ماجه عن أبي هريرة ،مثله )(3
وعن عبيد الله بن عَدِيّ بن الخيار :أن رجلين أخبراه :أنهما أتيا النبي صلى
جْلدين ،
الله عليه وسلم يسألنه من الصدقة ،فقلب إليهما البصر ،فرآهما َ
ظ فيها لغني ول لقوي مكتسب". ح ّ
فقال " :إن شئتما أعطيتكما ،ول َ
رواه أحمد ،وأبو داود ،والنسائي ) (4بإسناد جيد قوي.
وقال ابن أبي حاتم في كتاب الجرح ]والتعديل :أبو بكر العبسي قال :قرأ
قَراِء { قال :هم أهل الكتاب[ ) ت ل ِل ْ ُ
ف َ صد ََقا ُ
ما ال ّ
عمر ،رضي الله عنه } :إ ِن ّ َ
(5روى عنه عمر بن نافع ،سمعت أبي يقول ذلك )(6
قلت :وهذا قول غريب جدا بتقدير صحة السناد ،فإن أبا بكر هذا ،وإن لم
ينص أبو حاتم على جهالته ،لكنه في حكم المجهول.
وأما المساكين :فعن أبي هريرة ،رضي الله عنه ،أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال " :ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس ،
فترّده اللقمة واللقمتان ،والتمرة والتمرتان" .قالوا :فما المسكين ) (7يا
طن له فيتصدق عليه ،ول ف َرسول الله ؟ قال " :الذي ل يجد ُ غًنى يغنيه ،ول ي ُ ْ
يسأل الناس شيئا".
رواه الشيخان :البخاري ومسلم )(8
__________
) (1في ت ،ك ،أ " :بن عمر".
) (2المسند ) (2/164وسنن أبي داود برقم ) (1634وسنن الترمذي برقم )
.(652
) (3المسند ) (2/377وسنن النسائي ) (5/99وسنن ابن ماجه برقم )
.(1839
) (4المسند ) (4/224وسنن أبي داود برقم ) (1633وسنن النسائي )
.(5/99
) (5زيادة من ت ،ك ،أ.
) (6الجرح والتعديل ) (9/341وقد وقع سقط هناك.
) (7في أ " :المساكين".
) (8صحيح البخاري برقم ) (1479وصحيح مسلم برقم ).(1039
) (4/166
وأما العاملون عليها :فهم الجباة والسعاة يستحقون منها قسطا على ذلك ،
ول يجوز أن يكونوا من أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تحرم
عليهم الصدقة ،لما ثبت في صحيح مسلم عن عبد المطلب بن ربيعة بن
الحارث :أنه انطلق هو والفضل بن عباس يسألن رسول الله صلى الله
عليه وسلم ليستعملهما على الصدقة ،فقال " :إن الصدقة ل تحل لمحمد ول
لل محمد ،إنما هي أوساخ الناس" )(1
وأما المؤلفة قلوبهم :فأقسام :منهم من يعطى لُيسلم ،كما أعطى النبي
صلى الله عليه وسلم صفوان بن أمية من غنائم حنين ،وقد كان شهدها
ي بعد أن كان أبغض ب الناس إل ّ
مشركا .قال :فلم يزل يعطيني حتى صار أح ّ
الناس إلي ،كما قال المام أحمد :
حدثنا زكريا بن عدي ،أنا ) (2ابن المبارك ،عن يونس ،عن الزهري ،عن
سعيد بن المسيب ،عن صفوان بن أمية قال :أعطاني رسول الله صلى الله
عليه وسلم يوم حنين ،وإنه لبغض الناس إلي ،فما زال يعطيني حتى صار
وإنه لحب الناس إلي.
ورواه مسلم والترمذي ،من حديث يونس ،عن الزهري ،به )(3
سن إسلمه ،ويثبت قلبه ،كما أعطى يوم حنين أيضا طى ليح ُومنهم من ي ُعْ َ
جماعة من
صناديد الطلقاء وأشرافهم :مائة من البل ،مائة من البل وقال " :إني
لعطي الرجل وغيره أحب إلي منه ،مخافة أن ي َك ُّبه الله على وجهه في نار
جهنم" )(4
وفي الصحيحين عن أبي سعيد :أن عليا بعث إلى النبي صلى الله عليه
هيبة في تربتها من اليمن فقسمها بين أربعة نفر :القرع بن وسلم بذ ُ َ
علثة ،وزيد الخير ،وقال " :أتألفهم" ) حابس ،وعَُيينة بن بدر ،وعلقمة بن ُ
(5
َ
ومنهم من ُيعطى لما يرجى من إسلم نظرائه .ومنهم من ُيعطى ليجبي َ
حوزة المسلمين الضرر من ) (6أطراف الصدقات ممن يليه ،أو ليدفع عن َ
البلد .ومحل تفصيل هذا في كتب الفروع ،والله أعلم.
وهل تعطى المؤلفة على السلم بعد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فيه
طون بعده ؛ لن خلف ،فُروي عن عمر ،وعامر الشعبي وجماعة :أنهم ل ُيع َ
كن لهم في البلد ،وأذل لهم رقاب العباد. م ّ
الله قد أعز السلم وأهله ،و َ
طون ؛ لنه عليه الصلة والسلم ) (7قد أعطاهم بعد وقال آخرون :بل ُيع َ
هوازن ، فتح مكة وكسر َ
__________
) (1صحيح مسلم برقم ).(1072
) (2في ك " :أخبرنا".
) (3المسند ) (6/465وصحيح مسلم برقم ) (2313وسنن الترمذي برقم )
.(666
) (4صحيح البخاري برقم ) (1478من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله
عنه.
) (5صحيح البخاري برقم ) (3344وصحيح مسلم برقم ).(1064
) (6في أ " :في".
) (7في أ " :صلى الله عليه وسلم".
) (4/167
) (4/168
وعن أبي سعيد قال :أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
في ثمار ابتاعها ،فكثر دينه ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم ) (1تصدقوا
عليه" .فتصدق الناس ) (2فلم يبلغ ذلك وفاء دينه ،فقال النبي صلى الله
عليه وسلم لغرمائه " :خذوا ما وجدتم ،وليس لكم إل ذلك" .رواه مسلم )(3
وقال المام أحمد :حدثنا عبد الصمد ،أنبأنا صدقة بن موسى ،عن أبي
وني ،عن قيس بن زيد عن قاضي المصرين ) (4عن عبد الرحمن ج ْ
عمران ال َ
بن أبي بكر قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :يدعو الله بصاحب
الدين يوم القيامة حتى يوقف بين يديه ،فيقول :يا بن آدم ،فيم أخذت هذا
الدين ؟ وفيم ضيعت حقوق الناس ؟ فيقول :يا رب ،إنك تعلم أني أخذته
فلم آكل ولم أشرب ولم أضيع ،ولكن أتى على يدي إما حرق وإما سرق
وإما وضيعة .فيقول الله :صدق عبدي ،أنا أحق من قضى عنك اليوم .فيدعو
الله بشيء فيضعه في كفة ميزانه ،فترجح حسناته على سيئاته ،فيدخل
الجنة بفضل الله ورحمته" )(5
وأما في سبيل الله :فمنهم الغزاة الذين ل حق لهم في الديوان ،وعند
المام أحمد ،والحسن ،وإسحاق :والحج من سبيل الله ،للحديث.
وكذلك ابن السبيل :وهو المسافر المجتاز في بلد ليس معه شيء يستعين
به على سفره ،فيعطى من الصدقات ما يكفيه إلى بلده وإن كان له مال.
وهكذا الحكم فيمن أراد إنشاء سفر من بلده وليس معه شيء ،فيعطى من
مال الزكاة كفايته في ذهابه وإيابه .والدليل على ذلك الية ،وما رواه المام
سار
مر ،عن زيد بن أسلم ،عن عطاء بن ي َ َ معْ َ
أبو داود وابن ماجه من حديث َ
،عن أبي سعيد ،رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ي إل لخمسة :العامل عليها ،أو رجل اشتراها بماله ، " :ل تحل الصدقة لغن ّ
أو غارم ،أو غاز في سبيل الله ،أو مسكين تصدق عليه منها فأهدى لغني" )
(6
وقد رواه السفيانان ،عن زيد بن أسلم ،عن عطاء مرسل .ولبي داود عن
عطية العوفي ،عن أبي سعيد الخدري قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " :ل تحل الصدقة لغني إل في سبيل الله ،وابن السبيل ،أو جار فقير
فُيهدي لك أو يدعوك" )(7
سمه )(8 ن الل ّهِ { أي حكما مقدرا بتقدير الله وفَْر ِ
ضه وقَ ْ م َ
ة ِض ً وقوله } :فَ ِ
ري َ
م { أي :عليم بظواهر المور وبواطنها وبمصالح عباده ، كي ٌ
ح ِ
م َه عَِلي ٌ} َوالل ّ ُ
م { فيما يفعله ويقوله ويشرعه ويحكم به ، كي ٌ ح ِ} َ
__________
) (1في أ " :فقال صلى الله عليه وسلم لغرمائه".
) (2في أ " :الناس عليه".
) (3صحيح مسلم برقم ).(1556
) (4في أ " :المصريين".
) (5المسند ).(198 ، 1/197
) (6سنن أبي داود برقم ) (1635وسنن ابن ماجه برقم ).(1841
) (7سنن أبي داود برقم ) (1637وعطية العوفي ضعيف.
) (8في ت ،أ " :وقسمته".
) (4/169
قوُلون هُو أ ُذ ُن قُ ْ ُ
ن ِبالل ّهِ خي ْرٍ ل َك ُ ْ
م ي ُؤْ ِ
م ُ ن َل أذ ُ ُ ٌ َ َ ي وَي َ ُ ن الن ّب ِ ّن ي ُؤُْذو َذي َم ال ّ ِمن ْهُ ُ
وَ ِ
م َ ّ سو َ ن ي ُؤُْذو َ ّ ُ َ ّ مؤْ ِ ْ وَي ُؤْ ِ
ل اللهِ لهُ ْ ن َر ُ ذي َ م َوال ِ من ْك ْ
مُنوا ِ
نآ َذي َ ة ل ِل ِم ٌ ح َن وََر ْ
مِني َ ن ل ِل ُم ُ
م )(61 َ عَ َ
ب أِلي ٌ ذا ٌ
) (4/170
) (4/170
) (4/171
ْ
ن
ن عَ ِ من ْك َرِ وَي َن ْهَوْ َن ِبال ْ ُ مُرو َض ي َأ ُن ب َعْ ٍ م ْ
م ِضهُ ْ
ت ب َعْ ُ قا ُ ن َوال ْ ُ
مَنافِ َ قو َ ال ْ ُ
مَنافِ ُ
م ال ْ َ َ
ن)
قو َ
س ُ
فا ِ ن هُ ُ قي َ مَنافِ ِ ن ال ْ ُ م إِ ّ
سي َهُ ْ سوا الل ّ َ
ه فَن َ ِ م نَ ُن أي ْدِي َهُ ْ
ضو َ قب ِ ُ ف وَي َ ْمعُْرو ِ ال ْ َ
ي
ن ِفيَها هِ َ
دي َ
خال ِ ِ
م َ
جهَن ّ َ ت َوال ْك ُ ّ
فاَر َناَر َ قا ِمَنافِ َن َوال ْ ُ قي َ مَنافِ ِه ال ْ ُ
(67وَعَد َ الل ّ ُ
م )(68 قي ٌم ِ
ب ُ ذا ٌم عَ َ ه وَل َهُ ْم الل ّ ُ م وَل َعَن َهُ ُ
سب ُهُ ْ
ح ْ
َ
ت أني أقاضى على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة ، مّير :والله لودد ُ ح َ بن ُ
ت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه .وقال رسول الله صلى الله فل ُ وإما ن َن ْ َ
عليه وسلم -فيما بلغني -لعمار بن ياسر " :أدرك القوم ،فإنهم قد
احترقوا ،فسلهم عما قالوا ،فإن أنكروا فقل :بلى ،قلتم كذا وكذا".
فانطلق إليهم عمار ،فقال ذلك لهم ،فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
يعتذرون إليه ،فقال وديعة بن ثابت ،ورسول الله صلى الله عليه وسلم
قبها :يا رسول الله ،إنما كنا ح َ واقف على راحلته ،فجعل يقول وهو آخذ ب َ
ما ك ُّنا نإ ن ُ ل قوُ يَ ل م ه تْ ل نخوض ونلعب ] ،فأنزل الله ،عز وجل } :ول َئن سأ َ
ّ ِّ َ َ ِ ْ َ َُ ْ َ
مير :يا رسول الله ،قعد بي ح ّ شن ) (2بن ُ خ ّ م َ ب { [ ) (1فقال ُ ض وَن َل ْعَ ُ خو ُ نَ ُ
مير ، ح ّ
شن ) (3بن ُ خ ّ م َ اسمي واسم أبي .فكان الذي عفى عنه في هذه الية ُ
فتسمى ) (4عبد الرحمن ،وسأل الله أن يقتل ) (5شهيدا ل يعلم بمكانه ،
فقتل يوم اليمامة ،فلم يوجد له أثر )(6
ْ َ
ب { قال :فبينما ض وَن َلعَ ُ خو ُ ما ك ُّنا ن َ ُ ن إ ِن ّ َ قول ُ ّ م ل َي َ ُ سأل ْت َهُ ْ ن َ وقال قتادة } :وَل َئ ِ ْ
النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ،وركب من المنافقين يسيرون
بين يديه ،فقالوا :يظن هذا أن يفتح قصور الروم وحصونها .هيهات هيهات.
ي بهؤلء عل ّ فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوا ،فقال َ " :
النفر" .فدعاهم ،فقال " :قلتم كذا وكذا" .فحلفوا ما كنا إل نخوض ونلعب.
رمة في تفسير هذه الية :كان رجل ممن إن شاء الله عفا عنه عك ْ ِ وقال ِ
يقول :اللهم ،إني أسمع آية أنا أعَنى بها ،تقشعر منها الجلود ،وتجيب منها
سلت ،أنا القلوب ،اللهم ،فاجعل وفاتي قتل في سبيلك ،ل يقول أحد :أنا غ ّ
كفنت ،أنا دفنت ،قال :فأصيب يوم اليمامة ،فما أحد من المسلمين إل
وقد وجد غيره )(7
م { أي :بهذا المقال الذي مان ِك ُ ْ م ب َعْد َ ِإي َ فْرت ُ ْ وقوله } :ل ت َعْت َذُِروا قَد ْ ك َ َ
ة { أي :ل ي ُْعفى عن ف ً طائ ِ َ ب َ م ن ُعَذ ّ ْ من ْك ُ ْ فةٍ ِ طائ ِ َ ن َ ف عَ ْ ن ن َعْ ُ استهزأتم به } إ ِ ْ
ن { أي :مجرمين م َ َ
مي َ جرِ ِ م ْ كاُنوا ُ جميعكم ،ول بد من عذاب بعضكم } ،ب ِأن ّهُ ْ
بهذه المقالة الفاجرة الخاطئة.
ْ ْ
نن عَ ِ من ْك َرِ وَي َن ْهَوْ َ ن ِبال ُ مُرو َ ض ي َأ ُ ن ب َعْ ٍ م ْ م ِ ضهُ ْ ت ب َعْ ُ قا ُ مَنافِ َ ن َوال ْ ُ قو َ مَنافِ ُ } ال ْ ُ
م ال ْ َ قبضو َ
ن) قو َ س ُ فا ِ ن هُ ُ قي َ مَنافِ ِ ن ال ْ ُ م إِ ّ سي َهُ ْ ه فَن َ ِ سوا الل ّ َ م نَ ُ ن أي ْدِي َهُ ْ ف وَي َ ْ ِ ُ َ معُْرو ِ ال ْ َ
ي
ن ِفيَها هِ َ دي َ خال ِ ِ م َ جهَن ّ َ فاَر َناَر َ ت َوال ْك ُ ّ قا ِ مَنافِ َ ن َوال ْ ُ قي َ مَنافِ ِ ه ال ْ ُ (67وَعَد َ الل ّ ُ
م ){ (68 قي ٌ م ِ ب ُ ذا ٌ م عَ َ ه وَل َهُ ْ م الل ّ ُ م وَل َعَن َهُ ُ سب ُهُ ْ ح ْ َ
يقول تعالى منكرا على المنافقين الذين هم على خلف صفات المؤمنين ،
ولما كان المؤمنون ) (8يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ،كان هؤلء
قبضو َ ْ
م { أي :عن النفاق ن أي ْدِي َهُ ْ ف وَي َ ْ ِ ُ َ معُْرو ِ ن ال ْ َ ن عَ ِ من ْك َرِ وَي َن ْهَوْ َ ن ِبال ْ ُ مُرو َ } ي َأ ُ
م { أي : سي َهُ ْ ه { أي :نسوا ذكر الله } ،فَن َ ِ سوا الل ّ َ في سبيل الله } ،ن َ ُ
عاملهم
__________
) (1زيادة من ت ،أ ،وسيرة ابن هشام.
) (2في أ " :مخشي".
) (3في أ " :مخشي"
) (4في أ " :فسمى".
) (5في أ " :أن يقتله".
) (6السيرة النبوية لبن هشام ).(2/524
) (7في أ " :عبرة".
) (8في ك " :المؤمنين" وهو خطأ.
) (4/172
قاَء
م لِ َ
سيت ُ ْ
ما ن َ ِم كَ َ ساك ُ ْ ل ال ْي َوْ َ
م ن َن ْ َ معاملة من نسيهم ،كقوله تعالى } :وَِقي َ
ن { أي : قو َ س ُفا ِ ْ
م ال َ
ن هُ ُ قي َ مَنافِ ِن ال ْ ُ ذا { ]الجاثية } (1) [34 :إ ِ ّ مك ُ ْ
م هَ َ ي َوْ ِ
الخارجون عن طريق الحق ،الداخلون في طريق الضللة.
م { أي :على هذا جهَن ّ َ فاَر َناَر َ ت َوال ْك ُ ّ قا ِ مَنافِ َ ن َوال ْ ُ قي َ
مَنافِ ِ ه ال ْ ُ
وقوله } :وَعَد َ الل ّ ُ
ن ِفيَها { أي :ماكثين فيها مخلدين ،هم دي َ خال ِ ِالصنيع الذي ذكر عنهم َ } ،
ه { أي : ّ
م الل ُ َ
م { أي :كفايتهم في العذاب } ،وَلعَن َهُ ُ سب ُهُ ْ ح ْ ي َوالكفار } ،هِ َ
م {. قي ٌ م ِ
ب ُ ذا ٌ م عَ َ َ
طردهم وأبعدهم } ،وَلهُ ْ
__________
) (1في ت ،ك ،أ " :فاليوم" وهو خطأ.
) (4/173
) (4/173
) (4/174
) (4/175
وعن أبي حازم ،عن سهل بن سعد ) (1قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " :إن أهل الجنة ليتراءون الُغرفة في الجنة ،كما تراؤون الكوكب
في السماء" .أخرجاه في الصحيحين )(2
ن يقال له " :الوسيلة" لقربه من ثم ليعلم ) (3أن أعلى منزلة في الجنة مكا ٌ
العرش ،وهو مسكن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنة ،كما قال
المام أحمد ]بن حنبل[ )(4
حدثنا عبد الرازق ،أخبرنا سفيان ،عن ليث ،عن كعب ،عن أبي هريرة ،أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :إذا صليتم علي فسلوا الله لي
الوسيلة" قيل :يا رسول الله ،وما الوسيلة ؟ قال " :أعلى درجة في الجنة ،
ل ينالها إل رجل واحد ،وأرجو أن أكون أنا هو" )(5
جَبير ،
وفي صحيح مسلم ،من حديث كعب بن علقمة ،عن عبد الرحمن بن ُ
عن عبد الله بن عمرو بن العاص ؛ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم
ي ،فإنه من يقول " :إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ،ثم صّلوا عل ّ
صلى علي صلة صلى الله عليه بها عشرا ،ثم سلوا لي الوسيلة ،فإنها
منزلة في الجنة ل تنبغي إل لعبد من عباد الله ،وأرجو أنى أكون أنا هو ،
فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة يوم القيامة" )(6
]وفي صحيح البخاري ،من حديث محمد بن المنكدر ،عن جابر قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :من قال حين يسمع النداء :اللهم رب
هذه الدعوة التامة والصلة القائمة ،آت محمدا الوسيلة والفضيلة ،وابعثه
مقاما محمودا الذي وعدته ،إل حلت له الشفاعة يوم القيامة"[ )(7
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني :حدثنا أحمد بن علي البار ،حدثنا الوليد
بن عبد الملك الحراني ،حدثنا موسى بن أعين ،عن ابن أبي ذئب ،عن
محمد بن عمرو بن عطاء ،عن ابن عباس قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " :سلوا الله لي الوسيلة ،فإنه لم يسألها لي عبد في الدنيا إل
كنت له شهيدا -أو شفيعا -يوم القيامة" )(8
وفي مسند المام أحمد ،من حديث سعد ) (9أبي مجاهد الطائي ،عن أبي
المدله ،عن أبي هريرة ،رضي الله عنه ،قال :قلنا :يا رسول الله ،حدثنا
عن الجنة ،ما بناؤها ؟ قال " :لبنة ذهب ،ولبنة فضة ،وملطها المسك ،
وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ،وترابها الزعفران ،من يدخلها ينعم ل يبأس ،
ويخلد ل يموت ،ل تبلى ثيابه ول يفنى شبابه" )(10
وروي عن ابن عمر مرفوعا ،نحوه )(11
__________
) (1في ت " :سعيد".
) (2صحيح البخاري برقم ) (6555وصحيح مسلم برقم ).(2830
) (3في ت " :لتعلم".
) (4زيادة من ت ،أ.
) (5المسند ).(2/256
) (6صحيح مسلم برقم ).(1384
) (7زيادة من ت ،ك ،أ .وهو في صحيح البخاري برقم ).(614
) (8المعجم الوسط برقم )" (639مجمع البحرين".
) (9في أ " :عن سعيد".
) (10المسند ).(2/304
) (11رواه أبو نعيم في صفة الجنة برقم ) (96من طريق عمر بن ربيعة عن
الحسن البصري عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعا نحو حديث أبي هريرة.
) (4/176
وعند الترمذي من حديث عبد الرحمن بن إسحاق ،عن النعمان بن سعد ،
عن علي ،رضي الله عنه ،قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"إن في الجنة لُغرفا يرى ظهورها من بطونها ،وبطونها من ظهورها" .فقام
أعرابي فقال :يا رسول الله ،لمن هي ؟ فقال " :لمن طيب الكلم ،وأطعم
الطعام ،وأدام الصيام ،وصلى بالليل والناس نيام" )(1
ثم قال :حديث غريب.
ورواه الطبراني ،من حديث عبد الله بن عمرو وأبي مالك الشعري ،كل
منهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ،بنحوه ) (2وكل من السنادين جيد
حسن ،وعنده ) (3أن السائل هو "أبو مالك" ،فالله أعلم.
وعن أسامة بن زيد قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :أل هل
طر لها ،هي -ورب الكعبة -نور يتلل خ َ مر إلى الجنة ؟ فإن الجنة ل َ ش ّم َ ُ
ضيجة ،وزوجة حسناء َ ِ ن وثمرة ، ّ
طرد م
ُ ونهر ، ٌ د مشي َ وقصر ، ز ت
َْ َّهت وريحانة
حَلل كثيرة ،ومقام في ) (4أبد ،في دار سليمة ،وفاكهة وخضرة جميلة ،و ُ َ
وحبرة ونعمة في محلة عالية بهية" .قالوا :نعم يا رسول الله ،نحن
المشمرون لها ،قال " :قولوا :إن شاء الله" .فقال القوم :إن شاء الله.
رواه ابن ماجه )(5
َ
ن اللهِ أك ْب َُر { أي :رضا الله عنهم أكبر وأجل ّ م َن ِ وا ٌ
ض َوقوله تعالى } :وَرِ ْ
وأعظم مما هم فيه من النعيم ،كما قال المام مالك ،رحمه الله ،عن زيد
دري ،رضي الله عنه ،أن خ ْ بن أسلم ،عن عطاء بن يسار ،عن أبي سعيد ال ُ
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :إن الله ،عز وجل ،يقول لهل
الجنة :يا أهل الجنة ،فيقولون :لبيك يا ربنا وسعديك ،والخير في يدك.
فيقول :هل رضيتم ؟ فيقولون :وما لنا ل نرضى يا رب ،وقد أعطيتنا ما لم
ُتعط أحدا من خلقك .فيقول :أل أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون :يا رب
،وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول :أحل عليكم رضواني فل أسخط عليكم
بعده أبدا" أخرجاه من حديث مالك )(6
ي،وقال أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي :حدثنا الفضل الّرخام ّ
در ،عن جابر بن عبد الله ، من ْك َ ِ
فْرياني ،عن سفيان ،عن محمد بن ال ُ حدثنا ال ِ
قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إذا دخل أهل الجنة الجنة قال
الله ،عز وجل :هل تشتهون شيئا فأزيدكم ؟ قالوا :يا ربنا ،ما خير مما
أعطيتنا ؟ قال :رضواني أكبر".
__________
) (1سنن الترمذي برقم ).(2527
) (2أما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ،فرواه أيضا المام أحمد في
مسنده ) (2/173من طريق حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما .وأما حديث أبي مالك الشعري فهو
في المعجم الكبير ) (3/301وسيأتي عند تفسير الية 20 :من سورة الزمر.
) (3في أ " :وعنه".
) (4في ت " :ومقام به في".
) (5سنن ابن ماجه برقم ) (4332من طريق الضحاك المعافري ،عن
سليمان بن موسى ،عن كريب ،عن أسامة بن زيد به .وقال البوصيري في
الزوائد )" : (3/325هذا إسناد فيه مقال".
) (6صحيح البخاري برقم ) (6549وصحيح مسلم برقم ).(2829
) (4/177
) (4/178
ظ عل َيهم و ْ َ
م وَب ِئ ْ َ
س جهَن ّ ُ م َ مأَواهُ ْ ن َواغْل ُ ْ َ ْ ِ ْ َ َ قي َ مَنافِ ِ فاَر َوال ْ ُ جاهِدِ ال ْك ُ ّ ي َ َيا أي َّها الن ّب ِ ّ
فُروا ب َعْد َ فرِ وَك َ َ ة ال ْك ُ ْ م َ قد ْ َقاُلوا ك َل ِ َ ما َقاُلوا وَل َ َ ن ِبالل ّهِ َ فو َ حل ِ ُ صيُر ) (73ي َ ْ م ِ ال ْ َ
ُ ّ َ َ ّ ُ َ َ
ه
ضل ِ ِ ن فَ ْ م ْ ه ِ سول ُ ه وََر ُ م الل ُ ن أغَْناهُ ُ موا إ ِل أ ْ ق ُ ما ن َ َ م ي ََنالوا وَ َ ما ل ْ موا ب ِ َ م وَهَ ّ مهِ ْ سل ِ إِ ْ
َ ْ َ ّ ّ َ ن ي َُتوُبوا ي َ ُ
خَرةِ ما ِفي الد ّن َْيا َوال ِ ذاًبا أِلي ً ه عَ َ م الل ُ وا ي ُعَذ ّب ْهُ ُ ن ي َت َوَل ْ م وَإ ِ ْ خي ًْرا لهُ ْ ك َ فَإ ِ ْ
صيرٍ )(74 ي وَل ن َ ِ َ َ ْ َ
ن وَل ِ ّ م ْ ض ِ م ِفي الْر ِ ما لهُ ْ وَ َ
ظ عل َيهم و ْ َ
م وَب ِئ ْ َ
س جهَن ّ ُ م َ مأَواهُ ْ ن َواغْل ُ ْ َ ْ ِ ْ َ َ قي َ مَنافِ ِ فاَر َوال ْ ُ جاهِدِ ال ْك ُ ّ ي َ } َيا أي َّها الن ّب ِ ّ
فُروا ب َعْد َ فرِ وَك َ َ ة ال ْك ُ ْ م َ قد ْ َقاُلوا ك َل ِ َ ما َقاُلوا وَل َ َ ن ِبالل ّهِ َ فو َ حل ِ ُ صيُر ) (73ي َ ْ م ِ ال ْ َ
َ َ
ه
ضل ِ ِ ن فَ ْ م ْ ه ِ سول ُ ُ ه وََر ُ م الل ّ ُ ن أغَْناهُ ُ موا ِإل أ ْ ق ُ ما ن َ َ م ي ََناُلوا وَ َ ما ل َ ْ موا ب ِ َ م وَهَ ّ مهِ ْ سل ِ إِ ْ
َ ّ ّ َ ن ي َُتوُبوا ي َ ُ
ة
خَر ِ ما ِفي الد ّن َْيا َوال ِ ذاًبا أِلي ً ه عَ َ م الل ُ وا ي ُعَذ ّب ْهُ ُ ن ي َت َوَل ْ م وَإ ِ ْ خي ًْرا لهُ ْ ك َ فَإ ِ ْ
صيرٍ ){ (74 ي َول ن َ ِ ن وَل ِ ّ م ْ ض ِ َ
م ِفي الْر ِ ما لهُ ْ وَ َ
أمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة
عليهم ،كما أمره بأن يخفض جناحه لمن اتبعه من المؤمنين ،وأخبره أن
مصير الكفار والمنافقين إلى النار في الدار الخرة .وقد تقدم عن أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال :بعث رسول الله صلى الله عليه
ُ
م َفاقْت ُلوا حُر ُ شهُُر ال ْ ُ خ ال ْ سل َ َ وسلم بأربعة أسياف ،سيف للمشركين } :فَإ َِذا ان ْ َ
نل ذي َ ّ ُ َ
ن { ]التوبة [5 :وسيف للكفار أهل الكتاب } :قات ِلوا ال ِ كي َ شرِ ِ م ْ ال ْ ُ
ن
ديُنو َ ه َول ي َ ِ سول ُ ُ ه وََر ُ م الل ّ ُ حّر َ ما َ ن َ مو َ حّر ُ خرِ َول ي ُ َ ن ِبالل ّهِ َول ِبال ْي َوْم ِ ال ِ مُنو َ ي ُؤْ ِ
ن{ ْ ُ ْ ُ ّ ْ
صاِغُرو َ م َ ن ي َد ٍ وَهُ ْ ة عَ ْ جْزي َ َ حّتى ي ُعْطوا ال ِ ب َ ن أوُتوا الك َِتا َ ذي َ ن ال ِ م َ حق ّ ِ ن ال َ ِدي َ
ن { ]التوبة ، 73 : قي
َ َ ُ َ ِ ِ َ ف نا م ْ لوا ر فا ّ ُ ك ْ ل ا د
َ ِ ِه جا } : للمنافقين وسيف [ 29 : ]التوبة
مرِ الل ّهِ { قات ُِلوا ال ِّتي تبِغي حتى تفيَء إَلى أ َ التحريم [9 :وسيف للبغاة } :فَ َ
ْ ِ َ ّ َ ِ َْ
]الحجرات [9 :
وهذا يقتضي أنهم يجاهدون بالسيوف ) (1إذا أظهروا النفاق ،وهو اختيار ابن
جرير.
ن { قال :بيده ، قي َ مَنافِ ِ ْ
فاَر َوال ُ جاهِدِ الك ُ ّ ْ وقال ابن مسعود في قوله تعالى َ } :
]فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه[ ) (2فإن لم يستطع فليكفهر
في وجهه.
وقال ابن عباس :أمره الله تعالى بجهاد الكفار بالسيف ،والمنافقين
باللسان ،وأذهب الرفق عنهم.
وقال الضحاك :جاهد الكفار بالسيف ،واغلظ على المنافقين بالكلم ،وهو
مجاهدتهم .وعن مقاتل ،والربيع مثله.
وقال الحسن وقتادة :مجاهدتهم إقامة الحدود عليهم.
وقد يقال :إنه ل منافاة بين هذه القوال ،لنه تارة يؤاخذهم بهذا ،وتارة
بهذا بحسب الحوال ،والله أعلم.
فُروا ب َعْد َ فرِ وَك َ َ ة ال ْك ُ ْ م َ قد ْ َقاُلوا ك َل ِ َ ما َقاُلوا وَل َ َ ن ِبالل ّهِ َ فو َ حل ِ ُ وقوله } :ي َ ْ
م { قال قتادة :نزلت في عبد الله بن أبي ،وذلك أنه اقتتل رجلن : مهِ ْ سل ِ إِ ْ
جَهني وأنصاري ،فعل الجهني على النصاري ،فقال عبد ُ
__________
) (1في أ " :بالسيف".
) (2زيادة من ت ،ك ،أ ،والطبري.
) (4/178
الله للنصار :أل تنصروا أخاكم ؟ والله ) (1ما مثلنا ومثل محمد إل كما قال
ن العَّز ج ّ خرِ َ دين َةِ ل َي ُ ْ جعَْنا إ َِلى ال ْ َ
م ِ من كلبك يأكلك" ،وقال } :ل َئ ِ ْ
ن َر َ القائل " :س ّ
ل { ]المنافقون [8 :فسعى بها رجل من المسلمين إلى النبي صلى من َْها الذ َ ِّ
الله عليه وسلم ،فأرسل إليه فسأله ،فجعل يحلف بالله ما قاله ،فأنزل الله
فيه هذه الية )(2
وروى إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ،عن عمه موسى بن عقبة قال :فحدثنا
عبد الله بن الفضل ،أنه سمع أنس بن مالك ،رضي الله عنه ،يقول :حزنت
على من أصيب بالحّرة من قومي ،فكتب إلي زيد بن أرقم ،وبلغه شدة
حزني ،يذكر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " :اللهم ،
اغفر للنصار ولبناء النصار" -وشك ابن الفضل في أبناء أبناء النصار -قال
ابن الفضل :فسأل أنسا بعض من كان عنده عن زيد بن أرقم ،فقال :هو
الذي يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم " :أوفى الله له بأذنه" .وذاك
حين سمع رجل من المنافقين يقول -ورسول الله صلى الله عليه وسلم
يخطب : -لئن كان هذا صادقا فنحن ) (3شر من الحمير ،فقال زيد بن أرقم
:فهو والله صادق ،ولنت شر من الحمار .ثم ُرفع ذلك إلى رسول الله ،
نفو َ حل ِ ُفجحده القائل ،فأنزل الله هذه الية تصديقا لزيد -يعني قوله } :ي َ ْ
ما َقاُلوا { الية.ِبالل ّهِ َ
رواه البخاري في صحيحه ،عن إسماعيل بن أبي أويس ،عن إسماعيل بن
إبراهيم بن عقبة .إلى قوله " :هذا الذي أوفى الله له بأذنه" ) (4ولعل ما
بعده من قول موسى بن عقبة ،وقد رواه محمد بن فَُليح ،عن موسى بن
عقبة بإسناده ثم قال :قال ابن شهاب .فذكر ما بعده عن موسى ،عن ابن
شهاب.
والمشهور في هذه القصة أنها كانت في غزوة بني المصطلق ،فلعل الراوي
هم في ذكر الية ،وأراد أن يذكر غيرها فذكرها ،والله أعلم. وَ َ
]حاشية[ )(5
قال "الموي" في مغازيه :حدثنا محمد بن إسحاق ،عن الزهري ،عن عبد
الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ،عن جده قال :لما قدم رسول الله
صلى الله عليه وسلم ،أخذني قومي فقالوا :إنك امرؤ شاعر ،فإن شئت
أن تعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض العلة ،ثم يكون ذنبا
تستغفر الله منه .وذكر الحديث بطوله ،إلى أن قال :وكان ممن تخلف من
المنافقين ،ونزل فيه القرآن منهم ،ممن كان مع النبي صلى الله عليه
مير بن سعد ،وكان ويد بن الصامت ،وكان على أم عُ َ س َجلس بن ُ وسلم :ال ُ
عمير في حجره ،فلما نزل القرآن وذكرهم الله بما ذكر مما أنزل في
المنافقين ،قال الجلس :والله لئن كان هذا الرجل صادقا فيما يقول لنحن
شر من الحمير ]قال[ ) (6فسمعها عمير بن سعد فقال :والله -يا جلس -
إنك لحب
__________
) (1في ت " :فوالله".
رواه الطبري في تفسيره ).(14/364 )(2
في ك " :لنحن". )(3
صحيح البخاري برقم ).(4906 )(4
زيادة من ك. )(5
زيادة من ك. )(6
) (4/179
الناس إلي ،وأحسنهم عندي بلء ،وأعزهم علي أن يصله ) (1شيء يكرهه ،
ولقد قلت مقالة لئن ذكرتها لتفضحنك ولئن كتمتها لتهلكني ،ولحداهما أهون
علي من الخرى .فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فذكر له ما
قال الجلس .فلما بلغ ذلك الجلس خرج حتى يأتي النبي صلى الله عليه
وسلم ،فحلف بالله ما قال ما قال عمير بن سعد ،ولقد كذب علي .فأنزل
فُروافرِ وَك َ َ ة ال ْك ُ ْ قد ْ َقاُلوا ك َل ِ َ
م َ ما َقاُلوا وَل َ َ ن ِبالل ّهِ َ
فو َ حل ِ ُالله ،عز وجل ،فيه } :ي َ ْ
م { إلى آخر الية .فوقفه رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها. مهِ ْ سل ِ ب َعْد َ إ ِ ْ
فزعموا أن الجلس تاب فحسنت توبته ،ونزع فأحسن النزوع ) (2هكذا جاء
هذا "مدرجا" في الحديث متصل به ،وكأنه والله أعلم من كلم ابن إسحاق
نفسه ،ل من كلم كعب بن مالك.
وقال عروة بن الزبير :نزلت هذه الية في الجلس بن سويد بن الصامت ،
مصعب من قَُباء ،فقال الجلس :إن كان ما جاء به أقبل هو وابن امرأته ُ
مرنا هذه التي نحن عليها .فقال مصعب :أما ح ُ
محمد حقا فنحن أشر من ُ
والله -يا عدو الله -لخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قلت :
فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ،وخفت أن ينزل في القرآن ) (3أو
تصيبني قارعة ،أو أن أخلط ) (4بخطيئته ،فقلت :يا رسول الله ،أقبلت أنا
والجلس من قباء ،فقال كذا وكذا ،ولول مخافة أن أخلط ) (5بخطيئة أو
تصيبني قارعة ما أخبرتك .قال :فدعا الجلس فقال " :يا جلس ،أقلت الذي
قد ْ َقاُلوا ما َقاُلوا وَل َ َ ن ِبالل ّهِ َ فو َ
حل ِ ُ
قاله مصعب ؟" فحلف ،فأنزل الله } :ي َ ْ
م { الية. مهِ ْسل ِ فرِ وَك َ َ
فُروا ب َعْد َ إ ِ ْ ة ال ْك ُ ْ م َك َل ِ َ
وقال محمد بن إسحاق :كان الذي قال تلك المقالة -فيما بلغني -الجلس
بن سويد بن الصامت ،فرفعها عليه رجل كان في حجره ،يقال له :عمير
بن سعيد ،فأنكرها ،فحلف بالله ما قالها :فلما نزل فيه القرآن تاب ونزع
وحسنت توبته ،فيما بلغني.
وقال المام أبو جعفر بن جرير :حدثني أيوب بن إسحاق بن إبراهيم ،حدثنا
جَبير ،عن ابن عبد الله بن رجاء ،حدثنا إسرائيل ،عن سماك ،عن سعيد بن ُ
عباس قال :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في ظل شجرة
فقال " :إنه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم بعيني الشيطان ،فإذا جاء فل
تكلموه" .فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق ،فدعاه رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال " :علم تشتمني أنت وأصحابك ؟" فانطلق الرجل فجاء بأصحابه
،فحلفوا بالله ما قالوا ،حتى تجاوز عنهم ،فأنزل ) (6الله ،عز وجل :
ما َقاُلوا { الية )(7 ن ِبالل ّهِ َفو َ حل ِ ُ} يَ ْ
ن فيما رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب "دلئل النبوة" من وذلك ب َي ّ ٌ
مرة ،عن ]أبي[ )(8 حديث محمد بن إسحاق ،عن العمش عن عمرو بن ُ
البختري ،عن حذيفة بن اليمان ،رضي الله
__________
) (1في ك " :يصله إليه".
) (2انظر :السيرة النبوية لبن هشام ).(1/519
) (3في ك " :قرآنا".
) (4في أ " :أختلط".
) (5في ت ،أ " :أختلط".
) (6في ت ،ك " :وأنزل".
) (7تفسير الطبري ).(14/363
) (8زيادة من ت ،أ ،والدلئل.
) (4/180
عنه ،قال :كنت آخذا بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقود
به ،وعمار يسوق الناقة -أو أنا :أسوقه ،وعمار يقوده -حتى إذا كنا بالعقبة
فإذا أنا باثني عشر راكبا قد اعترضوه فيها ،قال :فأنبهت رسول الله صلى
الله عليه وسلم ]بهم[ ) (1فصرخ بهم فولوا مدبرين ،فقال لنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم " :هل عرفتم القوم ؟ قلنا :ل يا رسول الله ،قد كانوا
متلثمين ،ولكنا قد عرفنا الركاب .قال " :هؤلء المنافقون إلى يوم القيامة ،
وهل تدرون ) (2ما أرادوا ؟" قلنا :ل .قال " :أرادوا أن يزحموا ) (3رسول
الله في العقبة ،فيلقوه منها" .قلنا :يا رسول الله ،أو ل تبعث إلى
عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم ؟ قال " :ل أكره أن
تتحدث العرب بينها أن محمدا قاتل بقوم حتى ]إذا[ ) (4أظهره الله بهم أقبل
عليهم يقتلهم" ،ثم قال " :اللهم ارمهم بالدبيلة" .قلنا :يا رسول الله ،وما
الدبيلة ؟ قال " :شهاب من نار يقع على نياط قلب أحدهم فيهلك" )(5
وقال المام أحمد ،رحمه الله :حدثنا يزيد ،أخبرنا الوليد بن عبد الله بن
جميع ،عن أبي الطفيل قال :لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من
غزوة تبوك ،أمر مناديا فنادى :إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ
العقبة فل يأخذها أحد .فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوده حذيفة
ويسوقه عمار ،إذ أقبل رهط متلثمون على الرواحل فغشوا عمارا وهو
يسوق برسول الله ،وأقبل عمار ،رضي الله عنه ،يضرب وجوه الرواحل ،
فقال رسول الله ) (6صلى الله عليه وسلم لحذيفة " :قد ،قد" حتى هبط
رسول الله صلى الله عليه وسلم ] ،فلما هبط[ ) (7نزل ورجع عمار ،فقال :
"يا عمار ،هل عرفت القوم ؟" فقال :قد عرفت عامة الرواحل ،والقوم
متلثمون .قال " :هل تدري ما أرادوا ؟" قال :الله ورسوله أعلم .قال :
"أرادوا أن ينفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم فيطرحوه" .قال :فسار
عمار رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال :نشدتك ) (8بالله
كم تعلم كان أصحاب العقبة ؟ قال :أربعة عشر .فقال :إن كنت منهم فقد
كانوا خمسة عشر .قال :فعذر ) (9رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم
ثلثة قالوا :والله ما سمعنا منادي رسول الله ،وما علمنا ما أراد القوم.
فقال عمار :أشهد أن الثني عشر الباقين حرب لله ولرسوله في الحياة
الدنيا ويوم يقوم الشهاد )(10
وهكذا روى ابن لهيعة ،عن أبي السود ،عن عُْرَوة بن الزبير نحو هذا ،وأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يمشي الناس في بطن الوادي ،
وصعد هو وحذيفة وعمار العقبة ،فتبعهم هؤلء النفر الرذلون ،وهم متلثمون
،فأرادوا سلوك العقبة ،فأطلع الله على مرادهم رسول الله ) (11صلى الله
عليه وسلم ،فأمر حذيفة فرجع
__________
) (1زيادة من ت ،أ ،والدلئل.
) (2في أ " :ترون".
) (3في ك " :يزاحموا".
) (4زيادة من ت ،ك ،أ ،والدلئل.
) (5دلئل النبوة ).(5/260
) (6في ت ،ك " :النبي".
) (7زيادة من ت ،ك ،أ ،والمسند.
) (8في أ " :أنشدك".
) (9في أ " :فعد".
) (10المسند ) (5/453وقال الهيثمي في المجمع )" : (6/195رجاله رجال
الصحيح".
) (11في ت ،ك ،أ " :رسوله".
) (4/181
) (4/182
ن) حي َ صال ِ ِن ال َ ّم َن ِكون َ ّ ن وَل َن َ ُ صد ّقَ ّ ضل ِهِ ل َن َ ّ ن فَ ْ م ْن آ ََتاَنا ِ ه ل َئ ِ ْعاهَد َ الل ّ َ ن َ م ْ م َ من ْهُ ْ
وَ ِ
فاًقا ن ) (76فَأعْ َ ّ ُ ن فَ ْ َ َ
م نِ َقب َهُ ْ ضو َ معْرِ ُ م ُ وا وَهُ ْ خلوا ب ِهِ وَت َوَل ْ ضل ِهِ ب َ ِ م ْ م ِ ما آَتاهُ ْ (75فَل ّ
ّ َ َ ْ َ
ن )(77 كاُنوا ي َك ْذُِبو َما َ دوه ُ وَب ِ َ ما وَعَ ُ ه َ فوا الل َ خل ُ ما أ ْ ه بِ َ قوْن َ ُ م إ ِلى ي َوْم ِ ي َل َ ِفي قُُلوب ِهِ ْ
َ َ َ
ب )(78 م ال ْغُُيو ِ ه عَّل ُ ن الل ّ َم وَأ ّ واهُ ْ ج َم وَن َ ْسّرهُ ْ م ِ ه ي َعْل َ ُن الل ّ َ موا أ ّ م ي َعْل َ ُ
أل َ ْ
) (4/183
ن إ ِّل
دو َ ن َل ي َ ِ
ج ُ ت َوال ّ ِ
ذي َ صد ََقا ِ
ن ِفي ال ّ مِني َمؤ ْ ِن ال ْ ُ
م َن ِعي َ مط ّوّ ِن ال ْ ُمُزو َ ن ي َل ْ ِذي َال ّ ِ
َ
م )(79 ب أِلي ٌ م عَ َ
ذا ٌ م وَل َهُ ْ
من ْهُ ْ
ه ِخَر الل ّ ُ س ِم َ من ْهُ ْ
ن ِخُرو َ س َم فَي َ ْ جهْد َهُ ْ ُ
مال .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي
شكره خير من كثير ل تطيقه" .قال :ثم قال مرة أخرى ،فقال " :أما ترضى
أن تكون مثل نبي الله ،فوالذي نفسي بيده لو شئت أن تسير معي الجبال
ذهبا وفضة لسارت" .قال :والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله فرزقني مال
لعطين كل ذي حق حقه .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :اللهم
ارزق ثعلبة مال" .قال :فاتخذ غنما ،فنمت كما ينمو الدود ،فضاقت عليه
المدينة ،فتنحى عنها ،فنزل واديا من أوديتها ،حتى جعل يصلي الظهر
والعصر في جماعة ،ويترك ما سواهما .ثم نمت وك َُثرت ،فتنحى حتى ترك
الصلوات إل الجمعة ،وهي تنمو كما ينمو الدود ،حتى ترك الجمعة .فطفق
يتلقى الركبان ) (1يوم الجمعة ،يسألهم عن الخبار ،فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " :ما فعل ثعلبة" ؟ فقالوا :يا رسول الله ،اتخذ غنما
فضاقت عليه المدينة .فأخبروه بأمره فقال " :يا ويح ثعلبة ،يا ويح ثعلبة ،يا
خذ ْ م َ
م م وَت َُز ّ
كيهِ ْ ة ت ُط َهُّرهُ ْصد َقَ ً
م َ
وال ِهِ ْ
م َ
نأ ْويح ثعلبة" .وأنزل الله جل ثناؤه ْ ِ ُ } :
ب َِها { الية ]التوبة [103 :قال :ونزلت عليه فرائض الصدقة ،فبعث رسول
جهَي َْنة ،ورجل من الله صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقة :رجل من ُ
مرا سليم ،وكتب لهما كيف يأخذان الصدقة من المسلمين ،وقال لهما ُ " :
بثعلبة ،وبفلن -رجل من بني سليم -فخذا صدقاتهما" .فخرجا حتى أتيا
ثعلبة ،فسأله الصدقة ،وأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فقال :ما هذه إل جزية .ما هذه إل أخت الجزية .ما أدري ما هذا انطلقا حتى
عودا إلي .فانطلقا وسمع بهما السلمي ،فنظر إلى خيار أسنان إبله تفُرغا ثم ُ
،فعزلها للصدقة ،ثم استقبلهما ) (2بها فلما رأوها قالوا :ما يجب عليك هذا
،وما نريد أن نأخذ هذا منك .قال :بلى ،فخذوها ،فإن نفسي بذلك طيبة ،
مّرا بثعلبة ، وإنما هي له .فأخذوها منه .فلما فرغا من صدقاتهما رجعا حتى َ
فقال :أروني كتابكما فنظر فيه ،فقال :ما هذه إل أخت الجزية .انطلقا حتى
أرى رأيي .فانطلقا حتى أتيا النبي ) (3صلى الله عليه وسلم ،فلما رآهما
قال " :يا ويح ثعلبة" قبل أن يكلمهما ،ودعا للسلمي بالبركة ،فأخبراه بالذي
عاهَد َ ن َ م ْ م َمن ْهُ ْ صنع ثعلبة والذي صنع السلمي ،فأنزل الله ،عز وجل } :وَ ِ
ن { قال : ْ
كاُنوا ي َكذُِبو َ ما َ ن { إلى قوله } :وَب ِ َ صد ّقَ ّ ضل ِهِ ل َن َ ّن فَ ْ م ْ ن آَتاَنا ِ ه ل َئ ِ ْ الل ّ َ
وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة ،فسمع ذلك ،
فخرج حتى أتاه فقال :ويحك يا ثعلبة .قد أنزل الله فيك كذا وكذا .فخرج
ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم ،فسأله أن يقبل منه صدقته ،
فقال " :إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك" .فجعل يحثو على رأسه
التراب ،فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ]" :هذا[ ) (4عملك ،قد
أمرتك فلم تطعني" .فلما أبى أن يقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم
قِبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبل منه رجع إلى منزله ،ف ُ
شيئا .ثم أتى أبا بكر ،رضي الله عنه ،حين استخلف ،فقال :قد علمت
منزلتي من رسول الله ،وموضعي من النصار ،فاقبل صدقتي .فقال أبو
بكر :لم يقبلها منك رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وأبى أن يقبلها ،
فقبض أبو بكر ولم يقبلها .فلما وَِلي عمر ،رضي الله عنه ،أتاه فقال :يا
أمير المؤمنين ،اقبل صدقتي .فقال :لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه
وسلم ول أبو بكر ،وأنا ) (5أقبلها منك! فقبض ولم يقبلها ؛ ثم ولي عثمان ،
رضي الله عنه ] ،فأتاه[ ) (6فسأله أن يقبل صدقته ،فقال :لم يقبلها رسول
الله صلى الله عليه وسلم ول أبو بكر ول عمر ،وأنا أقبلها منك! فلم يقبلها
منه ،وهلك ثعلبة في خلفة عثمان )(7
ن { أي :أعقبهم بو
ُ َ ُِ َذْ ك ي نوا َ
كا ما
ما وَعَ ُ ُ َ ِ َ
ب و ه دو ه َ فوا الل ّ َ خل َ ُما أ َ ْ وقوله تعالى } :ب ِ َ
النفاق في قلوبهم بسبب إخلفهم الوعد وكذبهم ،كما جاء في الصحيح ،عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " :آية المنافق ثلث :إذا حدث
كذب ،وإذا وعد أخلف ،وإذا اؤتمن خان" ) (8وله شواهد كثيرة ،والله أعلم.
َ َ َ
ب{ م ال ْغُُيو ِ عل ُ ه َ ن الل ّ َ م وَأ ّ واهُ ْ ج َ م وَن َ ْسّرهُ ْ م ِ ه ي َعْل َ ُن الل ّ َ موا أ ّ م ي َعْل َ ُ
وقوله } :أل َ ْ
يخبرهم تعالى أنه يعلم السر وأخفى ،وأنه أعلم بضمائرهم وإن أظهروا أنه
إن حصل لهم أموال تصدقوا منها وشكروا عليها ،فإنه أعلم بهم من أنفسهم
؛ لنه تعالى علم الغيوب ،أي :يعلم كل غيب وشهادة ،وكل سر ونجوى ،
ويعلم ما ظهر وما بطن.
ن ِإل دو َ ج ُن ل يَ ِ ذي َ ّ
ت َوال ِ صد ََقا ِ ن ِفي ال ّ مِني َ مؤ ْ ِ ْ
ن ال ُ م َ ن ِ عي َ مط ّوّ ِ ن ال ْ ُ مُزو َ ن ي َل ْ ِذي َ } ال ّ ِ
َ
م ){ (79 ب أِلي ٌ ذا ٌ م عَ َ م وَل َهُ ْ من ْهُ ْه ِ خَر الل ّ ُ س ِ م َ من ْهُ ْن ِ خُرو َ س َم فَي َ ْ جهْد َهُ ْ ُ
وهذه أيضا من صفات المنافقين :ل يسلم أحد من عيبهم ولمزهم في جميع
الحوال ،حتى ول المتصدقون يسلمون منهم ،إن جاء أحد منهم بمال جزيل
قالوا :هذا مراء ،وإن جاء بشيء يسير قالوا :إن الله لغني عن صدقة هذا.
كما قال البخاري :
حدثنا عبيد الله بن سعيد ،حدثنا أبو النعمان البصري ،حدثنا شعبة ،عن
سليمان ،عن أبي وائل ،عن أبي مسعود قال :لما نزلت آية الصدقة كنا
نتحامل على ظهورنا ،فجاء رجل فتصدق بشيء كثير ،فقالوا :مرائى .وجاء
ن
ذي َرجل فتصدق بصاع ،فقالوا :إن الله لغني عن صدقة هذا .فنزلت } ال ّ ِ
م{ جهْد َهُ ْ ن ِإل ُ
دو َ
ج ُ
ن ل يَ ِ ت َوال ّ ِ
ذي َ صد ََقا ِ
ن ِفي ال ّمِني َ ن ال ْ ُ
مؤ ْ ِ م َ
ن ِ مط ّوّ ِ
عي َ ن ال ْ ُ ي َل ْ ِ
مُزو َ
الية.
وقد رواه مسلم أيضا في صحيحه ،من حديث شعبة به )(9
وقال المام أحمد :حدثنا يزيد ،حدثنا الجريري ،عن أبي السليل قال :وقف
علينا رجل في
__________
) (1في ت ،أ " :الركاب".
) (2في ت ،ك ،أ " :استقبلهم".
) (3في ت " :رسول الله".
) (4زيادة من ت ،ك ،أ ،والطبري.
) (5في ت ،ك " :فأنا".
) (6زيادة من ت ،ك ،أ ،والطبري.
) (7تفسير الطبري ) (14/370وقد أنكر العلماء هذه القصة وقالوا ببطلنها ،
فممن قال بذلك المام ابن حزم ،قال في المحلى ): (208 ، 11/207
"على أنه قد روينا أثرا ل يصح وأنها نزلت في ثعلبة بن حاطب ،وهذا باطل ؛
لن ثعلبة بدري معروف ،ثم ساق الحديث بإسناده من طريق معان بن
رفاعة عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة وقال :
"وهذا باطل ل شك ؛ لن الله أمر بقبض زكوات أموال المسلمين ،وأمر
عليه السلم عند موته أل يبقى في جزيرة العرب دينان فل يخلو ثعلبة من أن
يكون مسلما ففرض على أبي بكر وعمر قبض زكاته ول بد ول فسحة في
ذلك ،وإن كان كافرا ففرض أل يبقى في جزيرة العرب فسقط هذا الثر بل
شك ،وفي رواته معان بن رفاعة ،والقاسم بن عبد الرحمن وعلي بن يزيد -
هو ابن عبد الملك -وكلهم ضعفاء .وللفاضل عداب الحمش رسالة في نقد
هذه القصة جمع فيها أقوال أهل العلم فيها سماها "ثعلبة بن حاطب
الصحابي المفترى عليه".
) (8صحيح البخاري برقم ) (33وصحيح مسلم برقم ) (59من حديث أبي
هريرة ،رضي الله عنه.
) (9صحيح البخاري برقم) (1415وصحيح مسلم برقم ).(1018
) (4/184
مجلسنا بالبقيع فقال :حدثني أبي -أو :عمي أنه رأى رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالبقيع ،وهو يقول " :من يتصدق بصدقة أشهد له بها يوم
القيامة" ؟ قال :فحللت من عمامتي لوثا أو لوثين ،وأنا أريد أن أتصدق بهما
،فأدركني ما يدرك ابن آدم ،فعقدت على عمامتي .فجاء رجل لم أر بالبقيع
م ببعير ) (2ساقه ،لم أر بالبقيع
رجل أشد سوادا ]ول[ ) (1أصغر منه ،ول أد ّ
ناقة أحسن منها ،فقال :يا رسول الله ،أصدقة ؟ قال " :نعم" فقال :دونك
هذه الناقة .قال :فلمزه رجل فقال :هذا يتصدق بهذه فوالله لهي خير منه.
قال :فسمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " :كذبت بل هو خير
منك ومنها" ثلث مرات ،ثم قال " :ويل لصحاب المئين من البل" ثلثا.
قالوا :إل من يا رسول الله ؟ قال " :إل من قال بالمال هكذا وهكذا" ،وجمع
بين كفيه عن يمينه وعن شماله ،ثم قال " :قد أفلح المزهد المجهد" ثلثا :
المزهد في العيش ،المجهد في العبادة )(3
وقال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس في هذه الية ،وقال :جاء عبد
الرحمن بن عوف بأربعين أوقية من ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم وجاءه رجل من النصار بصاع من طعام ،فقال بعض المنافقين :والله
ما جاء عبد الرحمن بما جاء به إل رياء .وقالوا :إن كان الله ورسوله لغنيين
عن هذا الصاع )(4
وقال العوفي ،عن ابن عباس :إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج
إلى الناس يوما فنادى فيهم :أن اجمعوا صدقاتكم .فجمع الناس صدقاتهم ،
ثم جاء رجل من آخرهم بصاع من تمر ،فقال :يا رسول الله ،هذا صاع من
تمر بت ليلتي أجر بالجرير الماء ،حتى نلت صاعين من تمر ،فأمسكت
أحدهما ،وأتيتك بالخر .فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينثره في
الصدقات .فسخر منه رجال ،وقالوا :إن الله ورسوله لغنيان عن هذا .وما
يصنعان ) (5بصاعك من شيء .ثم إن عبد الرحمن بن عوف قال لرسول الله
صلى الله عليه وسلم :هل بقي أحد من أهل الصدقات ؟ فقال "ل" )(6
فقال له عبد الرحمن بن عوف :فإن عندي مائة أوقية من ذهب في
الصدقات .فقال له عمر بن الخطاب ،رضي الله عنه :أمجنون أنت ؟ قال :
ليس بي جنون .قال :فعلت ) (7ما فعلت ؟ قال :نعم ،مالي ثمانية آلف ،
أما أربعة آلف فأقرضها ربي ،وأما أربعة آلف فلي .فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم " :بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت" .ولمزه
المنافقون فقالوا :والله ما أعطى عبد الرحمن عطيته إل رياء .وهم كاذبون ،
إنما كان به متطوعا ،فأنزل الله ،عز وجل ،عذره وعذر صاحبه المسكين
ن ن ي َل ْ ِ
مُزو َ الذي جاء بالصاع من التمر ،فقال تعالى في كتابه } :ال ّ ِ
ذي َ
صد ََقا ِ
ت { الية. ن ِفي ال ّ
مِني َ ن ال ْ ُ
مؤ ْ ِ م َ
ن ِ مط ّوّ ِ
عي َ ال ْ ُ
وكذا روي عن مجاهد ،وغير واحد.
وقال ابن إسحاق :كان المطوعون من المؤمنين في الصدقات :عبد
الرحمن بن عوف ،تصدق
__________
) (1زيادة من أ ،والمسند.
) (2في ت ،ك ،أ " :بعير".
) (3المسند ).(5/34
) (4رواه الطبري في تفسيرة ).(14/382
) (5في ت ،ك ،أ " :يصنعون".
) (6في ت ،ك " :ل لم يبق أحد غيرك".
) (7في ت ،أ " :فقال أفعلت".
) (4/186
بأربعة آلف درهم ،وعاصم بن عدي أخا بني العجلن ،وذلك أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم رغب في الصدقات ،وحض عليها ،فقام عبد الرحمن
بن عوف فتصدق بأربعة آلف ،وقام عاصم فتصدق بمائة وسق من تمر ،
فلمزوهما وقالوا :ما هذا إل رياء .وكان الذي تصدق بجهده :أبو عقيل أخو
بني أنيف الراشي حليف بني عمرو بن عوف ،أتى بصاع من تمر فأفرغه
عقيل. في الصدقة ،فتضاحكوا به وقالوا :إن الله لغني عن صاع أبي َ
وانة ،عن وقال الحافظ أبو بكر البزار :حدثنا طالوت بن عباد ،حدثنا أبو عَ َ
عمر ) (1بن أبي سلمة ،عن أبيه ،عن أبي هريرة قال :قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " :تصدقوا فإني أريد أن أبعث بعثا" .قال :فجاء عبد
الرحمن بن عوف فقال :يا رسول الله ،عندي أربعة آلف ،ألفين أقرضهما
ربي ،وألفين لعيالي .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :بارك الله لك
فيما أعطيت ) (2وبارك لك فيما أمسكت" .وبات رجل من النصار فأصاب
صاعين من تمر ،فقال :يا رسول الله ،أصبت صاعين من تمر :صاع
أقرضه ) (3لربي ،وصاع لعيالي .قال :فلمزه المنافقون وقالوا :ما أعطى
الذي أعطى ابن عوف إل رياء! وقالوا :ألم يكن الله ورسوله غنيين عن صاع
صد ََقا ِ
ت ن ِفي ال ّ مِني َ مؤ ْ ِ ن ال ْ ُم َ ن ِ عي َ مط ّوّ ِ ن ال ْ ُمُزو َ ن ي َل ْ ِ هذا ؟ فأنزل الله } :ال ّ ِ
ذي َ
م[ { ) (4الية ) من ْهُ ْ
ه ِ خَر الل ّ ُ س ِ م] َ من ْهُ ْن ِ خُرو َ س َ م فَي َ ْ جهْد َهُ ْن ِإل ُ
دو َ
ج ُن ل يَ ِذي َ َوال ّ ِ
(5
ثم رواه عن أبي كامل ،عن أبي عوانة ،عن عمر بن أبي سلمة ،عن أبيه
مرسل ) (6قال :ولم يسنده أحد إل طالوت.
حَباب ،عن وقال المام أبو جعفر بن جرير :حدثنا ابن وكيع ،حدثنا زيد بن ال ُ
موسى بن عبيدة ،حدثني خالد بن يسار ،عن ابن أبي عقيل ،عن أبيه قال :
بت أجر الجرير على ظهري ،على صاعين من تمر ،فانقلبت بأحدهما إلى
أهلي يتبلغون به ،وجئت بالخر أتقرب ]به[ ) (7إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ،فقال " :انثره
في الصدقة" .قال :فسخر القوم وقالوا :لقد كان الله غنيا عن صدقة هذا
ن ِفي مِني َ ن ال ْ ُ
مؤ ْ ِ م َ ن ِ عي َ مط ّوّ ِ ن ال ْ ُ
مُزو َ ن ي َل ْ ِذي َ المسكين .فأنزل الله } :ال ّ ِ
ت { اليتين )(8 صد ََقا ِال ّ
__________
) (1في أ " :عمرو".
) (2في ك " :أعطيته".
) (3في ت " :أقرضته".
) (4زيادة من ت ،ك ،أ.
) (5مسند البزار برقم )" (2216كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع )
" : (7/32وفيه عمرو بن أبي سلمة ،وثقه العجلي ،وأبو خيثمة وابن حبان
وضعفه شعبة وغيره ،وبقية رجالهما ثقات".
) (6مسند البزار برقم )" (2216كشف الستار" قال الحافظ ابن حجر في
الفتح ) (8/332بعد أن ساق هذه الرواية المرسلة " :وكذلك أخرجه عبد بن
حميد عن يونس بن محمد عن أبي عوانة ،وأخرجه ابن أبي حاتم والطبري
وابن مردويه من طرق أخرى عن أبي عوانة مرسل".
) (7زيادة من ت ،أ ،والطبري.
) (8تفسير الطبري ).(14/388
) (4/187
وكذا رواه الطبراني من حديث زيد بن الحباب ) (1به .وقال :اسم أبي عقيل
:حباب .ويقال :عبد الرحمن بن عبد الله بن ثعلبة.
م { وهذا من باب المقابلة علىمن ْهُ ْ خَر الل ّ ُ
ه ِ س ِ
م َ
من ْهُ ْ
ن ِ
خُرو َ وقوله } :فَي َ ْ
س َ
سوء صنيعهم واستهزائهم بالمؤمنين ؛ لن الجزاء من جنس العمل ،فعاملهم
معاملة من سخر بهم ،انتصارا للمؤمنين في الدنيا ،وأعد للمنافقين في
الخرة عذابا أليما.
__________
) (1المعجم الكبير ) (4/45وقد وقع فيه " :عن زيد بن الحباب عن خالد بن
يسار" فأسقط موسى بن عبيدة في رواية ؛ ولذا قال الهيثمي في المجمع )
" : (7/33رجاله ثقات إل أن خالد بن يسار لم أجد من وثقه ول جرحه" لكن
الزيلعي في تخريج الكشاف ) (2/88عزاه للطبراني في معجمه من طريق
موسى بن عبيدة عن خالد بن يسار ،فلعله سقط من نسخ الطبراني أو
توهم فيه الزيلعي .تنبيه :كذا وقع هنا وعند الطبراني " :اسم أبي عقيل
حباب" ،قال الحافظ ابن حجر في الصابة )" : (1/389كذا وقع عند
الطبراني ،والصواب حبحاب".
) (4/188
استغْفر ل َه َ
ه ل َهُ ْ
م فَر الل ّ ُ مّرة ً فَل َ ْ
ن ي َغْ ِ ن َ سب ِْعي َ م َ فْر ل َهُ ْ ست َغْ ِ
ن تَ ْ فْر ل َهُ ْ
م إِ ْ ست َغْ ِ م أوْ َل ت َ ْ ْ َ ِ ْ ُ ْ
ن )(80 قي س فا
َ ْ لا م و َ قْ لا دي ه ي لَ هّ ل وال ه لسو ر و ه ّ ل بال روا َ فَ ك م ذ َل َ َ
ِ ِ َ ْ َ َْ ِ ِ
ِ ِ ََ ُ ِ َ ُ ُ ك ب ِأن ّهُ ِْ
} استغْفر ل َه َ
فَر الل ّ ُ
ه ن ي َغْ ِمّرة ً فَل َ ْ ن َ سب ِْعي َ م َ فْر ل َهُ ْست َغْ ِ ن تَ ْ م إِ ْ فْر ل َهُ ْ
ست َغْ ِ
م أوْ ل ت َ ْ ْ َ ِ ْ ُ ْ
ن ){ (80 ْ ْ ّ ّ َ ل َهم ذ َل َ َ
قي َ س ِفا ِ م ال َ قو ْ َ دي ال َ ه ل ي َهْ ِ سول ِهِ َوالل ُ فُروا ِباللهِ وََر ُ مك َ ك ب ِأن ّهُ ْ ُ ْ ِ
يخبر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن هؤلء المنافقين ليسوا أهل
للستغفار ،وأنه لو استغفر لهم ،ولو سبعين مرة فإن الله ل يغفر لهم.
وقد قيل :إن السبعين إنما ذكرت حسما لمادة الستغفار لهم ؛ لن العرب
في أساليب كلمها تذكر السبعين في مبالغة كلمها ،ول تريد التحديد بها ،ول
أن يكون ما زاد عليها بخلفها.
وقيل :بل لها مفهوم ،كما روى العوفي عن ابن عباس أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال لما نزلت هذه الية " :أسمع ربي قد رخص لي فيهم ،
فوالله لستغفرن أكثر من سبعين مرة ،لعل الله أن يغفر لهم! فقال الله
َ فرت ل َه َ من شدة غضبه عليهم } :سواٌء عَل َيه َ
ن
مل ْ فْر ل َهُ ْست َغْ ِ
م تَ ْ م لَ ْ مأ ْ ست َغْ َ ْ َ ُ ْ مأ ْ ِْ ْ َ َ
ن { ]المنافقون [6 : قي َ س ِ فا ِ ْ
م ال َ قو ْ َ ْ
دي ال َ ه ل ي َهْ ِ ن الل ّ َم إِ ّ ه ل َهُ ْفَر الل ّ ُ
ي َغْ ِ
قل عبد الله بن أبي ،انطلق ابنه إلى النبي صلى الله وقال الشعبي :لما ث َ ُ
عليه وسلم فقال :إن أبي قد احتضر ،فأحب أن تشهده وتصلي عليه .فقال
النبي صلى الله عليه وسلم " :ما اسمك" .قال الحباب بن عبد الله .قال :
"بل أنت عبد الله بن عبد الله ،إن الحباب اسم شيطان" .قال :فانطلق معه
حتى شهده وألبسه قميصه وهو عرق ،وصلى عليه ،فقيل له :أتصلي عليه
مّرةً { ن َ سب ِْعي َ م َ فْر ل َهُ ْ ست َغْ ِ ن تَ ْ]وهو منافق[ ) (1؟ قال " :إن الله قال } :إ ِ ْ
ولستغفرن له سبعين وسبعين وسبعين".
عامة .رواها ابن جَبير ،وقتادة بن دِ َ وكذا روي عن عُْرَوة بن الزبير ومجاهد بن ُ
جرير بأسانيده.
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (4/188
َ َ
م
وال ِهِ ْ
م َدوا ب ِأ ْ جاهِ ُ
ن يُ َ هوا أ ْ ل الل ّهِ وَك َرِ ُ سو ِ ف َر ُ خَل َ م ِ قعَدِهِ ْ م ْ
ن بِ َ
فو َخل ّ ُ
م َ ح ال ْ ُفَرِ َ
َ وَأ َن ْ ُ
حّرا ل َ ْ
و شد ّ َ مأ َ جهَن ّ َ
ل َناُر َ حّر قُ ْفُروا ِفي ال ْ َ ل الل ّهِ وََقاُلوا َل ت َن ْ ِ سِبي ِ م ِفي َ سهِ ْ ف ِ
ن) سُبو َ كاُنوا ي َك ْ ِ ما َجَزاًء ب ِ َكوا ك َِثيًرا َ كوا قَِليًل وَل ْي َب ْ ُ ح ُ ن ) (81فَل ْي َ ْ
ض َ قُهو َ ف َكاُنوا ي َ ْ َ
(82
َ َ
موال ِهِ ْم َدوا ب ِأ ْ جاهِ ُ ن يُ َ هوا أ ْ ل الل ّهِ وَك َرِ ُسو ِ ف َر ُ خل َ م ِ قعَدِهِ ْ م ْن بِ َفو َ خل ّ ُ ح ال ْ ُ
م َ } فَرِ َ
َ وَأ َن ْ ُ
حّرا ل َ ْ
و شد ّ َ مأ َ جهَن ّ َ ل َناُر َ حّر قُ ْ فُروا ِفي ال ْ َ ل الل ّهِ وََقاُلوا ل ت َن ْ ِ سِبي ِ
م ِفي َ سهِ ْ ف ِ
ن) سُبو َ كاُنوا ي َك ْ ِ ما َ جَزاًء ب ِ َ كوا ك َِثيًرا َ كوا قَِليل وَل ْي َب ْ ُ ح ُ ض َ ن ) (81فَل ْي َ ْ قُهو َ ف َ
كاُنوا ي َ ْ َ
{ (82
ما للمنافقين المتخلفين عن صحابة رسول الله صلى الله عليه يقول تعالى َذا ّ
ن َ وسلم في غزوة تبوك ،وفرحوا بمقعدهم ) (1بعد خروجه } ،وَك َرِ ُ
هوا أ ْ
ل الل ّهِ وََقاُلوا { أي :بعضهم م وَأ َن ْ ُ َ
سِبي ِم ِفي َ سهِ ْ ف ِ وال ِهِ ْ م َ دوا { معه } ب ِأ ْ جاهِ ُ يُ َ
حّر { ؛ وذلك أن الخروج في ) (2غزوة تبوك كان ْ
فُروا ِفي ال َ لبعض } :ل ت َن ْ ِ
فُروا ِفي في شدة الحر ،عند طيب الظلل والثمار ،فلهذا قالوا ) } (3ل ت َن ْ ِ
م { التي تصيرون جهَن ّ َ حّر { قال الله تعالى لرسوله } :قل { لهم َ } :ناُر َ ال ْ َ
حّرا { مما فررتم منه من الحر ،بل أشد حرا َ
إليها بسبب مخالفتكم } أ َ
شد ّ َ
من النار ،كما قال المام مالك ،عن أبي الّزناد ،عن العرج ،عن أبي
هريرة ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :نار بني آدم التي
يوقدون بها جزٌء من سبعين جزًءا ]من نار جهنم" فقالوا :يا رسول الله ،إن
كانت لكافية .قال ) (4إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا[ ) (5أخرجاه في
الصحيحين من حديث مالك ،به )(6
وقال المام أحمد :حدثنا سفيان ،عن أبي الزناد ،عن العرج ،عن أبي
هريرة ،عن النبي ) (7صلى الله عليه وسلم قال " :إن ناركم هذه جزء من
سبعين جزءا من نار جهنم ،وضربت بالبحر مرتين ،ولول ذلك ما جعل ]الله[
) (8فيها منفعة لحد" ) (9وهذا أيضا إسناده صحيح )(10
وقد روى المام أبو عيسى الترمذي وابن ماجه ،عن عباس الدوري ،عن
يحيى بن أبي بكير ) (11عن شريك ،عن عاصم ،عن أبي صالح ،عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :أوقد
ضت ،ثم على النار ألف سنة حتى احمّرت ،ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابي ّ
أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت ،فهي سوداء كالليل المظلم" .ثم قال
الترمذي :ل أعلم أحدا رفعه غير يحيى )(12
كذا قال .وقد رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه عن إبراهيم بن محمد ،عن
محمد بن الحسين بن
__________
) (1في ت ،أ " :بقعودهم".
) (2في ت ،أ " :إلى".
) (3في ك " :قال".
) (4في ت ،ك ،أ " :فقال".
) (5زيادة من ت ،ك ،أ ،والموطأ.
) (6الموطأ ) (2/994وصحيح البخاري برقم ) (3265ورواه مسلم في
صحيحه برقم ) (2843من طريق المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد به.
) (7في ك " :أن رسول الله".
) (8زيادة من ت ،ك ،أ . ،والمسند.
) (9المسند ).(2/244
) (10في ت ،أ " :إسناد جيد صحيح".
) (11في أ " :بكر".
) (12سنن الترمذي برقم ) (2591وسنن ابن ماجه برقم ) (4320وقال
الترمذي " :حديث أبي هريرة في هذا موقوف أصح ،ول أعلم أحدا رفعه غير
يحيى بن أبي بكير عن شريك".
) (4/189
مكرم ،عن عبيد الله بن سعد ) (1عن عمه ،عن شريك -وهو ابن عبد الله
النخعي -به .وروى أيضا ابن مردويه من رواية مبارك بن فضالة ،عن ثابت ،
س
ها الّنا ُ عن أنس قال :تل رسول الله صلى الله عليه وسلم َ } :ناًرا وَُقود ُ َ
جاَرةُ { ]التحريم [6 :قال ُ" :أوقد عليها ألف عام حتى ابيضت ،وألف َوال ْ ِ
ح َ
عام حتى احمرت ،وألف عام حتى اسودت ،فهي سوداء كالليل ،ل يضيء
لهبها" )(2
جيح -وقد اختلف وروى الحافظ أبو القاسم الطبراني من حديث تمام بن ن َ ِ
فيه -عن الحسن ،عن أنس مرفوعا " :لو أن شرارة بالمشرق -أي من نار
ن بالمغرب" )(3
م ْ
جهنم -لوجد حرها َ
وروى الحافظ أبو يعلى عن إسحاق بن أبي إسرائيل ،عن أبي عبيدة الحداد ،
عن هشام بن حسان ) (4عن محمد بن شبيب ،عن جعفر بن أبي وحشية ،
جَبير ،عن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه عن سعيد بن ُ
وسلم " :لو كان هذا المسجد مائة ألف أو يزيدون ،وفيهم رجل من أهل النار
فتنفس فأصابهم نفسه ،لحترق المسجد ومن فيه" ) (5غريب.
وقال العمش عن أبي إسحاق ،عن النعمان بن بشير قال :قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " :إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لمن له نعلن
شَراكان من نار ،يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ،ل يرى أحدا من و ِ
أهل النار أشد ّ عذابا منه ،وإنه أهونهم عذابا" .أخرجاه في الصحيحين ،من
حديث العمش )(6
وقال مسلم أيضا :حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ،حدثنا يحيى بن أبي ب ُك َْير )(7
حدثنا زهير بن محمد ،عن سهيل بن أبي صالح ،عن النعمان بن أبي عياش
) (8عن أبي سعيد الخدري ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :إن
أدنى أهل النار عذابا يوم القيامة ينتعل بنعلين من نار ،يغلي دماغه من
حرارة نعليه" )(9
وقال المام أحمد :حدثنا يحيى ،عن ابن عجلن ،سمعت أبي ،عن أبي
هريرة ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " :إن أدنى أهل النار عذابا رجل
يجعل له نعلن يغلي منهما دماغه" )(10
وهذا إسناد جيد قوي ،رجاله على شرط مسلم ،والله أعلم.
__________
) (1في ت ،ك ،أ " :سعيد".
) (2ورواه البيهقي في شعب اليمان برقم ) (799من طريق سهل بن حماد
عن مبارك بن فضالة به نحوه.
) (3المعجم الوسط برقم )" (4841مجمع البحرين" وأشار الحافظ هنا إلى
الختلف في حال تمام بن نجيح ،قال المنذري في الترغيب والترهيب )
" : (4/362في إسناده احتمال للتحسين".
) (4في جميع النسخ " :حسام" والتصويب من أبي يعلى.
) (5مسند أبي يعلى ) (12/22ورواه أبو نعيم في الحلية ) (4/307من طريق
إسحاق بن أبي إسرائيل به ،وقال المنذري في الترغيب والترهيب )
" : (4/363إسناده حسن ،وفي متنه نكارة".
) (6صحيح البخاري برقم ) (6562وصحيح مسلم برقم ).(213+
) (7في أ " :بكر".
) (8في أ " :عباس".
) (9صحيح مسلم برقم ).(211
) (10المسند ).(2/438
) (4/190
والحاديث والثار النبوية في هذا كثيرة ،وقال الله تعالى في كتابه العزيز } :
بص ّ وى { ]المعارج [16 ، 15 :وقال تعالى } :ي ُ َ ش َة ِلل ّ ظى نزاعَ ً كل إ ِن َّها ل َ َ َ
ن
م ْ مع ُ ِ قا ِم َ م َ َ
جلود ُ وَلهُ ْ ُ ْ
م َوال ُ ُ
ما ِفي ب ُطون ِهِ ْ صهَُر ب ِهِ َ م يُ ْ مي ُ ح ِ ْ
م ال َ سهِ ُ ق ُرُءو ِ ن فَوْ ِ م ْ ِ
ْ ُ َ َ ّ
ق{ ري ِ ح ِ ب ال َ ذا َ دوا ِفيَها وَُذوُقوا عَ َ عي ُ مأ ِ ن غَ ّ م ْ من َْها ِ
جوا ِ خُر ُ ن يَ ْ ما أَراُدوا أ ْ ديد ٍ ك ُل َ ح ِ َ
م َناًرا صِليهِ ْ ف نُ ْ سو ْ َ فُروا ِبآَيات َِنا َ َ
نك َ ذي َ ّ
ن ال ِ ]الحج [22 - 19 :وقال تعالى } :إ ِ ّ
ب { ]النساء [56 : ذا َ ْ
ذوُقوا العَ َ ها ل ِي َ ُ جُلوًدا غَي َْر َ م ُ م ب َد ّل َْناهُ ْجُلود ُهُ ْ ت ُ ج ْض َ ما ن َ ِ ك ُل ّ َ
َ
حّرا ل َ ْ
و شد ّ َ مأ َ جهَن ّ َل َناُر َ وقال تعالى في هذه الية الكريمة ]الخرى[ ) } (1قُ ْ
ن { أي :لو أنهم يفقهون ويفهمون لنفروا مع الرسول في سبيل قُهو َ ف َ كاُنوا ي َ ْ َ
حّر جهنم ،الذي هو أضعاف أضعاف هذا ،ولكنهم الله في الحر ،ليتقوا به َ
كما قال الخر )(2
كالمستجير من الرمضاء بالنار
وقال الخر :
حار... َ وال البارد ة
َ َ ََ ف خا م ته... ََْي ن ْ ف أ ية
َ بالحم كعمُر َ ُ
حذَر الّنار... َ صي َ ِ عا الم ن
ِ َ م تتقي... ْ َ ن أ بك لى َ أو ن
َ َوكا
ثم قال ]الله[ ) (3تعالى جل جلله ،متوعدا لهؤلء المنافقين على صنيعهم
ن{ سُبو َكاُنوا ي َك ْ ِ ما َ جَزاًء ب ِ َ كوا ك َِثيًرا َ كوا قَِليل وَل ْي َب ْ ُ ح ُ ض َ هذا } :فَل ْي َ ْ
قال ابن أبي طلحة ،عن ابن عباس :الدنيا قليل ،فليضحكوا فيها ما شاءوا ،
فإذا انقطعت الدنيا وصاروا إلى الله ،عز وجل ،استأنفوا بكاء ل ينقطع أبدا.
خَثيم ،وعون العقيلي )(4 وكذا قال أبو َرِزين ،والحسن ،وقتادة ،والربيع بن ُ
وزيد بن أسلم.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي :حدثنا عبد الله بن عبد الصمد بن أبي
خداش ،حدثنا محمد بن حميد ) (5عن ابن المبارك ،عن عمران بن زيد ،
حدثنا يزيد الّرقاشي ،عن أنس بن مالك قال :سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول " :يا أيها الناس ،ابكوا ،فإن لم تبكوا فتباكوا ،فإن أهل
النار يبكون حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول ،حتى تنقطع
ت فيها َلجَرت". الدموع فتسيل الدماء فتقرح العيون .فلو أن س ُ ُ
جي َ ْ
فًنا أْز ِ ُ
ورواه ابن ماجه من حديث العمش ،عن يزيد الرقاشي ،به )(6
__________
) (1زيادة من ت ،ك ،أ.
) (2وصدر البيت :والمستجير بعمرو عند كربته وذكره داود النطاكي في
مصارع العشاق )ص .(219
) (3زيادة من ت ،ك ،أ.
) (4في أ " :الفضلي".
) (5في جميع النسخ " :محمد بن جبير" والتصويب من أبي يعلى.
) (6مسند أبي يعلى ) (162 - 7/161وسنن ابن ماجه برقم ) (4324وقال
البوصيري في الزوائد )" : (3/323هذا إسناد فيه يزيد بن أبان الرقاشي وهو
ضعيف".
) (4/191
ي
معِ َجوا َ خُر ُن تَ ْل لَ ْق ْ خُروِج فَ ُ ك ل ِل ْ ُست َأ ْذ َُنو َم َفا ْ من ْهُ ْ فةٍ ِ طائ ِ َه إ َِلى َ ك الل ّ ُجعَ َ ن َر َ فَإ ِ ْ
َ م ِبال ْ ُ َ
ع
م َ
دوا َ مّرةٍ َفاقْعُ ُ ل َقُعودِ أوّ َ ضيت ُ ْ
م َر ِ ي عَد ُّوا إ ِن ّك ُ ْ معِ َقات ُِلوا َ ن تُ َدا وَل َ ْ أب َ ً
َ َ
م عََلى قَب ْرِهِ إ ِن ّهُ ْ
م ق ْ دا وََل ت َ ُت أب َ ً ما َ م َ من ْهُ ْحد ٍ ِل عََلى أ َ ص ّ ن ) (83وََل ت ُ َ في َ ال ْ َ
خال ِ ِ
ن )(84 قو َ س ُم َفا ِ ماُتوا وَهُ ْ سول ِهِ وَ َفُروا ِبالل ّهِ وََر ُ كَ َ
وقال الحافظ أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا :حدثنا محمد بن
العباس ،حدثنا حماد الجزري ،عن زيد بن ُرفَْيع ،رفعه قال " :إن أهل النار
إذا دخلوا النار بكوا الدموع زمانا ،ثم بكوا القيح زمانا" قال " :فتقول لهم
خَزَنة :يا معشر الشقياء ،تركتم البكاء في الدار المرحوم فيها أهلها في ال َ
الدنيا ،هل تجدون اليوم من تستغيثون به ؟ قال :فيرفعون ) (1أصواتهم :يا
أهل الجنة ،يا معشر الباء والمهات والولد ،خرجنا من القبور عطاشا ،
وكنا طول الموقف عطاشا ،ونحن اليوم عطاش ،فأفيضوا علينا من الماء أو
مما رزقكم الله ،فيدعون أربعين سنة ل يجيبهم ،ثم يجيبهم } :إ ِن ّك ُ ْ
م
ن { ]الزخرف [77 :فييأسون من كل خير" )(2 ماك ُِثو َ َ
ي عم جوا ر خ ت ن َ ل ْ
ل ُ ق َ ف ج رو خ ْ ل ل َ
ك نو َ ذ ْ أ ت س فاَ م ه ن م ة َ ف ئ طاَ لى َ إ هّ ل ال َ
ك ع ج ر ن إ َ ف }
َ َ ِ ُ ُ ْ َ ْ َ ُ ِ ُ ِ ُ َ ْ ُ ْ ْ ِ ٍ ِ ُ ِ َ َ ِ َ ْ
ْ ُ َ
ع
م َ َ دوا ُ ُ ع ْ ق فاَ ٍ ة ر
َ ّم َ
ل ّ و أ ِ د عو ُ ُ ق ل با
ْ ِ م ُ ت ضي ِ ر
ّ ِ ْ َم ُ ك ّ ن إ وا ُ د َ ع ي
َ َ ِ ع م لوا ِ ت قا َ ُ ت ندا وَل َ ْ أب َ ً
ن ){ (83 في َ خال ِ ِ ال ْ َ
ه { أي : ك الل ّ ُ جعَ َ ن َر َ يقول تعالى آمرا لرسوله عليه الصلة والسلم ) } (3فَإ ِ ْ
م { قال قتادة :ذكر لنا أنهم كانوا من ْهُ ْ فةٍ ِ طائ ِ َ ردك الله من غَْزَوتك هذه } إ َِلى َ
ق ْ
ل خُروِج { أي :معك إلى غزوة أخرى } ،فَ ُ ك ل ِل ْ ُ ست َأ ْذ َُنو َ اثني عشر رجل } َفا ْ
َ
ي عَد ُّوا { أي :تعزيرا لهم وعقوبة .ثم معِ َ قات ُِلوا َ ن تُ َ دا وَل َ ْ ي أب َ ً معِ َ جوا َ خُر ُ ن تَ ْ لَ ْ
َ م ِبال ْ ُ
مّرةٍ { وهذا كقوله تعالى : ل َ قُعودِ أوّ َ ضيت ُ ْ م َر ِ علل ذلك بقوله } :إ ِن ّك ُ ْ
َ َ َ
مّرةٍ { ]النعام [110 : ل َ مُنوا ب ِهِ أوّ َ م ي ُؤْ ِ ما ل َ ْ م كَ َ صاَرهُ ْ م وَأب ْ َ ب أفْئ ِد َت َهُ ْ قل ّ ُ } وَن ُ َ
فإن من جزاء السيئة السيئة بعدها كما أن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها ،
م
مَغان ِ َ م إ َِلى َ قت ُ ْ ن إ َِذا ان ْط َل َ ْ فو َ خل ّ ُ م َ ل ال ْ ُ قو ُ سي َ ُ عمرة الحديبية َ } : كما قال في ُ
َ ْ
م َقا َ
ل ن ت َت ّب ُِعوَنا ك َذ َل ِك ُ ْ ل لَ ْم الل ّهِ قُ ْ كل َ ن ي ُب َد ُّلوا َ نأ ْ دو َ ري ُ م يُ ِ ها ذ َُروَنا ن َت ّب ِعْك ُ ْ ذو َ خ ُ ل ِت َأ ُ
ل { ]الفتح [15 : ن قَب ْ ُ م ْ ه ِ الل ّ ُ
ن { قال ابن عباس :أي الرجال الذين في َ خال ِ ِ معَ ال ْ َ دوا َ وقوله تعالى َ } :فاقْعُ ُ
ن { أي :مع النساء. في َ معَ ال ْ َ
خال ِ ِ دوا َ تخلفوا عن الغزاة .وقال قتادة َ } :فاقْعُ ُ
قال ابن جرير :وهذا ل يستقيم ؛ لن جمع النساء ل يكون بالياء والنون ،ولو
أريد النساء لقال :فاقعدوا مع الخوالف ،أو الخالفات ،ورجح قول ابن
عباس رضي الله عنهما )(5) (4
َ َ
فُروا ِبالل ّ ِ
ه م عََلى قَب ْرِهِ إ ِن ّهُ ْ
م كَ َ ق ْ
دا َول ت َ ُت أب َ ًما َم َ من ْهُ ْ
حد ٍ ِل عََلى أ َ ص ّ
} َول ت ُ َ
ن ){ (84 قو َ س ُم َفا ِ ماُتوا وَهُ ْ
سول ِهِ وَ َ
وََر ُ
أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن ي َب َْرأ من المنافقين ،وأل
يصلي ) (6على أحد منهم إذا مات ،وأل
__________
) (1في ت " :فيرفعوا".
) (2صفة النار )ق 152ظاهرية( وله شواهد من حديث أبي موسى الشعري
وأبي سعيد الخدري ،رضي الله عنهما.
) (3في أ " :صلى الله عليه وسلم".
) (4في ت ،ك ،أ " :عنه"
) (5تفسير الطبري ).(14/405
) (6في ت ،أ " :ونهاه أن يصلي".
) (4/192
يقوم على قبره ليستغفر له أو يدعو له ؛ لنهم كفروا بالله ورسوله ،وماتوا
عليه .وهذا حكم عام في كل من عرف نفاقه ،وإن كان سبب نزول الية في
ي بن سلول رأس المنافقين ،كما قال البخاري : ُ
عبد الله بن أب َ ّ
حدثنا عَُبيد بن إسماعيل ،عن أبي أسامة ،عن عبيد الله ،عن نافع ،عن ابن
عمر قال :لما توفي عبد الله -هو ابن أبي -جاء ابنه عبد الله بن عبد الله
فن فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فسأله أن يعطيه قميصه ي ُك َ ّ
ل الله صلى الله عليه أباه ،فأعطاه ،ثم سأله أن يصلي عليه ،فقام رسو ُ
وسلم ليصلي عليه ،فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال :يا رسول الله ،تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه ؟! فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إنما خيرني الله فقال } :استغْفر ل َهم أوَ
ْ َ ِ ْ ُ ْ ْ
م { وسأزيده ه ل َهُ ْ
فَر الل ّ ُ مّرة ً فَل َ ْ
ن ي َغْ ِ ن َ
سب ِْعي َم َ فْر ل َهُ ْ
ست َغْ ِ
ن تَ ْ فْر ل َهُ ْ
م إِ ْ ست َغْ ِ
ل تَ ْ
ل الله صلى الله على السبعين" .قال :إنه منافق! قال :فصلى عليه ]رسو ُ
َ
تما َ
م َمن ْهُ ْحد ٍ ِ ل عََلى أ َ ص ّ عليه وسلم[ ) (1فأنزل الله ،عز وجل ،آية َ } :ول ت ُ َ
م عََلى قَب ْرِهِ { َ
ق ْدا َول ت َ ُ أب َ ً
وكذا رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ،عن أبي أسامة حماد بن
أسامة ،به )(2
ثم رواه البخاري عن إبراهيم بن المنذر ،عن أنس بن عياض ،عن عبيد الله
-وهو ابن عمر -العمري -به وقال :فصلى عليه ،وصلينا معه ،وأنزل الله :
َ َ
دا { الية. ت أب َ ًما َ م َ من ْهُ ْ ل عََلى أ َ
حد ٍ ِ ص ّ } َول ت ُ َ
وهكذا رواه المام أحمد ،عن يحيى بن سعيد القطان ،عن عبيد الله ،به )
(3
وقد ُروي من حديث عمَر بن الخطاب نفسه أيضا بنحو من هذا ،فقال المام
أحمد :
حدثنا يعقوب ،حدثنا أبي ،عن ابن إسحاق ،حدثني الزهري ،عن عبيد الله
بن عبد الله ،عن ابن عباس قال :سمعت عمَر بن الخطاب ،رضي الله
عنه .يقول لما ُتوفي عبد الله بن ]أبي دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم
ت حتى قمت في للصلة عليه ،فقام إليه ،فلما وقف عليه يريد الصلة تحول ُ
صدره ،فقلت :يا رسول الله ،أعلى عَد ُوّ الله عبد الله بن[ ) (4أبي القائل
دد أيامه -قال :ورسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كذا :كذا وكذا -ي ُعَ ّ
ت، خّيرت فاختر ُ خر عني يا عمر ،إني ُ يتبسم ،حتى إذا أكثرت عليه قال " :أ ّ
مّرةً َ َ قد قيل لي } :استغْفر ل َه َ
ن َسب ِْعي َ
م َ فْر لهُ ْست َغْ ِن تَ ْ م إِ ْ فْر لهُ ْ
ست َغْ ِم أوْ ل ت َ ْ ْ َ ِ ْ ُ ْ
غفر م { ]التوبة [80 :لو أعلم أنى إن زدت على السبعين ُ ه ل َهُ ْ فَر الل ّ ُ فَل َ ْ
ن ي َغْ ِ
له لزدت" .قال :ثم صلى عليه ،ومشى معه ،وقام على قبره حتى ُفرغ منه
ب لي وجراءتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،والله ج ٌ -قال :فَعَ َ
ورسوله أعلم! قال :فوالله ما كان إل يسيًرا حتى نزلت هاتان اليتان َ } :ول
َ َ
ه فُروا ِبالل ّهِ وََر ُ
سول ِ ِ م كَ َ م عََلى قَب ْرِهِ إ ِن ّهُ ْ ق ْ دا َول ت َ ُ
ت أب َ ً
ما َ م َ من ْهُ ْحد ٍ ِ ل عََلى أ َ ص ّتُ َ
ن{ قو َ س ُم َفا ِ ماُتوا وَهُ ْ وَ َ
__________
) (1زيادة من ت ،ك ،أ ،والبخاري.
) (2صحيح البخاري برقم ) (4670وصحيح مسلم برقم ).(2774
) (3صحيح البخاري برقم ) (4672والمسند ).(2/18
) (4زيادة من ت ،ك ،أ ،والمسند.
) (4/193
فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق ،ول قام على
قبره ،حتى قبضه الله ،عز وجل.
وهكذا رواه الترمذي في "التفسير" من حديث محمد بن إسحاق ،عن
كير ،الزهري ،به ) (1وقال :حسن صحيح .ورواه البخاري عن يحيى بن ب ُ َ
خر عني يا قيل ،عن الزهري ،به ،فذكر مثله وقال " :أ ّ عن الليث ،عن عُ َ
ت ،ولو أعلم أنى إن زدت خّيرت فاختر ُ عمر" .فلما أكثرت عليه قال " :إّني ُ
فر ) (2له لزدت عليها" .قال :فصلى عليه رسول الله صلى على السبعين ي ُغْ َ
الله عليه وسلم ثم انصرف ،فلم يلبث إل يسيرا حتى نزلت اليتان من براءة
َ َ
ت بعد م عََلى قَب ْرِهِ { الية ،فعجب ُق ْ
دا َول ت َ ُت أب َ ًما َ
م َمن ْهُ ْ ل عََلى أ َ
حد ٍ ِ ص ّ
َ } :ول ت ُ َ
جْرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ورسول الله صلى الله من ُ
عليه وسلم أعلم(3) .
وقال المام أحمد :حدثنا محمد بن أبي عَُبيد ،حدثنا عبد الملك ،عن أبي
ي صلى الله ي ،أتى ابنه النب ّ
الزبير ،عن جابر قال :لما مات عبد الله بن أب ّ
عليه وسلم فقال :يا رسول الله ،إنك إن لم تأته لم نزل ن ُعَّير بهذا .فأتاه
النبي صلى الله عليه وسلم ،فوجده قد أدخل في حفرته ،فقال :أفل قبل
فل عليه من قرنه إلى قدمه ،وألبسه حفرته ،وت َ َ ج من ُ أن تدخلوه! َفأخر َ
قميصه.
ورواه النسائي ،عن أبي داود الحراني ،عن يعلى بن عبيد ،عن عبد الملك -
وهو ابن أبي سليمان به )(4
وقال البخاري :حدثنا عبد الله بن عثمان ،أخبرنا ابن عَُيينة ،عن عمرو ،
ي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن سمع جابر بن عبد الله قال :أتى النب ّ
ي بعد ما أدخل في قبره ،فأمر به فأخرج ،ووضع على ركبتيه ،ونفث عليه أب ّ
من ريقه ،وألبسه قميصه ،والله أعلم )(5
وقد رواه أيضا في غير موضع مع مسلم والنسائي ،من غير وجه ،عن
سفيان بن عيينة ،به )(6
وقال المام أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار في مسنده :حدثنا
عمرو بن علي ،حدثنا يحيى ،حدثنا مجالد ،حدثنا عامر ،حدثنا جابر)ح(
وحدثنا يوسف بن موسى ،حدثنا عبد الرحمن بن مغراء الدوسي ،حدثنا
مجالد ،عن الشعبي ،عن جابر قال :لما مات رأس المنافقين -قال يحيى
بن سعيد :بالمدينة -فأوصى أن يصلي عليه النبي ) (7صلى الله عليه وسلم
،فجاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
__________
) (1المسند ) (1/16وسنن الترمذي برقم ).(3097
) (2في ك " :لغفر".
) (3صحيح البخاري برقم ).(4671
) (4المسند ) (3/371والنسائي في السنن الكبرى برقم ).(9665
) (5صحيح البخاري برقم ).(5795
) (6صحيح البخاري برقم ) (3008 ، 1350 ، 1270وصحيح مسلم برقم )
(2773وسنن النسائي ).(38 ، 4/37
) (7في ت " :رسول الله".
) (4/194
إن أبي أوصى أن يكفن في قميصك -وهذا الكلم في حديث عبد الرحمن بن
مغراء -قال يحيى في حديثه :فصلى عليه ،وألبسه قميصه ،فأنزل الله
م عََلى قَب ْرِهِ { وزاد عبد َ َ
ق ْ
دا َول ت َ ُ ت أب َ ً ما َ م َ من ْهُ ْ ل عََلى أ َ
حد ٍ ِ ص ّ تعالى َ } :ول ت ُ َ
الرحمن :وخلع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه ،فأعطاه إياه ،ومشى
فصلى عليه ،وقام على قبره ،فأتاه جبريل ،عليه السلم ،لما ولى قال } :
م عََلى قَب ْرِهِ { ) (1وهذا إسناد ل َ َ
ق ْ
دا َول ت َ ُ ت أب َ ً ما َ م َ من ْهُ ْ
حد ٍ ِ ل عََلى أ َ ص ّ َول ت ُ َ
بأس به ،وما قبله شاهد له.
وقال المام أبو جعفر الطبري :حدثنا ]أحمد بن إسحاق ،حدثنا[ ) (2أبو
أحمد ،حدثنا حماد بن سلمة ،عن يزيد الرقاشي ،عن أنس :أن رسول الله
ي ،فأخذ جبريل صلى الله عليه وسلم أراد أن يصلي على عبد الله بن أب ّ
م عََلى قَب ْرِهِ { َ َ
ق ْ
دا َول ت َ ُ ت أب َ ً ما َ م َ من ْهُ ْحد ٍ ِ ل عََلى أ َ ص ّ بثوبه وقال َ } :ول ت ُ َ
ورواه الحافظ أبو يعلى في مسنده ،من حديث يزيد الرقاشي ) (3وهو
ضعيف.
ي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قتادة :أرسل عبد الله بن أب ّ
وهو مريض ،فلما دخل عليه قال له النبي صلى الله عليه وسلم " :أهلكك
ت إليك لتستغفر لي ،ولم أرسل ب يهود" .قال :يا رسول الله ،إنما أرسل ُ ح ّ
إليك لتؤنبني! ثم سأله عبد الله أن يعطيه قميصه أن يكفن فيه أباه ،فأعطاه
ل عََلىص ّ إياه ،وصلى عليه ،وقام على قبره ،فأنزل الله ،عز وجل َ } :ول ت ُ َ
م عََلى قَب ْرِهِ { َ َ
ق ْ دا َول ت َ ُ ت أب َ ً ما َم َمن ْهُ ْ
حد ٍ ِأ َ
ي لما قدم ُ
وقد ذكر بعض السلف أنه إنما ألبسه قميصه ؛ لن عبد الله بن أب ّ
ي؛ ُ العباس ُ
جد على تفصيله إل ثوب عبد الله بن أب ّ طلب له قميص ،فلم ُيو َ
ما طويل ففعل ذلك به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لنه كان ضخ ً
مكافأة له ،فالله أعلم ،ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد
نزول هذه الية الكريمة عليه ل يصلي على أحد من المنافقين ،ول يقوم
على قبره ،كما قال المام أحمد :
حدثنا يعقوب ،حدثنا أبي ،عن أبيه ،حدثني عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه
قال :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعي لجنازة سأل عنها ،فإن
أثني عليها خيًرا قام فصلى عليها ،وإن أثني عليها غير ذلك قال لهلها :
"شأنكم بها" ،ولم يصل عليها )(4
جِهل حاله ،حتى يصلي عليها وكان عمر بن الخطاب ل يصلي على جنازة من ُ
حذيفة بن اليمان ؛ لنه كان يعلم أعيان منافقين قد أخبره ) (5بهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا كان يقال له " :صاحب السر" الذي ل
يعلمه غيره أي من الصحابة.
__________
) (1ورواه ابن ماجه في السنن برقم ) (1524من طريق يحيى بن سعيد عن
مجالد به نحوه.
) (2زيادة من ت ،أ ،والطبري.
) (3تفسير الطبري ) (14/407ومسند أبي يعلى ).(7/145
) (4المسند ).(5/299
) (5في أ " :أعلمه".
) (4/195
مر أنه أراد أن يصلي على وقال أبو عَُبيد في كتاب "الغريب" ،في حديث عُ َ
صده عن الصلة عليها ،ثم حكي حذيفة ،كأنه أراد أن ي َ ُ جنازة رجل َ ،فمَرَزه ُ
قْرص بأطراف الصابع. عن بعضهم أن "المرز" بلغة أهل اليمامة هو :ال َ
ولما نهى الله ،عز وجل ،عن الصلة على المنافقين والقيام على قبورهم
قُربات في حق المؤمنين ،فشرع للستغفار لهم ،كان هذا الصنيعُ من أكبر ال ُ
ذلك .وفي فعله الجر الجزيل ،لما ) (1ثبت في الصحاح وغيرها من حديث
أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :من شهد الجنازة
حتى يصّلي عليها فله قيراط ،ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان" .قيل :
وما القيراطان ؟ قال " :أصغرهما مثل أحد" )(2
وأما القيام عند قبر المؤمن إذا مات فقد قال أبو داود :حدثنا إبراهيم بن
موسى الرازي ،أخبرنا هشام ،عن عبد الله بن َبحير ،عن هانئ -وهو أبو
سعيد البربري ،مولى عثمان بن عفان -عن عثمان ،رضي الله عنه ،قال :
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الرجل وقف عليه وقال :
"استغفروا لخيكم ،واسألوا له التثبيت ،فإنه الن يسأل".
انفرد بإخراجه أبو داود ،رحمه الله )(3
َ َ } ول تعجب َ َ
ق ن ي ُعَذ ّب َهُ ْ
م ب َِها ِفي الد ّن َْيا وَت َْزهَ َ هأ ْ ريد ُ الل ّ ُ
ما ي ُ ِ
م إ ِن ّ َ
م وَأْولد ُهُ ْوال ُهُ ْ م َ كأ ْ َ ُْ ِ ْ
ن ){ (85 ُ َرو ِ ف َ
كا م
م وَ ْ
ُ ه سهُ ْ أ َن ْ ُ
ف ُ
قد تقدم تفسير نظير هذه الية الكريمة ) (4ولله الحمد.
} وإَذا ُأنزل َت سورة ٌ أ َن آمنوا بالل ّه وجاهدوا مع رسول ِه استأ ْذ َن َ ُ
ك أوُلو الط ّوْ ِ
ل َ َ َ ُ ِ ْ َ َ ْ ِ ُ ِ ِ َ َ ِ ُ ْ ُ َ َِ
ن ){ (86 دي َ
ع ِ
قا ِ ْ
معَ ال َ
ن َ ُ ُ َ
م وَقالوا ذ َْرَنا ن َك ْ
من ْهُ ْ
ِ
__________
) (1في ت ،أ " :كما".
) (2رواه البخاري في صحيحه برقم ) (1325ومسلم في صحيحه برقم )
.(945
) (3سنن أبي داود برقم ).(3221
) (4انظر تفسير الية 55 :من هذه السورة.
) (4/196
م َل ي َ ْ َ
ن )(87 قُهو َف َ م فَهُ ْ ف وَط ُب ِعَ عََلى قُُلوب ِهِ ْوال ِ ِخ َمعَ ال ْ َ
كوُنوا َن يَ ُ ضوا ب ِأ ْ َر ُ
َ
ن ){ (87 قُهو َ
ف َ
م ل يَ ْ م فَهُ ْف وَط ُب ِعَ عََلى قُُلوب ِهِ ْ وال ِ ِ
خ َمعَ ال ْ َ ن يَ ُ
كوُنوا َ ضوا ب ِأ ْ } َر ُ
ما للمتخلفين عن الجهاد ،الناكلين عنه مع القدرة عليه يقول تعالى منكًرا وذا ً
ول ،واستأذنوا الرسول في القعود ،وقالوا } :ذ َْرَنا ،ووجود السعة والط ّ ْ
ن { ورضوا لنفسهم بالعار والقعود في البلد مع النساء ، دي َ
ع ِ
قا ِمعَ ال ْ َ ن َ ن َك ُ ْ
وهن الخوالف ،بعد خروج الجيش ،فإذا وقع الحرب كانوا أجبن الناس ،وإذا
ما ،كما قال ]الله[ ) (1تعالى ،عنهم في الية َ
ن كانوا أكثر الناس كل ً م ٌكان أ ْ
الخرى :
__________
) (1زيادة من ت.
) (4/196
) (4/197
نقو َ ما ي ُن ْفِ ُ ن َ دو َ ج ُ ن َل ي َ ِ ذي َ ضى وََل عََلى ال ّ ِ مْر َ فاِء وََل عََلى ال ْ َ ضعَ َ س عََلى ال ّ ل َي ْ َ
م)
حي ٌفوٌر َر ِ ه غَ ُ ل َوالل ّ ُ سِبي ٍ ن َ م ْ ن ِ سِني َ ح ِ م ْما عََلى ال ْ ُ سول ِهِ َ حوا ل ِل ّهِ وََر ُ ص ُج إ َِذا ن َ َ حَر ٌ َ
ّ َ ُ ُ َ َ َ ْ ُ َ َ َ ّ َ َ
وا
م عَلي ْهِ ت َوَل ْ مل ك ْ ح ِ ما أ ْ جد ُ َ تلأ ِ م قل َ ملهُ ْ ح ِ ما أت َوْك ل ِت َ ْ ن إ َِذا َذي َ (91وَل عَلى ال ِ
َ
سِبيل عَلى ُ ّ َ َ
ما ال ّ ن ) (92إ ِن ّ َ قو َ ما ي ُن ْفِ ُ دوا َ ج ُ حَزًنا أل ي َ ِ مِع َ ن الد ّ ْ َ م
ض ِ ُ في م تَ ِ
وَأعْي ُن ُهُ ْ
ه عََلى َ ك وهُ َ ْ
ف وَط َب َعَ الل ّ ُ وال ِ ِ معَ ال ْ َ
خ َ كوُنوا َ ن يَ ُ ضوا ب ِأ ْ م أغْن َِياُء َر ُ ست َأذُِنون َ َ َ ْ ن يَ ْ ذي َ ال ّ ِ
ن )(93 مو َم َل ي َعْل َ ُ م فَهُ ْ قُُلوب ِهِ ْ
معْذ َُرون" بالتخفيف ، جاءَ ال ُقال الضحاك ،عن ابن عباس :إنه كان يقرأ " :وَ َ
ويقول :هم أهل العذر.
ميد ،عن مجاهد سواء. ح َ
وكذا روى ابن عيينة ،عن ُ
خفاف بن إيماء بن فر من بني غفار منهم ُ : قال ابن إسحاق :وبلغني أنهم ن َ َ
حضة. َر َ
ن ذيّ لا
َ َ َ ِ َد عَ قو } : هذا بعد قال لنه ؛ الية معنى في الظهر هو القول وهذا
ه { أي :لم يأتوا فيعتذروا. سول َ ُه وََر ُ ك َذ َُبوا الل ّ َ
ب { قال :نفر من ن العَْرا ِ م َ ن ِ جاَء ال ْ ُ
معَذ ُّرو َ جَرْيج عن مجاهد } :وَ َ وقال ابن ُ
بني غفار ،جاءوا فاعتذروا فلم ُيعذْرهم الله .وكذا قال الحسن ،وقتادة ،
ومحمد بن إسحاق ،والقول الول أظهر ) (1والله أعلم ،لما قدمنا من قوله
ه { أي :وقعد آخرون من العراب سول َ ُ
ه وََر ُ ن ك َذ َُبوا الل ّ َ بعده } :وَقَعَد َ ال ّ ِ
ذي َ
نذي َ ب ال ّ ِ صي ُ سي ُ ِ عن المجيء للعتذار ،ثم أوعدهم بالعذاب الليم ،فقال َ } :
م{ َ م عَ َ كَ َ
ب أِلي ٌ ذا ٌ من ْهُ ْ فُروا ِ
نقو َ ما ي ُن ْفِ ُ ن َ دو َ ج ُن ل يَ ِ ذي َ ضى َول عََلى ال ّ ِ مْر َ فاِء َول عََلى ال ْ َ ضعَ َ س عََلى ال ّ } ل َي ْ َ
م) حي ٌ فوٌر َر ِ ه غَ ُ ل َوالل ّ ُ سِبي ٍ ن َ م ْ ن ِ سِني َ ح ِ م ْ ما عََلى ال ْ ُ سول ِهِ َ حوا ل ِل ّهِ وََر ُ ص ُج إ َِذا ن َ َ حَر ٌ َ
م عَل َي ْهِ ت َوَل ّْ
وا مل ُك ُْ ح َ أ ما د ج َ أ ل ت ْ لُ ق م ه َ ل م ح ت ل كَ و تَ أ ما ذاَ إ ن ذي ّ لا لى َ َ ع ول ( 91
ِ ُ َ ْ ِ َ َِ ْ ِ ُ ْ َ َ ْ ِ َ َ
ل عََلى سِبي ُ ال ما نإ ( 92 ) ن قو ُ ف ن ي ما دوا ج ي أل وأ َعْينهم تفيض من ال ِدمع حزنا َ
ّ ِّ َ َ َ ُْ ِ َ ِ ُ ّ ْ َ َ ً َ ُُُ ْ َ ِ ُ ِ
ه عََلى ف وَط َب َعَ الل ُّ ْ ك َوهم أ َغِْنياُء رضوا بأ َ ْ
َ ِ ِ لوا خ
َ لا ع
َ َم نوا ُ كو ُ ي
ِ ْ َ ن َ َ ُ ِ ست َأذُِنون َ َ َ ْ
ُ ن يَ ْ ذي َال ّ ِ
ن ){ (93 مو َ م ل ي َعْل َ ُ م فَهُ ْ قُُلوب ِهِ ْ
حَرج على من قعد فيها عن القتال ،فذكر منها ثم بين تعالى العذار التي ل َ
ما هو لزم للشخص ل ينفك عنه ،وهو الضعف في التركيب الذي ل يستطيع
معه الجلد في الجهاد ،ومنه العمى والعََرج ونحوهما ،ولهذا بدأ به .ما هو
ن له في بدنه ،شغله عن الخروج في سبيل الله ،أو عارض بسبب مرض عَ ّ
حَرج إذا بسبب فقره ) (2ل يقدر على التجهز للحرب ،فليس على هؤلء َ
قعدوا ونصحوا في حال قعودهم ،ولم يرجفوا بالناس ،ولم ي ُث َّبطوهم ،وهم
ل َوالل ّ ُ
ه سِبي ٍ ن َ م ْ ن ِ سِني َ ح ِ م ْ ما عََلى ال ْ ُ محسنون في حالهم هذا ؛ ولهذا قال َ } :
م{ حي ٌ فوٌر َر ِ غَ ُ
وقال سفيان الثوري ،عن عبد العزيز بن رفيع ،عن أبي ثمامة ،رضي الله
عنه ،قال :قال الحواريون :يا روح الله ،أخبرنا عن الناصح لله ؟ قال :
الذي ُيؤِثر حق الله على حق الناس ،وإذا حدث له أمران -أو :بدا له أمر
الدنيا وأمر الخرة -بدأ بالذي للخرة ثم تفرغ للذي للدنيا.
__________
) (1في أ " :أولى".
) (2في ت ،أ " :فقر".
) (4/198
وقال الوزاعي :خرج الناس إلى الستسقاء ،فقام فيهم بلل بن سعد ،
فحمد الله وأثنى عليه ،ثم قال :يا معشر من حضر :ألستم مقرين بالساءة
نسِني َح ِ ما عََلى ال ْ ُ
م ْ ؟ قالوا :اللهم نعم .فقال :اللهم ،إنا نسمعك تقول َ } :
قنا .ورفع يديه ل { اللهم ،وقد أقررنا بالساءة فاغفر لنا وارحمنا واس ِ سِبي ٍ
ن َ
م ْ
ِ
سقوا. ُ َ ف أيديهم ورفعوا
وقال قتادة :نزلت هذه الية في عائذ بن عمرو المزني.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا هشام بن عبيد الله الرازي ،حدثنا ابن
جابر ،عن ابن فروة ،عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ،عن زيد بن ثابت قال :
ب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،فكنت أكتب "براءة" فإني كنت أكت ُ
لواضعُ القلم على أذني إذ أمْرنا بالقتال ،فجعل رسول الله صلى الله عليه
وسلم ينظر ما ينزل عليه ،إذا جاء أعمى فقال :كيف بي يا رسول الله وأنا
ضى { الية )(2 مْر َفاِء َول عََلى ال ْ َ س عََلى ال ّ
ضعَ َ أعمى ؟ فأنزل الله ) } (1ل َي ْ َ
وقال العوفي ،عن ابن عباس في هذه الية :وذلك أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أمَر الناس أن ينبعثوا غازين معه ،فجاءته عصابة من أصحابه ،
فل المزني ) (3فقالوا :يا رسول الله ،احملنا .فقال مغَ ّ
فيهم عبد الله بن ُ
لهم " :والله ل ) (4أجد ما أحملكم عليه" .فتولوا ولهم بكاء ،وعّز عليهم أن
صهم على يجلسوا عن الجهاد ،ول يجدون نفقة ول محمل .فلما رأى الله حْر َ
فاءِ س عََلى ال ّ
ضعَ َ محبته ومحبة رسوله أنزل عذرهم في كتابه ،فقال } :ل َي ْ َ
ج { إلى قوله تعالى حَر ٌ ن َ قو َ ما ي ُن ْفِ ُ
ن َ دو َج ُ ن ل يَ ِ ضى َول عََلى ال ّ ِ
ذي َ مْر َ َول عََلى ال ْ َ
ن {. م ل ي َعْل َ ُ
مو َ } :فَهُ ْ
َ
م { نزلت في مل َهُ ْح ِ
ك ل ِت َ ْما أت َوْ َ ن إ َِذا َذي َوقال مجاهد في قوله َ } :ول عََلى ال ّ ِ
بني مقرن من مزينة.
وقال محمد بن كعب :كانوا سبعة نفر ،من بني عمرو بن عوف :سالم بن
مْير ) - (5ومن بني واقف :هََرمي ) (6بن عمرو -ومن بني مازن بن عُ َ
مَعلى ] :سلمان النجار :عبد الرحمن بن كعب ،ويكنى أبا ليلى -ومن بني ال ُ
بن صخر -ومن بني حارثة :عبد الرحمن بن يزيد ،أبو عبلة ،وهو الذي
سِلمة :عمرو بن عََنمة )(8 تصدق بعرضه فقبله الله منه[ ) (7ومن بني َ
وعبد الله بن عمرو المزني.
وقال محمد بن إسحاق في سياق غزوة تبوك :ثم إن رجال من المسلمين
أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
__________
) (1في ت ،أ " :فنزلت".
) (2ورواه الدارقطني في الفراد كما في الطراف لبن طاهر )ق (134
وقال " :غريب من حديث أبي فروة -مسلم بن سالم عنه -أي ابن أبي ليلى
-عن زيد ،تفرد به محمد بن جابر عنه ،وهو غريب من حديث ابن أبي ليلى
ل يعلم حدث به عنه غير أبي فروة".
) (3في ت ،ك ،أ " :عبد الله بن معقل بن مقرن".
) (4في ت ،ك " :ما".
) (5في ك " :عوف".
) (6في جميع النسخ " :حرمى" والتصويب من أسد الغابة والصابة.
) (7زيادة من ت ،ك ،والطبري ،وفي هـ " :فضل الله".
) (8في ك " :عنزة".
) (4/199
وهم البكاءون ،وهم سبعة نفر من النصار وغيرهم ،من بني عمرو بن عوف
مير ) (1وعلبة بن زيد أخو بني حارثة ،وأبو ليلى عبد الرحمن :سالم بن عُ َ
بن كعب ،أخو بني مازن بن النجار ،وعمرو بن الحمام بن الجموح ،أخو بني
فل المزني ؛ وبعض الناس يقول :بل هو عبد الله مغَ ّ
سِلمة ،وعبد الله بن ال ُ َ
عْرباض ) (2بن ي بن عبد الله ،أخو بني واقف ،و ِ َ ّرم َ هو ، المزني عمرو بن
سارية الفزاري ،فاستحملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وكانوا أهل
حاجة ،فقال :ل أجد ما أحملكم عليه فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا
أل يجدوا ما ينفقون )(3
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا عمر بن الودي ،حدثنا َوكيع ،عن الربيع ،عن
الحسن قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :لقد خلفتم بالمدينة
أقواما ،ما أنفقتم من نفقة ،ول قطعتم واديا ،ول نلتم من عدو نيل إل وقد
تل م قُل ْ َ
مل َهُ ْ
ح ِ
ك ل ِت َ ْما أ َت َوْ َ
ن إ َِذا َ شركوكم في الجر" ،ثم قرأ َ } :ول عََلى ال ّ ِ
ذي َ َ
َ
م عَلي ْهِ { الية. ُ ُ َ َ
مل ك ْح ِ
ما أ ْ
جد ُ َ
أ ِ
وأصل هذا الحديث في الصحيحين من حديث ) (4أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال " :إن بالمدينة أقواما ما قطعتم واديا ،ول سرتم ]مسيًرا[ )
(5إل وهم معكم" .قالوا :وهم بالمدينة ؟ قال " :نعم ،حبسهم العذر" )(6
كيع ،حدثنا العمش ،عن أبي سفيان ،عن جابر وقال المام أحمد :حدثنا وَ ِ
قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :لقد خلفتم بالمدينة رجال )(7
شركوكم في الجر ،حبسهم المرض". قا إل َ
ما قطعتم وادًيا ،ول سلكتم طري ً
ورواه مسلم ،وابن ماجه ،من طرق ،عن العمش ،به )(8
ثم رد تعالى الملمة على الذين يستأذنون في القعود وهم أغنياء ،وأن َّبهم في
ه عََلىرضاهم بأن يكونوا مع النساء الخوالف في الرحال } ،وَط َب َعَ الل ّ ُ
ن {.مو َم ل ي َعْل َ ُ
م فَهُ ْقُُلوب ِهِ ْ
__________
) (1في أ " :عوف".
) (2في جميع النسخ " :عياض" والتصويب من ابن هشام .مستفاد من
هامش ط .الشعب.
) (3السيرة النبوية لبن هشام ).(2/518
) (4بعدها بياض في جميع النسخ قدر كلمة.
) (5زيادة من أ ،ومسلم.
) (6صحيح البخاري برقم ) (2839من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه
وصحيح مسلم برقم ) (1911من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
) (7في ت ،أ " :أقواما".
) (8المسند ) (3/300وصحيح مسلم برقم ) (1911وسنن ابن ماجه برقم )
.(2765
) (4/200
َ
ن
م ْه ِ م قَد ْ ن َب ّأَنا الل ّ ُ ن ل َك ُ ْ م َن ن ُؤْ ِ ل َل ت َعْت َذُِروا ل َ ْ م قُ ْ م إ ِل َي ْهِ ْ جعْت ُ ْم إ َِذا َر َ ن إ ِل َي ْك ُ ْ ي َعْت َذُِرو َ
ة
شَهاد َ ِ ب َوال ّ ْ
عال ِم ِ الغَي ْ ِ ن إ ِلى َ َ م ت َُرّدو َ ه ثُ ّ ُ
سول ُ م وََر ُ ُ
ملك ْ َ ه عَ َ ّ
سي ََرى الل ُ م وَ َ خَبارِك ُ ْ أَ ْ
ضوا
م ل ِت ُعْرِ ُ م إ ِل َي ْهِ ْقل َب ْت ُ ْ م إ َِذا ان ْ َ ن ِبالل ّهِ ل َك ُ ْ فو َ حل ِ ُ سي َ ْن )َ (94 مُلو َ م ت َعْ َما ك ُن ْت ُ ْ م بِ َ فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ
ْ َ
ن) سُبو َ كاُنوا ي َك ْ ِ ما َ جَزاًء ب ِ َ م َ جهَن ّ ُ
م َ مأَواهُ ْ س وَ َ ج ٌ م رِ ْ م إ ِن ّهُ ْضوا عَن ْهُ ْ م فَأعْرِ ُ عَن ْهُ ْ
ن َ ّ َ َ ُ َ
ضى عَ ِ ه ل ي َْر َ ن الل َ م فإ ِ ّ وا عَن ْهُ ْض ْ ن ت َْر َ م فإ ِ ْ وا عَن ْهُ ْ ض ْ م ل ِت َْر َ ن لك ْ فو َ حل ِ ُ (95ي َ ْ
ن )(96 قي َ س ِ فا ِ ْ
قوْم ِ ال َ ال ْ َ
َ
م قَد ْ ن َب ّأَنا الل ّ ُ
ه ن ل َك ُ ْ م َ ن ن ُؤْ ِ ل ل ت َعْت َذُِروا ل َ ْ م قُ ْ م إ ِل َي ْهِ ْجعْت ُ ْ م إ َِذا َر َ ن إ ِل َي ْك ُ ْ } ي َعْت َذُِرو َ
ب ْ
عال ِم ِ الغَي ْ ِ ن إ ِلى َ َ م ت َُرّدو َ ه ثُ ّ ُ
سول ُ م وََر ُ ُ
ملك ْ َ ه عَ َ ّ
سي ََرى الل ُ م وَ َ ُ
خَبارِك ْ ن أَ ْ م ْ ِ
م َ
قلب ْت ُ ْ م إ َِذا ان ْ َ ُ َ ّ
ن ِباللهِ لك ْ فو َ حل ِ ُ
سي َ ْ ن )َ (94 ملو َ ُ م ت َعْ َ ُ
ما كن ْت ُ ْ م بِ َ ُ
شَهاد َةِ فَي ُن َب ّئ ُك ْ َوال ّ
ْ َ
َ
ما كاُنوا جَزاًء ب ِ َ م َ جهَن ّ ُ م َ مأَواهُ ْ س وَ َ ج ٌ م رِ ْ م إ ِن ّهُ ْ
ضوا عَن ْهُ ْ م فَأعْرِ ُ ضوا عَن ْهُ ْ م ل ِت ُعْرِ ُ إ ِل َي ْهِ ْ
ضى ه ل ي َْر َ ن الل ّ َ م فَإ ِ ّ وا عَن ْهُ ْ ض ْ ن ت َْر َ م فَإ ِ ْ وا عَن ْهُ ْ ض ْم ل ِت َْر َ ن ل َك ُ ْ فو َ حل ِ ُ ن ) (95ي َ ْ سُبو َ ي َك ْ ِ
ن ){ (96 قي َ س ِ فا ِ قوْم ِ ال ْ َ ن ال ْ َ عَ ِ
) (4/200
ه
سول ِ ِ ه عََلى َر ُ ما أ َن َْز َ
ل الل ّ ُ دود َ َ
ح ُموا ُ
َ
جد َُر أّل ي َعْل َ ُ
َ
فاًقا وَأ ْ فًرا وَن ِ َشد ّ ك ُ ْب أَ َ اْل َعَْرا ُ
َ
ص ب ِك ُ ُ
م ما وَي َت ََرب ّ ُ
مغَْر ً فق ُ َ خذ ُ َ
ما ي ُن ْ ِ ن ي َت ّ ِ
م ْب َ ن اْلعَْرا ِ م َ
م ) (97وَ ِ كي ٌ ح ِ م َ ه عَِلي ٌ َوالل ّ ُ
َ
ن
م ُ ن ي ُؤْ ِم ْب َ ن اْلعَْرا ِ م َم ) (98وَ ِ ميعٌ عَِلي ٌ س ِه َ سوِْء َوالل ّ ُ م َدائ َِرةُ ال ّ الد َّوائ َِر عَل َي ْهِ ْ
ل أ ََل إ ِن َّها
سو ِ
ت الّر ُ صل َ َ
وا ِ عن ْد َ الل ّهِ وَ َت ِ فقُ قُُرَبا ٍ خذ ُ َ
ما ي ُن ْ ِ خرِ وَي َت ّ ِ ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل َ ِ
م )(99 حي ٌ فوٌر َر ِه غَ ُ ن الل ّ َمت ِهِ إ ِ ّ
ح َ
ه ِفي َر ْ م الل ّ ُ خل ُهُ ُسي ُد ْ ِ
م َ ة ل َهُ ْقُْرب َ ٌ
أخبر تعالى عن المنافقين بأنهم إذا رجعوا إلى المدينة أنهم يعتذرون إليهم ،
َ
نم ْه ِ م { أي :لن نصدقكم } ،قَد ْ ن َب ّأَنا الل ّ ُ ن ل َك ُ ْ م َ ن ن ُؤْ ِ ل ل ت َعْت َذُِروا ل َ ْ } قُ ْ
ه{ ُ
سول ُ م وََر ُ ملك ْ ُ َ ه عَ َ ّ
سي ََرى الل ُ م { أي :قد أعلمنا الله أحوالكم } ،وَ َ ُ
خَبارِك ْ أَ ْ
عال ِم ِ ال ْغَي ْ ِ
ب ن إ َِلى َ م ت َُرّدو َ أي :سيظهر أعمالكم للناس في الدنيا } ،ث ُ ّ
ن { ) (1أي :فيخبركم بأعمالكم ،خيرها مُلو َ م ت َعْ َ ما ك ُن ْت ُ ْ م بِ َ شَهاد َةِ فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ َوال ّ
وشرها ،ويجزيكم عليها.
ثم أخبر عنهم أنهم سيحلفون معتذرين لتعرضوا عنهم فل ت ُؤَن ُّبوهم ،
َ
خبثاء نجس بواطنهم س { أي ُ : ج ٌ م رِ ْ م { احتقارا لهم } ،إ ِن ّهُ ْ ضوا عَن ْهُ ْ } فَأعْرِ ُ
كاُنوا ما َ واعتقاداتهم } ،و ْ
جَزاًء ب ِ َ م { في آخرتهم } جهنم { } َ مأَواهُ ْ َ َ
ن { أي :من الثام والخطايا. سُبو َ ي َك ْ ِ
قوْم ِ ن ال ْ َ ضى عَ ِ ه ل ي َْر َ ن الل ّ َ وأخبر أنهم وإن رضوا عنهم بحلفهم ) (2لهم } ،فَإ ِ ّ
ن { أي :الخارجين عن طاعته وطاعة رسوله ،فإن الفسق هو قي َ س ِفا ِ ال ْ َ
جحرها للفساد ، ويسقة" لخروجها من ُ الخروج ،ومنه سميت الفأرة "فُ َ
ويقال " :فسقت الرطبة" :إذا خرجت من أكمامها )(3
َ ّ َ َ َ ب أَ َ
ه
سول ِ ِ ه عَلى َر ُ ل الل ُ ما أنز َ دود َ َ ح ُموا ُ جد َُر أل ي َعْل َ ُ فاًقا وَأ ْ فًرا وَن ِ َ شد ّ ك ُ ْ } العَْرا ُ
م ُ
ص ب ِك ُ ما وَي َت ََرب ّ ُ مغَْر ً فق ُ َ خذ ُ َ
ما ي ُن ْ ِ ن ي َت ّ ِ م ْ ب َ ن العَْرا ِ م َ م ) (97وَ ِ كي ٌ ح ِ م َ ه عَِلي ٌ َوالل ّ ُ
ن
م ُ ن ي ُؤْ ِ م ْ ب َ ن العَْرا ِ م َ م ) (98وَ ِ ميعٌ عَِلي ٌ س ِ ه َ سوِْء َوالل ّ ُ م َدائ َِرةُ ال ّ الد َّوائ َِر عَل َي ْهِ ْ
َ
ل أل إ ِن َّها سو ِ ت الّر ُ وا ِ صل َ َ عن ْد َ الل ّهِ وَ َ ت ِ فقُ قُُرَبا ٍ ما ي ُن ْ ِ خذ ُ َ خرِ وَي َت ّ ِ ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ
م ){ (99 حي ٌ فوٌر َر ِ ه غَ ُ ن الل ّ َ مت ِهِ إ ِ ّ ح َه ِفي َر ْ م الل ّ ُ خل ُهُ ُ سي ُد ْ ِ م َ ة ل َهُ ْ قُْرب َ ٌ
أخبر تعالى أن في العراب كفارا ومنافقين ومؤمنين ،وأن كفرهم ونفاقهم
أعظم من غيرهم وأشد ،وأجدر ،أي :أحرى أل يعلموا حدود ما أنزل الله
على رسوله ،كما قال العمش عن إبراهيم قال :جلس أعرابي إلى زيد بن
وحان وهو يحدث أصحابه ،وكانت يده قد أصيبت يوم نهاَوند ،فقال ص ْ َ
العرابي :والله إن حديثك ليعجبني ،وإن يدك لتريبني فقال زيد :ما ُيريبك
من يدي ؟ إنها الشمال .فقال العرابي :والله ما أدري ،اليمين يقطعون أو
فاًقا فًرا وَن ِ َ شد ّ ك ُ ْ ب أَ َ ل ؟ فقال زيد بن صوحان ) (4صدق الله } :العَْرا ُ الشما َ
سول ِهِ { َ ّ ما أنز َ َ َ َ َ
ه عَلى َر ُ ل الل ُ دود َ َ ح ُ موا ُ جد َُر أل ي َعْل ُ وَأ ْ
دي ،حدثنا سفيان ،عن أبي مهْ ِ وقال المام أحمد :حدثنا عبد الرحمن بن َ
موسى ،عن وهب
__________
) (1في أ " :ستردون" وهو خطأ.
) (2في أ " :بحلفانهم".
) (3في ت " :كمامها".
) (4في ك " :صوخان".
) (4/201
من َّبه ،عن ابن عباس ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " :من سكن بن ُ
البادية جفا ،ومن اتبع الصيد غ َ َ
فل ،ومن أتى السلطان افتتن".
ورواه أبو داود ،والترمذي ،والنسائي من طرق ،عن سفيان الثوري ،به )
(1وقال الترمذي :حسن غريب ،ل نعرفه إل من حديث الثوري.
ولما كانت الغلظة والجفاء في أهل البوادي لم يبعث الله منهم رسول وإنما
َ
ك ِإلن قَب ْل ِ َ سل َْنا ِ
م ْ ما أْر َ كانت البعثة من أهل القرى ،كما قال تعالى } :وَ َ
قَرى { ]يوسف [109 :ولما أهدى ذلك العرابي ل ال ْ ُ حي إل َيهم م َ
ن أهْ ِ ِ ِْ ْ ِ ْ جال ُنو ِ رِ َ
تلك الهدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرد ّ عليه أضعافها حتى رضي ،
قفي أو أنصاري ،أو قال " :لقد هممت أل أقبل هدية إل من ُقرشي ،أو ث َ َ
ي" ) (2؛ لن هؤلء كانوا يسكنون المدن :مكة ،والطائف ،والمدينة ، س ّ د َوْ ِ
واليمن ،فهم ألطف أخلًقا من العراب :لما في طباع العراب من الجفاء.
حديث ]العرابي[ ) (3في تقبيل الولد :قال مسلم :حدثنا أبو بكر بن أبي
مْير ،عن هشام ،عن أبيه ،عن شيبة وأبو ك َُرْيب قال حدثنا أبو أسامة وابن ن ُ َ
عائشة قالت :قدم ناس من العراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالوا :أتقّبلون صبيانكم ؟ قالوا :نعم .قالوا :ولكنا والله ما نقّبل .فقال
ك أن كان الله نزع منكم مل ُرسول الله صلى الله عليه وسلم َ" :وأ ْ
الرحمة ؟" .وقال ابن نمير " :من قلبك الرحمة" )(4
م { أي :عليم بمن يستحق أن يعلمه اليمان كي ٌ ح ِ م َ ه عَِلي ٌ وقوله َ } :والل ّ ُ
م { فيما قسم بين عباده من العلم والجهل واليمان والكفر كي ٌ ح ِ والعلم َ } ،
والنفاق ،ل يسأل عما يفعل ،لعلمه وحكمته.
ما {مغَْر ًفقُ { أي :في سبيل الله } َ ما ي ُن ْ ِ خذ ُ َ ن ي َت ّ ِ م ْ وأخبر تعالى أن منهم } َ
م الد َّوائ َِر { أي :ينتظر بكم )(5 ص ب ِك ُ ُ أي :غرامة وخسارة } ،وَي َت ََرب ّ ُ
سوِْء { أي :هي منعكسة عليهم والسوء م َدائ َِرةُ ال ّ الحوادث والفات } ،عَل َي ْهِ ْ
م { أي :سميع لدعاء عباده ،عليم بمن ميعٌ عَِلي ٌ س ِ ه َ دائر عليهم َ } ،والل ّ ُ
يستحق النصر ممن يستحق الخذلن.
فقُ قُُرَبا ٍ
ت خذ ُ َ
ما ي ُن ْ ِ خرِ وَي َت ّ ِ ْ ّ
ن ِباللهِ َوالي َوْم ِ ال ِ م ُن ي ُؤْ ِ م ْ ب َ ن العَْرا ِ م َ وقوله } :وَ ِ
ل { هذا هو القسم الممدوح من العراب ،وهم سو ِ ت الّر ُ وا ِ َ
صل َ عن ْد َ الل ّهِ وَ َ ِ
الذين يتخذون ما ينفقون في سبيل الله قربة يتقربون بها عند الله ،ويبتغون
م { أي :أل إن ذلك حاصل لهم ، بذلك دعاء الرسول لهم َ } ،أل إ ِن َّها قُْرب َ ٌ
ة ل َهُ ْ
م{ حي ٌفوٌر َر ِ ه غَ ُ ن الل ّ َ مت ِهِ إ ِ ّ ح َ ه ِفي َر ْ م الل ّ ُ خل ُهُ ُ
سي ُد ْ ِ
} َ
__________
) (1المسند ) (1/357وسنن أبي داود برقم ) (2859وسنن الترمذي برقم )
(2256وسنن النسائي ).(7/195
) (2رواه النسائي في السنن ) (6/279من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
) (3زيادة من ت ،ك ،أ.
) (4صحيح مسلم برقم ).(2317
) (5في ت ،ك ،أ " :لهم".
) (4/202
) (4/203
يخبر تعالى رسوله ،صلوات الله وسلمه عليه ،أن في أحياء العرب ممن
مَرُدوا عََلى
حول المدينة منافقين ،وفي أهل المدينة أيضا منافقون } َ
ق { أي :مرنوا واستمروا عليه :ومنه يقال :شيطان مريد ومارد ، فا ِ الن ّ َ
ويقال :تمرد فلن على الله ،أي :عتا وتجبر.
َ َ
م { ل ينافي قوله تعالى } :وَلوْ ن َشاُء مهُ ْ ن ن َعْل َ ُح ُ
م نَ ْ مهُ ْ وقوله } :ل ت َعْل َ ُ
ل { الية]محمد : ن ال ْ َ
قو ْ ِ ح ِم ِفي ل َ ْ
م وَل َت َعْرِفَن ّهُ ْ ماهُ ْ سي َم بِ ِ م فَل َعََرفْت َهُ ْ لَري َْناك َهُ ْ
[30؛ لن هذا من باب التوسم فيهم بصفات يعرفون بها ،ل أنه يعرف جميع
من عنده من أهل النفاق والريب على التعيين .وقد كان يعلم أن في بعض
من يخالطه من أهل المدينة نفاقا ،وإن كان يراه صباحا ومساء ،وشاهد هذا
بالصحة ما رواه المام أحمد في مسنده حيث قال :
حدثنا محمد بن جعفر ،حدثنا شعبة ،عن النعمان بن سالم ،عن رجل ،عن
جَبير بن مطعم ،رضي الله عنه ،قال :قلت :يا رسول الله ،إنهم يزعمون ُ
جحر ثعلب أنه ليس لنا أجر بمكة ،فقال :لتأتينكم أجوركم ولو كنتم في ُ
ي رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسه فقال " :إن في وأصغى إل ّ
أصحابي منافقين" )(1
ومعناه :أنه قد يبوح بعض المنافقين والمرجفين من الكلم بما ل صحة له ،
جَبير بن مطعم .وتقدم في تفسير در هذا الكلم الذي سمعه ُ ص َومن مثلهم َ
م ي ََنالوا { ]التوبة [74 :أنه عليه السلم ) (2أعلم ُ َ
ما ل ْ موا ب ِ َ قوله } :وَهَ ّ
قا ،وهذا تخصيص ل يقتضي ذيفة بأعيان أربعة عشر أو خمسة عشر مناف ً ح َ ُ
أنه اطلع على أسمائهم وأعيانهم كلهم ،والله أعلم.
وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة "أبي عمر البيروتي" من طريق هشام
بن عمار :حدثنا صدقة بن خالد ،حدثنا بن جابر ،حدثني شيخ بيروت يكنى
أبا عمر ،أظنه حدثني عن أبي الدرداء ؛ أن رجل يقال له "حرملة" أتى النبي
صلى الله عليه وسلم فقال :اليمان هاهنا -وأشار بيده إلى لسانه -والنفاق
هاهنا -وأشار بيده إلى قلبه ولم يذكر الله إل قليل .فقال رسول الله صلى
حّبي ،الله عليه وسلم " :اللهم اجعل له لسانا ذاكرا ،وقلبا شاكرا ،وارزقه ُ
صّير أمره إلى خير" .فقال :يا رسول الله ،إنه كان لي ب من يحبني ،و َ وح ّ
أصحاب من المنافقين وكنت رأسا فيهم ،أفل آتيك بهم ؟ قال " :من أتانا
استغفرنا له ،ومن أصر على دينه فالله أولى به ،ول تخرقن على أحد سترا"
)(3
قال :وكذا رواه أبو أحمد الحاكم ،عن أبي بكر الباغندي ،عن هشام بن
عمار ،به.
وقال عبد الرزاق :أخبرنا معمر ،عن قتادة في هذه الية أنه قال :ما بال
أقوام يتكلفون علم
__________
) (1المسند ).(4/83
) (2في أ " :صلى الله عليه وسلم".
) (3انظر :مختصر تاريخ دمشق لبن منظور ).(29/76
) (4/204
الناس ؟ فلن في الجنة وفلن في النار .فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال :
ل أدري! لعمري أنت بنفسك ) (1أعلم منك بأحوال الناس ،ولقد تكلفت
كاُنواما َ مي ب ِ َ عل ْ ِ
ما ِ ل وَ َ شيئا ما تكلفه النبياء قبلك .قال نبي الله نوح َ } :قا َ
ن خي ٌْر ل َك ُ ْ
م إِ ْ ة الل ّهِ َقي ّ ُن { ]الشعراء [112 :وقال نبي الله شعيب } :ب َ ِ مُلو َ
ي َعْ َ
َ
ظ { ]هود [86 :وقال الله لنبيه صلى الله في ٍ ح ِ م بِ َ ما أَنا عَل َي ْك ُ ْ ن وَ َ مؤ ْ ِ
مِني َ ك ُن ْت ُ ْ
م ُ
م { ).(2 مهُ ْ ن ن َعْل َ ُح ُ م نَ ْ مهُ ْ عليه وسلم } :ل ت َعْل َ ُ
وقال السدي ،عن أبي مالك ،عن ابن عباس في هذه الية قال :قام رسول
الله صلى الله عليه وسلم خطيبا يوم الجمعة فقال " :اخرج يا فلن ،فإنك
منافق ،واخرج يا فلن فإنك منافق" .فأخرج من المسجد ناسا منهم ،
فضحهم .فجاء عمر وهم يخرجون من المسجد فاختبأ منهم حياء أنه لم يشهد
الجمعة ) (3وظن أن الناس قد انصرفوا ،واختبئوا هم من عمر ،ظنوا أنه قد
علم بأمرهم .فجاء عمر فدخل المسجد فإذا الناس لم يصلوا ،فقال له رجل
من المسلمين :أبشر يا عمر ،قد ) (4فضح الله المنافقين اليوم .قال ابن
عباس :فهذا العذاب الول حين أخرجهم من المسجد ،والعذاب الثاني
عذاب القبر )(5
وكذا قال الثوري ،عن السدي ،عن أبي مالك نحو هذا.
ن { يعني :القتل والسباء ) (6وقال مّرت َي ْ ِ م َ سن ُعَذ ّب ُهُ ْ وقال مجاهد في قوله َ } :
ظيم ٍ {ب عَ ِ ذا ٍ َ
ن إ ِلى عَ َ م ي َُرّدو َ -في رواية -بالجوع ،وعذاب القبر } ،ث ُ ّ
وقال ابن جريج :عذاب الدنيا ،وعذاب القبر ،ثم يردون إلى عذاب النار.
وقال الحسن البصري :عذاب في الدنيا ،وعذاب في القبر )(7
وقال عبد الرحمن بن زيد :أما عذاب في الدنيا فالموال والولد ،وقرأ قول
ك أ َموال ُهم وأ َولدهُم إنما يريد الل ّ َ
ن ي ُعَذ ّب َهُ ْ
م ب َِها ِفي الد ّن َْيا هأ ْ ُ جب ْ َ ْ َ ُ ْ َ ْ ُ ْ ِ ّ َ ُ ِ ُ الله )َ } (8فل ت ُعْ ِ
{ ]التوبة [85 :فهذه المصائب لهم عذاب ،وهي للمؤمنين أجر ،وعذاب في
ظيم ٍ { قال :النار. ب عَ ِ ذا ٍ ن إ َِلى عَ َ م ي َُرّدو َ الخرة في النار } ث ُ ّ
ن { قال :هو -فيما بلغني -ما هم مّرت َي ْ ِ م َ سن ُعَذ ّب ُهُ ْ وقال محمد بن إسحاق َ } :
فيه من أمر السلم ،وما يدخل عليهم من غيظ ذلك على غير حسبة ،ثم
عذابهم في القبور إذا صاروا إليها ،ثم العذاب العظيم الذي يردون إليه ،
عذاب الخرة والخلد فيه.
ن { عذاب الدنيا ، مّرت َي ْ ِ م َسن ُعَذ ّب ُهُ ْ وقال سعيد ،عن قتادة في قوله َ } :
ظيم ٍ { ب عَ ِ ذا ٍ ن إ َِلى عَ َ م ي َُرّدو َ وعذاب القبر } ،ث ُ ّ
__________
) (1في جميع النسخ " :بنصيبك" والتصويب من الطبري .مستفاد من هامش
ط .الشعب.
) (2تفسير عبد الرزاق ).(1/253
) (3في أ" " :المسجد".
) (4في ت ،ك ،أ " :فقد".
) (5رواه الطبري في تفسيره ).(14/441
) (6في أ " :والسبي".
) (7في ت ،أ " :النار".
) (8في ت " :قوله" ،وفي أ " :قول الله تعالى".
) (4/205
) (4/206
صَلت َ َ خذ ْ م َ
سك َ ٌ
ن ك َ ن َ إِ ّ مل عَل َي ْهِ ْص ّ
م ب َِها وَ َكيهِ ْم وَت َُز ّ ة ت ُط َهُّرهُ ْصد َقَ ً م َ
وال ِهِ ْ
م َنأ ْ ُ ِ ْ
ّ َ َ َ َ ّ
عَبادِهِن ِ
ة عَ ْ الت ّوْب َ َ قب َلُه هُوَ ي َ ْن الل َ
موا أ ّ م ي َعْل ُ م ) (103أل ْ ميعٌ عَِلي ٌس ِ ه َ م َوالل ُل َهُ ْ
َ ْ
م )(104 حي ُب الّر ِ وا ُ ه هُوَ الت ّ ّ ن الل ّ َت وَأ ّ صد ََقا ِخذ ُ ال ّ وَي َأ ُ
خذ ْ م َ
سك َ ٌ
ن ك َ صلت َ َ ن َ م إِ ّ ل عَل َي ْهِ ْ ص ّ م ب َِها وَ َ كيهِ ْ م وَت َُز ّة ت ُط َهُّرهُ ْ صد َقَ ً م َ وال ِهِ ْ م َ نأ ْ } ُ ِ ْ
ّ َ َ َ َ
ه
عَبادِ ِن ِ ة عَ ْ ل الت ّوْب َ َقب َ ُ ه هُوَ ي َ ْن الل َ موا أ ّ م ي َعْل ُ م ) (103أل ْ ميعٌ عَِلي ٌ س ِ ه َ م َوالل ّ ُ ل َهُ ْ
َ ْ
م ){ (104 حي ُ ب الّر ِ وا ُ ه هُوَ الت ّ ّ ن الل ّ َ ت وَأ ّ صد ََقا ِ خذ ُ ال ّ وَي َأ ُ
خذ َ من أموالهم صدَقة أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يأ ُ
يطهرهم ويزكيهم بها ،وهذا عام وإن أعاد بعضهم الضمير في "أموالهم" إلى
حا وآخر سيئا ؛ ولهذا اعتقد بعض الذين اعترفوا بذنوبهم وخلطوا عمل صال ً
مانعي الزكاة من أحياء العرب أن دفع الزكاة إلى المام ل يكون ،وإنما كان
صا برسول الله ) (1صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا احتجوا بقوله هذا خا ً
َ
ن
م إِ ّ ل عَل َي ْهِ ْ ص ّ م ب َِها وَ َ م وَت َُز ّ
كيهِ ْ ة ت ُط َهُّرهُ ْ صد َقَ ً م َ وال ِهِ ْ م َنأ ْ م ْ خذ ْ ِ تعالى ُ } :
م { وقد َرد ّ عليهم هذا التأويل والفهم الفاسد الصديق أبو بكر ن ل َهُ ْ سك َ ٌ ك َ صلت َ َ َ
وسائر الصحابة ،وقاتلوهم حتى أدوا الزكاة إلى الخليفة ،كما كانوا ُيؤدونها
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،حتى قال الصديق :والله لو منعوني
عناًقا ُ -يؤّدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عقال -وفي رواية َ : ِ
لقاتلنهم على منعه(2) .
م { أي :ادع لهم واستغفر لهم ،كما رواه مسلم في ل عَل َي ْهِ ْ ص ّ وقوله } :وَ َ
صحيحه ،عن عبد الله بن أبي أوفى قال :كان رسول الله صلى الله عليه
صّلى عليهم ،فأتاه أبي بصدقته فقال " :اللهم ُ
ي بصدقة قوم َ وسلم إذا أت ِ َ
صل على آل أبي أوفى" ) (3وفي الحديث الخر :أن امرأة قالت :يا رسول َ
ي وعلى زوجي .فقال " :صلى الله عليك ،وعلى زوجك"(4) . الله ،صل عل ّ ّ
صلتك { :قرأ بعضهم " :صلواتك" على الجمع ،وآخرون ن َ وقوله } :إ ّ
ك { على الفراد. صلت َ َ قرءوا } :إ ِ ّ َ
ن
م { قال ابن عباس :رحمة لهم .وقال قتادة :وقار. ن ل َهُ ْ سك َ ٌ} َ
م { أي :بمن يستحق ذلك منك ميعٌ { أي :لدعائك } عَِلي ٌ س ِ ه َ وقوله َ } :والل ّ ُ
ومن هو أهل له.
مْيس ،عن أبي بكر بن عمرو بن كيع ،حدثنا أبو العُ َ قال المام أحمد :حدثنا وَ ِ
عتبة ،عن ابن لحذيفة ،عن أبيه ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا
دعا لرجل أصابته ،وأصابت ولده ،وولد ولده(5) .
سَعر ،عن أبي بكر بن عمرو بن عتبة ،عن ابن م ْثم رواه عن أبي ن َُعيم ،عن ِ
لحذيفة -قال مسعر :
__________
) (1في ك " :بالنبي".
) (2رواه البخاري في صحيحه برقم ) (7285 ، 7284بلفظ " :لو منعنوني
عقال" قال " :وقال ابن بكير وعبد الله عن الليث " :عناقا وهو أصح".
) (3صحيح مسلم برقم ) (1078والبخاري في صحيحه برقم ).(1497
) (4رواه أبو داود في السنن برقم ) (1533والنسائي في السنن الكبرى
برقم ) (10256من حديث جابر بن عبد الله ،رضي الله عنه.
) (5المسند ).(5/385
) (4/207
وقد ذكره مرة عن حذيفة : -إن صلة النبي صلى الله عليه وسلم لُتدرك
الرجل وولده وولد ولده(1) .
ْ َ َ
ت { هذا َ
صد َقا ِ ُ
خذ ال ّعَبادِهِ وَي َأ ُ ن ِ
ة عَ ْ ُ
قب َل الت ّوْب َ َ
ه هُوَ ي َ ْ ن الل ّ َ موا أ ّ م ي َعْل َ ُ وقوله } :أل َ ْ
ط الذنوب ويمحصها تهييج إلى التوبة والصدقة اللتين كل منها ) (2يح ّ
ويمحقها.
وأخبر تعالى أن كل من تاب إليه تاب عليه ،ومن تصدق بصدقة من كسب
حلل فإن الله تعالى يتقبلها بيمينه فيربيها لصاحبها ،حتى تصير التمرة مثل
أحد .كما جاء بذلك الحديث ،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما قال
الثوري ووكيع ،كلهما عن عباد بن منصور ،عن القاسم بن محمد أنه سمع
أبا هريرة يقول :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إن الله يقبل
الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها لحدكم ،كما يربي أحدكم مهره ،حتى إن
َ
اللقمة لَتصير مثل أحد" ،وتصديق ذلك في كتاب الله ،عز وجل ] } :أل َ ْ
م
ْ َ
ت { ) (3و]قوله[ )(4 صد ََقا ِخذ ُ ال ّ
عَبادِهِ وَي َأ ُ ن ِ ة عَ ْ ل الت ّوْب َ َ قب َ ُ ه[ هُوَ ي َ ْ ن الل ّ َ موا أ ّ ي َعْل َ ُ
ت { ]البقرة (5) .[276 : صد ََقا ِ ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال ّ حقُ الل ّ ُ م َ
} يَ ْ
وقال الثوري والعمش كلهما ،عن عبد الله بن السائب ،عن عبد الله بن
أبي قتادة قال :قال عبد الله بن مسعود ،رضي الله عنه :إن الصدقة تقع
َ
في يد الله عز وجل قبل أن تقع في يد السائل .ثم قرأ هذه الية } :أل َ ْ
م
ْ َ
ت { ).(6 صد ََقا ِ
خذ ُ ال ّعَبادِهِ وَي َأ ُ ن ِ ة عَ ْل الت ّوْب َ َ قب َ ُ ه هُوَ ي َ ْ ن الل ّ َ موا أ ّ ي َعْل َ ُ
سكي سك ْ َ وقد روى ابن عساكر في تاريخه ،في ترجمة عبد الله بن الشاعر ال ّ
الدمشقي -وأصله حمصي ،وكان أحد الفقهاء ،روى عن معاوية وغيره ،
وحكى عنه حوشب بن سيف السكسكي الحمصي -قال :غزا الناس في
زمان معاوية ،رضي الله عنه ،وعليهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ،فَغَ ّ
ل
رجل من المسلمين مائة دينار رومية .فلما قفل الجيش َندم وأتى الميَر ،
فأبى أن يقبلها منه ،وقال :قد تفرق الناس ولن أقبلها منك ،حتى تأتي الله
ة فجعل الرجل يستقرئ الصحابة ،فيقولون له مثل ذلك ،فلما بها يوم القيام َ
قدم دمشق ذهب إلى معاوية ليقبلها منه ،فأبى عليه .فخرج من عنده وهو
يبكي ويسترجع ،فمر بعبد الله بن الشاعر السكسكي ،فقال له :ما
يبكيك ؟ فذكر له أمره ،فقال أمطيُعني أنت ؟ فقال :نعم ،فقال :اذهب
خمسك ،فادفع إليه عشرين ديناًرا ،وانظر إلى معاوية فقل له :اقبل مني ُ
الثمانين الباقية فتصدق بها عن ذلك الجيش ،فإن الله يقبل التوبة عن
عباده ،وهو أعلم بأسمائهم ومكانهم ففعل الرجل ،فقال معاوية ،رضي الله
عنه :لن أكون أفتيُته بها أحب إلي من كل شيء أملكه ،أحسن الرجل") .
(7
__________
) (1المسند ).(400 /5
) (2في ت ،أ " :منهما".
) (3زيادة من ك.
) (4زيادة من ك.
) (5رواه الطبري في تفسيره ) .(14/461تنبيه :وقع خطأ في الية هنا وعند
الطبري ،وما أثبتناه هو الصواب.
) (6في ت " :تعلموا".
) (7تاريخ دمشق )" (9/401المخطوط".
) (4/208
ن إ َِلى َ
عال ِم ِ ست َُرّدو َ
ن وَ َ ه َوال ْ ُ
مؤ ْ ِ
مُنو َ سول ُ ُ
م وََر ُ مل َك ُ ْ ه عَ َ سي ََرى الل ّ ُ مُلوا فَ َل اع ْ َوَقُ ِ
ن )(105 مُلو َ ما ك ُن ْت ُ ْ
م ت َعْ َ م بِ َشَهاد َةِ فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ
ب َوال ّ ال ْغَي ْ ِ
ن إ َِلى َ
عال ِم ِ ست َُرّدو َن وَ َمُنو َ مؤ ْ ِه َوال ْ ُ سول ُ ُ م وََر ُ مل َك ُ ْ ه عَ َ سي ََرى الل ّ ُ مُلوا فَ َ ل اعْ َ} وَقُ ِ
ن ){ (105 ملو َُ م ت َعْ َ ُ
ما كن ْت ُ ْ م بِ َ ُ
شَهاد َةِ فَي ُن َب ّئ ُك ْب َوال ّ ال ْغَي ْ ِ
قال مجاهد :هذا َوعيد ،يعني من الله تعالى للمخالفين أوامره بأن أعمالهم
ض عليه تبارك وتعالى ،وعلى الرسول ،وعلى المؤمنين .وهذا كائن ل ستعَر ُ
ة{خافِي َ ٌ
م َ ُ
من ْك ْفى ِ خ َ ن ل تَ ْ ضو َ مئ ِذ ٍ ت ُعَْر ُ محالة يوم القيامة ،كما قال } :ي َوْ َ
سَرائ ُِر { ]الطارق ، [9 : َ
م ت ُب ْلى ال ّ ]الحاقة (1) ، [18 :وقال تعالى } :ي َوْ َ
دورِ { ]العاديات [10 :وقد يظهر ذلك للناس في ص ُ ما ِفي ال ّ ل َص َ ح ّ وقال } وَ ُ
الدنيا ،كما قال المام أحمد :
حدثنا حسن بن موسى ،حدثنا ابن ل َِهيعة ،حدثنا د َّراج ،عن أبي الهيثم ،عن
أبي سعيد ،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " :لو أن أحدكم
وة ،لخرج الله عمله للناس كائًنا صماء ليس لها باب ول ك ُ ّ يعمل في صخرة َ
ما كان".(2) .
وقد ورد :أن أعمال الحياء ُتعَرض على الموات من القرباء والعشائر في
البرزخ ،كما قال أبو داود الطيالسي :حدثنا الصلت بن دينار ،عن الحسن ،
عن جابر بن عبد الله قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إن
أعمالكم تعرض على أقربائكم وعشائركم في قبورهم ،فإن كان خيًرا
استبشروا به ،وإن كان غير ذلك قالوا " :اللهم ،ألهمهم أن يعملوا بطاعتك".
)(3
سا يقول : من سمع أن ً وقال المام أحمد :أخبرنا عبد الرزاق ،عن سفيان ،ع ّ
قال النبي صلى الله عليه وسلم " :إن أعمالكم تعرض على أقاربكم
وعشائركم من الموات ،فإن كان خيًرا استبشروا به ،وإن كان غير ذلك
قالوا :اللهم ،ل تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا"(4) .
حسن عمل امرئ وقال البخاري :قالت عائشة ،رضي الله عنها :إذا أعجبك ُ
ن { ).(5 مُنو َمؤ ْ ِه َوال ْ ُ سول ُ ُ م وََر ُ مل َك ُ ْه عَ َ سي ََرى الل ّ ُ مُلوا فَ َ ،فقل } :اعْ َ
وقد ورد في الحديث شبيه بهذا ،قال المام أحمد :
ميد ،عن أنس ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ح َ حدثنا يزيد ،حدثنا ُ
قال " :ل عليكم أن تعجبوا بأحد حتى تنظروا بم يختم له ؟ فإن العامل يعمل
هة من دهره -بعمل صالح لو مات عليه لدخل الجنة زماًنا من عمره -أو ُ :بر َ
،ثم يتحول فيعمل عمل سيًئا ،وإن العبد ليعمل البرهة من دهره بعمل
سيئ ،لو
__________
) (1في ت " :يعرضون ل يخفى"
) (2المسند ) (3/28ودراج عن أبي الهيثم ضعيف.
) (3مسند الطيالسي برقم ).(1794
) (4المسند ) (3/164وقال الهيثمي في المجمع )" : (2/228وفيه رجل لم
يسم".
) (5صحيح البخاري )" 13/503فتح"(.
) (4/209
جو َ َ وَآ َ َ
م)
كي ٌ
ح ِ
م َ م َوالل ّ ُ
ه عَِلي ٌ ب عَل َي ْهِ ْ
ما ي َُتو ُ
م وَإ ِ ّ مرِ الل ّهِ إ ِ ّ
ما ي ُعَذ ّب ُهُ ْ ن ِل ْمْر َ ْ
ن ُ
خُرو َ
(106
حا ،وإذا أراد الله بعبد خيًرا مات عليه دخل النار ،ثم يتحول فيعمل عمل صال ً
استعمله قبل موته" .قالوا :يا رسول الله وكيف يستعمله :قال " :يوفقه
لعمل صالح ثم يقبضه عليه" ) (1تفرد به أحمد من هذا الوجه.
م) كي ٌ
ح ِ م َ ه عَِلي ٌ م َوالل ّ ُ ب عَل َي ْهِ ْ ما ي َُتو ُ
م وَإ ِ ّما ي ُعَذ ّب ُهُ ْ مرِ الل ّهِ إ ِ ّ نل ْ جو ْ َمْر َ ن ُ خُرو َ } َوآ َ
{ (106
رمة ،والضحاك وغير واحد :هم الثلثة الذين ْ
عك ِ قال ابن عباس ومجاهد ُ و ِ
خلفوا ،أي :عن التوبة ،وهم :مرارة بن الربيع ،وكعب بن مالك ،وهلل بن
عة أمية ،قعدوا عن غزوة تبوك في جملة من قعد ،كسل وميل إلى الد ّ َ
والحفظ وطيب الثمار والظلل ،ل شكا ونفاقا ،فكانت منهم طائفة َرَبطوا
أنفسهم بالسواري ،كما فعل أبو ُلبابة وأصحابه ،وطائفة لم يفعلوا ذلك وهم
هؤلء الثلثة المذكورون ،فنزلت توبة أولئك قبل هؤلء ،وأرجى هؤلء عن
ه عََلى الن ّب ِ ّ
ي ب الل ّ ُ التوبة حتى نزلت الية التية ،وهي قوله } :ل َ َ
قد ْ َتا َ
فواخل ّ ُن ُ ذي َ صارِ { الية ]التوبة } ، [117 :وَعََلى الّثلث َةِ ال ّ ِ ن َوالن ْ َ ري َ ِ ج
مَها َِوال ْ ُ
م[ { ) (2الية سهُ ْ ف ُ م أ َن ْ ُ ت عَل َي ْهِ ْ ضاقَ ْ ت ]وَ َ حب َ ْ ما َر ُ ض بِ َ م الْر ُ ت عَل َي ْهِ ُ ضاقَ ْ حّتى إ َِذا َ َ
]التوبة ، [118 :كما سيأتي بيانه في حديث كعب بن مالك.
م { أي :هم تحت عفو الله ،إن شاء ب عَل َي ْهِ ْ ما ي َُتو ُ م وَإ ِ ّ ما ي ُعَذ ّب ُهُ ْوقوله } :إ ِ ّ
فعل بهم هذا ،وإن شاء فعل بهم ذاك ،ولكن رحمته تغلب غضبه ،وهو
م { أي :عليم بمن يستحق العقوبة ممن يستحق العفو ،حكيم كي ٌ ح ِم َ } عَِلي ٌ
في أفعاله وأقواله ،ل إله إل هو ،ول رب سواه.
__________
) (1المسند ) (3/120وقال الهيثمي في المجمع )" : (7/211ورجاله رجال
الصحيح".
) (2زيادة من ك.
) (4/210
ن
م ْ صاًدا ل ِ َ ن وَإ ِْر َ مِني َ مؤ ْ ِ ن ال ْ ُقا ب َي ْ َري ًِ فًرا وَت َ ْ
ف ضَراًرا وَك ُ ْ دا ِ ج ً س ِ م ْ ذوا َ خ ُ
ن ات ّ َ ذي َ َوال ّ ِ
فن إ َ
م
شهَد ُ إ ِن ّهُ ْ ه يَ ْ سَنى َوالل ّ ُ ح ْ ن أَرد َْنا إ ِّل ال ْ ُ حل ِ ُ ّ ِ ْ ل وَل َي َ ْ ن قَب ْ ُ
م ْ ه ِ سول َ ُ ه وََر ُب الل ّ َ حاَر َ َ
َ َ َ ُ َ َ َ
ق
ح ّل ي َوْم ٍ أ َ ن أوّ ِ م ْ وى ِ ق َس عَلى الت ّ ْ س َ جد ٌ أ ّ س ِ
م ْدا ل َ م ِفيهِ أب َ ً ق ْ ن ) (107ل ت َ ُ ل َكاذُِبو ََ
َ َ
ن )(108 ري َ مط ّهّ ِب ال ْ ُ ح ّ ه يُ ِن ي َت َط َهُّروا َوالل ّ ُ نأ ْ حّبو َ جا ٌ
ل يُ ِ م ِفيهِ ِفيهِ رِ َ قو َ ن تَ ُ أ ْ
) (4/210
) (4/211
مر بن قتادة وغيرهم ،قالوا :أقبل رسول الله صلى الله عليه وعاصم بن عُ َ
وسلم -يعني :من تبوك -حتى نزل بذي أوان -بلد بينه وبين المدينة ساعة
من نهار -وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك ،
دا لذي العلة والحاجة ،والليلة فقالوا :يا رسول الله ،إنا قد بنينا مسج ً
المطيرة ،والليلة الشاتية ،وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه .فقال " :إني
شغل -أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - سفر وحال ُ على جناح َ
ولو قد قدمنا إن شاء الله تعالى أتيناكم فصلينا لكم فيه" .فلما نزل بذي أوان
شمخ ُ أتاه خبُر المسجد ،فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الد ّ ْ
أخا بني سالم بن عوف ،ومعن بن عدي -أو :أخاه عامر بن عدي -أخا
بلعجلن فقال " :انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله ،فاهدماه وحرقاه".
دخشم ، فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف ،وهم رهط مالك بن ال ّ
فقال مالك لمعن :أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي .فدخل أهله فأخذ
دان حتى دخل المسجد سَعفا من النخل ،فأشعل فيه ناًرا ،ثم خرجا َيشت ّ َ
وفيه أهله ،فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه .ونزل فيهم من القرآن ما نزل :
فًرا { إلى آخر القصة .وكان الذين بنوه ضَراًرا وَك ُ ْ
دا ِ ج ً
س ِ
م ْ ذوا َ خ ُ ن ات ّ َ
ذي َ} َوال ّ ِ
اثني عشر رجل خذام بن خالد ،من بني عَُبيد بن زيد ،أحد ) (1بني عمرو بن
عوف ،ومن داره أخرج مسجد الشقاق ،وثعلبة بن حاطب من بني عبيد وهو
ضَبيعة بن زيد ،وأبو إلى بني أمية بن زيد ،ومعّتب بن ُقشير ،من ]بني[ )ُ (2
حَنيف ،أخو سهل بن ضَبيعة بن زيد ،وعَّباد بن ُ حبيبة بن الذعر ،من بني ُ
مع بن ج ّم َحنيف ،من بني عمرو بن عوف ،وجارية بن عامر ،وابناه ُ :
جارية ،وزيد بن جارية ون َب َْتل ]بن[ ) (3الحارث ،وهم من بني ضبيعة ،
ضَبيعة ] ،ووديعة عثمان وهو من بني ُ وبحزج وهو من بني ضبيعة ،وبجاد بن ُ
بن ثابت ،وهو إلى بني أمية[ ) (4رهط أبي لبابة بن عبد المنذر(5) .
فن { أي :الذين بنوه } إ َ
سَنى { أي :ما ن أَرد َْنا ِإل ال ْ ُ
ح ْ ِ ْ وقوله } :وَل َي َ ْ
حل ِ ُ ّ
م
شهَد ُ إ ِن ّهُ ْه يَ ْقا بالناس ،قال الله تعالى َ } :والل ّ ُ أردناه ببنيانه إل خيًرا ورف ً
ُ
ضرارا لمسجد قباء ، ووا ،وإنما بنوه ِ ن { أي :فيما قصدوا وفيما ن َ كاذُِبو َ لَ َ
قا بين المؤمنين ،وإرصاًدا لمن حارب الله ورسوله ،وهو وكفرا بالله ،وتفري ً
أبو عامر الفاسق ،الذي يقال له " :الراهب" لعنه الله.
دا { نهي من الله لرسوله ،صلوات الله وسلمه عليه َ
م ِفيهِ أب َ ً ق ْ وقوله } :ل ت َ ُ
،والمة ت ََبع له في ذلك ،عن أن يقوم فيه ،أي :يصلي فيه أبدا.
ثم حثه على الصلة في مسجد ُقباء الذي أسس من أول يوم بنائه على
معقلالتقوى ،وهي طاعة الله ،وطاعة رسوله ،وجمعا لكلمة المؤمنين و َ
س عََلى الت ّ ْ ُ
ن
م ْوى ِ ق َ س َجد ٌ أ ّ
س ِ وموئل للسلم وأهله ؛ ولهذا قال تعالى } :ل َ َ
م ْ
م ِفيهِ { والسياق إنما هو في معرض مسجد قباء ؛ ولهذا َ َ َ
قو َ
ن تَ ُ
حق ّ أ ْ ل ي َوْم ٍ أ َ
أوّ ِ
جاء
__________
) (1في أ " :جد".
) (2زيادة من ت ،أ ،وابن هشام.
) (3زيادة من ت ،أ ،وابن هشام.
) (4زيادة من ت ،أ ،وابن هشام.
) (5السيرة النبوية لبن هشام ) (2/530ورواه الطبري في تفسيره )
.(14/468وانظر الكلم على هذه الرواية وتفنيدها في كتاب الفاضل :
عداب الحمش "ثعلبة بن حاطب المفترى عليه )ص .(138
) (4/212
في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :صلة في
مسجد ُقباء كُعمرة" (1) .وفي الصحيح :أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان يزوُر مسجد ُقباء راكًبا وماشًيا ) (2وفي الحديث :أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم لما بناه وأسسه أول قدومه ونزوله على بني عمرو بن
جَهة القبلة ) (3فالله أعلم. عوف ،كان جبريل هو الذي عَّين له ِ
وقال أبو داود :حدثنا محمد بن العلء ،حدثنا معاوية بن هشام ،عن يونس
بن الحارث ،عن إبراهيم بن أبي ميمونة ،عن أبي صالح ،عن أبي هريرة ،
رضي الله عنه ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " :نزلت هذه الية في
ن ي َت َط َهُّروا { قال :كانوا يستنجون بالماء ، حبو َ جا ٌ
نأ ْل يُ ِ ّ َ أهل قباء ِ } :فيهِ رِ َ
فنزلت فيهم الية.
ورواه الترمذي وابن ماجه ،من حديث يونس بن الحارث ،وهو ضعيف ،
وقال الترمذي :غريب من هذا الوجه.
وقال الطبراني :حدثنا الحسن بن علي المعمري ،حدثنا محمد بن حميد
الرازي ،حدثنا سلمة بن الفضل ،عن محمد بن إسحاق ،عن العمش ،عن
ن حبو َ جا ٌ
نأ ْ ل يُ ِ ّ َ مجاهد ،عن ابن عباس قال :لما نزلت هذه الية ِ } :فيهِ رِ َ
ويم بن ساعدة فقال ي َت َط َهُّروا { بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عُ َ
" :ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم ؟" .فقال :يا رسول الله ،ما خرج
منا رجل ول امرأة من الغائط إل غسل فرجه -أو قال :مقعدته -فقال النبي
صلى الله عليه وسلم" .هو هذا"(4) .
سين بن محمد ،حدثنا أبو أويس ،حدثنا شرحبيل ح َ
وقال المام أحمد :حدثنا ُ
دثه أن النبي صلى الله عليه وسلم ح ّ
ويم بن ساعدة النصاري :أنه َ ،عن عُ َ
أتاهم في مسجد قباء ،فقال " :إن الله تعالى قد أحسن ]عليكم الثناء[ )(5 ُ
طهور في قصة مسجدكم ،فما هذا الطهور الذي تطهرون به ؟" فقالوا في ال ّ
:والله -يا رسول الله -ما نعلم شيًئا إل أنه كان لنا جيران من اليهود ،
فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط ،فغسلنا كما غسلوا.
خزيمة في صحيحه(6) . ورواه ابن ُ
شْيم ،عن عبد الحميد المدني ،عن إبراهيم بن إسماعيل النصاري : وقال هُ َ
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
__________
) (1رواه الترمذي في السنن برقم ) (324وابن ماجه في السنن برقم )
(1411من طريق أبي أسامة -عبد الحميد بن جعفر -عن أبي البرد مولى
بني الخطمة -عن أسيد بن ظهير النصاري رضي الله عنه ،وبه .وقال
الترمذي -كما في تحفة الشرف )" : (1/275حديث حسن صحيح ،ول
نعرف لسيد بن ظهير شيئا يصح غير هذا الحديث ،ول نعرفه إل من حديث
أبي أسامة".
) (2صحيح مسلم برقم ) (1399من حديث عبد الله بن عمر رضي الله
عنهما.
) (3سنن أبي داود برقم ) (44وسنن الترمذي برقم ) ، (3100وسنن ابن
ماجة برقم ).(357
) (4المعجم الكبير ) (11/67وفيه محمد بن حميد وهو ضعيف ،وابن إسحاق
مدلس وقد عنعن.
) (5زيادة من ت ،أ ،والمسند.
) (6المسند ) (3/422وصحيح ابن خزيمة برقم ) (83وقال الهيثمي في
المجمع )" : (1/212وفيه شرحبيل بن سعد ضعفه مالك وابن معين وأبو
زرعة ووثقه ابن حبان".
) (4/213
) (4/214
فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسأله ،فقال " :هو مسجدي هذا" )(1
تفرد به أحمد أيضا.
حديث آخر :قال أحمد :حدثنا موسى بن داود ،حدثنا ليث ،عن عمران بن
أبي أنس ،عن سعيد بن أبي سعيد الخدري ،رضي الله عنه ،قال :تمارى
رجلن في المسجد الذي أسس على التقوى ،فقال أحدهما :هو مسجد قباء
،وقال الخر :هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ،فقال النبي صلى الله
عليه وسلم " :هو مسجدي هذا" ) (2تفرد به أحمد.
طريق أخرى :قال المام أحمد :حدثنا إسحاق بن عيسى ،حدثنا ليث ،
حدثني عمران بن أبي أنس ،عن ابن أبي سعيد ،عن أبيه أنه قال :تمارى
رجلن في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم ،فقال رجل :هو
مسجد قباء ،وقال الخر :هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :هو مسجدي".
وكذا رواه الترمذي والنسائي عن قتيبة ،عن الليث ) (3وصححه الترمذي ،
ورواه مسلم كما سيأتي.
ُ
طريق أخرى :قال أحمد :حدثنا يحيى ،عن أن َْيس بن أبي يحيى ،حدثني أبي
درة ،خ ْ
قال :سمعت أبا سعيد الخدري قال :اختلف رجلن :رجل من بني َ
ورجل من بني عمرو بن عوف في المسجد الذي أسس على التقوى ،فقال
مري :هو الخدري :هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وقال العَ ْ
مسجد قباء ،فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك ،
فقال " :هو هذا المسجد" لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وقال :
"في ذاك ]خير كثير[ ) (4يعني :مسجد قباء(5) .
طريق أخرى :قال أبو جعفر بن جرير :حدثنا ابن بشار ،حدثنا يحيى بن
سعيد -حدثنا حميد الخراط المدني ،سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن أبي
سعيد ) (6فقلت :كيف سمعت أباك يقول في المسجد الذي أسس على
التقوى ؟ فقال أبي :أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه
في بيت لبعض نسائه ،فقلت :يا رسول الله ،أين المسجد ) (7الذي أسس
على التقوى ؟ قال :فأخذ كفا من حصباء فضرب به الرض ،ثم قال " :هو
ت أباك يذكره ؟.ت له :هكذا[ ) (8سمع َ
مسجدكم هذا" .ثم قال ] :فقل ُ
رواه مسلم منفرًدا به عن محمد بن حاتم ،عن يحيى بن سعيد ،به )(9
ورواه عن أبي بكر بن
__________
) (1المسند ) (5/331وقال الهيثمي في المجمع )" : (7/34رجاله رجال
الصحيح".
) (2المسند ).(3/89
) (3المسند ) (3/7وسنن الترمذي برقم ) (3099والنسائي في السنن
الكبرى برقم ).(11228
) (4زيادة من ت ،ك ،أ ،والمسند .وفي أ " :خير كبير".
) (5المسند ).(3/23
) (6في ت ،ك ،أ " :سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن قال :مر بي عبد
الرحمن بن أبي سعيد".
) (7في أ " :أي مسجد".
) (8زيادة من ت ،ك ،أ ،والطبري.
) (9تفسير الطبري ) (14/477وصحيح مسلم برقم ).(1398
) (4/215
أبي شيبة وغيره ،عن حاتم بن إسماعيل ،عن حميد الخراط ،به(1) .
وقد قال بأنه مسجد النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من السلف
والخلف ،وهو مروي عن عمر بن الخطاب ،وابنه عبد الله ،وزيد بن ثابت ،
وسعيد بن المسيب .واختاره ابن جرير.
َ َ َ س عََلى الت ّ ْ ُ
ه
م ِفيهِ ِفي ِ
قو َ
ن تَ ُ
حق ّ أ ْ
ل ي َوْم ٍ أ َن أوّ ِ م ْ
وى ِ ق َ س َ جد ٌ أ ّ س ِم ْوقوله } :ل َ َ
َ
ن { دليل على استحباب الصلة ري َمط ّهّ ِ ب ال ْ ُح ّ ن ي َت َط َهُّروا َوالل ّ ُ
ه يُ ِ نأ ْ حّبو َ جا ٌ
ل يُ ِ رِ َ
في المساجد القديمة المؤسسة من أول بنائها على عبادة الله وحده ل
شريك له ،وعلى استحباب الصلة مع جماعة الصالحين ،والعباد العاملين
المحافظين على إسباغ الوضوء ،والتنزه عن ) (2ملبسة القاذورات.
وقد قال المام أحمد :حدثنا محمد بن جعفر ،عن شعبة ،عن عبد الملك بن
عمير ،سمعت شبيبا أبا روح يحدث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله
صّلى بهم الصبح فقرأ بهم عليه وسلم ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم َ
) (3الروم فأوهم ،فلما انصرف قال " :إنه يلبس علينا القرآن ،إن أقواما
منكم يصلون معنا ل يحسنون الوضوء ،فمن شهد الصلة معنا فليحسن
الوضوء".
ثم رواه من طريقين آخرين ،عن عبد الملك بن عمير ،عن شبيب أبي روح
كلع :أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ،فذكره ) (4فدل من ذي ال َ
هذا على أن إكمال الطهارة يسهل القيام في العبادة ،ويعين على إتمامها
وإكمالها والقيام بمشروعاتها.
ن { إن الطهور
ري َ ّ
مطهّ ِ ْ
ب ال ُح ّ
ه يُ ِ ّ
وقال أبو العالية في قوله تعالى َ } :والل ُ
بالماء لحسن ،ولكنهم المطهرون من الذنوب.
وقال العمش :التوبة من الذنب ،والتطهير من الشرك.
وقد ورد في الحديث المروي من طرق ،في السنن وغيرها ،أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال لهل قباء " :قد أثنى الله عليكم في الطهور ،
فماذا تصنعون ؟" فقالوا :نستنجي بالماء.
وقد قال الحافظ أبو بكر البزار :حدثنا عبد الله بن شبيب ،حدثنا أحمد بن
محمد بن عبد العزيز قال :وجدته في كتاب أبي ،عن الزهري ،عن عبيد
ه
الله بن عبد الله ،عن ابن عباس قال :نزلت هذه الية في أهل قباءِ } .في ِ
حبو َ
ن { فسألهم رسول الله صلى ري َمط ّهّ ِ ب ال ْ ُ
ح ّ ن ي َت َط َهُّروا َوالل ّ ُ
ه يُ ِ نأ ْ جا ٌ
ل يُ ِ ّ َ رِ َ
الله عليه وسلم فقالوا :إنا ن ُت ْب ِعُ الحجارة الماء.
ثم قال :تفرد به محمد بن عبد العزيز ،عن الزهري ،ولم يرو عنه سوى
ابنه(5) .
__________
) (1صحيح مسلم برقم ).(1398
) (2في ت ،ك ،أ " :من".
) (3في ت ،أ " :فيها".
) (4المسند ).(472 ، 3/471
) (5مسند البزار برقم ) (247وقال الهيثمي في المجمع )" : (1/212فيه
محمد بن عبد العزيز بن عمر الزهري ضعفه البخاري والنسائي وهو الذي
أشار بجلد مالك".
) (4/216
قلت :وإنما ذكرته بهذا اللفظ لنه مشهور بين الفقهاء ) (1ولم يعرفه كثير
دثين المتأخرين ،أو كلهم ،والله أعلم. من المح ّ
ه َ َ ّ َ } أ َفَم َ
س ب ُن َْيان َ ُ
س َ نأ ّ م ْ م َ
خي ٌْر أ ْ ن َوا ٍ ض َن اللهِ وَرِ ْ م َ وى ِ ق َ ه عَلى ت َ ْ س ب ُن َْيان َ ُ
س َ نأ ّ َ ْ
ن) مي َ ّ
م الظال ِ ِ قو ْ َ ْ
دي ال َ ه ل ي َهْ ِ ّ
م َوالل ُ جهَن ّ َ هارٍ َفان َْهاَر ب ِهِ ِفي َنارِ َ ف َ جُر ٍ
فا ُ ش َ عََلى َ
َ
هم َوالل ّ ُ قط ّعَ قُُلوب ُهُ ْ ن تَ َ م ِإل أ ْ ة ِفي قُُلوب ِهِ ْ وا ِريب َ ًذي ب َن َ ْ م ال ّ ِ (109ل ي ََزا ُ
ل ب ُن َْيان ُهُ ُ
م ){ (110 كي ٌ ح ِ م َعَِلي ٌ
يقول تعالى :ل يستوي من أسس بنيانه على تقوى الله ورضوان ،ومن بنى
مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين ،وإرصادا لمن حارب الله
هارٍ { أي : ف َ جُر ٍ فا ُ ش َ ورسوله من قبل ،فإنما بنى هؤلء بنيانهم } عََلى َ
ن { أي :ل مي َ ظال ِ ِم ال ّ قو ْ َ دي ال ْ َ ه ل ي َهْ ِ م َوالل ّ ُ جهَن ّ َ
فيرة مثاله } ِفي َنارِ َ ح ِ طرف َ
يصلح عمل المفسدين.
قال جابر بن عبد الله :رأيت المسجد الذي بني ضرارا يخرج منه الدخان
على عهد النبي ) (2صلى الله عليه وسلم.
فروا فوجدوا الدخان يخرج منه. ح َجَرْيج )ُ (3ذكر لنا أن رجال )َ (4 وقال ابن ُ
وكذا قال قتادة.
وقال خلف بن ياسين الكوفي :رأيت مسجد المنافقين الذي ذكره الله تعالى
مْزبلة .رواه ابن جرير
في القرآن ،وفيه جحر يخرج منه الدخان ،وهو اليوم َ
) (5رحمه الله.
ة ِفي قُُلوب ِهِ ْ
م { أي :شكا ونفاقا وا ِريب َ ً
ذي ب َن َ ْ م ال ّ ِ ل ب ُن َْيان ُهُ ُوقوله } :ل ي ََزا ُ
بسبب إقدامهم على هذا الصنيع الشنيع ،أورثهم نفاقا في قلوبهم ،كما
أشرب عابدو العجل حبه.
َ
م { أي :بموتهم .قاله ابن عباس ،ومجاهد ، قط ّعَ قُلوب ُهُ ْ
ُ ن تَ َ
وقوله ِ } :إل أ ْ
وقتادة ،وزيد بن أسلم ،والسدي ،وحبيب بن أبي ثابت ،والضحاك ،وعبد
الرحمن بن زيد بن أسلم ،وغير واحد من علماء السلف.
م { في مجازاتهم عنها ،من خير كي ٌ
ح ِ
م { أي :بأعمال خلقه َ } ، } َوالل ّ ُ
ه عَِلي ٌ
وشر(6) .
__________
) (1في ت ،ك ،أ " :الفقهاء به".
) (2في ت ،أ " :رسول الله".
) (3في ت ،أ " :جرير".
) (4في ت " :رجل".
) (5تفسير الطبري ).(14/494
) (6في ك ،أ " :عليها".
) (4/217
َ َ ن أ َن ْ ُ
ن ِفي قات ُِلو َ
ة يُ َ
جن ّ َم ال ْ َ ن ل َهُ ُ م ب ِأ ّ وال َهُ ْم َم وَأ ْ سهُ ْ
ف َ مؤْ ِ
مِني َ ن ال ْ ُم َشت ََرى ِ ها ْ ن الل ّ َ إِ ّ
ن َ ْ ْ َ ُ ُ ّ
ل اللهِ فَي َ ْ
قْرآ ِ ل َوال ُ جي ِ قا ِفي الت ّوَْراةِ َوال ِن ْ ِ ح ّدا عَلي ْهِ َ ن وَعْ ً قت َلو َ
ن وَي ُ ْ قت ُلو َ سِبي ِ َ
ْ َ ّ ُ ّ َ
م ب ِهِ وَذ َل ِك هُوَ ال َ
فوُْز ذي َباي َعْت ُ ْ م ال ِ شُروا ب ِب َي ْعِك ُ ست َب ْ ِ ن اللهِ َفا ْ م َن أوَْفى ب ِعَهْدِهِ ِ م ْوَ َ
م )(111 ظي ُ ال ْعَ ِ
َ َ ن أ َن ْ ُ
ن ِفي قات ُِلو َة يُ َ م ال ْ َ
جن ّ َ ن ل َهُ ُ وال َهُ ْ
م ب ِأ ّ م َم وَأ ْ سهُ ْ ف َ مِني َ مؤ ْ ِ ن ال ْ ُ م َشت ََرى ِ ها ْن الل ّ َ } إِ ّ
ن
قْرآ ِ ْ
ل َوال ُ جي ِ قا ِفي الت ّوَْراةِ َوالن ْ ِ ح ّ َ
دا عَلي ْهِ َ ن وَعْ ً ُ
قت َلو َ ن وَي ُ ْ ُ
قت ُلو َ ّ
ل اللهِ فَي َ ْ سِبي ِ َ
فوُْز ْ
ك هُوَ ال َ م ب ِهِ وَذ َل ِ َ ّ ُ َ ّ َ َ
ذي َباي َعْت ُْ م ال ِ ُ ك ِ عْ يَ بِ ب روا ُ ش
ِ ْ بَ ت س
ْ فا ِ ه ل ال نَ م
ِ ِ ه ِ د ه
ِ َْ ع ب فى وَ َ ْ ْ
و أ ن م
م ){ (111 ظي ُ ال ْعَ ِ
يخبر تعالى أنه عاوض عباده المؤمنين عن أنفسهم وأموالهم إذ بذلوها في
سبيله بالجنة ،وهذا من فضله وكرمه وإحسانه ،فإنه قبل العوض عما يملكه
بما تفضل به على عباده المطيعين له ؛ ولهذا قال الحسن البصري وقتادة :
بايعهم والله فأغلى ثمنهم.
مر بن عطية :ما من مسلم إل ولله ،عز وجل ،في عُُنقه بيعة ، ش ِ وقال َ
وّفى بها أو مات عليها ،ثم تل هذه الية.
ولهذا يقال :من حمل في سبيل الله بايع الله ،أي :قَِبل هذا العقد ووفى به.
قَرظي وغيره :قال عبد الله بن رواحة ،رضي الله وقال محمد بن كعب ال ُ
عنه ،لرسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني ليلة العقبةِ : -اشترط لربك
ولنفسك ما شئت! فقال " :أشترط لربي أن تعبدوه ول تشركوا به شيئا ،
وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم" .قالوا :
قيل ول نستقيل ، فما لنا إذا فعلنا ذلك ؟ قال " :الجنة" .قالوا َ :رِبح البيعُ ،ل ن ُ ِ
َ ن أ َن ْ ُ
م { الية. وال َهُ ْم َ
م وَأ ْ سهُ ْ ف َ مِني َ مؤْ ِ ن ال ْ ُ م َ
شت ََرى ِ ها ْ ن الل ّ َفنزلت } (1) :إ ِ ّ
ن { أي :سواء قتلوا أو ُ
قت َلو َ ن وَي ُ ْ قت ُلو َُ َ ّ
ل اللهِ في َ ْ سِبي ِ ن ِفي َ قات ُِلو َوقوله } :ي ُ َ
ُقتلوا ،أو اجتمع لهم هذا وهذا ،فقد وجبت لهم الجنة ؛ ولهذا جاء في
الصحيحين " :وتكفل الله لمن خرج في سبيله ،ل يخرجه إل جهاد في سبيلي
،وتصديق برسلي ،بأن توفاه أن يدخله الجنة ،أو يرجعه إلى مسكنه الذي
خرج منه ،نائل ما نال من أجر أو غنيمة"(2) .
ن { تأكيد لهذا الوعد ، قْرآ ِ ْ
ل َوال ُ جي ِ قا ِفي الت ّوَْراةِ َوالن ْ ِ ح ّدا عَل َي ْهِ َ وقوله } :وَعْ ً
وإخبار بأنه قد كتبه على نفسه الكريمة ،وأنزله على رسله في كتبه الكبار ،
وهي ) (3التوراة المنزلة على موسى ،والنجيل المنزل على عيسى ،
والقرآن المنزل على محمد ،صلوات الله وسلمه عليهم أجمعين.
ن الل ّهِ { ]أي :ول واحد أعظم وفاًء بما عاهد وقوله } :وم َ
م َن أوَْفى ب ِعَهْدِهِ ِ َ َ ْ
ق
صد َ ُ َ
نأ ْ م ْعليه من الله[ ) (4فإنه ل يخلف الميعاد ،وهذا كقوله تعالى } :وَ َ
ن الل ّهِ ِقيل { ]النساء : من الله حديًثا { ]النساء }[87 :وم َ
م َ صد َقُ ِ نأ ْ َ َ ْ ِ َ ِ ِ َ
فوُْز ْ َ
م ب ِهِ وَذ َل ِك هُوَ ال َ ذي َباي َعْت ُ ْ ّ
م ال ِ ُ
شُروا ب ِب َي ْعِك ُ ست َب ْ ِ َ
[122؛ ولهذا قال } :فا ْ
م { أي :فليستبشر من قام بمقتضى هذا العقد ووفى بهذا العهد ، ال ْعَ ِ
ظي ُ
بالفوز العظيم ،والنعيم ) (5المقيم.
__________
) (1في أ " :فنزل".
) (2صحيح البخاري برقم ) (3123وصحيح مسلم برقم )(1876
) (3في أ " :وهو".
) (4زيادة من ت ،ك ،أ.
) (5في ت ،أ " :والمغنم".
) (4/218
ن
مُرو َ ن ال ِدو َج ُسا ِن ال ّ ن الّراك ُِعو َ حو َ
سائ ِ ُن ال ّ دو َم ُحا ِن ال ْ َدو َن ال َْعاب ِ ُ
} الّتائ ُِبو َ
ن) مؤ ْ ِ
مِني َ ْ ّ
دودِ اللهِ وَب َ ّ
شرِ ال ُ ح ُن لِ ُ ُ
حافِظو َ ْ َ
من ْكرِ َوال َ ْ
ن ال ُ ِبال ْ َ
ن عَ ِ هو َف َوالّنا ُ معُْرو ِ
{ (112
) (4/218
ت المؤمنين الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بهذه الصفات هذا نع ُ
ن { من الذنوب كلها ،التاركون للفواحش الجميلة والخلل الجليلة } :الّتائ ُِبو َ
ن { أي :القائمون بعبادة ربهم محافظين عليها ،وهي القوال } ،ال َْعاب ِ ُ
دو َ
ن { ومن دو َ
م ُ
حا ِص القوال الحمد ) (1؛ فلهذا قال } :ال ْ َ خ ّوالفعال فمن أ َ
م ،وهو ترك الملذ ّ من الطعام والشراب والجماع ،وهو أفضل العمال الصيا ُ
ن { كما وصف أزواج النبي ) حو َ
سائ ِ ُ
المراد بالسياحة هاهنا ؛ ولهذا قال } :ال ّ
ت { ]التحريم [5 : حا ٍ سائ ِ َ
(2صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله تعالى َ } :
أي :صائمات ،وكذا الركوع والسجود ،وهما عبارة عن الصلة ،ولهذا قال :
ن { وهم مع ذلك ينفعون خلق الله ،ويرشدونهم إلى دو َ
ج ُسا ِ
ن ال ّ } الّراك ُِعو َ
طاعة الله بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ،مع العلم بما ينبغي فعله
كه ،وهو حفظ حدود الله في تحليله وتحريمه ،علما وعمل فقاموا ويجب تر ُ
ن { لن اليمان مؤ ْ ِ
مِني َ شرِ ال ْ ُ
بعبادة الحق ونصح الخلق ؛ ولهذا قال } :وَب َ ّ
يشمل هذا كله ،والسعادة كل السعادة لمن اتصف به.
]بيان ) (3أن المراد بالسياحة الصيام[ (4) :
قال سفيان الثوري ،عن عاصم ،عن زِّر ،عن عبد الله بن مسعود قال :
جَبير ،والعوفي عن ابن ن { الصائمون .وكذا ُروي عن سعيد بن ُ حو َ سائ ِ ُ
} ال ّ
عباس.
وقال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس :كل ما ذكر الله في القرآن
السياحة ،هم الصائمون .وكذا قال الضحاك ،رحمه الله.
وقال ابن جرير :حدثنا أحمد بن إسحاق ،حدثنا أبو أحمد ،حدثنا إبراهيم بن
ة
يزيد ،عن الوليد بن عبد الله ،عن عائشة ،رضي الله عنها ،قالت :سياح ُ
هذه المة الصيام(5) .
جَبير ،وعطاء ،وأبو عبد الرحمن السلمي ، وهكذا قال مجاهد ،وسعيد بن ُ
عيينة وغيرهم :أن المراد بالسائحين : ُ بن مزاحم ،وسفيان والضحاك بن ُ
الصائمون.
ن { الصائمون شهر رمضان. حو َسائ ِ ُ
وقال الحسن البصري } :ال ّ
ن { الذين يديمون الصيام من حو َ
سائ ِ ُ وقال أبو ) (6عمرو العَْبدي } :ال ّ
المؤمنين.
وقد ورد في حديث مرفوع نحو هذا ،وقال ابن جرير :حدثني محمد بن عبد
زيع ، الله بن ب َ ِ
__________
) (1في أ " :الحمد الله".
) (2في ت ،أ " :الرسول".
) (3في أ " :ذكر".
) (4زيادة من ت ،ك ،أ.
) (5تفسير الطبري ).(14/505
) (6في ت " :ابن".
) (4/219
حدثنا حكيم بن حزام ،حدثنا سليمان ،عن أبي صالح ،عن أبي هريرة قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :السائحون هم الصائمون" )(1
دار ،عن ابن مهدي ،عن إسرائيل ،عن سليمان العمش ، ]ثم رواه عن ب ُن ْ َ
ن { الصائمون[(2) .حو َ
سائ ِ ُ
عن أبي صالح ،عن أبي هريرة أنه قال } :ال ّ
وهذا الموقوف أصح.
وقال أيضا :حدثني يونس ،عن ابن وهب ،عن عمر بن الحارث ،عن عمرو
مير قال :سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن بن دينار ،عن عَُبيد بن عُ َ
السائحين فقال " :هم الصائمون"(3) .
وهذا مرسل جيد.
فهذه ) (4أصح القوال وأشهرها ،وجاء ما يدل على أن السياحة الجهاد ،
وهو ما روى أبو داود في سننه ،من حديث أبي أمامة أن رجل قال :يا
رسول الله ،ائذن لي في السياحة .فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
"سياحة ) (5أمتي الجهاد في سبيل الله"(6) .
عمارة بن غَزِّية :أن السياحة وقال ابن المبارك ،عن ابن ل َِهيعة :أخبرني ُ
ذكرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " :أبدلنا الله بذلك الجهاد في سبيل الله ،والتكبير على كل
شرف"(7) .
رمة أنه قال :هم طلبة العلم .وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : عك ْ ِ
وعن ِ
هم المهاجرون .رواهما ابن أبي حاتم.
وليس المراد من السياحة ما قد يفهمه بعض من يتعبد بمجرد السياحة في
الرض ،والتفرد في شواهق الجبال والكهوف والبراري ،فإن هذا ليس
بمشروع إل في أيام الفَتن والزلزل في الدين ،كما ثبت في صحيح
البخاري ،عن أبي سعيد الخدري ) (8أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ف الجبال ، شع َ قال " :يوشك أن يكون خير مال الرجل ) (9غََنم ي َت َْبع بها َ
طر ،يفر بدينه من الفتن"(10) . ق ْ ومواقع ال َ
ن ُ
حافِظو َ ْ
وقال العوفي وعلي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس في قوله َ } :وال َ
دودِ الل ّهِ { قال :القائمون بطاعة الله .وكذا قال الحسن البصري ،وعنه ح ُ
لِ ُ
دودِ الل ّهِ { قال :لفرائض ح ُن لِ ُ حافِ ُ
ظو َ رواية َ } :وال ْ َ
__________
) (1تفسير الطبري ).(14/503
) (2زيادة من ت ،ك ،أ.
) (3تفسير الطبري ).(14/502
) (4في ت " :وهذا" ،وفي أ " :فهذا".
) (5في أ " :سياح".
) (6سنن أبي داود برقم ).(2486
) (7وهذا معضل ،عمارة بن غزية لم يدرك أحدا من الصحابة.
) (8في أ " :عن أبي هريرة".
) (9في ت ،ك ،أ " :المسلم".
) (10صحيح البخاري برقم ).(19
) (4/220
) (4/221
فزوروها ،لتذكركم زيارُتها خيًرا ،ونهيتكم عن لحوم الضاحي بعد ثلث ،
فكلوا وأمسكوا ما شئتم ،ونهيتكم عن الشربة في الوعية ،فاشربوا في أي
وعاء ) (1ول تشربوا مسكرا"(2) .
مْرثد ،عن سليمان بن ب َُريدة ،عن وروى ابن جرير ،من حديث علقمة بن َ
م قبر ،
س َأبيه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى َر ْ
فجلس إليه ،فجعل يخاطب ،ثم قام مستعبًرا .فقلنا :يا رسول الله ،إنا
رابنا ما صنعت .قال " :إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي ،فأذن لي ،
واستأذنته في الستغفار لها فلم يأذن لي" .فما رئي باكيا أكثر من يومئذ(3) .
خداش ،حدثنا وقال ابن أبي حاتم ،في تفسيره :حدثنا أبي ،حدثنا خالد بن ِ
عبد الله بن وهب ،عن ابن جَريج عن أيوب بن هانئ ،عن مسروق ،عن
ج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى عبد الله بن مسعود قال :خر َ
المقابر ،فاتبعناه ،فجاء حتى جلس إلى قبر منها ،فناجاه طويل ثم بكى
فبكينا لبكائه ثم قام فقام إليه عمر بن الخطاب ،فدعاه ثم دعانا ،فقال :
ت عنده قبر "ما أبكاكم ؟" فقلنا :بكينا لبكائك .قال " :إن القبر الذي جلس ُ
ت ربي في زيارتها فأذن لي" ) (4ثم أورده من وجه آخر ، آمنة ،وإني استأذن ُ
ثم ذكر من حديث ابن مسعود قريبا منه ،وفيه " :وإني استأذنت ربي في
َ
ن
مُنوا أ ْ نآ َ ي َوال ّ ِ
ذي َ ن ِللن ّب ِ ّ ما َ
كا َ الدعاء لها فلم يأذن لي ،وأنزل علي َ } :
كاُنوا ُأوِلي قُْرَبى { فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة ، ن وَل َوْ َ
كي َشرِ ِ فُروا ل ِل ْ ُ
م ْ ست َغْ ِ
يَ ْ
وكنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ،فإنها تذكر الخرة"(5) .
حديث آخر في معناه :قال الطبراني :حدثنا محمد بن علي المروزي ،حدثنا
سان ،أبو الدرداء عبد العزيز ) (6بن منيب ،حدثنا إسحاق بن عبد الله بن ك َي ْ َ
رمة ،عن ابن عباس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عك ْ ِ
عن أبيه ،عن ِ
سفان أمر أصحابه : لما أقبل من غزوة تبوك واعتمر ،فلما هبط من ثنية عُ ْ
مه ،فناجى ّ أ قبر على أن استندوا إلى العقبة حتى أرجع إليكم ،فذهب فنزل
رّبه طويل ثم إنه بكى فاشتد بكاؤه ،وبكى هؤلء لبكائه ،وقالوا :ما بكى نبي
ث في أمته شيء ل ُتطيقه .فلما بكى هؤلء قام الله بهذا المكان إل وقد ُأحد َ
فرجع إليهم ،فقال " :ما يبكيكم ؟" .قالوا :يا نبي الله ،بكينا لبكائك ،فقلنا :
لعله أحدث في أمتك شيء ل تطيقه ،قال " :ل وقد كان بعضه ،ولكن نزلت
على قبر أمي
__________
) (1في ت ،ك ،أ " :أي وعاء شئتم".
) (2المسند ).(5/355
) (3تفسير الطبري ) (14/512ورواه البيهقي في دلئل النبوة ) (1/189من
طريق سفيان عن علقمة بن مرثد به نحوه.
) (4ورواه الحاكم في المستدرك ) (2/336ومن طريقه البيهقي في دلئل
النبوة ) (1/189من طريق بحر بن نصر عن ابن وهب به نحوه.
) (5وأصل الحديث رواه مسلم في صحيحه برقم ) (976عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال :زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى
من حوله .فقال " :استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي ،
واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ،فزوروا القبور فإنها تذكر الموت".
) (6في ت " :أبو الدرداء عن عبد العزيز".
) (4/222
فدعوت الله أن يأذن لي في شفاعتها يوم القيامة ،فأبى الله أن يأذن لي ،
فاُر
ست ِغْ َ
نا ْ كا َ ما َ مي ،فبكيت ،ثم جاءني جبريل فقال } :وَ َ فرحمتها وهي أ ّ
َ ّ َ َ َ
ه{ من ْ ُ
ه عَد ُوّ ل ِلهِ ت َب َّرأ ِ
ه أن ّ ُ
نل ُ ها إ ِّياه ُ فَل ّ
ما ت َب َي ّ َ عد َةٍ وَعَد َ َ
مو ْ ِ
ن َ
م لِبيهِ ِإل عَ ْ
هي َ
إ ِب َْرا ِ
مُتها وهي أمي ،ودعوت فتبّرأ أنت من أمك ،كما تبرأ إبراهيم من أبيه ،فرح ْ
ربي أن يرفع عن أمتي أربًعا ،فرفع عنهم اثنتين ،وأبى أن يرفع عنهم
ت ربي أن يرفع عنهم الرجم من السماء والغََرق من الرض ، اثنتين :دعو ُ
وأل يلبسهم شيعا ،وأل يذيق بعضهم بأس بعض ،فرفع الله عنهم الرجم من
السماء ،والغرق من الرض ،وأبى الله أن يرفع عنهم القتل والهرج" .وإنما
سفان لهم(2) . عدل إلى قبر أمه لنها كانت مدفونة تحت َ
كداء ) (1وكانت عُ ْ
وهذا حديث غريب وسياق عجيب ،وأغرب منه وأشد نكارة ما رواه الخطيب
البغدادي في كتاب "السابق واللحق" بسند مجهول ،عن عائشة في حديث
مه فآمنت ثم عادت (3) .وكذلك ما رواه السهيلي في فيه قصة أن الله أحيا أ ّ
ماعة مجهولون :أن الله أحيا له أباه وأمه ) (4فآمنا به. ج َ
"الروض" بسند فيه َ
)(5
ة ] :هذا الحديث موضوع يرده القرآن والجماع ، حي َ َوقد قال الحافظ ابن دِ ْ
فاٌر { ]النساء .[18 :وقال أبو ُ
مك ّن وَهُ ْ
موُتو َ
ن يَ ُذي َ ّ
قال الله تعالى َ } :ول ال ِ
َ
عبد الله القرطبي :إن مقتضى هذا الحديث ...ورد ّ عَلى ابن ِدحية[ ) (6في
هذا الستدلل بما حاصله :أن هذه حياة جديدة ،كما رجعت الشمس بعد
ي العصر ،قال الطحاوي :وهو ]حديث[ ) (7ثابت ،يعني : غيبوبتها فصلى عَل ِ ّ
حديث الشمس.
قال القرطبي :فليس إحياؤهما يمتنع عقل ول شرعا ،قال :وقد سمعت أن
الله أحيا عمه أبا طالب ،فآمن به(8) .
__________
) (1في ت ،أ " :كذا وكذا" ،وفي ك " :كذا وكذا".
) (2المعجم الكبير ).(11/374
) (3ساقه القرطبي في :التذكرة في أحوال الموتى وأمور الخرة )ص (16
وقال :خرجه أبو بكر أحمد بن علي الخطيب في كتاب السابق واللحق ،
وأبو حفص عمر بن شاهين في الناسخ والمنسوخ ،ول يصح الحديث.
لمخالفته ما في صحيح مسلم برقم ) (976من حديث أبي هريرة قال :زار
النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله .فقال :
"استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي ،واستأذنته في أن أزور
قبرها فأذن لي ،فزوروا القبور فإنها تذكر الموت" ولضعف إسناده.
) (4في ت " :وآمنة".
) (5الروض النف ).(1/113
) (6زيادة من ت ،ك ،أ.
) (7زيادة من ت ،ك ،أ.
) (8التذكرة )ص .(17وما ذكره القرطبي ل يصح ؛ أما إحياؤهما وإيمانهما
فل يمتنع عقل ،وأما شرعا فقد جاء في صحيح مسلم من حديث أنس ؛ أن
رجل قال :يا رسول الله ،أين أبي ؟ قال " :في النار" فلما قفا دعاه وقال :
"إن أبي وأباك في النار" ومنع النبي صلى الله عليه وسلم من الستغفار لمه
،وهذا المنع متأخر بخلف من قال بأن ما جاء في أنهما -أي أبواه صلى الله
عليه وسلم -في النار منسوخ بحديث عائشة الذي رواه الخطيب ،فإن
دعوى النسخ غير قائمة ول تعتمد على أصل .وأما قول القرطبي بأنه سمع
أن الله أحيا عمه أبا طالب ...إلخ ،فهذا أبعد عن الصحة ؛ فإن في الصحيح
من حديث أبي سعيد ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم شفع له عند الله فهو
في النار يجعل ضحاح من نار تحت قدميه يغلي منها دماغه ،وفي صحيح
مسلم مرفوعا " :أهون أهل النار عذابا أبو طالب" فمن يكون في النار كيف
يقال :إنه آمن في قبره ؟!
) (4/223
قلت :وهذا كله متوقف على صحة الحديث ،فإذا صح فل مانع منه ) (1والله
أعلم.
َ
نمُنوا أ ْ نآ َذي َ ي َوال ّ ِ ن ِللن ّب ِ ّ كا َ ما َ وقال العوفي ،عن ابن عباس في قوله َ } :
ن { الية ،فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن كي َ شرِ ِ م ْ فُروا ل ِل ْ ُست َغْ ِ يَ ْ
ن إبراهيم خليل الله يستغفر لمه ،فنهاه الله عن ذلك ) (2فقال " :فإ ّ
ة
عد َ ٍ مو ْ ِ ن َ م لِبيهِ ِإل عَ ْ هي َ فاُر إ ِب َْرا ِست ِغْ َنا ْ كا َ ما َ استغفر لبيه" ،فأنزل الله } :وَ َ
ها إ ِّياه ُ { ) (3الية. وَعَد َ َ
وقال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس ،في هذه الية :كانوا يستغفُرون
لهم ،حتى نزلت هذه الية ،فلما ]نزلت ) (4أمسكوا عن الستغفار
لمواتهم ،ولم ينههم أن يستغفروا للحياء حتى يموتوا[ ) (5ثم أنزل الله :
م لِبيهِ { الية. هي َ فاُر إ ِب َْرا ِ ست ِغْ َ نا ْ ما َ
كا َ } وَ َ
وقال قتادة في هذه الية ُ :ذكر لنا أن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم قالوا :يا نبي الله ،إن من آبائنا من كان يحسن الجوار ،ويصل
ك العاني ،ويوفي بالذمم ؛ أفل نستغفر لهم ؟ قال :فقال النبي ف ّ الرحام ،وي ُ
صلى الله عليه وسلم " :بلى ،والله إني لستغفر لبي كما استغفر إبراهيم
َ
ن{ كي َشرِ ِ م ْفُروا ل ِل ْ ُ ست َغْ ِن يَ ْ مُنوا أ ْ نآ َ ذي َ ي َوال ّ ِ ن ِللن ّب ِ ّ كا َما َ لبيه" .فأنزل الله َ } :
ن
كا َما َ حيم ِ { ثم عذر الله تعالى إبراهيم ،فقال } :وَ َ ج ِ حتى بلغ } :ال ْ َ
ها إياه فَل َما تبين ل َه أ َنه عَدو ل ِل ّه تبرأ َ
ُ ّ ِ ََّ ّ ََّ َ ُ ّ ُ عد َةٍ وَعَد َ َ ِ ّ ُ مو ْ ِ ن َ م لِبيهِ ِإل عَ ْ هي َ فاُر إ ِب َْرا ِست ِغْ َ ا ْ
ي كلمات ،فدخلن في أذني ه { قال :وُذكر لنا أن نبي الله قال " :أوحى إل ّ من ْ ُ
ِ
ض َ
ل ت أل أستغفَر لمن مات مشركا ،ومن أعطى فَ ْ مْر ُ ووقَْرن في قلبي :أ ِ
َ
ماله فهو خيٌر له ،ومن أمسك فهو شٌر له ،ول يلوم الله على كفاف".
جبير قال :مات رجل يهودي وله وقال الثوري ،عن الشيباني ،عن سعيد بن ُ
ابن ) (6مسلم ،فلم يخرج معه ،فذكر ذلك لبن عباس فقال :فكان ينبغي
كله إلى له أن يمشي معه ويدفنه ،ويدعو له بالصلح ما دام حيا ،فإذا مات و ّ
ها إ ِّياهُ عد َةٍ وَعَد َ َ مو ْ ِن َ م لِبيهِ ِإل عَ ْ هي َ فاُر إ ِب َْرا ِ ست ِغْ َ
نا ْ كا َ ما َ شأنه ثم قال } :وَ َ
ع.
ه { لم ي َد ْ ُ َ ّ فَل َما تبين ل َ َ
من ْ ُ
ه عَد ُوّ ل ِلهِ ت َب َّرأ ِ ه أن ّ ُ ّ ََّ َ ُ
]قلت[ ) (7وهذا يشهد له بالصحة ما رواه أبو داود وغيره ،عن علي بن أبي
طالب قال :لما مات أبو طالب قلت :يا رسول الله ،إن عمك الشيخ الضال
ن شيئا حتى تأتيني" .وذكر تمام حدث َ ّ واره ول ت ُ ْ قد مات .قال " :اذهب فَ َ
الحديث(8) .
مّرت به جنازة عمه أبي ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما َ
م يا عم"(9) . ح ٌ ك َر ِ صلت َ طالب قال " :وَ َ
__________
) (1وقد رأيت أن ذلك ل يصح .والله أعلم.
) (2في ت ،أ " :عنه".
) (3في ت " :إياها".
) (4في أ " :أنزلت".
) (5زيادة من ت ،ك ،أ.
) (6في ك " :ولد".
) (7زيادة من أ.
) (8سنن أبي داود برقم ).(3214
) (9ورواه ابن عدي في الكامل ) (1/260من طريق الفضل بن موسى ،عن
إبراهيم بن عبد الرحمن -وهو ضعيف -عن ابن جريج عن عطاء ،عن ابن
عباس مرفوعا ولفظه " :وصلتك رحم وجزيت خيرا يا عم" .وإبراهيم بن عبد
الرحمن قال ابن عدي " :أحاديثه عن كل من روى ليست بمستقيمة" ثم قال
" :وعامة أحاديثه غير محفوظة".
) (4/224
وقال عطاء بن أبي رباح :ما كنت لدع الصلة على أحد من أهل القبلة ،ولو
كانت حبشية حبلى من الزنا ؛ لني لم أسمع الله حجب الصلة إل على
َ
نمُنوا أ ْ
نآ َ ي َوال ّ ِ
ذي َ ن ِللن ّب ِ ّ كا َ ما َ المشركين ،يقول الله ،عز وجل َ } :
ن {.كي َشرِ ِ م ْ فُروا ل ِل ْ ُ
ست َغْ ِيَ ْ
كيع ،عن أبيه ،عن عصمة بن زامل ،عن أبيه جرير ،عن ابن وَ ِ ن َ وروى اب ُ
قال :سمعت أبا هريرة يقول :رحم الله رجل استغفر لبي هريرة ولمه.
قلت :ولبيه ؟ قال :ل .قال :إن أبي مات مشركا(1) .
َ وقوله } :فَل َما تبين ل َ َ
ه { قال ابن عباس :ما زال من ْ ُه عَد ُوّ ل ِل ّهِ ت َب َّرأ ِ ه أن ّ ُ
ّ ََّ َ ُ
إبراهيم يستغفر لبيه حتى مات ،فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه .وفي
رواية :لما مات تبين له أنه عدو لله.
وكذا قال مجاهد ،والضحاك ،وقتادة ،وغيرهم ،رحمهم الله.
جب َْير :إنه يتبرأ منه ]في[ ) (2يوم القيامة وقال عُب َْيد بن عمير ،وسعيد بن ُ
قْترة فيقول :يا إبراهيم ،إني كنت حين يلقى أباه ،وعلى وجه أبيه الُغبرة وال ُ
أعصيك وإني اليوم ل أعصيك .فيقول :أيْ َربي ،ألم تعدني أل تخزني يوم
يبعثون ؟ فأيّ خْزي أخزى من أبي البعد ؟ فيقال :انظر إلى ما وراءك ،فإذا
ضْبعاًنا ،ثم يسحب بقوائمه ،ويلقى في ذيٍخ متلطخ ،أي :قد مسخ ِ هو ب ِ ِ
النار.
م { قال سفيان الثوري وغير واحد ،عن حِلي ٌ م لّواه ٌ َ هي َن إ ِب َْرا ِ وقوله } :إ ِ ّ
حَبيش ،عن عبد الله بن مسعود أنه قال :الواه دلة ،عن زِّر بن ُ عاصم بن ب َهْ َ
عاء .وكذا روي من غير وجه ،عن ابن مسعود. :الد ّ ّ
مْنهال ،حدثنا عبد الحميد وقال ابن جرير :حدثني المثنى :حدثنا الحجاج بن ِ
حوشب ،عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال : شْهر بن َ بن ب َْهرام ،حدثنا َ
بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس قال رجل :يا رسول الله ،ما
م { )(3حِلي ٌم لّواه ٌ َ هي َن إ ِب َْرا ِ الّواه ؟ قال " :المتضرع" ،قال } :إ ِ ّ
ورواه ) (4ابن أبي حاتم من حديث ابن المبارك ،عن عبد الحميد بن ب َهَْرام ،
عاء. به ،قال :المتضرع :الد ّ ّ
طين عن أبي العُب َْيدْين أنه وقال الثوري ،عن سلمة بن ك ُهَْيل ،عن مسلم الب َ ِ
سأل ابن مسعود عن الواه ،فقال :هو الرحيم.
حبيل ،والحسن البصري ، شَر ْ وبه قال مجاهد ،وأبو ميسرة عمرو بن ُ
وقتادة :أنه الرحيم ،أي :بعباد الله.
__________
) (1تفسير الطبري ).(14/517
) (2زيادة من ت ،ك ،أ.
) (3تفسير الطبري ).(14/531
) (4في ت ،أ " :وروى".
) (4/225
رمة ،عن ابن عباس قال :الّواه : عك ْ ِ
وقال ابن المبارك ،عن خالد ،عن ِ
الموقن بلسان الحبشة (1) .وكذا قال العوفي ،عن ابن عباس :أنه الموقن.
وكذا قال مجاهد ،والضحاك .وقال علي بن أبي طلحة ،ومجاهد ،عن ابن
عباس :الواه :المؤمن -زاد علي بن أبي طلحة عنه :المؤمن التواب .وقال
جَرْيج :هو المؤمن العوفي عنه :هو المؤمن بلسان الحبشة .وكذا قال ابن ُ
بلسان الحبشة.
وقال أحمد :حدثنا موسى ،حدثنا ابن لِهيعة ،عن الحارث بن يزيد ،عن علي
بن رباح ،عن عقبة بن عامر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لرجل يقال له "ذو الِبجادين" " :إنه أواه" ،وذلك أنه رجل ) (2كثير الذكر لله
في القرآن ويرفع صوته في الدعاء.
ورواه ابن جرير(3) .
وقال سعيد بن جبير ،والشعبي :الواه :المسّبح .وقال ابن وهب ،عن
جَبير بن نفير ،عن أبي الدرداء ، معاوية بن صالح ،عن أبي الزاهرية ،عن ُ
فى بن رضي الله عنه ،قال :ل يحافظ على سبحة الضحى إل أواه .وقال ُ
ش َ
مانع ،عن أيوب :الواه :الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها.
وعن مجاهد :الواه :الحفيظ الوجل ،يذنب الذنب سرا ،ثم يتوب منه سرا.
ذكر ذلك كّله ابن أبي حاتم ،رحمه الله.
كيع ،حدثنا المحاربي ،عن حجاج ،عن الحكم ، وقال ابن جرير :حدثنا ابن وَ ِ
عن الحسن بن مسلم بن يناق :أن رجل كان يكثر ذكر الله ويسّبح ،فذكر
ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ،فقال " :إنه أواه"(4) .
من َْهال بن خليفة ،عنوقال أيضا حدثنا أبو ك َُريب ،حدثنا ابن يمان ،حدثنا ال ِ
جاج بن أرطأة ،عن عطاء ،عن ابن عباس ؛ أن النبي صلى الله عليه ح ّ
َ
ت لواها"! يعني َ :تلًء للقرآن ) وسلم دفن ميتا ،فقال " :رحمك الله إن كن َ
(5وقال شعبة ،عن أبي يونس الباهلي قال :سمعت رجل بمكة -وكان
أصله روميا ،وكان قاصا -يحدث عن أبي ذر قال :كان رجل يطوف بالبيت
ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم الحرام ويقول في دعائه " :أّوه أّوه" ،ف ُ
فقال :إنه أواه .قال :فخرجت ذات ليلة ،فإذا رسول الله صلى الله عليه
وسلم يدفن ذلك الرجل ليل ومعه المصباح.
هذا حديث غريب رواه ابن جرير ومشاه(6) .
م لّواهٌ { قال :كان إذا ذكر هي َ
ن إ ِب َْرا ِوروي عن كعب الحبار أنه قال } (7) :إ ِ ّ
النار قال " :أّوه من النار".
__________
) (1في ت " :الحبشية".
) (2في ت ،أ " :رجل كان كثير الذكر".
) (3المسند ) (4/159وتفسير الطبري ) (14/533وحسنه الهيثمي في
المجمع ) (9/369وفيه ابن لهيعة متكلم فيه.
) (4تفسير الطبري ).(14/529
) (5تفسير الطبري ).(14/530
) (6تفسير الطبري ) .(14/530ورواه الحاكم في المستدرك ) (1/368من
طريق شعبة به ،وقال " :إسناده معضل".
) (7في هـ ،ت ،أ " :أنه قال :سمعت".
) (4/226
ل ن الل ّ َ
ه ب ِك ُ ّ ن إِ ّقو َ
ما ي َت ّ ُ ن ل َهُ ْ
م َ حّتى ي ُب َي ّ َ
م َ ما ب َعْد َ إ ِذ ْ هَ َ
داهُ ْ ل قَوْ ً ض ّ ن الل ّ ُ
ه ل ِي ُ ِ ما َ
كا َ وَ َ
ما ل َك ُْ
م و ت مي ي و يي ح ي ض ر َ ْ
ل وا ت واما س ال ُ
ك ْ ل م ه َ ل ه ّ لال ن إ (115 ) م َ
َُ ِ ُ َ َ ّ َ َ ِ َ ْ ِ ُ ْ ِ َ ُ ُ ِ ّ ش ْ َِ ٌ
لي ع ٍ ءي
صيرٍ )(116 ي وََل ن َ ِ ن وَل ِ ّ م ْن الل ّهِ ِ ن ُدو ِ م ْ ِ
م لّواه ٌ { قال :فقيه. هي َ ن إ ِب َْرا ِ جَرْيج عن ابن عباس } :إ ِ ّ وقال ابن ُ
قال المام العلم أبو جعفر بن جرير :وأولى القوال قول من قال :إّنه
عاء ،وهو المناسب للسياق ،وذلك أن الله تعالى لما ذكر أن إبراهيم إنما الد ّ
استغفر لبيه عن موعدة وعدها إياه ،وقد كان إبراهيم كثير الدعاء حليما
عمن ظلمه وأناله مكروها ؛ ولهذا استغفر لبيه مع شدة أذاه ) (1في قوله :
َ َ
لمل ِّياَ .قا َ جْرِني َ ك َواهْ ُ من ّ َ ج َ م ت َن ْت َهِ لْر ُ ن لَ ْ م ل َئ ِ ْ هي ُ ن آل ِهَِتي َيا إ ِب َْرا ِ ت َعَ ْ ب أن ْ َ } أَراِغ ٌ
فّيا { ]مريم ، [47 ، 46 :فحلم ح ِ ن ِبي َ كا َ ه َ ك َرّبي إ ِن ّ ُ فُر ل َ َ ست َغْ ِ سأ ْ ك َ م عَل َي ْ َ سل ٌ َ
ه وا ل م
ِ ّ ِْ َ ِ َ ّ ٌ هي را ب إ ن إ } : تعالى قال ولهذا ؛ واستغفر له ودعا ، له أذاه مع عنه
م { )(2 حِلي ٌ َ
ه ب ِك ُ ّ
ل َ ّ ل ال ن
ّ ِ إ ن
َ قو ُ ّ تَ ي ما
َ ُ ْ َ م ه َ ل ن ّ يَ بُ ي تى ّ ح
َ م
ْ ُ ه دا
َ َ ه ْ ذِ إ َ دْ ع َ ب ماْ ً و َ ق ّ
ل ض
ِ ُ ي ِ ل هُ ّ ل ال ن
َ كاَ ما َ َ و }
ما ل َك ُْ
م و
ُ َ َ ت مي ِ ُ ي َ و يي ِ ح
ْ ُ ي ض ر وال ت ِ وا ما
ّ َ َ س ال ك ُ ْ ل م
َ ُ ُ ه َ ل ه ّ لال ن
ّ إ ( 115 ) م
ٌ لي
ِ َ ع ٍ ء ي
ش ْ َ
َ ْ ِ ِ
صيرٍ ){ (116 ي َول ن َ ِ ن وَل ِ ّ م ْ ن اللهِ ِ ّ ن ُدو ِ م ْ ِ
يقول تعالى مخبرا عن نفسه الكريمة وحكمه العادل :إنه ل يضل قوما بعد
بلغ ) (3الرسالة إليهم ،حتى يكونوا قد قامت عليهم الحجة ،كما قال
َ
دى { الية ]فصلت : مى عََلى ال ْهُ َ حّبوا ال ْعَ َ ست َ َ م َفا ْ مود ُ فَهَد َي َْناهُ ْ ما ث َ ُ تعالى } :وَأ ّ
.[17
حّتى م َ داهُ ْ ما ب َعْد َ إ ِذ ْ هَ َ ضل قوْ ً َ ّ ه ل ِي ُ ِ ّ
ن الل ُ َ
ما كا َ وقال مجاهد في قوله تعالى } :وَ َ
ن { قال :بيان الله ،عز وجل ،للمؤمنين في الستغفار قو َ ما ي َت ّ ُ م َ ن ل َهُ ْ ي ُب َي ّ َ
للمشركين خاصة ،وفي بيانه طاعته ومعصيته عامة ،فافعلوا أو َذروا.
وقال ابن جرير :يقول الله تعالى :وما كان الله ليقضي عليكم في
استغفاركم لموتاكم المشركين بالضلل بعد إذ رزقكم الهداية ووفقكم
لليمان به وبرسوله ،حتى يتقدم إليكم بالنهي عنه فتتركوا ،فأما قبل أن
يبين لكم كراهيته ) (4ذلك بالنهي عنه ،ثم تتعدوا نهيه إلى ما نهاكم عنه ،
فإنه ل يحكم عليكم بالضلل ،فإن الطاعة والمعصية إنما يكونان من المأمور
ه فغير كائن مطيعا أو عاصًيا فيما لم يؤمر مر ولم ي ُن ْ َ والمنهي ،وأما من لم ُيؤ َ
به ولم ينه عنه.
نن ُدو ِ م ْ م ِ ُ
ما لك ْ َ ت وَ َ مي ُ حِيي وَي ُ ِ ض يُ ْ ُ ْ َ ّ
ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َ ملك ال ّ ه ُ هل ُ ن الل َ وقوله } :إ ِ ّ
صيرٍ { قال ابن جرير :هذا تحريض من الله لعباده ي َول ن َ ِ ن وَل ِ ّ الل ّهِ ِ
م ْ
المؤمنين في قتال المشركين وملوك الكفر ،وأن ) (5يثقوا بنصر الله مالك
السماوات والرض ،ولم يرهبوا من أعدائه فإنه ل ولي لهم من دون الله ،
ول نصير لهم
__________
) (1في ك " :أذاه له".
) (2تفسير الطبري ).(14/532
) (3في ت " :إبلغ".
) (4في ت " :كراهية".
) (5في ت ،ك " :وأنهم".
) (4/227
َ
ة ساعَةِ ال ْعُ ْ
سَر ِ ن ات ّب َُعوه ُ ِفي َ ذي َ صارِ ال ّ ِ
ن َواْلن ْ َ ري َ ج ِ
مَها ِي َوال ْ ُه عََلى الن ّب ِ ّ ب الل ّ ُ
قد ْ َتا َ لَ َ
م)حي ٌ ف َر ِ
م َرُءو ٌ
ه ب ِهِ ْ ب عَل َي ْهِ ْ
م إ ِن ّ ُ م َتا َ م ثُ ّ
من ْهُ ْ
ق ِ ري ٍب فَ ِ زيغُ قُُلو ُ ما َ
كاد َ ي َ ِ ن ب َعْد ِ َ
م ْ ِ
(117
سواه.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا علي بن أبي دلمة البغدادي ،حدثنا عبد الوهاب
رز ،عن حكيم بن ح ِ
م ْ
بن عطاء ،حدثنا سعيد ،عن قتادة ،عن صفوان بن ُ
حزام قال :بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه إذ قال لهم :
"هل تسمعون ما أسمع ؟" قالوا ما نسمع من شيء .فقال رسول الله صلى
ط ،وما فيها من الله عليه وسلم " :إني لسمع أطيط السماء ،وما تلم أن َتئ ّ
موضع شبر إل وعليه ملك ساجد أو قائم"(1) .
وقال كعب الحبار :ما من موضع خرمة ) (2إبرة من الرض إل وملك موكل
بها ،يرفع علم ذلك إلى الله ،وإن ملئكة السماء لكثر من عدد التراب ،وإن
خه مسيرة مائة عام. م ّحملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى ُ
ة
ساعَ ِن ات ّب َُعوه ُ ِفي َ ذي َ ّ
صارِ ال ِ ن َوالن ْ َ ري َج ِ ي َوال ْ ُ
مَها ِ ه عََلى الن ّب ِ ّ ب الل ّ ُقد ْ َتا َ } لَ َ
ف
م َرُءو ٌ ه ب ِهِ ْ ب عَل َي ْهِ ْ
م إ ِن ّ ُ م َتا َ م ثُ ّ من ْهُ ْ
ق ِري ٍب فَ ِ زيغُ قُُلو ُ ما َ
كاد َ ي َ ِ ن ب َعْد ِ َم ْسَرةِ ِ ال ْعُ ْ
م ){ (117 حي ٌ َر ِ
قال مجاهد وغير واحد :نزلت هذه الية في غزوة تبوك ،وذلك أنهم خرجوا
مجدبة وحر شديد ،وعسر من الزاد والماء. إليها في شدة من المر في سنة ُ
َ
قال قتادة :خرجوا إلى الشام عام تبوك في لَهبان الحر ،على ما يعلم الله
من الجهد ،أصابهم فيها جهد شديد ،حتى لقد ذكر لنا أن الرجلين ) (3كانا
يشقان التمرة بينهما ،وكان النفر يتداولون التمرة بينهم ،يمصها هذا ،ثم
يشرب عليها ،ثم يمصها هذا ،ثم يشرب عليها ] ،ثم يمصها هذا ،ثم يشرب
عليها[ ) (4فتاب الله عليهم وأقفلهم من غزوتهم.
وقال ابن جرير :حدثني يونس بن عبد العلى ،أخبرنا ابن وهب ،أخبرني
عمرو بن الحارث ،عن سعيد بن أبي هلل ،عن عتبة بن أبي عتبة ،عن نافع
جَبير بن مطعم ،عن عبد الله بن عباس ؛ أنه قيل لعمر بن الخطاب في بن ُ
شأن العسرة ،فقال عمر بن الخطاب :خرجنا مع رسول الله صلى الله
طش ،حتى عليه وسلم إلى تبوك في قيظ شديد ،فنزلنا منزل فأصابنا فيه عَ َ
ظننا أن رقابنا ستنقطع )] (5حتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الماء ،فل
يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع[ ) (6حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر
فَْرثه فيشربه ،ويجعل ما بقي على كبده ،فقال أبو بكر الصديق :يا رسول
ودك في الدعاء خيرا ،فادع لنا .قال " :تحب الله ،إن الله عز وجل ،قد عَ ّ
ذلك" .قال :نعم! فرفع يديه فلم
__________
) (1ورواه الطبراني في المعجم الكبير ) (3/201وأبو نعيم في الحلية )
(2/217من طريق عبد الوهاب بن عطاء به نحوه ،وقال أبو نعيم " :هذا
حديث غريب من حديث صفوان بن محرز عن حكيم تفرد به عن قتادة سعيد
بن أبي عروبة".
) (2في ت ،أ " :خرم".
) (3في أ " :رجلين".
) (4زيادة من أ.
) (5في ت " :ستقطع".
) (6زيادة من ت ،ك ،أ ،والطبري.
) (4/228
يرجعهما حتى مالت السماء فأظ َّلت ) (1ثم سكبت ،فملئوا ما معهم ،ثم
ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر(2) .
صاِر
ن َوالن ْ َ
ري َ
ج ِمَها ِ ْ
ي َوال ُ َ
ه عَلى الن ّب ِ ّ ب الل ّ ُ قد ْ َتا َ وقال ابن جرير في قوله } :ل َ َ
سَرةِ { أي :من النفقة والظهر والزاد والماء ، ساعَةِ ال ْعُ ْن ات ّب َُعوه ُ ِفي َ ال ّ ِ
ذي َ
م { ) (3أي :عن الحق ويشك في من ْهُ ْق ِ ري ٍ ب فَ ِزيغُ قُُلو ُ ما َ
كاد َ ي َ ِ ن ب َعْد ِ َ
م ْ} ِ
دين رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرتاب ،بالذي نالهم من المشقة
م { يقول :ثم رزقهم النابة إلى ب عَل َي ْهِ ْ م َتا َ والشدة في سفره وغزوه } ،ث ُ ّ
م {.حي ٌف َر ِ م َرُءو ٌ ه ب ِهِ ْربهم ،والرجوع إلى الثبات على دينه } ،إ ِن ّ ُ
__________
) (1في ت ،ك ،أ " :فأهطلت".
) (2تفسير الطبري ) (14/541ورواه ابن حبان في صحيحه برقم )(1707
"موارد" والحاكم في المستدرك ) (1/159من طريق حرملة ابن يحيى ،
ورواه البزار في مسنده برقم )" (1841كشف الستار" من طريق أصبغ بن
الفرج كلهما عن ابن وهب به نحوه ،وقال الحاكم " :هذا حديث صحيح على
شرط الشيخين ولم يخرجاه" .قال المؤلف ابن كثير في السيرة ): (4/16
"إسناد جيد ،ولم يخرجوه من هذا الوجه".
) (3في أ " :يزيغ".
) (4/229
َ
ضاقَ ْ
ت ت وَ َ حب َ ْما َر ُ م اْلْر ُ
ض بِ َ ت عَل َي ْهِ ُ ضاقَ ْ حّتى إ َِذا َ
َ
فوا َ خل ّ ُ
ن ُ وَعََلى الث َّلث َةِ ال ّ ِ
ذي َ
َ م أ َن ْ ُ
ن ب عَل َي ْهِ ْ
م ل ِي َُتوُبوا إ ِ ّ م َتا َن الل ّهِ إ ِّل إ ِل َي ْهِ ث ُ ّم َجأ ِ مل ْ َ
ن َل َ
م وَظ َّنوا أ ْ سهُ ْف ُ عَل َي ْهِ ْ
ذي َ َ
ع
م َكوُنوا َ ه وَ ُ قوا الل ّ َمُنوا ات ّ ُ نآ َ م )َ (118يا أي َّها ال ّ ِ َ حي ُب الّر ِ وا ُ ه هُوَ الت ّ ّ الل ّ َ
ن )(119 صادِِقي َ ال ّ
تضاقَ ْت وَ َ حب َ ْ ما َر ُ ض بِ َ م الْر ُ ت عَل َي ْهِ ُ ضاقَ ْ حّتى إ َِذا َ خل ّ ُ
فوا َ ن ُ ذي َ } وَعََلى الّثلث َةِ ال ّ ِ
َ َ م أ َن ْ ُ
ن
م ل ِي َُتوُبوا إ ِ ّب عَل َي ْهِ ْ م َتا َن الل ّهِ ِإل إ ِل َي ْهِ ث ُ ّم َ جأ ِ مل ْ َ
نل َ م وَظ َّنوا أ ْ سهُ ْف ُ عَل َي ْهِ ْ
َ
ع
م َ كوُنوا َ ه وَ ُ قوا الل ّ َمُنوا ات ّ ُ نآ َ م )َ (118يا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ حي ُب الّر ِ وا ُ ه هُوَ الت ّ ّ الل ّ َ
ن ){ (119 صادِِقي َ ال ّ
قال المام أحمد :حدثنا يعقوب بن إبراهيم ،حدثنا ابن أخي الزهري محمد
بن عبد الله ،عن عمه محمد بن مسلم الزهري ،أخبرني عبد الرحمن بن
عبد الله بن كعب بن مالك ،أن عبد الله بن كعب بن مالك -وكان قائد كعب
دث حديثه حين عمى -قال :سمعت كعب بن مالك يح ّ من بنيه ) (1حين َ
تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ،فقال كعب بن
مالك :لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة غيرها )(2
قط إل في غزوة تبوك ،غير أني كنت تخلفت في غزاة بدر ،ولم يعاَتب أحد ٌ
عير قريش ، تخلف عنها ،وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد ِ
ت مع رسول حتى جمع الله بينهم وبين عدّوهم على غير ميعاد ،ولقد شهد ُ
الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين توافقنا على السلم ،وما أحب
كر في الناس منها وأشهر ،وكان من أن لي بها مشهد بدر ،وإن كانت بدر أذ ْ َ
خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أني
لم أكن قط أقوى ول أيسر مني حين تخّلفت عنه في تلك الغزاة ،والله ما
جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزاة ،وكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم قَّلما يريد غزوة يغزوها إل وَّرى بغيرها ،حتى كانت تلك
حّر شديد ،واستقبل الغزوة فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في َ
جّلى للمسلمين أمرهم سفرا بعيدا ومفاًزا ،واستقبل عدوا كثيًرا ) (3فَ َ
جَهه
ليتأهبوا أهبة عدوهم ،فأخبرهم وَ ْ
__________
) (1في أ " :بيته".
) (2في أ " :غزاها".
) (3في أ " :كبيرا".
) (4/229
الذي يريد ،والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير ،ل
ل رجل يريد أن يتغيب يجمعهم كتاب حافظ -يريد الديوان -فقال كعب :فَ َ
ق ّ
إل ظن أن ذلك سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي من الله ،عز وجل ،وغزا
رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزاة حين طابت الثمار والظل ،وأنا
إليها أصعر .فتجهز إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه ،
وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم ،فأرجع ولم أقض من جهازي شيئا ،فأقول
مر ) لنفسي :أنا قادر على ذلك إذا أردت ،فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى ش ّ
(1بالناس الجد ،فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا والمسلمون
معه ،ولم أقض من جهازي شيئا ،وقلت :الجهاز بعد يوم أو يومين ثم ألحقه
) (2فغدوت بعدما فصلوا لتجهز ،فرجعت ولم أقض شيئا من جهازي .ثم
غدوت فرجعت ولم أقض شيئا ،فلم يزل ]ذلك[ )َ (3يتمادى بي حتى أسرعوا
ت -ثم لم يقدر وتفارط الغزو ،فهممت أن أرتحل فأدركهم -وليت أّني فعل ُ
ت في الناس بعد ]خروج[ ) (4رسول الله صلى ذلك لي ،فطفقت إذا خرج ُ
مْغموصا عليه في ت فيهم[ ) (5يحزنني أل أرى إل رجل َ الله عليه وسلم ]فَ ُ
طف ُ
النفاق ،أو رجل ممن عذره الله ،عز وجل ،ولم يذكرني رسول الله صلى
الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك ،فقال وهو جالس في القوم بتبوك " :ما فعل
سلمة :حبسه يا رسول الله ب ُْرداه ، كعب بن مالك ؟" قال رجل من بني َ
طفيه .فقال له معاذ بن جبل :بئسما قلت! والله يا رسول الله والنظر في عَ ْ
ما علمنا عليه إل خيرا! فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ،قال كعب
جه قافل من بن مالك :فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد َتو ّ
كذب ،وأقول :بماذا أخرج من تبوك حضرني ب َّثي ) (6فطفقت أتذكر ) (7ال َ
ل ذي رأي من أهلي .فلما قيل :إن رسول سخطه غدا ؟ أستعين على ذلك ك ّ
ل قادما ،زاح عني الباطل وعرفت أني لم الله صلى الله عليه وسلم قد أظ ّ
صّبح رسول الله صلى الله عليه ت صدقه ،و َ أنج منه بشيء أبدا .فأجمع ُ
وسلم ،وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ،ثم جلس
للناس .فلما فعل ذلك جاءه المتخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له -
وكانوا بضعة وثمانين رجل -فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
علنيتهم ويستغفر لهم ،ويكل سرائرهم إلى الله تعالى ،حتى جئت ،فلما
سّلمت عليه تبسم تبسم المغضب ،ثم قال لي " :تعال" ،فجئت أمشي حتى
ت بين يديه ،فقال لي " :ما خّلفك ،ألم تك قد اشتريت ظهرك" ؟ جلس ُ
قال :فقلت :يا رسول الله ،إني لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت
ت لئن دل ولكنه والله لقد علم ُ ج َ
ت َ
خطه بعذر ،لقد أعطي ُ س َأن أخرج من َ
سخطك علي ،ولئن كذب ترضى به عني ،ليوشكن الله ي ُ ْ دثتك اليوم حديث َ ح ّ
َ
وا[ ) (8من ً ]عف ذلك عقبى أقرب لرجو إني ، فيه ي
ّ عل
َ ُ د تجَ بصدق حدثتك
الله ،عز وجل ) (9والله ما كان لي عذر ،والله ما كنت قط أفرغ ول أيسر
مني حين تخلفت عنك قال :فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :أما
هذا فقد صدق ،فقم حتى يقضي الله فيك" .فقمت وبادرني رجال من بني
سلمة واتبعوني ،فقالوا لي :والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ،
جزت أل تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ولقد عَ َ
اعتذر به المتخلفون ) (10فقد كان كافيك ]من ذنبك[ ) (11استغفار رسول
الله صلى الله عليه وسلم لك .قال :فوالله ما زالوا يؤّنبوني حتى أردت أن
ذب نفسي :قال :ثم قلت لهم :هل لقي هذا معي أحد ؟ قالوا : أرجع فُأك ّ
ت ،وقيل لهما مثل ما قيل لك. نعم ] ،لقيه معك[ ) (12رجلن ،قال ما قل َ
مَرارة بن الربيع العامري ،وهلل بن أمية الواقفي. قلت :فمن هما ؟ قالوا ُ :
فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا لي فيهما أسوة .قال :فمضيت
حين ذكروهما لي -قال :ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين
عن كلمنا -أيها الثلثة -من بين من تخلف عنه ،فاجتَنبَنا الناس وتغّيروا لنا ،
ض ،فما هي بالرض التي كنت أعرف ،فلبثنا ت لي في نفسي الر ُ حتى تنكَر ْ
على ذلك خمسين ليلة .فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان ،
شب القوم وأجَلدهم ،فكنت أشهد الصلة مع المسلمين ، وأما أنا فكنت أ َ
وأطوف بالسواق فل يكلمني أحد ،وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم
حّرك شفتيه برد وهو في مجلسه بعد الصلة فأسلم ،وأقول في نفسي َ :
ي أم ل ؟ ثم أصلي قريبا منه ،وأسارقه النظر ،فإذا أقبلت على السلم عل ّ
صلتي نظر إلي ،فإذا التفت نحوه أعَرض ،حتى إذا طال علي ذلك من هجر
شيت حتى تسورت حائط أبي قتادة -وهو ابن عمي ،وأحب م َالمسلمين َ
الناس إلي -فسلمت عليه ،فوالله ما رد علي السلم ،فقلت له :يا أبا
دك الله :هل تعلم أني أحب الله ورسوله ؟ قال :فسكت .قال : قتادة ،أنش ُ
ت فنشدته ]فسكت ،فعدت فنشدته[ ) (13فقال :الله ورسوله أعلم. فعد ُ
ورت الجدار .فبينا ) (14أنا أمشي قال :ففاضت عيناي وتوليت حتى تس ّ
ي من أنباط الشام ،ممن )َ (15قدم بطعام يبيعه بسوق المدينة إذا ن َب َط ِ ّ
فقَ الناس يشيرون بالمدينة يقول :من يدل على كعب بن مالك ؟ قال :فط ِ
ي ،حتى جاء فدفع إلي كتابا من ملك غسان ،وكنت كاتبا ) (16فإذا فيه له إل ّ
هوان ول :أما بعد ،فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار َ
ضا من البلء. ك .قال :فقلت حين قرأتها :وهذا أي ً ضَيعة ،فالحق بنا ُنواس َ م ْ َ
سجرته ) (17حتى إذا مضت أربعون ليلة من قال :فتيممت به التنور فَ َ
الخمسين ،إذا برسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني ،فقال :إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك .قال :فقلت :
أطلقها أم ماذا أفعل ؟ قال :بل اعتزلها ول تقربها .قال :وأرسل إلى
ي بمثل ذلك قال :فقلت لمرأتي :الحقي بأهلك ،فكوني عندهم حتى صاحب ّ
يقضي الله في هذا المر .قال :فجاءت امرأة هلل بن أمية رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقالت له :يا رسول الله ،إن هلل شيخ ضائع ليس له خادم
،فهل تكره أن أخدمه ؟ قال " :ل ولكن ل يقرب َّنك" قالت :وإنه والله ما به
حركة إلى شيء ،والله ما يزال يبكي من لدن أن كان من أمرك ما كان إلى
يومه هذا .قال :فقال لي بعض أهلي :لو استأذنت رسول الله صلى الله
عليه وسلم في امرأتك ،فقد أذن لمرأة هلل بن أمية أن تخدمه .قال :
فقلت :والله ل أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وما أدري ما
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته وأنا رجل شاب ؟ قال :
فلبثنا ]بعد ذلك[ ) (18عشر ليال ،فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى عن
كلمنا قال :ثم صليت صلة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من
بيوتنا ،فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى منا :قد ضاقت علي
سْلع نفسي ،وضاقت علي الرض بما رحبت سمعت صارخا أوفى على جبل َ
يقول بأعلى صوته :يا كعب بن مالك ،أبشر .قال :فخررت ساجدا ،
وعرفت أن ) (19قد جاء فرج ،فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة
ي
الله علينا حين صلى الفجر ،فذهب الناس يبشروننا ،وذهب قَِبل صاحب ّ
سا ،وسعى ساع من أسلم وأوفى على جل فر ً مبشرون ،وركض إلي ر ُ
الجبل ،فكان الصوت أسرع من الفرس .فلما جاءني الذي سمعت صوته
يبشرني ،فنزعت ) (20ثوبي ،فكسوتهما إياه ببشارته ،والله ما أملك
غيرهما يومئذ ،واستعرت ثوبين فلبستهما ،وانطلقت أؤم رسول الله صلى
الله عليه وسلم ،يلقاني الناس فوجا فوجا يهنئوني بالتوبة ،يقولون :ل ِي َْهنك
توبة الله عليك .حتى دخلت المسجد ،فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ي طلحة بن عبيد الله ُيهرول ،حتى جالس في المسجد حوله الناس ،فقام إل ّ
صافحني وهَّنأني ،والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره قال :فكان
كعب ل ينساها لطلحة .قال كعب :فلما سلمت على رسول الله صلى الله
مّر عليك منذ عليه وسلم قال وهو يبُرق وجهه من السرور " :أبشر بخير يوم َ
مك" .قال :قلت :أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله ؟ قال : ولدتك أ ّ
سّر "ل بل من عند الله" .قال :وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ُ
استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر ،حتى يعرف ذلك منه .فلما جلست بين
يديه قلت :يا رسول الله ،إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله
وإلى رسوله .قال " :أمسك عليك بعض مالك ،فهو خير لك" .قال :فقلت :
فإني أمسك سهمي الذي بخيبر .وقلت :يا رسول الله ،إنما نجاني الله
بالصدق ،وإن من توبتي أل أحدث إل صدقا ما بقيت .قال :فوالله ما أعلم
أحدا من المسلمين أبله الله من الصدق في الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول
الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلني الله تعالى ،والله ما تعمدت
ة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا ،وإني كذب َ ً َ
هّ
ب الل ُ قد ْ َتا َ َ
لرجو أن يحفظني الله فيما بقي .قال :وأنزل الله تعالى } :ل َ
ما ن ب َعْد ِ َ م ْ سَرةِ ِ ساعَةِ ال ْعُ ْ ن ات ّب َُعوه ُ ِفي َ ذي َ صارِ ال ّ ِ ن َوالن ْ َ ري َ ج ِ مَها ِ ي َوال ْ ُ عََلى الن ّب ِ ّ
م .وَعََلى الّثلث َ ِ
ة حي ٌ ف َر ِ م َرُءو ٌ ه ب ِهِ ْ ب عَل َي ْهِ ْ
م إ ِن ّ ُ م َتا َ م ثُ ّ من ْهُ ْق ِ ٍ ري
ِ ب فَ زيغُ قُُلو ُ ِ كاد َ ي َ َ
م
سهُ ْ ف ُ م أ َن ْ ُ ت عَل َي ْهِ ْ ضاقَ ْ ت وَ َ حب َ ْما َر ُ ض بِ َ م الْر ُ ت عَل َي ْهِ ُ ضاقَ ْ حّتى إ َِذا َ فوا َ خل ّ ُ ن ُ ذي َ ال ّ ِ
َ َ
ب وا ُ ه هُوَ الت ّ ّ ن الل ّ َ م ل ِي َُتوُبوا إ ِ ّ ب عَل َي ْهِ ْ م َتا َ ن الل ّهِ ِإل إ ِل َي ْهِ ث ُ ّ م َ جأ ِ مل ْ َ نل َ وَظ َّنوا أ ْ
َ
ن { قال كعب : صادِِقي َ معَ ال ّ كوُنوا َ ه وَ ُ قوا الل ّ َ مُنوا ات ّ ُ نآ َ ذي َ مَ .يا أي َّها ال ّ ِ حي ُ الّر ِ
م في فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني للسلم أعظ َ
َ
ل الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أل أكون كذ َب ُْته نفسي من صدقي رسو َ
ذبوه ]حين كذ َُبوه[ ) (21؛ فإن الله تعالى قال للذين َ فأهلك كما هلك الذين ك َ َ
ذبوه حين أنزل الوحي شر ما قال لحد ،قال ) (22الله تعالى : كَ َ
َ
مم إ ِن ّهُ ْ ضوا عَن ْهُ ْ م فَأعْرِ ُ ضوا عَن ْهُ ْ م ل ِت ُعْرِ ُ م إ ِل َي ْهِ ْقل َب ْت ُ ْ م إ َِذا ان ْ َ ن ِبالل ّهِ ل َك ُ ْ فو َ حل ِ ُ سي َ ْ } َ
رجس و ْ
م فَإ ِ ْ
ن وا عَن ْهُ ْ ض ْ ن ل َك ُ ْ
م ل ِت َْر َ فو َ حل ِ ُن .ي َ ْسُبو َكاُنوا ي َك ْ ِما َجَزاًء ب ِ َ م َ جهَن ّ ُ
م َ مأَواهُ ْ ِ ْ ٌ َ َ
ن { ]التوبة .[96 ، 95 : قي َ س ِ فا ِ ْ
قوْم ِ ال َ ْ
ن ال َ ّ َ
ضى عَ ِ ه ل ي َْر َ ن الل َ م فإ ِ ّ وا عَن ْهُ ْ ض ْت َْر َ
خلفنا -أيها الثلثة -عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله ّ قال :وكنا ُ
ل الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا ،فبايعهم واستغفر لهم ،وأرجأ رسو ُ
أمَرنا ،حتى قضى الله فيه ،فبذلك قال الله تعالى } (23) :وَعََلى الّثلث َ ِ
ة
خّلفنا بتخلفنا فوا { وليس تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا الذي ذكر مما ُ خل ّ ُ ن ُ ذي َ ال ّ ِ
عن الغزو ،وإنما هو عمن حلف له واعتذر إليه ،فقبل منه.
هذا حديث صحيح ثابت متفق على صحته ،رواه صاحبا الصحيح :البخاري
ومسلم من حديث الزهري ،بنحوه(24) .
فقد تضمن هذا الحديث تفسير هذه الية الكريمة بأحسن الوجوه وأبسطها.
وكذا ُروي عن غير واحد من السلف في تفسيرها ،كما رواه العمش ،عن
ن
ذي َ أبي سفيان ،عن جابر بن عبد الله في قوله تعالى } :وَعََلى الّثلث َةِ ال ّ ِ
مرارة بن ربيعة وكلهم فوا { قال :هم كعب بن مالك ،وهلل بن أمية ،و ُ خل ّ ُ ُ
من النصار.
وكذا قال مجاهد ،والضحاك ،وقتادة ،والسدي وغير واحد -وكلهم قال :
مرارة بن ربيعة. ُ
]وكذا في مسلم :مرارة بن ربيعة في بعض نسخه ،وفي بعضها :مرارة بن
الربيع[(25) .
جَبير :ربيع بن مرارة. وفي رواية عن سعيد بن ُ
وقال الحسن البصري :ربيع بن مرارة ) (26أو مرارة ) (27بن ربيع.
مرارة بن الربيع ،كما وقع في الصحيحين ،وهو وفي رواية عن الضحاك ُ :
الصواب.
وقوله " :فسموا رجلين شهدا بدرا" ،قيل :إنه خطأ من الزهري ،فإنه ل
شهود ُ واحد من هؤلء الثلثة بدرا ،والله أعلم. ي ُعَْرف ُ
ولما ذكر تعالى ما فّرج به عن هؤلء الثلثة من الضيق والكرب ،من هجر
المسلمين إياهم نحوا من خمسين ليلة بأيامها ،وضاقت عليهم أنفسهم ،
ددت عليهم المسالك حبت ،أي :مع سعتها ،فس ّ وضاقت عليهم الرض بما َر ُ
والمذاهب ،فل يهتدون ما يصنعون ،فصبروا لمر الله ،واستكانوا لمر الله ،
وثبتوا حتى فرج الله عنهم بسبب صدقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
في تخلفهم ،وأنه كان عن غير عذر ،فعوقبوا على ذلك هذه المدة ،ثم تاب
الله عليهم ،فكان ) (28عاقبة صدقهم خيرا لهم وتوبة عليهم ؛ ولهذا قال } :
َ
دقوا والزموا ن { أي :اص ُ صادِِقي َ معَ ال ّ كوُنوا َه وَ ُ قوا الل ّ َمُنوا ات ّ ُ نآ َ ذي َ َيا أي َّها ال ّ ِ
الصدق تكونوا مع أهله وتنجوا من المهالك ويجعل لكم فرجا من أموركم ،
ومخرجا ،وقد قال المام أحمد :حدثنا أبو معاوية ،حدثنا العمش عن شقيق
) (29؛ عن عبد الله ،هو ابن مسعود ،رضي الله عنه ،قال :قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " :عليكم بالصدق ؛ فإن الصدق يهدي إلى البر وإن
البر يهدي إلى الجنة ،وما يزال الرجل يصدق ويتحّرى الصدق حتى يكتب عند
الله صديقا ،وإياكم والكذب ،فإن الكذب يهدي إلى الفجور ،وإن الفجور
يهدي إلى النار ،وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب ،حتى
__________
) (1في ت ،ك " :استمر".
) (2في ت " :ألحقهم".
) (3زيادة من ت ،ك ،أ ،والمسند.
) (4زيادة من ت ،ك ،أ ،والمسند.
) (5زيادة من ت ،ك ،أ ،والمسند.
) (6في أ " :شيء".
) (7في ت ،أ " :أتفكر".
) (8زيادة من ت ،ك ،أ ،والمسند.
) (9في ت " :تعالى".
) (10في أ " :المخلفون".
) (11زيادة من ت ،ك ،أ ،والمسند.
) (12زيادة من ت ،ك ،أ ،والمسند.
) (13زيادة من ت ،ك ،أ ،والمسند.
) (14في ت ،ك ،أ " :وبينا".
) (15في ت " :فيمن".
) (16في ت " :وكتب كتابا".
) (17في ت ،أ " :فسجرته فيها".
) (18زيادة من ت ،ك ،أ ،والمسند.
) (19في أ " :أنه".
) (20في ت ،ك ،أ " :فنزعت له".
) (21زيادة من ت ،ك ،أ ،والمسند.
) (22في ت ،ك ،أ " :فقال".
) (23في ت " :عز وجل".
) (24المسند ) (459 - 3/456وصحيح البخاري برقم ) (889وبرقم )(2757
وصحيح مسلم برقم ).(2769
) (25زيادة من أ.
) (26في جميع النسخ " :مرار" بدون هاء ،والتصويب من الطبري.
) (27في جميع النسخ " :مرار" بدون هاء ،والتصويب من الطبري.
) (28في ت ،ك ،أ " :وكان".
) (29في أ " :سفيان".
) (4/230
) (4/234
قُهوا
ف ّ
ة ل ِي َت َ َ
ف ٌ م َ
طائ ِ َ ل فِْرقَةٍ ِ
من ْهُ ْ ن كُ ّ م ْ فَر ِ ة فَل َوَْل ن َ َ فُروا َ
كافّ ً ن ل ِي َن ْ ِ
مُنو َ ن ال ْ ُ
مؤ ْ ِ ما َ
كا َ وَ َ
ن )(122 حذ َُرو َ
م يَ ْ ّ َ
م لعَلهُ ْ َ
جُعوا إ ِلي ْهِ ْ م إ َِذا َر َ ن وَل ِي ُن ْذُِروا قَوْ َ
مهُ ْ دي ِ
ِفي ال ّ
م { ولم يقل ب ل َهُ ْن َوادًِيا { أي :في السير إلى العداء } ِإل ك ُت ِ َقط َُعو َ } َول ي َ ْ
ن س ح َ أ هّ ل ال م ه ي ز ج ي ل } : قال ولهذا ؛ عنهم صادرة أفعال هذه لن "به" ها هنا
ُ ْ َ َ َِ ْ َُِ ُ
ن {. مُلو َ
كاُنوا ي َعْ َ ما َ
َ
وقد حصل لمير المؤمنين عثمان بن عفان ،رضي الله عنه ،من هذه الية
الكريمة حظ وافر ،ونصيب عظيم ،وذلك أنه أنفق في هذه الغزوة النفقات
الجليلة ،والموال الجزيلة ،كما قال عبد الله بن المام أحمد :
كن بنس َ حدثنا أبو موسى العنزي ،حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ،حدثني َ
المغيرة ،حدثني الوليد بن أبي هاشم ،عن فرقد أبي طلحة ،عن عبد
خّباب السلمي قال :خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمن بن َ
ي
فحث على جيش العسرة ،فقال عثمان بن عفان ،رضي الله عنه :عل ّ
ي مائة أخرى مائة بعير بأحلسها وأقتابها .قال :ثم حث ،فقال عثمان :عل ّ
بأحلسها وأقتابها .قال :ثم نزل مْرقاة من المنبر ثم حث ،فقال عثمان بن
ى مائة أخرى بأحلسها وأقتابها .قال :فرأيت رسول الله صلى عفان :عل ّ
الله عليه وسلم يقول بيده هكذا -يحركها .وأخرج عبد الصمد يده
كالمتعجب " :ما على عثمان ما عمل بعد هذا"(1) .
مَرة ،حدثنا عبد الله ض ْ وقال عبد الله أيضا :حدثنا هارون بن معروف ،حدثنا َ
مرة س ُ ذب ،عن عبد الله بن القاسم ،عن كثير مولى عبد الرحمن بن َ شوْ َبن َ
،عن عبد الرحمن بن سمرة قال :جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه
جّهز النبي صلى الله عليه وسلم جيش وسلم بألف دينار في ثوبه حين )َ (2
العسرة قال :فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ،فجعل النبي
ضّر ابن عفان ما عمل بعد صلى الله عليه وسلم يقلبها بيده ويقول " :ما َ
اليوم" .يرددها مرارا(3) .
م { الية :ما ب لهُ َْ ُ
ن َوادًِيا ِإل كت ِ َ قطُعو َ َ وقال قتادة في قوله تعالى َ } :ول ي َ ْ
دا إل ازدادوا من الله قربا. ً بع ازداد قوم من أهليهم في سبيل الله
ة
ف ٌ م َ
طائ ِ َ من ْهُ ْل فِْرقَةٍ ِ ن كُ ّ م ْ فَر ِول ن َ َ ة فَل َ ْ كافّ ً فُروا َ ن ل ِي َن ْ ِ
مُنو َمؤ ْ ِن ال ْ ُ كا َما َ } وَ َ
ن ){ (122 حذ َُرو َ م يَ ْ م ل َعَل ّهُ ْ جُعوا إ ِل َي ْهِ ْ م إ َِذا َر َ مهُ ْ ن وَل ِي ُن ْذُِروا قَوْ َدي ِ قُهوا ِفي ال ّ ف ّ
ل ِي َت َ َ
هذا بيان من الله تعالى لما أراد من َنفير الحياء مع الرسول في غزوة تبوك ،
فإنه قد ذهب طائفة من السلف إلى أنه كان يجب النفير على كل مسلم إذا
فاًفاخ َفُروا ِ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا قال تعالى } :ان ْ ِ
ن
م َ م ِ حوْل َهُ ْ ن َ م ْ دين َةِ وَ َ م ِ ل ال ْ َ ن لهْ ِ كا َ ما َ قال { ]التوبة ، [41 :وقال َ } : وَث ِ َ
ل اللهِ { ]التوبة ، [120 :قالوا :فنسخ ذلك ّ ّ َ
سو ِ ن َر ُ فوا عَ ْ خل ُ ن ي َت َ َ
بأ ْ العَْرا ِ
بهذه الية.
__________
) (1زوائد المسند ) (4/75ورواه الترمذي في السنن برقم ) (3700من
طريق السكن بن المغيرة به ،وقال الترمذي " :هذا حديث غريب من هذا
الوجه ل نعرفه إل من حديث السكن بن المغيرة".
) (2في ت ،ك " :حتى".
) (3زوائد المسند ) (5/63ورواه الترمذي في السنن برقم ) (3701من
طريق الحسن بن واقع عن ضمرة بن ربيعة به ،وقال الترمذي " :هذا حديث
حسن غريب من هذا الوجه".
) (4/235
وقد يقال :إن هذا بيان لمراده تعالى من نفير الحياء كلها ،وشرذمة من كل
قبيلة إن لم يخرجوا كلهم ،ليتفقه الخارجون مع الرسول بما ينزل من الوحي
عليه ،وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم بما كان من أمر العدو ،فيجتمع لهم
المران في هذا :النفير المعين وبعده ،صلوات الله وسلمه عليه ،تكون
الطائفة النافرة من الحي إما للتفقه وإما للجهاد ؛ فإنه فرض كفاية على
الحياء.
فُروا
ن ل ِي َن ْ ِ
مُنو َ ْ
مؤ ِ ْ
ن ال ُ َ
ما كا َ
وقال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس } :وَ َ
ة { يقول :ما كان المؤمنون لينفروا جميعا ويتركوا النبي صلى الله عليه كافّ ً َ
ة { يعني :عصبة ،يعني : ف ٌ م َ
طائ ِ َ من ْهُ ْ ل فِْرقَةٍ ِ ن كُ ّ م ْ فَر ِ وسلم وحده } ،فَل َ ْ
ول ن َ َ
السرايا ،ول ي ََتسّروا ) (1إل بإذنه ،فإذا رجعت السرايا وقد نزل بعدهم قرآن
تعلمه القاعدون من النبي صلى الله عليه وسلم ،وقالوا :إن الله قد أنزل
على نبيكم قرآنا ،وقد تعلمناه .فتمكث السرايا يتعلمون ما أنزل الله على
ن{ دي ِ قُهوا ِفي ال ّ ف ّ
نبيهم بعدهم ،ويبعث سرايا أخرى ،فذلك قوله } :ل ِي َت َ َ
يقول :ليتعلموا ما أنزل الله على نبيهم ،وليعلموا السرايا إذا رجعت إليهم }
ن {. حذ َُرو َ ل َعَل ّهُ ْ
م يَ ْ
وقال مجاهد :نزلت هذه الية في أناس من أصحاب محمد صلى الله عليه
وسلم ،خرجوا في البوادي ،فأصابوا من الناس معروفا ،ومن الخصب )(2
ما ينتفعون به ،ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى ،فقال الناس لهم :
ما نراكم إل وقد تركتم أصحابكم وجئتمونا .فوجدوا في أنفسهم من ذلك
تحرجا ،وأقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم
ة { يبتغون )(3 ف ٌ م َ
طائ ِ َ من ْهُ ْ ل فِْرقَةٍ ِ ن كُ ّ م ْ فَر ِ ول ن َ َ ،فقال الله ،عز وجل } :فَل َ ْ
ن[ { ) (4وليستمعوا ما في الناس ،وما أنزل دي ِ قُهوا ]ِفي ال ّ ف ّالخير } ،ل ِي َت َ َ
م ّ َ
م لعَلهُ ْ َ
جُعوا إ ِلي ْهِ ْ َ
م { الناس كلهم } إ ِذا َر َ مهُ ْ َ
الله بعدهم } ،وَل ِي ُن ْذُِروا قوْ َ
ن {. حذ َُرو َ يَ ْ
وقال قتادة في هذه الية :هذا إذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
الجيوش ،أمرهم الله أل ُيعَرْوا ) (5نبّيه صلى الله عليه وسلم ،وتقيم طائفة
مع رسول الله تتفقه في الدين ،وتنطلق طائفة تدعو قومها ،وتحذرهم
وقائع الله فيمن خل قبلهم.
لل الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا بنفسه لم يح ْ وقال الضحاك :كان رسو ُ
لحد من المسلمين أن يتخلف عنه ،إل أهل العذار .وكان إذا أقام فاسترت
السرايا لم يحل لهم أن ينطلقوا إل بإذنه ،فكان الرجل إذا استرى فنزل بعده
قرآن ،تله رسول ) (6الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه القاعدين )(7
معه ،فإذا رجعت السرية قال لهم الذين أقاموا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم :إن الله أنزل بعدكم على نبيه قرآنا .فيقرئونهم ويفقهونهم في
ة { يقول إذا أقام رسول كافّ ً فُروا َ ن ل ِي َن ْ ِمُنو َ مؤ ْ ِ ن ال ْ ُ كا َ ما َ الدين ،وهو قوله } :وَ َ
ة { يعني بذلك :أنه ل ينبغي ف ٌ َ
م طائ ِ َ من ْهُ ْ َ
ل فِْرقةٍ ِ ن كُ ّم ْ فَر ِول ن َ َ الله } فَل َ ْ
للمسلمين أن ينفروا جميعا ونبي الله صلى الله عليه وسلم قاعد ،ولكن إذا
ظم ) (8الناس. قعد نبي الله تسرت السرايا ،وقعد معه عُ ْ
__________
) (1في جميع النسخ " :يسيروا" والمثبت من الطبري ومستفاد من ط.
الشعب.
) (2في ك " :الخطب".
) (3في أ " :يتبعون".
) (4زيادة من أ.
) (5في ت " :أن ل يغزوا" ،وفي أ " :أن يغزوا".
) (6في أ " :نبي".
) (7في ت ،ك ،أ " :القاعدون".
) (8في ت ،أ " :عظيم".
) (4/236
نكا َما َ وقال ]علي[ ) (1بن أبي طلحة أيضا عن ابن عباس :قوله } :وَ َ
ة { فإنها ليست في الجهاد ،ولكن لما دعا رسول الله كافّ ً فُروا َ ن ل ِي َن ْ ِ مُنو َ مؤ ْ ِ ال ْ ُ
مضر بالسنين أجدبت بلدهم ،وكانت القبيلة صلى الله عليه وسلم على ُ
منهم ُتقِبل بأسرها حتى يحلوا بالمدينة من الجهد ،ويعتّلوا بالسلم وهم
كاذبون .فضيقوا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأجهدوهم .فأنزل
الله يخبر رسوله أنهم ليسوا مؤمنين ،فردهم رسول الله إلى عشائرهم ،
جُعوا م إ َِذا َر َ مهُ ْ ذر قومهم أن يفعلوا فعلهم ،فذلك قوله } :وَل ِي ُن ْذُِروا قَوْ َ وح ّ
ن {. حذ َُرو َ م يَ ْ ّ
م لعَلهُ ْ َ إ ِل َي ْهِ ْ
وقال العوفي ،عن ابن عباس في هذه الية :كان ينطلق من كل حي من
العرب عصابة ،فيأتون النبي صلى الله عليه وسلم .فيسألونه عما يريدون
من أمر دينهم ،ويتفقهون في دينهم ،ويقولون لنبي الله :ما تأمرنا أن نفعله
؟ وأخبرنا ]ما نقول[ ) (2لعشائرنا إذا قدمنا انطلقنا إليهم .قال :فيأمرهم
نبي الله بطاعة الله وطاعة رسوله ،ويبعثهم إلى قومهم بالصلة والزكاة.
وكانوا إذا أتوا قومهم نادوا :إن من أسلم فهو منا ،وينذرونهم ،حتى إن
الرجل ليفارق أباه وأمه ،وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرهم
وينذرهم قومهم ،فإذا رجعوا إليهم يدعونهم إلى السلم وينذرونهم النار
ويبشرونهم بالجنة.
م عَ َ
ذاًبا فُروا ي ُعَذ ّب ْك ُ ْ وقال عكرمة :لما نزلت هذه الية ] :الشريفة[ )ِ } (3إل ت َن ْ ِ
َ
ن
م َ م ِ حوْل َهُ ْ ن َ م ْدين َةِ وَ َ م ِ ل ال ْ َن لهْ ِ ما َ
كا َ ما )] { (4التوبة ، [39 :و } َ أِلي ً
َ
ه[ { ]التوبة (5) ، [120 :قال المنافقون ل الل ّ ِ سو ِ ن َر ُ فوا ]عَ ْ خل ّ ُن ي َت َ َ بأ ْ العَْرا ِ
:هلك أصحاب البدو الذين تخلفوا عن محمد ولم ينفروا معه .وقد كان ناس
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجوا إلى البدو إلى قومهم
ول َ
ة فَل ْ كافّ ً فُروا َ ن ل ِي َن ْ ِمُنو َ مؤ ْ ِن ال ْ ُ ما َ
كا َ يفقهونهم ،فأنزل الله ،عز وجل } :وَ َ
هّ
ن ِفي الل ِ جو َ حا ّن يُ َ ذي َ ّ
ة { الية ،ونزلت َ } :وال ِ ف ٌ م َ
طائ ِ َ من ْهُ ْ ل فِْرقَةٍ ِ ن كُ ّ م ْ فَر ِ نَ َ
ه { الية ]الشورى .[16 : َ
بل ُ جي َ ست ُ ِ ما ا ْ ن ب َعْد ِ َ م ْ ِ
قُهوا ِفي ف ّة ل ِي َت َ َف ٌم طائ ِ َ َ ل فِْرقَةٍ ِ
من ْهُ ْ ُ
نك ّ م ْفَر ِ ول ن َ َ َ
وقال الحسن البصري } :فَل ْ
ن { قال :ليتفقه الذين خرجوا ،بما يردهم الله من الظهور على دي ِ ال ّ
المشركين ،والنصرة ،وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم.
__________
) (1زيادة من أ.
) (2زيادة من ت ،ك ،أ.
) (3زيادة من ت.
) (4في ت ،ك " :يعذبكم".
) (5زيادة من ت ،أ.
) (4/237
ذي َ َ
ة َواعْل َ ُ
موا م ِغل ْظ َ ً
دوا ِفيك ُ ْ فارِ وَل ْي َ ِ
ج ُ ن ال ْك ُ ّ
م َ ن ي َُلون َك ُ ْ
م ِ مُنوا َقات ُِلوا ال ّ ِ
ذي َ نآ َ َيا أي َّها ال ّ ِ َ
َ
ن )(123 قي َ معَ ال ْ ُ
مت ّ ِ ه َ ن الل ّ َ أ ّ
م ِغل ْظ َ ً َ
ة دوا ِفيك ُ ْ فارِ وَل ْي َ ِ
ج ُ ن ال ْك ُ ّ
م َ ن ي َُلون َك ُ ْ
م ِ مُنوا َقات ُِلوا ال ّ ِ
ذي َ نآ َ } َيا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
َ
ن ){ (123 قي َ معَ ال ْ ُ
مت ّ ِ ه َن الل ّ َموا أ ّ َواعْل َ ُ
أمر الله تعالى المؤمنين أن يقاتلوا الكفار أول فأول القرب فالقرب إلى
حوزة السلم ؛ ولهذا بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين
في جزيرة العرب ،فلما فرغ منهم وفتح الله عليه مكة والمدينة ،والطائف ،
واليمن واليمامة ،وهجر ،وخيبر ،وحضرموت ،وغير ذلك من أقاليم جزيرة
العرب ،
) (4/237
ودخل الناس من سائر أحياء العرب في دين الله أفواجا ،شرع في قتال أهل
الكتاب ،فتجهز لغزو الروم الذين هم أقرب الناس إلى جزيرة العرب ،
وأولى الناس بالدعوة إلى السلم لكونهم أهل الكتاب ،فبلغ تبوك ثم رجع
دب البلد ) (1وضيق الحال ،وكان ذلك سنة تسع من ج ْلجل جْهد الناس و َ
هجرته ،عليه السلم(2) .
جة الوداع .ثم عاجلته المنية ،صلوات ح ّ ثم اشتغل في السنة العاشرة بحجته َ
الله وسلمه عليه ،بعد الحجة بأحد وثمانين يوما ،فاختاره الله لما عنده.
وقام بالمر بعده وزيره وصديقه وخليفته أبو بكر ،رضي الله عنه ،وقد مال
الدين ميلة كاد أن ينجفل ،فثبته الله تعالى به فوطد القواعد ،وثبت الدعائم.
ورد شارد الدين وهو راغم .ورد أهل ) (3الردة إلى السلم ،وأخذ الزكاة
ممن منعها من الطغام ،وبين الحق لمن جهله ،وأدى عن الرسول ما حمله.
ثم شرع في تجهيز الجيوش السلمية إلى الروم عَب َد َةِ الصلبان ) (4وإلى
الفرس عبدة النيران ،ففتح الله ببركة سفارته البلد ،وأرغم أنفس كسرى
وقيصر ومن أطاعهما من العباد .وأنفق كنوزهما في سبيل الله ،كما أخبر
بذلك رسول الله.
وكان تمام المر على يدي وصّيه من بعده ،وولي عهده الفاروق الّواب ،
شهيد المحراب ،أبي حفص عمر بن الخطاب ،فأرغم الله به أنوف الكفرة
الملحدين ،وقمع الطغاة والمنافقين ،واستولى على الممالك شرًقا وغرًبا.
دا وُقربا .ففرقها على الوجه وحملت إليه خزائن الموال من سائر القاليم بع ً
الشرعي ،والسبيل المرضي.
دا ،أجمع الصحابة من المهاجرين والنصار. دا وقد عاش حمي ً ثم لما مات شهي ً
على خلفة أمير المؤمنين ]أبي عمرو[ ) (5عثمان بن عفان شهيد الدار.
فكسى السلم ]بجلله[ ) (6رياسة حلة سابغة .وأمدت ) (7في سائر
القاليم على رقاب العباد حجة الله البالغة ،وظهر السلم في مشارق
الرض ومغاربها ،وعلت كلمة الله وظهر دينه .وبلغت المة الحنيفية من
أعداء الله غاية مآربها ،فكلما عََلوا أمة انتقلوا إلى من بعدهم ،ثم الذين
مُنوا َقات ُِلوا َ
نآ َ ذي َ يلونهم من العتاة الفجار ،امتثال لقوله تعالى َ } :يا أي َّها ال ّ ِ
ة { ]أي : م ِغل ْظ َ ً دوا ِفيك ُ ْ ج ُ فارِ { وقوله تعالى } :وَل ْي َ ِ ن ال ْك ُ ّ م َ م ِ ن ي َُلون َك ُ ْ
ذي َ ال ّ ِ
وليجد الكفار منكم ) (8غلظة[ ) (9عليهم في قتالكم لهم ،فإن المؤمن
ظا على عدوه الكافر ،كما الكامل هو الذي يكون رفيقا لخيه المؤمن ،غلي ً
َ ْ
ن
مِني َ مؤ ْ ِه أذِل ّةٍ عََلى ال ْ ُ حّبون َ ُ م وَي ُ ِ حب ّهُ ْ قوْم ٍ ي ُ ِ ه بِ َف ي َأِتي الل ّ ُ سو ْ َ قال تعالى } :فَ َ
هّ
ل الل ِ سو ُ مد ٌ َر ُ ح ّ م َ ن { ]المائدة ، [54 :وقال تعالى ُ } : ري َكافِ ِ عّزةٍ عََلى ال ْ َ أَ ِ
م { ]الفتح ، [29 :وقال تعالى } : داُء عََلى ال ْك ُ ّ وال ّذين مع َ
ماُء ب َي ْن َهُ ْ ح َ فارِ ُر َ ش ّ هأ ِ َ ِ َ َ َ ُ
م { ]التوبة ، 73 : َ ْ ُ ْ ْ ُ ْ َ
ن َواغلظ عَلي ْهِ ْ قي َ مَنافِ ِ فاَر َوال ُ جاهِدِ الك ّ ي َ َيا أي َّها الن ّب ِ ّ
والتحريم ، [9 :وفي الحديث :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
حوك في وجه وليه ، ض ُ
قّتال" ،يعني :أنه َ ضحوك ال َ "أنا ال ّ
__________
) (1في ت ،ك ،أ " :الناس".
) (2في أ " :صلى الله عليه وسلم".
) (3في ت " :آل".
) (4في أ " :الصنام".
) (5زيادة من ت ،ك ،أ.
) (6زيادة من ت ،أ.
) (7في أ " :وامتدت".
) (8في ت ،أ " :فيكن".
) (9زيادة من ت ،ك ،أ.
) (4/238
) (4/239
) (4/240
ن مؤ ْ ِ
مِني َ م ِبال ْ ُص عَل َي ْك ُ ْ
ري ٌ ح ِ م َ ما عَن ِت ّ ْ زيٌز عَل َي ْهِ َ
م عَ ِسك ُ ْ ف ِ ن أ َن ْ ُ
م ْ سو ٌ
ل ِ م َر ُجاَءك ُ ْ قد ْ َلَ َ
و
ت وَهُ َ ه إ ِّل هُوَ عَل َي ْهِ ت َوَك ّل ْ ُه َل إ ِل َ َ ي الل ّ ُسب ِ َ ح ْل َق ْوا فَ ُن ت َوَل ّ ْ م ) (128فَإ ِ ْ حي ٌف َر ِ َرُءو ٌ
ظيم ِ )(129 ْ
ش العَ ِ ْ
ب العَْر ِ َر ّ
َ
ن { أي :ل يفهمون عن الله خطابه ،ول يقصدون قُهو َ ف َ م ل يَ ْ م قَوْ ٌ } ب ِأن ّهُ ْ
لفهمه ول يريدونه ،بل هم في شده ) (1عنه ونفور منه فلهذا صاروا إلى ما
صاروا إليه.
م ُ َ َ ُ َ سو ٌ ُ } لَ َ
ص عَلي ْك ْ ري ٌ ح ِم َما عَن ِت ّ ْ
زيٌز عَلي ْهِ َ م عَ ِ سك ْ ف ِ ن أن ْ ُ م ْ ل ِ م َر ُ جاَءك ْ قد ْ َ
ه ِإل هُوَ عَل َي ْ ِ
ه ه ل إ ِل َ َ ي الل ّ ُسب ِ َ ح ْل َ وا فَ ُ
ق ْ ن ت َوَل ّ ْ م ) (128فَإ ِ ْ حي ٌ ف َر ِ ن َرُءو ٌ مِني َ مؤ ْ ِ ِبال ْ ُ
ظيم ِ ){ (129 ش ال ْعَ ِ ب العَْر ِ
ت وَهُوَ َر ّ ْ ت َوَك ّل ْ ُ
يقول تعالى ممتنا على المؤمنين بما أرسل إليهم رسول من أنفسهم ،أي :
ثمن جنسهم وعلى لغتهم ،كما قال إبراهيم ،عليه السلم َ } :رب َّنا َواب ْعَ ْ
ه عََلى ن الل ّ ُ م ّ قد ْ َم { ]البقرة ، [129 :وقال تعالى } :ل َ َ من ْهُ ْ سول ِ م َر ُ ِفيهِ ْ
َ
م { ]آل عمران ، [164 :وقال سهِ ْ ف ِ ن أن ْ ُ م ْ سول ِ م َر ُ ث ِفيهِ ْ ن إ ِذ ْ ب َعَ َ مِني َ مؤ ْ ِ ال ْ ُ
َ تعالى } :ل َ َ
م { أي :منكم وبلغتكم ،كما قال سك ُ ْ ف ِ ن أن ْ ُ م ْ ل ِ سو ٌ م َر ُ جاَءك ُ ْ قد ْ َ
جعفر بن أبي طالب للنجاشي ،والمغيرة بن شعبة لرسول كسرى :إن الله
بعث فينا رسول منا ،نعرف نسبه وصفته ،ومدخله ومخرجه ،وصدقه
وأمانته ،وذكر الحديث.
عيينة ،عن جعفر بن محمد ،عن أبيه في قوله تعالى : وقال سفيان بن ُ
ُ َ } لَ َ
م { قال :لم يصبه شيء من ولدة الجاهلية ، سك ْ ف ِ ن أن ْ ُ م ْ ل ِ سو ٌ م َر ُ جاَءك ُ ْ قد ْ َ
سفاح". وقال صلى الله عليه وسلم " :خرجت من نكاح ،ولم أخرج من ِ
وقد وصل هذا من وجه آخر ،كما قال الحافظ أبو محمد الحسن بن عبد
مزي في كتابه "الفاصل بين الراوي والواعي" :حدثنا أبو الرحمن الرامهُْر ُ
أحمد يوسف بن هارون بن زياد ،حدثنا ابن أبي عمر ،حدثنا محمد بن جعفر
بن محمد قال :أشهد على أبي لحدثني ،عن أبيه ،عن جده ،عن علي قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :خرجت من نكاح ولم أخرج من
سفاح ،من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي لم يمسني ) (2من سفاح
الجاهلية شيء"(3) .
ت أمته م { أي :يعز عليه الشيء الذي ي َعْن َ ُ ما عَن ِت ّ ْ زيٌز عَل َي ْهِ َ وقوله } :عَ ِ
ويشق عليها ؛ ولهذا جاء في الحديث المروي من طرق عنه أنه قال " :بعثت
بالحنيفية السمحة" ) (4وفي الصحيح " :إن هذا الدين يسر" ) (5وشريعته
كلها سهلة سمحة كاملة ،يسيرة على من يسرها الله تعالى عليه.
م { أي :على هدايتكم ووصول النفع الدنيوي والخروي إليكم. ص عَل َي ْك ُ ْ
ري ٌ
ح ِ
} َ
قال الطبراني :حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ،حدثنا محمد بن عبد الله
بن يزيد المقرئ ،
__________
) (1في ت ،ك ،أ " :شغل".
) (2في ت ،أ " :لم يصبني" ،وفي ك " :لم يمسسني".
) (3الفاصل بين الراوي والواعي )ص (136ورواه الطبراني في الوسط
برقم )" (3483مجمع البحرين" من طريق عبد الرحمن الرازي ،عن محمد
بن أبي عمر به ،وفيه محمد بن جعفر بن محمد بن علي متكلم فيه.
) (4رواه أحمد في مسنده ) (5/266عن أبي أمامة ،و) (6/233عن عائشة
رضي الله عنهما.
) (5صحيح البخاري برقم ) (39من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
) (4/241
طر ،عن أبي الطفيل ،عن أبي ذر قال .تركنا حدثنا سفيان بن عيينة ،عن فِ ْ
رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر ) (1يقلب جناحيه في الهواء إل
وهو يذكرنا منه علما -قال :وقال صلى الله عليه وسلم " :ما بقي شيء
ُيقرب من الجنة ويباعد من النار إل وقد بين لكم"(2) .
طن ،حدثنا السعودي ،عن الحسن بن وقال المام أحمد :حدثنا ]أبو[ ) (3فَ َ
سعد ،عن عبدة الّنهدي ،عن عبد الله بن مسعود قال :قال رسول الله
حرمة إل وقد علم أنه سيطلعها صلى الله عليه وسلم " :إن الله لم يحرم ُ
مط َّلع ،أل وإني آخذ بحجزكم أن تهافتوا في النار ،كتهافت الفراش ، منكم ُ
أو الذباب"(4) .
وقال المام أحمد :حدثنا حسن بن موسى ،حدثنا حماد بن سلمة ،عن علي
مهَْران ،عن ابن عباس :أن رسول الله دعان ،عن يوسف بن ِ ج ْ
بن زيد بن ُ
صلى الله عليه وسلم أتاه ملكان ،فيما يرى النائم ،فقعد أحدهما عند )(5
رجليه والخر عند رأسه .فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه :اضرب مثل
هذا ومثل أمته .فقال :إن مثله ) (6ومثل أمته كمثل قوم سفر انتهوا إلى
رأس مفازة ) (7فلم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة ) (8ول ما
حّلة ِ
حب ََرة فقال :أرأيتم إن يرجعون به ،فبينما هم كذلك إذ أتاهم رجل في ُ
وَردت بكم رياضا معشبة ،وحياضا رواء تتبعوني ؟ فقالوا :نعم .قال :
فانطلق بهم ،فأوردهم رياضا معشبة ،وحياضا رواء ،فأكلوا وشربوا وسمنوا
،فقال لهم :ألم ألفكم على تلك الحال ،فجعلتم لي إن وردت بكم رياضا
معشبة وحياضا رواء أن تتبعوني ؟ فقالوا :بلى .قال :فإن بين أيديكم رياضا
هي أعشب من هذه ،وحياضا هي أروى من هذه ،فاتبعوني .فقالت طائفة :
صدق ،والله لنتبعنه وقالت طائفة :قد رضينا بهذا نقيم عليه(9) .
وقال البزار :حدثنا سلمة بن شبيب وأحمد بن منصور قال حدثنا إبراهيم بن
رمة عن أبي هريرة ،رضي الله عنه ؛ أن عك ْ ِ
الحكم بن أبان حدثنا أبي ،عن ِ
أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستعينه في شيء -قال
رمة :أراه قال " :في دم" -فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عك ْ ِ
ِ
شيئا ،ثم قال " :أحسنت إليك ؟" قال العرابي :ل ول أجملت .فغضب بعض
المسلمين ،وهموا أن يقوموا إليه ،فأشار رسول الله إليهم :أن كفوا .فلما
قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ إلى منزله ،دعا العرابي إلى
البيت ،فقال له " :إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك ،فقلت ما قلت" فزاده
رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ،وقال " :أحسنت إليك ؟" فقال
العرابي :نعم ،فجزاك الله من أهل وعشيرة خيًرا .قال النبي صلى الله
عليه وسلم " :إنك جئتنا تسألنا ) (10فأعطيناك ،فقلت ما قلت ،وفي أنفس
أصحابي عليك من ذلك شيء ،فإذا جئت ) (11فقل بين أيديهم ما قلت بين
يدي ،حتى يذهب عن صدورهم" .قال :نعم .فلما جاء العرابي .قال )(12
إن صاحبكم كان
__________
) (1في أ " :وما من طائر".
) (2المعجم الكبير ) (2/155وقال الهيثمي في المجمع )" : (7/265رجاله
رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ وهو ثقة".
) (3زيادة من ت ،ك ،أ ،والمسند.
) (4المسند ).(1/390
) (5في ك " :عن".
) (6في ت " :مثل هذا".
) (7في ك " :مغازة".
) (8في ك " :المغازة".
) (9المسند ) (1/267وعلى بن زيد بن جدعان ضعيف.
) (10في ت ،ك " :فسألنا" وفي أ " :فسألتنا".
) (11في ت " :خرجت".
) (12في ك ،أ " :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم".
) (4/242
جاءنا فسألنا فأعطيناه ،فقال ما قال ،وإنا قد دعوناه فأعطيناه فزعم أنه قد
رضي ] ،كذلك يا أعرابي ؟[ ) (1قال العرابي :نعم ،فجزاك الله من أهل
وعشيرة خيًرا .فقال النبي صلى الله عليه وسلم " :إن مثلي ومثل هذا
العرابي كمثل رجل كانت له ناقة ،فشردت عليه ،فاتبعها الناس فلم
يزيدوها إل نفورا .فقال لهم صاحب الناقة :خلوا بيني وبين ناقتي ،فأنا أرفق
بها ،وأعلم بها .فتوجه إليها وأخذ لها ) (2من قََتام الرض ،ودعاها حتى
حلها وإنه لو أطعتكم حيث قال ما قال لدخل جاءت واستجابت ،وشد عليها ر ْ
النار" .ثم قال البزار :ل نعلمه يروى إل من هذا الوجه(3) .
قلت :وهو ضعيف بحال إبراهيم بن الحكم بن أبان ،والله أعلم.
ن
م ِ
ك لِ َ ح َجَنا َ ض َ ف ْ خ ِم { كما قال تعالى َ } :وا ْ حي ٌف َر ِن َرُءو ٌ مِني َ وقوله ِ } :بال ْ ُ
مؤ ْ ِ
ل عََلى ن .وَت َوَك ّ ْمُلو َ ما ت َعْ َم ّريٌء ِ ل إ ِّني ب َ ِ ك فَ ُ
ق ْ صو ْ َ ن .فَإ ِ ْ
ن عَ َ مؤْ ِ
مِني َ ن ال ْ ُ م َ
ك ِ ات ّب َعَ َ
حيم ِ { ]الشعراء .[217 - 215 : زيزِ الّر ِال ْعَ ِ
وهكذا أمره تعالى.
وا { أي :تولوا عما ّ
ن ت َوَل ْ َ
وهذه ) (4الية الكريمة ،وهي قوله تعالى } :فإ ِ ْ
ي
سب ِ َ
ح ْ قل َ ْ َ
جئتهم به من الشريعة العظيمة المطهرة الكاملة الشاملة } ،ف ُ
ب
ي ،ل إله إل هو عليه توكلت ،كما قال تعالى َ } :ر ّ ه { أي :الله كاف ّ الل ّ ُ
كيل { ]المزمل .[9 : خذ ْه ُ وَ ِ ه ِإل هُوَ َفات ّ ِ ب ل إ ِل َ َ مغْرِ ِ ق َوال ْ َ شرِ ِم ْال ْ َ
ظيم ِ { أي :هو مالك كل شيء وخالقه ،لنه رب ش ال ْعَ ِ ب العَْر ِ
} وَهُوَ َر ّ ْ
العرش العظيم ،الذي هو سقف المخلوقات وجميع الخلئق من السموات
والرضين وما فيهما وما بينهما تحت العرش مقهورون بقدرة الله تعالى ،
دره نافذ في كل شيء ،وهو على كل شيء وعلمه محيط بكل شيء ،وَقَ َ
وكيل.
قال عبد الله بن ) (5المام أحمد :حدثني محمد بن أبي بكر ،حدثنا بشر بن
مهَْران ،عن ابن عمر ،حدثنا شعبة ،عن علي بن زيد ،عن يوسف بن ِ
عباس ،رضي الله عنهما ،عن أبي بن كعب قال :آخر آية نزلت من القرآن
م { إلى آخر السورة(6) . سك ُ ْف ِن أ َن ْ ُم ْ ل ِ سو ٌ م َر ُ جاَءك ُ ْ قد ْ َ هذه الية } :ل َ َ
وقال عبد الله بن المام أحمد :حدثنا روح بن عبد المؤمن ،حدثنا عمر بن
شقيق ،حدثنا أبو جعفر الرازي ،عن الربيع بن أنس ،عن أبي العالية ،عن
أبي بن كعب ،رضي الله عنه ؛ أنهم جمعوا القرآن في مصاحف في خلفة
أبي بكر ،رضي الله عنه ،فكان رجال يكتبون ويملي عليهم أبي بن كعب ،
ه قُُلوب َهُ ْ
م ف الل ّ ُصَر َ صَرُفوا َ م ان ْ َفلما انتهوا إلى هذه الية من سورة براءة } :ث ُ ّ
َ
ن { ]التوبة ، [127 :فظنوا أن هذا آخر ما أنزل ) (7من قُهو َ ف َم ل يَ ْ م قَوْ ٌ
ب ِأن ّهُ ْ
القرآن .فقال لهم أبي بن كعب :إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
مما عَن ِت ّ ْ زيٌز عَل َي ْهِ َ
م عَ ِسك ُ ْف ِن أ َن ْ ُ
م ْل ِ سو ٌ م َر ُ جاَءك ُ ْ أقرأني بعدها آيتين } :ل َ َ
قد ْ َ
م{ حي ٌف َر ِ ن َرُءو ٌ مِني َ مؤ ْ ِم ِبال ْ ُ ص عَل َي ْك ُ ْري ٌ ح ِ َ
__________
) (1زيادة من ت ،ك ،أ ،والبزار.
) (2في ت ،أ " :فأخذها".
) (3مسند البزار برقم )" (2476كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع )
" : (9/15وفيه إبراهيم بن الحكم بن أبان وهو متروك".
) (4في ت ،ك ،أ " :في هذه".
) (5ساقطة من النسخ.
) (6زوائد المسند ) (5/117وقال الهيثمي في المجمع )" : (7/36وفيه علي
بن زيد بن جدعان وهو ثقة سيئ الحفظ ،وبقية رجاله ثقات" قلت :أجمع
الئمة على تضعيف علي بن زيد بن جدعان.
) (7في أ " :ما نزل".
) (4/243
) (4/244
كان ِللناس عَجبا أ َ َ َ الر ت ِل ْ َ َ
م
من ْهُ ْ
ل ِج ٍحي َْنا إ َِلى َر ُ
ن أوْ َ َ ً ْ كيم ِ ) (1أ َ َ َ ّ ِ ب ال ْ َ
ح ِ ت ال ْك َِتا ِك آَيا ُ
ل ال ْ َ ذي َ أَ َ
ن
كافُِرو َ م َقا َعن ْد َ َرب ّهِ ْ
ق ِصد ْ ٍ
م ِ ن ل َهُ ْ
م قَد َ َ مُنوا أ ّ
نآ َشرِ ال ّ ِ َ س وَب َ ّ
ن أن ْذِرِ الّنا َ ْ
ن )(2 مِبي ٌ حٌر ُسا ِ َ َ
ن هَذا ل َ إِ ّ
) (4/245
) (4/246
) (4/247
مُنوا
نآ َ
ذي َ
جزِيَ ال ّ ِ َم ي ُِعيد ُه ُ ل ِي َ ْخل ْقَ ث ُ ّه ي َب ْد َأ ُ ال ْ َقا إ ِن ّ ُ
ح ّميًعا وَعْد َ الل ّهِ َ ج ِ
م َ جعُك ُ ْ إ ِل َي ْهِ َ
مْر ِ
َ
م
ب أِلي ٌ ميم ٍ وَعَ َ
ذا ٌ ح ِ ن َ م ْب ِ شَرا ٌ م َ فُروا ل َهُ ْ ن كَ َ ذي َط َوال ّ ِ
س ِ ق ْت ِبال ْ ِ
حا ِصال ِ َ مُلوا ال ّ
وَعَ ِ
مَنازِ َ
ل مَر ُنوًرا وَقَد َّره ُ َ ضَياًء َوال ْ َ
ق َ س ِ م َ ش ْل ال ّ جعَ َذي َ ن ) (4هُوَ ال ّ ِ فُرو َ كاُنوا ي َك ْ ُ
ما َ بِ َ
َ ْ ُ ْ ّ َ
ه ذ َل ِك إ ِل ِبال َ ّ َ ْ َ
قوْم ٍت لِ َصل الَيا ِ ف ّ
حق ّ ي ُ َ خلقَ الل ُ ما َ ب َ سا َ ح َ ن َوال ِ سِني َموا عَد َد َ ال ّ ل ِت َعْل ُ
ت
ماَوا ِ س َه ِفي ال ّ ّ
خلقَ الل ُ َ ما َ
ل َوالن َّهارِ وَ َ ّ
ف اللي ْ ِ َ
خت ِل ِ ن ِفي ا ْ ن ) (5إ ِ ّ مو َ ي َعْل َ ُ
ن )(6 قو َ قوْم ٍ ي َت ّ ُت لِ َ َ
ض َلَيا ٍ َْ
َوالْر ِ
ن
ذي َ جزِيَ ال ّ ِ م ي ُِعيد ُه ُ ل ِي َ ْ خل ْقَ ث ُ ّ ه ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ قا إ ِن ّ ُ ح ّ ميًعا وَعْد َ الل ّهِ َ ج ِ م َ جعُك ُ ْ مْر ِ } إ ِل َي ْهِ َ
بذا ٌ ميم ٍ وَعَ َ ح ِ ن َ م ْ ب ِ شَرا ٌ م َ فُروا ل َهُ ْ ن كَ َ ذي َ ط َوال ّ ِ س ِ ق ْ ت ِبال ْ ِ حا ِ صال ِ َ مُلوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ آ َ
ن ){ (4 ْ َ َ
فُرو َ ما كاُنوا ي َك ُ م بِ َ أِلي ٌ
أخبر تعالى أن إليه مرجع الخلئق يوم القيامة ،ل يترك منهم أحدا حتى يعيده
كما بدأه .ثم ذكر تعالى أنه كما بدأ الخلق كذلك يعيده } ،وهُو ال ّذي يبدأ ُ
َ َ ِ َْ َ
ن عَل َي ْهِ { ] الروم .[ 27 : َ
م ي ُِعيد ُه ُ وَهُوَ أهْوَ ُ خل ْقَ ث ُ ّ ال ْ َ
ط { أي :بالعدل والجزاء س ِ ق ْ ت ِبال ْ ِ حا ِ صال ِ َ مُلوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ جزِيَ ال ّ ِ } ل ِي َ ْ
َ
نفُرو َ كاُنوا ي َك ْ ُ ما َ م بِ َ ب أِلي ٌ ذا ٌ ميم ٍ وَعَ َ ح ِ ن َ م ْ ب ِ شَرا ٌ م َ فُروا ل َهُ ْ ن كَ َ ذي َ الوفى َ } ،وال ّ ِ
موم ٍ س ُ { أي :بسبب كفرهم يعذبون يوم القيامة بأنواع العقاب ،من } َ
ممي ٌ ح ِ ذوُقوه ُ َ ذا فَل ْي َ ُ موم ٍ { ] الواقعة } .[ 43 ، 42 :هَ َ ح ُ ن يَ ْ م ْ ل ِ ميم ٍ وَظ ِ ّ ح ِ وَ َ
ّ َ
بم الِتي ي ُك َذ ّ ُ جهَن ّ ُ ج { ] ص } .[ 58 ، 57 :هَذِهِ َ شك ْل ِهِ أْزَوا ٌ ن َ م ْ خُر ِ ساقٌ َوآ َ وَغَ ّ
ن { ] الرحمن .[ 44 ، 43 : ميم ٍ آ ٍ ح ِ ن َ ن ب َي ْن ََها وَب َي ْ َ ن ي َطوُفو َ ُ مو َ جرِ ُ م ْ ْ
ب َِها ال ُ
موا عَد َد َ َ
ل ل ِت َعْل ُ مَنازِ َ مَر ُنوًرا وَقَد َّره ُ َ ق َ ْ
ضَياًء َوال َ س ِ م َ ش ْ ل ال ّ جعَ َ ذي َ ّ
} هُوَ ال ِ
ن )(5 مو َ َ
قوْم ٍ ي َعْل ُ ت لِ َ ل الَيا ِ ص ُ ف ّ حق ّ ي ُ َ ْ
ه ذ َل ِك ِإل ِبال َ َ خلقَ الل ُّ َ ما َ ب َ سا َ ح َ ن َوال ِ ْ سِني َ ال ّ
ّ َ ّ
قوْم ٍ ت لِ َ ض لَيا ٍ ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َ ه ِفي ال ّ خلقَ الل ُ ما َ ل َوالن َّهارِ وَ َ ف اللي ْ ِ خِتل ِ ن ِفي ا ْ إِ ّ
ن ){ (6 قو َ ي َت ّ ُ
يخبر تعالى عما خلق من اليات الدالة على كمال قدرته ،وعظيم سلطانه ،
وأنه جعل الشعاع الصادر عن جرم الشمس ضياء وشعاع القمر نورا ،هذا
فن وهذا فن آخر ،ففاوت بينهما لئل يشتبها ،وجعل سلطان الشمس
بالنهار ،وسلطان القمر بالليل ،وقدر القمر منازل ،فأول ما يبدو صغيًرا ،
ثم يتزايد ُنوره وجرمه ،حتى يستوسق ويكمل إبداره ،ثم يشرع في النقص
مَر قَد ّْرَناهُ ق َ حتى يرجع إلى حاله الول في تمام شهر ،كما قال تعالى َ } :وال ْ َ
ْ َ
مَر َول ق َ ك ال َ ن ت ُد ْرِ َ س ي َن ْب َِغي ل ََها أ ْ م ُ ش ْ ديم ِ ل ال ّ ق ِ ن ال ْ َ جو ِ كال ْعُْر ُ عاد َ َ حّتى َ ل َ مَنازِ َ َ
ن { ] يس .[ 40 ، 39 :وقال : حو َ سب َ ُ ْ َ ي كٍ َ ل َ ف في ِ ّ
ل ُ ك و
َ ِ َ ر ها ّ ن ال ق
َ ِ ُ ب سا ُ
ل ْ ي ّ ل ال
زيزِ ال ْعَِليم ِ { ] النعام .[ 96 : ِ َ ع ْ ل ا ر
ُ دي ِ ْ ق َ ت َ
ك ِ ل َ ذ نا
ً با َ س
ْ حُ ر
َ َ م َ ق ْ ل وا م َ َ س ش ْ } َوال ّ
موا َ
ل ل ِت َعْل ُ مَنازِ َ وقال في هذه الية الكريمة } :وقدره { أي :القمر } وَقَد َّره ُ َ
ب { فبالشمس تعرف اليام ،وبسير القمر تعرف سا َ ح َ ن َوال ْ ِ سِني َ عَد َد َ ال ّ
الشهور والعوام.
حقّ { أي :لم يخلقه عبثا بل له حكمة عظيمة في ْ
ه ذ َل ِك ِإل ِبال َ َ خل َقَ الل ّ ُ ما َ } َ
ما
ما ب َي ْن َهُ َ ض وَ َ ماَء َوالْر َ س َ قَنا ال ّ خل َْ ما َ ذلك ،وحجة بالغة ،كما قال تعالى } :وَ َ
ن الّنارِ { ] ص .[ 27 :وقال م َفُروا ِ ن كَ َ ذي َ ل ل ِل ّ ِ فُروا فَوَي ْ ٌ ن كَ َ ذي َ ن ال ّ ِ ك ظَ ّ طل ذ َل ِ َ َبا ِ
هّ َ َ َ ُ َ ً ُ َ َ َ َ
ن فت ََعالى الل ُ جُعو َ م إ ِلي َْنا ل ت ُْر َ م عَب َثا وَأن ّك ْ قَناك ْ خل ْ ما َ م أن ّ َ سب ْت ُ ْ ح ِ تعالى } :أف َ
ريم ِ { ] المؤمنون .[ 116 ، 115 : ش ال ْك َِ َ ْ ِ ر ع ْ ل ا ب ر
ِ َ ِ ُ َ َ ّ و ه إل ه َ ل إ ل حق ّ ك ال ْ َ مل ِ ُ ال ْ َ
ن{ مو َ قوْم ٍ ي َعْل َ ُ ت { أي :نبين الحجج والدلة } ل ِ َ ل الَيا ِ ص ُ ف ّ وقوله } :ن ُ َ
) (4/248
ل َوالن َّهارِ { أي :تعاقبهما إذا جاء هذا ذهب ف الل ّي ْ ِ خِتل ِ ن ِفي ا ْ وقوله } :إ ِ ّ
شي هذا ،وإذا ذهب هذا جاء هذا ،ل يتأخر عنه شيئا ،كما قال تعالى } :ي ُغْ ِ
َ
س ي َن ْب َِغي لَها م ُ ش ْ حِثيًثا { ] العراف ، [ 54 :وقال } :ل ال ّ ه َ ل الن َّهاَر ي َط ْل ُب ُ ُ الل ّي ْ َ
مَر َول الل ّي ْ ُ ك ال ْ َ ن ت ُد ْرِ َ َ
ساب ِقُ الن َّهارِ { ] يس ، [ 40 :وقال تعالى َ } :فال ِ ُ
ق ل َ ق َ أ ْ
ز
زي ِ ديُر ال ْعَ ِ ق ِ ك تَ ْ سَباًنا ذ َل ِ َ
ح ْ مَر ُ س َوال ْ َ
ق َ م َ ش ْ سك ًَنا َوال ّ ل َ ل الل ّي ْ َ جعَ َ صَباِح وَ َ ال ْ
ال ْعَِليم ِ { ] النعام .[ 96 :
ض { أي :من اليات الدالة على ت َوالْر ِ ماَوا ِس َ ه ِفي ال ّ خل َقَ الل ّ ُ ما َ وقوله } :وَ َ
َ
نمّرو َ ض ]ي َ ُ ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َ
ن آي َةٍ ِفي ال ّ م ْن ِ عظمته تعالى ،كما قال } :وَك َأي ّ ْ
ن [ { ] يوسف ] (1) ، [ 105 :وقال ) } (2قُ ِ
ل ضو َ معْرِ ُ م عَن َْها ُ عَل َي َْها وَهُ ْ
ن قَوْم ٍ ل ت َوالن ّذ ُُر عَ ْ ما ت ُغِْني الَيا ُ ض [ وَ َ ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َماَذا ِفي ال ّ ان ْظ ُُروا َ
َ َ
مام وَ َديهِ ْ ن أي ْ ِ ما ب َي ْ َ م ي ََرْوا إ َِلى َ ن { ] يونس (3) .[ 101 :وقال } :أفَل َ ْ مُنو َ ي ُؤْ ِ
ق ْ خل ْ َ
خل ِ ن ِفي َ ض { ] سبأ (4) .[ 9 :وقال } :إ ِ ّ ماِء َوالْر ِ س َ ن ال ّ م َ م ِ فهُ ْ َ
ب { ] آل ْ
ت لوِلي اللَبا ِ ل َوالن َّهارِ لَيا ٍ ّ
ف اللي ْ ِ خِتل ِ ض َوا ْ ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َ ال ّ
ن { أي : قو َ قوْم ٍ ي َت ّ ُ ت لِ َ عمران .[ 190 :أي :العقول ،وقال هاهنا } :لَيا ٍ
عقاب الله ،وسخطه ،وعذابه.
__________
) (1زيادة من ت ،أ ،وفي هـ " :الية".
) (2في أ :و "قوله".
) (3زيادة من ت ،أ.
) (4في ت " :ينظروا".
) (4/249
) (4/249
صوا إلى الجنة .ويحتمل أن تكون للستعانة على الصراط ،حتى يجوزوه ويخل ُ
م { قال ] :يكون لهم نورا مان ِهِ ْ م ب ِِإي َ م َرب ّهُ ْ ديهِ ْ ،كما قال مجاهد في قوله } :ي َهْ ِ
يمشون به[(1) .
م { قال[ ) : (2يمُثل له مان ِهِ ْ م ب ِِإي َ م َرب ّهُ ْ ديهِ ْ جَرْيج في ]قوله } :ي َهْ ِ وقال ابن ُ
عمله في صورة حسنة وريح طيبة إذا قام من قبره ،يعارض صاحبه ويبشره
بكل خير ،فيقول له :من أنت ؟ فيقول :أنا عملك .فيجعل ) (3له نورا .من
م
م َرب ّهُ ْ ديهِ ْ بين يديه حتى يدخله ) (4الجنة ،فذلك قوله تعالى } :ي َهْ ِ
ل له عمله في صورة سيئة وريح منتنة فيلزم صاحبه مث ُ ُ م { والكافر ي َ ْ مان ِهِ ْ ب ِِإي َ
ويلّزه ) (5حتى يقذفه في النار.
وروي نحوه عن قتادة مرسل فالله أعلم.
خر دعْواهُ َ
ن
مأ ِ م َوآ ِ ُ َ َ ْ سل ٌ م ِفيَها َ حي ّت ُهُ ْ م وَت َ ِ ك الل ّهُ ّ حان َ َ سب ْ َ م ِفيَها ُ واهُ ْ وقوله } :د َعْ َ
ن { أي :هذا حال أهل الجنة. مي َ ب ال َْعال َ ِ مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ ح ْ ال ْ َ
م { ]قال :إذا ك الل ّهُ ّ حان َ َ سب ْ َ م ِفيَها ُ واهُ ْ ت أن قوله } :د َعْ َ قال ابن جريج :أخبر ُ
مر بهم الطير يشتهونه ،قالوا :سبحانك اللهم[ ) (6وذلك دعواهم فيأتيهم
محي ّت ُهُ ْ الملك بما يشتهونه ،فيسلم عليهم ،فيردون عليه .فذلك قوله } :وَت َ ِ
م
واهُ ْ خُر د َعْ َ م { قال :فإذا أكلوا حمدوا الله ربهم ،فذلك قوله َ } :وآ ِ سل ٌ ِفيَها َ
َ ْ ّ َ
ن{ مي َ ب الَعال ِ مد ُ ل ِلهِ َر ّ ح ْ ن ال ْ َ أ ِ
وقال مقاتل بن حيان :إذا أراد أهل الجنة أن يدعوا بالطعام قال أحدهم :
م { قال :فيقوم على أحدهم عشرة آلف خادم ،مع كل ك الل ّهُ ّ حان َ َ سب ْ َ } ُ
خادم صحفة من ذهب ،فيها طعام ليس في الخرى ،قال :فيأكل منهن
كلهن.
حان َكَ سب ْ َ
وقال سفيان الثوري :إذا أراد أحدهم أن يدعو بشيء قال ُ } :
م{ الل ّهُ ّ
َ َ
جًرا مأ ْ م وَأعَد ّ ل َهُ ْ سل ٌ ه َ قوْن َ ُ م ي َل ْ َ م ي َوْ َ حي ّت ُهُ ْ وهذه الية فيها شبه من قوله } :ت َ ِ
ْ
ما ِإل ِقيل وا َول ت َأِثي ً ن ِفيَها ل َغْ ً مُعو َ س َ ما { ] الحزاب ، [ 44 :وقوله } :ل ي َ ْ ري ً كَ ِ
حيم ٍ { ب َر ِ ن َر ّ م ْول ِ م قَ ْ سل ٌ ما { ] الواقعة .[ 26 ، 25 :وقوله َ } : سل ً ما َ سل ً َ
م َ
م عَلي ْك ُْ سل
َ ٍ َ ٌ ب با ّ
ل ُ ك ن
ْ م
ِ م ه
ِْ ْ ي َ لَ ع ن
َ لو ُ خ
ُ د
َ ْ ي ةُ َ ك ِ ئ مل َ َْ لوا } : وقوله [. 58 : يس ]
دارِ { ] الرعد .[ 24 ، 23 : قَبى ال ّ م عُ ْ م فَن ِعْ َ صب َْرت ُ ْ ما َ بِ َ
ن { هذا فيه دللة على أن َ ْ ّ ْ َ
مي َ ب الَعال ِ مد ُ ل ِلهِ َر ّ ح ْ ن ال َ مأ ِ واهُ ْ خُر د َعْ َ وقوله َ } :وآ ِ
الله تعالى هو المحمود أبدا ،المعبود على طول المدى ؛ ولهذا حمد نفسه
عند ابتداء خلقه واستمراره ،وفي ابتداء كتابه ،وعند ابتداء تنزيله ،حيث
ب { ] الكهف } ، [ 1 : ل عََلى عَب ْدِهِ ال ْك َِتا َ ذي َأنز َ مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ ح ْ يقول تعالى } :ال ْ َ
ض { ] النعام [ 1 :إلى غير ذلك من ت َوالْر َ ماَوا ِ س َ خل َقَ ال ّ ذي َ مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ ح ْ ال ْ َ
الحوال التي يطول بسطها ،وأنه
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
زيادة من ت ،أ ،وفي هـ " :الية". )(2
في ت " :فنجعل". )(3
في ت " :يدخل". )(4
في ت " :ويلده". )(5
زيادة من ت ،أ. )(6
) (4/250
قضي إل َيه َ
ن م فَن َذ َُر ال ّ ِ
ذي َ جل ُهُ ْ
مأ َخي ْرِ ل َ ُ ِ َ ِ ْ ِ ْ
م ِبال ْ َ
جال َهُ ْ
ست ِعْ َ
شّر ا ْ س ال ّ ل الل ّ ُ
ه ِللّنا ِ ج ُوَل َوْ ي ُعَ ّ
ن )(11 مُهو َ قاَءَنا ِفي ط ُغَْيان ِهِ ْ
م ي َعْ َ ن لِ َجو َ َل ي َْر ُ
المحمود في الول و]في[ ) (1الخر ،في الحياة الدنيا وفي الخرة ،في
ن التسبيح مو َ جميع الحوال ؛ ولهذا جاء في الحديث " :إن أهل الجنة ي ُل ْهَ ُ
فس" ) (2وإنما يكون ذلك كذلك لما يرون من ن الن ّ َ مو َ والتحميد كما ي ُل ْهَ ُ
تضاعف نعم الله عليهم ،فتكّرر ) (3وتعاد وتزاد ،فليس لها انقضاء ول أمد ،
فل إله إل هو ول رب سواه.
ُ َ َ َ ْ َ
م فَن َذ َُر جلهُ ْ مأ َ ي إ ِلي ْهِ ْ ض َ ق ِ خي ْرِ ل ُم ِبال َ جالهُ ْ ست ِعْ َ
شّر ا ْ س ال ّ ه ِللّنا ِ ل الل ّ ُ ج ُ } وَل َوْ ي ُعَ ّ
ن ){ (11 مُهو َ قاَءَنا ِفي ط ُغَْيان ِهِ ْ
م ي َعْ َ ن لِ َ جو َ ن ل ي َْر ُ ذي َ ال ّ ِ
يخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده :أنه ل يستجيب لهم ) (4إذا دعوا على
أنفسهم أو أموالهم أو أولدهم ) (5في حال ضجرهم وغضبهم ،وأنه يعلم
منهم عدم القصد إلى إرادة ذلك ،فلهذا ل يستجيب ) (6لهم -والحالة هذه -
لطفا ورحمة ،كما يستجيب لهم إذا دعوا لنفسهم أو لموالهم وأولدهم
م َ
جالهُ ْ ست ِعْ َ شّر ا ْ س ال ّ ل الل ّ ُ ج ُبالخير والبركة والنماء ؛ ولهذا قال } :وَل َوْ ي ُعَ ّ
ه ِللّنا ِ قضي إل َيه َ
م { ) (7أي :لو استجاب لهم كل ما دعوه به في جل ُهُ ْمأ َ خي ْرِ ل َ ُ ِ َ ِ ْ ِ ْ ِبال ْ َ
ذلك ،لهلكهم ،ولكن ل ينبغي الكثار من ذلك ،كما جاء في الحديث الذي
رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده :
مر ،حدثنا يعقوب بن محمد ،حدثنا حاتم بن إسماعيل ، معْ َ حدثنا محمد بن َ
حْزَرة عن عبادة بن الوليد ،حدثنا جابر قال :قال حدثنا يعقوب بن مجاهد أبو َ
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :ل تدعوا على أنفسكم ،ل تدعوا على
أولدكم ،ل تدعوا على أموالكم ،ل توافقوا من الله ساعة فيها إجابة
فيستجيب ) (8لكم".
ورواه أبو داود ،من حديث حاتم بن إسماعيل ،به(9) .
وقال البزار ] :و[ ) (10تفرد به عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت
شّر ن ِبال ّ سا ُالنصاري ،لم يشاركه أحد فيه ،وهذا كقوله تعالى } :وَي َد ْعُ الن ْ َ
جول { ] السراء .[ 11 : ن عَ ُ سا ُ ن الن ْ َ كا َ خي ْرِ وَ َ عاَءه ُ ِبال ْ َ دُ َ
شّر س ال ّ ّ ُ َ
ه ِللّنا ِ جل الل ُ وقال مجاهد في تفسير هذه الية } :وَلوْ ) (11ي ُعَ ّ
خي ْرِ { هو قول النسان لولده وماله إذا غضب عليه " :اللهم ل م ِبال ْ َ جال َهُ ْ ست ِعْ َ ا ْ
تبارك فيه والعنه" .فلو يعجل لهم الستجابة في
__________
) (1زيادة من ت.
) (2رواه مسلم في صحيحه برقم ) (2835من حديث جابر رضي الله عنه.
) (3في ت ،أ " :فيكرر".
) (4في ت " :ل يستحب منهم" ،وفي أ " :ل يستجيب منهم".
) (5في ت ،أ " :وأموالهم وأولدهم".
) (6في ت " :ل يستحب".
) (7في ت " :تعجل".
) (8في ت " :فيستحب".
) (9سنن أبي داود برقم ) (1532ورواه مسلم في صحيحه برقم )(3009
بأطول منه من طريق حاتم بن إسماعيل.
) (10زيادة من ت.
) (11في ت :ولول.
) (4/251
) (4/252
الُبناني ،عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ؛ أن عوف بن مالك قال لبي بكر :
ل الله صلى سب ًَبا د ُّلي من السماء ،فانُتشط رسو ُ رأيت فيما يرى النائم كأن َ
الله عليه وسلم ،ثم أعيد ،فانُتشط أبو بكر ،ثم ُذرع َ ) (1الناس حول
المنبر ،ففضل عمر بثلث أذرع إلى المنبر .فقال عمر :دعنا من رؤياك ،ل
ب لنا فيها! فلما استخلف عمر قال :يا عوف ،رؤياك! فقال :وهل لك في أَر َ
رؤياي من حاجة ؟ أولم تنتهرني ) (2؟ فقال :ويحك! إني :كرهت أن تنَعى
ص عليه الرؤيا ،حتى إذا لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه! فق ّ
بلغ ُ" :ذرع ) (3الناس إلى المنبر بهذه الثلث الذرع" ،قال :أما إحداهن فإنه
كائن خليفة .وأما الثانية فإنه ل يخاف في الله لومة لئم .وأما الثالثة فإنه
ن
م ْ
ض ِف ِفي الْر ِ خلئ ِ َ
م َجعَل َْناك ُ ْ شهيد .قال :فقال :يقول الله تعالى } :ث ُ ّ
م َ
ن { فقد اسُتخلفت ) (4يا ابن أم عمر ،فانظر كيف مُلو َ م ل ِن َن ْظ َُر ك َي ْ َ
ف ت َعْ َ ب َعْدِهِ ْ
تعمل ؟ وأما قوله " :فإني ل أخاف في الله لومة لئم" ،فما شاء الله! وأما
قوله ] :إني[ ) (5شهيد فَأ َّنى لعمر الشهادة والمسلمون مطيفون به(6) .
__________
) (1في ت " :درع".
) (2في ت " :تنتهزني".
) (3في ت ،أ " :درع".
) (4في ت ،أ " :استخلف".
) (5زيادة من ت.
) (6تفسير الطبري ).(15/39
) (4/253
) (4/253
أبا ) (1سفيان ومن معه ،فيما سأله من صفة النبي صلى الله عليه وسلم ،
قال :هل ) (2كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قال أبو سفيان :
فقلت :ل -وقد كان أبو سفيان إذ ذاك رأس الكفرة وزعيم المشركين ،ومع
هذا اعترف ) (3بالحق :
ت به العداُء... شهد َ ْل ما َ ض ُف َْوال َ
فقال له هرقل :فقد أعرف ) (4أنه لم يكن ليد َع َ الكذب على الناس ثم
يذهب فيكذب على الله! (5) .
وقال جعفر بن أبي طالب للنجاشي ملك الحبشة :بعث الله فينا رسول
نعرف نسبه وصدقه وأمانته ،وقد كانت مدة مقامه ،عليه السلم ،بين
أظهرنا ) (6قبل النبوة أربعين سنة .وعن سعيد بن المسيب :ثلثا وأربعين
سنة .والصحيح المشهور الول.
ْ َ ّ ن افْت ََرى عََلى } فَم َ
ن مو
ُ ْ ِ ُ َرج م لا ح ل
ُ ِ ُْ في ل ه نإ هتيا بآ
َ ِ َ ِ ِ ِّ ُ بّ ذَ ك و أ
ِ ًِ ْبا ذَ ك ه ل ال م ِ
م ّ
م ِ ن أظ ْل َ ُ َ ْ
){ (17
ن افْت ََرى عََلى الل ّ ِ
ه م ِ م ّيقول تعالى :ل أحد أظلم ول أعتى ول أشد إجراما } ِ
ول ) (7على الله ،وزعم أن الله أرسله ،ولم يكن كذلك ،فليس ق ّ ك َذًِبا { وت َ َ
ما ول أعظم ظلما من هذا ،ومثل هذا ل يخفى أمره على ُ أحد أكبر جر ً
الغبياء ،فكيف يشتبه حال هذا بالنبياء! فإن من قال هذه المقالة صادقا أو
جوره ما ) (8وأظهر كاذبا ،فل بد أن الله َينصب عليه من الدلة على بّره أو فُ ُ
من الشمس ،فإن الفرق بين محمد صلى الله عليه وسلم وبين مسيلمة
الكذاب ]لعنة الله[ ) (9لمن شاهدهما أظهر من الفرق بين وقت الضحى
ن سيما كل منهما وكلمه وفعاله ووقت نصف الليل في حْندس الظلماء ،فَ ِ
م ْ
دل من له بصيرة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم وكذب مسيلمة َيست ّ
جاح ،والسود العَْنسي(10) . س َ
الكذاب ،و َ
قال عبد الله بن سلم :لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة
فل الناس ،فكنت فيمن انجفل ،فلما رأيته عرفت أن وجهه ليس بوجه ج َ
ان ْ َ
رجل كذاب ،فكان أول ما سمعته يقول " :يا أيها الناس أفشوا السلم ،
وأطعموا الطعام ] ،وصلوا الرحام[ ) (11وصلوا بالليل والناس نيام ،تدخلون
الجنة بسلم"(12) .
ولما َقدم ضمام بن ثعلبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في )(13
قومه بني سعد بن بكر قال لرسول الله فيما قال له ) (14من رفع هذه
السماء ؟ قال " :الله" .قال :ومن نصب هذه الجبال ؟ قال " :الله" .قال :
ومن
__________
) (1في ت " :لبي".
) (2في ت " :فهل".
) (3في ت " :أعرف".
) (4في ت " :أعترف".
) (5في ت ،أ " :ربه".
) (6في ت ،أ " :أضهرهم".
) (7في ت " :ويقول".
) (8في ت " :وما".
) (9زيادة من أ.
) (10في أ " :العبسي".
) (11زيادة من ت ،أ :والمسند.
) (12رواه أحمد في المسند ) (5/451والترمذي في السنن برقم )(2485
وقال الترمذي " :حديث صحيح".
) (13في أ " :من".
) (14في ت " :فيما قاله".
) (4/254
سطح هذه الرض ؟ قال " :الله" .قال :فبالذي رفع هذه السماء ،ونصب
طح هذه الرض :الله أرسلك إلى الناس كلهم ؟ قال : س َهذه الجبال ،و َ
"اللهم نعم" ثم ) (1سأله عن الصلة ،والزكاة ،والحج ،والصيام ،ويحلف
عند كل واحدة ) (2هذه اليمين ،ويحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فقال له :صدقت ،والذي بعثك بالحق ل أزيد على ذلك ول أنقص(3) .
فاكتفى هذا الرجل بمجرد هذا ،وقد أيقن بصدقه ،صلوات الله وسلمه عليه
،بما رأى وشاهد من الدلئل الدالة عليه ،كما قال حسان بن ثابت :
ر
خب َ ِ مب َّينة كانت َبديهَُته )َ (5تأتي َ
ك بال َ ت ُ
كن ) (4فيه آيا ٌَلو لم ت َ ُ
وأما مسيلمة فمن شاهده من َذوي البصائر ،علم أمره ل محالة ،بأقواله
الركيكة التي ليست بفصيحة ،وأفعاله غير الحسنة بل القبيحة ،وقرآنه الذي
يخلد به في النار يوم الحسرة ) (6والفضيحة ،وكم من فرق بين قوله
ْ
ما ِفي ه َم لَ ُ ة َول ن َوْ ٌ خذ ُه ُ ِ
سن َ ٌ م ل ت َأ ُ قّيو ُ ي ال ْ َ
ح ّ ه ِإل هُوَ ال ْ َ ه ل إ ِل َ َ تعالى } :الل ّ ُ
نما ب َي ْ َم َعن ْد َه ُ ِإل ب ِإ ِذ ْن ِهِ ي َعْل َ ُ
فع ُ ِ ذي ي َ ْ
ش َ ن َذا ال ّ ِ م ْ ض َ ما ِفي الْر ِ ت وَ َماَوا ِ س َ ال ّ
َ
ه
سي ّ ُ سعَ ك ُْر ِ شاَء وَ ِ ما َ مهِ ِإل ب ِ َ عل ْ ِ ن ِ م ْيٍء ِ ش ْ ن بِ َطو َ حي ُ م َول ي ُ ِ خل ْ َ
فهُ ْ ما َ م وَ َ
ديهِ ْ أي ْ ِ
م { ] البقرة .[ 255 : ظي ُ ي ال ْعَ ِ ما وَهُوَ ال ْعَل ِ ّ فظ ُهُ َ ض َول ي َُئود ُه ُ ِ
ح ْ ت َوالْر َ ماَوا ِ س َ ال ّ
علك ) (7مسيلمة قبحه الله ولعنه " :يا ضفدع بنت ) (8الضفدعين ، وبين ُ
نقي كما تنقين ل الماء تكدرين ،ول الشارب تمنعين" .وقوله -قُّبح ولعن : -
فاق ص َسمة تسعى ،من بين ِ "لقد أنعم الله على الحبلى ،إذ أخرج منها ن َ َ
دره ) (9الله في نار جهنم ،وقد فعل " : -الفيل وما خ ّ شى" .وقوله َ - ح َ و َ
م ) (10طويل" وقوله -أبعده الله من رحمته : قو ٌ أدراك ما الفيل ؟ له ُزل ُ
"والعاجنات عجنا ،والخابزات خبزا ،واللقمات ) (11لقما ،إهالة وسمنا ،إن
قريشا قوم يعتدون" إلى غير ذلك من الهذيانات والخرافات التي يأنف
الصبيان أن يتلفظوا بها ،إل على وجه السخرية والستهزاء ؛ ولهذا أرغم الله
مّزق ) (12شمله .ولعنه صحُبه أنفه ،وشرب يوم "حديقة الموت" حتفه .و َ
وأهله .وقدموا على الصديق تائبين ،وجاءوا في دين الله راغبين ،فسألهم
الصديق خليفة الرسول ،صلوات الله وسلمه عليه ،ورضي ]الله[ ) (13عنه
-أن يقرءوا عليه شيئا من قرآن مسيلمة لعنه الله ،فسألوه أن يعفيهم من
ذلك ،فأبى عليهم إل أن يقرءوا شيئا منه ليسمعه من لم يسمعه من الناس ،
فيعرفوا فضل ما هم عليه ) (14من الهدى والعلم .فقرءوا عليه من هذا الذي
ذكرناه وأشباهه ،فلما فرغوا قال لهم الصديق ،رضي الله عنه :ويحكم! أين
ل.كان ُيذهب بعقولكم ؟ والله إن هذا لم يخرج من إ ّ
__________
) (1في أ " :قال :ثم".
) (2في ت " :واحد".
) (3رواه مسلم في صحيحه برقم ) (12من حديث أنس بن مالك رضي الله
عنه بنحو هذا السياق.
) (4في ت " :يكن".
) (5في أ " :بدايته".
) (6في ت ،أ " :الحشر".
) (7في ت " :علل".
) (8في ت " :بين".
) (9في ت ،أ " :خلده".
) (10في ت ،أ " :زلوم".
) (11في ت ،أ " :فاللقمات".
) (12في ت ،أ " :وتمزق".
) (13زيادة من ت.
) (14في ت ،أ " :فيه".
) (4/255
فَعاؤَُنا ِ
عن ْد َ ش َ ن هَؤَُلِء ُ قوُلو َ
م وَي َ ُ م وََل ي َن ْ َ
فعُهُ ْ ضّرهُ ْما َل ي َ ُن الل ّهِ َن ُدو ِ م ْن ِ دو َ وَي َعْب ُ ُ
َ َ ْ َ َ َ ّ َ
ه وَت ََعالىحان َ ُ
سب ْ َض ُت وَل ِفي الْر ِ ماَوا ِ س َ م ِفي ال ّ ما ل ي َعْل ُ ه بِ َ الل ّهِ قل أت ُن َب ّئو َ
ن الل َ ُ ْ ُ
ُ
ت
ق ْ
سب َ َ
ة َ فوا وَل َوَْل ك َل ِ َ
م ٌ خت َل َ ُ
حد َة ً َفا ْ
ة َوا ِ س إ ِّل أ ّ
م ً ن الّنا ُ ما َ
كا َ ن ) (18وَ َ شرِ ُ
كو َ ما ي ُ ْعَ ّ
ن )(19 فو َخت َل ِ ُ
ما ِفيهِ ي َ ْ م ِفي َ ي ب َي ْن َهُ ْ
ض َ
ق ِ َ َ
ن َرب ّك ل ُ م ْ ِ
) (4/356
م ب ل ِل ّهِ َفان ْت َظ ُِروا إ ِّني َ
معَك ُ ْ ما ال ْغَي ْ ُ ن َرب ّهِ فَقُ ْ
ل إ ِن ّ َ م ْ
ة ِ ن ل َوَْل أ ُن ْزِ َ
ل عَل َي ْهِ آ َي َ ٌ قوُلو َ وَي َ ُ
ن )(20 ري ظ
ُ َْ ِ ِ َ ت ن مْ لا نم َ ِ
ثم أخبر تعالى أن هذا الشرك حادث في الناس ،كائن بعد أن لم يكن ،وأن
الناس كلهم كانوا على دين واحد ،وهو السلم ؛ قال ابن عباس :كان بين
آدم ونوح عشرة قرون ،كلهم على السلم ،ثم وقع الختلف بين الناس ،
ججه ح َ عبدت الصنام والنداد والوثان ،فبعث الله الرسل بآياته وبيناته و ُ و ُ
ن ب َي ّن َةٍ { ي عَ ْ ح ّ ن َ م ْ حَيا َ ن ب َي ّن َةٍ وَي َ ْ ن هَلك عَ ْ َ َ م ْ َ
البالغة وبراهينه الدامغة } ،ل ِي َهْل ِك َ
] النفال .[ 42 :
ن { أي : َ فوُ ل ت خ ي ه في
ِ َ ََُْ ْ ِ َ ِ ِ َ ْ َِ ما في م ه ن ي ب ي ض ُ ق َ ل َ
ك ول ِ َ ٌ َ َ ْ ِ ْ َ ّ
ب ر ن م ت َ ق ب س ة م لَ ك وقوله } :وَل َ ْ
لول ما تقدم من الله تعالى أنه ل يعذب أحدا إل بعد قيام الحجة عليه ؛ وأنه
قد أجل الخلق إلى أجل معدود لقضى بينهم فيما فيه اختلفوا ،فأسعد
ت الكافرين. المؤمنين ،وأعن َ َ
ب ل ِلهِ َفان ْت َظ ُِروا إ ِّني ّ ْ
ما الغَي ْ ُ ل إ ِن ّ َ ق ْ ن َرب ّهِ فَ ُ م ْ ة ِ َ
ل عَلي ْهِ آي َ ٌ ول ُأنز َ ن لَ ْ قوُلو َ } وَي َ ُ
ن ){ (20 ري َ من ْت َظ ِ ِ ْ
ن ال ُ م َ م ِ معَك ُ ْ َ
أي :ويقول هؤلء الكفرة ]الملحدون[ ) (1المكذبون المعاندون " :لول أنزل
على محمد آية من ربه" ،يعنون كما أعطى الله ثمود الناقة ،أو أن )(2
يحول لهم الصفا ذهبا ،أو يزيح عنهم جبال مكة ويجعل مكانها بساتين وأنهارا
،ونحو ذلك مما الله عليه قادر ) (3ولكنه حكيم في أفعاله وأقواله ،كما قال
حت َِهان تَ ْ م ْ ري ِ ج ِ ت تَ ْ جّنا ٍ ك َ ن ذ َل ِ َ م ْ خي ًْرا ِ ك َ ل لَ َ جعَ َ شاَء َ ن َ ذي إ ِ ْ ك ال ّ ِ تعالى } :ت ََباَر َ
من َعََنا
ما َ صوًرا { ] الفرقان [ 11 ، 10 :وقال تعالى } :وَ َ ك قُ ُ ل لَ َ جعَ ْ الن َْهاُر وَي َ ْ
موا َ َ َ َ َ ُ ّ َ َ س َ َ
صَرة ً فظل ُ مب ْ ِ ة ُ مود َ الّناق َ ن َوآت َي َْنا ث ُ ب ب َِها الوّلو َ ن كذ َ ت ِإل أ ْ ل ِبالَيا ِ ن ن ُْر ِ أ ْ
فا { ] السراء ، [ 59 :يقول تعالى :إن سنتي وي ً خ ِ ت ِإل ت َ ْ ل ِبالَيا ِ س ُ ما ن ُْر ِ ب َِها وَ َ
في خلقي أني إذا آتيتهم ما سألوا ،فإن آمنوا وإل عاجلتهم بالعقوبة .ولهذا
لما خّير رسول الله ،عليه الصلة والسلم ،بين أن ُيعطى ما سألوا ،فإن
عوجلوا ،وبين أن يتركهم وي ُْنظرهم ،اختار إنظارهم ،كما حلم أجابوا وإل ُ
عنهم غير مرة ،صلوات الله عليه ؛ ولهذا قال تعالى إرشادا لنبيه إلى الجواب
ب ل ِل ّهِ { أي :المر كله لله ،وهو يعلم العواقب ما ال ْغَي ْ ُ ل إ ِن ّ َ ق ْ عما سألوا } :فَ ُ
ن { أي :إن كنتم ل تؤمنون ري َ من ْت َظ ِ ِ ن ال ُ ْ م َ م ِ ُ
معَك ْ في المور َ } ،فان ْت َظ ُِروا إ ِّني َ
ي وفيكم .هذا مع أنهم قد حتى تشاهدوا ما سألتم فانتظروا حكم الله ف ّ
شاهدوا من معجزاته ،عليه السلم ) (4أعظم مما سألوا حين أشار
بحضرتهم إلى القمر ليلة إبداره ،فانشق باثنتين ) (5فرقة من وراء الجبل ،
وفرقة من دونه .وهذا أعظم من سائر اليات الرضية مما سألوا وما لم
يسألوا ،ولو علم الله منهم أنهم سألوا ذلك استرشادا وتثّبتا لجابهم ،ولكن
علم أنهم إنما يسألون عنادا وتعنتا ،فتركهم فيما رابهم ،وعلم أنهم ل يؤمن
كل ة َرب ّ َ م ُ م ك َل ِ َت عَل َي ْهِ ْ ق ْ ح ّ ن َ ذي َ ن ال ّ ِ ) (6منهم أحد ،كما قال تعالى } :إ ِ ّ
م { ] يونس ، [ 97 ، 96 : ب الِلي َ ذا َ حّتى ي ََرُوا ال ْعَ َ ل آي َةٍ َ م كُ ّ جاَءت ْهُ ْ ن وَل َوْ َ مُنو َ ي ُؤْ ِ
َ
شْرَنا عَل َي ْهِ ْ
م ح َ موَْتى وَ َ م ال ْ َ مهُ ُ ة وَك َل ّ َ ملئ ِك َ َ م ال ْ َ وقال تعالى } :وَل َوْ أن َّنا نزل َْنا إ ِل َي ْهِ ُ
َ َ
ن{ جهَُلو َ م يَ ْ ن أك ْث ََرهُ ْ ه وَل َك ِ ّ شاَء الل ّ ُ ن يَ َ مُنوا ِإل أ ْ كاُنوا ل ِي ُؤْ ِ ما َ يٍء قُُبل َ ش ْ ل َ كُ ّ
] النعام ، [ 111 :
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2في ت ،أ " :وأن".
" :مما الله قادر عليه". ت في )(3
"صلى الله عليه وسلم". أ: في )(4
،أ " :باثنين". ت في )(5
،أ " :ولكن ممن لم يؤمن". ت في )(6
) (4/257
ماِءس َن ال ّ م َم َباًبا ِ حَنا عَل َي ْهِ ْ ولما فيهم من المكابرة ،كما قال تعالى } :وَل َوْ فَت َ ْ
َ
ن{ حوُرو َ س ُم ْم َ ن قَوْ ٌ ح ُ ل نَ ْ صاُرَنا ب َ ْ ت أب ْ َ سك َّر ْ ما ُ قاُلوا إ ِن ّ َ
ن لَ َجو َ فَظ َّلوا ِفيهِ ي َعُْر ُ
ساقِ ً
طا ماِء َ س َن ال ّ م َ فا ِ س ًن ي ََرْوا ك ِ ْ ] الحجر ، [ 15 ، 14 :وقال تعالى } :وَإ ِ ْ
م { ] الطور ، [ 44 :وقال تعالى } :وَل َوْ نزل َْنا عَل َي ْكَ كو ٌ مْر ُ
ب َ حا ٌ قوُلوا َ
س َ يَ ُ
َ ّ َ َ َ َ
ن{ مِبي ٌحٌر ُ س ْذا ِإل ِ ن هَ َ فُروا إ ِ ْ نك َ ذي َل ال ِ قا َ مل َ ديهِ ْ سوه ُ ب ِأي ْ ِ م ُ س فَل َ ك َِتاًبا ِفي قِْرطا ٍ
] النعام ، [ 7 :فمثل هؤلء أقل من أن يجابوا إلى ما سألوه ؛ لنه ل فائدة
في جواب هؤلء ؛ لنه دائر على تعنتهم وعنادهم ،لكثرة فجورهم وفسادهم ؛
ن{ ري َ من ْت َظ ِ ِ ن ال ْ ُم َ م ِمعَك ُ ْ ولهذا قال َ } :فان ْت َظ ُِروا إ ِّني َ
) (4/258
َ َ
ل الل ّ ُ
ه مك ٌْر ِفي آَيات َِنا قُ ِ م َ م إ َِذا ل َهُ ْ ست ْهُ ْ م ّ ضّراَء َ ن ب َعْد ِ َ م ْ ة ِ م ً ح َ س َر ْ وَإ َِذا أذ َقَْنا الّنا َ
م ِفي ال ْب َّر َ
سي ُّرك ُ ْ ذي ي ُ َ ن ) (21هُوَ ال ّ ِ مك ُُرو َ ما ت َ ْ ن َ سل ََنا ي َك ْت ُُبو َ ن ُر ُ مك ًْرا إ ِ ّ سَرع ُ َ أ ْ
ح
جاَءت َْها ِري ٌ حوا ب َِها َ ريٍح ط َي ّب َةٍ وَفَرِ ُ م بِ َ ِ ن ب ِهِ ْ جَري ْ َ ك وَ َ فل ْ ِ م ِفي ال ْ ُ حّتى إ َِذا ك ُن ْت ُ ْ حرِ َ َوال ْب َ ْ
هّ َ ُ َ م َ ن كُ ّ ْ
وا الل َ م د َعَ ُ حيط ب ِهِ ْ مأ ِ ن وَظّنوا أن ّهُ ْ كا ٍ ل َ م ْ ج ِ مو ْ ُ م ال َ جاَءهُ ُ ف وَ َ ص ٌ عا ِ َ
َ َ
ن هَذِهِ لن َ ُ َ َ َ
ما ن ) (22فَل ّ ري َ شاك ِ ِ ن ال ّ م َ ن ِ كون َ ّ م ْجي ْت ََنا ِ ن أن ْ َ ن لئ ِ ْ دي َ ه ال ّ نل ُ صي َ خل ِ ِ م ْ ُ
م عَلىَ ُ ك ي ْ غ ب ما نإ س نا ال ها يَ أ يا ق ح ْ ل ا ر يَ غ ب ض ر َ لْ ا في ن غو ُ ب ي م ُ ه َ
ذا إ م ُ ه جا ن أَ
ْ ُ َ ّ
ُ ِ َ ّ َ ّ َ ّ َ ْ
ْ ِ ِ ِ ِ َ ْ َ ْ ْ ِ َ ْ
ن )(23 مُلو َ م ت َعْ َ ما ك ُن ْت ُ ْ م بِ َ م فَن ُن َب ّئ ُك ُ ْ جعُك ُ ْ مْر ِ م إ ِل َي َْنا َ حَياةِ الد ّن َْيا ث ُ ّ مَتاعَ ال ْ َ م َ سك ُ ْ ف ِ أ َن ْ ُ
َ
ل الل ّ ُ
ه مك ٌْر ِفي آَيات َِنا قُ ِ م َ م إ َِذا ل َهُ ْ ست ْهُ ْ م ّ ضّراَء َ ن ب َعْد ِ َ م ْ ة ِ م ً ح َ س َر ْ } وَإ َِذا أذ َقَْنا الّنا َ
م ِفي ال ْب َّر َ
سي ُّرك ُ ْ ذي ي ُ َ ن ) (21هُوَ ال ّ ِ مك ُُرو َ ما ت َ ْ ن َ سل ََنا ي َك ْت ُُبو َ ن ُر ُ مك ًْرا إ ِ ّ سَرع ُ َ أ ْ
ح
جاَءت َْها ِري ٌ حوا ب َِها َ ريٍح ط َي ّب َةٍ وَفَرِ ُ ِ م بِ ن ب ِهِ ْ جَري ْ َ ك وَ َ فل ْ ِ م ِفي ال ْ ُ حّتى إ َِذا ك ُن ْت ُ ْ حرِ َ َوال ْب َ ْ
وا الل ّ َ
ه م د َعَ ُ ط ب ِهِ ْ حي َ م أُ ِ َ
ن وَظ َّنوا أن ّهُ ْ كا ٍ م َ ل َ ن كُ ّ م ْ ج ِ مو ْ ُ م ال ْ َ جاَءهُ ُ ف وَ َ ص ٌ عا ِ َ
َ َ
ن هَذِهِ لن َ ُ َ َ َ
ما ن ) (22فَل ّ ري َ شاك ِ ِ ن ال ّ م َ ن ِ كون َ ّ م ْجي ْت ََنا ِ ن أن ْ َ ن لئ ِ ْ دي َ ه ال ّ نل ُ صي َ خل ِ ِ م ْ ُ
م عَلىَ ُ ك ي ْ غ ب ما نإ س نا ال ها ي َ أ يا ق ح ْ ل ا ر يَ غ ب ض ر ال في ن غو ُ ب ي م ُ ه َ
ذا إ م ُ ه جا ن أَ
ْ ُ َ ّ
ُ ِ َ ّ َ ّ َ ّ َ ْ
ْ ِ ِ ِ ِ َ ْ َ ْ ْ ِ َ ْ
ن ){ (23 مُلو َ م ت َعْ َ ما ك ُن ْت ُ ْ م بِ َ م فَن ُن َب ّئ ُك ُ ْ جعُك ُ ْ مْر ِ م إ ِل َي َْنا َ حَياةِ الد ّن َْيا ث ُ ّ مَتاعَ ال ْ َ م َ سك ُ ْ ف ِ أ َن ْ ُ
يخبر ) (1تعالى أنه إذا أذاق الناس رحمة من بعد ضراء مستهم ،كالرخاء بعد
الشدة ،والخصب ) (2بعد الجدب ،والمطر بعد القحط ونحو ذلك } إ َِذا ل َهُ ْ
م
مك ٌْر ِفي آَيات َِنا {. َ
عاَنا ضّر د َ َ ن ال ّ سا َ س الن ْ َ م َ ّ قال مجاهد :استهزاء وتكذيب .كما قال } :وَإ َِذا َ
َ َ َ جن ْب ِهِ أ َوْ َقا ِ
ضّر م ي َد ْعَُنا إ ِلى ُ نل ْ َ
مّر كأ ْ ضّره ُ َ ه ُ فَنا عَن ْ ُ ش ْما ك َ َ ما فَل َ ّ دا أوْ َقائ ِ ً ع ً لِ َ
ه { ] يونس ، [ 12 :وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم م ّ ُ
س َ
صلى بهم الصبح على ) (3أثر سماء -مطر ) - (4أصابهم ) (5من الليل ثم
قال " :هل تدرون ماذا قال ربكم الليلة ؟" قالوا ) (6الله ورسوله أعلم.
مطرنا قال " :قال :أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ،فأما من قال ُ :
بفضل الله ورحمته ،فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب ،وأما من قال :مطرنا
بنوء كذا وكذا ،فذاك كافر بي مؤمن بالكوكب"(7) .
مك ًْرا { أي :أشد استدراجا وإمهال حتى يظن وقوله } :قُل الل ّ َ
سَرع ُ َ
هأ ْ ُ ِ
الظان من المجرمين أنه ليس بمعذب ،وإنما هو في مهلة ،ثم يؤخذ على
غرة منه ،والكاتبون الكرام يكتبون عليه جميع ما يفعله ،
__________
) (1في ت " :فخبر".
) (2في ت " :والخصيب".
) (3في ت ،أ " :في".
) (4في ت ،أ " :أي مطر".
) (5في ت " :أصابتهم".
) (6في ت " :قلنا".
) (7صحيح البخاري برقم ) (846وصحيح مسلم برقم ).(71
) (4/258
ويحصونه عليه ،ثم يعرضون على عالم الغيب والشهادة ،فيجازيه على
طمير. ق ْ الحقير والجليل ) (1والنقير وال ِ
حرِ { أي :يحفظكم )(2 ْ
م ِفي الب َّر َوالب َ ْ ْ ُ
سي ُّرك ْ ذي ي ُ َ ثم أخبر تعالى أنه } :هُوَ ال ّ ِ
حوا ريٍح ط َي ّب َةٍ وَفَرِ ُ م بِ ِ ن ب ِهِ ْ جَري ْ َ ك وَ َ فل ْ ِ م ِفي ال ْ ُ حّتى إ َِذا ك ُن ْت ُ ْ ويكلؤكم بحراسته } َ
جاَءت َْها { أي : ب َِها { أي :بسرعة سيرهم رافقين ،فبينما ) (3هم كذلك إذ } َ
ن{ م َ
كا ٍ ل َ ن كُ ّ م ْج ِ مو ْ ُ م ال ْ َ جاَءهُ ُ ف { أي :شديدة } وَ َ ص ٌ عا ِ ح َ تلك السفن } ِري ٌ
ُ َ
وا الل ّ َ
ه م { أي :هلكوا } د َعَ ُ ط ب ِهِ ْ حي َ مأ ِ أي :اغتلم البحر عليهم } وَظ َّنوا أن ّهُ ْ
ن { أي :ل يدعون معه صنما ول وثنا ،بل يفردونه بالدعاء دي َ ه ال ّ ن لَ ُ
صي َ خل ِ ِم ْ ُ
ن ِإلعو َ ن ت َد ْ ُ َ ْ م ّ
ل ض
َ ِ ر ح
ْ َ بْ ل ا في ِ رّ ض
ّ ال م ُ ك
َِ َ ّ ُ س م ذاَ إ و } : تعالى قال كما ، والبتهال
َ
فوًرا { ] السراء ، [ 67 : ن كَ ُ سا ُ َ ْ ن ال ن
كا َ م وَ َ ضت ُ ْم إ َِلى ال ْب َّر أعَْر ْ جاك ُ ْ إ ِّياه ُ فَل َ ّ
ما ن َ ّ
َ
ن هَذِهِ { أي :هذه م ْ جي ْت ََنا ِ ن أن ْ َ ن ل َئ ِ ْ دي َ ه ال ّ ن لَ ُ صي َ خل ِ ِ م ْ ه ُ وا الل ّ َ وقال هاهنا } :د َعَ ُ
ن { أي :ل نشرك بك أحدا ،ولنفردنك )(4 ري َ شاك ِ ِ ن ال ّ م َ ن ِ كون َ ّ الحال } ل َن َ ُ
َ
م{ جاهُ ْ ما أن ْ َ بالعبادة هناك كما أفردناك بالدعاء هاهنا ،قال الله تعالى } :فَل َ ّ
حقّ { أي :كأن لم ض ب ِغَي ْرِ ال ْ َ ن ِفي الْر ِ م ي َب ُْغو َ أي :من تلك الورطة } إ َِذا هُ ْ
َ َ َ
ه{ س ُ م ّ ضّر َ م ي َد ْعَُنا إ ِلى ُ نل ْ يكن من ذاك شيء ) } (5ك َأ ْ
م { أي :إنما يذوق سك ُ ْ ف ِ م عََلى أ َن ْ ُ ما ب َغْي ُك ُ ْ س إ ِن ّ َ
َ
ثم قال تعالى َ } :يا أي َّها الّنا ُ
وبال هذا البغي أنتم أنفسكم ول تضرون ) (6به أحدا غيركم ،كما جاء في
الحديث " :ما من ذنب أجدر ) (7أن يعجل الله عقوبته في الدنيا ،مع ما
َيدخر ) (8الله لصاحبه في الخرة ،من البغي وقطيعة الرحم"(9) .
حَياةِ الد ّن َْيا { أي :إنما لكم متاع في الحياة الدنيا الدنيئة مَتاعَ ال ْ َ وقوله َ } :
م { أي :مصيركم ومآلكم ) } (10فننبئكم { أي : جعُك ُ ْ مْر ِ َ
م إ ِلي َْنا َ الحقيرة } ث ُ ّ
فنخبركم بجميع أعمالكم ،ونوفيكم ) (11إياها ،فمن وجد خيرا فليحمد الله ،
ومن وجد غير ذلك فل يلومن إل نفسه.
َ َ َ
ما
م ّض ِ ت َالْر َِ خت َلط ب ِهِ ن ََبا ُ َ
ماِء فا ْ س َ ن ال ّ م َ ماٍء أنزل َْناه ُ ِ حَياةِ الد ّن َْيا ك َ َ ل ال ْ َ مث َ ُ ما َ} إ ِن ّ َ
م ُ
ن أهْلَها أن ّهُ ْ َ
ت وَظ ّ خُرفَها َواّزي ّن َ ْ َ ض ُز ْ ُ ت الْر خذ َِ َ َ
حّتى إ ِذا أ َ م َ س َوالن َْعا ُ ُ ل الّنا ي َأ ْك ُ ُ
َ َ َقادرون عَل َيها أ َتا َ َ
س
م ِ ن ِبال ْم ت َغْ َن لَ ْ دا ك َأ ْ صي ً ح ِ ها َ جعَل َْنا َمُرَنا ل َْيل أوْ ن ََهاًرا فَ َ ها أ ْ َْ َ ُِ َ
دي ه ي
ّ ِ ََْ ِو مسل ال ردا
َ ِ لى َ ِ إ عو
ُ د ي
َ ُ َ ْ هّ ل وال ( 24 ) ن رو ّ ك
َ ِ ِ ْ ٍ ََ ُ ََ ف ت ي م و َ ق ل ت يا ال ُ
ل ص
ك نُ ّ
َ ف ك َذ َل ِ َ
قيم ٍ ){ (25 ست َ ِم ْ ط ُ صَرا ٍ شاُء إ َِلى ِ ن يَ َ م ْ َ
__________
) (1في ت " :القليل والحقير".
) (2في ت ،أ " :يحيطكم".
) (3في ت " :فبينا".
) (4في أ " :ولنفردك".
) (5في ت ،أ " :كأن لم يكن شيء من ذاك".
) (6في ت " :يضرون".
) (7في ت " :أحذر".
) (8في ت " :يؤخر".
) (9رواه أبو داود في السنن برقم ) (4902والترمذي في السنن برقم )
(2511وابن ماجه في السنن برقم ) (4211من حديث أبي بكرة رضي الله
عنه ،وقال الترمذي " :هذا حديث حسن صحيح".
) (10في ت " :ومآبكم".
) (11في ت " :ونوفكم".
) (4/259
ضرب ]تبارك و[ ) (1تعالى مثل لزهرة الحياة الدنيا وزينتها وسرعة انقضائها
وزوالها ،بالنبات الذي أخرجه الله من الرض بما أنزل ) (2من السماء من
الماء ،مما يأكل الناس من زرع ) (3وثمار ،على اختلف أنواعها وأصنافها ،
ض
ت الْر ُ خذ َ ِ حّتى إ َِذا أ َ َ ضب وغير ذلك َ } ، وما تأكل ) (4النعام من أب وقَ ْ
سنت بما خرج من )(5 ح ُ
ت { أي َ : خُرفََها { أي :زينتها الفانية َ } ،واّزي ّن َ ْ ُز ْ
ن أهْلَها { الذين ُ َ َ
ضرة مختلفة الشكال واللوان } ،وَظ ّ ُرباها من زهور ن َ ِ
جذاذها وحصادها َ َ َ
ن عَلي َْها { أي :على َ م قادُِرو َ زرعوها وغرسوها ) } (6أن ّهُ ْ
فبيناهم ) (7كذلك إذ جاءتها صاعقة ،أو ريح بادرة ،فأيبست أوراقها ،
جعَل َْنا َ َ وأتلفت ثمارها ؛ ولهذا قال تعالى } :أ َتا َ َ
ها مُرَنا ل َْيل أوْ ن ََهاًرا فَ َ
ها أ ْ َ
ن غ ت م َ ل ن حصيدا { ) (8أي :يبسا بعد ]تلك[ ) (9الخضرة والنضارة } ،ك َأ َ
ْ
ْ ْ َ َ َ ِ ً
س { أي :كأنها ما كانت حسناء قبل ذلك. م ِِبال ْ
َ َ
ن { كأن لم تنعم. م ت َغْ َ نل ْ وقال قتادة } :ك َأ ْ
وهكذا المور بعد زوالها كأنها لم تكن ؛ ولهذا جاء في الحديث ) (10يؤتى
سة ثم يقال له :هل رأيت خيًرا قط ؟ م َ مس في النار غَ ْ بأنعم أهل الدنيا ،في ُغْ َ
]هل مر بك نعيم قط ؟[ ) (11فيقول :ل .ويؤتى بأشد الناس عذاًبا في الدنيا
) (12فيغمس في النعيم غمسة ،ثم يقال له :هل رأيت بؤسا قط ؟ فيقول :
ل" )(13
م َ َ َ َ َ
نل ْ ن كأ ْ مي َ جاث ِ ِم َ حوا ِفي دَِيارِهِ ْ صب َ ُ وقال تعالى إخباًرا عن المهلكين } :فأ ْ
وا ِفيَها { ] هود .[ 95 ، 94 : ي َغْن َ ْ
قوْم ٍ حجج والدلة } ،ل ِ َ ت { أي :نبين ال ُ صل الَيا ُِ ف ّ َ َ َ
ثم قال تعالى } :كذل ِك ن ُ َ
ن { فيعتبرون بهذا المثل في زوال الدنيا من أهلها سريًعا مع فك ُّرو َ
ي َت َ َ
فلتها ) (15منهم ،فإن من طبعها ّ اغترارهم بها ،وتمكنهم ) (14بمواعيدها وت َ َ
الهرب ممن طلبها ،والطلب لمن هرب منها ،وقد ضرب الله مثل الحياة
الدنيا بنبات الرض ،في غير ما آية من كتابه العزيز ،فقال في سورة الكهف
خت َل َ َ َ
تط ب ِهِ ن ََبا ُ ماِء َفا ْس َ
ن ال ّ ماٍء أنزل َْناه ُ ِ
م َ ل ال ْ َ
حَياةِ الد ّن َْيا ك َ َ مث َ َ
م َ ب ل َهُ ْ ضرِ ْ َ } :وا ْ
ه عََلى ك ُ ّ َ
قت َدًِرا {م ْيٍء ُش ْل َ ن الل ّ ُ ح وَ َ
كا َ ما ت َذ ُْروهُ الّرَيا ُ شي ًح هَ ِ صب َ َض فَأ ْالْر ِ
] الكهف ، [ 45 :وكذا في سورة الزمر ) (16والحديد ) (17يضرب بذلك
مثل الحياة الدنيا كماء.
ة،وقال ابن جرير :حدثني الحارث ) (18حدثنا عبد العزيز ،حدثنا ابن عُي َي ْن َ َ
عن عمرو بن دينار ،عن عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث
بن هشام قال :سمعت مروان -يعني :ابن
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2في ت ،أ " :أنزل الله".
) (3في ت " :زروع".
) (4في ت " :يأكل".
) (5في ت " :في".
) (6في ت " :وعرشوها"
) (7في ت ،أ " :فبيناها".
) (8في ت ،أ " :جاءها" وهو خطأ.
) (9زيادة من ت ،أ.
) (10في ت ،أ " :الصحيح".
) (11زيادة من ت ،أ ،وابن ماجه.
) (12في ت ،أ " :ويؤتى بأبأس أهل الدنيا".
) (13سنن ابن ماجه برقم ).(4321
) (14في ت ،أ " :وتمسكهم".
) (15في ت " :وتفلها".
) (16الية .21 :
) (17الية 20 :
) (18في ت " :الحرب".
) (4/260
الحكم -يقرأ على المنبر " :وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها وما كان
الله ليهلكها ) (1إل بذنوب أهلها" ،قال :قد قرأتها وليست في المصحف
فقال عباس بن عبد الله بن عباس :هكذا يقرؤها ابن عباس .فأرسلوا إلى
ي بن كعب(2) . ابن عباس فقال :هكذا أقرأني أب ّ
وهذه قراءة غريبة ،وكأنها زيادة للتفسير.
سلم ِ { الية :لما ذكر تعالى الدنيا وسرعة عو إ َِلى َدارِ ال ّ وقوله َ } :والل ّ ُ
ه ي َد ْ ُ
غب في الجنة ودعا إليها ،وسماها دار السلم أي : ]عطبها و[ ) (3زوالها ،ر ّ
عو إ َِلى َدارِ ال ّ
سلم ِ من الفات ،والنقائص والنكبات ،فقال َ } :والل ّ ُ
ه ي َد ْ ُ
قيم ٍ {.
ست َ ِ
م ْ
ط ُصَرا ٍشاُء إ َِلى ِ ن يَ َ
م ْ
دي َ
وَي َهْ ِ
قال أيوب عن أبي ِقلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " :قيل لي :
ل قلبك ،ولتسمع ) (4أذنك فنامت عيني ،وعقل قلبي ، م عيُنك ،وليعق ْلتن َ ْ
وسمعت أذني .ثم قيل :سي ّد ٌ ب ََنى داًرا ،ثم صنع مأدبة ،وأرسل داعًيا ،فمن
أجاب الداعي دخل الدار ،وأكل من المأدبة ،ورضي عنه السيد ،ومن لم
يجب الداعي لم يدخل الدار ،ولم يأكل من المأدبة ،ولم يرض عنه السيد
فالله السيد ،والدار السلم ،والمأدبة الجنة ،والداعي محمد صلى الله عليه
وسلم(5) .
وهذا حديث مرسل ،وقد جاء متصل من حديث الليث ،عن خالد بن يزيد )(6
عن سعيد بن أبي هلل ،عن جابر ) (7بن عبد الله ،رضي الله عنه ،قال :
ما فقال " :إني رأيت في ل الله صلى الله عليه وسلم يو ً خرج علينا رسو ُ
المنام كأن جبريل عند رأسي ،وميكائيل عند رجلي ،يقول أحدهما لصاحبه :
مث َُلك
قل قلبك ،إنما َ سمعت أذنك ،واعقل ع َ َاضرب له مثل .فقال :اسمع َ
متك كمثل ملك اتخذ دارا ،ثم بنى فيها بيًتا ،ثم جعل فيها مأدبة ،ثم ومثل أ ّ
بعث رسول يدعو الناس إلى طعامه ،فمنهم من أجاب الرسول ،ومنهم من
سول ، تركه ،فالله الملك ،والدار السلم ،والبيت الجنة ،وأنت يا محمد الر ُ
فمن أجابك دخل السلم ،ومن دخل السلم دخل الجنة ،ومن دخل الجنة
أكل منها" رواه ابن جرير(8) .
صري ،عن أبي الدرداء قال :قال رسول الله خل َْيد العَ َ
وقال قتادة :حدثني ُ
صلى الله عليه وسلم " :ما من يوم طلعت فيه شمسه إل وبجن َب َت َْيها ملكان
يناديان يسمعهما ) (9خلق الله كلهم إل الثقلين :يا أيها الناس ،
__________
) (1في ت " :ليهلكهم".
) (2تفسير الطبري ) (15/57وانظر تعليق الستاذ محمود شاكر في الحاشية
،فقد ذكر أن هذا السناد هالك.
) (3زيادة من ت ،أ.
) (4في ت " :وليسمع".
) (5رواه الطبري في تفسيره ).(15/60
) (6في ت ،أ " :سويد".
) (7في ت " :جبار".
) (8تفسير الطبري ) (15/61وعلقه البخاري في الصحيح برقم )(7281
ورواه الترمذي في السنن برقم ) (2860من طريق قتيبة عن الليث به ،
وقال الترمذي " :هذا حديث مرسل ،سعيد بن أبي هلل لم يدرك جابر بن
عبد الله" قال " :وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن النبي صلى الله
عليه وسلم بإسناد أصح من هذا" قلت :رواه البخاري في صحيحه برقم )
(7281من طريق يزيد عن سليم بن حيان ،عن سعيد بن أبي ميناء ،عن
جابر بن عبد الله بنحوه.
) (9في ت ،أ " :يسمعه".
) (4/261
) (4/262
ة ُأول َئ ِ َ َ
م قَت ٌَر وََل ذِل ّ ٌ ل ِل ّذي َ
ب
حا ُ
ص َ
كأ ْ سَنى وَزَِياد َة ٌ وََل ي َْرهَقُ وُ ُ
جوهَهُ ْ ح ْ سُنوا ال ْ ُح َنأ ِْ َ
ن )(26 دو َخال ِ ُ م ِفيَها َ ال ْ َ
جن ّةِ هُ ْ
ة ُأول َئ ِ َ َ
م قَت ٌَر َول ذِل ّ ٌ } ل ِل ّذي َ
بحا ُص َ
كأ ْ جوهَهُ ْ
سَنى وَزَِياد َة ٌ َول ي َْرهَقُ وُ ُ
ح ْ سُنوا ال ْ ُ ح َ نأ ْ ِ َ
ن ){ (26 دو َ خال ِ ُم ِفيَها َ جن ّةِ هُ ْال ْ َ
يخبر تعالى أن لمن أحسن العمل في الدنيا باليمان والعمل الصالح أبدله )(1
ن
سا ُح َ ن ِإل ال ْ سا ِح َ جَزاُء ال ْ ل َ الحسنى في الدار الخرة ،كما قال تعالى } :هَ ْ
{ ] الرحمن .[ 60 :
وقوله } :وَزَِياَدة { هي ) (2تضعيف ثواب العمال بالحسنة عشر أمثالها إلى
سبعمائة ضعف ،وزيادة على ذلك ]أيضا[ ) (3ويشمل ما يعطيهم الله في
حور والرضا عنهم ،وما أخفاه لهم من قرة أعين ، صور وال ُ ق ُالجنان من ال ُ
وأفضل من ذلك وأعله النظُر إلى وجهه ) (4الكريم ،فإنه زيادة أعظم من
جميع ما أعطوه ،ل يستحقونها بعملهم ،بل بفضله ورحمته ) (5وقد روي
تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله ) (6الكريم ،عن أبي بكر الصديق ،
وحذيفة بن اليمان ،وعبد الله بن عباس ]قال البغوي وأبو موسى وعبادة بن
الصامت[ ) (7وسعيد بن المسيب ،وعبد الرحمن بن أبي ليلى ،وعبد
الرحمن بن سابط ،ومجاهد ،وعكرمة ،وعامر بن سعد ،وعطاء ،والضحاك
،والحسن ،وقتادة ،والسدي ،ومحمد بن إسحاق ،وغيرهم من السلف
والخلف.
ث كثيرة ،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد وردت في ذلك أحادي ُ
فمن ذلك ما رواه المام أحمد :
حدثنا عفان ،أخبرنا حماد بن سلمة ،عن ثابت الُبناني ،عن عبد الرحمن بن
أبي ليلى ،عن صهيب ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تل هذه الية :
} ل ِل ّذي َ
سَنى وَزَِياد َة ٌ { وقال " :إذا دخل أهل الجنة الجنة ،وأهل ح ْ سُنوا ال ْ ُ ح َ نأ ْ ِ َ
دا يريد أن النار النار ،نادى مناد :يا أهل الجنة ،إن لكم عند الله موع ً
قل موازيننا ،ويبيض وجوهنا ،ويدخلنا موه .فيقولون :وما هو ؟ ألم ُيث ّ جَزك ُ ُي ُن ْ ِ
الجنة ،ويزحزحنا من النار ؟" .قال " :فيكشف ) (8لهم الحجاب ،فينظرون
إليه ،فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه ،ول أقر
لعينهم".
وهكذا رواه مسلم وجماعة من الئمة ،من حديث حماد بن سلمة ،به(9) .
__________
) (1في ت ،أ " :أن لهم".
) (2في ت ،أ " :تشمل هي".
) (3زيادة من ت ،أ.
) (4في ت " :وجه".
) (5في ت " :ورحمته".
) (6في ت " :وجهه".
) (7زيادة من ت ،أ.
) (8في ت " :فكشف".
) (9صحيح مسلم برقم ) (181ورواه الترمذي في السنن برقم )(2552
والنسائي في السنن الكبرى برقم ) (11234وابن ماجه في السنن برقم )
.(187
) (4/262
وقال ابن جرير :أخبرنا يونس ،أخبرنا ابن وهب :أخبرنا شبيب ،عن أبان )
جْيمي ؛ أنه سمع أبا موسى الشعري يحدث عن رسول مة الهُ َ مي َ (1عن أبي ت َ ِ
الله صلى الله عليه وسلم " :إن الله يبعث يوم القيامة مناديا ينادي :يا أهل
سمعُ أّولهم وآخرهم : -إن الله وعدكم الحسنى وزيادة ، وت ي ُ ْ ص ْالجنة -ب َ
الحسنى :الجنة .وزيادة :النظر إلى وجه الرحمن عز وجل".
ن أبي حاتم ،من حديث أبي بكر الُهذلي ) (3عن أبي تميمة ) (2ورواه أيضا اب ُ
الهجيمي ،به.
ضا :حدثنا ابن حميد ،حدثنا إبراهيم بن المختار ) (4عن وقال ابن جرير أي ً
جرة ،عن النبي صلى الله عليه وسلم جَرْيج ،عن عطاء ،عن كعب بن عُ ْ ابن ُ
سَنى وَزَِياد َة ٌ { قال :النظر إلى وجه الرحمن ْ َ ّ
ح ْسُنوا ال ُ ح َ نأ ْ ذي َ في قوله } :ل ِل ِ
عز وجل(5) .
وقال أيضا :حدثنا ابن عبد الرحيم ) (6حدثنا عمرو بن أبي سلمة ،سمعت
ل الله صلى ي بن كعب :أنه سأل رسو َ زهيًرا عمن سمع أبا العالية ،حدثنا أب ّ
َ
سَنى وَزَِياد َة ٌ { ح ْ سُنوا ال ْ ُ ح َنأ ْ ذي َ الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل } :ل ِل ّ ِ
قال " :الحسنى :الجنة ،والزيادة :النظر إلى وجه الله عز وجل"(7) .
ورواه ابن أبي حاتم أيضا من حديث زهير ،به.
م قَت ٌَر { أي :قتام وسواد في عََرصات جوهَهُ ْ وقوله تعالى َ } :ول ي َْرهَقُ وُ ُ
ة{ ّ
قْترة والغُْبرة َ } ،ول ذِل ٌ المحشر ،كما يعتري وجوه الكفرة الفجرة من ال ُ
أي :هوان وصغار ،أي :ل يحصل لهم إهانة في الباطن ،ول في الظاهر ،
م
قاهُ ْ ك ال ْي َوْم ِ وَل َ ّ شّر ذ َل ِ َ ه َ م الل ّ ُ بل هم كما قال تعالى في حقهم } :فَوََقاهُ ُ
سُروًرا { أي :نضرة في وجوههم ،وسروًرا في قلوبهم ،جعلنا الله ضَرة ً وَ ُ نَ ْ
منهم بفضله ورحمته ،آمين.
نم ْ ّ
ن اللهِ ِ م َ م ِ َ
ما لهُ ْ ة َ ّ
م ذِل ٌ قهُ ْ مث ْل َِها وَت َْرهَ ُ َ
سي ّئةٍ ب ِ ِ
جَزاُء َ ت َ سي َّئا ِ سُبوا ال ّ ن كَ َ } َوال ّ ِ
ذي َ
َ ُ
ما أول َئ ِ َ ُ َ
م
ب الّنارِ هُ ْ حا ُ ص َكأ ْ مظ ْل ِ ً ل ُ ن الل ّي ْ ِ م َ م قِط ًَعا ِ جوهُهُ ْت وُ ُ شي َ ْ ما أغْ ِ صم ٍ ك َأن ّ َ عا ِ َ
ن ){ (27 دو َ خال ِ ُِفيَها َ
لما أخبر تعالى عن حال السعداء الذين ُيضاعف لهم الحسنات ،ويزدادون )
(8على ذلك ،عطف بذكر حال الشقياء ،فذكر عدله تعالى فيهم ،وأنه
يجازيهم على السيئة بمثلها ،ل يزيدهم على ذلك ،
__________
) (1في ت ،أ " :وأبان".
) (2تفسير الطبري ) (15/65وابن وهب روى عن شبيب مناكير وأبان بن
أبي عياش ضعيف.
) (3في ت " :الهذل".
) (4في ت " :المختار به".
) (5تفسير الطبري ) (15/68ورواه أبو نعيم في الحلية ) (5/204من طريق
محمد بن حميد به ،وقال " :غريب من حديث عطاء وابن جريج تفرد به
إبراهيم بن المختار" .وإبراهيم بن المختار ضعيف.
) (6في أ " :عبد الرحمن".
) (7تفسير الطبري ) (15/69ورواه الللكائي في السنة برقم ) (780من
طرق الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد عمن سمع أبا العالية يحدث عن
أبي بن كعب فذكره مرفوعا.
) (8في ت " :ويزادون".
) (4/263
قُهم { أي :تعتريهم وتعلوهم ذلة من معاصيهم وخوفهم منها ،كما } وَت َْرهَ ُ
ف ن طْر ٍ َ م ْ ن ِ ل ي َن ْظُرو َ ُ ن الذ ّ ّ م َ ن ِ شِعي َ خا ِ ن عَلي َْها َ َ ضو َ م ي ُعَْر ُ قال تعالى } :وَت ََراهُ ْ
لم ُ ما ي َعْ َ ه غاِفل عَ ّ َ ّ
ن الل َ سب َ ّ ح َ ي { ] الشورى ، [ 45 :وقال تعالى َ } :ول ت َ ْ ف ّ خ ِ َ
مسهِ ْ قن ِِعي ُرُءو ِ م ْ ن ُ مهْط ِ ِْعي َ صاُر * ُ ص ِفيهِ الب ْ َ خ ُ ش َ م ل ِي َوْم ٍ ت َ ْ خُرهُ ْ ما ي ُؤَ ّ ن إ ِن ّ َ مو َ الظال ِ ُّ
م العَذاب { َ ْ َ ْ َ ُ َ َ
م ي َأِتيهِ ُ س ي َوْ َ واٌء * وَأن ْذِرِ الّنا َ م هَ َ م وَأفئ ِد َت ُهُ ْ م طْرفهُ ْ ل ي َْرت َد ّ إ ِلي ْهِ ْ
صم ٍ { أي :من مانع ِ ِ ْ َ ِ عا ن م ه ّ لال ن م
َ ُ ْ ِ َ م ه َ ل ما } وقوله ، [ 44 - 42 ] إبراهيم :
َ
فّر * م َ ن ال ْ َ مئ ِذ ٍ أي ْ َ ن ي َوْ َ سا ُ ل الن ْ َ قو ُ ول واق يقيهم العذاب ،كما قال تعالى } :ي َ ُ
قّر { ] القيامة .[ 12 - 10 : ست َ َ م ْ مئ ِذ ٍ ال ْ ُ ك ي َوْ َ كل ل وََزَر * إ َِلى َرب ّ َ َ
ُ َ
ما { إخبار عن سواد مظ ْل ِ ً ل ُ ن الل ّي ْ ِ م َ م قِط ًَعا ِ جوهُهُ ْ ت وُ ُ شي َ ْ ما أغْ ِ وقوله } :ك َأن ّ َ
جوهٌ سوَد ّ وُ ُ جوهٌ وَت َ ْ ض وُ ُ م ت َب ْي َ ّ وجوههم في الدار الخرة ،كما قال تعالى } :ي َوْ َ
ْ م أ َك َ َ َ
مما ك ُن ْت ُ ْ ب بِ َ ذا َ ذوُقوا العَ َ م فَ ُ مان ِك ُ ْ م ب َعْد َ ِإي َ فْرت ُ ْ جوهُهُ ْ ت وُ ُ سوَد ّ ْ نا ْ ذي َ ما ال ّ ِ فَأ ّ
َ
ن{ دو َ خال ِ ُ م ِفيَها َ مةِ الل ّهِ هُ ْ ح َ في َر ْ م فَ ِ جوهُهُ ْ ت وُ ُ ض ْ ن اب ْي َ ّ ذي َ ما ال ّ ِ ن * وَأ ّ فُرو َ ت َك ْ ُ
فَرةٌ س ِ م ْ مئ ِذ ٍ ُ جوه ٌ ي َوْ َ ] آل عمران ، [ 107 ، 106 :وكما قال تعالى } :وُ ُ
َ ْ َ َ ُ مئ ِذ ٍ عَل َي َْها غَب ََرةٌ ت َْرهَ ُ حك َ ٌ
فَرةُ م الك َ قَها قَت ََرة ٌ أولئ ِك هُ ُ جوهٌ ي َوْ َ شَرةٌ وَوُ ُ ست َب ْ ِ م ْ ة ُ ضا ِ َ
جَرة ُ { ] عبس .[ 42 - 38 :الية. ف َ ال ْ َ
َ َ
كاؤُك ُ ْ
م شَر َ م وَ ُ م أن ْت ُ ْ كان َك ُ ْ م َ كوا َ شَر ُ نأ ْ ذي َ ل ل ِل ّ ِ قو ُ م نَ ُ ميًعا ث ُ ّ ج ِ م َ شُرهُ ْ ح ُ م نَ ْ } وَي َوْ َ
دا
شِهي ً فى ِباللهِ َ ّ َ
ن ) (28فك َ َ دو َ م إ ِّياَنا ت َعْب ُ ُ ما كن ْت ُ ُْ م َ شَركاؤُهُ ْ َ م وَقال ُ َ َ فََزي ّل َْنا ب َي ْن َهُ ْ
سل َ َ َ ك ت َب ُْلو ك ُ ّ
تف ْ ما أ ْ س َ ف ٍ ل نَ ْ ن ) (29هَُنال ِ َ م ل ََغافِِلي َ عَباد َت ِك ُ ْ ن ِ ن ك ُّنا عَ ْ م إِ ْ ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ْ
ن ){ (30 فت َُرو َ كاُنوا ي َ ْ ما َ م َ ل عَن ْهُ ْ ض ّ حقّ وَ َ م ال ْ َ ولهُ ُ م ْ وَُرّدوا إ َِلى الل ّهِ َ
م { أي :أهل الرض كلهم ،من إنس وجن )(1 شُرهُ ْ ح ُ م نَ ْ يقول تعالى } :وَي َوْ َ
َ
دا { ] الكهف .[ 47 : ح ً مأ َ من ْهُ ْ م ن َُغادِْر ِ م فَل َ ْ شْرَناهُ ْ ح َ وبر وفاجر ،كما قال } :وَ َ
َ ن أَ ْ
م { أي :الزموا أنتم وهم كاؤُك ُ ْ شَر َ م وَ ُ م أن ْت ُ ْ كان َك ُ ْ م َ كوا َ شَر ُ ذي َ ل ل ِل ّ ِ قو ُ م نَ ُ } ثُ ّ
مَتاُزوا مكاًنا معيًنا ،امتازوا فيه عن مقام المؤمنين ،كما قال تعالى َ } :وا ْ
ال ْيو َ
مئ ِذٍ ة ي َوْ َ ساعَ ُ م ال ّ قو ُ م تَ ُ ن { ] يس ، [ 59 :وقال } وَي َوْ َ مو َ جرِ ُ م ْ م أي َّها ال ْ ُ َ ْ َ
ن { ] الرومعو َ
صد ّ ُ
مئ ِذ ٍ ي َ ّ
ن { ] الروم ، [ 14 :وفي الية الخرى } :ي َوْ َ فّرُقو َ
ي َت َ َ
صدعين ،وهذا يكون إذا جاء الرب تعالى لفصل القضاء [ 43 :أي :يصيرون ِ
؛ ولهذا قيل :ذلك ) (2يستشفع المؤمنون إلى الله تعالى أن يأتي لفصل
القضاء ويريحنا من مقامنا هذا ،وفي الحديث الخر " :نحن يوم القيامة على
وم فوق الناس(4) (3) . كَ ْ
__________
) (1في ت " ،من جن وإنس".
) (2وقع هنا بياض في هـ ،ووصل في ت ،أ .وحديث الستشفاع رواه
البخاري في صحيحه برقم ) (4476من حديث أنس رضي الله عنه.
) (3في أ " :النار".
) (4رواه أحمد في المسند ) (3/345من حديث جابر رضي الله عنه.
والكوم :الموضع المشرف العال.
) (4/264
وقال الله تعالى في هذه الية الكريمة إخباًرا عما يأمر به المشركين )(1
كانك ُ َ
شَر َ ُ ْ
م هُ ؤ كا ل ُ م وََقا َ م فََزي ّل َْنا ب َي ْن َهُ ْ كاؤُك ُ ْ شَر َ م وَ ُ م أن ْت ُ ْ م َ َ ْ وأوثانهم يوم القيامة َ } :
ن { أنكروا عبادتهم ،وتبرءوا منهم ،كما قال تعالى : دو َ م إ ِّياَنا ت َعْب ُ ُ ما ك ُن ْت ُ ْ َ
دا { الية ] .مريم (2) .[ 82 : ض
ِْ ْ ِ ّ م ه يَ ل َ ع ن نو ُ
كو ي
َ َ ُ َ َِِ َِِ ْ ََ ُ َ و م ه ت د با ع ب ن رو ُ ف ْ ك ي س كل[ َ ] }
َ
ن ات ّب َُعوا { ] البقرة ، [ 166 :وقال ن ال ّ ِ َ
ذي م َ ن ات ّب ُِعوا ِ ذي َ وقال } :إ ِذ ْ ت َب َّرأ ال ّ ِ
} وم َ
ممةِ وَهُ ْ قَيا َ ه إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ ب لَ ُ جي ُ ست َ ِ ن ل يَ ْ م ْ ن الل ّهِ َ ن ُدو ِ م ْ عو ِ ن ي َد ْ ُ م ْ م ّ ل ِ ض ّ نأ َ َ َ ْ
م ه ت د با ع ب نوا َ
كا و ً ء دا ع كانوا ل َهم أ َ َ س نا ال ر ش ح ذاَ إ و ن لو ُ ف غا َ م ه ئ عا
ِ ْ ِ َ َ ِ ِ ُ َ َ ْ ُ ْ ُ ُ ّ َ ِ ُ َِ َ ِ ِ ْ ِ َ ن دُ عَ ْ
ن { ] الحقاف .[ 6 ، 5 : ري َ كافِ ِ َ
وقال في هذه الية إخباًرا عن قول الشركاء فيما راجعوا فيه عابديهم عند
عَباد َت ِك ُ ْ
م ن ِ ن ك ُّنا عَ ْ م إِ ْ دا ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ْ شِهي ً فى ِبالل ّهِ َ ادعائهم عبادتهم } :فَك َ َ
ن { أي :ما كنا نشعر بها ول نعلم ،وإنما أنتم كنتم تعبدوننا من حيث ل ل ََغافِِلي َ
ندري بكم ،والله شهيد بيننا وبينكم أنا ما دعوناكم إلى عبادتنا ،ول أمرناكم
بها ،ول رضينا منكم بذلك.
وفي هذا تبكيت عظيم للمشركين الذين عبدوا مع الله غيره ،ممن ل يسمع
ول يبصر ،ول يغني عنهم شيًئا ،ولم يأمرهم بذلك ول رضي به ول أراده ،بل
تبرأ منهم في وقت أحوج ما يكونون إليه ،وقد تركوا ) (3عبادة الحي
القيوم ،السميع البصير ،القادر على كل شيء ،العليم بكل شيء وقد
أرسل رسله وأنزل كتبه ،آمرا بعبادته وحده ل شريك له ،ناهًيا عن عبادة ما
َ قد بعث ْنا في ك ُ ّ ُ
دوا الل ّ َ
ه ن ا ُعْب ُ ُ سول أ ِ مةٍ َر ُ لأ ّ سواه ،كما قال تعالى } :وَل َ َ ْ َ َ َ ِ
ة{ ضلل َ ُ ت عَل َي ْهِ ال ّ ق ْ ح ّ ن َ م ْ م َ من ْهُ ْه وَ ِ دى الل ّ ُ ن هَ َ م ْ م َ من ْهُ ْ ت فَ ِ غو َ طا ُ جت َن ُِبوا ال ّ َوا ْ
حي ل ِإل ُنو ِ ن قَب ْل ِ َ ْ َ
َ سو ٍ ن َر ُ م ْ ك ِ م ْ سلَنا ِ ما أْر َ ] النحل ، [ 36 :وقال تعالى } :وَ َ
َ َ
ن م ْ ل َ سأ ْ ن { ] النبياء (4) ، [ 25 :وقال َ } :وا ْ دو ِ ه ِإل أَنا َفاعْب ُ ُ ه ل إ ِل َ َ إ ِل َي ْهِ أن ّ ُ
َ َ
ن { ] الزخرف دو َ ة ي ُعْب َ ُ ن آل ِهَ ً م ِ ح َ ن الّر ْ ن ُدو ِ م ْ جعَل َْنا ِ سل َِنا أ َ ن ُر ُ م ْ ك ِ ن قَب ْل ِ َ م ْ سل َْنا ِ أْر َ
.[ 45 :
والمشركون أنواع وأقسام كثيرون ،قد ذكرهم الله في كتابه ،وب َّين أحوالهم
وأقوالهم ،وَرد عليهم فيما هم فيه أتم رد.
ت { أي :في موقف الحساب يوم سل َ َ َ ك ت َب ُْلو ك ُ ّ وقوله } :هَُنال ِ َ
ف ْ ما أ ْ س َ ف ٍ ل نَ ْ
القيامة تختبر كل نفس وتعلم ما أسلفت من ]عملها من[ ) (5خير وشر ،كما
قال تعالى } :يوم تبَلى السرائر { ] الطارق ، [ 9 :وقال تعالى } :ينبأ ُ
َُّ ّ َ ُِ َ ْ َ ُْ
هَ َ
جل ُ خرِ ُ خَر { ] القيامة ، [ 13 :وقال تعالى } :وَن ُ ْ م وَأ ّ ما قَد ّ َ مئ ِذ ٍ ب ِ َ
ن ي َوْ َسا ُ الن ْ َ
سيًبا { َ َ ْ َ َ َ ْ ْ ُ ْ ْ
ح ِ م عَلي ْك َ
سك الي َوْ َف ِفى ب ِن َ ْ من ْشوًرا اقَرأ ك َِتاب َك ك َ قاه ُ َ مةِ ك َِتاًبا ي َل َ قَيا َم ال ِي َوْ َ
] السراء .[ 14 ، 13 :
سرها بعضهم سل َ َ َ ك ت َت ُْلو ك ُ ّ وقد قرأ بعضهم } :هَُنال ِ َ
ت { وف ّ ف ْ ما أ ْ س َ ف ٍ ل نَ ْ
سرها سرها بعضهم بمعنى تتبع ما قدمته من خير وشر ،وف ّ بالقراءة ،وف ّ
بعضهم بحديث " :تتبع كل أمة ما كانت تعبد ،فيتبع من
__________
) (1في ت ،أ " :المشركون".
) (2زيادة من ت ،أ.
) (3في ت " :يكون إليه وقد ترك".
) (4في أ " :نوحي".
) (5زيادة من أ.
) (4/265
كان يعبد الشمس الشمس ،ويتبع من كان يعبد القمر القمر ،ويتبع من كان
يعبد الطواغيت الطواغيت" الحديث(1) .
حقّ { أي :ورجعت المور كلها إلى الله م ال ْ َ ولهُ ُ م ْوقوله } :وَُرّدوا إ َِلى الل ّهِ َ
الحكم العدل ،ففصلها ،وأدخل أهل الجنة الجنة ،وأهل النار النار.
ن { أي :ما كانوا فت َُرو َ كاُنوا ي َ ْ ما َ م { أي :ذهب عن المشركين } َ ل عَن ْهُ ْ ض ّ } وَ َ
يعبدون من دون الله افتراء عليه.
َ
ن
م ْ صاَر وَ َ معَ َوالب ْ َ س ْ ك ال ّ مل ِ ُ ن يَ ْ م ْ م َ ضأ ْ ماِء َوالْر ِ س َ ن ال ّ م َ م ِ ن ي َْرُزقُك ُ ْ م ْ ل َ } قُ ْ
ن
قولو َ ُ سي َ ُمَر فَ َ ن ي ُد َب ُّر ال ْ م ْ ي وَ َ ح ّ ْ
ن ال َ م َ ت ِ مي ّ َ ج ال َ ْ خرِ ُ ت وَي ُ ْ مي ّ ِ ْ
ن ال َ م َ ي ِ ح ّ ْ
ج ال َ خرِ ُ يُ ْ
َ
ل فَأّنى ْ ْ ُ ّ ُ َ ّ
ضل ُ حقّ ِإل ال ّ ماَذا ب َعْد َ ال َ حق ّ ف َ َ م ال َ ه َرب ّك ُ م الل ُ ل أَفل ) (31فَذ َل ِك ُ ق ْ ه فَ ُ الل ُ
َ ّ َ َ َ َ َ
ن) مُنو َ م ل ي ُؤْ ِ قوا أن ّهُ ْ س ُ ن فَ َ ذي َ ة َرب ّك عَلى ال ِ م ُ ت كل ِ َ ق ْ ن ) (32كذ َل ِك َ
ح ّ صَرُفو َ تُ ْ
{ (33
يحتج تعالى على المشركين باعترافهم بوحدانيته وربوبيته على وحدانية الله )
ض { أي :من ذا الذي ينزل ماِء َوالْر ِ س َ ن ال ّ م َ م ِ ن ي َْرُزقُك ُ ْ م ْ ل َ (2فقال } :قُ ْ
قا بقدرته ومشيئته ،فيخرج من السماء ماء المطر ،فيشق ) (3الرض ش ً
َ َ ْ ُ
ة وَأّبا { ] عبس 27 : دائ ِقَ غلًبا وَفاك ِهَ ً ح َ خل وَ َ ضًبا وََزي ُْتوًنا وَن َ ْ عن ًَبا وَقَ ْ حّبا وَ ِ منها } َ
ن إ م ُ كُ ق ز ر ي ذي ّ ل ا ذا َ ه
ّ ْ َ ن م َ أ } ، الله : فسيقولون ؟ الله مع أإله ، [ 31 -
ْ ِ ْ ِ َْ ُ
مل ِ ُ َ س َ َ
ع
م َ س ْ ك ال ّ ن يَ ْ م ْ ه { ] الملك [ 21 :؟ ،وكذلك قوله } :أ ّ ك رِْزقَ ُ م َ أ ْ
صاَر { ] يونس [ 31 :؟ ) (4؟ أي :الذي وهبكم هذه القوة السامعة ، َوالب ْ َ
والقوة الباصرة ،ولو شاء لذهب بها ولسلبكم إياها ،كما قال تعالى } :قُ ْ
ل
هو ال ّذي أ َن َ َ
ن{ شك ُُرو َ ما ت َ ْ صاَر َوالفْئ ِد َة َ قَِليل َ معَ َوالب ْ َ س ْ م ال ّ ل ل َك ُ ُ جعَ َ م وَ َ شأك ُ ْ ْ ُ َ ِ
َ ّ َ َ َ
م
خت َ َ م وَ َ صاَرك ُ ْ م وَأب ْ َ معَك ُ ْ س ْ ه َ خذ َ الل ُ نأ َ م إِ ْ ل أَرأي ْت ُ ْ ] الملك ، [ 23 :وقال } قُ ْ
ْ
م ب ِهِ { ] النعام .[ 46 : ه غَي ُْر الل ّهِ ي َأِتيك ُ ْ ن إ ِل َ ٌم ْ م َ عََلى قُُلوب ِك ُ ْ
ي { أي : ح ّ ن ال ْ َم َ
ت ِ ج ال ْ َ
مي ّ َ خرِ ُ ت وَي ُ ْ
مي ّ ِن ال ْ َ م َ
ي ِ ح ّ ج ال ْ َ
خرِ ُ ن يُ ْم ْ وقوله } :وَ َ
بقدرته العظيمة ،ومنته العميمة ،وقد تقدم ذكر الخلف في ذلك ،وأن الية
عامة في ذلك كله.
مَر { أي :من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ول ن ي ُد َب ُّر ال ْ م ْ وقوله } :وَ َ
يجار عليه ،وهو المتصرف الحاكم الذي ل معقب لحكمه ،ول ُيسأل عما
يفعل وهم يسأُلون } ،ي َ
ض كُ ّ
ل ي َوْم ٍ هُوَ ِفي ت َوالْر ِ ماَوا ِس َ ن ِفي ال ّ م ْ ه َ سأل ُ ُ َ ْ ُ ْ
ن { ] الرحمن ، [ 29 :فالملك كله العلوي والسفلي ،وما فيهما من َ ْ
شأ ٍ
قوُلو َ
ن ملئكة وإنس وجان ،فقيرون إليه ،عبيد له ،خاضعون لديه } ،فَ َ
سي َ ُ
ه { أي :هم يعلمون ذلك الل ّ ُ
__________
) (1رواه مسلم في صحيحه برقم ) (182من حديث أبي هريرة رضي الله
عنه.
) (2في ت ،أ " :وحدانيته اللهية".
) (3في ت ،أ " :ويشق".
) (4في أ " :قل من" وهو خطأ.
) (4/266
ن { أي :أفل تخافون منه أن تعبدوا معه غيره قو َ ل أ ََفل ت َت ّ ُ ق ْ ويعترفون به } ،فَ ُ
بآرائكم وجهلكم ؟.
َ ْ ْ ّ
ل فَأّنى ضل ُحقّ ِإل ال ّ ماَذا ب َعْد َ ال َ حقّ فَ َ م ال َ ه َرب ّك ُ ُ م الل ُ وقوله } :فَذ َل ِك ُ ُ
ن { أي :فهذا الذي اعترفتم بأنه فاعل ذلك كله هو ربكم وإلهكم صَرُفو َتُ ْ
ل { أي :ضل ُ حقّ ِإل ال ّ ْ
ماَذا ب َعْد َ ال َ الحق الذي يستحق أن يفرد بالعبادة } ،فَ َ
فكل معبود سواه باطل ،ل إله إل هو ،واحد ) (1ل شريك له.
َ
ن { ) (2أي :فكيف تصرفون ) (3عن عبادته إلى عبادة ما صَرُفو َ } فَأّنى ت ُ ْ
سواه ،وأنتم تعلمون أنه الرب الذي خلق كل شيء ،والمتصرف في كل
شيء ؟
َ َ ّ َ َ َ َ َ
ن { أي :مُنو َ م ل ي ُؤْ ِ قوا أن ّهُ ْ س ُ
نف َ ذي َة َرب ّك عَلى ال ِ م ُ ت كل ِ َ ق ْ وقوله } :كذ َل ِك َ
ح ّ
كما كفر هؤلء المشركون واستمروا على شركهم وعبادتهم مع الله غيره ،
مع أنهم يعترفون بأنه الخالق الرازق المتصرف في الملك وحده ،الذي بعث
رسله بتوحيده ؛ فلهذا حقت عليهم كلمة الله أنهم أشقياء من ساكني النار ،
ن { ] الزمر 71 : ري َ
كافِ ِب عََلى ال ْ َ ذا ِة ال ْعَ َ
م ُت ك َل ِ َ ق ْ ح ّ ن َ كقوله َ } :قاُلوا ب ََلى وَل َك ِ ْ
[.
__________
) (1في ت ،أ " :ل إله إل هو لن الله واحد".
) (2في ت " :يصرفون".
) (3في ت " :يصرفون".
) (4/267
م ي ُِعيد ُهُ خل ْقَ ث ُ ّ ه ي َب ْد َأ ُ ال ْ َل الل ّ ُ م ي ُِعيد ُه ُ قُ ِ خل ْقَ ث ُ ّ ن ي َب ْد َأ ُ ال ْ َم ْ م َ كائ ِك ُ ْ
شَر َ ن ُ م ْ ل ِ ل هَ ْ قُ ْ
دي ه ي َهْ ِل الل ّ ُ حق ّ ق ُ ِ دي إ َِلى ال ْ َ ن ي َهْ ِ م ْ م َ كائ ِك ُ ْشَر َ ن ُ م ْ ل ِ ل هَ ْ ن ) (34قُ ْ كو َ فَأ َّنى ت ُؤْفَ ُ
َ َ َ َ َ
ما ل َك ُ ْ
م دى فَ َ ن ي ُهْ َدي إ ِّل أ ْ ن َل ي َهِ ّ م ْ م َ ن ي ُت ّب َعَ أ ْحق ّ أ ْ حقّ أ َ دي إ َِلى ال ْ َ ن ي َهْ ِم ْ حقّ أفَ َ ل ِل ْ َ
َ
شي ًْئا حقّ َ ن ال ْ َ م َ ن َل ي ُغِْني ِ ن الظ ّ ّ م إ ِّل ظ َّنا إ ِ ّ ما ي َت ّب ِعُ أك ْث َُرهُ ْ ن ) (35وَ َ مو َ حك ُ ُف تَ ْ ك َي ْ َ
ن )(36 فعَُلو َ ما ي َ ْ
م بِ َ ه عَِلي ٌ ن الل ّ َ إِ ّ
م ي ُِعيد ُهُ خل ْقَ ث ُ ّ ه ي َب ْد َأ ُ ال ْ َل الل ّ ُ م ي ُِعيد ُه ُ قُ ِ خل ْقَ ث ُ ّ ن ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ م ْ م َ كائ ِك ُ ْ شَر َ ن ُ م ْ ل ِ ل هَ ْ } قُ ْ
ّ ُ ْ َ ُ َ ُ ُ َ
دي ه ي َهْ ِ ل الل ُ حق ّ ق ِ دي إ ِلى ال َ ن ي َهْ ِم ْ م َ شَركائ ِك ْ ن ُ م ْ ل ِ ل هَ ْ ن ) (34ق ْ فَأّنى ت ُؤْفكو َ
َ
َ َ َ َ َ
مما ل َك ُ ْ دى فَ َ ن ي ُهْ َ دي ِإل أ ْ ن ل ي َهِ ّ م ْم َ ن ي ُت ّب َعَ أ ْ حق ّ أ ْ حقّ أ َ دي إ َِلى ال ْ َ ن ي َهْ ِ م ْ حقّ أفَ َ ل ِل ْ َ
َ
ن الل ّ َ
ه شي ًْئا إ ِ ّحقّ َ ن ال ْ َ م َ ن ل ي ُغِْني ِ ن الظ ّ ّ م ِإل ظ َّنا إ ِ ّ ما ي َت ّب ِعُ أك ْث َُرهُ ْ ف ) (35وَ َ ك َي ْ َ
ن ){ (36 فعَُلو َ ما ي َ ْ م بِ َ عَِلي ٌ
وهذا إبطال لدعواهم فيما أشركوا بالله غيره ،وعبدوا من الصنام والنداد ،
م ي ُِعيد ُه ُ { أي :من بدأ خلق هذه خل ْقَ ث ُ ّ ن ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ م ْ م َ كائ ِك ُ ْ شَر َ ن ُ م ْ ل ِ ل هَ ْ } قُ ْ
السموات والرض ثم ينشئ ) (1ما فيهما من الخلئق ،ويفرق أجرام
دا ؟ قا جدي ً السموات والرض ويبدلهما بفناء ما فيهما ،ثم يعيد الخلق ) (2خل ً
َ
ه { هو الذي يفعل هذا ويستقل به ،وحده ل شريك له } ،فَأّنى ل الل ّ ُ } قُ ِ
ن { أي :فكيف تصرفون عن طريق الرشد إلى الباطل ؟! كو َ ت ُؤْفَ ُ
حقّ { أي :أنتم دي ل ِل ْ َ ه ي َهْ ِ ل الل ّ ُ حق ّ ق ُ ِ دي إ َِلى ال ْ َ ن ي َهْ ِ م ْ م َ كائ ِك ُ ْ شَر َ ن ُ م ْ ل ِ ل هَ ْ } قُ ْ
تعلمون أن شركاءكم ل تقدر على هداية ضال ،وإنما يهدي الحيارى
والضلل ،ويقلب القلوب من الغي إلى الرشد الله ،الذي ل إله إل هو.
َ َ َ َ َ َ
دى { أي :أفَي ُت َّبع ن ي ُهْ َ دي ِإل أ ْ ن ل ي َهِ ّ م ْ ن ي ُت ّب َعَ أ ّ
حق ّ أ ْ حق ّ أ َ دي إ َِلى ال ْ َ ن ي َهْ ِ م ْ} أفَ َ
]العبد الذي يهدي إلى
__________
) (1في ت ،أ " :يفنى".
) (2في ت " :الخلئق".
) (4/267
قرآ َ َ
ن ي َد َي ْهِذي ب َي ْ َ ديقَ ال ّ ِ ص ِ ن تَ ْ ن الل ّهِ وَل َك ِ ْ ن ُدو ِ م ْ فت ََرى ِ ن يُ ْ نأ ْ ذا ال ْ ُ ْ ُ ن هَ َ ما َ
كا َ وَ َ
ن افْت ََراه ُ قُ ْ
ل ُ َ َ ْ َ ْ صي َ
قولو َ م يَ ُ ن ) (37أ ْ مي َ ب الَعال ِ ن َر ّ م ْب ِفيهِ ِ ب ل َري ْ َ ل الك َِتا ِ ف ِ وَت َ ْ
ُ ّ َ ْ
ن )(38 صادِِقي َ م َ ن كن ْت ُ ْ ن اللهِ إ ِ ْ ن ْ ُدو ِ م ْ م ِ ست َطعْت ُ ْ نا ْ ِ م
عوا َ مث ْل ِهِ َواد ْ ُ سوَرةٍ ِ فَأُتوا ب ِ ُ
ْ
ن قَب ْل ِهِ ْ
م م ْن ِ ذي َ ب ال ّ ِ ك ك َذ ّ َ ه ك َذ َل ِ َ م ت َأِويل ُ ُ ما ي َأت ِهِ ْ مهِ وَل َ ّ طوا ب ِعِل ْ ِ حي ُ م يُ ِ ما ل َ ْ ل ك َذ ُّبوا ب ِ َ بَ ْ
ن لَ م ْم َ من ْهُ ْن ب ِهِ وَ ِ م ُ ن ي ُؤْ ِ م ْ م َ من ْهُ ْن ) (39وَ ِ مي َ ّ
ة الظال ِ ِ عاقِب َ ُ ن َ ف كا َ َ َ ُ
َفان ْظْر كي ْ َ
ْ َ َ َ
ن )(40 دي َ س ِ ف ِ م ْ
م ِبال ُ ن ب ِهِ وََرب ّك أعْل ُ م ُي ُؤْ ِ
صر بعد العمى ،أم الذي ل يهدي إلى شيء إل[ ) (1أن يهدى ، الحق وي ُب َ ّ
َ
م ت َعْب ُد ُ
ت لِ َ
لعماه وبكمه ؟ كما قال تعالى إخباًرا عن إبراهيم أنه قال َ } :يا أب َ ِ
شي ًْئا { ] مريم ، [ 42 :وقال لقومه : ك َ صُر َول ي ُغِْني عَن ْ َ معُ َول ي ُب ْ ِ س َ ما ل ي َ ْ َ
ملون { ] الصافات [ 96 ، 95 : ُ ع ت ما و م ُ ك َ ق َ ل خ
َ ه ّ ل وال ن تو ح
ِ ن ت ما ن دو ب ع ت} أَ
َ ْ َ ْ َ َ َ ُ َ ُ ْ َ َ َ ُ ُ ْ َ
إلى غير ذلك من اليات.
ب بعقولكم ، ن { أي :فما بالكم ) (2ي ُذ ْهَ ُ مو َ حك ُ ُ ف تَ ْ م ك َي ْ َما ل َك ُ ْ وقوله } :فَ َ
خلقه ،وعدلتم هذا بهذا ،وعبدتم هذا وهذا ؟ وهل كيف سويتم بين الله وبين َ
أفردتم الرب جل جلله المالك الحاكم الهادي من الضللة بالعبادة وحده ،
وأخلصتم إليه الدعوة والنابة.
ثم بين تعالى أنهم ل يتبعون في دينهم هذا دليل ول برهاًنا ،وإنما هو ظن
ما
م بِ َ ه عَِلي ٌ ن الل ّ َ منهم ،أي :توهم وتخيل ،وذلك ل يغني عنهم شيئا } ،إ ِ ّ
ن { تهديد لهم ،ووعيد شديد ؛ لنه تعالى أخبر ) (3أنه سيجازيهم على فعَُلو َ يَ ْ
ذلك أتم الجزاء.
َ
ه
ن ي َد َي ْ ِ ذي ب َي ْ َ ديقَ ال ّ ِ ص ِ ن تَ ْ ن الل ّهِ وَل َك ِ ْ ن ُدو ِ م ْ فت ََرى ِ ن يُ ْ نأ ْ قْرآ ُ ذا ال ْ ُ ن هَ َ كا َ ما َ } وَ َ
ن افْت ََراه ُ قُ ْ
ل ُ َ َ ْ ْ صي َ
قولو َ م يَ ُ ن ) (37أ ْ مي َ ب الَعال ِ ن َر ّ م ْب ِفيهِ ِ ب ل َري ْ َ ل الك َِتا ِ ف ِ وَت َ ْ
ّ َ ْ
ن )(38 صادِِقي َ م َ ن ك ُن ْت ُ ْ ن اللهِ إ ِ ْ ن ْ ُدو ِ م ْ م ِ ست َطعْت ُ ْ نا ْ م ِ عوا َ مث ْل ِهِ َواد ْ ُ سوَرةٍ ِ فَأُتوا ب ِ ُ
ْ
من قَب ْل ِهِ ْ م ْ ن ِ ذي َ ب ال ّ ِ ك ك َذ ّ َ ه ك َذ َل ِ َ م ت َأِويل ُ ُ ما ي َأت ِهِ ْ مهِ وَل َ ّ طوا ب ِعِل ْ ِ حي ُ م يُ ِ ما ل َ ْ ل ك َذ ُّبوا ب ِ َ بَ ْ
نل م ْ م َ من ْهُ ْن ب ِهِ وَ ِ م ُ ن ي ُؤْ ِ م ْ م َ من ْهُ ْن ) (39وَ ِ مي َ ّ
ة الظال ِ ِ عاقِب َ ُ ن َ ف كا َ َ َ
َفان ْظْر كي ْ َُ
ْ َ َ َ
ن ){ (40 دي َ س ِ ف ِ م ْ م ِبال ُ ن ب ِهِ وََرب ّك أعْل ُ م ُ ي ُؤْ ِ
هذا بيان لعجاز القرآن ،وأنه ل يستطيع البشر أن يأتوا بمثله ،ول بعشر
حلوته ، سور ،ول بسورة من مثله ،لنه بفصاحته وبلغته وَوجازته و َ
واشتماله على المعاني العزيزة )] (4للعزيرة[ ) (5النافعة في الدنيا
والخرة ،ل يكون إل من عند الله الذي ل يشبهه شيء في ذاته ول صفاته ،
ول في أفعاله وأقواله ،فكلمه ل يشبه كلم المخلوقين ؛ ولهذا قال تعالى :
ن الل ّهِ { ) (6أي :مثل هذا القرآن ل قرآ َ
ن ُدو ِ م ْ فت ََرى ِ ن يُ ْ نأ ْ ذا ال ْ ُ ْ ُ ن هَ َ كا َ ما َ } وَ َ
ذي ديقَ ال ّ ِ ص ِن تَ ْ يكون إل من عند الله ،ول يشبه هذا كلم ) (7البشر } ،وَل َك ِ ْ
ن ي َد َي ْهِ { أي :من الكتب المتقدمة ،ومهيمنا عليها ،ومبينا لما وقع فيها من ب َي ْ َ
التحريف والتأويل والتبديل.
ن { أي :وبيان الحكام مي َ َ ْ
ب الَعال ِ ن َر ّ م ْ ب ِفيهِ ِ ب ل َري ْ َ ل ال ْك َِتا ِ صي َ ف ِ وقوله } :وَت َ ْ
والحلل والحرام ،بياًنا
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2في ت " :لكم".
) (3في ت ،أ " :يخبر".
) (4في ت ،ا " :الغزيرة".
) (5زيادة من ت.
) (6في ت " :لهذا".
) (7في ت ،أ " :بكلم".
) (4/268
قا ل مرية فيه من الله رب العالمين ،كما تقدم في حديث شافًيا كافًيا ح ً
خب َُر ما قبلكم ،ونبأ ما بعدكم الحارث العور ،عن علي بن أبي طالب " :فيه َ
خَبر عما سلف وعما سيأتي ،وحكم فيما بين ،وفصل ما بينكم" ،أي َ :
الناس بالشرع الذي يحبه الله ويرضاه.
َ قوُلون افْتراه قُ ْ ْ َ
ن
م ْم ِ
ست َطعْت ُ ْ
نا ْ
م ِ مث ْل ِهِ َواد ْ ُ
عوا َ ل فَأُتوا ب ِ ُ
سوَرةٍ ِ ََ ُ َ م يَ ُ وقوله } :أ ْ
ن { أي :إن ادعيتم وافتريتم وشككتم في أن هذا صادِِقي َ ن ك ُن ْت ُ ْ
م َ ن الل ّهِ إ ِ ْ
ُدو ِ
مْينا " :إن هذا من عند محمد" ،فمحمد بشر من عند الله ،وقلتم كذًبا و َ
مثلكم ،وقد جاء فيما زعمتم بهذا القرآن ،فأتوا أنتم بسورة ) (1مثله ،أي :
من جنس القرآن ،واستعينوا على ذلك بكل من َقدرتم عليه من إنس وجان.
وهذا هو المقام الثالث في التحدي ،فإنه تعالى تحداهم ودعاهم ،إن كانوا
صادقين في دعواهم ،أنه من عند محمد ،فلتعارضوه ) (2بنظير ما جاء به
وحده واستعينوا بمن شئتم ) (3وأخبر أنهم ل يقدرون على ذلك ،ول سبيل
ْ َ
مث ْ ِ
ل ن ي َأُتوا ب ِ ِ ن عََلى أ ْ ج ّس َوال ْ ِت الن ْ ُ معَ ِ جت َ َنا ْ لهم إليه ،فقال تعالى } :قُ ْ َ
ل لئ ِ ِ
ض ظ َِهيًرا { ] السراء ، [ 88 : مث ْل ِهِ وَل َوْ َ ْ ذا ال ْ ُهَ َ
ٍ م ل ِب َعْ ضهُ ْ ن ب َعْ ُ كا َ ن بِ ِ ن ل ي َأُتو َ قْرآ ِ
م َ
ثم تقاصر معهم إلى عشر سور منه ،فقال في أول سورة هود } :أ ْ
ن
م ْ م ِ ست َط َعْت ُ ْ
نا ْ م ِ عوا َ ت َواد ْ ُ فت ََرَيا ٍ م ْ مث ْل ِهِ ُسوَرٍ ِ شرِ ُ ل فَأ ُْتوا ب ِعَ ْ ن افْت ََراه ُ قُ ْ قوُلو َ يَ ُ
ن { ] هود (4) ، [ 13 :ثم تنازل إلى سورة ،فقال صادِِقي َ م َ ن ك ُن ْت ُ ْ ّ
ن اللهِ إ ِ ْ ُدو ِ
ْ ُ َ
نم ِ عوا َ مث ْل ِهِ َواد ْ ُ
سوَرةٍ ِ ل فَأُتوا ب ِ ُ ن افْت ََراه ُ قُ ْ قولو َ م يَ ُ في هذه السورة } :أ ْ
ن { ) (5وكذا في سورة البقرة -وهي صادِِقي َ م َ ن ك ُن ْت ُ ْ ن الل ّهِ إ ِ ْ ن ُدو ِ م ْ م ِ ست َط َعْت ُ ْ ا ْ
مدنية -تحداهم بسورة منه ،وأخبر أنهم ل يستطيعون ذلك أبدا ،فقال :
قوا الّناَر { الية ] :البقرة .[ 24 : فعَُلوا َفات ّ ُ ن تَ ْ فعَُلوا وَل َ ْ م تَ ْن لَ ْ } فَإ ِ ْ
هذا وقد كانت الفصاحة من سجاياهم ،وأشعارهم ومعلقاتهم إليها المنتهى
ل لحد به ،ولهذا آمن من آمن في هذا الباب ،ولكن جاءهم من الله ما ل قِب َ َ
منهم بما عرف من بلغة هذا الكلم وحلوته ،وجزالته وطلوته ،وإفادته
وبراعته ،فكانوا أعلم الناس به ،وأفهمهم له ،وأتبعهم له وأشدهم ) (6له
انقيادا ،كما عرف السحرة ،لعلمهم ) (7بفنون السحر ،أن هذا الذي فعله
سدد مرسل من الله ،وأن هذا م َ مؤّيد ُ موسى ،عليه السلم ،ل يصدر إل عن ُ
ل يستطاع لبشر إل بإذن الله .وكذلك عيسى ،عليه السلم ،ب ُِعث في زمان
علماء الطب ومعالجة المرضى ،فكان يبرئ الكمه والبرص ،ويحيي الموتى
بإذن الله ،ومثل هذا ل مدخل للعلج والدواء فيه ،فعرف من عرف منهم أنه
عبد الله ) (8ورسوله ؛ ولهذا جاء في الصحيح ،عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قال " :ما من نبي من النبياء إل وقد أوتي من اليات ما آمن
على مثله البشر ،وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي ،فأرجو أن
أكون أكثرهم تابًعا ).(9
__________
) (1في ت ،أ " :من مثله".
) (2في ت ،أ " :فليعارضوه".
) (3في ت ،أ " :وليستعينوا بمن شاءوا
) (4في ت " :ما" وهو خطأ.
) (5في ت " :ما" وهو خطأ.
) (6في ت ،أ " :وأشهرهم".
) (7في ت ،أ " :بعلمهم".
) (8في ت " :من عبد الله" ،وفي أ " :من عند الله".
) (9رواه البخاري في صحيحه برقم ) (4981ومسلم في صحيحه برقم )
(152من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
) (4/269
) (4/270
) (4/270
َ
سَر م قَد ْ َ
خ ِ ن الن َّهارِ ي َت ََعاَرُفو َ
ن ب َي ْن َهُ ْ م َ
ة ِساعَ ً م ي َل ْب َُثوا إ ِّل َ
ن لَ ْم ك َأ ْشُرهُ ْ ح ُ م يَ ْ
وَي َوْ َ
ن )(45 دي َمهْت َ ِ
كاُنوا ُما َ ّ
قاِء اللهِ وَ َ ن ك َذ ُّبوا ب ِل ِ َ
ذي َال ّ ِ
غيرهم ،ول يحصل لهم من الهداية شيء مما ) (1يحصل لغيرهم ،بل
المؤمنون ينظرون إليك بعين الوقار ،والكافرون ينظرون إليك بعين
نسول * إ ِ ْ ه َر ُ ث الل ّ ُ ذي ب َعَ َ ذا ال ّ ِ ك ِإل هُُزًوا أ َهَ َ ذون َ َ خ ُ ن ي َت ّ ِ ك إِ ْ الحتقار } ،وَإ َِذا َرأ َوْ َ
ن ال ْعَ َ َ
ب
ذا َ ن ي ََروْ َ حي َ ن ِ مو َ ف ي َعْل َ ُ سو ْ َ صب َْرَنا عَل َي َْها وَ َ ن َ ول أ ْ ن آل ِهَت َِنا ل َ ْ ضل َّنا عَ ْ كاد َ ل َي ُ ِ َ
سِبيل { ] الفرقان .[ 42 ، 41 : ض ّ َ
ل َ نأ َ م ْ َ
ثم أخبر تعالى أنه ل يظلم أحدا شيًئا ،وإن كان قد هدى به من هدى ]من
الغي[ ) (2وبصر به من العمى ،وفتح به أعينا عميا ،وآذانا صما ،وقلوًبا غلفا
،وأضل به عن اليمان ) (3آخرين ،فهو الحاكم المتصرف في ملكه بما يشاء
سأل عما يفعل وهم يسألون ،لعلمه وحكمته وعدله ؛ ولهذا قال ،الذي ل ي ُ ْ
ْ َ َ ْ ّ
ن { وفي مو َ م ي َظل ِ ُ سهُ ْ ف َ س أن ْ ُ ن الّنا َ شي ًْئا وَلك ِ ّ س َ م الّنا َ ه ل ي َظل ِ ُ ن الل َ تعالى } :إ ِ ّ
الحديث عن أبي ذر ) (4عن النبي ) (5صلى الله عليه وسلم ،فيما يرويه
عنه ربه عز وجل " :يا عبادي ،إني حّرمت الظلم على نفسي ،وجعلته بينكم
محرما فل تظالموا -إلى أن قال في آخره :يا عبادي ،إنما هي أعمالكم
أحصيها لكم ،ثم أوفيكم إياها ،فمن وجد خيرا فليحمد الله ،ومن وجد غير
ن إل نفسه" .رواه مسلم بطوله(6) . م ّ ذلك فل ي َُلو َ
َ
سَر خ ِ م قَد ْ َ ن ب َي ْن َهُ ْ ن الن َّهارِ ي َت ََعاَرُفو َ م َ ة ِ ساعَ ً م ي َل ْب َُثوا ِإل َ ن لَ ْ م ك َأ ْ شُرهُ ْ ح ُ م يَ ْ } وَي َوْ َ
ن ){ (45 دي َ مهْت َ ِ كاُنوا ُ ما َ قاِء الل ّهِ وَ َ ن ك َذ ُّبوا ب ِل ِ َ ذي َ ال ّ ِ
مذك ًّرا للناس قيام الساعة وحشرهم من أجداثهم إلى عََرصات يقول تعالى ُ
ن الن َّهارِ { م َ ة ِ ساعَ ً القيامة :كأنهم ) (7يوم يوافونها لم يلبثوا في الدنيا } ِإل َ
ها { حا َ كما قال تعالى } :ك َأ َنهم يوم يرونها ل َم يل ْبُثوا إل عَشي ً َ
ض َ ة أوْ ُ ِ ّ ِ ْ َ َ ُّ ْ َ ْ َ ََ ََْ
ن
مي َ جرِ ِم ْ ْ
شُر ال ُ ح ُ صورِ وَن َ ْ خ ِفي ال ّ ف ُ م ي ُن ْ َ ] النازعات ، [ 46 :وقال تعالى } :ي َوْ َ
ُ َ َ
ن إ ِذ ْقولو َ ما ي َ ُ م بِ َ ن أعْل ُ ح ُ شًرا * ن َ ْ م ِإل عَ ْ ن ل َب ِث ْت ُ ْ م إِ ْ ن ب َي ْن َهُ ْ خافَُتو َ مئ ِذ ٍ ُزْرًقا * ي َت َ َ ي َوْ َ
َ َ ُ َ
ما { ] طه ، [ 104 - 102 :وقال تعالى : م ِإل ي َوْ ً ن لب ِث ْت ُ ْ ة إِ ْ ق ً ري َ مط ِ مث َلهُ ْ لأ ْ قو ُ يَ ُ
َ
ساعَةٍ كذ َل ِك كاُنوا َ َ َ
ما لب ُِثوا غي َْر َ َ ن َ مو َ جرِ ُ م ْ ْ
م ال ُ س ُ ق ِ ة يُ ْ ساعَ ُ م ال ّ قو ُ م تَ ُ } وَي َوْ َ
َ ّ َ َ ْ ْ ُ ّ َ ي ُؤْفَ ُ
ب اللهِ إ ِلى ي َوْم ِ م ِفي ك َِتا ِ قد ْ لب ِث ْت ُ ْ نل َ ما َ م َوالي َ ن أوُتوا العِل َ ذي َ ل ال ِ ن * وَقا َ كو َ
ن { ] الروم .[ 56 ، 55 : مو َ م ل ت َعْل َ ُ م ك ُن ْت ُ ْ ث وَل َك ِن ّك ُ ْ م ال ْب َعْ ِ ذا ي َوْ ُ ث فَهَ َ ال ْب َعْ ِ
وهذا كله دليل على استقصار الحياة الدنيا في الدار الخرة كما قال َ } :قا َ
ل
ك َم ل َبث ْتم في الرض عدد سنين * َقاُلوا ل َبث ْنا يوما أ َو بعض يوم َفا َ
ل ال َْعاّدي َ
ن سأ ِ ْ ِ َ َ ْ ً ْ َْ َ َ ْ ٍ ْ ِ َ َ َ ِ ِ َ ْ ِ ُ ْ ِ
َ ُ ُ ل إن ل َبث ْتم إل قَِليل ل َو أ َ
ن { ] المؤمنون .[ 114 ، 112 : مو
ْ ّ ْ ُْ ْ َْ ُ َ ل ع ت م ت ن ك م ك ن * َقا َ ِ ْ ِ ُ ْ ِ
م { أي :يعرف البناء الباء ) (8والقرابات بعضهم ن ب َي ْن َهُ ْ وقوله } :ي َت ََعاَرُفو َ
لبعض ،كما كانوا في
__________
) (1في ت " :ما".
زيادة من ت ،أ. )(2
في ت " :وأضل عن اليمان به". )(3
في ت ،أ " :حديث أبي ذر". )(4
في ت ،أ " :رسول الله". )(5
صحيح مسلم برقم ).(2577 )(6
في ت ،أ " :وكأنهم". )(7
في ت ،أ " :الباء البناء. )(8
) (4/271
ماشِهيد ٌ عََلى َ
ه َ م الل ّ ُ م ثُ ّ جعُهُ ْ
مْر ِ م أ َوْ ن َت َوَفّي َن ّ َ
ك فَإ ِل َي َْنا َ ذي ن َعِد ُهُ ْ ض ال ّ ِ ما ن ُرِي َن ّ َ
ك ب َعْ َ وَإ ِ ّ
م لَ ْ ُ ُ ُ ُ
ط وَهُ ْ
س ِ
ق ْ م ِبال ِ ي ب َي ْن َهُ ْض َم قُ ِسولهُ ْ جاَء َر ُ ل فَإ َِذا َ سو ٌمةٍ َر ُ لأ ّ ن ) (46وَل ِك ّ فعَلو َ يَ ْ
ن )(47 مو َ َ
ي ُظل ُْ
َ
م
ب ب َي ْن َهُ ْ سا َ صورِ َفل أن ْ َ خ ِفي ال ّ ف َالدنيا ،ولكن كل مشغول بنفسه } فَإ َِذا ن ُ ِ
َ
م
مي ٌ ح ِ ل َ سأ ُ ن { ] المؤمنون ، [ 101 :وقال تعالى َ } :ول ي َ ْ ساَءُلو َ مئ ِذ ٍ َول ي َت َ َ ي َوْ َ
ه
حب َت ِ ِصا ِ مئ ِذ ٍ ب ِب َِنيهِ وَ َ ب ي َوْ ِذا ِ ن عَ َ م ْ دي ِ فت َ ِم لو ْ ي َ ْ َ جرِ ُم ْ ْ
م ي َوَد ّ ال ُ صُرون َهُ ْ ما * ي ُب َ ّ مي ً ح ِ َ
َ ّ َ َ
جيهِ * كل { م ي ُن ْ ِ ميًعا ث ُ ّ ج ِض َ ن ِفي الْر ِ م ْ صيلت ِهِ الِتي ت ُؤِْويهِ * وَ َ خيهِ * وَفَ ِ وَأ ِ
] المعارج .[ 15 ، 10 :
ن { كقوله تعالى : دي َ مهْت َ ِما كاُنوا َُ ّ
قاِء اللهِ وَ َ ن كذ ُّبوا ب ِل ِ ََ ذي َ سَر ال ّ ِ خ ِ وقوله } :قَد ْ َ
ن { ] المرسلت .[ 15 :لنهم خسروا أنفسهم وأهليهم مكذ ِّبي َ َ مئ ِذ ٍ ل ِل ْ ُ ل ي َوْ َ } وَي ْ ٌ
يوم القيامة ،أل ذلك هو الخسران المبين .فهذه هي الخسارة العظيمة ،ول
خسارة من فُّرق بينه وبين أحبته ) (1يوم الحسرة خسارة أعظم من َ
والندامة.
شِهيد ٌ عََلى ه َ م الل ُّ م ث ُّ ه ع ج ر م نا ي َ ل إ َ ف كَ ن يّ ف و ت ن و ك بعض ال ّذي نعِدهُم أ َ َ
ِ َْ َ ْ ِ ُ ُ ْ ِ َ ُ ْ ْ ََ َ َّ ما ن ُ ِ َ ّ َ ْ َ ن ي ر } وَإ ِ ّ
ُ
ط
س ِ ق ْ م ِبال ْ ِ ي ب َي ْن َهُ ْ ض َ م قُ ِ سول ُهُ ْ جاَء َر ُ ل فَإ َِذا َ سو ٌ مةٍ َر ُ لأ ّ ن ) (46وَل ِك ُ ّ فعَُلو َ ما ي َ ْ َ
ن ){ (47 ُ َ مو َ ل ْ ظ ُ ي ل م
وَ ْ ُ ه
ذي ض ال ّ ِ ك ب َعْ َ ما ن ُرِي َن ّ َ يقول تعالى مخاطبا لرسوله صلى الله عليه وسلم } :وَإ ِ ّ
َ
م { أي :ننتقم ) (2منهم في حياتك لتقّر عيُنك منهم } ،أوْ ن َت َوَفّي َن ّ َ
ك ن َعِد ُهُ ْ
قلبهم ،والله شهيد على أفعالهم بعدك. َ م { أي :مصيرهم ومت َ جعُهُ ْ مْر ِ فَإ ِل َي َْنا َ
وقد قال الطبراني :حدثنا عبد الله بن أحمد ،حدثنا عقبة بن مكرم ،حدثنا
أبو بكر الحنفي ،حدثنا داود بن الجارود ،عن أبي الطفيل ) (3عن حذيفة بن
ي أمتي البارحة عرضت عل ّ أسيد ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ُ " :
لدى هذه الحجرة ،أولها وآخرها .فقال رجل :يا رسول الله ،عرض عليك
وروا لي في الطين ،حتى إني ص ّ خِلق ،فكيف من لم يخلق ؟ فقال ُ " : من ُ
ف بالنسان منهم من أحدكم بصاحبه"(4) . لعَْر ُ
ورواه عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة ،عن عقبة بن مكرم ،عن يونس
بن ب ُك َْير ،عن زياد بن المنذر ،عن أبي الطفيل ،عن حذيفة بن أسيد ،به
نحوه(5) .
ُ
م { قال مجاهد :يعني يوم سول ُهُ ْ جاَء َر ُ ل فَإ َِذا َ سو ٌ مةٍ َر ُ لأ ّ وقوله } :وَل ِك ُ ّ
القيامة.
َ َ ْ ْ
ت شَرقَ ِ ن { كما قال تعالى } :وَأ ْ مو َ م ل ي ُظل ُ ط وَهُ ْ س ِ ق ْ م ِبال ِ ي ب َي ْن َهُ ْ ض َ } قُ ِ
حق ّ ) ْ
م ِبال َ ي ب َي ْن َهُ ْ ض َداِء وَقُ ِ شهَ َ ن َوال ّ جيَء ِبالن ّب ِّيي َ ب وَ ِ ضعَ الك َِتا ُْ ض ب ُِنورِ َرب َّها وَوُ ِ الْر ُ
ن { ] الزمر ، [ 69 :فكل أمة تعرض على الله بحضرة م ل ي ُظ ْل َ ُ
مو َ (6وَهُ ْ
ب أعمالها من خير وشر موضوع ٌ شاهد عليهم ،وحفظتهم من رسولها ،وكتا ُ
الملئكة شهود ٌ أيضا أمة بعد أمة .وهذه المة الشريفة وإن كانت آخر المم
في الخلق ،إل أنها أول المم يوم القيامة يفصل بينهم ،ويقضى لهم ،كما
جاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " :نحن
__________
) (1في ت ،أ " :أخيه".
) (2في ت " :ينتقم".
) (3في جميع النسخ " :أبي السليل" والتصويب من المعجم الكبير
للطبراني.
) (4المعجم الكبير ).(3/181
) (5المعجم الكبير ) (3/181وقال الهيثمي في المجمع )" : (10/69وفيه
زياد بن المنذر وهو كذاب".
) (6في ت ،أ " :وهو خطأ".
) (4/272
الخرون السابقون يوم القيامة ،المقضى لهم قبل الخلئق" ) (1فأمته إنما
ما[ )(2 صب السبق لشرف رسولها ،صلوات الله وسلمه عليه ]دائ ً حازت قَ َ
إلى يوم الدين.
َ
ضّرا سي َ ف ِ ك ل ِن َ ْ مل ِ ُ للأ ْ ن ) (48قُ ْ صادِِقي َ م َ ن ك ُن ْت ُ ْ ذا ال ْوَعْد ُ إ ِ ْ مَتى هَ َ ن َ قوُلو َ } وَي َ ُ
ْ ُ َ َ ُ ه ل ِك ُ ّ ّ
ة َول ساعَ ً ن َ خُرو َ ست َأ ِ م َفل ي َ ْ جلهُ ْ جاَء أ َ ل إ َِذا َ ج ٌ مةٍ أ َ لأ ّ شاَء الل ُ ما َ فًعا ِإل َ َول ن َ ْ
َ َ َ َ
همن ْ ُ ل ِ ج ُ ست َعْ ِ ماَذا ي َ ْ ه ب ََياًتا أوْ ن ََهاًرا َ ذاب ُ ُ م عَ َ ن أَتاك ُ ْ م إِ ْ ل أَرأي ْت ُ ْ ن ) (49قُ ْ مو َ قد ِ ُ ست َ ْ يَ ْ
ُ َ
ن )(51 جلو َ ست َعْ ِ م ب ِهِ ت َ ْ ُ
ن وَقَد ْ كن ْت ُ ْ م ب ِهِ آل َ من ْت ُ ْ ما وَقَعَ آ َ م إ َِذا َ ن ) (50أث ُ ّ مو َ جرِ ُ م ْ ال ْ ُ
ن) سُبو َ م ت َك ْ ِ ما ك ُن ْت ُ ْ ن ِإل ب ِ َ جَزوْ َ ل تُ ْ خل ْد ِ هَ ْ ب ال ْ ُ ذا َ موا ُذوُقوا عَ َ ن ظ َل َ ُ ذي َ ل ل ِل ّ ِ م ِقي َ ثُ ّ
{ (52
ذاب يقول تعالى مخبًرا عن كفر هؤلء المشركين في استعجالهم الع َ
وسؤالهم عن وقته قبل التعين ،مما ل فائدة فيه لهم ) (3كما قال تعالى :
ن أ َن َّها مو َ من َْها وَي َعْل َ ُ ن ِ قو َ شفِ ُ م ْ مُنوا ُ نآ َ ذي َ ن ب َِها َوال ّ ِ مُنو َ ن ل ي ُؤْ ِ ذي َ ل ب َِها ال ّ ِ ج ُ ست َعْ ِ } يَ ْ
حقّ { ] الشورى [ 18 :أي :كائنة ل محالة وواقعة ،وإن لم يعلموا وقتها ال ْ َ
لل شد َ رسوله صلى الله عليه وسلم إلى جوابهم فقال } :قُ ْ عينا ،ولهذا أر َ
ه { أي :ل أقول إل ما عّلمني ،ول َ
شاَء الل ّ ُ ما َ فًعا ِإل َ ضّرا َول ن َ ْ سي َ ف ِ ك ل ِن َ ْ مل ِ ُ أ ْ
أقدر على شيء مما استأثر به إل أن ُيطلعني عليه ،فأنا عبده ورسوله إليكم
،وقد أخبرتكم بمجيء الساعة وأنها كائنة ،ولم يطلعني على وقتها ] ،ولكن[
درة ) (5فإذا انقضى ج ٌ َ ) } (4ل ِك ُ ّ ُ
دة من العمر مق ّ ل { أي :لكل قرن م ّ مةٍ أ َ لأ ّ
ْ
خَرن ي ُؤَ ّ ن { كما قال تعالى } :وَل َ ْ مو َ قد ِ ُ ست َ ْة َول ي َ ْ ساعَ ً ن َ خُرو َ ست َأ ِ أجلهم } َفل ي َ ْ
جل َُها { ] المنافقون ، [ 11 :ثم أخبرهم أن عذاب الله َ
جاَء أ َ سا إ َِذا َ ف ً ه نَ ْالل ّ ُ
َ َ َ َ
ه ب ََياًتا أوْ ن ََهاًرا { أي :ليل أو ذاب ُ ُم عَ َ ن أَتاك ُ ْ م إِ ْ ل أَرأي ْت ُ ْ سيأتيهم بغتة ،فقال } :قُ ْ
َ
م ِبه { يعني :أنهم من ْت ُ ْ ما وَقَعَ آ َ م إ َِذا َ ن أث ُ ّ مو َ جرِ ُ م ْ ه ال ْ ُ من ْ ُ ل ِ ج ُ ست َعْ ِ ماَذا ي َ ْ نهارا َ } ،
حا إ ِّنا لصا لْ م ع ن نا ع ج ر فاَ نا عم س و نا ر ص بَ أ نا ب ر } : قالوا العذاب إذا جاءهم
َ ِ ً ْ ِ ْ َ َْ َ َ َّ ْ َ ْ َ َ َ ِ ْ َ
ْ َ
مّنا ِبالل ّ ِ
ه سَنا َقاُلوا آ َ ما َرأْوا ب َأ َ ن { ] السجدة ، [ 12 :وقال تعالى } :فَل َ ّ موقُِنو َ ُ
ة ْ َ َ ُ َ َ ْ ُ َ
سن ّ َ نا س أب وا أ ر ما
ْ َ َْ ُ ُ ْ ِ َ ُُ ْ ّ َ ْ َ َ َ ُ ل م ه ن ما إي م ه ع َ ف ن ي ك ي م ل ف ن كي
ّ ِ ِ ُ ِ ِ َر ش م ه ب نا ك ماوَ ْ َ ُ َ ْ َ ِ َ
ب نا رَ ف ك و ه د ح
ن { ] غافر .[ 85 ، 84 : كافُِرو َ ْ
ك ال َ سَر هَُنال ِ َ خ ِ عَبادِهِ وَ َ ت ِفي ِ خل َ ْ الل ّهِ ال ِّتي قَد ْ َ
خل ْد ِ { أي :يوم القيامة يقال لهم ب ال ْ ُ ذا َ موا ُذوُقوا عَ َ ن ظ َل َ ُ ذي َ ل ) (6ل ِل ّ ِ م ِقي َ } ثُ ّ
عا * هَذِهِ الّناُر م دَ ّ جهَن ّ َ ن إ ِلى َنارِ َ َ عو َ م ي ُد َ ّ هذا ،تبكيتا وتقريًعا ،كقوله } :ي َوْ َ
ها َفاصبروا أوَ َ َ َ َ
ْ ْ ُِ صلوْ َ ن*ا ْ صُرو َ م ل ت ُب ْ ِ م أن ْت ُ ْ ذا أ ْ حٌر هَ َ س ْ ن * أفَ ِ م ب َِها ت ُك َذ ُّبو َ ال ِّتي ك ُن ْت ُ ْ
ن { ] الطور .[ 16 - 13 : مُلو َ م ت َعْ َ ما ك ُن ْت ُ ْ ن َ جَزوْ َ ما ت ُ ْ م إ ِن ّ َواٌء عَل َي ْك ُ ْ س َصب ُِروا َ ل تَ ْ
__________
) (1هذا اللفظ في صحيح مسلم برقم ) (856من حديث حذيفة رضي الله
عنه ،وروى البخاري أوله برقم ) (876من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
) (2زيادة من ت ،أ.
) (3في ت ،أ " :لهم فيه".
) (4زيادة من ت ،أ.
) (5في ت " :تقدر".
) (6في ت " :قل".
) (4/273
َ ويستنبُئون َ َ
ن )(53
زي َ
ج ِ
معْ ِ
م بِ ُ
ما أن ْت ُ ْ ه لَ َ
حق ّ و َ َ حقّ هُوَ قُ ْ
ل ِإي وََرّبي إ ِن ّ ُ كأ َ ََ ْ َِْ َ
َ } ويستنبُئون َ َ
ن ){ (53
زي َ
ج ِ
معْ ِ
م بِ ُ
ما أن ْت ُ ْ ه لَ َ
حق ّ و َ َ حقّ هُوَ قُ ْ
ل ِإي وََرّبي إ ِن ّ ُ كأ َ ََ ْ َِْ َ
) (4/274
) (4/274
ما
م ّ
خي ٌْر ِ
حوا هُوَ َفَر ُ ك فَل ْي َ ْ
مت ِهِ فَب ِذ َل ِ َ ل الل ّهِ وَب َِر ْ
ح َ ض ِ
ف ْ وقوله تعالى } :قُ ْ
ل بِ َ
ن { ) (1أي :بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق )(2 مُعو َ
ج َ
يَ ْ
ن { أي :من مُعو َ
ج َما ي َ ْ م ّ خي ٌْر ِ
فليفرحوا ،فإنه أولى ما يفرحون به } ،هُوَ َ
حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة ل محالة ،كما قال ابن أبي
كر عن َبقّية ) - (3يعني ابن الوليد -عن حاتم ،في تفسير هذه الية " :وذ ُ ِ
صفوان بن عمرو ،سمعت أيفع بن عبد الكلعي يقول :لما ُقدم خرا ُ
ج
مُر ومولى له فجعل عمر يعد البل العراق إلى عمر ،رضي الله عنه ،خرج عُ َ
،فإذا هي ) (4أكثر من ذلك ،فجعل عمر يقول :الحمد لله تعالى ،ويقول
موله :هذا والله من فضل الله ورحمته .فقال عمر :كذبت .ليس هذا ،هو
خي ٌْرحوا هُوَ َ فَر ُك فَل ْي َ ْ مت ِهِ فَب ِذ َل ِ َ ح َ ل الل ّهِ وَب َِر ْ ض ِ
ف ْ ل بِ َالذي يقول الله تعالى } :قُ ْ
ن { وهذا مما يجمعون. مُعو َ ج َ ما ي َ ْم ّ ِ
عةوقد ) (5أسنده ) (6الحافظ أبو القاسم الطبراني ،فرواه عن أبي ُزْر َ
شَريح ،عن بقية ،فذكره(7) . حيوة بن ُ الدمشقي ،عن َ
َ ما َأنز َ } قُ ْ َ َ
نه أذِ َ ل آلل ّ ُحلل قُ ْ ما وَ َ حَرا ً ه َ من ْ ُ م ِ جعَل ْت ُ ْ ق فَ َ ن رِْز ٍ م ْ م ِه ل َك ُ ْ
ل الل ّ ُ م َ ل أَرأي ْت ُ ْ
ل َك ُ َ
م
ب ي َوْ َ ن عََلى الل ّهِ ال ْك َذِ َ فت َُرو َ ن يَ ْ ذي َ ن ال ّ ِ ما ظ َ ّ ن ) (59وَ َ فت َُرو َم عََلى الل ّهِ ت َ ْ مأ ْ ْ
ذو فَضل عََلى الناس ول َكن أ َ َ ّ
ن ){ (60 ُ َ رو ُ ك ش ْ َ ي ل م
َ ْ ُ ه ر َ ثْ ك ّ ِ ِ َ ّ ْ ٍ ُ ل ه
َ ل ال نق َ َ ِ ّ
إ ِ ة م يا ال ْ ِ
قال ابن عباس ،ومجاهد ،والضحاك ،وقتادة ،وعبد الرحمن بن زيد بن
أسلم :نزلت إنكاًرا على المشركين فيما كانوا يحرمون ويحلون من البحائر
َ
ثحْر ِ ن ال ْ َم َ ما ذ ََرأ ِ م ّجعَُلوا ل ِل ّهِ ِ والسوائب والوصايا ،كقوله تعالى } :وَ َ
صيًبا { ] النعام [ 136 :اليات. َوالن َْعام ِ ن َ ِ
وقال المام أحمد :حدثنا محمد بن جعفر ،حدثنا شعبة ،عن أبي إسحاق ،
سمعت أبا الحوص -وهو عوف بن ]مالك بن[ ) (8نضلة -يحدث عن أبيه
شف الهيئة ،فقال " :هل قال :أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قَ ْ
لك مال ؟" قال :قلت :نعم .قال " :من أي المال ؟" قال :قلت :من كل
المال ،من البل والرقيق والخيل والغنم .فقال ) (9إذا آتاك مال فَل ْي َُر عليك".
مد إلى موسى فتقطع آذانها ، وقال " :هل تنتج إبل قومك صحاحا آذاُنها ،فتع َ
فتقول :هذه بحر وتشقها ،أو تشق جلودها
__________
) (1في ت " :وبرحمة".
) (2في أ " :الله".
) (3في ت " :ذكر عن نفسه".
) (4في أ " :هو".
) (5في ت " :وهذا".
) (6في أ " :أسند".
) (7أورده السيوطي في الدر المنثور ) (4/368وعزاه لبن أبي حاتم
والطبراني.
) (8زيادة من ت ،أ ،والمسند.
) (9في ت ،أ " :والنعم قال".
) (4/275
صُرم ،وتحرمها ) (1عليك وعلى أهلك ؟" قال :نعم .قال : وتقول :هذه ُ
"فإن ما آتاك الله لك حل ،وساعد الله أشد من ساعدك ،وموسى الله أحد
من موساك" وذكر تمام الحديث(2) .
ثم رواه عن سفيان بن عيينة ،عن أبي الزعراء عمرو بن عمرو ،عن عمه
أبي الحوص ) (3وعن ب َْهز بن أسد ،عن حماد بن سلمة ،عن عبد الملك بن
عمير ،عن أبي الحوص ،به ) (4وهذا حديث جيد قوي السناد.
حّرم ما أحل الله ،أو أحل ما حرم بمجرد وقد أنكر ]الله[ ) (5تعالى على من َ
الراء والهواء ،التي ) (6ل مستند لها ول دليل عليها .ثم توعدهم على ذلك
م
ب ي َوْ َن عََلى الل ّهِ ال ْك َذِ َ
فت َُرو َ
ن يَ ْ ن ال ّ ِ
ذي َ ما ظ َ ّ
يوم القيامة ،فقال } :وَ َ
مة { أي :ما ظنهم أن ُيصَنع بهم يوم مرجعهم إلينا يوم القيامة. ال ْ ِ
قَيا َ
س { قال ابن جرير :في تركه ض ٍ َ ه لَ ُ
ذو فَ ْ ن الل ّ َ
ل عَلى الّنا ِ وقوله } :إ ِ ّ
معاجلتهم ) (7بالعقوبة في الدنيا.
قلت :ويحتمل أن يكون المراد لذو فضل على الناس فيما أباح لهم مما خلقه
من المنافع في الدنيا ،ولم يحرم عليهم إل ما هو ضار لهم في دنياهم أو
دينهم.
َ
ن { بل يحرمون ما أنعم الله ]به[ ) (8عليهم ، شك ُُرو َ } وَل َك ِ ّ
ن أك ْث ََرهُ ْ
م ل يَ ْ
ويضيقون على أنفسهم ،فيجعلون بعضا حلل وبعضا حراما .وهذا قد وقع فيه
المشركون فيما شرعوه لنفسهم ،وأهل الكتاب فيما ابتدعوه في دينهم.
وقال ابن أبي حاتم في تفسير هذه الية :حدثنا أبي ،حدثنا أحمد بن أبي
الحواري ،حدثنا رباح ،حدثنا عبد الله بن سليمان ،حدثنا موسى بن الصباح
س { قال :إذا كان يوم ض ٍ َ ه لَ ُ
ذو فَ ْ ن الل ّ َ
ل عَلى الّنا ِ في قول الله عز وجل } :إ ِ ّ
القيامة ،يؤتى بأهل ولية الله عز وجل ،فيقومون بين يدي الله عز وجل
ثلثة أصناف قال :فيؤتى برجل من الصنف الول فيقول :عبدي ،لماذا
عملت ؟ فيقول :يا رب :خلقت الجنة وأشجارها وثمارها وأنهارها ،وحورها
ت نهاري ت ليلي وأظمأ ُ ونعيمها ،وما أعددت لهل طاعتك فيها ،فأسهر ُ
شوقا إليها .قال :فيقول الله تعالى :عبدي ،إنما عملت للجنة ،هذه الجنة
فادخلها ،ومن فضلي عليك أن أعتقتك من النار ] ،ومن فضلي عليك أن
أدخلك جنتي[ ) (9قال :فيدخل هو ومن معه الجنة.
قال :ثم يؤتى برجل من الصنف الثاني ،قال :فيقول :عبدي ،لماذا
عملت ؟ فيقول :يا رب ،خلقت نارا وخلقت أغللها وسعيرها وسمومها
مومها ،وما أعددت لعدائك وأهل معصيتك فيها ويح ُ
__________
) (1في ت " :حرام ويحرمها".
) (2المسند ).(3/473
) (3المسند ).(4/137
) (4المسند ).(3/473
) (5زيادة من ت ،أ.
) (6في أ " :الذي".
) (7في ت " :معالجتهم".
) (8زيادة من ت ،أ.
) (9زيادة من ت ،أ.
) (4/276
َ كون في َ ْ
ل إ ِّل ك ُّنا عَل َي ْك ُ ْ
م م ٍ
ن عَ َ
م ْ مُلو َ
ن ِ ن وََل ت َعْ َن قُْرآ ٍ م ْ
ه ِ ما ت َت ُْلو ِ
من ْ ُ ن وَ َشأ ٍ ما ت َ ُ ُ ِ وَ َ
َ َ ْ مث ْ َ ن َرب ّ َ
ض وَل ِفي ل ذ َّرةٍ ِفي الْر ِ قا ِ ن ِ م ْك ِ ب عَ ْ ما ي َعُْز ُ
َ
ن ِفيهِ وَ َ ضو َ في ُ
َ
شُهوًدا إ ِذ ْ ت ُ ِ ُ
ن )(61 ّ َ
ك وَل أك ْب ََر إ ِل ِفي ك َِتا ٍ ن ذ َل ِ َ َ
مِبي ٍ ب ُ م ْ
صغََر ِ ماِء وَل أ ْ س َ
ال ّ
فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري خوفا منها .فيقول :عبدي ،إنما عملت ذلك
خوفا من ناري (1) ،فإني قد أعتقتك من النار ،ومن فضلي عليك أن أدخلك
جنتي .فيدخل هو ومن معه الجنة.
ثم يؤتى برجل من الصنف الثالث ،فيقول :عبدي ،لماذا عملت ؟ فيقول :
رب ) (2حًبا لك ،وشوقا إليك ،وعزتك لقد أسهرت ليلي وأظمأت نهاري
شوقا إليك وحبا لك ،فيقول تبارك وتعالى :عبدي ،إنما عملت حبا لي
وشوقا إلي ،فيتجلى له الرب جل جلله ،ويقول :ها أنا ذا ،انظر إلي ثم
يقول :من فضلي عليك أن أعتقك من النار ،وأبيحك جنتي ،وأزيَرك ملئكتي
،وأسلم عليك بنفسي .فيدخل هو ومن معه الجنة.
ُ كون في َ ْ
ل ِإل ك ُّنا م ع
َ ِ ْ َ َ ٍ ن م ن لو م
ن َول ت َعْ َ ن قُْرآ ٍ م ْ ه ِ من ْ ُ ما ت َت ُْلو ِ ن وَ َ شأ ٍ ما ت َ ُ ُ ِ } وَ َ
ضل ذ َّرةٍ ِفي الْر ِ قا ِ مث ْ َ ن ِ م ْ ك ِ ن َرب ّ َ ب عَ ْ ما ي َعُْز ُ ن ِفيهِ وَ َ ضو َ في ُ شُهوًدا إ ِذ ْ ت ُ ِ م ُ عَل َي ْك ُ ْ
َ َ
ن ){ (61 مِبي ٍ ب ُ ك َول أك ْب ََر ِإل ِفي ك َِتا ٍ ن ذ َل ِ َ م ْ صغََر ِ ماِء َول أ ْ س َ َول ِفي ال ّ
يخبر تعالى نبيه ،صلوات الله عليه وسلمه ) (3أنه ) (4يعلم جميع أحواله
وأحوال أمته ،وجميع الخلئق في كل ساعة وآن ولحظة ،وأنه ل يعُزب عن
ل ذرة في حقارتها وصغرها في السموات ول في الرض ، علمه وبصره مثقا ُ
ب ْ
ح ) (5الغَي ْ ِ فات ِ ُ م َعن ْد َه ُ َ ول أصغر منها ول أكبر إل في كتاب مبين ،كقوله } :وَ ِ
مَها َول َ
ن وََرقَةٍ ِإل ي َعْل ُ م ْ ط ِ ق ُ س ُ ما ت َ ْ حرِ وَ َ ما ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ م َ مَها ِإل هُوَ وَي َعْل َ ُ ل ي َعْل َ ُ
ن { ] النعام : مِبي ٍ ب ُ س ِإل ِفي ك َِتا ٍ ب َول َياب ِ ٍ ض َول َرط ْ ٍ ت الْر ِ ما ِ حب ّةٍ ِفي ظ ُل ُ َ َ
، [ 59فأخبر تعالى أنه يعلم حركة الشجار وغيرها من الجمادات وكذلك
ه
حي ْ ِجَنا َ طيُر ب ِ َ طائ ِرٍ ي َ ِ ن َداب ّةٍ ِفي الْرض َول َ م ْ ما ِ الدواب السارحة في قوله } :وَ َ
ِ إل أ ُم َ
ن{ شُرو َ ح َ م يُ ْ م إ ِلى َرب ّهِ ْ َ ُ
يٍء ث ّ ش ْ ن َ م ْ ب ِ ما فَّرط َْنا ِفي ال ْك َِتا ِ م َ مَثال ُك ُ ْ مأ ْ َ ٌ ِ
ُ ّ
ض ِإل عَلى اللهِ رِْزقَها َ ر
ْ ال في ِ ٍ ة ّ ب دا َ نْ م
ِ ما َ َ و } : تعالى وقال ، [ 38 : النعام ]
ِ
ن { ] هود .[ 6 : مِبي ٍ ب ُ ل ِفي ك َِتا ٍ ست َوْد َعََها ك ُ ّ م ْ ها وَ ُ قّر َ ست َ َ
م ْ م ُ وَي َعْل َ ُ
وإذا كان هذا علمه بحركات هذه الشياء ،فكيف بعلمه بحركات المكلفين
كذي ي ََرا َ حيم ِ ال ّ ِ زيزِ الّر ِ ل عََلى ال ْعَ ِ المأمورين بالعبادة ،كما قال تعالى } :وَت َوَك ّ ْ
ن { ] الشعراء [ 219 - 217 :؛ ؛ ولهذا قال دي َ ج ِسا ِ ك ِفي ال ّ قل ّب َ َ م وَت َ َ قو ُ ن تَ ُ حي َ ِ
ُ ُ ْ ما ت َ ُ
ل ِإل م ٍ ن عَ َ م ْن ِ ملو َ ن َول ت َعْ َ ن قُْرآ ٍ م ْ ه ِ من ْ ُما ت َت ْلو ِ ن وَ َ شأ ٍ ن ِفي َ كو ُ تعالى } :وَ َ
ن ِفيهِ { أي :إذ تأخذون في ذلك الشيء نحن ضو َ في ُ شُهوًدا إ ِذ ْ ت ُ ِ م ُ ك ُّنا عَل َي ْك ُ ْ
مشاهدون لكم راءون سامعون ،ولهذا قال ،عليه السلم ) (6لما سأله
جبريل عن الحسان ]قال[ ) (7أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه
يراك"(8) .
__________
) (1في ت ،أ " :النار".
) (2في أ " :ربي".
) (3في ت " :صلوات الله وسلمه عليه".
) (4في ت " :بأنه".
) (5في ت " :مفاتح".
) (6في أ " :صلى الله عليه وسلم".
) (7زيادة من ت ،أ.
) (8رواه مسلم في صحيحه برقم ) (8من حديث عمر بن الخطاب الطويل.
) (4/277
مُنوا وَ َ
كاُنوا ذي َ
نآ َ ن ) (62ال ّ ِ َ حَزُنو َ
م يَ ْ م وََل هُ ْ ف عَل َي ْهِ ْ
خو ْ ٌ ن أ َوْل َِياَء الل ّهِ َل َأَل إ ِ ّ
َ
ت الل ّ ِ
ه ما ِ ل ل ِك َل ِ َ
دي َ حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي اْل َ ِ
خَرةِ َل ت َب ْ ِ شَرى ِفي ال ْ َ م ال ْب ُ ْ
ن ) (63ل َهُ ُ قو َ ي َت ّ ُ
م )(64 ظي ُ ْ
فوُْز العَ ِ ْ َ
ذ َل ِك هُوَ ال َ
مُنوا وَ َ
كاُنوا نآ َ ذي َن ) (62ال ّ ِ حَزُنو َ
م يَ ْ
م َول هُ ْ ف عَل َي ْهِ ْ ن أ َوْل َِياَء الل ّهِ ل َ
خو ْ ٌ َ
} أل إ ِ ّ
ت الل ّ ِ
ه ل ل ِك َل ِ َ
ما ِ دي َخَرةِ ل ت َب ْ ِ
حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِشَرى ِفي ال ْ َ م ال ْب ُ ْ
ن ) (63ل َهُ ُ قو َ ي َت ّ ُ
م ){ (64 ظي ُ ْ
فوُْز العَ ِ ْ َ
ذ َل ِك هُوَ ال َ
) (4/277
يخبر تعالى أن أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتقون ،كما فسرهم ) (1ربهم ،
م { ]أي[ ) (2فيما ف عَل َي ْهِ ْ خو ْ ٌ فكل من كان تقيا كان لله وليا :أنه } ل َ
ن { على ما وراءهم في الدنيا. حَزُنو َ م يَ ْ
يستقبلون من أهوال القيامة َ } ،ول هُ ْ
وقال عبد الله بن مسعود ،وابن عباس ،وغير واحد من السلف :أولياء الله
الذين إذا رءوا ذ ُ ِ
كر الله.
وقد ورد هذا في حديث مرفوع كما قال البزار :
حْرب الرازي ،حدثنا محمد بن سعيد بن سابق ،حدثنا يعقوب حدثنا علي بن َ
بن عبد الله الشعري -وهو القمي -عن جعفر بن أبي المغيرة ،عن سعيد
ن أولياء الله ؟ م ْ بن جبير ،عن ابن عباس قال :قال رجل :يا رسول الله َ ،
قال " :الذين إذا رُءوا ُذكر الله" .ثم قال البزار :وقد روي عن سعيد مرسل.
)(3
وقال ابن جرير :حدثنا أبو هشام الّرفاعي ،حدثنا ابن فضيل ) (4حدثنا أبي ،
جلي ،عن أبي عة بن عمرو بن جرير الب َ َ عن عمارة بن القعقاع ،عن أبي ُزْر َ
هريرة ،رضي الله عنه ،قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إن
من عباد الله عبادا يغبطهم ) (5النبياء والشهداء" .قيل :من هم يا رسول
الله ؟ لعلنا نحبهم .قال " :هم قوم تحابوا ) (6في الله من غير أموال ول
أنساب ،وجوههم نور على منابر من نور ،ل يخافون إذا خاف الناس ،ول
م
م َول هُ ْف عَل َي ْهِ ْ خو ْ ٌن أ َوْل َِياَء الل ّهِ ل َ َ
يحزنون إذا حزن الناس" .ثم قرأ } :أل إ ِ ّ
ن { )(7 حَزُنو َ
يَ ْ
ثم رواه أيضا أبو داود ،من حديث جرير ،عن عمارة بن القعقاع ،عن أبي
زرعة بن عمرو بن جرير ،عن عمر بن الخطاب ،رضي الله عنه ،عن النبي
صلى الله عليه وسلم ،بمثله(8) .
وهذا أيضا إسناد جيد ،إل أنه منقطع بين أبي زرعة وعمر بن الخطاب ،والله
أعلم.
__________
) (1في ت ،أ " :فسر بهم".
) (2زيادة من ت.
) (3مسند البزار برقم )" (3626كشف الستار" .والمرسل رواه الطبري في
تفسيره ) (15/119من طريق أشعث بن إسحاق ،عن جعفر بن أبي المغيرة
عن سعيد بن جبير مرسل.
) (4في جميع النسخ "أبو فضيل" ،وكذا وقع في مخطوطة الطبري وصوبه
المعلق.
) (5في ت " :يعطيهم".
) (6في أ " :تحابون".
) (7تفسير الطبري ) (15/20ورواه النسائي في السنن الكبرى برقم )
(11236عن واصل بن عبد العلى عن محمد بن فضيل عن أبيه وعمارة بن
القعقاع -هكذا مقرونا -كلهما عن أبي زرعة عن أبي هريرة به نحوه ،
ورواه ابن حبان في صحيحه برقم ) (2508من طريق عبد الرحمن بن صالح
عن ابن فضيل عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة به.
) (8تفسير الطبري ) (15/121وسنن أبي داود برقم ).(3527
) (4/278
وفي حديث المام أحمد ،عن أبي النضر ،عن عبد الحميد بن ب َهَْرام ،عن
شب ،عن عبد الرحمن بن غَْنم ،عن أبي مالك الشعري قال : حو ْ َشْهر بن َ َ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :يأتي من أفناء الناس ونوازع القبائل
قوم لم تتصل ) (1بينهم أرحام متقاربة ،تحابوا في الله ،وتصافوا في الله ،
يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور ،فيجلسهم عليها ،يفزع الناس ول
يفزعون ،وهم أولياء الله ،الذين ل خوف عليهم ول هم يحزنون" .والحديث
متطول(3) (2) .
وقال المام أحمد :حدثنا عبد الرزاق ،أخبرنا سفيان ،عن العمش ،عن
وان أبي صالح ،عن رجل ،عن أبي الدرداء ،رضي الله عنه ،عن النبي ذ َك ْ َ
خَرةِ حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ شَرى ِفي ال ْ َ م ال ْب ُ ْ
صلى الله عليه وسلم في قوله } :ل َهُ ُ
{ قال " :الرؤيا الصالحة يراها المسلم ،أو ُترى له"(4) .
وقال ابن جرير :حدثني أبو السائب ،حدثنا أبو معاوية ،عن العمش ،عن
أبي صالح ،عن عطاء بن يسار ،عن رجل من أهل مصر ،عن أبي الدرداء
خَرةِ { قال :سأل رجل حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ شَرى ِفي ال ْ َ م ال ْب ُ ْ
في قوله } :ل َهُ ُ
دا[ت ]أح ً أبا الدرداء ) (5عن هذه الية ،فقال :لقد سألت عن شيء ما سمع ُ
ل الله ،فقال " :هي الرؤيا الصالحة ) (6سأل عنه بعد رجل سأل عنه رسو َ
يراها الرجل المسلم ،أو ت َُرى له ،بشراه في الحياة الدنيا ،وبشراه في
الخرة ]الجنة[(7) .
سار ، َ
در ،عن عَطاء بن ي َ َ َ
ثم رواه ابن جرير من حديث سفيان ،عن ابن المن ْك ِ
عن رجل من أهل مصر ،أنه سأل أبا الدرداء عن هذه الية ،فذكر نحو ما
تقدم(8) .
من َْهال ،حدثنا حماد بن زيد وقال ابن جرير :حدثني المثنى :حدثنا الحجاج بن ِ
،عن عاصم بن ب َهْد ََلة ،عن أبي صالح قال :سمعت أبا الدرداء ،وسئل عن :
شَرى { فذكر نحوه سواء(9) . م ال ْب ُ ْن ل َهُ ُ
قو َكاُنوا ي َت ّ ُ مُنوا وَ َ نآ َ } ال ّ ِ
ذي َ
وقال المام أحمد :حدثنا عفان ،حدثنا أبان ،حدثنا يحيى ،عن أبي سلمة ،
عن عبادة بن الصامت ؛ أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :يا
شَرى ِفي ال ْ َ
حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي م ال ْب ُ ْرسول الله ،أرأيت قول الله تعالى } :ل َهُ ُ
خَرةِ { ؟ فقال " :لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي -أو : ال ِ
أحد قبلك" قال " :تلك الرؤيا الصالحة ،يراها الرجل الصالح أو ت َُرى له".
طان ،عن يحيى بن أبي كثير ، ق ّ وكذا رواه أبو داود الطيالسي ،عن عمران ال َ
به ) (10ورواه
__________
) (1في ت " :يتصل".
) (2في ت ،أ " :يطول".
) (3المسند ).(5/343
) (4المسند ).(6/445
) (5في أ " :سأل رجل من أهل مصر أبا الدرداء".
) (6زيادة من ت ،أ ،والطبري.
) (7زيادة من ت ،أ ،والطبري.
) (8تفسير الطبري ) (15/128ورواه الترمذي في السنن برقم ) (3106من
طريق سفيان عن محمد بن المنكدر به نحوه.
) (9تفسير الطبري ) (15/136ورواه الترمذي في السنن برقم ) (3106من
طريق أحمد بن عبدة عن حماد بن زيد به.
) (10مسند المام أحمد ) (5/315وهو في مسند الطيالسي برقم )(583
عن حرب بن شداد ،عن يحيى بن أبي كثير ،عن أبي سلمة قال :نبئت أن
عبادة بن الصامت فذكره ،وهو منقطع قال ابن حجر " :رجاله ثقات إل أنه
معلول ،فإن أبا سلمة لم يسمع من عبادة".
) (4/279
الوزاعي ،عن يحيى بن أبي كثير ،فذكره .ورواه علي بن المبارك ،عن
يحيى ،عن أبي سلمة قال :ن ُّبئنا عن عبادة بن الصامت ،سأل رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن هذه الية ،فذكره.
ي ،حدثنا يحيى بن سعيد ،حدثنا مص ّ ح ْ وقال ابن جرير :حدثني أبو حميد ال ِ
موسي ،عن حميد بن عبد الله المزني قال :أتى ح ُعمر بن عمرو بن عبد ال ْ
رجل عبادة بن الصامت فقال :آية في كتاب الله أسألك عنها ،قول الله
حَياةِ الد ّن َْيا { ؟ فقال عبادة :ما سألني عنها أحد شَرى ِفي ال ْ َ م ال ْب ُ ْ تعالى } :ل َهُ ُ
قبلك ،سألت عنها نبي الله فقال مثل ذلك " :ما سألني عنها أحد قبلك ،
الرؤيا الصالحة ،يراها العبد المؤمن في المنام أو ت َُرى له"(1) .
فوان ،عن ص ْثم رواه من حديث موسى بن عبيدة ،عن أيوب بن خالد بن َ
م َ
عبادة بن الصامت ؛ أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم } :لهُ ُ
خَرةِ { فقد عرفنا بشرى الخرة الجنة ،فما حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ شَرى ِفي ال ْ َ ال ْب ُ ْ
بشرى الدنيا ؟ قال " :الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ت َُرى له ،وهي جزء من
أربعة وأربعين جزءا أو سبعين جزءا من النبوة"(2) .
وقال ]المام[ ) (3أحمد أيضا :حدثنا ب َْهز ،حدثنا حماد ،حدثنا أبو عمران ،
عن عبد الله بن الصامت ،عن أبي ذر ؛ أنه قال :يا رسول الله ،الرجل
يعمل العمل فيحمده ) (4الناس عليه ،ويثنون عليه به ،فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " :تلك عاجل بشرى المؤمن" .رواه مسلم(5) .
وقال أحمد أيضا :حدثنا حسن -يعني الشيب -حدثنا ابن ل َِهيعة ،حدثنا
جب َْير ،عن عبد الله بن عمرو ،عن رسول الله د َّراج ،عن عبد الرحمن بن ُ
حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ْ
شَرى ِفي ال َ ْ
م الب ُ ْ َ
صلى الله عليه وسلم أنه قال } :لهُ ُ
خَرةِ { قال " :الرؤيا الصالحة يبشرها المؤمن ،هي جزء من تسعة ال ِ
وأربعين جزءا من النبوة ،فمن رأى ]ذلك[ ) (6فليخبر بها ،ومن رأى سوى
حُزنه ،فلينفث ) (7عن يساره ثلثا ،وليكبر )(8 ذلك فإنما هو من الشيطان لي َ ْ
ول يخبر بها أحدا" ) (9لم يخرجوه.
هب ،حدثني عمرو بن الحارث ، وقال ابن جرير :حدثني يونس ،أنبأنا ابن وَ ْ
جب َْير ،عن عبد الله بن عمرو ، أن د َّراجا أبا السمح حدثه عن عبد الرحمن بن ُ
ة
حَيا ِ ْ
شَرى ِفي ال َ ْ
م الب ُ ْ َ
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال } :لهُ ُ
شرها المؤمن ،جزء من ستة وأربعين جزءا من الد ّن َْيا { الرؤيا الصالحة يب ّ
النبوة"(10) .
وقال أيضا ابن جرير :حدثني محمد بن أبي حاتم المؤّدب ،حدثنا عمار بن
محمد ،حدثنا العمش ،عن أبي صالح ،عن أبي هريرة ،عن النبي صلى
خَرةِ { قال " :هي شَرى ِفي ال ْ َ
حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ م ال ْب ُ ْ
الله عليه وسلم } :ل َهُ ُ
__________
) (1تفسير الطبري ).(15/129
) (2تفسير الطبري ).(15/132
) (3زيادة من أ.
) (4في ت ،أ " :ويحمده".
) (5المسند ) (5/156وصحيح مسلم برقم ).(2642
) (6زيادة من أ ،والمسند ،وفي ت " :تلك".
) (7في ت " :فليتفت".
) (8في ت ،أ " :وليسكت".
) (9المسند ) (2/219وابن لهيعة ودراج ضعيفان.
) (10تفسير الطبري ).(15/139
) (4/280
في الدنيا الرؤيا الصالحة ،يراها العبد أو ت َُرى له ،وهي في الخرة الجنة") .
(1
ثم رواه عن أبي ك َُرْيب ،عن أبي بكر بن عَّياش ،عن أبي حصين ،عن أبي
صالح ،عن أبي هريرة أنه قال :الرؤيا الحسنة بشرى من الله ،وهي من
شرات(2) . المب ّ
هكذا رواه من هذه الطريق موقوفا.
وقال أيضا :حدثنا أبو ك َُرْيب ،حدثنا أبو بكر ،حدثنا هشام ،عن ابن سيرين ،
عن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :الرؤيا الحسنة
هي البشرى ،يراها المسلم أو ت َُرى له"(3) .
دولبي ،حدثنا سفيان ،عن عبيد وقال ابن جرير :حدثني أحمد بن حماد ال ّ
ُ
سَباع بن ثابت ،عن أم كْرز الكعبية : الله بن أبي يزيد ،عن أبيه ،عن ِ
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " :ذهبت النبوة ،وبقيت
المبشرات"(4) .
وهكذا روي عن ابن مسعود ،وأبي هريرة ،وابن عباس ،ومجاهد ،وعُْرَوة
خعي ،وعطاء بن أبي رباح : بن الزبير ،ويحيى بن أبي كثير ،وإبراهيم الن ّ َ
أنهم فسروا ذلك بالرؤيا الصالحة.
وقيل :المراد بذلك ) (5بشرى الملئكة للمؤمن عند احتضاره بالجنة
موا ت ََتنز ُ
ل قا ُ ست َ َما ْ ه ثُ ّ ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ ذي َ ن ال ّ ِ والمغفرة كما في قوله تعالى } :إ ِ ّ
ّ ْ َ ة َأل ت َ َ
ن
ح ُ ن نَ ْ دو َ م ُتوعَ ُ جن ّةِ الِتي ك ُن ْت ُ ْ شُروا ِبال َ حَزُنوا وَأب ْ ِ خاُفوا َول ت َ ْ ملئ ِك َ ُ م ال ْ َ عَل َي ْهِ ُ
مم وَل َك ُ ْ سك ُ ْ ف ُشت َِهي أ َن ْ ُ ما ت َ ْ م ِفيَها َ خَرةِ وَل َك ُ ْ حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ م ِفي ال ْ َ أوْل َِياؤُك ُ ْ
َ
حيم ٍ { ] فصلت .[ 32 - 30 : فورٍ َر ِ ن غَ ُ م ْن نزل ِ عو َ ما ت َد ّ ُ ِفيَها َ
وفي حديث البراء " :أن المؤمن إذا حضره الموت ،جاءه ملئكة بيض
الوجوه ،بيض الثياب ،فقالوا :اخرجي أيتها الروح الطيبة إلى روح وريحان ،
ورب غير غضبان .فتخرج من فمه ،كما تسيل القطرة من فم السقاء".
فَزعُ الك ْب َُر م ال ْ َ حُزن ُهُ ُ
وأما بشراهم في الخرة ،فكما قال تعالى } :ل ي َ ْ
ن { ] النبياء .[ 103 :وقال دو َ م ُتوعَ ُ ذي ك ُن ْت ُ ْ م ال ّ ِ مك ُ ُ ة هَ َ
ذا ي َوْ ُ ملئ ِك َ ُ م ال ْ َ قاهُ ُ وَت َت َل َ ّ
م َ تعالى } :يوم ترى ال ْمؤْمِنين وال ْمؤْمنات يسعى نورهُم بي َ
مان ِهِ ْ
م وَب ِأي ْ َديهِ ْ
ن أي ْ ُِ ُ ْ َْ َ ُ ِ َ َ ُ ِ َ ِ َ ْ َ َ ْ َ ََ
فوُْز ْ َ
ن ِفيَها ذ َل ِك هُوَ ال َ دي َخال ِ ِحت َِها الن َْهاُر َ
ن تَ ْ
م ْ
ري ِ ج ِت تَ ْ جّنا ٌم َ م ال ْي َوْ َ
شَراك ُ ُ
بُ ْ
م { ] الحديد (6) .[ 12 : ال ْعَ ِ
ظي ُ
ت الل ّهِ { أي :هذا الوعد ل يبدل ول يخلف ول يغير ، ما ِل ل ِك َل ِ َ
دي َ وقوله } :ل ت َب ْ ِ
م { )(7 فوُْز ال ْعَ ِ
ظي ُ ك هُوَ ال ْ َ
بل هو مقرر مثبت كائن ل محالة } :ذ َل ِ َ
__________
) (1تفسير الطبري ).(15/131
) (2تفسير الطبري ).(15/130
) (3تفسير الطبري ).(15/130
) (4تفسير الطبري ) (15/133ورواه ابن ماجه في السنن برقم )(3896
من طريق هارون الحمال عن سفيان به ،وقال البوصيري في الزوائد )
" : (3/212هذا إسناد صحيح رجاله ثقات" وأبو زيد لم يوثقه سوى ابن
حبان ،ولم يرو عنه سوى ابنه.
) (5في ت ،أ " :المراد من ذلك".
) (6في ت " :وذلك الفوز العظيم".
) (7في ت " :وذلك" وهو خطأ.
) (4/281
َ
ن
م ْ ن ل ِل ّهِ َ م ) (65أَل إ ِ ّ ميعُ ال ْعَِلي ُ س ِ ميًعا هُوَ ال ّ ج ِ ن ال ْعِّزة َ ل ِل ّهِ َ م إِ ّ ك قَوْل ُهُ ْ حُزن ْ َ وََل ي َ ْ
ن
كاَء إ ِ ْ شَر َ ن اللهِ ُ ّ ّ َ ْ
ن ُدو ِ م ْن ِ عو َ ن ي َد ْ ُ ذي َ ما ي َت ّب ِعُ ال ِ ض وَ َ ن ِفي الْر ِ م ْت وَ َ ماَوا ِ س َ ِفي ال ّ
سك ُُنوا ل ل ِت َ ْ ّ
م اللي ْ َ ل لك ُ َُ جعَ َ ذي َ ّ
ن ) (66هُوَ ال ِ صو َ خُر ُ م إ ِل ي َ ّْ ن هُ ْ ن وَإ ِ ْ ّ
ن إ ِل الظ ّ ّ ي َت ّب ُِعو َ
دا َ
ه وَل ً ّ
خذ َ الل ُ ن )َ (67قالوا ات ّ َُ مُعو َ س َقوْم ٍ ي َ ْ ت لِ َ َ
ك لَيا ٍ َ ن ِفي ذ َل ِ َ صًرا إ ِ ّ مب ْ ِ ِفيهِ َوالن َّهاَر ُ
ن َ ْ ُ َ ْ َ ْ
سلطا ٍ ن ُ م ْ م ِ عن ْد َك ْ ن ِ ض إِ ْ ما ِفي الْر ِ ت وَ َ ماَوا ِ س َ ما ِفي ال ّ ه َ يل ُ ه هُوَ الغَن ِ ّ حان َ ُ سب ْ َ
ُ
هّ َ ّ ن ) (68قُ ْ َ َ ّ َ ُ َ ب ِهَ َ
ن عَلى الل ِ فت َُرو َ ن يَ ْ ذي َ ن ال ِ ل إِ ّ مو َ ما ل ت َعْل ُ ن عَلى اللهِ َ قولو َ ذا أت َ ُ
ب
ذا َ ْ
م العَ َ قهُ ُ ذي ُ م نُ ِ م ثُ ّ جعُهُ ْ مْر ِ َ
م إ ِلي َْنا َ مَتاع ٌ ِفي الد ّن َْيا ث ُ ّ ن )َ (69 حو َ فل ِ ُ ب ل يُ ْ َ ال ْك َذِ َ
ن )(70 فُرو َ كاُنوا ي َك ْ ُ ما َ ديد َ ب ِ َ ش ِ ال ّ
َ
ن ل ِل ّهِ م ) (65أل إ ِ ّ ميعُ ال ْعَِلي ُ س ِ ميًعا هُوَ ال ّ ج ِ ن ال ْعِّزةَ ل ِل ّهِ َ م إِ ّ ك قَوْل ُهُ ْ حُزن ْ َ } َول ي َ ْ
هّ
ن الل ِ ن ُدو ِ م ْ ن ِ عو َ ن ي َد ْ ُ ذي َ ّ
ما ي َت ّب ِعُ ال ِ ض وَ َ ن ِفي الْر ِ م ْ ت وَ َ ماَوا ِ س َ ن ِفي ال ّ م ْ َ
م
ُ ُ ك َ ل لَ َ ع ج
َ ذي ِ ّ لا َ و ُ ه ( 66 ) ن
َ صو
ُ ُ ر خ
ْ َ ي إل ْ ِ م ُ ه ن
ْ إ و
ّ َِ ن ّ ظ ال إلِ ن
َ عو
ُ ِ بّ ت َ ي ن
ْ ِ إ َ ء َ
كا ر َ شُ
ن ){ (67 مُعو َ َ س
ْ َ ي م
ْ ٍ و َ ق ِ ل ت
ٍ يا
َ ل كَ ِ لَ ذ في ِ نّ إ
ً ِ را ص
ِ ْ ب م ر ها
َ َ َ ُ ّ ن وال ِ ه في
ِ نوا ُ ُ ك س
ْ َ تِ ل َ
ل ْ الل ّي
ل هؤلء ك { قو ُ حُزن ْ َ يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم َ } :ول ي َ ْ
المشركين ،واستعن بالله عليهم ،وتوكل عليه ؛ فإن العزة لله جميعا ،أي :
م { أي :السميع لقوال ميعُ ال ْعَِلي ُ س ِ جميعها له ولرسوله وللمؤمنين } ،هُوَ ال ّ
عباده العليم بأحوالهم(1) .
ثم أخبر تعالى أن له ملك السموات والرض ،وأن المشركين يعبدون
الصنام ،وهي ل تملك شيئا ،ل ) (2ضًرا ول نفعا ،ول دليل لهم على عبادتها
،بل إنما يتبعون في ذلك ظنونهم وتخرصهم وكذبهم وإفكهم.
ثم أخبر أنه الذي جعل لعباده الليل ليسكنوا فيه ،أي :يستريحون فيه من
صًرا { أي :مضيئا لمعاشهم وسعيهم مب ْ ِ حَركاتهم َ } ،والن َّهاَر ُ صبهم وكللهم و َ نَ َ
ن { أي : مُعو َ س َ قوْم ٍ ي َ ْ ت لِ َ ك لَيا ٍ ن ِفي ذ َل ِ َ ،وأسفارهم ومصالحهم } ،إ ِ ّ
يسمعون هذه الحجج والدلة ،فيعتبرون ) (3بها ،ويستدلون على عظمة
خالقها ،ومقدرها ومسيرها.
ض َ ْ ه وَل َ ً خذ َ الل ّ ُ } َقاُلوا ات ّ َ
ما ِفي الْر ِ ت وَ َ ماَوا ِ س َ ما ِفي ال ّ ه َ يل ُ ه هُوَ الغَن ِ ّ حان َ ُ
َ
سب ْ َ دا ُ
ن
ل إِ ّ ن ) (68قُ ْ مو َ ما ل ت َعْل َ ُ ن ) (4عََلى الل ّهِ َ قوُلو َ ذا أت َ ُ ن ب ِهَ َ طا ٍ سل ْ َ ن ُ م ْ م ِ عن ْد َك ُ ْ ن ِ إِ ْ
م إ ِل َي َْنامَتاع ٌ ِفي الد ّن َْيا ث ُّ َ ( 69 ) ن حو
ُ ِ ُ َ ل ْ في ل بِ َ ذَ ك ْ ل ا ِ ه ّ ل ال لى َ ال ّ ِ َ َ َ ُ َ َ
ع ن رو ت ْ ف ي ن ذي
ن ){ (70 فُرو َ كاُنوا ي َك ْ ُ ما َ ديد َ ب ِ َ ش ِ ب ال ّ ذا َ م ال ْعَ َ قهُ ُ ذي ُ م نُ ِ م ثُ ّ جعُهُ ْ مْر ِ َ
ي { أي : ّ ِ ن َ غ ْ لا و ُ ه
ُ ْ َ َ ُ َ ه ن حا ب س } : دا
ً ول له أن ادعى من على راً منك تعالى يقول
ما ُ َ ه َ ل } ، إليه فقير شيء وكل ، سواه ما كل عن الغني هو ، تقدس عن ذلك
ض { أي :فكيف يكون له ولد مما خلق ،وكل ما ِفي الْر ِ ت وَ َ ماَوا ِ س َ ِفي ال ّ
ذا { أي :ليس ن ب ِهَ َ سلطا ٍَ ْ ن ُ م ْ م ِ عن ْد َك ُ ْن ِ شيء مملوك له ،عبد له ؟! } إ ِ ْ
ما ل ّ َ ُ َ
ن عَلى اللهِ َ قولو َ عندكم دليل على ما تقولونه من الكذب والبهتان! } أت َ ُ
خذ َ ُ
ن { إنكار ووعيد أكيد ،وتهديد شديد ،كما قال تعالى } :وََقالوا ات ّ َ مو َ ت َعْل َ ُ
ض
شقّ الْر ُ ه وَت َن ْ َ من ْ ُ ن ِ فط ّْر َ ت ي َت َ َ ماَوا ُ س َ كاد ُ ال ّ شي ًْئا إ ِّدا ت َ َ م َ جئ ْت ُ ْ قد ْ ِ دا ل َ َن وَل َ ً م ُ ح َالّر ْ
َ َ َ َ جَبا ُ ْ
ن
دا إ ِ ْ خذ َ وَل ً ن ي َت ّ ِ نأ ْ م ِح َ ما ي َن ْب َِغي ِللّر ْ دا وَ َ ن وَل ً م ِح َ وا ِللّر ْ ن د َعَ ْ دا أ ْ ل هَ ّ خّر ال ِ وَت َ ِ
دا َ َ كُ ّ
م عَ ّ م وَعَد ّهُ ْ صاهُ ْ ح َ قد ْ أ ْ دا ل َ ن عَب ْ ً م ِ ح َ ض ِإل آِتي الّر ْ ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َ ن ِفي ال ّ م ْ ل َ
مةِ فَْرًدا { ] مريم .[ 95 - 88 : قَيا َ م ال ْ ِ م آِتيهِ ي َوْ َ وَك ُل ّهُ ْ
__________
) (1في ت ،أ " :عليم بهم".
) (2في ت ،أ " :ول".
) (3في ت " :ويعتبرون".
) (4في ت " :أيقولون".
) (4/282
ثم توعد تعالى الكاذبين عليه المفترين ،ممن زعم أنه له ولدا ،بأنهم ل
يفلحون في الدنيا ول في الخرة ،فأما في الدنيا فإنهم إذا استدرجهم وأملى
مَتاع ٌ ِفيلهم متعهم قليل ثم يضطرهم إلى عذاب غليظ ،كما قال ها هنا َ } :
م { أي :يوم القيامة } ،ث ُ ّ
م جعُهُ ْ م إ ِل َي َْنا َ
مْر ِ الد ّن َْيا { أي :مدة قريبة } ،ث ُ ّ
ن { أي : فُرو َ ْ َ
ما كاُنوا ي َك ُ
ديد َ { أي :الموجع المؤلم } ب ِ َ ب ال ّ
ش ِ م ال ْعَ َ
ذا َ قهُ ُ
ذي ُ
نُ ِ
بسبب كفرهم وافترائهم وكذبهم على الله ،فيما ادعوه من الفك والزور.
) (4/283
ري كي ِ مي وَت َذ ْ ِ قا ِ م َم َ ن ك َب َُر عَل َي ْك ُ ْ كا َ ن َ مهِ َيا قَوْم ِ إ ِ ْ قو ْ ِ م ن َب َأ َ ُنوٍح إ ِذ ْ َقا َ
ل لِ َ ل عَل َي ْهِ ْ َوات ْ ُ
َ َ َ
مُرك ُ ْ
م نأ ْم َل ي َ َك ُ ْ م ثُ ّ كاَءك ُ ْ شَر َ م وَ ُ مَرك ُ ْ مُعوا أ ْ ج ِ ت فَأ ْ ت الل ّهِ فَعََلى الل ّهِ ت َوَك ّل ْ ُ ب ِآ ََيا ِ
ة ث ُم اقْضوا إل َي وَل تنظرون ) (71فَإن تول ّيتم فَما سأل ْتك ُم م َ
ر
ج ٍنأ ْ ِ ْ َ َ ُْ ْ َ َ ُ ْ ِ ْ ِ ّ َ ُْ ُِ ِ ُ م ً ّ م غُ ّ عَل َي ْك ُ ْ
جي َْناهُ ن ) (72فَك َذ ُّبوه ُ فَن َ ّ مي َسل ِ ِم ْ ن ال ْ ُم َ ن ِ كو َ ن أَ ُ تأ ْ
َ
مْر ُ
ُ
جرِيَ إ ِّل عََلى الل ّهِ وَأ ِ نأ ْ
إ َ
ِ ْ
َ ُ َ َ ّ َ َ ْ ْ ْ
فن كذ ُّبوا ب ِآَيات َِنا َفان ْظْر كي ْ َ ذي َ ف وَأغَْرقَْنا ال ِ خلئ ِ َ م َ جعَلَناهُ ْ ك وَ َ فل ِ ه ِفي ال ُ معَ ُ ن َ م ْوَ َ
ن )(73 من ْذ َِري َ ْ
ة ال ُعاقِب َ ُ ن َ كا َ َ
مي قا ِم َم َ ن ك َب َُر عَل َي ْك ُ ْ كا َ ن َ مهِ َيا قَوْم ِ إ ِ ْ قو ْ ِل لِ َ م ن َب َأ َ ُنوٍح إ ِذ ْ َقا َل عَل َي ْهِ ْ} َوات ْ ُ
َ َ
م ل َ ي َك ُ ْ
ن م ثُ ّ كاَءك ُ ْ شَر َ م وَ ُ مَرك ُ ْ مُعوا أ ْ ج ِت فَأ ْ ت الل ّهِ فَعََلى الل ّهِ ت َوَك ّل ْ ُ ري ِبآَيا ِ كي ِ وَت َذ ْ ِ
َ
سأل ْت ُك ُ ْ
م ما َ م فَ َ ن ت َوَل ّي ْت ُ ْن ) (71فَإ ِ ْ ي َول ت ُن ْظ ُِرو ِ ضوا إ ِل َ ّ
م اق ْ ُ ة ثُ ّ
م ًم غُ ّ م عَل َي ْك ُ ْمُرك ُ ْ أ ْ
ن ) (72فَك َذ ُّبوهُ مي َ سل ِ ِ م ْ ن ال ْ ُ م َ ن ِ كو َ ن أَ ُ تأ ْ
َ
مْر ُ
ُ
جرِيَ ِإل عََلى الل ّهِ وَأ ِ
من أ َجر إ َ
نأ ْ ِ ْ ْ ٍ ِ ْ
خلئ ِ َ َ
ن ك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا ذي َف وَأغَْرقَْنا ال ّ ِ م َ جعَل َْناهُ ْ ك وَ َ فل ْ ِ ه ِفي ال ْ ُ معَ ُ ن َ م ْ جي َْناه ُ وَ َ فَن َ ّ
ن ){ (73 من ْذ َِري َ ة ال ْ ُ عاقِب َ ُ ن َ كا َ ف َ َفان ْظ ُْر ك َي ْ َ
م { أي :أخبرهم ل عَل َي ْهِ ْ يقول تعالى لنبيه ،صلوات الله وسلمه عليه َ } :وات ْ ُ
َ
واقصص عليهم ،أي :على كفار مكة الذين يكذبونك ويخالفونك } ن َب َأ ُنوٍح {
مرهم بالغرق أجمعين أي :خبره مع قومه الذين كذبوه ،كيف أهلكهم الله ود َ ّ
عن آخرهم ،ليحذر هؤلء أن يصيبهم من الهلك والدمار ما أصاب أولئك.
مي { قا ِ م َ ظم عليكم َ } ، م { أي :عَ ُ ن ك َب َُر عَل َي ْك ُ ْ كا َ ن َ مهِ َيا قَوْم ِ إ ِ ْ قو ْ ِ ل لِ َ } إ ِذ ْ َقا َ
ت اللهِ { أي :بحججه ّ ري { إياكم } ِبآَيا ِ كي ِ أي فيكم بين أظهركم } ،وَت َذ ْ ِ
ت { أي :فإني ل أبالي ول أكف عنكم ) (1سواء وبراهينه } ،فَعََلى الل ّهِ ت َوَك ّل ْ ُ
َ َ
م { أي :فاجتمعوا أنتم كاَءك ُ ْ
شَر َ م وَ ُ مَرك ُ ْ مُعوا أ ْ ج ِ عظم عليكم أو ل! } فَأ ْ
وشركاؤكم الذين تدعون من دون الله ،من صنم ووثن } ،ث ُم ل يك ُ َ
مُرك ُ ْ
م نأ ْ َ ْ ّ َ َ
ة { أي :ول تجعلوا أمركم عليكم ملتبسا ،بل افصلوا حالكم م ً م غُ ّ عَل َي ْك ُ ْ
معي ،فإن كنتم تزعمون أنكم محقون ،فاقضوا إلي ول تنظرون ،أي :ول
تؤخروني ساعة واحدة ،أي :مهما قدرتم فافعلوا ،فإني ل أباليكم ) (2ول
شهِد ُ أخاف منكم ،لنكم لستم على شيء ،كما قال هود لقومه } :إ ِّني أ ُ ْ
َ
ن
م ل ت ُن ْظ ُِرو ِ ميًعا ث ُ ّ ج ِدوِني َ كي ُن ُدون ِهِ فَ ِ م ْن ِ كو َ شرِ ُ ما ت ُ ْ م ّ ريٌء ِ دوا أّني ب َ ِ شهَ ُ ه َوا ْ الل ّ َ
ن َرّبي عََلى صي َت َِها إ ِ ّ خذ ٌ ب َِنا ِ ن َداب ّةٍ ِإل هُوَ آ ِ م ْ ما ِ م َ ت عََلى الل ّهِ َرّبي وََرب ّك ُ ْ إ ِّني ت َوَك ّل ْ ُ
قيم ٍ { ] هود .[ 56 - 54 : ست َ ِ م ْ ط ُ صَرا ٍ ِ
جرٍ { َ أ ن م م ُ ك ت ْ لَ أس ما َ ف } ، الطاعة عن وأدبرتم كذبتم : أي { م ّ َ
َ َ ُ ْ ِ ْ ْ } ِ ْ َ َ ُْ ْ
ت ي ل و ت ن إ ف
َ
جرِيَ ِإل عََلى الل ّ ِ
ه نأ ْ أي :لم أطلب منكم على نصحي إياكم شيئا } ،إ ِ ْ
ن { أي :وأنا ممتثل ما أمرت به مي َ سل ِ ِ م ْ ن ال ْ ُ م َ ن ِ كو َ ن أَ ُ تأ ْ
َ
مْر ُ
ُ
وَأ ِ
__________
) (1في ت ،أ " :ول أفكر عنكم".
) (2في ت ،أ " :أبالكم".
) (4/283
ما ما َ
كاُنوا ل ِي ُؤْ ِ
مُنوا ب ِ َ م ِبال ْب َي َّنا ِ
ت فَ َ م فَ َ
جاُءوهُ ْ مهِ ْ سًل إ َِلى قَوْ ِ
ن ب َعْدِهِ ُر ُ
م ْم ب َعَث َْنا ِ
ثُ ّ
ن )(74 دي َ معْت َ ِ ْ
ب ال ُ ُ ُ َ ْ َ َ
ن قب ْل كذ َل ِك ن َطب َعُ عَلى قلو ُِ َ م ْك َذ ُّبوا ب ِهِ ِ
من السلم لله عز وجل ،والسلم هو دين ]جميع[ ) (1النبياء من أولهم إلى
ل آخرهم ،وإن تنوعت شرائعهم وتعددت مناهلهم ،كما قال تعالى } :ل ِك ُ ّ
جا { ] المائدة .[ 48 :قال ابن عباس :سبيل وسنة. من َْها ً ة وَ ِشْرعَ ً م ِ من ْك ُ ْ جعَل َْنا ِ َ
ن { ] النمل ، [ 91 :وقال ْ ُ َ َ ُ
مي َ سل ِ ِ
م ْ ن ال ُ م َ ن ِ ن أكو َ تأ ْ مْر ُ فهذا نوح يقول } :وَأ ِ
ن َ ْ َ َ َ
م قا َ َ َ َ
تعالى عن إبراهيم الخليل } :إ ِذ ْ قا َ
مي َ ب الَعال ِ ت ل َِر ّ م ُ سل ْ لأ ْ سل ِ ْ هأ ْ ه َرب ّ ُ لل ُ
ن
موت ُ ّ ن فل ت َ ُ َ دي َ م ال ّ ُ
فى لك ُ َ صط ََ ها ْ ّ
ن الل َ ي إِ ّ ب َياب َن ِ ّ قو ُ م ب َِنيهِ وَي َعْ ُ هي ُ
صى ب َِها إ ِب َْرا ِ وَوَ ّ
َ َ
ب قد ْ ن { ] البقرة ، [ 132 ، 131 :وقال يوسف َ } :ر ّ مو َ سل ِ ُ م ْ م ُ إل وَأن ْت ُ ْ
ت ن آ ِتيتِني من ال ْمل ْك وعَل ّمتِني من تأ ْويل الحاديث َفاطر السماوات والرض أ َ
ّ َ َ ِ َ ْ ِ ْ َ َِ َ ِ ِ ِ ْ َ ِ ِ ُ ِ َ ْ َ ِ َ ََْ
ن { ] يوسف 101 : حي لصا بال ني ْ ق ح ْ لَ أ و ما ل س م ني ّ ف و ت ة ر خ وال يا ن د ال في يي
ُ ْ ِ ً َ ِ ِ ِ ّ ِ ِ َ َّْ َ ِ َ ِ َ َ ِ ِ وَل ِ ّ
ن ك ُن ْت ُ ْ
م م ِبالل ّهِ فَعَل َي ْهِ ت َوَك ُّلوا إ ِ ْ من ْت ُ ْمآ َ ن ك ُن ْت ُ ْ سى } َيا قَوْم ِ إ ِ ْ مو َ ل ُ [ .وََقا َ
َ
صب ًْرا ن { ] يونس .[ 84 :وقالت ) (2السحرة َ } :رب َّنا أفْرِغ ْ عَل َي َْنا َ مي َ سل ِ ِ م ْ ُ
ت ْ ُ م َ لَ ظ ني ّ إ
َ ّ ِب ر } : لقيس ْ ب وقالت [. 126 : العراف ] { ن
َ ميِ ِ ل س
ُ ْ م ناَ ّ ف وَ َ
و َ ت
ن { ] النمل .[ 44 :وقال ]الله[ َ ْ ّ َ َ َ
مي َ ب الَعال ِ ن ل ِلهِ َر ّ ما َ سلي ْ َ مع َ ُ ت َ م ُ سل ْ سي وَأ ْ ف ِ نَ ْ
) (3تعالى } :إنا َأنزل ْنا التوراة َ فيها هُدى ونور يحك ُم بها النبيون ال ّذي َ
موا سل َ ُ نأ ْ ِ َ ِّّ َ َُ ٌ َ ْ ُ َِ ً ِ َ ّ َْ َ ِّ
َ ْ َ َ
مُنوا ِبي نآ ِ نأ ْ وارِّيي َح َت إ ِلى ال َ حي ْ ُ { ] المائدة ، [ 44 :وقال تعالى } :وَإ ِذ ْ أوْ َ
َ
ن { ] المائدة [ 111 :وقال خاتم مو َ سل ِ ُ م ْ شهَد ْ ب ِأن َّنا ُ مّنا َوا ْ سوِلي َقاُلوا آ َ وَب َِر ُ
ب ر ه ّ لل تي
َ َ ْ َ َ َ َ َ ِ ِ ِ َ ّ ما م و ي يا ح م و كي س
َُ ُ ِ ن و تي صل
ِ ّ َ ِ ن إ ْ
ل ُ ق } : البشر وسيد الرسل
ْ َ َ ك ل َه وبذ َل ِ َ ُ
ن { ] النعام ، 162 : مي
ُ ْ ِ ِ َ ل س م ل ا ل ُ ت وَ َ ّ
و أ نا أ مْر ُ كأ ِ ري َ ُ َ ِ ش ِ نل َ مي َ ال َْعال َ ِ
[ 163أي :من هذه المة ؛ ولهذا قال في الحديث الثابت عنه " :نحن
علت ،ديننا واحد" ) (4أي :وهو عبادة الله وحده ل معاشر النبياء أولد َ
شريك له ،وإن تنوعت شرائعنا ،وذلك معنى قوله " :أولد علت" ،وهم :
الخوة من أمهات شتى والب واحد.
كفل ِْ ْ
ه { ) (5أي :على دينه } ِفي ال ُ معَ ُ ن َ م ْ جي َْناه ُ وَ َ وقوله تعالى } :فَك َذ ُّبوه ُ فَن َ ّ
َ
ن
ذي َ ف { أي :في الرض } ،وَأغَْرقَْنا ال ّ ِ خلئ ِ َ م َ جعَل َْناهُ ْ { وهي :السفينة } ،وَ َ
ن { أي :يا محمد كيف أنجينا من ْذ َِري َ ة ال ُْ عاقِب َ ُ ن َ ف كا َ َ ك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا َفان ْظ ُْر ك َي ْ َ
المؤمنين ،وأهلكنا المكذبين.
مامُنوا ب ِ َ ما كاُنوا ل ِي ُؤْ ِ َ َ
تف َ ْ
م ِبالب َي َّنا ِ جاُءوهُ ْ مف َ َ مهِ ْ سل إ َِلى قوْ ِ
َ ن ب َعْدِهِ ُر ُ م ْ م ب َعَث َْنا ِ} ثُ ّ
ن ){ (74 دي َ معْت َ ِ ْ
ب ال ُ ُ ُ َ
ن قب ْل كذ َل ِك ن َطب َعُ عَلى قلو ِ ْ َ َ ُ َ م ْ ك َذ ُّبوا ب ِهِ ِ
يقول تعالى :ثم بعثنا من بعد نوح رسل إلى قومهم ،فجاءوهم بالبينات ،
مُنوا كاُنوا ل ِي ُؤ ِْ ما َ أي :بالحجج والدلة والبراهين على صدق ما جاءوهم به } ،فَ َ
ل { أي :فما كانت المم لتؤمن بما جاءتهم به رسلهم ، ن قَب ْ ُ م ْ ما ك َذ ُّبوا ب ِهِ ِ بِ َ
بقل ّ ُبسبب تكذيبهم إياهم أول ما أرسلوا إليهم ،كما قال تعالى } :وَن ُ َ
مّرةٍ { ] النعام .[ 110 : ل َ مُنوا ب ِهِ أ َوّ َ م ي ُؤْ ِ ما ل َ ْ م كَ َ صاَرهُ ْ
َ
م وَأب ْ َ
َ
أفْئ ِد َت َهُ ْ
ن { أي :كما طبع الله على قلوب دي َ معْت َ ِ ب ال ْ ُ ك ن َط ْب َعُ عََلى قُُلو ِ وقوله } :ك َذ َل ِ َ
هؤلء ،فما آمنوا
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2في ت ،أ " :وقال".
) (3زيادة من ت ،أ.
) (4رواه البخاري في صحيحه برقم ) (3443من حديث أبي هريرة رضي
الله عنه.
) (5في ت ،أ " :والذين"
) (4/284
َ
كاُنوا مل َئ ِهِ ب ِآَيات َِنا َفا ْ
ست َك ْب َُروا وَ َ ن وَ َ ن إ َِلى فِْرعَوْ َ هاُرو َ سى وَ َ مو َ م ُ ن ب َعْدِهِ ْ م ْ م ب َعَث َْنا ِ ثُ ّ
ن) مِبي ٌحٌر ُ س ْ َ
ذا ل ِ ن هَ َ ُ
عن ْدَِنا َقالوا إ ِ ّ ن ِ م ْ حق ّ ِ ْ
م ال َ جاَءهُ ُ ما َ َ
ن ) (75فَل ّ مي َ جرِ ِم ْما ُ قَوْ ً
َ َ َ ْ ُ َ
ن) حُرو َ سا ِ ح ال ّ فل ِ ُ
ذا وَل ي ُ ْ حٌر هَ َ س ْ مأ ِ جاَءك ُ ْ ما َ حق ّ ل ّ ن ل ِل َقولو َ سى أت َ ُ مو َ ل َُ (76قا َ
َ ْ ْ َ َ َ ْ َ
ض
ما الك ِب ْرَِياُء ِفي الْر ِ ن لك ُ َ كو َ جد َْنا عَلي ْهِ آَباَءَنا وَت َ ُ ما وَ َ فت ََنا عَ ّ جئ ْت ََنا ل ِت َل ِ َ (77قاُلوا أ ِ
ن )(78 مِني َ مؤ ْ ِ
ما ب ِ ُ ن ل َك ُ َ ح ُما ن َ ْ وَ َ
بسبب تكذيبهم المتقدم ،هكذا يطبع الله على قلوب من أشبههم ممن بعدهم
،ويختم على قلوبهم ،فل يؤمنوا حتى يروا العذاب الليم.
والمراد :أن الله تعالى أهلك المم المكذبة للرسل ،وأنجى ) (1من آمن
بهم ،وذلك من بعد نوح ،عليه السلم ،فإن الناس كانوا من قبله من )(2
زمان آدم عليه السلم على السلم ،إلى أن أحدث الناس عبادة الصنام ،
فبعث الله إليهم نوحا ،عليه السلم ؛ ولهذا يقول له المؤمنون يوم القيامة :
أنت أول رسول بعثه الله إلى أهل الرض.
وقال ابن عباس :كان بين آدم ونوح عشرة قرون ،كلهم على السلم.
ن ال ْ ُ وقال الله تعالى } :وك َ َ
بك ب ِذ ُ ُ ِ
نو فى ب َِرب ّ َ ن ب َعْد ِ ُنوٍح وَك َ َ م ْ ن ِ قُرو ِ م َ م أهْل َك َْنا ِ َ ْ
صيًرا { ] السراء ، [ 17 :وفي هذا إنذار عظيم لمشركي خِبيًرا ب َ ِ عَبادِهِ َ ِ
العرب الذين كذبوا بسيد الرسل وخاتم النبياء والمرسلين ،فإنه إذا كان قد
كال ،فماذا أصاب من كذب بتلك الرسل ما ذكره الله تعالى من العقاب والن ّ َ
) (3ظن هؤلء وقد ارتكبوا أكبر من أولئك ؟
ست َك ْب َُروا ملئ ِهِ ِبآَيات َِنا َفا ْ َ ن وَ َ ن إ َِلى فِْرعَوْ َ هاُرو َ سى وَ َ مو َ م ُ ن ب َعْدِهِ ْ م ْ م ب َعَث َْنا ِ } ثُ ّ
حٌر س ْ ذا ل ِ َ ن هَ َ ُ
عن ْدَِنا َقالوا إ ِ ّ ن ِ م ْ حق ّ ِ ْ
م ال َ جاَءهُ ُ ما َ َ
ن ) (75فَل ّ مي َ جرِ ِ م ْ ما ُ كاُنوا قَوْ ً وَ َ
َ َ
ح فل ِ ُ ذا َول ي ُ ْ حٌر هَ َ س ْ مأ ِ جاَءك ُ ْ ما َ حق ّ ل َ ّ ن ل ِل ْ َ قوُلو َ سى أت َ ُ مو َ ل ُ ن )َ (76قا َ مِبي ٌ ُ
ُ َ ُ َ ْ َ ُ
ما ن لك َ جد َْنا عَلي ْهِ آَباَءَنا وَت َكو َ ما وَ َ فت ََنا عَ ّ جئ ْت ََنا ل ِت َل ِ ن )َ (77قالوا أ ِ حُرو َ سا ِ ال ّ
ن ){ (78 مِني َ مؤ ْ ِ ما ب ِ ُ ن لك َُ َ ح ُ ما ن َ ْ ض وَ َ ْ
الك ِب ْرَِياُء ِفي الْر ِ
ن إ َِلى فِْرعَوْ َ
ن هاُرو َ سى وَ َ مو َ م ب َعَث َْنا { من بعد تلك الرسل } ُ يقول تعالى } :ث ُ ّ
ست َكب َُروا ْ َ
ججنا وبراهيننا } ،فا ْ مل َئ ِهِ { أي :قومهِ } (4) .بآَيات َِنا { أي :ح َ وَ َ
ما َ َ
ن { أي :استكبروا عن اتباع الحق والنقياد له } ،فل ّ مي َ جرِ ِ م ْ ما ُ َ
وَكاُنوا قوْ ً َ
ن { كأنهم -قّبحهم الله - بي م
ِ ْ ٌ ُ ِ ٌ ر ح س َ ل َ
ذا ه
ِ ّ َ ن إ لوا ُ قا َ نا
ح ّ ِ ْ ِ ْ َِ
د نع ن م ق م ال ْ َ جاَءهُ ُ َ
أقسموا على ذلك ،وهم يعلمون أن ما قالوه كذب وبهتان ،كما قال تعالى :
ة
عاقِب َ ُ ن َ كا َ ف َ وا َفان ْظ ُْر ك َي ْ َ ما وَعُل ُ ّ م ظ ُل ْ ً سهُ ْ ف ُ قن َت َْها أ َن ْ ُ ست َي ْ َ دوا ب َِها َوا ْ ح ُ ج َ } وَ َ
ن { ] النمل .[14 : دي َ س ِ ف ِ م ْ ال ْ ُ
َ َ ْ ُ َ َ
حٌر س ْ مأ ِ جاَءك ُ ْ ما َ حق ّ ل ّ ن ل ِل َ قولو َ سى { منكرا عليهم } :أت َ ُ مو َ ل { لهم } ُ } قَا َ
َ ْ َ ُ
ه
جد َْنا عَلي ْ ِ ما وَ َ فت ََنا { أي :تثنينا } عَ ّ جئ ْت ََنا ل ِت َل ِ ن َقالوا أ ِ حُرو َ سا ِ ح ال ّ فل ِ ُ ذا َول ي ُ ْ هَ َ
ما { أي :لك ولهارون ُ
ن لك َ َ ُ
دين الذي كانوا عليه } ،وَت َكو َ آَباَءَنا { أي :ال ّ
ن {. مِني َ مؤ ْ ِ ما ب ِ ُ ُ
ن لك َ َ ح ُما ن َ ْ ض وَ َ ْ
} الك ِب ْرَِياء { أي :العظمة والرياسة } ِفي الْر ِ
وكثيًرا ما يذكر الله تعالى قصة موسى ،عليه السلم ،مع فرعون في كتابه
حذر من موسى كل )(5 العزيز ؛ لنها من أعجب القصص ،فإن فرعون َ
ذر الحذر ،فسخره القدر أن َرّبى هذا الذي ُيح ّ
__________
) (1في ت ،أ " :ونجى".
) (2في ت ،أ " :إلى".
) (3في ت ،أ " :فما".
) (4في ت ،أ " :أي إلى قومه".
) (5في أ " :من".
) (4/285
منه على فراشه ومائدته بمنزلة الولد ،ثم ترعرع وعقد الله له سببا أخرجه
من بين أظهرهم ،ورزقه النبوة والرسالة والتكليم ،وبعثه إليه ليدعوه إلى
الله تعالى ليعبده ) (1ويرجع إليه ،هذا ما كان عليه فرعون من عظمة
المملكة والسلطان ،فجاءه برسالة الله ،وليس له وزير سوى أخيه هارون
عليه ) (2السلم ،فتمرد فرعون واستكبر وأخذته الحمية ،والنفس الخبيثة
البية ،وقوى رأسه وتوّلى بركنه ،وادعى ما ليس له ،وتجهرم على الله ،
وعتا وبغى وأهان حزب اليمان من بني إسرائيل ،والله تعالى يحفظ رسوله
موسى وأخاه هارون ،ويحوطهما ،بعنايته ،ويحرسهما بعينه التي ل تنام ،
ولم تزل ) (3المحاجة والمجادلة واليات تقوم على يدي موسى شيئا ) (4بعد
شيء ،ومرة ) (5بعد مرة ،مما يبهر العقول ويدهش اللباب ،مما ل يقوم
له شيء ،ول يأتي به إل من هو مؤيد من الله ،وما تأتيهم من آية إل هي
مَلؤه -قبحهم الله -على التكذيب بذلك كله أكبر من أختها ،وصمم فرعون وَ َ
،والجحد والعناد والمكابرة ،حتى أحل الله بهم بأسه الذي ل ي َُرد ،وأغرقهم
هّ
مد ُ ل ِل ِ موا َوال ْ َ
ح ْ ن ظ َل َ ُ قوْم ِ ال ّ ِ
ذي َ قط ِعَ َداب ُِر ال ْ َ
في صبيحة ) (6واحدة أجمعين } ،فَ ُ
ن { ] النعام .[ 45 : ب ال َْعال َ ِ
مي َ َر ّ
__________
) (1في ت ،أ " :فيعبده".
) (2في ت ،أ " :عليهما".
) (3في ت " :ولم يزل".
) (4في ت " :شيء".
) (5في ت " :وكره".
) (6في ت " :صيحة".
) (4/286
ل ل َهُ ْ
م حَرةُ َقا َ س َجاَء ال ّما َ حرٍ عَِليم ٍ ) (79فَل َ ّ سا ِ
ل َ ن ائ ُْتوِني ب ِك ُ ّ ل فِْرعَوْ ُ وََقا َ
َ
ما أل ْ َ َ َ
حُر
س ْ
م ب ِهِ ال ّ جئ ْت ُ ْ
ما ِ سى َ مو َل ُ وا َقا َ ق ْ ن ) (80فَل َ ّ قو َ مل ْ ُ م ُ ما أن ْت ُ ْ قوا َ سى أل ْ ُ مو َ ُ
ق
َ ّح ْ لا ه
ُ ّ ل ال ق ح
ِ
َُ ّ ي و ( 81 ) ن
َ دي
ِ س
ِ ْ ف م
ُ ْ لا َ
ل م
َ َ ع ح ِ ل
ُ ْ ُص ي َ
ل ه
َ ّ ل ال ن إ
ُ ِ ّ هُ لِ ط ب ي س
َ َ ُْ هّ ل ال نإِ ّ
ن )(82 مو َ جرِ ُ م ْ ْ َ
مات ِهِ وَلوْ ك َرِهَ ال ُ ب ِك َل ِ َ
ل ل َهُ ْ
م حَرةُ َقا َ س َ جاَء ال ّ ما َ حرٍ عَِليم ٍ ) (79فَل َ ّ سا ِ ل َ ن ائ ُْتوِني ب ِك ُ ّ ل فِْرعَوْ ُ } وََقا َ
َ
ما أل ْ َ َ َ
حُر س ْ م ب ِهِ ال ّ جئ ْت ُ ْ ما ِ سى َ مو َ ل ُ وا َقا َق ْ ن ) (80فَل َ ّ قو َ مل ْ ُ م ُ ما أن ْت ُ ْ قوا َ سى أل ْ ُ مو َ ُ
ق
َ ّ ح ْ لا ه
ُ ّ ل ال ق
َُ ِ ّ ح ي و ( 81 ) ن دي
ُ ِ ِ َ س ْ ف م ْ ل ا َ
ل م
َ َ ع ح ل
ُ ْ ِ ُ ص ي ل ه
َ ّ ل ال ن إ ه
َ َ ُْ ِ ُ ِ ُّ ل ط ب ي س هّ ل ال ن إِ ّ
ن ){ (82 مو َ جرِ ُ م ْ مات ِهِ وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ ُ ب ِك َل ِ َ
ذكر تعالى ) (1قصة السحرة مع موسى ،عليه السلم ،في سورة
العراف ،وقد تقدم الكلم عليها هناك .وفي هذه السورة ،وفي سورة طه ،
وفي الشعراء ؛ وذلك أن فرعون -لعنه الله -أراد أن ي َت َهَّرج على الناس ،
ويعارض ما جاء به موسى ،عليه السلم ،من الحق المبين ،بزخارف )(2
كس عليه النظام ،ولم يحصل له ذلك المرام ، السحرة والمشعبذين ،فانع َ
ُ
حَرةُ س َي ال ّ ق َ وظهرت ) (3البراهين اللهية في ذلك المحفل العام ،و } فَأل ْ ِ
ن { ] الشعراء - 46 : هاُرو َ سى وَ َ مو َ ب ُ ن َر ّ مي َ ب ال َْعال َ ِ مّنا ب َِر ّ ن َقاُلوا آ َ دي َ ج ِ سا ِ َ
حار ،على رسول عالم السرار ، [ 48فظن فرعون أن ) (4يستنصر بالس ّ
فخاب وخسر الجنة ،واستوجب النار.
سى مو َ م ُ َ
حَرةُ قال لهُ ْ َ َ س َ جاَء ال ّ ما َ َ َ
حرٍ عَِليم ٍ فل ّ سا ِ ل َ ن ائ ُْتوِني ب ِك ُ ّ ل فِْرعَوْ ُ } وََقا َ
ن { ) (5؛ وإنما قال لهم ذلك لنهم اصطفوا -وقد وعدوا مل ْ ُ َ أ َل ْ ُ
قو َ م ُ ما أن ْت ُ ْ قوا َ
َ َ
ن
ما أ ْ ي وَإ ِ ّ ق َ ن ت ُل ْ ِ ما أ ْ سى إ ِ ّ مو َ من فرعون بالتقريب والعطاء الجزيل َ } -قاُلوا َيا ُ
قوا { ] طه ، [ 66 ، 65 :فأراد موسى أن ل أ َل ْ ُ ل بَ ْ قى َقا َ ن أ َل ْ َ م ْل َ ن أ َوّ َ كو َ نَ ُ
داءة منهم ،ليرى الناس ما صنعوا ،ثم يأتي بالحق بعده فيدمغ تكون الب َ َ
ر َ ْ َ
ح ٍ س ْ جاُءوا ب ِ ِ م وَ َ ست َْرهَُبوهُ ْ س َوا ْ ن الّنا ِ حُروا أعْي ُ َ س َ وا َ ق ْ
باطلهم ؛ ولهذا لما } أل َ
ظيم ٍ { ] العراف ، [ 116 : عَ ِ
__________
) (1في ت " :ذكر الله سبحانه"
) (2في أ " :من خوارق".
) (3في ت " :وأظهرت".
) (4في ت " :أنه".
) (5في ت " :سحار".
) (4/286
) (4/287
وفي هذا نظر ؛ لنه أراد بالذرية الحداث والشباب ) (1وأنهم من بني
إسرائيل ،فالمعروف أن بني إسرائيل كلهم آمنوا بموسى ،عليه السلم ،
واستبشروا به ،وقد كانوا يعرفون نعته وصفته والبشارة به من كتبهم
المتقدمة ،وأن الله تعالى سينقذهم به من أسر فرعون ويظهرهم عليه ؛
جد عنه شيئا .ولما جاء موسى ذر كل الحذر فلم ي ُ ْ ح َ ولهذا لما بلغ هذا فرعون َ
ْ َ ُ ُ
ما
ن ب َعْد ِ َ م ْ ن ت َأت ِي ََنا وَ ِ لأ ْ ن قَب ْ ِم ْ آذاهم فرعون ) (2أشد الذى ،و } َقالوا أوِذيَنا ِ
َ ُ ُ ل عَسى ربك ُ َ
فض فَي َن ْظَر كي ْ َ م ِفي الْر ِ فك ْ خل ِ َ ست َ ْ م وَي َ ْ ك عَد ُوّك ُ ْ ن ي ُهْل ِ َ مأ ْ َ ّ ْ َ جئ ْت ََنا َقا َ ِ
ن { ] العراف .[129 :وإذا تقرر هذا فكيف يكون المراد إل ذرية من مُلو َ ت َعْ َ
قوم موسى ،وهم بنو إسرائيل ؟.
م { أي :وأشراف قومهم أن يفتنهم ،ولم مل َئ ِهِ ْ ن وَ َ ن فِْرعَوْ َ م ْ ف ِ خو ْ ٍ } عََلى َ
ن عن اليمان سوى قارون ،فإنه يكن في بني إسرائيل من يخاف منه أن َيفت ِ َ
كان من قوم موسى ،فبغى عليهم ؛ لكنه كان طاويا ) (3إلى فرعون ،متصل
م { عائد مل َئ ِهِ ْ به ،متعلقا بحباله ) (4ومن قال :إن الضمير في قوله } :وَ َ
إلى فرعون ،وعظم الملك ) (5من أجل اتباعه أو بحذف "آل" فرعون ،
وإقامة المضاف إليه مقامه -فقد أبعد ،وإن كان ابن جرير قد حكاهما عن
بعض النحاة .ومما يدل على أنه لم يكن في بني إسرائيل إل مؤمن قوله
تعالى :
ن) مي َ سل ِ ِ م ْ م ُ ن ك ُن ْت ُ ْ ُ َ
م ِباللهِ فَعَلي ْهِ ت َوَك ّلوا إ ِ ْ ّ من ْت ُ ْمآ َ ن ك ُن ْت ُ ْ سى َيا قَوْم ِ إ ِ ْ مو َ ل ُ } وََقا َ
جَنا ن ) (85وَن َ ّ مي َ ّ
قوْم ِ الظال ِ ِ ْ
ة ل ِل َ ْ
جعَلَنا فِت ْن َ ً ْ
قالوا عَلى اللهِ ت َوَك ّلَنا َرب َّنا ل ت َ ْ ّ َ ُ (84فَ َ
ن ){ (86 ري َ َ ْ
قوْم ِ الكافِ ِ ْ
ن ال َ م َ ك ِ مت ِ َ ح َب َِر ْ
م ُ
ن كن ْت ُ ْ يقول تعالى مخبرا عن موسى أنه قال لبني إسرائيل َ } :يا قَوْم ِ إ ِ ْ
ن { أي :فإن الله كاف من توكل مي َ سل ِ ِ م ْ م ُ ن ك ُن ْت ُ ْ م ِبالل ّهِ فَعَل َي ْهِ ت َوَك ُّلوا إ ِ ْ من ْت ُ ْ
آ َ
هّ َ ّ
ن ي َت َوَك ْ َ ّ َ َ
ل عَلى الل ِ م ْ ف عَب ْد َه ُ { ] الزمر } ، [ 36 :وَ َ ه ب ِكا ٍ س الل ُ عليه } ،ألي ْ َ
ه { ] الطلق .[ 3 : سب ُ ُ ح ْ فَهُوَ َ
وكثيرا ما يقرن الله بين العبادة والتوكل ،كما في قوله تعالى َ } :فاعْب ُد ْهُ
مّنا ب ِهِ وَعَل َي ْهِ ت َوَك ّل َْنا { نآ َ م ُ ح َ ل هُوَ الّر ْ ل عَل َي ْهِ { ] هود } ، [ 123 :قُ ْ وَت َوَك ّ ْ
كيل { خذ ْه ُ وَ ِ ه ِإل هُوَ َفات ّ ِ ب ل إ ِل َ َ مغْرِ ِ ق َوال ْ َ شرِ ِ م ْ ب ال ْ َ ] الملك َ } ، [ 29 :ر ّ
] المزمل ، [ 9 :وأمر الله تعالى المؤمنين أن يقولوا في كل صلواتهم )(6
ن { ] الفاتحة .[ 5 : ست َِعي ُ ك نَ ْ ك ن َعْب ُد ُ وَإ ِّيا َ مرات متعددة } :إ ِّيا َ
جعَل َْنا فِت ْن َ ً
ة وقد امتثل بنو إسرائيل ذلك ،فقالوا } :عََلى الل ّهِ ت َوَك ّل َْنا َرب َّنا ل ت َ ْ
ن { أي :ل تظفرهم بنا ،وتسلطهم ) (7علينا ،فيظنوا أنهم مي َ ظال ِ ِ قوْم ال ّ ْ
ل ِل َ ِ
إنما سلطوا لنهم على الحق ونحن على الباطل ،
__________
) (1في ت " ،والشاب".
) (2في ت " :لفرعون".
) (3في ت " :طاويا".
) (4في ت " :بحاله".
) (5في ت " :للملك".
) (6في ت " :صلتهم".
) (7في ت " :أي يظفركم ويسلطهم".
) (4/288
) (4/289
) (4/290
ُ
ن )(89 ن َل ي َعْل َ ُ
مو َ ل ال ّ ِ
ذي َ سِبي َ ما وََل ت َت ّب َِعا ّ
ن َ قي َ
ست َ ِ ت د َعْوَت ُك ُ َ
ما َفا ْ ل قَد ْ أ ِ
جيب َ ْ َقا َ
ُ
ن ){ (89 مو َ ن ل ي َعْل َ ُ ل ال ّ ِ
ذي َ سِبي َ
ن َ ما َول ت َت ّب َِعا ّ قي َ ما َفا ْ
ست َ ِ ت د َعْوَت ُك ُ َ جيب َ ْ ل قَد ْ أ ِ } َقا َ
هذا إخبار من الله تعالى عما دعا به موسى ،عليه السلم ،على فرعون
مَلئه ،لما أبوا قبول الحق واستمروا على ضللهم وكفرهم معاندين جاحدين وَ َ
ة { أي : ن زي ه مل و ن و ع
َْ َ ِ ْ َ ْ َ َ َ ُ ِ َ ً ر ف ت يت آ َ
ك نإ
َ َّ ِّ نا بر } : قال ، وعتوا را
ً وتكب وعلوا ظلما ،
من أثاث الدنيا ومتاعها } ،وأموال { أي :جزيلة كثيرة ِ } ،في { هذه
ك { -بفتح الياء -أي :أعطيتهم ذلك سِبيل ِ َ
ن َ ضّلوا عَ ْ حَياةِ الد ّن َْيا َرب َّنا ل ِي َ ِ } ال ْ َ
وأنت تعلم أنهم ل يؤمنون بما أرسلتني به إليهم استدراجا منك لهم ،كما قال
م ِفيهِ { فت ِن َهُ ْتعالى } :ل ِن َ ْ
ضلوا { بضم الياء ،أي :ليفتتن بما أعطيتهم من شئت من ّ وقرأ آخرون } :ل ِي ُ ِ
خلقك ،ليظن من أغويته أنك إنما أعطيت هؤلء هذا لحبك إياهم )(1
واعتنائك بهم.
َ َ
م { قال ابن عباس ،ومجاهد :أي :أهلكها .وقال وال ِهِ ْ م َس عَلى أ ْ م ْ } َرب َّنا اط ْ ِ
الضحاك ،وأبو العالية ،والربيع بن أنس :جعلها الله حجارة منقوشة كهيئة ما
كانت.
وقال قتادة :بلغنا أن زروعهم تحولت حجارة.
سكرهم حجارة. ّ قَرظي :اجعل )ُ (2 وقال محمد بن كعب ال ُ
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث ،حدثنا يحيى بن أبي
شر ،حدثني محمد بن قيس :أن محمد بن كعب قرأ ب ُك َْير ،عن أبي َ
معْ َ
ن
ت فِْرعَوْ َ سى َرب َّنا إ ِن ّ َ
ك آت َي ْ َ مو َ سورة يونس على عمر بن عبد العزيز } :وََقا َ
ل ُ
َ
م { إلى آخرها ]فقال له :عمر يا وال ِهِ ْ س عََلى أ ْ
م َ م ْ مله ُ { إلى قوله } :اط ْ ِ وَ َ
أبا حمزة ) (3أي شيء الطمس ؟ قال :عادت أموالهم كلها حجارة[ )(4
فقال عمر بن عبد العزيز لغلم له :ائتني بكيس] .فجاءه بكيس[ ) (5فإذا
فيه حمص وبيض ،قد قطع حول حجارة.
م { قال ابن عباس :أي اطبع عليها َ } ،فل شد ُد ْ عََلى قُُلوب ِهِ ْوقوله َ } :وا ْ
م{ ب الِلي َ ذا َ ْ
حّتى ي ََرُوا العَ َ ي ُؤْ ِ
مُنوا َ
وهذه الدعوة كانت من موسى ،عليه السلم ،غضًبا لله ولدينه على فرعون
وملئه ،الذين تبين له
__________
) (1في ت ،أ " :لهم".
) (2في ت " :جعل".
) (3في ت " :يا أبا جمرة".
) (4زيادة من ت ،أ.
) (5زيادة من ت ،أ.
) (4/290
َ
حّتى إ َِذا جُنود ُه ُ ب َغًْيا وَعَد ًْوا َ ن وَ ُ م فِْرعَوْ ُ حَر فَأت ْب َعَهُ ْ ل ال ْب َ ْ سَراِئي َ جاوَْزَنا ب ِب َِني إ ِ ْ وَ َ
ن َ سَراِئي َ َ ّ ّ َ َ َ َ ه الغََرقُ َقا َ ْ َ َ
م َ ل وَأَنا ِ ت ب ِهِ ب َُنو إ ِ ْ من َ ْذي آ َ ه إ ِل ال ِ ه ل إ ِل َ ت أن ّ ُ من ْ ُلآ َ أد َْرك ُ
من )َ (91فال ْي َوْ َ دي َ
س ِف ِ م ْ ن ال ْ ُم َ ت ِ ل وَك ُن ْ َ ت قَب ْ ُ صي ْ َ ن وَقَد ْ عَ َ ن ) (90آ َْل َ َ مي َ سل ِ ِم ْ ال ْ ُ
ن آ ََيات َِنا ل ََغافُِلو َ
ن) س عَ ْ ن الّنا ِ م َ ن ك َِثيًرا ِ ة وَإ ِ ّ ك آ َي َ ً ف َخل ْ َن َ م ْ ن لِ َ كو َ ك ل ِت َ ُ
ك ب ِب َد َن ِ َ جي َ ن ُن َ ّ
(92
أنه ل خير فيهم ،ول يجيء منهم شيء كما دعا نوح ،عليه السلم ،فقال } :
ك َول ضّلوا ِ
عَباد َ َ م يُ ِ ن ت َذ َْرهُ ْ
ك إِ ْن د َّياًرا إ ِن ّ َ ري َكافِ ِن ال ْ َ م َ ض ِ َ
ب ل ت َذ َْر عَلى الْر ِ َر ّ
فاًرا { ]نوح [27 ، 26 :؛ ولهذا استجاب الله تعالى َ
جًرا ك ّ دوا ِإل َفا ِ ي َل ِ ُ
ن عليها أخوه م َ لموسى ،عليه السلم ،فيهم ) (1هذه الدعوة ،التي أ ّ
ُ
ما { ت د َعْوَت ُك ُ َ هارون ،فقال تعالى } :قَد ْ أ ِ
جيب َ ْ
قال أبو العالية ،وأبو صالح ،وعكرمة ،ومحمد بن كعب القرظي ،والربيع
ن هارون ،أي :قد أجبناكما فيما سألتما من تدمير م َ بن أنس :دعا موسى وأ ّ
آل فرعون.
وقد يحتج بهذه الية من يقول " :إن تأمين المأموم على قراءة الفاتحة ُينزل
منزلة ) (2قراءتها ؛ لن موسى دعا وهارون أمن".
ُ
نل ل ال ّ ِ
ذي َ سِبي َ
ن َما ]َول ت َت ّب َِعا ّ قي َ ما َفا ْ
ست َ ِ ت د َعْوَت ُك ُ َ جيب َ ْل قَد ْ أ ِ
وقال تعالى َ } :قا َ
ن [ { ) (3أي :كما أجيبت دعوتكما فاستقيما على أمري. مو َ ي َعْل َ ُ
ما { فامضيا لمري ،وهي قي َ ست َ ِجَرْيج ،عن ابن عباس َ } :فا ْ قال ابن ُ
الستقامة .قال ابن جريج :يقولون :إن فرعون مكث بعد هذه الدعوة
أربعين سنة.
وقال محمد بن علي بن الحسين :أربعين يوما.
َ
حّتى إ َِذا جُنود ُه ُ ب َغًْيا وَعَد ًْوا َ ن وَ ُ م فِْرعَوْ ُ حَر فَأت ْب َعَهُ ْ ل ال ْب َ ْ سَراِئي َ جاوَْزَنا ب ِب َِني إ ِ ْ } وَ َ
َ ّ َ َ ْ َ
ن
م َ َ
سَراِئيل وَأَنا ِ ت ب ِهِ ب َُنو إ ِ ْ من َ ْ ذي آ َ ه ِإل ال ِ ه ل إ ِل َ ت أن ّ ُ من ْ ُ َ َ
ه الغََرقُ قال آ َ أد َْرك َ ُ
ن )َ (91فال ْي َوْ َ
م دي َس ِف ِ م ْن ال ْ ُ م َ ت ِ ل وَك ُن ْ َ ت قَب ْ ُ صي ْ َ ن وَقَد ْ عَ َ ن ) (90آل َ مي َ سل ِ ِ م ْ ال ْ ُ
ن) ن آَيات َِنا ل ََغافُِلو َ س عَ ْ ن الّنا ِ م َ ن ك َِثيًرا ِ ة وَإ ِ ّ ك آي َ ً ف َ خل ْ َ ن َ م ْ ن لِ َ كو َ ك ل ِت َ ُ
ك ب ِب َد َن ِ َ جي َ ن ُن َ ّ
{ (92
يذكر تعالى كيفية إغراقه فرعون وجنوده ؛ فإن بني إسرائيل لما خرجوا من
مصر صحبة موسى ،عليه السلم ،وهم -فيما قيل -ستمائة ألف مقاتل
حل ِّيا كثيرا ،فخرجوا به معهم ، سوى الذرية ،وقد كانوا استعاروا من القبط ُ
حَنق فرعون عليهم ،فأرسل في المدائن حاشرين يجمعون له جنوده فاشتد َ
من أقاليمه ،فركب وراءهم في أبهة عظيمة ،وجيوش هائلة لما يريده الله
تعالى بهم ،ولم يتخلف عنه أحد ممن له دولة وسلطان في سائر مملكته ،
سى فلحقوهم وقت شروق الشمس } ،فَل َما تراَءى ال ْجمعان َقا َ َ
مو َ ب ُ حا ُ ص َ لأ ْ َ ْ َ ِ ّ ََ
ن { ]الشعراء [61 :وذلك أنهم لما انتهوا إلى ساحل البحر ، كو َ مد َْر ُ إ ِّنا ل َ ُ
وأدركهم فرعون ،ولم يبق إل أن يتقاتل ) (4الجمعان ،وألح أصحاب
موسى ،عليه السلم ،عليه في السؤال كيف المخلص مما نحن فيه ؟
ن { ]الشعراء دي ِ سي َهْ ِ ي َرّبي َ معِ َ ن َ كل إ ِ ّ فيقول :إني أمرت أن أسلك هاهنا َ } ،
[62 :
__________
) (1في ت " :فيما".
) (2في ت " :يتنزل منزلة".
) (3زيادة من أ ،وفي هـ " :الية".
) (4في أ " :أن يتقابل".
) (4/291
فعندما ضاق المر اتسع ،فأمره الله تعالى أن يضرب البحر بعصاه ،فضربه
ظيم ِ { ]الشعراء [63 :أي : كالط ّوْدِ ال ْعَ ِ ق َ ل فِْر ٍ ن كُ ّ فانفلق البحر } ،فَ َ
كا َ
قا ،لكل سبط واحد .وأمر الله الريح كالجبل العظيم ،وصار اثني عشر طري ً
ً
ف د ََركا َول
خا ُ
سا ل ت َ َ
حرِ ي َب َ ً ْ
قا ِفي الب َ ْ م طَ ِ
ري ً ب ل َهُ ْ شفت أرضه َ } ،فا ْ
ضرِ ْ فن َ ّ
شى { ]طه [77 :وتخرق الماء بين الطرق كهيئة الشبابيك ،ليرى كل خ َ تَ ْ
قوم الخرين لئل يظنوا أنهم هلكوا .وجازت بنو إسرائيل البحر ،فلما خرج
آخرهم منه انتهى فرعون وجنوده إلى حافته من الناحية الخرى ،وهو في
مائة ألف أدهم سوى بقية اللوان ،فلما رأى ذلك هاله وأحجم وهاب وهم
بالرجوع ،وهيهات ولت حين مناص ،نفذ القدر ،واستجيبت الدعوة .وجاء
جبريل ،عليه السلم ،على فرس -وديق حائل -فمر إلى جانب حصان
فرعون فحمحم إليها وتقدم جبريل فاقتحم البحر ودخله ،فاْقتحم الحصان
وراءه ،ولم يبق فرعون يملك من نفسه شيئا ،فتجلد لمرائه ،وقال لهم :
ليس بنو إسرائيل بأحق بالبحر منا ،فاقتحموا كلهم عن آخرهم وميكائيل في
ساقتهم ،ل يترك أحدا منهم ،إل ألحقه بهم .فلما استوسقوا فيه وتكاملوا ،
ه القدير البحَر أن يرتطم عليهم ،فارتطم وهم أولهم بالخروج منه ،أمر الل ُ
عليهم ،فلم ينج منهم أحد ،وجعلت المواج ترفعهم وتخفضهم ،وتراكمت
تمن ْ ُ
المواج فوق فرعون ،وغشيته سكرات الموت ،فقال وهو كذلك } :آ َ
أ َنه ل إل َه إل ال ّذي آمنت به بنو إسراِئي َ َ
ن { فآمن حيث ل مي َ سل ِ ِ
م ْ ن ال ْ ُ
م َ ل وَأَنا ِ َ َ ْ ِ ِ َُْ ِ ْ َ ِ ِ َ ِ ّ ُ
ه ُ َ ّ ُ َ َ َ َ
ما كّنا ب ِ ِ فْرَنا ب ِ َ حد َه ُ وَك َ مّنا ِباللهِ وَ ْ سَنا قالوا آ َ ما َرأْوا ب َأ َ ينفعه اليمان } ،فل ّ
َ ّ ّ ْ َ َ
ت ِفي خل ْ َ
ة اللهِ الِتي قد ْ َ سن ّ َ سَنا ُ ما َرأْوا ب َأ َ مل ّ مان ُهُ ْم ِإي َ فعُهُ ْ ك ي َن ْ َم يَ ُ ن فَل َ ْ كي َشرِ ِم ْ ُ
ن { ]غافر .[85 ، 84 : رو
ِ ُ َ ف َ
كا ْ ل ا ك َ ل نا ه ر س خ
ِ َ ِ ِ َ َ ِ َ ُ َ ِ و ه د با ع
دَ ق
َ َ ْ و ن آل } : قال ما قال حين فرعون جواب في تعالى الله وهكذا ) (1قال
ل { أي :أهذا ) (2الوقت تقول ،وقد عصيت الله قبل هذا فيما ت قَب ْ ُصي ْ َ
عَ َ
ن { أي :في الرض الذين أضلوا الناس ، دي َ س ِف ِ م ْ ْ
ن ال ُ م َ ت ِ بينك وبينه ؟ } وَك ُن ْ َ
ن { ]القصص [41 : ْ َ } وجعل ْناهُ َ
صُرو َ مةِ ل ي ُن ْ َ قَيا َ م ال ِ ن إ ِلى الّنارِ وَي َوْ َ عو َ ة ي َد ْ ُ م ً
م أئ ِ ّ َ َ َ َ ْ
وهذا الذي حكى الله تعالى عن فرعون من قوله هذا في حاله ) (3ذاك من
أسرار الغيب التي ) (4أعلم الله بها رسوله ؛ ولهذا قال المام أحمد بن حنبل
،رحمه الله :
حدثنا سليمان بن حرب ،حدثنا حماد بن سلمة ،عن علي بن زيد ،عن
يوسف بن مْهران ،عن ابن عباس قال :قال رسول الله صلى الله عليه
َ
ل{ سَراِئي َ ت ب ِهِ ب َُنو إ ِ ْ من َ ْ ذي آ َ ه ِإل ال ّ ِ ه ل إ ِل َ َ ت أن ّ ُ من ْ ُ وسلم " :لما قال فرعون } :آ َ
قال :قال لي جبريل ] :يا محمد[ ) (5لو رأيتني وقد أخذت ]حال[ ) (6من
حال البحر ،فدسسته في فيه مخافة أن تناله الرحمة"
__________
) (1في ت " :ولهذا".
) (2في ت " :هذا".
) (3في ت " :حالة".
) (4في ت ،أ " :الذي".
) (5زيادة من ت ،أ ،والمسند.
) (6زيادة من ت ،أ ،والمسند.
) (4/292
ورواه الترمذي ،وابن جرير ،وابن أبي حاتم في تفاسيرهم ،من حديث حماد
بن سلمة ،به ) (1وقال الترمذي :حديث حسن.
وقال أبو داود الطيالسي :حدثنا شعبة ،عن عدي بن ثابت وعطاء بن
السائب ،عن سعيد بن جبير ،عن ابن عباس قال :قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " :قال لي جبريل :لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر ،
فأدسه في فم فرعون مخافة أن تدركه الرحمة" .وقد رواه أبو عيسى
الترمذي أيضا ،وابن جرير أيضا ،من غير وجه ،عن شعبة ،به ) (2وقال
الترمذي :حسن غريب صحيح.
در ،عن ووقع في رواية عند ابن جرير ،عن محمد بن المثنى ،عن غُن ْ َ
شعبة ،عن عطاء وعَدِيّ ،عن سعيد ،عن ابن عباس ،رفعه أحدهما -وكأن
) (3الخر لم يرفعه ،فالله ) (4أعلم.
ج ،حدثنا أبو خالد الحمر ،عن عمر وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبو سعيد ال َ
ش ّ
جب َْير ،عن ابن عباس قال :لما بن عبد الله بن ي َعَْلى الثقفي ،عن سعيد بن ُ
َ
ذي ه ِإل ال ّ ِ
ه ل إ ِل َ َ
ت أن ّ ُمن ْ ُ
أغرق ) (5الله فرعون ،أشار بأصبعه ورفع صوته } :آ َ
ل { ) (6قال :فخاف جبريل أن تسبق رحمة الله فيه سَراِئي َ
ت ب ِهِ ب َُنو إ ِ ْ
من َ ْ
آ َ
غضبه ،فجعل يأخذ الحال بجناحيه فيضرب به وجهه فيرمسه.
كيع ،عن أبي خالد ،به موقوفا )(7 وكذا رواه ابن جرير ،عن سفيان بن وَ ِ
وقد روي من حديث أبي هريرة أيضا ،فقال ابن جرير :
كام ،عن عَن َْبسة -هو ابن ) (8سعيد -عن كثير بن ح ّحدثنا ابن حميد ،حدثنا َ
زاذان ،عن أبي حازم ،عن أبي هريرة ،رضي الله عنه ،قال :قال رسول
طهالله صلى الله عليه وسلم " :قال لي جبريل :يا محمد ،لو رأيتني وأنا أغ ّ
وأدس من الحال ) (9في فيه ،مخافة أن تدركه رحمة الله فيغفر له" يعني :
فرعون )(10
عة وأبو حاتم :
مِعين :ل أعرفه ،وقال أبو ُزْر َ
كثير بن زاذان هذا قال ابن َ
مجهول ،وباقي رجاله ثقات.
__________
) (1المسند ) (1/309وسنن الترمذي برقم ).(3107
) (2سنن الترمذي برقم ) (3108وتفسير الطبري ) (192 - 15/190ورواه
الحاكم في المستدرك ) (2/340من طريق النضر بن شميل عن شعبة به ،
وقال الحاكم " :هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ؛ لن
أكثر أصحاب شعبة أوقفوه على ابن عباس" ورواه البيهقي في شعب اليمان
برقم ) (9392فذكرت روايات الرفع والوقف.
) (3في ت ،أ " :فكأن".
) (4في ت ،أ " :والله".
) (5في ت ،أ " :لما غرق".
) (6في ت " :أن ل إله".
) (7تفسير الطبري ) (15/193ورواه السرقسطي في غريب الحديث ،كما
في تخريج الكشاف ) (2/138عن موسى بن هارون ،عن يحيى الحماني عن
أبي خالد الحمر به نحوه.
) (8في ت ،أ " :أبو".
) (9في ت " :الجبال".
) (10تفسير الطبري ) (15/191ورواه البيهقي في شعب اليمان برقم )
(9390من طريق حكام الرازي به.
) (4/293
وقد أرسل هذا الحديث جماعة من السلف :قتادة ،وإبراهيم التيمي ،
مْهران .ونقل عن الضحاك بن قيس :أنه خطب بهذا للناس ، وميمون بن ِ
فالله أعلم.
ة { قال ابن عباس وغيره َ
فك آي َ ً ْ
خل َن َ
م ْ
ن لِ َ ُ َ
جيك ب ِب َد َن ِك ل ِت َكو ََ م ن ُن َ ّ ْ َ
وقوله } :فالي َوْ َ
ّ
من السلف :إن بعض بني إسرائيل شكوا في موت فرعون ،فأمر الله
تعالى البحر أن يلقيه بجسده ) (1بل روح ،وعليه درعه المعروفة ]به[ )(2
على نجوة ) (3من الرض وهو المكان المرتفع ،ليتحققوا موته وهلكه ؛
ك { أي :نرفعك على َنشز ) (4من الرض ، جي َ ولهذا قال تعالى َ } :فال ْي َوْ َ
م ن ُن َ ّ
} ب ِب َد َِنك { قال مجاهد :بجسدك .وقال الحسن :بجسم ل روح فيه .وقال
عبد الله بن شداد :سويا صحيحا ،أي :لم يتمزق ليتحققوه ويعرفوه .وقال
أبو صخر :بدرعك )(5
وكل هذه القوال ل منافاة بينها ،كما تقدم ،والله أعلم.
ة { أي :لتكون لبني إسرائيل دليل على موتك ك آي َ ً ف َ خل ْ َ ن َ م ْ ن لِ َكو َ وقوله } :ل ِت َ ُ
وهلكك ،وأن الله ) (6هو القادر الذي ناصية كل دابة بيده ،وأنه ل يقوم
ن ك َِثيًرا ة وَإ ِ ّ ك آي َ ًق َ خل َ َن َ م ْ ن لِ َكو َ لغضبه شيء ؛ ولهذا قرأ بعض السلف " :ل ِت َ ُ
ن" ) (7أي :ل يتعظون ) (8بها ،ول يعتبرون .وقد ن آَيات َِنا ل ََغافُِلو َ س عَ ْ ن الّنا ِ م َ ِ
كان ]إهلك فرعون وملئه[ ) (9يوم عاشوراء ،كما قال البخاري :
در ،حدثنا شعبة ،عن أبي بشر ،عن سعيد حدثنا محمد بن بشار ،حدثنا غُن ْ َ
بن جبير ،عن ابن عباس قال :قدم النبي صلى الله عليه وسلم المديَنة ،
واليهود تصوم يوم عاشوراء فقالوا :هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لصحابه " :أنتم أحق بموسى منهم ،
فصوموه" )(10
َ ّ َ ْ } وَل َ َ
حّتىفوا َ خت َل ُ ما ا ْ ت فَ َ ن الطي َّبا ِ م َم ِ ق وََرَزقَْناهُ ْ صد ْ ٍ مب َوّأ ِ ل ُ سَراِئي َ قد ْ ب َوّأَنا ب َِني إ ِ ْ
ن) فو َ خت َل ِ ُكاُنوا ِفيهِ ي َ ْ ما َ مةِ ِفي َ قَيا َ م ال ْ ِم ي َوْ َضي ب َي ْن َهُ ْ ق ِ ك يَ ْ ن َرب ّ َ م إِ ّ م ال ْعِل ْ ُ جاَءهُ ُ َ
{ (93
يخبر تعالى عما أنعم به على بني إسرائيل من النعم الدينية والدنيوية ف
ق { ) (11قيل :هو بلد مصر والشام ،مما يلي بيت المقدس َ
صد ْ ٍ مب َوّأ ِ } ُ
ونواحيه ،فإن الله تعالى لما أهلك فرعون وجنوده استقرت يد الدولة
م
قو ْ َ الموسوية على بلد مصر بكمالها ،كما قال الله تعالى } :وَأ َوَْرث َْنا ال ْ َ
ة ت ك َل ِ َ
م ُ م ْ مَغارِب ََها ال ِّتي َباَرك َْنا ِفيَها وَت َ ّ ض وَ َ شارِقَ الْر ِ م َ ن َ فو َ ضعَ ُ ست َ ْكاُنوا ي ُ ْ ن َ ذي َ ال ّ ِ
ن
صن َعُ فِْرعَوْ ُ ن يَ ْ كا َ ما َ مْرَنا َ صب َُروا وَد َ ّ ما َ ل بِ َ سَراِئي َ سَنى عََلى ب َِني إ ِ ْ ح ْ ك ال ْ ُ َرب ّ َ
ن { ]العراف [137 :وقال في الية الخرى : شو َ كاُنوا ي َعْرِ ُ ما َ ه وَ َ م ُ وَقَوْ ُ
َ ريم ٍ ك َذ َل ِ َ َ
ها ب َِني ك وَأوَْرث َْنا َ قام ٍ ك َ ِ م َ ن وَك ُُنوزٍ وَ َ ت وَعُُيو ٍ جّنا ٍ ن َ م ْ م ِ جَناهُ ْ خَر ْ } فَأ ْ
ل { ]الشعراء (12) [59 - 57 :ولكن سَراِئي َ إِ ْ
__________
) (1في ت ،أ " :بجسده سويا".
) (2زيادة من ت ،أ.
) (3في ت " :نحوه".
) (4في ت " :يرفعك على بشر".
) (5في ت " :تذرعك".
) (6في ت " :وأنه تعالى".
) (7في ت " :الغافلون".
) (8في ت " :يتعضون".
) (9زيادة من ت ،أ.
) (10صحيح البخاري برقم ).(4680
) (11في ت " :فالمبوأ".
) (12في ت ،أ " :كم تركوا من جنات وعيون وزروع".
) (4/294
استمروا مع موسى ،عليه السلم ،طالبين إلى بلد بيت المقدس ]وهي بلد
الخليل عليه السلم فاستمر موسى بمن معه طالبا بيت المقدس[ ) (1وكان
فيه قوم من العمالقة ] ،فنكل بنو إسرائيل عن قتال العمالقة[ ) (2فشردهم
الله تعالى في التيه أربعين سنة ،ومات فيه ) (3هارون ،ثم ،موسى ،
عليهما السلم ،وخرجوا بعدهما مع يوشع بن نون ،ففتح الله عليهم بيت
المقدس ،واستقرت أيديهم عليها إلى أن أخذها منهم بختنصر حينا من الدهر
،ثم عادت إليهم ،ثم أخذها ملوك اليونان ،وكانت تحت أحكامهم ) (4مدة
طويلة ،وبعث الله عيسى ابن مريم ،عليه السلم ،في تلك المدة ،
فاستعانت اليهود -قبحهم ) (5الله -على معاداة عيسى ،عليه السلم ،
بملوك اليونان ،وكانت تحت أحكامهم ،ووشوا عندهم ،وأوحوا إليهم أن هذا
شّبه لهم يفسد عليكم الرعايا فبعثوا ) (6من يقبض عليه ،فرفعه الله إليه ،و ُ
بعض الحواريين بمشيئة الله وقدره ) (7فأخذوه فصلبوه ،واعتقدوا أنه هو ،
ما { ]النساء : كي ً
ح ِ
زيًزا َ ن الل ّ ُ
ه عَ ِ كا َ ه إ ِل َي ْهِ وَ َ
ه الل ّ ُ
ل َرفَعَ ُ قيًنا ب َ ْ ما قَت َُلوه ُ ي َ ِ
} وَ َ
[158 ، 157ثم بعد المسيح ،عليه السلم بنحو ]من[ ) (8ثلثمائة سنة ،
دخل قسطنطين أحد ملوك اليونان -في دين النصرانية ،وكان فيلسوفا قبل
ذلك .فدخل في دين النصارى قيل :تقية ،وقيل :حيلة ليفسده ،فوضعت له
عا أحدثوها ،فبنى لهم الكنائس والبَيع الساقفة منهم قوانين وشريعة وبد ً
الكبار والصغار ،والصوامع والهياكل ،والمعابد ،والقليات .وانتشر دين
النصرانية ) (9في ذلك الزمان ،واشتهر على ما فيه من تبديل وتغيير
وتحريف ،ووضع وكذب ،ومخالفة لدين المسيح .ولم يبق على دين المسيح
على الحقيقة منهم إل القليل من الرهبان ،فاتخذوا لهم الصوامع في البراري
والمهامه والقفار ،واستحوذت يد ُ النصارى على مملكة الشام والجزيرة وبلد
مامة ،وبيت لحم ، ق َ
الروم ،وبنى هذا الملك المذكور مدينة قسطنطينية ،وال ُ
وران كُبصرى وغيرها من البلدان ح ْوكنائس ]بلد[ ) (10بيت المقدس ،ومدن َ
بناءات هائلة محكمة ،وعبدوا الصليب من حينئذ ،وصلوا إلى الشرق ،
وصوروا الكنائس ،وأحلوا لحم الخنزير ،وغير ذلك مما أحدثوه من )(11
الفروع في دينهم والصول ،ووضعوا له المانة الحقيرة ،التي يسمونها
الكبيرة ،وصنفوا له القوانين ،
وبسط هذا يطول.
والغرض أن يدهم لم تزل على هذه البلد إلى أن انتزعها ) (12منهم الصحابة
،رضي الله عنهم ،وكان فتح بيت المقدس على يدي أمير المؤمنين عمر بن
الخطاب ،رضي الله عنه ،ولله الحمد والمنة.
ت { أي :الحلل ،من الرزق الطيب النافع ن الط ّي َّبا ِ م َ م ِ وقوله } :وََرَزقَْناهُ ْ
المستطاب طبعا وشرعا.
م { أي :ما اختلفوا في شيء من م ال ْعِل ْ ُ
جاَءهُ ُ حّتى َ فوا َ خت َل َ ُ
ما ا ْ وقوله } :فَ َ
المسائل إل من بعد ما جاءهم العلم ،أي :ولم يكن لهم أن يختلفوا ،وقد
بين الله لهم وأزال عنهم اللبس .وقد ورد في
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2زيادة من ت ،أ.
) (3في ت ،أ " :في أثنائها".
) (4في أ " :حكامهم".
) (5في أ " :لعنهم".
) (6في ت " :فعثوا".
) (7في أ " :وقدرته".
) (8زيادة من ت ،أ.
) (9في أ " :النصارى".
) (10زيادة من ت ،أ.
) (11في أ " :في".
) (12في ت " :انتزعتها".
) (4/295
م
فَنا عَن ْهُ ْ مُنوا ك َ َ
ش ْ س لَ ّ
ما آ َ مان َُها ِإل قَوْ َ
م ُيون ُ َ فعََها ِإي َ ت فَن َ َمن َ ْ
ةآ َ قَْري َ ٌ ت ول َ
كان َ ْ } فَل َ ْ
ن ){ (98 حي ٍم إ َِلى ِمت ّعَْناهُ ْ
حَياةِ الد ّن َْيا وَ َِفي ال ْ َ ي
خْز ِ ب ال ْ ِذا َ عَ َ
) (4/296
يقول تعالى :فهل كانت قرية آمنت بكمالها من المم السالفة الذين بعثنا
إليهم الرسل ،بل ما أرسلنا من قبلك يا محمد من رسول إل كذبه قومه ،أو
ْ
كاُنوال ِإل َ سو ٍ ن َر ُ م ْ م ِ ما ي َأِتيهِ ْ سَرةً عََلى ال ْعَِباد ِ َ ح ْ أكثرهم كما قال تعالى َ } :يا َ
ّ َ َ َ
ل ِإل سو ٍ ن َر ُ م ْ م ِ ن قَب ْل ِهِ ْ م ْن ِ ذي َ
ما أَتى ال ِ ن { ] يس } ، [30 :كذ َل ِك َ ست َهْزُِئو َ ب ِهِ ي َ ْ
ْ َ َ
َ
ن قب ْل ِك ِفي َ م ْ سلَنا ِ ما أْر َ َ َ
ن { ]الذاريات } ، [52 :وَكذ َل ِك َ جُنو ٌ م ْ
حٌر أوْ َ سا ِ َقاُلوا َ
ُ
مةٍ وَإ ِّنا عََلى آَثارِهِ ْ
م جد َْنا آَباَءَنا عََلى أ ّ ها إ ِّنا وَ َ مت َْرُفو َ
ل ُ ذيرٍ ِإل َقا َ ن نَ ِ م ْ قَْري َةٍ ِ
ن { ]الزخرف (2) (1) [23 :وفي الحديث الصحيح " :عرض علي دو َ قت َ ُم ْ
ُ
النبياء ،فجعل النبي يمر ومعه الفئام من الناس ،والنبي معه الرجل والنبي
معه الرجلن ،والنبي ليس معه أحد" ) (3ثم ذكر كثرة أتباع موسى ،عليه
السلم ،ثم ذكر كثرة أمته ،صلوات الله وسلمه عليه ،كثرة سدت
الخافقين الشرقي ) (4والغربي.
والغرض أنه لم توجد ) (5قرية آمنت بكمالها بنبيهم ممن سلف من القرى ،
إل قوم يونس ،وهم أهل ِنيَنوى ،وما كان إيمانهم إل خوفا من وصول
العذاب الذي أنذرهم به رسولهم ،بعد ما عاينوا أسبابه ،وخرج رسولهم من
بين أظهرهم ،فعندها جأروا إلى الله واستغاثوا به ،وتضرعوا ) (6لديه.
واستكانوا وأحضروا أطفالهم ودوابهم ومواشيهم ،وسألوا الله تعالى أن يرفع
عنهم العذاب الذي أنذرهم به نبيهم .فعندها رحمهم الله ،وكشف عنهم
م فَنا عَن ْهُ ْ ش ْ مُنوا ك َ َ ما آ َ س لَ ّ م ُيون ُ َ العذاب وأخروا ،كما قال تعالى ِ } :إل قَوْ َ
ن {. حي ٍ م إ َِلى ِ مت ّعَْناهُ ْحَياةِ الد ّن َْيا وَ َ ي ِفي ال ْ َ خْز ِ ب ال ْ ِ ذا َ عَ َ
واختلف المفسرون :هل كشف عنهم العذاب الخروي مع الدنيوي ؟ أو إنما ُ
كشف عنهم في الدنيا فقط ؟ على قولين ،أحدهما :إنما كان ذلك في
الحياة الدنيا ،كما هو مقيد في هذه الية .والقول الثاني فيهما لقوله تعالى :
م إ َِلى ِ َ َ َ
ن { ]الصافات : حي ٍ مت ّعَْناهُ ْ مُنوا فَ َ ن َفآ َدو َ زي ُ ف أوْ ي َ ِ مائ َةِ أل ْ ٍسل َْناه ُ إ َِلى ِ } وَأْر َ
[148 ، 147فأطلق عليهم اليمان ،واليمان منقذ من العذاب الخروي ،
وهذا هو الظاهر ،والله أعلم.
قال قتادة في تفسير هذه الية :لم ينفع قرية كفرت ثم آمنت حين حضرها
العذاب ،فتركت ،إل قوم يونس ،لما فقدوا نبيهم وظنوا أن العذاب قد دنا
منهم ،قذف الله في قلوبهم التوبة ،ولبسوا المسوح ،وفَّرقوا بين كل بهيمة
جوا إلى الله أربعين ليلة .فلما عرف الله منهم الصدق من وولدها ثم عَ ّ
قلوبهم ،والتوبة والندامة على ما مضى منهم كشف الله عنهم العذاب بعد
أن تدلى عليهم -قال قتادة :وذكر أن قوم يونس كانوا بنينوى أرض
الموصل.
وكذا روي عن ابن مسعود ،ومجاهد ،وسعيد بن جبير ،وغير واحد من
ت".
من َ ْ ت قَْري َ ٌ
ةآ َ السلف ،وكان ابن مسعود يقرؤها " :فََهل َ
كان َ ْ
__________
) (1في ت " :وما أرسلنا في قرية من نبي".
) (2في ت " :مهتدون" وهو خطأ.
) (3رواه البخاري في صحيحه برقم ) (5752ومسلم في صحيحه برقم )
(220من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه.
) (4في ت ،أ " :والشرقي".
) (5في ت " :يوجد".
) (6في ت ،أ " :وضرعوا".
) (4/297
َ َ َْ
حّتى ي َ ُ
كوُنوا س َ ت ت ُك ْرِهُ الّنا َ ميًعا أفَأن ْ َ ج ِ م َ ض ك ُل ّهُ ْ ن ِفي ال ْ َر ِ م ْ ن َ م َك َل َ َ شاَء َرب ّ َ وَل َوْ َ
س عََلى ج َ ل الّر ْ جعَ ُ ن الل ّهِ وَي َ ْ ن إ ِّل ب ِإ ِذ ْ ِ م َ ن ت ُؤْ ِ سأ ْ ف ٍ ن ل ِن َ ْ كا َما َ ن ) (99وَ َ مِني َ مؤ ْ ِ ُ
َ ْ ُ ُ ُ َ ّ
ما ت ُغِْني ض وَ َ ت َوالْر ماَوا ِ س َ ماَذا ِفي ال ّ ل ان ْظُروا َ ن ) (100ق ِ قلو َ ن ل ي َعْ ِ ذي َ ال ِ
ل ِأ َ
ن ذيّ
ّ ِ ِ َ لا م يا َ ْ ث م ّ
ل إ ن
َ ََْ ُِ َ ِ ِ رو ظ تن ي ْ
ل ه َ ف ( 101 ) اْل َ َ ُ َ ّ ُ َ ْ ْ ٍ ُ ِ ُ َ
ن نو م ْ ؤ ي ل َ م وَ ق ن ع ر ُ ذ ن وال ت يا
جي م ن ُن َ ّ ن ) (102ث ُ ّ ري َ من ْت َظ ِ ِن ال ْ ُ م َ م ِمعَك ُ ْ ل َفان ْت َظ ُِروا إ ِّني َ م قُ ْ ن قَب ْل ِهِ ْ م ْ وا ِ خل َ ْ َ
َ
ن )(103 مِني َ مؤ ْ ِ قا عَل َي َْنا ن ُن ِْج ال ْ ُ ح ّ
ك َ مُنوا ك َذ َل ِ َ نآ َ ذي َ سل ََنا َوال ّ ِ ُر ُ
جْلد قال :لما نزل بهم ) (1العذاب ،جعل يدور وقال أبو عمران ،عن أبي ال َ
على رءوسهم كقطع الليل المظلم ،فمشوا إلى رجل من علمائهم فقالوا :
علمنا دعاء ندعوا به ،لعل الله يكشف ) (2عنا العذاب ،فقال :قولوا :يا
ي ،يا محيي الموتى ) (3ل إله إل أنت .قال :فكشف عنهم ي حين ل ح ّ ح ّ
العذاب.
وتمام القصة سيأتي مفصل في سورة الصافات إن شاء الله.
َ َ
حّتى س َ ت ت ُك ْرِهُ الّنا َ ميًعا أفَأن ْ َ ج ِ م َ ض ك ُل ّهُ ْ ن ِفي الْر ِ م ْ ن َ م َ كل َ شاَء َرب ّ َ } وَل َوْ َ
َ
س
ج َ ل الّر ْ جعَ ُ ن الل ّهِ وَي َ ْ ن ِإل ب ِإ ِذ ْ ِ م َ ن ت ُؤْ ِ سأ ْ ف ٍ ن ل ِن َ ْ كا َ ما َ ن ) (99وَ َ مِني َ مؤ ْ ِ كوُنوا ُ يَ ُ
ن ){ (100 قلو َ ُ ن ل ي َعْ ِ ذي َ ّ
عَلى ال ِ َ
ك { -يا محمد -لذن لهل الرض كلهم في شاَء َرب ّ َ َ
يقول تعالى } :وَلوْ َ
اليمان بما جئتهم به ،فآمنوا كلهم ،ولكن له حكمة فيما يفعله تعالى كما ّ
ُ
ن ِإل في َ خت َل ِ ِ م ْ ن ُ حد َة ً َول ي ََزاُلو َ ة َوا ِ م ً سأ ّ ل الّنا َ جعَ َ ك لَ َ شاَء َرب ّ َ قال تعالى } :وَل َوْ َ
س
جن ّةِ َوالّنا َ ِ ن ال ْ ِ م َ م ِ جهَن ّ َ ن َ مل ّ كل ْ ة َرب ّ َ م ُت ك َل ِ َ م ْ م وَت َ ّ قهُ ْ خل َ َ ك َ ك وَل ِذ َل ِ َ م َرب ّ َ ح َ ن َر ِ م ْ َ
ّ َ َ َ َ
ن
مُنوا أ ْ نآ َ َ ذي
س ال ِ ِ م ي َي ْأ ن { ]هود ، [119 ، 118 :وقال تعالى } :أفَل ْ َ مِعيج َ أ ْ
َ َ
ميًعا { ]الرعد [31 :؛ ولهذا قال تعالى } :أفَأن ْ َ
ت ج ِ س َ دى الّنا َ ه ل َهَ َ شاُء الل ّ ُ ل َوْ ي َ َ
ن { أي :ليس ذلك مِني َ مؤ ْ ِ كوُنوا ُ حّتى ي َ ُ س { أي :تلزمهم وتلجئهم } َ ت ُك ْرِهُ الّنا َ
شاُء َفل ن يَ َ م ْ دي َ شاُء وَي َهْ ِ ن يَ َ م ْ ل َ ض ّ عليك ول إليك ،بل ]إلى[ ) (4الله } ي ُ ِ
ن الل َّ
ه ك َ لو
ُ َ ُ ْ َ ِ ّ م ه دا ه كَ يَ ل
ْ َ َ ْ ع س ي َ ل } ، [ 8 ت { ]فاطر : سَرا ٍ ح َ م َ ك عَل َي ْهِ ْ س َ ف ُ ب نَ ْ ت َذ ْهَ ْ
ك أل ي َ ُ َ س َ شاُء { ]البقرة } ، [272 :ل َعَل ّ َ
ن{ مِني َ مؤ ْ ِ كوُنوا ُ ف َ خع ٌ ن َ ْ ك َبا ِ ن يَ َ م ْ دي َ ي َهْ ِ
ما عَل َي ْ َ َ ]الشعراء } ، [3 :إ ِن ّ َ
ك ت { ]القصص } ، [56 :فَإ ِن ّ َ حب َب ْ َنأ ْ م ْدي َ ك ل ت َهْ ِ
َ
مت عَل َي ْهِ ْ س َ مذ َك ٌّر ل َ ْ ت ُ ما أن ْ َ ب { ]الرعد } ، [40 :فَذ َك ّْر إ ِن ّ َ سا ُ ح َ ال َْبلغ ُ وَعَل َي َْنا ال ْ ِ
مصي ْط ِرٍ { ]الغاشية [22 ، 21 :إلى غير ذلك من اليات الدالة على أن الله بِ ُ
تعالى هو الفعال لما يريد ،الهادي من يشاء ،المضل لمن يشاء ،لعلمه
َ
لجعَ ُن الل ّهِ وَي َ ْ ن ِإل ب ِإ ِذ ْ ِ م َ ن ت ُؤْ ِ سأ ْ ف ٍ ن ل ِن َ ْكا َ ما َ وحكمته وعدله ؛ ولهذا قال } :وَ َ
ن { أي : قلو َ ُ ن ل ي َعْ ِ ذي َ ّ َ
س { ) (5وهو الخبال ) (6والضلل } ،عَلى ال ِ ج َ الّر ْ
ج الله وأدلته ،وهو العادل في كل ذلك ،في هداية من هدى ،وإضلل حج َ
من ضل.
ن قَوْم ٍ ل ت َوالن ّذ ُُر عَ ْ ما ت ُغِْني الَيا ُ ض وَ َ ت َوالْر َ ِ ماَوا ِ
س َماَذا ِفي ال ّ ل ان ْظ ُُروا َ } قُ ِ
ل َفان ْت َظ ُِروا م قُ ْ ن قَب ْل ِهِ ْ م ْ وا ِ خل َ ْ
ن َ ذي َ ل أّيام ِ ال ّ ِ مث ْ َن ِإل ِ ن ) (101فَهَ ْ
ل ي َن ْت َظ ُِرو َ مُنو َ ي ُؤْ ِ
قاح ّك َ مُنوا ك َذ َل ِ َ نآ َ ذي َ ّ
سلَنا َوال ِ َ جي ُر ُ م ن ُن َ ّن ) (102ث ُ ّ ري َ
من ْت َظ ِ ِ ْ
ن ال ُ م َ م ِمعَك ُ ْ إ ِّني َ
ن ){ (103 مِني َ عَل َي َْنا ن ُن ِْج ال ُ
مؤ ْ ِ ْ
__________
) (1في ت " :لما نزل بقوم يونس".
) (2في ت " :أن يكشف".
) (3في ت " :يا محيي الموتى يا حي".
) (4زيادة من ت.
) (5في ت " :يؤمن".
) (6في ت " :الجبال".
) (4/298
َ َ
نن ُدو ِ
م ْن ِدو َ ن ت َعْب ُ ُذي َ ن ِديِني فََل أعْب ُد ُ ال ّ ِ م ْ ك ِ ش ّ م ِفي َ ن ك ُن ْت ُ ْ س إِ ْ ل َيا أي َّها الّنا ُ قُ ْ
َ َ َ ُ َ
ن
ن ) (104وَأ ْ مِني َ مؤ ْ ِ ن ال ْ ُ م َ ن ِ كو َ نأ ُ تأ ْ مْر ُ م وَأ ِ ذي ي َت َوَّفاك ُ ْ ه ال ّ ِ ن أعْب ُد ُ الل ّ َ الل ّهِ وَل َك ِ ْ
ن اللهِّ َ م ْ ْ َ
فا وَل ت َ ُ جهَ َ َ
ن ُدو ِم ْن ) (105وَل ت َد ْع ُ ِ كي َ شرِ ِ ن ال ُ م َ ن ِ كون َ ّ حِني ً ن َ دي ِ ك ِلل ّ م وَ ْ أقِ ْ
ن )(106 مي َ ظال ِ ِن ال ّ م َك إ ًِذا ِ ت فَإ ِن ّ َ ن فَعَل ْ َ ك فَإ ِ ْ ضّر َ ك وََل ي َ ُ فعُ َ ما َل ي َن ْ َ َ
يرشد ُ تعالى عباده إلى التفكر في آلئه ) (1وما خلق في السموات والرض
من اليات الباهرة لذوي اللباب ،مما في السموات ) (2من كواكب نيرات ،
ثوابت وسيارات ،والشمس والقمر ،والليل والنهار ،واختلفهما ،وإيلج
أحدهما في الخر ،حتى يطول هذا ويقصر هذا ،ثم يقصر هذا ويطول هذا ،
وارتفاع السماء واتساعها ،وحسنها وزينتها ،وما أنزل الله منها من مطر
فأحيا به الرض بعد موتها ،وأخرج فيها من أفانين الثمار والزروع والزاهير ،
ب مختلفة الشكال واللوان والمنافع ، وصنوف النبات ،وما ذرأ فيها من دوا ّ
وما فيها من جبال وسهول ) (3وقفار وعمران وخراب .وما في البحر من
العجائب والمواج ،وهو مع هذا ]مسخر[ ) (4مذلل للسالكين ،يحمل سفنهم
،ويجري بها برفق بتسخير القدير له ،ل إله إل هو ،ول رب سواه.
ن { أي :وأي شيء ُتجدي مُنو َ ن قَوْم ٍ ل ي ُؤْ ِ ت َوالن ّذ ُُر عَ ْ ما ت ُغِْني الَيا ُ وقوله } :وَ َ
اليات السماوية والرضية ،والرسل بآياتها وحججها وبراهينها الدالة على
َ
ة َرب ّك ل م ُ ت عَل َي ْهِ ْ
م ك َل ِ َ ق ْ ح ّ ن َ ذي َن ال ّ ِ صدقها ،عن قوم ل يؤمنون ،كما قال } :إ ِ ّ
م { ]يونس .[69 ، 96 : ب الِلي َ ذا َ حّتى ي ََرُوا ال ْعَ َ ل آي َةٍ َ م كُ ّ جاَءت ْهُ ْ ن وَل َوْ َ مُنو َ ي ُؤْ ِ
م { أي :فهل ه ل بَ ق ن م وا َ ل خ ن ذي ّ ل ا م يا َ أ َ
ل ْ ث م إل ن رو ظ ت ن ي ْ
ل ه َ ف } : وقوله
ّ ِ ِ َ َ ْ ِ ْ ِِْ ْ َ ََْ ُِ َ ِ ِ
ينتظر هؤلء المكذبون لك يا محمد من النقمة والعذاب إل مثل أيام الله في
ممعَك ُ ْل َفان ْت َظ ُِروا إ ِّني َ الذين خلوا من قبلهم من المم المكذبة لرسلهم } ،قُ ْ
مُنوا { ) (5أي :ونهلك المكذبين نآ َ ذي َ سل ََنا َوال ّ ِ جي ُر ُ م ن ُن َ ّ ن ثُ ّ ري َ من ْت َظ ِ ِن ال ْ ُم َِ
ن { ]أي[ ) (6حقا :أوجبه تعالى َ ني ِ مِ ْ ؤ م
ُ ْ ل ا ج ْ ن ُ ن نا
َ ْ يَ لَ ع قاّ حَ َ
ك ِ لَ ذ َ ك } ، بالرسل
ِ
ة { ]النعام [12 :كما م َ ح
ْ
ّ َ ر ال ِ ه س
ِ ْ فَ ن لى َ َ ع ب َ َ تَ ك } كقوله : على نفسه الكريمة
جاء في الصحيحين ،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " :إن الله
كتب كتابا فهو عنده فوق العرش :إن رحمتي سبقت ) (7غضبي" )(8
َ َ
ن
م ْن ِ دو َ ن ت َعْب ُ ُذي َ ن ِديِني َفل أعْب ُد ُ ال ّ ِ م ْ ك ِ ش ّ م ِفي َ ن ك ُن ْت ُ ْ س إِ ْ ل َيا أي َّها الّنا ُ } قُ ْ
َ َ ُ َ
ن )(104 مِني َ مؤ ْ ِن ال ْ ُم َ ن ِ كو َ نأ ُ تأ ْ مْر ُ م وَأ ِ ذي ي َت َوَّفاك ُ ْ ه ال ّ ِ ن أعْب ُد ُ الل ّ َ ن الل ّهِ وَل َك ِ ْ ُدو ِ
َ َ
ن
ن ُدو ِم ْن )َ (105ول ت َد ْع ُ ِ كي َ شرِ ِ م ْن ال ْ ُم َ ن ِ كون َ ّ فا َول ت َ ُ حِني ً ن َ دي ِك ِلل ّ جهَ َ م وَ ْ ن أقِ ْ وَأ ْ
ن ){ (106 مي َ ظال ِ ِن ال ّ م َك إ ًِذا ِ ت فَإ ِن ّ َ ن فَعَل ْ َ ك فَإ ِ ْ ضّر َ ك َول ي َ ُ فعُ َ ما ل ي َن ْ َ الل ّهِ َ
__________
) (1في أ " :إلى التفكر في الية لياته".
) (2في ت ،أ " :السماء".
) (3في أ " :وهول".
) (4زيادة من ت ،أ.
) (5في ت " :فإنى".
) (6زيادة من ت ،أ.
) (7في ت ،أ " :تغلب".
) (8صحيح البخاري برقم ) (7554وصحيح مسلم برقم ) (2751من حديث
أبي هريرة رضي الله عنه.
) (4/299
ه
ضل ِ ِ خي ْرٍ فََل َراد ّ ل ِ َ
ف ْ ن ي ُرِد ْ َ
ك بِ َ ه إ ِّل هُوَ وَإ ِ ْ
ف لَ ُ
ش َ فََل َ
كا ِ ضّر ك الل ّ ُ
ه بِ ُ س َ س ْ
م َ ن يَ ْ
وَإ ِ ْ
م )(107 حي ُ فوُر الّر ِ ْ
عَبادِهِ وَهُوَ الغَ ُ
ِ نم ْشاُء ِ ن يَ َم ْ
ب ب ِهِ َصي ُ يُ ِ
) (4/299
َ
سهِف ِ دي ل ِن َ ْ دى فَإ ِن ّ َ
ما ي َهْت َ ِ ن اهْت َ َ
م ِم فَ َن َرب ّك ُ ْ م ْحق ّ ِم ال ْ َ
جاَءك ُ ُ س قَد ْ َل َيا أي َّها الّنا ُ قُ ْ
َ َ َ َ
كحى إ ِلي ْ َ ما ُيو َ ل )َ (108وات ّب ِعْ َ كي ٍ
م ب ِوَ ِما أَنا عَلي ْك ُ ْ ل عَلي َْها وَ َ ض ّ
ما ي َ ِل فَإ ِن ّ َ
ض ّ
ن َ م ْ وَ َ
ن )(109 مي َ حاك ِ ِ ْ
خي ُْر ال َه وَهُوَ َ ّ
م الل ُ ُ
حك َ حّتى ي َ ْ صب ِْر ََوا ْ
صحة ما جئتكم من الدين الحنيف ،الذي أوحاه الله إلي ،فها أنا ل أعبد
الذين تعبدون من دون الله ،ولكن أعبد الله وحده ل شريك له ،وهو الذي
يتوفاكم كما أحياكم ،ثم إليه مرجعكم ؛ فإن كانت آلهتكم التي تدعون من
دون الله ) (1حقا ،فأنا ل أعبدها ) (2فادعوها فلتضرني ،فإنها ل تضر ول
تنفع ،وإنما الذي بيده الضر والنفع هو الله وحده ل شريك له ،وأمرت أن
أكون من المؤمنين.
ن { أي : م ْ ْ ُ َ وقوله } :وأ َ َ
كي َشرِ ِ ن ال ُ
م َ
ن ِ
فا َول ت َكون َ ّ
حِني ً
ن َ
دي ِ
جهَك ِلل ّ
م وَ ْن أقِ َْ ْ
أخلص العبادة لله وحده حنيفا ،أي :منحرفا عن الشرك ؛ ولهذا قال َ } :ول
ن
م َ
ن ِ ن أَ ُ
كو َ
َ
تأ ْ مْر ُ
ُ
ن { وهو معطوف على قوله } :وَأ ِ كي َ
شرِ ِ م ْن ال ْ ُ
م َن ِ كون َ ّتَ ُ
ن{ مِني َ ال ْ ُ
مؤ ْ ِ
ضّر { إلى آخرها ،بيان لن الخير والشر ه بِ ُ ك الل ّ ُس َ س ْ م َ ن يَ ْوقوله } :وَإ ِ ْ
والنفع والضر إنما هو راجع إلى الله تعالى وحده ل يشاركه ) (3في ذلك
أحد ،فهو الذي يستحق العبادة وحده ،ل شريك له.
روى الحافظ ابن عساكر ،في ترجمة صفوان بن سليم ،من طريق عبد الله
بن وهب :أخبرني يحيى بن أيوب عن عيسى بن موسى ،عن صفوان بن
سليم ،عن أنس بن مالك ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"اطلبوا الخير دهركم كله ،وتعرضوا لنفحات رحمة الله ،فإن لله نفحات من
رحمته ،يصيب بها من يشاء من عباده واسألوه أن يستر عوراتكم ،ويؤمن
روعاتكم" )(4
ثم رواه من طريق الليث ،عن عيسى بن موسى ،عن صفوان ،عن رجل
من أشجع ،عن أبي هريرة مرفوعا ؛ بمثله سواء )(5
ي
م { أي :لمن تاب إليه وتوكل عليه ،ولو من أ ّ حي ُ فوُر الّر ِ وقوله } :وَهُوَ ال ْغَ ُ
ذنب كان ،حتى من الشرك به ،فإنه يتوب عليه.
َ
ه
س ِف ِدي ل ِن َ ْما ي َهْت َ ِ َ
دى فإ ِن ّ َ ن اهْت َ َ
م ِ ن َرب ّك ُ ْ
م فَ َ م ْ حق ّ ِ م ال ْ َ جاَءك ُ ُ س قَد ْ َ ل َيا أي َّها الّنا ُ } قُ ْ
حى إ ِل َي ْ َ َ
ك ما ُيو َ ل )َ (108وات ّب ِعْ َ كي ٍ
م ب ِوَ ِ ما أَنا عَل َي ْك ُ ْ ل عَل َي َْها وَ َ ض ّ ما ي َ ِ ل فَإ ِن ّ َ ض ّ
ن َ م ْوَ َ
ن ){ (109 مي َ حاك ِ ِ ْ
خي ُْر ال َ ه وَهُوَ َ ّ
م الل ُ ُ
حك َ حّتى ي َ ْ صب ِْر ََوا ْ
يقول تعالى آمرا لرسوله ،صلوات الله وسلمه عليه ،أن يخبر الناس أن
الذي جاءهم به من عند
__________
) (1في أ " :من دون الله من شيء حقا".
) (2في ت " :أعبد".
) (3في ت " ،ل يشركه".
) (4تاريخ دمشق )" (8/328المخطوط"( ورواه البيهقي في شعب اليمان
برقم ) (1121من طريق عبد الله بن وهب به ،ورواه ابن عبد البر في
التمهيد ) (5/339والبيهقي في شعب اليمان برقم ) (1122من طريق عمرو
بن الربيع بن طاق عن يحيى بن أيوب به نحوه ورمز له السيوطي بالضعف
في الجامع.
) (5تاريخ دمشق )" 8/328المخطوط"( ورواه ابن أبي الدنيا في الفرج بعد
الشدة برقم ) (27من طريق رويم بن يزيد عن الليث به مرفوعا ،ورواه
البيهقي في شعب اليمان برقم ) (1123من طريق يحيى بن بكير عن الليث
به مرفوعا .وقال البيهقي " :هذا هو المحفوظ دون الول" والول حديث
أنس.
) (4/300
الله هو الحق الذي ل مرية فيه ول شك ،فمن اهتدى به واتبعه فإنما يعود
نفع ذلك التباع على نفسه ] ،ومن ضل عنه ) (1فإنما يرجع وبال ذلك عليه )
(3) [ (2
ل { أي :وما أنا موكل بكم حتى تكونوا مؤمنين به ، ُ َ َ
كي ٍم ب ِوَ ِ
ما أَنا عَلي ْك ْ
} وَ َ
وإنما أنا نذير لكم ،والهداية على الله تعالى.
صب ِْر { أي :تمسك بما أنزل الله عليك ك َوا ْ حى إ ِل َي ْ َ
ما ُيو َ وقوله َ } :وات ّب ِعْ َ
ه{ ّ
م الل ُ ُ
حك َحّتى ي َ ْ
وأوحاه ) (4واصبر على مخالفة من خالفك من الناس َ } ،
ن { أي :خير الفاتحين بعدله )(5 مي َ خي ُْر ال ْ َ
حاك ِ ِ أي :يفتح بينك وبينهم } ،وَهُوَ َ
وحكمته.
__________
) (1في ت " :عن ذلك".
) (2في ت " :على نفسه".
) (3زيادة من ت ،أ.
) (4في ت ،أ " :وأوحاه إليك".
) (5في ت ،أ " :لعدله".
) (4/301
) (4/302
) (4/303
ما م ي َعْل َ ُ
م َ ن ث َِياب َهُ ْ ست َغْ ُ
شو َ ن يَ ْ ه أ ََل ِ
حي َ من ْ ُ
فوا ِخ ُست َ ْم ل ِي َ ْ
دوَرهُ ْ ص ُ
ن ُ م ي َث ُْنو َ
َ
أَل إ ِن ّهُ ْ
دورِ )(5
ص ُ ت ال ّ ذا ِم بِ َ ه عَِلي ٌ ن إ ِن ّ ُ
ما ي ُعْل ُِنو َ
ن وَ َ سّرو َ يُ ِ
وقد جاء في الصحيح :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسعد :
جْرت بها ،حتى ما تجعل في "وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله ،إل أ ِ
ِفي ) (1امرأتك" ).(2
وقال ابن جرير :حدثت عن المسيب بن شريك ،عن أبي بكر ،عن سعيد بن
ه { قال :من ضل َ ُ ل فَ ْ ض ٍل ِذي فَ ْ ت كُ ّ جبير ،عن ابن مسعود في قوله } :وَي ُؤْ ِ ُ
عمل سيئة كتبت عليه سيئة ،ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات .فإن
عوقب بالسيئة التي كان عملها في الدنيا بقيت له عشر حسنات ،وإن لم
يعاقب بها في الدنيا أخذ من الحسنات العشر واحدة وبقيت له تسع حسنات.
ثم يقول :هلك من غلب آحاده أعشاره ).(3
ب ي َوْم ٍ ك َِبيرٍ { هذا تهديد شديد ذا َ م عَ َ ف عَل َي ْك ُ ْ خا ُ وا فَإ ِّني أ َ َ ن ت َوَل ّ ْ وقوله } :وَإ ِ ْ
لمن تولى عن أوامر الله تعالى ،وكذب رسله ،فإن العذاب يناله يوم معاده
م { أي :معادكم يوم القيامة } ،وَهُوَ عََلى جعُك ُ ْ مْر ِ ) (4ل محالة } ،إ َِلى الل ّهِ َ
ديٌر { أي :وهو القادر على ما يشاء من إحسانه إلى أوليائه ، يٍء قَ ِ ش ْ ل َ كُ ّ
وانتقامه من أعدائه ،وإعادة ) (5الخلئق يوم القيامة ،وهذا مقام الترهيب ،
كما أن الول مقام ترغيب.
َ َ َ
ما
م َ م ي َعْل ُ ن ث َِياب َهُ ْ شو َ ست َغْ ُن يَ ْ حي َ ه أل ِ من ْ ُ فوا ِ خ ُست َ ْ م ل ِي َ ْ
دوُرهُ ْ ص ُ ن ُ م ي َث ُْنو َ } أل إ ِن ّهُ ْ
دورِ ){ (5 ص ُ ت ال ّ ذا ِم بِ َ ه عَِلي ٌن إ ِن ّ ُ ما ي ُعْل ُِنو َ ن وَ َ سّرو َ يُ ِ
قال ابن عباس :كانوا يكرهون أن يستقبلوا السماء بفروجهم ،وحال وقاعهم
جَرْيج ،عن محمد بن ،فأنزل الله هذه الية .رواه البخاري من حديث ابن ُ
َ
هم" ،فقلت : دور ُ ص ُم ت َْثنوني )ُ (6 عباد بن جعفر ؛ أن ابن عباس قرأ " :أل إ ِن ّهُ ْ
يا أبا عباس ،ما تثنوني ) (7صدورهم ؟ قال :الرجل كان يجامع امرأته
َ
هم". دور ُ ص ُ م ت َْثنوني )ُ (8 فيستحيي -أو :يتخلى فيستحيي فنزلت " :أل إ ِن ّهُ ْ
وفي لفظ آخر له :قال ابن عباس :أناس كانوا يستحيون أن يتخلوا ،
فيفضوا إلى السماء ،وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء ،فنزل ذلك
فيهم.
ثم قال :حدثنا الحميدي ،حدثنا سفيان ،حدثنا عمرو قال :قرأ ) (9ابن
ن ث َِياب َُهم".شو َ ستغْ ُ ن يَ ْ حي َه َأل ِ من ْ ُ فوا ِ خ ُ ست َ ْ هم ل ِي َ ْ دور ُ ص ُم ي َْثنوني ُ
َ
عباس "أل إ ِن ّهُ ْ
__________
في ت ،أ " :في فم". )(1
صحيح البخاري برقم ) (6373وصحيح مسلم برقم ).(1628 )(2
تفسير الطبري ).(15/231 )(3
في ت " :معاذه". )(4
في ت ،أ " :وإعادته". )(5
في ت ،أ " :تثنون". )(6
في ت ،أ " :تثنون". )(7
في ت ،أ " :يثنون". )(8
في ت " :قال". )(9
) (4/304
) (4/305
َْ
ست َوْد َعََها ك ُ ّ
ل م ْ
ها وَ ُ
قّر َ
ست َ َ
م ْ ض إ ِّل عََلى الل ّهِ رِْزقَُها وَي َعْل َ ُ
م ُ ن َداب ّةٍ ِفي الْر ِ
م ْما ِ
وَ َ
ن )(6 بي م
َِ ٍ ُ ِ ٍ ب تا ك فيِ
) (4/305
عند تلك الية (1) :فالله أعلم ،وأن جميع ذلك مكتوب في كتاب عند الله
ر
طائ ِ ٍ ن َداب ّةٍ ِفي الْرض َول َ م ْ ما ِ مبين عن جميع ذلك ،كما قال تعالى } :وَ َ
ِ يطير بجناحيه إل أ ُم َ
م
م إ ِلى َرب ّهِ ْ َ يٍء ث ُ ّ ش ْ ن َ م ْ ب ِ ما فَّرط َْنا ِفي الك َِتا ِ
ْ م َ مَثال ُك ُ ْ مأ ْ َ ٌ َ ِ ُ ِ َ َ َ ْ ِ ِ
مَها ِإل َ
ب ل ي َعْل ُ ْ
ح الغَي ْ ِ فات ِ ُ م َ عن ْد َه ُ َ ن { ]النعام ، [38 :وقوله ) } : (2وَ ِ شُرو َ ح َ يُ ْ
حب ّةٍ ِفي مَها َول َ َ
ن وََرقةٍ ِإل ي َعْل ُ َ م ْقط ِ ُ س ُ
ما ت َ ْ حرِ وَ َ ْ
ما ِفي الب َّر َوالب َ ْ ْ م َ َ
هُوَ وَي َعْل ُ
ن { ]النعام .[59 : ْ ظ ُل ُ َ
مِبي ٍ ب ُ
َ
س ِإل ِفي ك َِتا ٍ ب َول َياب ِ ٍ ض َول َرط ٍ ت الْر ِ ما ِ
ماِء ه عََلى ال ْ َ ش ُ ن عَْر ُ كا َست ّةِ أّيام ٍ وَ َ ض ِفي ِ ت َوالْر َ ماَوا ِ س َ خل َقَ ال ّ ذي َ } وَهُوَ ال ّ ِ
َ ل ِيبل ُوك ُ َ
قول َ ّ
ن ت ل َي َ ُمو ْ ِ ن ب َعْدِ ال ْ َ م ْ ن ِ مب ُْعوُثو َ م َت إ ِن ّك ُ ْ ن قُل ْ َ مل وَل َئ ِ ْ ن عَ َ س ُ ح َ مأ ْ م أي ّك ُ ْ َْ َ ْ
ذاب إَلى أ ُ ْ ذا إل سحر مبين ) (7ول َئ ِن أ َ
ة
ّ ٍم َ ِ َ ع ل
ُْ ُ َا م ه ن َ ع نا ر
ْ َ خ
ّ َ ْ ِ ْ ٌ ُ ِ ٌ ِ َ ه
ِ ْ َ ن إ روا ُ َ فَ ك ن
ذي َ ال ّ ِ
ْ َ
مام َ حاقَ ب ِهِ ْ م وَ َ صُروًفا عَن ْهُ ْ م ْ س َ م ل َي ْ َ م ي َأِتيهِ ْ ه أل ي َوْ َ س ُ حب ِ ُ ما ي َ ْ ن َ قول ُ ّ دود َةٍ ل َي َ ُ معْ ُ َ
ن ){ (8 ُ
ئو ز
ِ َ ْ ْ ِ َ ه َ ت س ي ِ ه ب نوا ُ َ
كا
يخبر تعالى عن قدرته على كل شيء ،وأنه خلق السموات والرض في ستة
أيام ،وأن عرشه كان على الماء قبل ذلك ،كما قال المام أحمد :
حرِْز
م ْ داد ،عن صفوان بن ُ ش ّ حدثنا أبو معاوية ،حدثنا العمش ،عن جامع بن َ
،عن عمران بن حصين قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :اقبلوا
البشرى يا بني تميم" .قالوا :قد بشرتنا فأعطنا .قال " :اقبلوا البشرى يا
أهل اليمن" .قالوا :قد قبلنا ،فأخبرنا عن أول هذا المر كيف كان ؟ قال :
"كان الله قبل كل شيء ،وكان عرشه على الماء ،وكتب في اللوح
المحفوظ ذكر كل شيء" .قال :فأتاني آت فقال :يا عمران ،انحلت ناقتك
من عقالها .قال :فخرجت في إثرها ،فل أدري ما كان بعدي ).(3
وهذا الحديث مخرج في صحيحي البخاري ومسلم بألفاظ كثيرة ) (4؛ فمنها :
قالوا :جئناك نسألك عن أول هذا المر فقال " :كان الله ولم يكن شيء قبله
-وفي رواية :غيره -وفي رواية :معه -وكان عرشه على الماء ،وكتب في
ل شيء ،ثم خلق السموات والرض". الذكر ك ّ
وفي صحيح مسلم ،عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال :قال رسول الله
در مقادير الخلئق قبل أن يخلق السموات صلى الله عليه وسلم " :إن الله ق ّ
والرض بخمسين ألف سنة ،وكان عرشه على الماء" ).(5
وقال البخاري في تفسير هذه الية :حدثنا أبو اليمان ،أخبرنا شعيب ،حدثنا
أبو الّزَناد ِ ،عن العرج ،عن أبي هريرة ،رضي الله عنه ؛ أن رسول الله
ق ُ
فق أنف ْ
صلى الله عليه وسلم قال " :قال الله عز وجل :أن ِ
__________
) (1عند تفسير الية 98 :من سورة النعام.
) (2في ت ،أ " :وقال تعالى".
) (3المسند ).(4/431
) (4صحيح البخاري برقم ) (7418 ، 4386 ، 4365 ، 3191 ، 3190ولم
أعثر عليه في صحيح مسلم.
) (5صحيح مسلم برقم ).(2653
) (4/306
ل والنهار" وقال حاَء اللي َ عليك" .وقال " :يد الله ملى ل َيغيضها نفقة ،س ّ
"أفرأيتم ) (1ما أنفق منذ خلق السموات والرض ،فإنه لم َيغض ما في
يده ،وكان عرشه على الماء ،وبيده الميزان يخفض ويرفع" ).(2
َ
وقال المام أحمد :حدثنا يزيد بن هارون ،أخبرنا حماد بن سلمة ،عن ي َعْلى
قيط بن عامر دس ،عن عمه أبي َرِزين -واسمه ل َ ِ كيع بن عُ ُ بن عَ َ
طاء ،عن وَ ِ
قْيلي -قال :قلت :يا رسول الله ،أين كان ربنا قبل أن بن المنتفق ) (3العُ َ
ماء ،ما تحته هواء وما فوقه هواء ،ثم خلق يخلق خلقه ؟ قال " :كان في عَ َ
العرش بعد ذلك".
وقد رواه الترمذي في التفسير ،وابن ماجه في السنن من حديث يزيد بن
هارون به ) (4وقال الترمذي :هذا حديث حسن.
ماِء { قبل أن يخلق شيئا .وكذا قال ه عََلى ال ْ َ ش ُ ن عَْر ُ وقال مجاهد } :وَ َ
كا َ
منّبه ،وضمرة بن حبيب ،وقاله قتادة ،وابن جرير ،وغير واحد. وهب بن ُ
ماِء { ينبئكم كيف كان بدء ْ َ
ه عَلى ال َ ش ُن عَْر ُ كا َ وقال قتادة في قوله } :وَ َ
خلقه قبل أن يخلق السموات والرض.
ماِء { فلما خلق السموات ْ َ
ه عَلى ال َ ش ُن عَْر ُ كا َ وقال الربيع بن أنس } :وَ َ
والرض ،قسم ذلك الماء قسمين ،فجعل نصفا تحت العرش ،وهو البحر
المسجور.
وقال ابن عباس :إنما سمي العرش عرشا لرتفاعه.
وقال إسماعيل بن أبي خالد ،سمعت سعدا الطائي يقول :العرش ياقوتة
حمراء.
تماَوا ِ
س َ َ
خلقَ ال ّ ذي َ ّ
وقال محمد بن إسحاق في قوله تعالى } :وَهُوَ ال ِ
ماِء { فكان كما ) (5وصف نفسه ه عََلى ال ْ َ ش ُ ن عَْر ُ كا َ ست ّةِ أ َّيام ٍ وَ َ ض ِفي ِ َوالْر َ
تعالى ،إذ ليس إل الماء وعليه العرش ،وعلى العرش ذو الجلل والكرام ،
والعزة والسلطان ،والملك والقدرة ،والحلم والعلم ،والرحمة والنعمة ،
الفعال لما يريد.
من َْهال بن عمرو ،عن سعيد بن جبير قال :سئل ابن وقال العمش ،عن ال ِ
ماِء { على أي شيء كان ه عََلى ال ْ َ ش ُ ن عَْر ُ كا َ عباس عن قول الله } :وَ َ
الماء ؟ قال :على متن الريح.
َ وقوله تعالى } :ل ِيبل ُوك ُ َ
مل { أي :خلق السموات والرض ن عَ َ س ُ ح َ مأ ْ م أي ّك ُ ْ َْ َ ْ
لنفع عباده الذين خلقهم ليعبدوه وحده ل شريك له ،ولم يخلق ذلك عبثا ،
ن ن ال ّ ِ
ذي َ ك ظَ ّ طل ذ َل ِ َ ما َبا ِ
ما ب َي ْن َهُ َ
ض وَ َ ماَء َوالْر َ س َقَنا ال ّ خل َ ْ ما َ كما قال تعالى } :وَ َ
ن الّنارِ { ]ص (6) ، [27 :وقال تعالى : م َ فُروا ِ ن كَ َ ل ل ِل ّ ِ
ذي َ فُروا فَوَي ْ ٌ كَ َ
َ َ َ
ق
ح ّك ال ْ َ ه ال ْ َ
مل ِ ُ ن فَت ََعاَلى الل ّ ُ جُعو َ م إ ِل َي َْنا ل ت ُْر َ م عَب ًَثا وَأن ّك ُ ْ خل َ ْ
قَناك ُ ْ ما َ م أن ّ َ سب ْت ُ ْ
ح ِ} أفَ َ
ريم ِ { ]المؤمنون ، [116 ، 115 : َ
ش الك ِ ْ ْ ل إ ِل َ َ
ب العَْر ِ ه ِإل هُوَ َر ّ
__________
) (1في ت ،أ " :أرأيت".
) (2صحيح البخاري برقم ).(4684
) (3في ت ،أ " :المتفق".
) (4المسند ) (4/11وسنن الترمذي برقم ) (3109وسنن ابن ماجه برقم )
.(182
) (5في ت " :مما".
) (6في أ " :السموات".
) (4/307
ن { ]الذاريات .[56 : دو ِ س ِإل ل ِي َعْب ُ ُ ن َوالن ْ َ ج ّ ت ال ْ ِ ق ُ خل َ ْ ما َ وقال تعالى } :وَ َ
َ َ
مل { ولم يقل :أكثر ن عَ َ س ُ ح َ مأ ْ ُ
م { أي :ليختبركم } أي ّك ْ وقوله } :ل ِي َب ُْلوك ُ ْ
مل { ول يكون العمل حسنا حتى يكون خالصا لله عز َ
ن عَ َ س ُح َ عمل بل } أ ْ
وجل ،على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم .فمتى فقد العمل
واحدا من هذين الشرطين بطل وحبط.
ن
فُروا إ ِ ْ َ
نك َ ذي َ ّ
ن ال ِ َ
قول ّ َ
ت لي َ ُ مو ْ ِ ْ
ن ب َعْدِ ال َ م ْ ن ِ مب ُْعوُثو َ م َ ت إ ِن ّك ُ ْ ن قُل ْ َ وقوله } :وَل َئ ِ ْ
ن { يقول تعالى :ولئن أخبرت يا محمد هؤلء المشركين أن مِبي ٌ حٌر ُ س ْ ذا ِإل ِ هَ َ
الله سيبعثهم بعد مماتهم كما بدأهم ،مع أنهم يعلمون أن الله تعالى هو الذي
خل َ َ َ
مقهُ ْ ن َ م ْ م َ سأل ْت َهُ ْ ن َ خلق السموات والرض ] ،كما قال تعالى }َ :وَل َئ ِ ْ
ت
ماَوا ِ س َ خلقَ ال ّ َ ن َ م ْ م َ سأل ْت َهُ ْ ن َ ه { ]الزخرف } ، [87 :وَل َئ ِ ْ ن الل ّ ُ
قول ُ ّل َي َ ُ
ه { ]العنكبوت (1) ، [61 :وهم ن الل ّ ُ قول ُ ّ مَر ل َي َ ُ ق َس َوال ْ َ م َ ش ْ خَر ال ّ س ّ ض[ وَ َ َوالْر َ
مع هذا ينكرون البعث والمعاد يوم القيامة ،الذي هو بالنسبة إلى القدرة
و
م ي ُِعيد ُه ُ وَهُ َ خل ْقَ ث ُ ّ ذي ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ أهون من البداءة ،كما قال تعالى } :وَهُوَ ال ّ ِ
خل ْ ُ َ
س
ف ٍ م ِإل ك َن َ ْ م َول ب َعْث ُك ُ ْ قك ُ ْ ما َ ن عَل َي ْهِ { ]الروم ، [27 :وقال تعالى َ } : أهْوَ ُ
ن { أي :يقولون مِبي ٌ حٌر ُ س ْ ذا ِإل ِ ن هَ َ حد َةٍ { ]لقمان [28 :وقولهم ) } : (2إ ِ ْ َوا ِ
كفرا وعنادا ما نصدقك ) (3على وقوع البعث ،وما يذكر ذلك ) (4إل من
سحرته ،فهو يتبعك على ما تقول.
ُ َ ُ َ م ال ْعَ َ ن أَ ّ
ه{ س ُحب ِ ُ ما ي َ ْ ن َ قول ّ دود َةٍ لي َ ُ معْ ُ مةٍ َ ب إ ِلى أ ّ ذا َ خْرَنا عَن ْهُ ُ وقوله } :وَل َئ ِ ْ
يقول تعالى :ولئن أخرنا العذاب والمؤاخذة عن هؤلء المشركين إلى أجل
معدود وأمد محصور ،وأوعدناهم به إلى مدة مضروبة ،ليقولن تكذيبا
ه { أي :يؤخر هذا العذاب عنا ،فإن سجاياهم قد ألفت س ُ حب ِ ُما ي َ ْ واستعجال } َ
التكذيب والشك ،فلم يبق لهم محيص عنه ول محيد.
و"المة" تستعمل في القرآن والسنة في معان متعددة ،فيراد بها :المد ،
ُ
دود َةٍ { وقوله في ]سورة[ ) (5يوسف : معْ ُ مةٍ َ كقوله في هذه الية } :إ َِلى أ ّ
ُ
مةٍ { ]يوسف ، [45 :وتستعمل في ما َواد ّك ََر ب َعْد َ أ ّ من ْهُ َجا ِ ذي ن َ َ ل ال ّ ِ } وََقا َ
م يَ ُ َ ّ ُ م َ
ن
م َ ك ِ فا وَل ْ ة َقان ًِتا ل ِلهِ َ
حِني ً م ً
نأ ّ كا َ هي َن إ ِب َْرا ِ المام المقتدى به ،كقوله } :إ ِ ّ
ن { ]النحل ، [120 :وتستعمل في الملة والدين ،كقوله إخبارا عن كي َ
شرِ ِ م ْال ْ ُ
ُ
ن{ دو َ قت َ ُ
م ْ م ُ مةٍ وَإ ِّنا عََلى آَثارِهِ ْ جد َْنا آَباَءَنا عََلى أ ّ المشركين أنهم قالوا } :إ ِّنا وَ َ
نمد ْي َ َ ماَء َ ما وََرد َ َ َ
]الزخرف ، [23 :وتستعمل في الجماعة ،كقوله } :وَل ّ
َ ُ
قد ْن { ]القصص ، [23 :وقال تعالى } :وَل َ قو َ س ُ س يَ ْ
ن الّنا َِ م َ ة ِ جد َ عَل َي ْهِ أ ّ
م ً وَ َ
ت { ]النحل ، [36 : ّ
جت َن ُِبوا الطا ُ ّ ُ ُ ُ
ب َعَث َْنا ِفي ك ّ
غو َ ه َوا ْ دوا الل َ ن اعْب ُ ُ سول أ ِ مةٍ َر ُ لأ ّ
ْ ُ ُ ُ
مط وَهُ ْ س ِ ق ْ م ِبال ِ ي ب َي ْن َهُ ْ ض َ م قُ ِ سولهُ ْ جاَء َر ُ ل فَإ َِذا َ سو ٌ مةٍ َر ُ لأ ّ وقال تعالى } :وَل ِك ّ
ن { ]يونس .[47 : مو َ ل ي ُظ ْل َ ُ
والمراد من المة هاهنا :الذين يبعث فيهم الرسول ) (6مؤمنهم وكافرهم ،
كما ]جاء[ ) (7في
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2في ت ،أ " :وقوله".
) (3في ت " :ما يصدقك".
) (4في ت " :وما تذكره من ذلك".
) (5زيادة من أ.
) (6في أ " :الرسل".
) (7زيادة من ت.
) (4/308
) (4/309
) (4/310
ست َط َعْت ُ ْ
م نا ْ ِ م
عوا َت َواد ْ ُ فت ََرَيا ٍ مث ْل ِهِ ُ
م ْ سوَرٍ ِ شرِ ُ ل فَأ ُْتوا ب ِعَ ْ ن افْت ََراه ُ قُ ْ قوُلو َ م يَ ُ أ ْ
َ
لما أ ُن ْزِ َ َ
موا أن ّ َ م َفاعْل َ ُجيُبوا ل َك ُ ْست َ ِ ن لَ ْ
م يَ ْ ن ) (13فَإ ِ ْ صادِِقي َ م َ ن ك ُن ْت ُ ْ ن الل ّهِ إ ِ ْ ن ُدو ِ م ْ ِ
حَياةَ الد ّن َْيا ْ لا د ري ي ن َ
كا ن م (14 ) ن مو ل س م م ت نَ أ ْ
ل هَ ف و ه ّ
ل إ ه َ لإ َ
ل ن َ أ و ه ّ ل ال م ْ ل ع
َ ُ ِ ُ َ َ ْ ْ ُ ْ ُ َِ ُ ْ َ َ ُ ِ َ ِ َ ْ ِ ِ ِ بِ
ن ل َي ْ َ
س ذي َ ن )ُ (15أول َئ ِ َ
ك ال ّ ِ سو َ م ِفيَها َل ي ُب ْ َ
خ ُ م ِفيَها وَهُ ْمال َهُ ْ
َ
أعْ َ ف إ ِل َي ْهِ ْ
م وَِزين َت ََها ن ُوَ ّ
ن )(16 مُلو َ ما َ
كاُنوا ي َعْ َ ل َ صن َُعوا ِفيَها وََباط ِ ٌ ما َ ط َحب ِ َالّناُر وَ َ خَرةِ إ ِلّ م ِفي اْل َ ِ ل َهُ ْ
) (4/310
ن َرب ّهِ وَي َت ُْلوه ُ َ َ
ما
ما ً
سى إ ِ َ مو َ ب ُ ن قَب ْل ِهِ ك َِتا ُ م ْ
ه وَ ِ من ْ ُ
شاهِد ٌ ِ م ْ ن عََلى ب َي ّن َةٍ ِ كا َ ن َ م ْأفَ َ
ك ِفي عد ُه ُ فََل ت َ ُ ب َفالّناُر َ
مو ْ ِ حَزا ِ ن اْل َ ْ م َ ن ي َك ْ ُ
فْر ب ِهِ ِ م ْن ب ِهِ وَ َمُنو َ ة ُأول َئ ِ َ
ك ي ُؤْ ِ م ً
ح َوََر ْ
ن )(17 ْ َ َ ْ َ َ َ ْ
مُنو َ س ل ي ُؤ ِ ن أكثَر الّنا ِ ن َرب ّك وَلك ِ ّ م ْ حقّ ِ ه ال َه إ ِن ّ ُ
من ْ ُ
مْري َةٍ ِ ِ
يعمله ) (1إل التماس الدنيا ،يقول الله :أوفيه الذي التمس في الدنيا من
المثابة ،وحبط عمله الذي كان يعمله التماس الدنيا ،وهو في الخرة من
الخاسرين.
وهكذا روي عن مجاهد ،والضحاك ،وغير واحد.
وقال أنس بن مالك ،والحسن :نزلت في اليهود والنصارى .وقال مجاهد
وغيره :نزلت في أهل الرياء ).(2
دمه ) (3وط َل َِبته ونيته ،جازاه الله وقال قتادة :من كانت الدنيا همه َ َ َ
س و
بحسناته في الدنيا ،ثم يفضي إلى الخرة وليس له حسنة يعطى بها جزاء.
وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الخرة.
وقد ورد في الحديث المرفوع نحو من هذا ).(4
ريد ُ ث ُ ّ
م ن نُ ِ م ْ شاُء ل ِ َ ما ن َ َ ه ِفيَها َ جل َْنا ل َ ُ ة عَ ّ جل َ َ ريد ُ ال َْعا ِ ن يُ ِ كا َ ن َ م ْ وقال تعالى َ } :
َ َ
و
سعْي ََها وَهُ َ سَعى لَها َ خَرةَ وَ َ ن أَراد َ ال ِ م ْ حوًرا وَ َ مد ْ ُ ما َ مو ً مذ ْ ُ ها َ صل َ م يَ ْ جهَن ّ َ ه َ جعَل َْنا ل َ ُ َ
ن عَطاِء َرب ّ َ َ ؤلِء وَهَ ُ مد ّ ه َ ُ ُ ُ م ْ َ ن فَأولئ ِ َ َ ُ
ما
ك وَ َ م ْ ؤلِء ِ شكوًرا كل ن ُ ِ م َ سعْي ُهُ ْ ن َ ك كا َ م ٌ مؤ ْ ِ ُ
ْ َ
خَرةُ أكب َُر ض وَلل ِ َ ع ب لى َ َ ع م ه ض ع ب نا ْ ل ض َ ف ف
َ يَ ك ر ُ ظ ن ا را ظو ُ ح م ك َ ب ر ُ ء طاَ َ ع ن َ
كا
ٍ ْ َ ُ ْ َ ْ َ َ ّ ْ ْ ْ ً ْ َ ّ َ َ
ن َ َ
ن
كا َ ْ م
َ } : تعالى وقال (5 ) ، [ 21 - 18 : ]السراء { ضيل ِ ْ ف َ ت رت وَأك ْب ُ
َ جا ٍ د ََر َ
مامن َْها وَ َ ث الد ّن َْيا ن ُؤْت ِهِ ِ حْر َ ريد ُ َ ن يُ ِ َ
ن كا َ م ْ حْرث ِهِ وَ َ ه ِفي َ َ
خَرةِ نزد ْ ل ُ ث ال ِ حْر َ ريد ُ َ يُ ِ
ب { ]الشورى .[20 : صي ٍ ن نَ ِ م ْ خَرةِ ِ ه ِفي ال ِ لَ ُ
ن َرب ّهِ وَي َت ُْلوه ُ َ َ
ماما ًسى إ ِ َ مو َ ب ُ ن قَب ْل ِهِ ك َِتا ُ م ْ ه وَ ِ من ْ ُ شاهِد ٌ ِ م ْ ن عََلى ب َي ّن َةٍ ِ كا َ ن َ م ْ } أفَ َ
عد ُه ُ َفل ت َ ُ ن ي َك ْ ُ ة أول َئ ِ َ ُ
ك ِفي مو ْ ِ ب َفالّناُر َ حَزا ِ ن ال ْ م َ فْر ب ِهِ ِ م ْ ن ب ِهِ وَ َ مُنو َ ك ي ُؤْ ِ م ً ح َ وََر ْ
ن ){ (17 ْ َ ْ َ َ َ ْ
مُنو َ س ل ي ُؤ ِ ن أكثَر الّنا ِ ن َرب ّك وَلك ِ ّ م ْ حقّ ِ ه ال َ ه إ ِن ّ ُ من ْ ُ مْري َةٍ ِ ِ
يخبر تعالى عن حال المؤمنين الذين هم على فطرة الله تعالى التي فطر
َ
عليها عباده ،من العتراف له بأنه ل إله إل هو ،كما قال تعالى } :فَأقِ ْ
م
ق الل ّهِ ذ َل ِ َ
ك خل ِ
ل لِ َ ْ دي َ س عَل َي َْها ل ت َب ْ ِ فا فِط َْرةَ الل ّهِ ال ِّتي فَط ََر الّنا َ حِني ً ن َ دي ِ ك ِلل ّ جهَ َ وَ ْ
م { ]الروم ، [30 :وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال :قال قي ّ ُ ن ال َْ دي ُ ال ّ
رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل مولود يولد على الفطرة ،فأبواه
سون ح ّ معاء ،هل ت ُ ِ ج ْ جسانه ،كما تولد البهيمة بهيمة َ م ّ صرانه وي ُ َ ودانه وي ُن َ ّ ي ُهَ ّ
فيها من جدعاء ؟" ) .(6وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار ،عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم
__________
) (1في ت " :ل يعلمه".
) (2في ت " :الربا".
) (3في ت " :وشدته".
) (4لعل الحافظ يقصد الحديث الذي رواه البزار والطبراني من حديث أنس
ولفظه " :من كانت الدنيا همته وسدمه ،ولها شخص وإياها +ينوى ،جعل
الله الفقر بين عينيه وشتت عليه ضيعته ،ولم يأته منها إل ما كتب له منها ،
ومن كانت الخرة همته وسدمه ،ولها شخص ،وإياها +ينوى ،جعل الله عز
وجل الغنى في قلبه وجمع عليه ضيعته وأتته الدنيا وهي صاغرة" .ورواه
الترمذي في السنن برقم ) (2465عن أنس بأخصر من هذا ،ورواه ابن
ماجه في السنن عن زيد بن ثابت مرفوعا بنحوه.
) (5في ت " :ما يشاء".
) (6صحيح البخاري برقم ) (1385وصحيح مسلم برقم ).(2658
) (4/311
فاء ،فجاءتهم الشياطين حن َ َقال " :يقول الله تعالى :إني خلقت عبادي ُ
ت عليهم ما أحللت لهم" ) .(1وفي المسند م ْ حّر َ فاجتالتهم عن دينهم ،و َ
رب عنه لسانه" )(2 والسنن " :كل مولود يولد على هذه الملة ،حتى ُيع ِ
ه{ من ْ ُ
شاهِد ٌ ِ ُ
الحديث ،فالمؤمن باق على هذه الفطرة] .وقوله } :وَي َت ْلوه ُ َ
أي[ ) : (3وجاءه شاهد من الله ،وهو ما أوحاه إلى النبياء ،من الشرائع
مةِ بشريعة محمد ،صلوات الله وسلمه خت َت َ َم ْظمة ال ُ مَلة المع ّ مك َ ّ المطهَرة ال ُ
رمة ،وأبو العالية ْ
عك ِ عليه وعليهم أجمعين .ولهذا قال ابن عباس ،ومجاهد ،و ِ
دي ،وغير واحد في قوله تعالى : س ّ
خعي ،وال ّ ،والضحاك ،وإبراهيم الن ّ َ
ه { إنه جبريل عليه السلم. من ْ ُ شاهِد ٌ ِ } وَي َت ُْلوه ُ َ
وعن علي ،والحسن ،وقتادة :هو محمد صلى الله عليه وسلم.
وكلهما قريب في المعنى ؛ لن كل من جبريل ومحمد ،صلوات الله عليهما ،
بّلغ رسالة الله تعالى ،فجبريل إلى محمد ،ومحمد إلى المة ).(4
ي .وهو ضعيف ل يثبت له قائل ،والول والثاني هو الحق ؛ وقيل :هو عل ّ
وذلك أن المؤمن عنده من الفطرة ما يشهد للشريعة من حيث الجملة ،
والتفاصيل تؤخذ من الشريعة ،والفطرة تصدقها وتؤمن بها ؛ ولهذا قال
ّ ن َرب ّهِ وَي َت ُْلوه ُ َ َ
ه { وهو القرآن ،بلغه من ْ ُ
شاهِد ٌ ِ م ْ ن عََلى ب َي ّن َةٍ ِ كا َ ن َ م ْ تعالى } :أفَ َ
جبريل إلى النبي ]محمد[ ) (5صلى الله عليه وسلم ،وبلغه النبي محمد إلى
أمته.
سى { أي :ومن قبل ]هذا[ ) (6القرآن مو َ ب ُ ن قَب ْل ِهِ ك َِتا ُ م ْثم قال تعالى } :وَ ِ
ة { أي :أنزل الله تعالى إلى تلك م ً
ح َما وََر ْ ما ً كتاب موسى ،وهو التوراة } ،إ ِ َ
المة إماما لهم ،وقدوة ) (7يقتدون بها ،ورحمة من الله بهم .فمن آمن بها
حق اليمان قاده ذلك إلى اليمان بالقرآن ؛ ولهذا قال تعالى ُ } :أول َئ ِ َ
ك
ن ب ِهِ {. مُنو َ ي ُؤْ ِ
نم َ فْر ب ِهِ ِ ْ
ن ي َك ُ م ْ
ثم قال تعالى متوعدا لمن كذب بالقرآن أو بشيء منه } :وَ َ
عد ُهُ { أي :ومن كفر بالقرآن من سائر أهل الرض مو ْ ِ ب َفالّناُر َ حَزا ِ ال ْ
مشركيهم :أهل ) (8الكتاب وغيرهم ،من سائر طوائف بني آدم على
اختلف ألوانهم وأشكالهم وأجناسهم ،ممن بلغه القرآن ،كما قال تعالى :
َ ن ب َل َغَ { ]النعام ، [19 :وقال تعالى } :قُ ْ
س
ل َيا أي َّها الّنا ُ م ْ م ب ِهِ وَ َ } لن ْذَِرك ُ ْ
فْرن ي َك ْ ُم ْ ميًعا { ]العراف .[158 :وقال تعالى } :وَ َ ج ِ م َ َ
ل اللهِ إ ِلي ْك ُ ْ ّ سو ُ إ ِّني َر ُ
عد ُه ُ { وفي صحيح مسلم ،من حديث شعبة ،عن مو ْ ِ ب َفالّناُر َ حَزا ِ ن ال ْ م َب ِهِ ِ
أبي بشر عن سعيد بن جبير عن أبي موسى الشعري ،رضي الله عنه ،أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :والذي نفسي بيده ،ل يسمع بي
أحد من هذه المة يهودي أو نصراني ،ثم ل يؤمن بي إل دخل النار" ).(9
__________
) (1صحيح مسلم برقم ).(2865
) (2رواه المام أحمد في المسند ) (3/353من طريق أبي جعفر عن الربيع
بن أنس عن الحسن عن جابر به.
) (3زيادة من ت ،أ.
) (4في أ " :أمته".
) (5زيادة من ت ،أ.
) (6زيادة من أ.
) (7في ت " :وقد".
) (8في ت " :وأهل".
) (9كذا ،والحديث في صحيح مسلم برقم ) (153من حديث أبي هريرة ،
وإنما رواه بهذا السند الطبري في تفسيره ) (15/281وأحمد في مسنده )
(4/396وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ).(8/261
) (4/312
قو ُ
ل م وَي َ ُن عََلى َرب ّهِ ْضو َك ي ُعَْر ُ ن افْت ََرى عََلى الل ّهِ ك َذًِبا ُأول َئ ِ َ ِ م
م ّ
م ِ
وم َ
ن أظ ْل َ ُ َ َ ْ
ّ ّ َ ّ َ َ َ َ َ ّ َ اْل َ ْ
ن
ذي َ
ن ) (18ال ِ مي َ ة اللهِ عَلى الظال ِ ِ م أل لعْن َ ُ ن كذ َُبوا عَلى َرب ّهِ ْ شَهاد ُ هَؤُلِء ال ِ
ذي َ
ن )(19 كافُِرو َ م َ
خَرةِ هُ ْ م ِباْل َ ِ جا وَهُ ْ عوَ ً ل الل ّهِ وَي َب ُْغون ََها ِ
سِبي ِ ن َ ن عَ ْ دو َص ّ يَ ُ
وقال أيوب السختياني ،عن سعيد بن جبير قال :كنت ل أسمع بحديث عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهه إل وجدت مصداقه -أو قال :
تصديقه -في القرآن ،فبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :ل
يسمع بي أحد من هذه المة ،ول يهودي ول نصراني ،فل يؤمن بي إل دخل
النار" .فجعلت أقول :أين مصداقه في كتاب الله ؟ قال :وقلما سمعت عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم إل وجدت له تصديقا في القرآن ،حتى
عد ُهُ { قال " :من مو ْ ِ ب َفالّناُر َ حَزا ِ ن ال ْ م َ فْر ب ِهِ ِ ن ي َك ْ ُ م ْ وجدت هذه الية } :وَ َ
الملل كلها" ).(1
ن َرب ّك { أي :القرآن حق من َ م ْ حقّ ِ ه ال َْ ه إ ِن ّ ُمن ْ ُ مْري َةٍ ِ ك ِفي ِ قوله َ } :فل ت َ ُ
ه
ب ِفي ِ ب ل َري ْ َ ل ال ْك َِتا ِ الله ،ل مرية فيه ول شك ،كما قال تعالى } :الم َتنزي ُ
بل ك ال ْك َِتا ُن { ]السجدة ، [2 ، 1 :وقال تعالى } :الم ذ َل ِ َ مي َ ب ال َْعال َ ِ ن َر ّ م ْ ِ
ن[ { ] البقرة .(2) [2 ، 1 : ُ ِّ َ قي ت م ْ ل ِ ل دى ً ُ ه ] َر ْ َ ِ ِ
ه في ب ي
َ َ
سما أك ْث َُر َ الّنا ِ ن { كما قال تعالى } :وَ َ مُنو َ س ل ي ُؤْ ِ ن أك ْث ََر الّنا ِ وقوله } :وَل َك ِ ّ
ن
م ْ ن ت ُط ِعْ أك ْث ََر َ ن { ]يوسف ، [103 :وقال تعالى } :وَإ ِ ْ مِني َ مؤ ْ ِ ت بِ ُ ص َ حَر ْ وَل َوْ َ
قد ْل الل ّهِ { ]النعام ، [116 :وقال تعالى } :وَل َ َ سِبي ِ ن َ ك عَ ْ ضّلو َ ض يُ ِ ِفي الْر ِ
ن { ]سبأ .[20 : مِني َ مؤ ْ ِ ن ال ُ ْ م َ قا ِ ري ً ه َفات ّب َُعوه ُ ِإل فَ ِ س ظن ّ َُ م إ ِب ِْلي ُ صد ّقَ عَل َي ْهِ ْ َ
قو ُ
ل م وَي َ ُ ه ب ر لى َ َ ع ن ضو ر ع ي كَ ِ ئَ ل أو ُ با ذ َ ك ه ّ ل ال لى َ َ ع رى تْ ف ا ن م م م َ ل ْ ظ } ومن أ َ
َ ِ ْ ّ َ ُ َ ْ ُ ً ِ ِ َ َ ُ ِّ َ َ ْ
ن ذي ّ ل ا ( 18 ) ن مي ِ لظا ّ ال لى َ َ ع ه ّ ل ال ة
ُ ن ع َ ل أل ؤلِء ال ّذي ِن ك َذ َبوا عََلى ربهم َ ُ َ ه د شَهاال ْ
َ ِ َ ِ ِ َ ْ ْ َ ِ ّ ُ َ ِ ُ
ن ){ (19 م كافُِرو َ َ خَرةِ هُ ْ م ِبال ِ جا وَهُ ْ عوَ ً ل اللهِ وَي َب ُْغون ََها ِ ّ سِبي ِ ن َ ن عَ ْ دو َ ص ّيَ ُ
__________
) (1رواه الطبري في تفسيره ).(15/280
) (2زيادة من ت ،أ.
) (4/313
ن أ َوْل َِياءَ
م ْن الل ّهِ ِ ن ُدو ِم ْ
م ِ ن ل َهُ ْ َ
كا َ ما
ض وَ َ
َْ
ن ِفي الْر ِ زي َج ِ
معْ ِ
كوُنوا ُ م يَ ُ ُأول َئ ِ َ
ك لَ ْ
ن )(20 صُرو َ ما َ
كاُنوا ي ُب ْ ِ مع َ و َ َس ْال ّ ن
طيُعو َست َ ِ ما َ
كاُنوا ي َ ْ ب َ م ال ْعَ َ
ذا ُ ف ل َهُ ُضاعَ ُ يُ َ
فترون )َ (21ل جر َ سُروا أ َن ْ ُ ُأول َئ ِ َ
م
م أن ّهُ ْ
َ َ َ ما َ
كاُنوا ي َ ْ َ ُ َ م َ ض ّ
ل عَن ْهُ ْ م وَ َ
سهُ ْف َ خ ِن َ ك ال ّ ِ
ذي َ
ن )(22 سُرو َ خ َم اْل َ ْ
خَرةِ هُ ُ ِفي اْل َ ِ
) (4/313
) (4/314
إلى غير ذلك من اليات الدالة على خسرهم ) (1ودمارهم ؛ ولهذا قال } :ل
ن { يخبر تعالى عن حالهم أنهم أخسر جر َ
سُرو َ
خ َ
م ال ْ
خَرةِ هُ ُ
م ِفي ال ِ م أن ّهُ ْ
َ َ َ
الناس صفقة في الدار الخرة ؛ لنهم استبدلوا بالدركات عن الدرجات ،
موم
واعتاضوا عن نعيم الجنان بحميم آن ،وعن شرب الرحيق المختوم َ ،بس ُ
سلين ،وعن ل من يحموم ،وعن الحور العين بطعام من ِغ ْ وحميم ،وظ ِ ّ
القصور العالية بالهاوية ،وعن قرب الرحمن ،ورؤيته بغضب الديان
وعقوبته ،فل جرم أنهم في الخرة هم الخسرون.
خبتوا إَلى ربهم ُأول َئ ِ َ َ َ
جن ّةِ ب ال ْ َ حا ُ ص َكأ ْ َ ِّ ْ ت وَأ ْ َ ُ ِ حا ِ صال ِ َ مُلوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ ن ال ّ ِ } إِ ّ
ميِع هَلْ س ِ صيرِ َوال ّ ْ
م َوالب َ ِ ص ّ مى َوال َ ن كالعْ َ َ ْ ُ َ
قي ْ ِ
ري َف ِ مثل ال َ ن )َ (23 دو َ
َ
خال ِ ُ م ِفيَها َ هُ ْ
ن ){ (24 ّ
مثل أفل ت َذكُرو َ َ َ َ ن َ ست َوَِيا ِ يَ ْ
سَعداء ،وهم الذين آمنوا وعملوا ّ ال بذكر نى ّ َ ث الشقياء حال تعالى ذكر لما
عملت جوارحهم العمال الصالحة قول وفعل من الصالحات ،فآمنت قلوبهم و َ
التيان بالطاعات وترك المنكرات ،وبهذا ورثوا الجنات ،المشتملة على
الغرف العاليات ،والسرر المصفوفات ،والقطوف الدانيات ،والفرش
المرتفعات ،والحسان الخيرات ،والفواكه المتنوعات ،والمآكل المشتهيات )
(2والمشارب المستلذات ،والنظر إلى خالق الرض والسموات ،وهم في
ذلك خالدون ،ل يموتون ول يهرمون ول يمرضون ،وينامون ) (3ول
مسك يعرقون. ح ِ ش ُ طون ،ول يبصقون ول يتمخطون ،إن هو إل َر ْ يتغ ّ
لمث َ ُ ثم ضرب ]الله[ ) (4تعالى مثل الكافرين والمؤمنين ،فقال َ } :
سَعداء ،فأولئك ن { أي :الذين وصفهم أول بالشقاء والمؤمنين ال ّ قي ْ ِ
ري َ ف ِ ال ْ َ
كالعمى والصم ،وهؤلء كالبصير والسميع .فالكافر أعمى عن وجه الحق
في الدنيا ،وفي الخرة ل يهتدي إلى خير ول يعرفه ،أصم عن سماع
وَ
م وَل ْ معَهُ ْ س َ خي ًْرا ل ْ م َ ه ِفيهِ ْ م الل ّ ُ جج ،فل ) (5يسمع ما ينتفع به } ،وَل َوْ عَل ِ َ الح َ
طن ذكي َ ف ف المؤمن وأما ، [ 23 : ]النفال { ن ّ َ َ
ِ م َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ ْ ُ ْ ِ ُ َ
ضو ر ع م م ه و وا ل و ت ل م ه ع س َ أ ْ
لبيب ،بصير بالحق ،يميز ) (6بينه وبين الباطل ،فيتبعُ الخير ويترك الشر ،
سميع للحجة ،يفرق بينها وبين الشبهة ،فل ي َُروج ) (7عليه باطل ،فهل
يستوي هذا وهذا.
َ
ن { أفل تعتبرون وتفرقون بين هؤلء وهؤلء ،كما قال في الية } أَفل ت َذ َك ُّرو َ
َ َ َ
م
جن ّةِ هُ ُ ب ال ْ َ حا ُ ص َ جن ّةِ أ ْ ب ال ْ َ حا ُ ص َب الّنارِ وَأ ْ حا ُ ص َ وي أ ْ ست َ ِ الخرى } :ل ي َ ْ
ت ما ُ ُ ّ
صيُر َول الظل َ ْ
مى َوالب َ ِ وي العْ َ ست َ ِ
ما ي َ ْ ن { ]الحشر [20 :وقال } وَ َ فائ ُِزو َ ال ْ َ
ع
م ُ س ِ ه يُ ْ ن الل ّ َ ت إِ ّ وا ُ م َ
حَياُء َول ال ْ وي ال ْ ست َ ِ ما ي َ ْ حُروُر وَ َ ل َول ال ْ َ َول الّنوُر َول الظ ّ ّ
َ َ َ
ق
ح ّ ك ِبال ْ َ سل َْنا َ ذيٌر إ ِّنا أْر َ ت ِإل ن َ ِ ن أن ْ َ قُبورِ إ ِ ْ ن ِفي ال ْ ُ م ْ مٍع َ س ِ م ْ ت بِ ُ ما أن ْ َ شاُء وَ َ ن يَ َ م ْ َ
ذيٌر { ]فاطر .[24 - 19 : ُ
خل ِفيَها ن َ ِ مةٍ ِإل َ نأ ّ م ْ ن ِ ذيًرا وَإ ِ ْ شيًرا وَن َ ِ بَ ِ
__________
) (1في ت ،أ " :خسارهم".
) (2في ت " :المشهوات".
) (3في ت ،أ " :ل ينامون".
) (4زيادة من ت ،أ.
) (5في ت ،أ " :ول".
) (6في ت " :مميز".
) (7في ت " :فل يزوح".
) (4/315
َ ول َ َ َ
ه إ ِّنيدوا إ ِّل الل ّ َن َل ت َعْب ُ ُ ن ) (25أ ْ مِبي ٌ ذيٌر ُم نَ ِ مهِ إ ِّني ل َك ُ ْ حا إ َِلى قَوْ ِ سل َْنا ُنو ً قد ْ أْر َ َ
ما ن ََرا َ َ ّ ل ال ْمَل ُ ذاب يوم أ َ ُ َ أَ
ك مهِ َن قَوْ ِ ْ م
ِ روا
ُ َ ف ك ن
َ ذي
ِ لا َ َ قا
َ َ ف (26 ) ٍ م لي
ِ ٍ ْ َ َ َ َ ع م
ْ ك ْ ي لَ ع فُ خا َ
ْ ك إّل ال ّذين هُ َ
ما ن ََرى ل َك ُ ْ
م ي وَ َ م أَراذِل َُنا َبادِيَ الّرأ ِ ْ ِ َ ك ات ّب َعَ َ ِ ما ن ََرا َ مث ْل ََنا وَ َشًرا ِ إ ِّل ب َ َ
ن )(27 كاذِِبي َم َ ل ن َظ ُن ّك ُ ْل بَ ْ ن فَ ْ
ض ٍ م ْ عَل َي َْنا ِ
َ } ول َ َ َ
دوا ِإل الل ّ َ
ه ن ل ت َعْب ُ ُ ن ) (25أ ْ مِبي ٌ ذيٌر ُ م نَ ِ مهِ إ ِّني ل َك ُ ْ حا إ َِلى قَوْ ِ سل َْنا ُنو ً قد ْ أْر َ َ
ما َ َ ّ ْ َ َ َ م عَ َ ُ َ َ
مهِ َ ن قوْ ِ م ْ فُروا ِ نك َ ذي َ مل ال ِ قال ال َ ب ي َوْم ٍ أِليم ٍ ) (26ف َ ذا َ ف عَلي ْك ْ خا ُ إ ِّني أ َ
ما ن ََرى ْ ُ َ ّ َ َ َ ْ َ ن ََرا َ
ي وَ َ م أَراذِلَنا َبادِيَ الّرأ ِ ن هُ ْ ذي َ ما ن ََراك ات ّب َعَك ِإل ال ِ مثلَنا وَ َ ك ِإل ب َشًرا ِ
ن ){ (27 كاذِِبي َ م َ ل ن َظ ُن ّك ُ ْ ل بَ ْ ض ٍ ن فَ ْ م ْ م عَل َي َْنا ِ ل َك ُ ْ
يخبر تعالى عن نوح ،عليه السلم ،وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل
ن{ مِبي ٌ ذيٌر ُ م نَ ِ الرض من المشركين عََبدة الصنام أنه قال لقومه } :إ ِّني ل َك ُ ْ
ذاَرة لكم من عذاب الله إن أنتم عبدتم غير الله ؛ ولهذا قال : أي :ظاهر الن ّ َ
َ َ َ ّ َ
ب ي َوْم ٍ أِليم ٍ { أي إن ذا َم عَ َ ف عَلي ْك ُ ْ خا ُ ه { وقوله } إ ِّني أ َ دوا ِإل الل َ ن ل ت َعْب ُ ُ }أ ْ
موجًعا شاًقا في الدار ذبكم الله عذابا أليما ُ استمررتم على ما أنتم عليه عَ ّ
الخرة.
مهِ { والمل هم :السادة والكبراء من ن قَوْ ِ م ْ فُروا ِ نك ََ ذي َ ّ
مل ال ِ ْ
ل ال َ قا َ } فَ َ
مث ْلَنا { أي :لست بملك ،ولكنك بشر ، َ شًرا ِ ما ن ََراك ِإل ب َ ََ الكافرين منهم َ } :
فكيف أوحي إليك من دوننا ؟ ثم ما نراك ) (1اتبعك إل أراذلنا ) (2كالباعة
والحاكة وأشباههم ولم يتبعك الشراف ول الرؤساء ]منا[ ) (3ثم هؤلء الذين
اتبعوك لم يكن عن ت ََروّ منهم ول فكرة ول نظر ،بل بمجرد ما دعوتهم
م أ ََراذِلَنا
ُ ن هُ ْ ذي َ ك ِإل ال ّ ِ ك ات ّب َعَ َ ما ن ََرا َ أجابوك فاتبعوك ) (4؛ ولهذا قال } :وَ َ
ل{ ض َ ف ن م نا يَ ل ع مُ كَ ل رى ن ما و } ، ي { أي :في أول بادئ الرأي ْ
ْ ٍ ْ َ َْ ِ ْ َ َ ََ َبادِيَ الّرأ ِ
ماخُلق ،ول رزق ول حال ،ل َ ّ خْلق ول ُ يقولون :ما رأينا لكم علينا فضيلة في َ
دعونه ) (5لكم من ن { أي :فيما ت َ ّ كاذِِبي َ م َ ل ن َظ ُن ّك ُ ْ دخلتم في دينكم هذا } ،ب َ ْ
البر والصلح والعبادة ،والسعادة في الدار الخرة إذا صرتم إليها.
هذا اعتراض الكافرين على نوح ،عليه السلم ،وأتباعه ،وذلك دليل على
جهلهم وقلة علمهم وعقلهم ،فإنه ليس بعار على الحق َرَذالة من اتبعه ،فإن
الحق في نفسه صحيح ،وسواء اتبعه الشراف أو الراذل ) (6بل الحق الذي
ل شك فيه أن أتباع الحق هم الشراف ،ولو كانوا فقراء ،والذين يأبونه هم
الراذل ،ولو كانوا أغنياء .ثم الواقع غالبا أن ما يتبع الحق ضعفاء الناس ،
ما ك َ والغالب على الشراف والكبراء مخالفته ،كما قال تعالى } :وَك َذ َل ِ َ
ُ َ
ة
م ٍ جد َْنا آَباَءَنا عََلى أ ّ ها إ ِّنا وَ َ مت َْرُفو َ ل ُ ذيرٍ ِإل َقا َ ن نَ ِ م ْ ك ِفي قَْري َةٍ ِ ن قَب ْل ِ َ م ْ سل َْنا ِ أْر َ
ن { ]الزخرف (7) ، [23 :ولما سأل هرقل ملك دو َ قت َ ُ م ْ م ُ وَإ ِّنا عََلى آَثارِهِ ْ
الروم أبا سفيان صخر بن حرب عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم ،
قال له فيما قال :أشراف الناس اتبعوه أو ضعفاؤهم ؟ قال :بل ضعفاؤهم.
فقال هرقل :هم أتباع الرسل.
وقولهم )َ } (8بادِيَ الّرَأي { ليس بمذمة ول عيب ؛ لن الحق إذا وضح ل
يبقى للتروي ) (9ول للفكر مجال ،بل ل بد من اتباع الحق والحالة هذه لكل
ي أو غبي ) .(10والرسل ، ذي زكاء وذكاء ول يفكر وينزوي هاهنا إل عَي ِ ّ
صلوات الله وسلمه عليهم أجمعين ،إنما جاءوا بأمر جلي واضح.
وقد
__________
) (1في ت ،أ " :ل نراك.
) (2في ت " :أرذلنا".
) (3زيادة من ت ،أ.
) (4في ت ،أ " :واتبعوك".
) (5في ت " :تدعوهم" ،وفي أ " :تدعونهم".
) (6في ت ،أ " :الرذال".
) (7في ت " :من نبي".
) (8في ت " :وقوله".
) (9في ت " :للروي" ،وفي أ " :للردي".
) (10في ت ،أ " :غني".
) (4/316
َ َ
ت عن ْدِهِ فَعُ ّ
مي َ ْ ن ِ
م ْ
ة ِ
م ً ن َرّبي وَآ ََتاِني َر ْ
ح َ ت عََلى ب َي ّن َةٍ ِ
م ْ ن ك ُن ْ ُ م إِ ْل َيا قَوْم ِ أَرأي ْت ُ ْ َقا َ
َ َ ْ َ
ن )(28 هو َ م لَها َ
كارِ ُ ها وَأن ْت ُ ْ مو َ مك ُ ُ عَل َي ْك ُ ْ
م أن ُلزِ ُ
داجاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :ما دعوت أح ً
وة ،غير أبي بكر ،فإنه لم ي َت َل َعَْثم" ) (1أي :ما إلى السلم إل كانت له ك َب ْ َ
تردد ول ترّوى ،لنه رأى أمرا جليا عظيما واضحا ،فبادر إليه وسارع.
مي عن ل { هم ل يرون ذلك ؛ لنهم عُ ْ ض ٍن فَ ْ م ْ م عَل َي َْنا ِ ما ن ََرى ل َك ُ ْ وقولهم } :وَ َ
الحق ،ل يسمعون ول يبصرون :بل هم في ريبهم يترددون ،في ظلمات
الجهل يعمهون ،وهم الفاكون الكاذبون ،القلون الرذلون ،وفي الخرة هم
الخسرون.
َ َ َ
ه
عن ْدِ ِن ِم ْة ِ م ً
ح َن َرّبي َوآَتاِني َر ْ م ْ ت عَلى ب َي ّن َةٍ ِ ن ك ُن ْ ُ م إِ ْ ل َيا قَوْم ِ أَرأي ْت ُ ْ } َقا َ
َ َ َ ُ ْ َ ُ َ
ن ){ (28 هو َ م لَها كارِ ُ ها وَأن ْت ُ ْ مو َ مك ُ م أن ُلزِ ُ ت عَلي ْك ْ مي َ ْ فَعُ ّ
َ
ت عَلى ُ َ َ
ن كن ْ ُ م إِ ْ
يقول تعالى مخبًرا عن نوح ما رد ّ على قومه في ذلك } :أَرأي ْت ُ ْ
ن َرّبي { أي :على يقين وأمر جلي ،ونبوة صادقة ،وهي الرحمة م ْ ب َي ّن َةٍ ِ
م { أي :خفيت عليكم ،فلم ُ َ
ت عَلي ْك ْ مي َ ْ العظيمة من الله به وبهم } ،فَعُ ّ
تهتدوا إليها ،ول عرفتم قدرها ،بل بادرتم إلى تكذيبها وردها ،
َ
ها { أي :ن َْغضبكم ) (2بقبولها وأنتم لها كارهون. مو َ مك ُ ُ} أن ُل ْزِ ْ
__________
) (1ذكره المؤلف في البداية والنهاية ) (3/27عن ابن إسحاق وهو منقطع.
) (2في ت " :نغصبكم".
) (4/317
) (4/317
ْ َ
ن) صادِِقي َ ن ال ّ م َ
ت ِن ك ُن ْ َ ما ت َعِد َُنا إ ِ ْ دال ََنا فَأت َِنا ب ِ َج َ ت ِ جاد َل ْت ََنا فَأك ْث َْر َ ح قَد ْ َ َقاُلوا َيا ُنو ُ
ن ) (33وََل ي َن ْ َ َ ْ
فعُك ُ ْ
م زي َج ِ معْ ِم بِ ُ ما أن ْت ُ ْ شاَء وَ َ ن َ ه إِ ْ م ب ِهِ الل ّ ُ ما ي َأِتيك ُ ْ ل إ ِن ّ ََ (32قا َ
َ َ َ َ
م وَإ ِل َي ْ ِ
ه م هُوَ َرب ّك ُ ْ ن ي ُغْوِي َك ُ ْريد ُ أ ْ ه يُ ِ ن الل ّ ُ ن َ
كا َ م إِ ْ ح ل َك ُ ْ ص َ ن أن ْ َ تأ ْ ن أَرد ْ ُ حي إ ِ ْ ص ِنُ ْ
َ َ
ما
م ّريٌء ِ مي وَأَنا ب َ ِ جَرا ِ ي إِ ْ ه فَعَل َ ّ ن افْت ََري ْت ُ ُ ل إِ ِ ن افْت ََراه ُ قُ ْ قوُلو َ م يَ ُ ن ) (34أ ْ جُعو َت ُْر َ
ن )(35 مو َجرِ ُتُ ْ
يخبرهم أنه رسول من الله ،يدعو إلى عبادة الله وحده ل شريك له ،بإذن
الله له في ذلك ،ول يسألهم على ذلك أجرا ،بل هو يدعو من لقيه من
در على شريف ووضيع ،فمن استجاب له فقد نجا .ويخبرهم ) (1أنه ل َيق ِ
التصرف في خزائن الله ،ول يعلم من الغيب إل ما أطلعه الله عليه ،وليس
ل عن ملك من الملئكة ،بل بشر مرسل ،مؤيد بالمعجزات .ول أقو ُ هو ب َ
هؤلء الذين تحتقرونهم وتزدرونهم ) : (2إنه ) (3ليس لهم عند الله ثواب
على إيمانهم الله أعمل بما في أنفسهم ،فإن كانوا مؤمنين باطًنا ،كما هو
الظاهر من حالهم ،فلهم جزاء الحسنى ،ولو قطع لهم أحد بشر بعد ما آمنوا
،لكان ظالما قائل ما ل علم له به.
ْ َ َ
ن
صادِِقي َ ن ال ّ م َ ت ِ ن ك ُن ْ َ ما ت َعِد َُنا إ ِ ْ دالَنا فَأت َِنا ب ِ َ ج َ ت ِ جاد َل ْت ََنا فَأك ْث َْر َ ح قَد ْ َ } َقاُلوا َيا ُنو ُ
َ ْ
مفعُك ُ ْ ن )َ (33ول ي َن ْ َ زي َج ِ معْ ِ م بِ ُ ما أن ْت ُ ْ شاَء وَ َ ن َ ه إِ ْ م ب ِهِ الل ّ ُ ما ي َأِتيك ُ ْ ل إ ِن ّ َ)َ (32قا َ
ه َ ُ ُ َ ّ َ ُ َ َ َ َ
م وَإ ِلي ْ ِ م هُوَ َرب ّك ْ ن ي ُغْوِي َك ْ ريد ُ أ ْ ه يُ ِ ن الل ُ ن كا َ م إِ ْ ح لك ْ ص َ ن أن ْ َ تأ ْ ن أَرد ْ ُ حي إ ِ ْ ص ِ نُ ْ
ن ){ (34 جُعو َ ت ُْر َ
يقول تعالى مخبًرا عن استعجال قوم نوح نقمة الله وعذابه وسخطه ،والبلء
دال ََنا { أي :حاججتنا َ
ج َ
ت ِ جاد َل ْت ََنا فَأك ْث َْر َ ح قَد ْ َ موكل بالمنطق َ } :قاُلوا َيا ُنو ُ
ْ
ما ت َعِد َُنا { أي :من النقمة فأكثرت من ذلك ،ونحن ل نتبعك } فَأت َِنا ب ِ َ
ن
م َ ت ِ ن ك ُن ْ َ والعذاب ،ادع علينا بما شئت ،فليأتنا ما تدعو به ) } ، (4إ ِ ْ
َ ْ
ن { أي :إنما الذي زي َ ج ِ معْ ِ م بِ ُما أن ْت ُ ْ شاَء وَ َ ن َ ه إِ ْ م ب ِهِ الل ّ ُ ما ي َأِتيك ُ ْ ل إ ِن ّ َن َقا َ صادِِقي َ ال ّ
نحي إ ِ ْ ص ِ م نُ ْ فعُك ُ ْ جُزه شيء َ } ،ول ي َن ْ َ يعاقبكم ويعجلها لكم الله الذي ل ُيع ِ
َ أ َردت أ َ َ
دي م { أي :أي شيء ُيج ِ ن ي ُغْوِي َك ُ ْ ريد ُ أ ْ ه يُ ِ ن الل ّ ُ كا َن َ م إِ ْ ح ل َك ُ ْ ص َ ن أن ْ َ َ ْ ُ ْ
عليكم إبلغي لكم وإنذاري إياكم ونصحي ،إن كان الله يريد إغواءكم
ن { أي :هو مالك أزمة المور ، جُعو َ م وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ ودماركم } ،هُوَ َرب ّك ُ ْ
والمتصرف ) (5الحاكم العادل الذي ل يجور ،له الخلق وله المر ،وهو
المبدئ المعيد ،مالك الدنيا والخرة.
َ َ َ
ن)مو َجرِ ُ
ما ت ُ ْ
م ّريٌء ِ مي وَأَنا ب َ ِ جَرا ِ ي إِ ْ َ
ه فعَل ّ ن افْت ََري ْت ُ ُ ل إِ ِ قوُلو َ
ن افْت ََراه ُ قُ ْ م يَ ُ
}أ ْ
{ (35
هذا كلم معترض في وسط هذه القصة ،مؤكد لها ومقرر بشأنها ) .(6يقول
تعالى لمحمد ) (7صلى الله عليه وسلم :أم يقول ) (8هؤلء الكافرون
مي { جَرا ِ ه فَعَل َ ّ
ي إِ ْ ن افْت ََري ْت ُ ُ
ل إِ ِالجاحدون :افترى هذا وافتعله من عنده } قُ ْ
ن { أي :ليس ذلك مفتعل ول َ
مو َ جرِ ُما ت ُ ْ
م ّ ريٌء ِ أي :فإثم ذلك علي } ،وَأَنا ب َ ِ
مفترى ) ، (9لني أعلم ما عند الله من العقوبة لمن كذب عليه.
__________
) (1في ت " :وتخبرهم".
) (2في ت ،أ " :يحتقرونهم ويزدرونهم".
) (3في أ " :إنهم".
) (4في ت " :من تدعونه" ،وفي أ " :بدعوته".
) (5في ت " :المتصرف".
) (6في ت " :لشأنها".
) (7في ت ،أ " :لنبيه".
) (8في ت " :أم يقولون".
) (9في ت " :مفتريا".
) (4/318
) (4/319
مّنا
خُروا ِ س َن تَ ْ
ل إِ ْ ه َقا َمن ْ ُخُروا ِ س ِ
مهِ َ ن قَوْ ِ مَل ٌ ِ
م ْ مّر عَل َي ْهِ َ ما َ ك وَك ُل ّ َ فل ْ َ
صن َعُ ال ْ ُ
وَي َ ْ
ْ َ َ ُ
زيهِخ ِ
ب يُ ْ
ذا ٌن ي َأِتيهِ عَ َ
م ْن َ مو َف ت َعْل ُ ن ) (38فَ َ
سو ْ َ خُرو َ س َما ت َ ْمك َ من ْك ْ خُر ِ فَإ ِّنا ن َ ْ
س َ
م )(39 قي ٌ م ِب ُ ذا ٌ َ
ل عَلي ْهِ عَ َ ح ّ وَي َ ِ
) (4/319
ن وَأ َهْل َ َ
ك إ ِّل ن اث ْن َي ْ ِ
جي ْ ِ
ل َزوْ َن كُ ّم ْ ل ِفيَها ِم ْ
ح ِ مُرَنا وََفاَر الت ّّنوُر قُل َْنا ا ْ
َ
جاَء أ ْ حّتى إ َِذا َ
َ
ل )(40 ّ
ه إ ِل قَِلي ٌ عم ن مَ آ ما و ن مَ آ ن م و ُ
ل و َ قْ لا ه يَ ل ع
َ
َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ ُ ْ ِ ْ َ م ْ َ َ
قَ ب س ن َ
ب،ت وأنا شا ّ
عيسى ،عليه السلم :هكذا هلكت ؟ قال :ل .ولكني م ّ
دثنا عن سفينة نوح ؟ م شبت .قال :ح ّ
ولكنني ظننت أنها الساعة ،فمن ث ّ
قال :كان طولها ألف ذراع ومائتي ) (1ذراع ،وعرضها ستمائة ذراع ،وكانت
ثلث طبقات ،فطبقة فيها الدواب والوحوش ،وطبقة فيها النس ،وطبقة
فيها الطير ،فلما كثر أرواث الدواب ،أوحى الله عز وجل إلى نوح ،عليه
السلم ،أن اغمز ذ ََنب الفيل ،فغمزه ،فوقع منه خنزير وخنزيرة ،فأقبل
خَرزِ السفينة يقرضه وحبالها ،أوحى إلى نوح ؛
على الروث ،فلما وقع الفأر ب َ
أن اضرب بين عيني السد ،فخرج من منخره سّنور وسنورة ،فأقبل على
الفأر .فقال له عيسى ،عليه السلم :كيف علم نوح أن البلد قد غرقت ؟
قال :بعث الغراب يأتيه بالخبر ،فوجد جيفة فوقع عليها ،فدعا عليه بالخوف
،فلذلك ل يألف البيوت قال :ثم بعث الحمامة ،فجاءت بورق زيتون
رقت .قال :فطوَّقها الخضرة بمنقارها ،وطين برجليها ،فعلم أن البلد قد غَ ِ
التي في عنقها ،ودعا لها أن تكون في أنس وأمان ،فمن ثم تألف البيوت.
قال :فقلنا :يا رسول الله ،أل ننطلق به ) (2إلى أهلينا فيجلس معنا ويحدثنا
؟ قال :كيف يتبعكم من ل رزق له ؟ قال :فقال له :عد بإذن الله ،فعاد
ترابا )(3
ه { أي : من ْ ُ خُروا ِ س ِ مهِ َ ن قَوْ ِ م ْمل ِ َ
مّر عَلي ْهِ َ ما َ ّ ُ
ك وَكل َ فل َْ ْ
صن َعُ ال ُ وقوله } :وَي َ ْ
مّنا فَإ ِّنا خُروا ِ س َ ن تَ ْ ل إِ ْ طنزون به ويكذبون بما يتوعدهم به من الغرق َ } ،قا َ يَ ْ
ن { وعيد شديد ،وتهديد أكيد ، مو َ ف ت َعْل َ ُ سو ْ َ ن فَ َ خُرو َ س َ ما ت َ ْ م كَ َ من ْك ُ ْ خُر ِ س َ نَ ْ
م{ ل عَلي ْهِ عَ ََ ح ّ ْ
ن ي َأِتيهِ عَ َ
قي ٌ م ِ ب ُ ذا ٌ زيهِ { أي :يهنه في الدنيا } ،وَي َ ِ خ ِ ب يُ ْ ذا ٌ م ْ } َ
أي :دائم مستمر أبدا.
ن وَأ َهْل َكَ ْ
ن اثن َي ْ ِ جي ْ ِ ن كل َزوْ َ ّ ُ م ْ مل ِفيَها ِ ْ ح ِ ْ ُ
مُرَنا وَفاَر الت ّّنوُر قلَنا ا ْ َ َ
جاَء أ ْ حّتى إ َِذا َ } َ
ه ِإل قِليل ){ (40 ٌ َ معَ ُن َم َ ما آ َ ن وَ َ م َ نآ َ م ْ ُ
قوْل وَ َ ْ َ
سب َقَ عَلي ْهِ ال َ ن َ م ْ ِإل َ
مواعدة من الله تعالى لنوح ،عليه السلم ،إذا جاء أمر الله من المطار هذه ُ
حَنا
فت َ ْقلع ول َيفُتر ،بل هو كما قال تعالى } :فَ َ المتتابعة ،والهَّتان الذي ل ي ُ ْ
َ َ
مرٍ قَد ْ قُدَِر ماُء عََلى أ ْ قى ال ْ َ ض عُُيوًنا َفال ْت َ َ جْرَنا الْر َ َ مرٍ وَفَ ّ من ْهَ ِ ماٍء ُ ماِء ب ِ َ س َب ال ّ وا َ أب ْ َ
َ
فَر { ]القمر : ن كُ ِ كا َ ن َ م ْ جَزاًء ل ِ َ ري ب ِأعْي ُن َِنا َ ج ِ سرٍ ت َ ْ واٍح وَد ُ ُ ت أل ْ َ مل َْناه ُ عََلى َذا ِ ح َ وَ َ
.[14 - 11
وأما قوله } :وََفاَر الت ّّنوُر { فعن ابن عباس :التنور :وجه الرض ،أي :
صارت الرض عيونا تفور ،حتى فار الماء من التنانير التي هي مكان النار ،
صارت تفور ماء ،وهذا قول جمهور السلف وعلماء الخلف.
وعن علي بن أبي طالب ،رضي الله عنه :التنور :فََلق الصبح ،وتنوير
الفجر ،وهو ضياؤه وإشراقه.
__________
) (1في أ " :ومائتا".
) (2في أ " :بنا".
) (3تفسير الطبري ).(15/311
) (4/320
والول أظهر.
وقال مجاهد والشعبي :كان هذا التنور بالكوفة ،وعن ابن عباس :عين
بالهند .وعن قتادة :عين بالجزيرة ،يقال لها :عين الوردة.
وهذه أقوال غريبة.
فحينئذ أمر الله نوحا ،عليه السلم ،أن يحمل معه في السفينة من كل
زوجين -من صنوف المخلوقات ذوات الرواح ،قيل :وغيرها من النباتات -
اثنين .ذكرا وأنثى ،فقيل :كان أول من أدخل من الطيور الدرة ،وآخر من
قا بذنبه ،فدخل بيده )، (1
أدخل من الحيوانات الحمار ،فدخل إبليس متعل ً
وجعل يريد أن ينهض فيثقله إبليس وهو متعلق بذنبه ،فجعل يقول له نوح :
مالك ؟ ويحك .ادخل .فينهض ول يقدر ،فقال :ادخل وإن كان إبليس معك
فدخل في السفينة.
وذكر أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود أنهم لم يستطيعوا أن يحملوا معهم
السد ،حتى ألقيت عليه الحمى.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث ،
حدثني الليث ،حدثني هشام بن سعد ،عن زيد بن أسلم .عن أبيه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال " :لما حمل نوح في السفينة من كل زوجين
اثنين ،قال أصحابه :وكيف يطمئن أو :تطمئن -المواشي ومعها )(2
مى نزلت الرض ،ثم شكوا ح ّالسد ؟ فسلط الله عليه الحمى ،فكانت أول ُ
ويسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا .فأوحى الله إلى ف َ
الفأرة فقالوا :ال ُ
السد ،فعطس ،فخرجت الهرة منه ،فتخبأت الفأرة منها ).(3
ل { أي " :واحمل فيها أهلك ،وهم سب َقَ عَل َي ْهِ ال ْ َ
قو ْ ُ ن َ
م ْك ِإل َ وقوله } :وَأ َهْل َ َ
أهل بيته وقرابته" إل من سبق عليه القول منهم ،ممن لم يؤمن بالله ،فكان
منهم ابنه "يام" الذي انعزل وحده ،وامرأة نوح وكانت كافرة بالله ورسوله.
ل { أي :نزر ه ِإل قَِلي ٌ
معَ ُ
ن َ
م َما آ َ
ن { أي :من قومك } ،وَ َ م َ نآ َم ْ وقوله } :وَ َ
) (4يسير مع طول المدة والمقام بين أظهرهم ألف سنة إل خمسين عاما ،
فعن ابن عباس :كانوا ثمانين نفسا منهم ) (5نساؤهم .وعن كعب الحبار :
كانوا اثنين وسبعين نفسا .وقيل :كانوا عشرة .وقيل :إنما كانوا نوح وبنوه )
(6الثلثة سام ،وحام ،ويافث ،وكنائ ِِنه الربع نساء هؤلء الثلثة وامرأة يام.
وقيل :بل امرأةُ نوح كانت
__________
) (1في ت " :بيديه".
) (2في ت " :ومعنا".
) (3وهذا مرسل ،وقد ورد في سفينة نوح غير ما ذكره الحافظ وأكثرها من
رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم .قال ابن حبان " :كان ممن يقلب الخبار
حتى كثر ذلك في روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف ،فاستحق
الترك" .ومما رواه في شأن سفينة نوح ما أورده ابن حجر في التهذيب )
(6/179عن الساجي قال :حدثنا الربيع ،حدثنا الشافعي قال :قيل لعبد
الرحمن بن زيد :حدثك أبوك عن جدك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال " :إن سفينة نوح طافت بالبيت وصلت خلف المقام ركعتين ؟!" قال :
نعم .وقد ذكر رجل لمالك حديثا منقطعا ،فقال :اذهب إلى عبد الرحمن بن
زيد يحدثك عن أبيه عن نوح!! .وانظر كتاب :السرائيليات في كتب التفسير
لمحمد أبو شهبة )ص .(218
) (4في ت ،أ " :نفر".
) (5في أ " :معهم".
) (6في أ " :إنما كان وبنوه".
) (4/321
ي
م ) (41وَهِ َ حي ٌ فوٌر َر ِ ن َرّبي ل َغَ ُ ها إ ِ ّسا َ مْر َ ها وَ ُ جَرا َ
م ْسم ِ الل ّهِ َ ل اْرك َُبوا ِفيَها ب ِ ْ وََقا َ
ب َ
ي اْرك ْ ل َيا ب ُن َ ّ معْزِ ٍ ن ِفي َ ه وَكا ََ ح اب ْن َ ُ ل وََناَدى ُنو ٌ جَبا ِ ْ َ
موٍْج كال ِ م ِفي َ ري ب ِهِ ْ ج ِ تَ ْ
َ
ماِء قا َ
ل ْ َ َ َ
ن ) (42قا َ َ ْ ُ َ
ن ال َ م َ مِني ِ ص ُل ي َعْ ِ جب َ ٍ
سآِوي إ ِلى َ ل َ ري َ كافِ ِ معَ ال
ن َ معََنا وَل ت َك ْ َ
ن َ َ ْ َ ّ ّ َ ْ َل َ
م َن ِ ج فكا َ موْ ُ ما ال َ حال ب َي ْن َهُ َ م وَ َ ح َ ن َر ِم ْ مرِ اللهِ إ ِل َ نأ ْ م ْ
م ِ م الي َوْ َ ص َ عا ِ
ن )(43 مغَْرِقي َ ال ْ ُ
معهم في السفينة ،وهذا فيه ن َظ ٌَر ،بل الظاهر أنها هلكت ؛ لنها كانت على
دين قومها ،فأصابها ما أصابهم ،كما أصاب امرأة لوط ما أصاب َقومها ،
والله أعلم وأحكم.
َ ّ
م )(41 حي
َ ٌ َ ِ ٌ ر ر فو ُ غ ل بي ر ن إ ها
ِ َ ْ َ َ َ ُ ْ َ َ ِ ّ َ ّ سا ر م و ها را ج م ه ل ال ل اْرك َُبوا ِفي َ ِ ْ ِ
م س ب ها } وََقا َ
ي
ل َيا ب ُن َ ّ معْزِ ٍ ن ِفي َ كا َ ه وَ َ ح اب ْن َ ُ ل وََناَدى ُنو ٌ جَبا ِ كال ْ ِ موٍْج َ م ِفي َ ري ب ِهِ ْ ج ِ ي تَ ْ وَهِ َ
ن م َ مِني ِ ص ُ ل ي َعْ ِ جب َ ٍ سآِوي إ َِلى َ ل َ ن )َ (42قا َ ري َ كافِ ِ معَ ال ْ َ ن َ معََنا َول ت َك ُ ْ ب َ اْرك َ ْ
ْ ّ َ ْ
ن كا َ ج فَ َ موْ ُ ما ال َ ل ب َي ْن َهُ َ حا َ م وَ َ ح َ ن َر ِ م ْ مرِ اللهِ ِإل َ نأ ْ م ْ م ِ م الي َوْ َ ص َ عا ِ لل َ ماِء َقا َ ال ْ َ
ن ){ (43 مغَْرِقي َ ن ال ْ ُ م َ ِ
يقول تعالى إخباًرا عن نوح ،عليه السلم ،أنه قال للذين أمر بحملهم معه
ها { أي :بسم الله سا َ مْر َ ها وَ ُ جَرا َ م ْ سم ِ الل ّهِ َ في السفينة } :اْرك َُبوا ِفيَها ب ِ ْ
سوها. جْرُيها على وجه الماء ،وبسم الله يكون منتهى سيرها ،وهو ُر ُ يكون َ
سيَها". مْر ِ جرَِيها و ُ م ْ سم ِ اللهِ ُ وقرأ أبو رجاء الَعطاردي " :ب ْ
ْ ك فَ ُ ْ ْ َ َ َ
مد ُ ح ْ ل ال َ ق ِ فل ِ معَك عَلى ال ُ ن َ م ْ ت وَ َ ت أن ْ َ ست َوَي ْ َ وقال الله تعالى ) } : (1فَإ َِذا ا ْ
َ ْ َ قوْم ال ّ م َ ْ
خي ُْر ت َ مَباَركا وَأن ْ َ ً منزل ُ ب أنزلِني ُ ل َر ّ ُ
ن وَق ْ مي َ ظال ِ ِ ن ال َ ِ جاَنا ِ ذي ن َ ّ ل ِل ّهِ ال ّ ِ
ن { ]المؤمنون [29 ، 28 :؛ ) (2؛ ولهذا تستحب التسمية في ابتداء منزِلي َ ال ْ ُ
ذي المور :عند الركوب على السفينة وعلى الدابة ،كما قال تعالى َ } :وال ّ ِ
ووا عََلى ست َ ُ ن ل ِت َ ْ ما ت َْرك َُبو َ ك َوالن َْعام ِ َ فل ْ ِ ن ال ْ ُ م َ م ِ ل ل َك ُ ْ جعَ َ ج ك ُل َّها وَ َ خل َقَ الْزَوا َ َ
خَر ل ََنا س ّ َ ذي ِ ّ لا ن
ُ ْ َ َ حا بس لوا ُ قو ُ ت و
ْ ِ ََ ه ي َ ل َ ع مْ َ َُْ ْت ي و ت س ا ذا َ إ م
ِْ َ َ َ ّ ْ ِ ُ ك ب ر ة م ع ن روا ُ ك
ُ ِ ِ ّ َ ُْ ذ ت م ُ ث ه ر هو ُ ظ
ن { ] الزخرف ، [14 - 12 : بو
َ َّ ُ ْ ُ َ ِ ل َ ق ن م َ ل نا ب ر لى َ ه ُ ِ َ َ ِّ ِ
إ نا إ و ن ني ِ ر ْ ق م ما ك ُّنا ل َ ُ ذا وَ َ هَ َ
وجاءت السنة بالحث على ذلك ،والندب إليه ،كما سيأتي في سورة
"الزخرف" ،إن شاء الله وبه الثقة.
وقال أبو القاسم الطبراني :حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي ،حدثنا محمد بن
أبي بكر المقدمي -وحدثنا زكريا بن يحيى الساجي ،حدثنا محمد بن موسى
حرشي -قال حدثنا عبد الحميد بن الحسن الهللي ،عن ن َْهشل بن سعيد ، ال َ
عن الضحاك ،عن ابن عباس ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " :أمان
ما أمتي من الغرق إذا ركبوا في السفن أن يقولوا :بسم الله الملك } ،وَ َ
ت مط ْوِّيا ٌ ت َ سماَوا ُ مةِ َوال ّ قَيا َ م ال ْ ِ ه ي َوْ َ ضت ُ ُ ميًعا قَب ْ َ ج ِ ض َ حقّ قَد ْرِهِ َوالْر ُ ه َ قَد َُروا الل ّ َ
ها
جَرا َ م ْ سم ِ الل ّهِ َ ن { ]الزمر } ، [67 :ب ِ ْ كو َ شرِ ُ ما ي ُ ْ ه وَت ََعاَلى عَ ّ حان َ ُ سب ْ َ مين ِهِ ُ ب ِي َ ِ
م { ).(3 حي ٌ فوٌر َر ِ ن َرّبي لغَ ُ َ ها إ ِ ّ سا َ مْر َ وَ ُ
م { مناسب عند ) (4ذكر النتقام من الكافرين َ ٌ َ ِ ٌحي ر ر فو
ُ غ َ ل بي ر
ِ ّ َ ّ ن إ } : وقوله
ب
ِ قا َ ع ْ
َ ِ ُ ِ ل ا ع ري س َ ل َ
ك ب ر
ِ ّ َ ّ ن إ } : قال كما ، رحيم غفور أنه رُ ْ ك ذ أجمعين بإغراقهم
م { ]العراف ، [167 :وقال } : حي ٌ فوٌر َر ِ ه ل َغَ ُ وَإ ِن ّ ُ
__________
) (1في أ " :عز وجل".
) (2في ت " ،وإذا" وهو خطأ.
) (3المعجم الكبير ) (12/124وقال الهيثمي في المجمع )" : (10/132فيه
نهشل بن سعيد وهو متروك".
) (4في ت ،أ " :عندما".
) (4/322
) (4/323
كانت بعدها فهلكت ،وصارت رماًدا ).(1
جوديّ :جبل بالموصل :وقال بعضهم :هو الطور. وقال الضحاك :ال ُ
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا عمرو بن رافع ،حدثنا محمد بن
حَبيش يصلي في الزاوية عبيد ،عن توبة ) (2بن سالم قال :رأيت زِّر بن ُ
كندة على يمينك فسألته إنك لكثير ) (3الصلة هاهنا حين ُيدخل من أبواب ِ
ت من هاهنا. س ْ
يوم الجمعة ! :قال :بلغني أن سفينة نوح أْر َ
رمة ،عن ابن عباس قال :كان مع نوح في عْلباء بن أحمد ،عن ِ
عك ْ ِ وقال ِ
السفينة ثمانون رجل معهم أهلوهم ،وإنهم كانوا في السفينة مائة وخمسين
جه السفينة إلى مكة فدارت بالبيت أربعين يوما ،ثم وجهها يوما ،وإن الله و ّ
ب ليأتيه بخبر الرض ، جودِيّ فاستقرت عليه ،فبعث نوح الغرا َ الله إلى ال ُ
فذهب فوقع على الجيف فأبطأ عليه فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون ،
ولطخت رجليها بالطين ،فعرف نوح ،عليه السلم ،أن الماء قد نضب ،
جودِيّ ،فابتنى قرية وسماها ثمانين ،فأصبحوا ذات يوم فهبط إلى أسفل ال ُ
وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة ،إحداها اللسان ) (4العربي .فكان
بعضهم ل يفقه كلم بعض ،وكان نوح عليه السلم ُيعّبر عنهم.
وقال كعب الحبار :إن السفينة طافت ما بين المشرق والمغرب قبل أن
ي.
تستقر على الجود ّ
وقال قتادة وغيره :ركبوا في عاشر شهر رجب فساروا مائة وخمسين
واستقرت بهم على الجودي شهًرا ،وكان خروجهم من السفينة في يوم
عاشوراء من المحرم .وقد ورد نحو هذا في حديث مرفوع رواه ابن جرير )
.(5وأنهم صاموا يومهم ذاك ) ، (6فالله أعلم.
حِبيب الزدي ،عن وقال المام أحمد :حدثنا أبو جعفر ،حدثنا عبد الصمد بن َ
شَبيل ،عن أبي هريرة قال :مر النبي صلى الله أبيه حبيب بن عبد الله ،عن ُ
عليه وسلم بأناس من اليهود ،وقد صاموا يوم عاشوراء ،فقال :ما هذا
الصوم ؟ قالوا :هذا اليوم الذي نجى الله موسى وبني إسرائيل من الغرق ،
جودِيّ ،فصامه وغرق فيه فرعون ،وهذا يوم استوت ) (7فيه السفينة على ال ُ
) (8نوح وموسى ،عليهما السلم ،شكًرا لله عز وجل .فقال النبي صلى الله
عليه وسلم " :أنا أحق بموسى ،وأحق بصوم هذا اليوم" .فصام ،وقال
لصحابه " :من كان أصبح منكم صائما فليتم صومه ،ومن كان أصاب من
غذاء أهله ،فليتم بقية يومه" )(9 َ
ب من هذا الوجه ،ولبعضه شاهد ٌ في الصحيح ).(10 ث غري ٌ وهذا حدي ٌ
__________
) (1في ت " :مدادا".
) (2في ت ،أ " :تربة".
) (3في أ" "لتكثر".
) (4في ت " :لسان".
) (5تفسير الطبري ) (15/335وهو موضوع.
) (6في أ " :ذلك".
) (7في ت ،أ " :استقرت".
) (8في ت ،أ " :فصام".
) (9المسند ).(2/359
) (10في صحيح البخاري برقم ) (4680من حديث عبد الله بن عباس رضي
الله عنهما قال :قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تصوم
عاشوراء ،فقالوا :هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون ،فقال النبي صلى
الله عليه وسلم لصحابه " :أنتم أحق بموسى منهم ،فصوموا".
) (4/324
) (4/325
ك ب ِهِ س لَ َ َ ما ل َي ْ
ن َ سأ َل ْ
صال ٍِح فََل ت َ ْ َ ل غَي ُْر م ٌه عَ َ ك إ ِن ّ ُن أ َهْل ِ َ م ْ س ِ ه ل َي ْ َح إ ِن ّ ُل َيا ُنو ُ َقا َ
َ َ َ َ ِ َ َ
سأل َ َ
ك نأ ْ كأ ْ عوذ ُ ب ِ َ ب إ ِّني أ ُ ل َر ّ ن )َ (46قا َ جاهِِلي َ ن ال ْ َ م َن ِ كو َ ن تَ ُكأ ْ عظ ُ َ م إ ِّني أ ِ عل ْ ٌ
ِ
ن )(47 ري س خا
َ ْ لا ن م ن ُ كَ أ ني م ح ر
ََْ َ ْ ِ ت و لي ر ف ْ غ ت ّ
ل إ و م
َ ْ َ ِ ِ ِ ِ ٌ َِ َ ِ ْ ِْ ل ع ه ب لي س يَ ل ما
ِ ِ َ ْ ِ َ
ك ب ِهِ س لَ َ َ ما ل َي ْن َ سأ َل ْ صال ٍِح َفل ت َ ْ َ ل غَي ُْر
م ٌه عَ َ ك إ ِن ّ ُن أ َهْل ِ َ م ْ س ِ ه ل َي ْ َ ح إ ِن ّ ُل َيا ُنو ُ } َقا َ
َ َ َ ِ َ َ َ
سأل َكَ نأ ْ َ
عوذ ُ ب ِك أ ْ ب إ ِّني أ ُ ل َر ّ ن )َ (46قا َ جاهِِلي َ ْ
ن ال َ م َ ن ِ ُ
ن ت َكو َ عظك أ ْ َ ُ م إ ِّني أ ِ عل ْ ٌ
ِ
ن ){ (47 ْ ُ َ ْ َ
ري َ س ِخا ِن ال َ م َ
ن ِ مِني أك ْ ح ْ فْر ِلي وَت َْر َ م وَِإل ت َغْ ِعل ٌ س ِلي ب ِهِ ِ ما لي ْ َ َ
هذا سؤال استعلم وكشف من نوح ،عليه السلم ،عن حال ولده الذي غرق
ل رب إن ابِني م َ } ،فَ َ
دك ن أهِْلي { أي :وقد وعدتني بنجاة أهلي ،ووع ُ ِ ْ قا َ َ ّ ِ ّ ْ
ه ح إ ِن ّ ُ ل َيا ُنو ُ الحق الذي ل يخلف ،فكيف غرق وأنت أحكم الحاكمين ؟ } َقا َ
ك { أي :الذين وعدت إنجاءهم ) (1؛ لني ) (2إنما وعدتك )(3 ن أ َهْل ِ َ
م ْس ِ ل َي ْ َ
ل{ قو ْ ُسب َقَ عَل َي ْهِ ال ْ َ َ
بنجاة من آمن من أهلك ؛ ولهذا قال } :وَأهْل َ َ
ن َ م ْ ك ِإل َ
]هود ، [40 :فكان هذا الولد
__________
) (1في أ " :نجاتهم".
) (2في ت " :الذين أي :ليس من أهلك وعدت بنجاتهم لنما".
) (3في ت ،أ " :وعدناك".
) (4/325
ي الله نوحا ،عليه سَبق عليه القول بالغرق لكفره ومخالفته أباه نب ّ ممن َ
السلم.
وقد نص غير واحد من الئمة على تخطئة من ذهب في تفسير هذا إلى أنه
ليس بابنه ،وإنما كان ابن زِْنية ) ، (1ويحكى القول بأنه ليس بابنه ،وإنما
مير ،وأبي جعفر الباقر ، كان ابن امرأته عن مجاهد ،والحسن ،وعَُبيد بن عُ َ
صال ٍِح { وبقوله : ل غَي ُْر َ م ٌ ه عَ َ جَريج ،واحتج بعضهم بقوله } :إ ِن ّ ُ وابن ُ
ما { ]التحريم ، [10 :فممن قاله الحسن البصري ،احتج بهاتين خان ََتاه ُ } فَ َ
اليتين .وبعضهم يقول :كان ابن امرأته .وهذا يحتمل ) (2أن يكون أراد ما
أراد الحسن ،أو أراد أنه نسب إليه مجازا ،لكونه كان ربيًبا عنده ،فالله
أعلم.
وقال ابن عباس ،وغير واحد من السلف :ما زنت امرأة نبي قط ،قال :
ك { أي :الذين وعدتك نجاتهم ).(3 ن أ َهْل ِ َ م ْ س ِ ه ل َي ْ َ وقوله } :إ ِن ّ ُ
ل ابن عباس في هذا هو الحق الذي ل محيد عنه ،فإن الله سبحانه )(4 وقو ُ
أغير من أن يمكن ) (5امرأة نبي من الفاحشة ) (6ولهذا غضب الله على
ديق زوج النبي صلى الله عليه وسلم ت الص ّ موا أم المؤمنين عائشة بن َ الذين ر َ
) ، (7وأنكر على المؤمنين الذين تكلموا بهذا وأشاعوه ؛ ولهذا قال تعالى } :
م ل ِك ُ ّ
ل خي ٌْر ل َك ُ ْل هُوَ َ م بَ ْ شّرا ل َك ُ ْ سُبوه ُ َ ح َ م ل تَ ْ من ْك ُ ْ
ة ِ صب َ ٌ
ك عُ ْ جاُءوا ِبالفْ ِ ن َ ذي َ ن ال ّ ِ إِ ّ
م{ ظي ٌ ب عَ ِ ذا ٌ ه عَ َ م لَ ُمن ْهُ ْ ذي ت َوَّلى ك ِب َْره ُ ِ ن الث ْم ِ َوال ّ ِ م َب ِ س َ ما اك ْت َ َ م َ من ْهُ ْ ئ ِ مرِ ٍ ا ْ
َ َ
عل ْ ٌ
م م ب ِهِ ِ س ل َك ُ ْما ل َي ْ َ م َ واهِك ُ ْ ن ب ِأفْ َ قوُلو َ م وَت َ ُ سن َت ِك ُ ْ ه ب ِأل ْ ِ قوْن َ ُإلى قوله } إ ِذ ْ ت َل َ ّ
م { ]النور .[15 - 11 : ظي ٌ عن ْد َ الل ّهِ عَ ِ ه هَي ًّنا وَهُوَ ِ سُبون َ ُ ح َ وَت َ ْ
رمة ،عن ابن عك ْ ِ مر ،عن قتادة وغيره ،عن ِ معْ َ وقال عبد الرزاق :أخبرنا َ
عباس قال :هو ابنه غير أنه خالفه في العمل والنية .قال عكرمة :في بعض
مل عمل غير صالح" ،والخيانة تكون على غير باب. الحروف " :إنه عَ ِ
وقد ورد في الحديث أن رسول الله قرأ بذلك ،فقال المام أحمد :حدثنا
شب ، حو ْ َشْهر بن َ يزيد بن هارون ،حدثنا حماد بن سلمة ،عن ثابت ،عن َ
عن أسماء بنت يزيد قالت ،سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ :
سَرُفوا عََلى عبادي ال ّذي َ
نأ ْ صاِلح" ،وسمعته يقول )َ } : (8يا ِ َ ِ َ ِ َ ل غَي َْر َ م َه عَ ِ "إ ِن ّ ُ
ميًعا { ول يبالي ج ِ فُر الذ ُّنو َ
ب َ ن الل ّ َ
ه ي َغْ ِ مةِ الل ّهِ إ ِ ّح َن َر ْ م ْطوا ِ قن َ ُم ل تَ ْ سهِ ْف ِ أ َن ْ ُ
م { ]الزمر .(9) [53 : حي ُ فوُر الّر ِ ه هُوَ ال ْغَ ُ } إ ِن ّ ُ
كيع ،حدثنا هارون النحوي ،عن ثابت الب َُناني ،عن وقال أحمد أيضا :حدثنا وَ ِ
مل غَي َْر َ
صاِلح" شب ،عن أم سلمة أن رسول الله قرأها " :إنه عَ ِ حو ْ َ شْهر بن َ َ
).(10
أعاده أحمد أيضا في مسنده ).(11
__________
) (1في ت ،أ " :ليس منك إنما هو ولد زنية".
) (2في ت " :محتمل".
) (3في ت " :بنجاتهم".
) (4في ت " :تعالى".
) (5في ت " :يمكن من".
) (6في ت " :هذه الفاحشة".
) (7في أ " :زوج النبي صلى الله عليه وسلم بالفاحشة".
) (8في ت " :يقرأ".
) (9المسند ).(6/454
) (10المسند ).(6/294
) (11المسند ).(6/322
) (4/326
أم سلمة هي ) (1أم المؤمنين والظاهر -والله أعلم -أنها أسماء ) (2بنت
يزيد ،فإنها تكنى بذلك أيضا ).(3
ضا :أخبرنا الثوري وابن عيينة ،عن موسى بن أبي وقال عبد الرزاق أي ً
جْنب
سِئل -وهو إلى َ عائشة ،عن سليمان بن قَّتة قال :سمعت ابن عباس ُ -
ما { ]التحريم ، [10 :قال :أما وإنه لم خان ََتاهُ َالكعبة -عن قول الله } :فَ َ
يكن بالزنا ،ولكن كانت هذه تخبر الناس أنه مجنون ،وكانت هذه تدل على
صال ٍِح { قال ابن عيينة :وأخبرني عمارل غَي ُْر َ م ٌه عَ َالضياف .ثم قرأ } :إ ِن ّ ُ
الد ُهِْبي ) (4أنه سأل سعيد بن جبير عن ذلك فقال :كان ابن نوح ،إن الله ل
ه { قال :وقال بعض العلماء :ما فجرت ح اب ْن َ ُيكذب! قال تعالى } :وََناَدى ُنو ٌ
امرأة نبي قط ).(5
مْهران وثابتضا ،وعكرمة ،والضحاك ،وميمون بن ِ وكذا روي عن مجاهد أي ً
بن الحجاج ،وهو اختيار أبي جعفر بن جرير ،وهو الصواب ]الذي[ ) (6ل شك
فيه.
]وقوله[ ): (7
ك وعََلى أ ُمم ممن مع َ ُ
م
م ٌ ك وَأ َ َ ٍ ِ ّ ْ َ َ ت عَل َي ْ َ َ كا ٍمّنا وَب ََر َ
سلم ٍ ِ ط بِ َح اهْب ِ ْ ل َيا ُنو ُ } ِقي َ
م ){ (48 َ مّنا عَ َ ُ
ب أِلي ٌ ذا ٌ م ِسهُ ْ
م ّ م يَ َمث ّ مت ّعُهُ ْ
سن ُ ََ
يخبر تعالى عما قيل لنوح ،عليه السلم ،حين أرست السفينة على
الجوديّ ،من السلم عليه ،وعلى من معه من المؤمنين ،وعلى كل مؤمن
من ذريته إلى يوم القيامة ،كما قال محمد بن كعب :دخل في هذا السلم
ل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة ،وكذلك في العذاب والمتاع كل كافر ك ّ
وكافرة إلى يوم القيامة.
وقال محمد بن إسحاق :ولما أراد أن يكف ) (8الطوفان أرسل ريحا على
وجه الرض ،فسكن الماء ،وانسدت ينابيع الرض الغمر الكبر ) (9وأبواب
َ
ماُء س َ ك ]وََيا َ ماَء ِض اب ْل َِعي َل َيا أْر ُالسماء ،يقول الله تعالى ) } : (10وَِقي َ
ْ ْ َ َ
قوْم ِ دا ل ِل َ
ل ب ُعْ ًجودِيّ وَِقي َ ت عَلى ال ُ ست َوَ ْ
مُر َوا ْ ي ال ْ ض َماُء وَقُ ِض ال ْ َأقْل ِِعي وَِغي َ
ن[ { )(11 مي َ ال ّ
ظال ِ ِ
__________
) (1في ت ،أ " :هند".
) (2في ت " :إنما هي أسماء".
) (3قال الطبري في تفسيره )" : (15/348ول نعلم هذه القراءة قرأ بها أحد
من قرأة المصار إل بعض المتأخرين ،واعتل في ذلك بخبر روي عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ ذلك كذلك ،غير صحيح السند ،وذلك
حديث روي عن شهر بن حوشب ،فمرة يقول :عن أم سلمة ،ومرة يقول
عن أسماء بنت يزيد ، .ول نعلم أبنت يزيد يريد ؟ ول نعلم لشهر سماعا يصح
عن أم سلمة" .وانظر :حاشية الستاذ محمود شاكر عليه فقد أفاد وأجاد.
) (4في ت " :الذهبي".
) (5رواه الطبري في تفسيره ).(15/343
) (6زيادة من ت ،أ.
) (7زيادة من ت.
) (8في ت " :يكف ذلك".
) (9قال الستاذ محمود شاكر في حاشيته على الطبري )" : (15/239هكذا
في المخطوطة والمطبوعة " :الغمر الكبر" .وأنا أرجح أنه خطأ محض ،وأن
الصواب " :الغوط الكبر" وبهذا اللفظ رواه صاحب اللسان في مادة
)غوط(".
) (10في ت ،أ " :يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم".
) (11زيادة من ت ،أ ،وفي هـ " :الية".
) (4/327
َ كم َ
ذا ن قَب ْ ِ
ل هَ َ م ْ
ك ِ ت وََل قَوْ ُ
م َ ت ت َعْل َ ُ
مَها أن ْ َ ما ك ُن ْ َ حيَها إ ِل َي ْ َ
ك َ ب ُنو ِ ن أن َْباِء ال ْغَي ْ ِ ت ِل ْ َ ِ ْ
ن )(49 قي َ ة ل ِل ْ ُ
مت ّ ِ ن ال َْعاقِب َ َ َفا ْ
صب ِْر إ ِ ّ
فجعل الماء ينقص وَيغيض وي ُد ْب ُِر ،وكان استواء الفلك على الجودي ،فيما
يزعم أهل التوراة ،في الشهر السابع لسبع عشرة ليلة مضت منه ،وفي
أول يوم من الشهر العاشر ُ ،رئي رءوس الجبال .فلما مضى بعد ذلك أربعون
ب لينظر له مافْلك التي ركب ) (1فيها ،ثم أرسل الغرا َ ما ،فتح نوح ك ُ ّ
وة ال ُ يو ً
صنع الماء ،فلم يرجع إليه .فأرسل الحمامة فرجعت إليه ،لم تجد لرجليها
موضعا ،فبسط يده للحمامة فأخذها فأدخلها .ثم مضى ) (2سبعة أيام ،ثم
أرسلها لتنظر له .فرجعت حين أمست ،وفي فيها وََرق زيتون ) (3فعلم نوح
ل عن وجه الرض .ثم مكث سبعة أيام ،فلم ترجع ،فعلم نوح أن الماء قد قَ ّ
أن الرض قد ب ََرَزت ،فلما كملت السنة فيما بين أن أرسل الله الطوفان إلى
أن أرسل نوح الحمامة ،ودخل يوم واحد من الشهر الول من سنة اثنتين ،
برز وجه الرض ،وظهر الي ََبس ) (4وكشف نوح غطاء الفلك ورأى وجه
الرض ،وفي الشهر الثاني من سنة اثنتين ،في سبع وعشرين ليلة منه
ُ
ك[ { )(5 معَ َن َ م ْ م ّ مم ٍ ِ ك وَعََلى أ َ ت عَل َي ْ َ كا ٍمّنا ]وَب ََر َ سلم ٍ ِ ط بِ َ ح اهْب ِ ْ ل َيا ُنو ُ } ِقي َ
]إلى آخر[ ) (6الية ).(7
َ َ َ كم َ
ل هَ َ
ذا ن قَب ْ ِ م ْك ِم َ ت َول قَوْ ُ مَها أن ْ َ ت ت َعْل ُ ُ
ما كن ْ َ ك َحيَها إ ِلي ْ َ ب ُنو ِ ن أن َْباِء ال ْغَي ْ ِ } ت ِل ْ َ ِ ْ
ن ){ (49 قي َمت ّ ِة ل ِل ْ ُ
ن ال َْعاقِب َ َ َفا ْ
صب ِْر إ ِ ّ
يقول تعالى لنبيه ]ورسوله محمد[ ) (8صلى الله عليه وسلم ) .(9هذه
القصة وأشباهها ) } (10م َ
ب { يعني :من أخبار الغيوب السالفة ن أن َْباِء ال ْغَي ْ ِِ ْ َ
حيَها إ ِل َي ْكَ نوحيها إليك على وجهها ]وجليتها[ ) ، (11كأنك شاهدها )ُ } ، (12نو ِ
َ
ن
م ْ مك ِ َ ت َول قَوْ ُ مَها أن ْ َ ت ت َعْل َ ُ ما ك ُن ْ َ { أي :نعلمك بها وحيا ) (13منا إليك َ } ،
ذا { أي :لم يكن عندك ول عند أحد من قومك علم بها ،حتى يقول ل هَ َ قَب ْ ِ
من يكذبك :إنك تعلمتها ) (14منه ،بل أخبرك الله بها مطابقة لما كان عليه
المر الصحيح ،كما تشهد به كتب النبياء قبلك ،فاصبر على تكذيب من
كذبك من قومك ،وأذاهم لك ،فإنا سننصرك ) (15ونحوطك بعنايتنا ،ونجعل
العاقبة لك ولتباعك في الدنيا والخرة ،كما فعلنا ]بإخوانك[ )(16
ن
ذي َ سل ََنا َوال ِ
ّ صُر ُر ُ بالمرسلين ) (17حيث نصرناهم على أعدائهم } ،إ ِّنا ل َن َن ْ ُ
م
معْذَِرت ُهُ ْ ن َ مي َظال ِ ِ فعُ ال ّ م ل ي َن ْ َ شَهاد ُ ي َوْ َ م ال ْ قو ُ م يَ ُحَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ مُنوا ]ِفي ال ْ َ آ َ
داِر[ { ]غافر ، [52 ، 51 : سوُء ال ّ م ُ َ
ة وَلهُ ْ ّ
م اللعْن َ ُ َ
وَلهُ ُ
__________
) (1في ت ،أ " :صنع".
) (2في ت ،أ " :مضت".
) (3في ت " :زيتونة".
) (4في ت " :النسر" ،وفي أ " :البشر".
) (5زيادة من ت ،أ.
) (6زيادة من ت ،أ.
) (7تفسير الطبري ).(15/338
) (8زيادة من ت ،أ.
) (9في أ " :صلوات الله وسلمه عليه".
) (10في ت " :وما أشبهها".
) (11زيادة من ت ،أ.
) (12في ت " :مشاهد لها".
) (13في ت " :بوحي".
) (14في أ " :تعلمها".
) (15في ت " :سنؤيدك :ونبصرك" ،وفي أ " :فإنا سنؤيدك".
) (16زيادة من ت ،أ.
) (17في ت ،أ " :من المرسلين".
) (4/328
م إ ِّل ل يا قَوم اعْبدوا الل ّه ما ل َك ُم من إل َه غَيره إ َ عاد ٍ أ َ َ وَإ َِلى َ
ن أن ْت ُ ْْ ِ ْ ِ ٍ ُْ ُ ِ ْ َ َ ْ ِ ُ ُ هوًدا َقا َ َ م ُ خاهُ ْ
ذي فَط ََرِني َ َ َ َ
جرِيَ إ ِّل عََلى ال ّ ِ نأ ْ جًرا إ ِ ْ م عَل َي ْهِ أ ْ سأل ُك ُ ْ ن )َ (50يا قَوْم ِ َل أ ْ فت َُرو َ م ْ ُ
م ُ َ َ ُ ُ َ ُ َ َ َ
ماَء عَلي ْك ْ س َ
ل ال ّ س ِ
م ُتوُبوا إ ِلي ْهِ ي ُْر ِ مث ّ فُروا َرب ّك ْ ست َغْ ِن ) (51وََيا قوْم ِ ا ْ قلو َ أفل ت َعْ ِ
جئ ْت ََنا
ما ِ هود ُ َن )َ (52قاُلوا َيا ُ مي َ جرِ ِ م ْ وا ُ م وََل ت َت َوَل ّ ْ م قُوّة ً إ َِلى قُوّت ِك ُ ْ مد َْراًرا وَي َزِد ْك ُ ْ ِ
ن )(53 ني م ْ ؤ م ب كَ َ ل ن ح ن ما و َ
ك ل وَ ق ن َ ع نا ت هل َ آ كي
بِ َ ّ َ ٍ َ َ َ ْ ُ ِ َ ِ ِ
رتا ب ن ح ن ما و ة ن ي ب
ِ ُ ِ ِ َ َ َ َ ْ ُ ْ ِْ َِ َِ
مم ل َهُ ُن إ ِن ّهُ ْسِلي َمْر َ مت َُنا ل ِعَِبادَِنا ال ْ ُ ت ك َل ِ َ ق ْ سب َ َ قد ْ َ ) (1وقال تعالى } :وَل َ َ
ن[ { ]الصافات (2) ، [173 - 171 : م ال َْغال ُِبو َ جن ْد ََنا ل َهُ ُ ن ُ ن ]وَإ ِ ّ صوُرو َ من ْ ُ ال ْ َ
ن {. قي َ ة ل ِل ْ ُ
مت ّ ِ ن ال َْعاقِب َ َ صب ِْر إ ِ ّ وقال تعالى َ } :فا ْ
َ عاد ٍ أ َ َ
م
ن أن ْت ُ ْن إ ِل َهٍ غَي ُْره ُ إ ِ ْ م ْم ِما ل َك ُ ْ ه َ دوا الل ّ َ ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ هوًدا َقا َ م ُ خاهُ ْ } وَإ َِلى َ
ذي فَط ََرِني َ َ َ َ
جرِيَ ِإل عََلى ال ّ ِ نأ ْ جًرا إ ِ ْ م عَل َي ْهِ أ ْ سأل ُك ُ ْ ن )َ (50يا قَوْم ِ ل أ ْ فت َُرو َ م ِْإل ُ
َ
ماَء عَل َي ْك ُ ْ
م س َ ل ال ّ س ِم ُتوُبوا إ ِل َي ْهِ ي ُْر ِ م ثُ ّ فُروا َرب ّك ُ ْ ست َغْ ِ ن ) (51وََيا قَوْم ِ ا ْ قُلو َ أَفل ت َعْ ِ
ن ){ (52 مي َ جرِ ِ م ْ وا ُ م َول ت َت َوَل ّ ْ م قُوّة ً إ َِلى قُوّت ِك ُ ْ مد َْراًرا وَي َزِد ْك ُ ْ ِ
هوًدا { آمرا لهم بعبادة الله م ُ ُ ه خا َ َ أ د عا
َ لى َ إ } ، أرسلنا ولقد : تعالى يقول
ْ ٍ ِ
وحده ل شريك له ،ناهيا لهم ) (3عن ]عبادة[ ) (4الوثان التي افتروها
واختلقوا لها أسماء اللهة ،وأخبرهم أنه ل يريد منهم أجرة على هذا النصح
والبلغ من الله ،إنما يبغي ثوابه ]على ذلك وأجره[ ) (5من الله الذي فطره
َ
ن { من يدعوكم إلى ما يصلحكم في الدنيا والخرة من غير قُلو َ } أَفل ت َعْ ِ
أجرة ).(6
ثم أمرهم بالستغفار الذي فيه تكفير الذنوب السالفة ،وبالتوبة عما
يستقبلون ]من العمال السابقة[ ) (7ومن اتصف بهذه الصفة يسر الله عليه
رزقه ،وسهل عليه أمره وحفظ ]عليه[ ) (8شأنه ]وقوته[ ) (9؛ ولهذا قال :
مد َْراًرا { ]نوح ، [11 :و]كما جاء[ ) (10وفي م ِ ماَء عَل َي ْك ُ ْ س َ ل ال ّ س ِ } ي ُْر ِ
هم فرجا ،ومن كل الحديث " :من لزم ) (11الستغفار جعل الله له من كل َ
ضيق مخرجا ،ورزقه من حيث ل يحتسب".
ن لَ َ
ك ح ُ ما ن َ ْ ك وَ َ ن قَوْل ِ َ كي آل ِهَت َِنا عَ ْ ن ب َِتارِ ِ ح ُ ما ن َ ْ جئ ْت ََنا ب ِب َي ّن َةٍ وَ َ ما ِ هود ُ َ } َقاُلوا َيا ُ
ن ){ (53 مِني َ مؤ ْ ِ بِ ُ
__________
) (1زيادة من ت ،أ ،وفي هـ " :الية".
) (2زيادة من ت ،أ ،وفي هـ " :الية".
) (3في ت ،أ " :ونهاهم".
) (4زيادة من ت ،أ.
) (5زيادة من ت ،أ.
) (6في ت ،أ " :من غير جعل ول أجر".
) (7زيادة من ت ،أ.
) (8زيادة من ت ،أ.
) (9زيادة من ت ،أ.
) (10زيادة من ت ،أ.
) (11في ت ،أ " :أكثر من".
) (4/329
َ ل إ ِّني أ ُ ْ َ
ريءٌ دوا أّني ب َ ِ ه َوا ْ
شهَ ُ شهِد ُ الل ّ َ سوٍء َقا َ ض آل ِهَت َِنا ب ِ ُك ب َعْ ُ ل إ ِّل اعْت ََرا َ
قو ُ ن نَ ُ إِ ْ
ت ْ ّ
ن ) (55إ ِّني ت َوَكل ُ م ل ت ُن ْظ ُِرو َِ ُ
ميًعا ث ّ ج ِ دوِني َ كي ُ َ
ن ُدون ِهِ ف ِ م ْن )ِ (54 ُ
شرِكو َ ما ت ُ ْم ّ ِ
طصَرا ٍ َ
ن َرّبي عَلى ِ صي َت َِها إ ِ ّ ٌ
خذ ب َِنا ِ َ ّ
ن َداب ّةٍ إ ِل هُوَ آ ِ ُ ّ َ
م ْ ما ِم َعَلى اللهِ َرّبي وََرب ّك ْ
قيم ٍ )(56 ست َ ِ
م ْ ُ
) (4/329
دوا { ]أي أنتم أيضا[ ) } (1أ َّني شهَ ُه َوا ْ شهِد ُ الل ّ َل إ ِّني أ ُ ْ عبادتها وعيبك لها } َقا َ
ن ُدون ِهِ { ) .(2يقول :إني بريء من جميع النداد م ْ
ن ِ كو َ شرِ ُ ما ت ُ ْم ّريٌء ِبَ ِ
ميًعا { أي :أنتم وآلهتكم إن كانت حقا ] ،ف ذروها ج
َ ِ ني دو
ِ ُ ِ كي َ ف } ، والصنام
ن { أي :طرفة عين ]واحدة[ ).(4 رو
ُْ ُِ ِظ ن ت ل تكيدني[ ) } ، (3ث ُ ّ
م
صي َت َِها { خذ ٌ ب َِنا ِ
ن َداب ّةٍ ِإل هُوَ آ ِ م ْما ِ م َ ت عََلى الل ّهِ َرّبي وََرب ّك ُ ْ وقوله } :إ ِّني ت َوَك ّل ْ ُ
أي ] :هي[ ) (5تحت قهره وسلطانه ،وهو الحاكم العادل الذي ل يجور في
حكمه ،فإنه على صراط مستقيم.
قال الوليد بن مسلم ،عن صفوان بن عمرو ) (6عن أيفع بن عبد الكلعي
ن َرّبي عََلى خذ ٌ ب َِنا ِ
صي َت َِها إ ِ ّ ن َداب ّةٍ ِإل هُوَ آ ِ م ْ
ما ِ أنه قال في قوله تعالى َ } :
قيم ٍ { قال :فيأخذ بنواصي عباده فيلقى المؤمن ) (7حتى يكون ست َ ِم ْ ط ُصَرا ٍِ
ريم ِ { َ ْ َ َ
ما غَّرك ب َِرب ّك الك ِ له ) (8أشفق من الوالد لولده ) (9ويقال للكافر َ } :
]النفطار .[6 :
وقد تضمن هذا المقام حجة بالغة ودللة قاطعة على صدق ما جاءهم به ،
ماد ل ج َ
وبطلن ما هم عليه من عبادة الصنام التي ل تنفع ول تضر ،بل هي َ
تسمع ول تبصر ،ول ُتوالي ول ُتعادي ،وإنما يستحق إخلص العبادة الله
وحده ل شريك له ،الذي بيده الملك ،وله التصرف ،وما من شيء إل تحت
ملكه وقهره وسلطانه ،فل إله إل هو ،ول رب سواه.
ُ } فَإن تول ّوا فَ َ َ
م َول ما غَي َْرك ُ ْ ف َرّبي قَوْ ً خل ِ ُست َ ْ
م وَي َ ْ ت ب ِهِ إ ِل َي ْك ُ ْ سل ْ ُ ما أْر ِ م َ قد ْ أب ْل َغْت ُك ُ ْ ِ ْ َ َ ْ
هوًدا جي َْنا ُ ن نا رمظ ) (57ول َما جاَء أ َ ٌ في ح ٍ ء ي شَ لّ ُ ك لى َ ع بي ً ه َ
ْ ُ َ َ ّ َ ّ َ ْ َ ِ َ شْ ِ ّ َ ّ
ر ن إ ئا ي ضّرون َ ُ تَ ُ
دوا
ح ُج َ عاد ٌ َ ك َ ْ
ظ ) (58وَت ِل َ ب غَِلي ٍ ذا ٍ ن عَ َ م ْ م ِ جي َْناهُ ْ مّنا وَن َ ّ مةٍ ِ ح َ ه ب َِر ْ معَ ُمُنوا َ نآ َ ذي َ ّ
َوال ِ
ه ُ مَر ك ُ ّ َ َ
جّبارٍ عَِنيد ٍ ) (59وَأت ْب ُِعوا ِفي هَذِ ِ ل َ ه َوات ّب َُعوا أ ْ سل ُ وا ُر ُ ص ْم وَعَ َ ت َرب ّهِ ْ ِبآَيا ِ
هودٍ ){ (60 دا ل َِعادٍ قَوْم ِ ُ َ عاًدا ك َ َ َ ْ َ
م أل ب ُعْ ً فُروا َرب ّهُ ْ ن َ مةِ أل إ ِ ّ قَيا َ م ال ِ ة وَي َوْ َ الد ّن َْيا لعْن َ ً
يقول لهم ]رسولهم[ ) (10هود :فإن تولوا عما جئتكم به من عبادة الله
ربكم وحده ل شريك له ،فقد قامت عليكم الحجة بإبلغي إياكم رسالة الله
م { ) (11يعبدونه وحده ل ما غَي َْرك ُ ْ ف َرّبي قَوْ ً خل ِ ُ ست َ ْ التي بعثني بها } ،وَي َ ْ
يشركون به ]شيًئا[ ) (12ول يبالي بكم :فإنكم ل تضرونه بكفركم بل )(13
ظ { أي :شاهد في ٌ ح ِيٍء َ ش ْ ل َ ن َرّبي عََلى ك ُ ّ يعود وََبال ذلك عليكم } ،إ ِ ّ
وحافظ لقوال عباده وأفعالهم ويجزيهم ) (14عليها إن خيرا فخير ،وإن شرا
فشر.
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2في ت " :تدعون" وهو خطأ.
) (3زيادة من ت ،أ.
) (4زيادة من ت ،أ.
) (5زيادة من ت ،أ.
) (6في أ " :محرز".
) (7في ت " :للمؤمن".
) (8في ت " :لهم".
) (9في ت " :بولده".
) (10زيادة من ت ،أ.
) (11في ت ،أ " :الله" وهو خطأ.
) (12زيادة من ت ،أ.
) (13في ت ،أ " :وكفركم وإنما".
) (14في ت " :وتجزيهم".
) (4/330
) (4/331
َ َ
صُرِني
ن ي َن ْ ُ ة فَ َ
م ْ م ً
ح َ
ه َر ْ ن َرّبي وَآ ََتاِني ِ
من ْ ُ م ْ ت عََلى ب َي ّن َةٍ ِن ك ُن ْ ُم إِ ْ ل َيا قَوْم ِ أَرأي ْت ُ ْ َقا َ
سيرٍ )(63 خ ِ َ
دون َِني غي َْر ت َ ْ زي ُما ت َ ِ َ
هف َ صي ْت ُ ُ
ن عَ َ ّ
ن اللهِ إ ِ ْم َ
ِ
َ َ
ن
م ْة فَ َم ً
ح َ ه َر ْمن ْ ُ
ن َرّبي َوآَتاِني ِ ت عََلى ب َي ّن َةٍ ِ
م ْ ن ك ُن ْ ُ ل َيا قَوْم ِ أَرأي ْت ُ ْ
م إِ ْ } َقا َ
سيرٍ ){ (63 خ ِ دون َِني غَي َْر ت َ ْزي ُ ه فَ َ
ما ت َ ِ صي ْت ُ ُ
ن عَ َ ن الل ّهِ إ ِ ْ م َ
صُرِني ِ ي َن ْ ُ
يذكر تعالى ما كان من الكلم بين صالح ،عليه السلم ،وبين قومه ،وما كان
ل هَ َ
ذا { وا قَب ْ َج ّ
مْر ُ ت ِفيَنا َعليه قومه من الجهل والعناد في قولهم } :قَد ْ ك ُن ْ َ
أي :كنا نرجوك في عقلك قبل أن تقول ما
) (4/331
سوءٍ ها ب ِ ُ سو َ م ّ ض الل ّهِ وََل ت َ َ ِ ل ِفي أ َْر ها ت َأ ْك ُ ْ ة فَذ َُرو َ م آ َي َ ً ة الل ّهِ ل َك ُ ْ وََيا قَوْم ِ هَذِهِ َناقَ ُ
َ َ ُ ْ
كة أّيام ٍ ذ َل ِ َ م ث َلث َ َ مت ُّعوا ِفي َدارِك ْ ل تَ َ قا َ ها فَ َ قُرو َ ب ) (64فَعَ َ ري ٌ ِ ب قَ ذا ٌ م عَ َ خذ َك ُ ْ فَي َأ ُ
ذي َ َ
ة
م ٍ ح َ ه ب َِر ْ معَ ُ مُنوا َ نآ َ حا َوال ّ ِ َ صال ِ ً جي َْنا َ مُرَنا ن َ ّ جاَء أ ْ ما َ ب ) (65فَل َ ّ ذو ٍ مك ْ ُ وَعْد ٌ غَي ُْر َ
َ َ ّ َ ْ ْ َ
موا ن ظل ُ ذي َ خذ َ ال ِ زيُز ) (66وَأ َ قوِيّ العَ ِ ن َرب ّك هُوَ ال َ مئ ِذ ٍ إ ِ ّ ي ي َوْ ِ خْز ِ ن ِ م ْ مّنا وَ ِ ِ
َ َ َ َ َ َ
مود َ ن ثَ ُ وا ِفيَها أل إ ِ ّ م ي َغْن َ ْ
نل ْ ن ) (67كأ ْ مي َ جاث ِ ِ م َ حوا ِفي دَِيارِهِ ْ صب َ ُ ة فَأ ْ ح ُ صي ْ َ
ال ّ
ُ َ ْ ُ َ َ َ كَ َ
شَرى قالوا م ِبالب ُ ْ هي َ سلَنا إ ِب َْرا ِ ت ُر ُ جاَء ْ قد ْ َ مود َ ) (68وَل َ دا ل ِث َ ُ م أل ب ُعْ ً فُروا َرب ّهُ ْ
َ َ َ
ص ُ
ل م َل ت َ ِ ما َرأى أي ْدِي َهُ ْ حِنيذ ٍ ) (69فَل َ ّ ل َ ج ٍ جاَء ب ِعِ ْ ن َ ثأ ْ ما ل َب ِ َ م فَ َ سَل ٌ ل َ ما َقا َ سَل ً َ
ُ َ ْ ُ َ ُ َ
ط )(70 سلَنا إ ِلى قوْم ِ لو ٍ َ ف إ ِّنا أْر ِ خ ْ ة قالوا ل ت َ َ َ ف ً خي َ م ِ من ْهُ ْ س ِ ج َ م وَأوْ َ إ ِل َي ْهِ ن َك َِرهُ ْ
وا َ
ب )(71 قو َ حاقَ ي َعْ ُ س َ ن وََراِء إ ِ ْ م ْ حاقَ وَ ِ س َ ها ب ِإ ِ ْ شْرَنا َ ت فَب َ ّ حك َ ْ ض ِ ة فَ َ م ٌ ه َقائ ِ َ مَرأت ُ ُ َ ْ
َ َ
في ما ي َعْب ُد ُ آَباؤَُنا { وما كان عليه أسلفنا } ،وَإ ِن َّنا ل َ ِ ن ن َعْب ُد َ َ قلت! } أت َن َْهاَنا أ ْ
ب { أي ] :في[ ) (1شك كثير ).(2 ري ٍ م ِ عوَنا إ ِل َي ْهِ ُ ما ت َد ْ ُ م ّ ك ِ ش ّ َ
َ ُ َ َ
ن َرّبي { فيما أرسلني به إليكم على م ْ ت عَلى ب َي ّن َةٍ ِ ن كن ْ ُ م إِ ْ ل َيا قَوْم ِ أَرأي ْت ُ ْ } َقا َ
نن اللهِ إ ِ ْ ّ م َ صُرِني ِ ن ي َن ْ ُ م ْ ةف َ َ م ً ح َ ه َر ْ من ْ ُ يقين وبرهان ]من الله[ )َ } ، (3وآَتاِني ِ
ه { وتركت دعوتكم إلى الحق وعبادة الله وحده ،فلو تركته ) (4لما صي ْت ُ ُ عَ َ
سيرٍ { أي :خسارة. خ ِ َ
نفعتموني ولما زدتموني } غي ْر ت َ ْ
ها سو م ت ول ه ّ ل ال ض ر َ أ في ْ
ل ُ ك } ويا قَوم هذه ناقَة الل ّه ل َك ُم آ َية فَذ َروها تأ ْ
ِ َ َ َ ّ َ ْ ِ ِ ُ َ َ ْ ًَ ِ ْ ِ َ ِ ِ َ ُ ََ
م ياة أَ َ ث ثل َ م ُ ك ر دا في عوا ت م ت لَ قا
َ َ ف ها رو َ ق عَ ف ( 64 ) ب ري َ ق ب ذاَ ع م ُ ك َ ذ خ سوٍء فَيأ ْ
َ ّ ٍ َ ِ ْ ِ َ َ ُّ َ ُ َ ِ ٌ ٌ َ ْ ُ َ بِ ُ
َ
ه
معَ ُ مُنوا َ نآ َ ذي َ حا َوال ّ ِ صال ِ ً جي َْنا َ مُرَنا ن َ ّ جاَء أ ْ ما َ ب ) (65فَل َ ّ ذو ٍ مك ْ ُ ك وَعْد ٌ غَي ُْر َ ذ َل ِ َ
َ
ن
ذي َ خذ َ ال ّ ِ زيُز ) (66وَأ َ قوِيّ ال ْعَ ِ ك هُوَ ال ْ َ ن َرب ّ َ مئ ِذ ٍ إ ِ ّ ي ي َوْ ِ خْز ِ ن ِ م ْ مّنا وَ ِ مةٍ ِ ح َ ب َِر ْ
َ َ َ َ
نوا ِفيَها أل إ ِ ّ م ي َغْن َ ْ نل ْ ن ) (67ك َأ ْ مي َ جاث ِ ِ م َ حوا ِفي دَِيارِهِ ْ صب َ ُ ة فَأ ْ ح ُ صي ْ َ
موا ال ّ ظ َل َ ُ
فروا ربه َ
مود َ ){ (68 دا ل ِث َ ُ م أل ب ُعْ ً َ ُّ ْ مود َ ك َ َ ُ ثَ ُ
وتقدم الكلم على هذه القصة مستوفى في سورة "العراف" ) (5بما أغنى
عن إعادته ها هنا ،وبالله التوفيق.
َ َ ُ م ِبال ْب ُ ْ
جاَء ن َ ثأ ْ ما لب ِ َ م فَ َ سل ٌ ل َ ما َقا َ سل ً شَرى َقالوا َ هي َ سل َُنا إ ِب َْرا ِ ت ُر ُ جاَء ْ قد ْ َ } وَل َ َ
َ َ َ
ة
ف ً خي َ م ِ من ْهُ ْ س ِ ج َ م وَأوْ َ ل إ ِل َي ْهِ ن َك َِرهُ ْ ص ُ م ل تَ ِ ما َرأى أي ْدِي َهُ ْ حِنيذ ٍ ) (69فَل َ ّ ل َ ج ٍ ب ِعِ ْ
ها شْرَنا َ ت فب َ ّ َ َ َ َ َ ُ َ َ ْ ُ َقاُلوا ل ت َ َ
حك ْ ض ِ ةف َ م ٌ ه قائ ِ َ مَرأت ُ ُ ط )َ (70وا ْ سلَنا إ ِلى قوْم ِ لو ٍ ف إ ِّنا أْر ِ خ ْ
ب ){ (71 قو َ حاقَ ي َعْ ُ س َ ن وََراِء إ ِ ْ م ْ حاقَ وَ ِ س َ ب ِإ ِ ْ
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2في ت ،أ " :كبير".
) (3زيادة من ت ،أ.
) (4في ت ،أ " :فلو تركت ذلك".
) (5عند تفسير اليات .78 - 73
) (4/332
) (4/332
) (4/333
) (4/334
ن
ط ) (74إ ِ ّ جادِل َُنا ِفي قَوْم ِ ُلو ٍ شَرى ي ُ َه ال ْب ُ ْجاَءت ْ ُ م الّروْع ُ وَ َ
هي َ ن إ ِب َْرا ِ ب عَ ْ ما ذ َهَ َفَل َ ّ
َ َ َ
مُر َرب ّ َ
ك جاَء أ ْه قَد ْ َ ن هَ َ
ذا إ ِن ّ ُ ض عَ ْ
م أعْرِ ْ هي ُ ب )َ (75يا إ ِب َْرا ِ مِني ٌ
م أّواه ٌ ُ حِلي ٌم لَ َ هي َ
إ ِب َْرا ِ
مْرُدود ٍ )(76 َ َ َ
ب غي ُْر َ م عَذا ٌ م آِتيهِ ْ وَإ ِن ّهُ ْ
جيد ٌ { أي :هو الحميد في م ِ ميد ٌ َ ح ِه َ ت إ ِن ّ ُ ل ال ْب َي ْ ِ م أ َهْ َ ه عَل َي ْك ُ ْ كات ُ ُ ة الل ّهِ وَب ََر َ م ُ ح َ } َر ْ
جميع أفعاله وأقواله محمود ،ممجد في صفاته وذاته ؛ ولهذا ثبت في
الصحيحين أنهم قالوا :قد علمنا السلم عليك ،فكيف الصلة عليك يا رسول
الله ؟ قال :قولوا " :اللهم صل على محمد ،وعلى آل محمد ،كما صليت
على إبراهيم وآل إبراهيم ،وبارك على محمد وعلى آل محمد ،كما باركت
على ]إبراهيم و[ ) (1آل إبراهيم ،إنك حميد مجيد" ).(2
ط )(74 جادِل َُنا ِفي قَوْم ِ لو ٍ
ُ شَرى ي ُ َ ه ال ْب ُ ْ جاَءت ْ ُ م الّروْع ُ وَ َ هي َ ن إ ِب َْرا ِ ب عَ ْ ما ذ َهَ َ } فَل َ ّ
َ إن إبراهيم ل َحِليم أ َواه مِنيب ) (75يا إبراهي َ
مُر
جاَء أ ْ ه قَد ْ َ ذا إ ِن ّ ُ ن هَ َ ض عَ ْ م أعْرِ ْ َ ِْ َ ِ ُ ِ ّ ِْ َ ِ َ َ ٌ ّ ٌ ُ ٌ
مْرُدودٍ ){ (76 ب غَي ُْر َ ذا ٌ م عَ َ م آِتيهِ ْ ك وَإ ِن ّهُ ْ َرب ّ َ
يخبر تعالى عن ]خليله[ ) (3إبراهيم ،عليه السلم ،أنه لما ذهب عنه الروع ،
جس من الملئكة خيفة ،حين لم يأكلوا ،وبشروه بعد ذلك بالولد وهو ما أوْ َ
]وطابت نفسه[ ) (4وأخبروه بهلك قوم لوط ،أخذ يقول كما قال )] (5عنه[
) (6سعيد بن جبير في الية ) (7قال :لما جاءه جبريل ومن معه ،قالوا له )
ن[ { ]العنكبوت : مي َ ظال ِ ِ كاُنوا َ ن أ َهْل ََها َ قْري َةِ ]إ ِ ّ ل هَذِهِ ال ْ َ } (8إنا مهل ِ ُ َ
كو أهْ ِ ِّ ُ ْ
(9) ، [31قال لهم ]إبراهيم[ ) (10أتهلكون قرية فيها ثلثمائة مؤمن ؟
قالوا :ل .قال :أفتهلكون قرية فيها مائتا مؤمن ؟ قالوا :ل .قال :أفتهلكون
قرية فيها أربعون مؤمنا ؟ قالوا :ل .قال :ثلثون ؟ قالوا ل حتى بلغ خمسة
قالوا :ل .قال :أرأيتكم إن كان فيها رجل واحد مسلم أتهلكونها ؟ قالوا :ل.
طا َقاُلوا نح َ
ن
م ْ م بِ َ ن أعْل َ ُ َ ْ ُ ن ِفيَها ُلو ً فقال إبراهيم عليه السلم عند ذلك } :إ ِ ّ
ه { الية ]العنكبوت ، [32 :فسكت عنهم فيها ل َننجينه وأ َهْل َه إل ا َ
مَرأت َ ُ ْ ُ ِ ِ َ َُ ّ َّ ُ َ
واطمأنت نفسه.
وقال قتادة وغيره قريبا من هذا -زاد ابن إسحاق :أفرأيتم إن كان فيها
مؤمن واحد ؟ قالوا :ل .قال :فإن كان فيها لوط يدفع به عنهم العذاب ،
قالوا } :نحن أ َعْل َم بمن فيها ]ل َننجينه وأ َهْل َه إل ا َ
ن[ { ري َ ن ال َْغاب ِ ِ م َ ت ِ كان َ ْه َ مَرأت َ ُ ْ ُ ِ َُ ّ َّ ُ َ ُ ِ َ ْ ِ َ َ ْ ُ
]العنكبوت (11) .[32 :
َ
ب { مدح ) (12إبراهيم بهذه الصفات مِني ٌ م أّواه ٌ ُ حِلي ٌ م لَ َ هي َ ن إ ِب َْرا ِوقوله } :إ ِ ّ
الجميلة ،وقد تقدم تفسيرها ]في سورة براءة[ ).(13
َ َ وقوله } :يا إبراهي َ
ب
ذا ٌ م عَ َ م آِتيهِ ْ مُر َرب ّك ]وَإ ِن ّهُ ْ جاَء أ ْ ه قَد ْ َ ذا إ ِن ّ ُن هَ َ ض عَ ْ م أعْرِ ْ َ ِْ َ ِ ُ
مْرُدوٍد[ { )(14 غَي ُْر َ
__________
) (1زيادة من ت ،والبخاري.
) (2صحيح البخاري برقم ) (4797وصحيح مسلم برقم ) (406من حديث
كعب بن عجرة ،رضي الله عنه.
) (3زيادة من ت ،أ.
) (4زيادة من ت ،أ.
) (5في ت " :قاله".
) (6زيادة من ت.
) (7في ت ،أ " :في قوله :يجادلنا في قوم لوط".
) (8في أ " :فقالوا لبراهيم".
) (9زيادة من ت ،أ.
) (10زيادة من ت.
) (11زيادة من ت ،أ .وفي هـ " :الية".
) (12في ت ،أ " :مدح له".
) (13زيادة من ت ،أ.
) (14زيادة من ت ،أ ،وفي هـ " :الية".
) (4/335
قت عليهم الكلمة بالهلك ،وحلول البأس ح ّأي :إنه قد نفذ فيهم القضاء ،و َ
الذي ل ُيرد عن القوم المجرمين.
ب) صي ٌ م عَ ِ ذا ي َوْ ٌ ل هَ َ عا وََقا َ م ذ َْر ً ضاقَ ب ِهِ ْ م وَ َ سيَء ب ِهِ ْ طا ِ سل َُنا ُلو ً ت ُر ُ جاَء ْ
ما َ } وَل َ ّ
ُ ل َ َ
ل َيا قَوْم ِ ت َقا َ سي َّئا ِ
َ
ن ال ّ ملو َ كاُنوا ي َعْ َ ن قَب ْ ُ م ْ ن إ ِلي ْهِ وَ ِ عو َ ه ي ُهَْر ُ م ُ
َ
جاَءهُ قَوْ ُ (77وَ َ
لج ٌ م َر ُ من ْك ُ ْ
س ِ في ألي ْ ََ ضي ْ ِ
ن ِفي َ خُزو ِ ه َول ت ُ ْ ّ
قوا الل َ م َفات ّ ُ َ
ن أطهَُر لك ُ ْ ْ ؤلِء ب ََناِتي هُ ّ هَ ُ
ريد ُ ) ما ن ُ ِم َ َ َ
ك لت َعْل ُ حقّ وَإ ِن ّ َ ن َ م ْ ك ِ ما لَنا ِفي ب ََنات ِ َ َ ت َ م َ قد ْ عَل ِ ْ َ ُ
شيد ٌ )َ (78قالوا ل َ َر ِ
{ (79
يخبر تعالى عن ُقدوم رسله من الملئكة ) (1بعد ما أعلموا ) (2إبراهيم
بهلكهم ،وفارقوه وأخبروه بإهلك الله قوم لوط هذه الليلة .فانطلقوا من
عنده ،فأتوا لوطا ) (3عليه السلم ،وهو -على ما ) (4قيل -في أرض له
]يعمرها[ ) (5وقيل ] :بل كان[ ) (6في منزله ،ووردوا عليه وهم في أجمل
صورة تكون ،على هيئة شبان ) (7حسان الوجوه ،ابتلء من الله ]واختبارا[
) (8وله الحكمة والحجة البالغة ] ،فنزلوا عليه[ ) (9فساءه شأنهم وضاقت
فهم ) (10أن يضيفهم أحد من قومه ، ض ْ نفسه بسببهم ،وخشي إن لم ي ُ ِ
ب {. صي ٌ م عَ ِ ذا ي َوْ ٌ ل هَ َ فينالهم بسوء } ،وََقا َ
قال ابن عباس ]ومجاهد وقتادة ومحمد بن إسحاق[ ) (11وغير واحد ]من
الئمة[ ) (12شديد بلؤه وذلك أنه علم أنه سيدافع ]قومه[ ) (13عنهم ،
ويشق عليه ذلك.
وذكر قتادة أنهم أتوه وهو في أرض له ]يعمل فيها[ ) (14فتضّيفوه )(15
فاستحيا منهم ،فانطلق أمامهم وقال ) (16لهم في أثناء الطريق ،
كالمعرض لهم بأن ينصرفوا عنه :إنه والله يا هؤلء ما أعلم على وجه الرض
أهل بلد أخبث من هؤلء .ثم مشى قليل ثم أعاد ذلك عليهم ،حتى كرره أربع
مرات قال قتادة :وقد كانوا أمروا أل يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم بذلك.
وقال السدي :خرجت الملئكة من عند إبراهيم نحو قرية ) (17لوط )(18
فبلغوا ) (19نهر سدون نصف النهار ،ولقوا بنت ) (20لوط تستقي ]من
الماء لهلها وكانت له ابنتان اسم الكبرى رثيا والصغرى زغرتا[ ) (21فقالوا
]لها[ ) (22يا جارية ،هل من منزل ؟ فقالت ]لهم[ ) (23مكانكم حتى
آتيكم ،وَفرقت عليهم من قومها ،فأتت أباها فقالت :يا أبتاه ،أدرك فتيانا
على باب المدينة ،ما رأيت
__________
) (1في ت ،أ " :من الملئكة الذين فارقوا إبراهيم الخليل عليه السلم بعد".
) (2في ت ،أ " :أعلموه".
) (3في ت " :فأتوا على لوط" ،وفي أ " :فأتوا لوط".
) (4في ت ،أ " :وهو فيما".
) (5زيادة من ت ،أ.
) (6زيادة من ت ،أ.
) (7في ت ،أ " :شباب".
) (8زيادة من ت ،أ.
) (9زيادة من ت ،أ.
) (10في ت ،أ " :يضيفهم".
) (11زيادة من ت ،أ.
) (12زيادة من ت ،أ.
) (13زيادة من ت ،أ.
) (14زيادة من ت ،أ.
) (15في ت ،أ " :فيضيفوه".
) (16في ت ،أ " :فقال".
) (17في ت " :قوم".
) (18في ت ،أ " :لوط فأتوها نصف النهار ،فبلغوا".
) (19في ت ،أ " :فلما بلغوا".
) (20في ت ،أ " :ابنة".
) (21زيادة من ت ،أ.
) (22زيادة من ت ،أ.
) (23زيادة من ت ،أ.
) (4/336
وجوه قوم ]هي[ ) (1أحسن منهم ،ل يأخذهم قومك فيفضحوهم ،و]قد[ )(2
ضف ) (3الرجال .فجاء كان قومه نهوه أن يضيف رجل فقالوا :خل عنا فل ْن ُ ِ
بهم ،فلم يعلم بهم أحد إل أهل بيته ) (4فخرجت امرأته فأخبرت قومها
]فقالت :إن في بيت لوط رجال ما رأيت مثل وجوههم قط[ ) ، (5فجاءوا )
(6يهرعون إليه.
ن إ ِلي ْهِ { أي :يسرعون ويهرولون ]في مشيتهم ويجمرون[ َ عو َ وقوله } :ي ُهَْر ُ
) (7من فرحهم بذلك ]وروي في هذا عن ابن عباس ومجاهد والضحاك
والسدي وقتادة وشمر بن عطية وسفيان بن عيينة[ ).(8
ت { أي :لم يزل هذا من سجيتهم سي َّئا ِ
ن ال ّ مُلو َ كاُنوا ي َعْ َ ل َ ن قَب ْ ُ م ْ وقوله } :وَ ِ
]إلى وقت آخر[ ) (9حتى أخذوا وهم على ذلك الحال.
ؤلِء بناِتي هُ َ
م { يرشدهم إلى نسائهم ، ن أط ْهَُر ل َك ُ ْ ّ ََ ل َيا قَوْم ِ هَ ُ وقوله َ } :قا َ
فإن النبي للمة بمنزلة الوالد ]للرجال والنساء[ ) ، (10فأرشدهم إلى ما هو
ن َ ْ
أنفع ) (11لهم في الدنيا والخرة ،كما قال لهم في الية الخرى } :أت َأُتو َ
خل َق ل َك ُم ربك ُم من أ َزواجك ُم ب ْ َ
م قَوْ ٌ
م ل أن ْت ُ ْ ْ َ ّ ْ ِ ْ ْ َ ِ ْ َ ما َ َ ن َ ن وَت َذ َُرو َ مي َ ن ال َْعال َ ِ م َن ِ الذ ّك َْرا َ
َ
من { ]الشعراء ، [166 ، 165 :وقوله في الية الخرى َ } :قاُلوا أوَل َ ْ عاُدو َ َ
ن { ]الحجر [70 :أي :ألم ) (12ننهك عن ضيافة الرجال } مي َ َ
ن الَعال ِْ َ
ن َن ْهَك عَ ِ
ن{ مُهو َ م ي َعْ َ ْ
سكَرت ِهِ ْ في َ َ
مل ِ َ
مُرك إ ِن ّهُ ْ َ
ن .لعَ ْعِلي َ َ
م فا ِ ُ
ن كن ْت ُ ْ ؤلِء ب ََناِتي إ ِ ْ ل هَ ُ َقا َ
ن أط ْهَُرَ ]الحجر ، [72 ، 71 :وقال في هذه الية الكريمة } :هَ ُ
ؤلِء ب ََناِتي هُ ّ
مت ِهِ ،وكل نبي أبو م { قال ) (13مجاهد :لم يكن بناته ،ولكن كن من أ ّ ل َك ُ ْ
مِته.
أ ّ
وكذا روي عن قتادة ،وغير واحد.
جَرْيج :أمرهم أن يتزوجوا النساء ،ولم يعرض عليهم سفاحا. وقال ابن ُ
وقال سعيد بن جبير :يعني نساءهم ،هن ب ََناته ،وهو أب لهم ) (14ويقال
في بعض القراءات ) (15النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم
وهو أب لهم.
وكذا روي عن الربيع بن أنس ،وقتادة ،والسدي ،ومحمد بن إسحاق ،
وغيرهم.
في { أي :اقبلوا ما آمركم به من ضي ْ ِ
ن ِفي َ خُزو ِ
ه َول ت ُ ْ ّ وقوله َ } :فات ّ ُ
قوا الل َ
شيد ٌ { أي ] :ليس منكم ج ٌ ُ َ َ
ل َر ِ م َر ُ
من ْك ْس ِ القتصار على نسائكم ) } ، (16ألي ْ َ
رجل[ ) (17فيه خير ،يقبل ما آمره به ،ويترك ما أنهاه
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2زيادة من ت ،أ.
) (3في ت ،أ " :فلنضيف".
) (4في ت ،أ " :بيت لوط".
) (5زيادة من ت ،أ.
) (6في ت ،أ " :فجاءه قومه".
) (7زيادة من ت ،أ.
) (8زيادة من ت ،أ.
) (9زيادة من ت ،أ.
) (10زيادة من ت ،أ.
) (11في ت " :النفع".
) (12في ت ،أ " :أو لم".
) (13في ت ،أ " :وقال".
) (14في ت ،أ " :هن بناته هو نبيهم".
) (15في ت ،أ " :القراءة".
) (16في ت ،أ " :أي اقبلوا ما آمركم به من إتيانكم نساءكم واقتصاركم
عليهن وترككم الفواحش من إتيان الذكران من العالمين".
) (17زيادة من ت ،أ.
) (4/337
س ُ
ل ط إ ِّنا ُر ُ ديد ٍ )َ (80قاُلوا َيا ُلو ُ ن َ
ش ِ ٍ م قُوّة ً أ َوْ آ َِوي إ َِلى ُرك ْن ِلي ب ِك ُ ْ
َ
ل ل َوْ أ ّ َقا َ
حد ٌ إ ِلّ ك بقط ْع من الل ّيل وَل يل ْتفت منك ُم أ َ َ َ َ ُ َ
ْ ِ َ َ َ ِ ْ ِ ْ ْ َ سرِ ب ِأهْل ِ َ ِ ِ ٍ ِ َ ك فَأ ْ صلوا إ ِلي ْ َ ن يَ ِ كل ْ َرب ّ َ
ب )(81 َ َ َ َ
مَرأت َ َ
ري ٍ ق ِح بِ َ
صب ْ ُ
س ال ّ
ح ألي ْ َصب ْ ُ
م ال ّعد َهُ ُمو ْ ِ
ن َ
م إِ ّ
صاب َهُ ْ
ما أ َ صيب َُها َ م ِ
ه ُ ك إ ِن ّ ُ ا ْ
عنه ؟
حقّ { أي :إنك تعلم ) (1أن نساءنا ل ن َ م ْ ك ِ ما ل ََنا ِفي ب ََنات ِ َ ت َ م َقد ْ عَل ِ ْ} َقاُلوا ل َ َ
ريد ُ { أي :ليس لنا غرض إل ما ن ُ ِ
م َك ل َت َعْل َ ُ
أرب لنا فيهن ول نشتهيهن } ،وَإ ِن ّ َ
في الذكور ،وأنت تعلم ذلك ،فأي حاجة في تكرار القول علينا في ذلك ؟
ريد ُ { إنما نريد الرجال. ما ن ُ ِ ك ل َت َعْل َ ُ
م َ قال السدي } :وَإ ِن ّ َ
ُ ُ ُ َ َ َ
لس ُديد ٍ )َ (80قالوا َيا لوط إ ِّنا ُر ُش ِ ن َم قُوّة ً أوْ آِوي إ ِلى ُرك ْ ٍ ن ِلي ب ِك ُ ْ ل ل َوْ أ ّ } َقا َ
ك بقط ْع من الل ّيل ول يل ْتفت منك ُ َ َ ك ل َن يصُلوا إل َي َ َ
حد ٌ ِإلمأ َ ْ ِ َ َ َ ِ ْ ِ ْ ْ سرِ ب ِأهْل ِ َ ِ ِ ٍ ِ َ ك فَأ ْ ِ ْ َرب ّ َ ْ َ ِ
َ َ مَرأ َت َ َ
ب ){ (81 ري ٍ ق ِح بِ َصب ْ ُ
س ال ّح أل َي ْ َ
صب ْ ُ
م ال ّ عد َهُ ُ
مو ْ ِ ن َ م إِ ّ
صاب َهُ ْ
ما أ َ صيب َُها َ م ِ ه ُ ك إ ِن ّ ُ ا ْ
يقول تعالى مخبًرا عن نبيه لوط ،عليه السلم :إن لوطا توعدهم بقوله )
َ َ َ
ديد ٍ [ { ) (3أي :لكنت نكلت ش ِ م قُوّة ً ]أوْ آِوي إ ِلى ُرك ْ ٍ
ن َ ن ِلي ب ِك ُ ْ } : (2ل َوْ أ ّ
بكم وفعلت بكم الفاعيل ]من العذاب والنقمة وإحلل البأس بكم[ )(4
بنفسي وعشيرتي ،ولهذا ورد في الحديث ،من طريق محمد بن عمرو بن
علقمة ،عن أبي سلمة ،عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال " :رحمة الله على لوط ،لقد كان يأوي إلى ركن شديد -يعني :الله عز
وجل -فما بعث الله بعده من نبي إل في ثروة من قومه" ).(5
]وروي من حديث الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة
عا ومن حديث أبي الزناد عن العرج عن أبي هريرة به ،ومن حديث مرفو ً
ابن لهيعة عن أبي يونس سمع أبا هريرة به وأرسله الحسن وقتادة[ ).(6
فعند ذلك أخبرته الملئكة أنهم )ُ (7رسل الله إليه ،و]وبشروه[ ) (8أنهم ل
صُلوا إ ِل َي ْكَ
ن يَ ِ ك لَ ْل َرب ّ َ
س ُط إ ِّنا ُر ُوصول لهم إليه ]ول خلوص[ )َ } (9قاُلوا َيا ُلو ُ
{ وأمروه أن يسري بأهله من آخر الليل ،وأن يّتبع أدبارهم ،أي :يكون
حد ٌ { أي :إذا سمعت ) (10ما نزل بهم ، ساقة لهله } ،ول يل ْتفت منك ُ َ
مأ َ َ َ َ ِ ْ ِ ْ ْ
ول تهولّنكم ) (11تلك الصوات المزعجة ،ولكن استمروا ذاهبين ]كما أنتم[
).(12
ك { قال الكثرون :هو استثناء من المثبت ) (13وهو قوله : َ
مَرأت َ َ } ِإل ا ْ
َ
مَرأت َ َ َ
سرِ ب ِأهْل ِ َ َ
ك { وكذلك قرأها ابن مسعود ونصب ك { تقديره } ِإل ا ْ } فَأ ْ
هؤلء امرأتك ؛ لنه من مثبت )، (14
__________
) (1في ت ،أ " :لتعلم".
) (2في ت ،أ " :عليه السلم إنه توعدهم بهذا الكلم وهو قوله".
) (3زيادة من ت ،أ ،وفي هـ " :الية".
) (4زيادة من ت ،أ.
) (5رواه الترمذي في السنن برقم ) (3116من طريق الفضل بن موسى
عن محمد بن عمرو به ،ورواه عن طريق عبدة وعبد الرحيم عن محمد بن
عمرو ونحو حديث الفضل بن موسى ،وقال الترمذي " :وهذا -أي الطريق
الثاني -أصح من رواية الفضل بن موسى وهذا حديث حسن".
) (6زيادة من ت ،أ.
) (7في ت " :بأنهم".
) (8زيادة من ت ،أ.
) (9زيادة من ت ،أ.
) (10في ت ،أ " :إذا سمعتم".
) (11في ت +" :ولتهيلنكم".
) (12زيادة من ت ،أ.
) (13في ت " :من المبيت".
) (14في ت " :من مبيت".
) (4/338
فوجب نصبه عندهم.
م ُ
من ْك ْت ِ ف ْ ْ
وقال آخرون من القراء والنحاة :هو استثناء من قوله َ } :ول ي َلت َ ِ
جوزوا الرفع والنصب ،وذكر هؤلء ]وغيرهم من ك{ف ّ مَرأ َت َ َ حد ٌ ِإل ا ْ
َ
أ َ
جَبة التفتت وقالت السرائيليات[ ) (1أنها خرجت معهم ،وأنها لما سمعت الوَ ْ
) (2واقوماه .فجاءها حجر من السماء فقتلها ).(3
ثم قربوا له هلك قومه تبشيًرا له ؛ لنه قال لهم " :أهلكوهم الساعة" ،
عدهُم الصب َ
ط وُقوف م ُلو ِ ب { هذا وقو ُ ري ٍق ِ
ح بِ َ
صب ْ ُ
س ال ّ ح أل َي ْ َ ّ ْ ُ مو ْ ِ َ ُ ن َ فقالوا } :إ ِ ّ
عكوف قد جاءوا ُيهرعون إليه من كل جانب ،ولوط واقف على على الباب و ُ
) (4الباب يدافعهم ويردعهم وينهاهم عما هم فيه ،وهم ل يقبلون منه ،بل
يتوعدونه ،فعند ذلك خرج عليهم جبريل ،عليه السلم ،فضرب وجوههم
بجناحه ،فطمس أعينهم ،فرجعوا وهم ل يهتدون الطريق ،كما قال تعالى :
ذاِبي وَن ُذ ُرِ ]وَل َ َ َ
م
حهُ ْصب ّ َ
قد ْ َ ذوُقوا عَ َ م فَ ُسَنا أعْي ُن َهُ ْ
م ْ فهِ فَط َ َ ضي ْ ِ
ن َ قد ْ َراوَُدوه ُ عَ ْ } وَل َ َ
ذاِبي وَن ُذ ُِر[ { ]القمر .(5) [39 - 37 : ذوُقوا عَ َ قّر فَ ُ ست َ ِ
م ْ ب ُ ذا ٌ ب ُك َْرةً عَ َ
مر ،عن قتادة ،عن حذيفة بن اليمان قال :كان إبراهيم ،عليه معْ َ وقال َ
السلم ،يأتي ) (6قوم لوط ،فيقول :أَنهاكم ) (7الله أن ت َعَّرضوا لعقوبته ؟
فلم يطيعوه ،حتى إذا بلغ الكتاب أجله ]لمحل عذابهم وسطوات الرب بهم
قال[ ) (8انتهت الملئكة إلى لوط وهو يعمل في أرض له ،فدعاهم إلى
الضيافة فقالوا :إنا ضيوفك ) (9الليلة ،وكان الله قد عهد إلى جبريل أل
شهادات فلما توجه بهم لوط إلى ُيعذبهم حتى يشهد عليهم لوط ثلث َ
الضيافة ،ذكر ما يعمل قومه من الشر ]والدواهي العظام[ ) ، (10فمشى
معهم ساعة ،ثم التفت إليهم فقال :أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية ؟
ما أعلم على وجه الرض شرا منهم .أين أذهب بكم ؟ إلى قومي وهم ]من[
) (11أشر خلق الله ،فالتفت جبريل إلى الملئكة فقال :احفظوها )(12
هذه واحدة .ثم مشى معهم ساعة ،فلما توسط القرية وأشفق عليهم
واستحيا منهم قال :أما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية ؟ ما أعلم على
وجه الرض أشر منهم ،إن قومي أشر خلق الله .فالتفت جبريل إلى
الملئكة فقال :احفظوا ،هاتان اثنتان ،فلما انتهى إلى باب الدار بكى حياء
منهم وشفقة عليهم فقال ) (13إن قومي أشر من خلق الله ؟ أما تعلمون ما
يعمل أهل هذه القرية ؟ ما أعلم على وجه الرض أهل قرية شًرا ) (14منهم.
فقال جبريل للملئكة :احفظوا ،هذه ثلث ،قد حق العذاب .فلما دخلوا
ذهبت عجوز السوء فصعدت فلوحت بثوبها ،فأتاها الفساق ُيهَرعون سراعا ،
طا قوم ) (15ما رأيت قط أحسن وجوها ضّيف لو ً قالوا :ما عندك ؟ قالت َ :
حا منهم .فُهرعوا يسارعون إلى الباب ،فعالجهم لوط منهم ،ول أطيب ري ً
على الباب ،فدافعوه طويل هو داخل وهم خارج ،يناشدهم الله ويقول :
ؤلِء بناِتي هُ َ
م { فقام ن أط ْهَُر ل َك ُ ْ ّ ََ } هَ ُ
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2في ت " :فقالت".
) (3في ت " :فقتلتها".
) (4في ت ،أ " :في".
) (5زيادة من ت ،أ ،وفي هـ " :الية".
) (6في ت ،أ " :يأتيهم يعني".
) (7في ت ،أ " :أنهاكم الله عنه".
) (8زيادة من ت ،أ ،والطبري.
) (9في ت " :مضيفوك".
) (10زيادة ،ت ،أ.
) (11زيادة من ت ،أ.
) (12في ت ،أ " :احفظوا".
) (13في ت " :وقال".
) (14في ت ،أ " :أشر".
) (15في ت ،أ " :الليلة\".
) (4/339
الملك فَل َّز ) (1بالباب -يقول فسده ) - (2واستأذن جبريل في عقوبتهم ،
فأذن الله له ،فقام في الصورة التي يكون فيها في السماء ،فنشر جناحه.
ولجبريل جناحان ،وعليه وشاح من دّر منظوم ،وهو براق الثنايا ،أجلى
حُبك مثل المرجان وهو اللؤلؤ ،كأنه الثلج ،ورجله إلى ك ُحب ُ ٌ
الجبين ،ورأسه ُ
َ َ
صلوا إ ِلي ْك { امض يا لوط عن ُ ن يَ ِ َ َ ُ
سل َرب ّك ل ْالخضرة .فقال يا لوط } :إ ِّنا ُر ُ
الباب ودعني وإياهم ،فتنحى لوط عن الباب ،فخرج إليهم ،فنشر جناحه ،
مًيا ل يعرفون الطريق ]ول فضرب به وجوههم ضربة شدخ أعينهم ،فصاروا عُ ْ
َ
سرِ ب ِأهْل ِ َ َ
ك يهتدون بيوتهم[ ) (3ثم أمر لوط فاحتمل بأهله في ليلته قال } :فَأ ْ
ل { ).(4 ن الل ّي ْ ِ قط ٍْع ِ
م َ بِ ِ
وروي عن محمد بن كعب ]القرظي[ ) (5وقتادة ،والسدي نحو هذا.
__________
) (1في أ " :فكن".
) (2في ت " :فشده" ،وفي أ " :نسده".
) (3زيادة من ت ،أ ،والطبري.
) (4رواه الطبري في تفسيره ).(15/429
) (5زيادة من ت ،أ.
) (4/340
) (4/340
) (4/341
وى { ]النجم ، [53 :ومن لم يمت حين سقط قوله ) } (1وال ْمؤْتفك َ َ َ
ة أهْ َ َ ُ َِ
للرض ،أمطر الله عليه وهو تحت الرض الحجارة ،ومن كان منهم شاذا في
الرض يتبعهم في القرى ،فكان الرجل يتحدث فيأتيه الحجر فيقتله ،فذلك
َ
م { أي :في القرى حجارة من سجيل. مط َْرَنا عَل َي ْهِ ْ قوله ) (2عز وجل } :وَأ ْ
هكذا قال السدي.
شّبه بهم ن ب ِب َِعيد ٍ { أي :وما هذه النقمة ممن ت َ َ مي َ ّ
ن الظال ِ ِ م َي ِ ما هِ َ وقوله } :وَ َ
في ظلمهم ،ببعيد ) (3عنه.
عا )" (5 وقد ورد في الحديث المروي في السنن ) (4عن ابن عباس مرفو ً
من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط ،فاقتلوا الفاعل والمفعول به" ).(6
وذهب المام الشافعي في قول عنه وجماعة من العلماء إلى أن اللئط يقتل
،سواء كان محصًنا أو غير ) (7محصن ،عمل بهذا الحديث.
وذهب المام أبو حنيفة ]رحمه الله إلى[ ) (8أنه يلقى من شاهق ،وُيتَبع
بالحجارة ،كما فعل الله بقوم لوط ،والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
ن إ ِل َهٍ غَي ُْره ُ َول
م ْم ِ ما ل َك ُ ْ دوا الل ّ َ
ه َ ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ شعَي ًْبا َقا َ م ُ خاهُ ْ ن أَ َمد ْي َ َ } وَإ َِلى َ
ب ي َوْم ٍذا َ م عَ َ ف عَل َي ْك ُ ْ
خا ُخي ْرٍ وَإ ِّني أ َ َ
م بِ َ َ
ن إ ِّني أَراك ُ ْ ميَزا َ ل َوال ْ ِ مك َْيا َ صوا ال ْ ِ
ق ُ ت َن ْ ُ
ط ){ (84 حي ٍ م ُِ
يقول تعالى :ولقد أرسلنا إلى مدين -وهم قبيلة من العرب ،كانوا يسكنون
بين الحجاز والشام ،قريًبا من بلد معان ،في بلد يعرف بهم ،يقال لها
"مدين" فأرسل الله إليهم شعيبا ،وكان من أشرفهم ) (9نسًبا .ولهذا قال :
شعَي ًْبا { يأمرهم بعبادة الله تعالى وحده ،وينهاهم عن التطفيف ) م ُخاهُ ْ } أَ َ
ب ي َوْم ٍ م عَ َ
ذا َ ف عَل َي ْك ُ ْ خي ْرٍ وَإ ِّني أ َ َ
خا ُ م بِ َ َ
(10في المكيال والميزان } إ ِّني أَراك ُ ْ
ط { أي :في معيشتكم ورزقكم فأخاف أن ُتسَلبوا ما أنتم فيه بانتهاككم حي ٍ م ِ ُ
ط { ) (11أي :في الدار َ ُ َ َ
حي ٍ
م ِ م
ْ ٍ ُ و َ ي ب
َ ذا َ ع م
ْ كْ ي لَ ع ف
ُ خاَ أ ني ّ إ
َِ و } ، الله محارم
الخرة.
__________
) (1في ت ،أ " :فذلك حين يقول".
) (2في ت ،أ " :قول الله".
) (3في ت " :ببعد".
) (4في ت ،أ " :في السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة".
) (5في ت ،أ " :عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال".
) (6سنن أبي داود برقم ) (4462وسنن الترمذي برقم ) (1456وسنن ابن
ماجة برقم ) ، (2561وقال الترمذي " :وإنما يعرف هذا الحديث عن ابن
عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الوجه ،وروى محمد بن
إسحاق هذا الحديث عن عمرو بن أبي عمرو فقال " :ملعون من عمل عمل
قوم لوط" ولم يذكر فيه القتل وذكر فيه " :ملعون من أتى بهيمة".
) (7في ت ،أ " :أو لم يكن محصنا".
) (8زيادة من ت ،أ.
) (9في ت ،أ " :أشرافهم".
) (10في أ " :الطفيف".
) (11في ت " :عظيم".
) (4/342
م وََل ت َعْث َ ْ
وا شَياَءهُ ْس أَ ْ سوا الّنا َ خ ُط وََل ت َب ْ َ س ِ ق ْن ِبال ْ ِ ميَزا َ ل َوال ْ ِمك َْيا َ َ
وََيا قَوْم ِ أوُْفوا ال ْ ِ
َ ِفي اْل َْر
مما أَنا عَل َي ْك ُ ْن وَ َ مِني َ مؤ ْ ِم ُ ن ك ُن ْت ُ ْ م إِ ْ خي ٌْر ل َك ُ ْة الل ّهِ َ قي ّ ُن ) (85ب َ ِ َ دي
س ِف ِ م ْ
ض ُِ
َ َ ك تأ ْمر َ َ َ
فعَ َ
ل ن نَ ْ ما ي َعْب ُد ُ آ ََباؤَُنا أوْ أ ْك َ ن ن َت ُْر َ كأ ْ صَلت ُ َ َ ُ ُ بأ َ شعَي ْ ُ ظ )َ (86قاُلوا َيا ُ في ٍ ح ِ
بِ َ
َ َ
شيد ُ )(87 م الّر ِ حِلي ُ ت ال ْ َ ك َلن ْ َ شاُء إ ِن ّ َ ما ن َ َوال َِنا َ
م َ ِفي أ ْ
م َول س أَ ْ
شَياَءهُ ْ سوا الّنا َ خ ُط َول ت َب ْ َ س ِق ْ ن ِبال ْ ِ ل َوال ْ ِ
ميَزا َ مك َْيا َ َ
} وََيا قَوْم ِ أوُْفوا ال ْ ِ
ما أ ََنان وَ َ مؤ ْ ِ
مِني َ م ُن ك ُن ْت ُ ْ
م إِ ْخي ٌْر ل َك ُ ْ
ة الل ّهِ َ قي ّ ُ
ن ) (85ب َ ِ دي َ س ِف ِ م ْض ُوا ِفي الْر ِ ت َعْث َ ْ
ظ ){ (86 في ٍ ح ِ عَل َي ْك ْ
م بِ َ ُ
ينهاهم ) (1أول عن نقص المكيال والميزان إذا أعطوا الناس ،ثم أمرهم
بوفاء الكيل والوزن بالقسط آخذين ومعطين ،ونهاهم عن العيث ) (2في
الرض بالفساد ،وقد كانوا يقطعون الطريق.
خْير لكم. م { قال ابن عباس :رزق الله َ خي ٌْر ل َك ُ ْة الل ّهِ َ
قي ّ ُ
وقوله } :ب َ ِ
وقال الحسن :رزق الله خير ]لكم[ ) (3من بخسكم الناس.
وقال الربيع بن أنس :وصية الله خير لكم.
وقال مجاهد :طاعة الله ]خير لكم[ ).(4
وقال قتادة :حظكم من الله خير لكم.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم " :الهلك" في العذاب ،و"البقية" في
الرحمة.
ضل لكم من ُ يف ما : أي { م
ْ ُ ك َ ل ر ي خ
ِ َ ٌْ هّ ل ال ة ي
َِ ّ ُ ق ب } : جرير بن جعفر أبو وقال
م { أي :من أخذ أموال الناس خي ٌْر ل َك ُ ْ الربح بعد وفاء الكيل والميزان } َ
قال :وقد روي هذا عن ابن عباس.
ك ك َث َْرةُ
جب َ َ َ َ ّ ْ قلت :ويشبه قوله تعالى } :قُ ْ
ب وَلوْ أعْ َ ث َوالطي ّ ُ خِبي ُ وي ال َ ست َ ِ ل ل يَ ْ
ث { ]المائدة .[100 : خِبي ِ ال ْ َ
َ
ظ { أي :برقيب ول حفيظ ،أي :افعلوا ذلك في ٍ ح ِم بِ َ ما أَنا عَل َي ْك ُ ْ وقوله } :وَ َ
لله عز وجل .ل تفعلوه ) (5ليراكم الناس ،بل لله عز وجل.
َ َ ن ن َت ُْر َ ك تأ ْمر َ َ َ } َقاُلوا َيا ُ
ل ِفي فعَ َن نَ ْ ما ي َعْب ُد ُ آَباؤَُنا أوْ أ ْ ك َ كأ ْ صلت ُ َ َ ُ ُ بأ َ شعَي ْ ُ
َ
شيد ُ ){ (87 م الّر ِ حِلي ُ ت ال ْ َ ك لن ْ َ شاُء إ ِن ّ َ ما ن َ َ
وال َِنا َ
م َأ ْ
صلت ُ َ َ
ك { ) ، (6قال يقولون له على سبيل التهكم ْ ،قَّبحهم الله } :أ َ
ما ي َعْب ُد ُ آَباؤَُنا { أي :الوثان ن ن َت ُْر َ العمش :أي :قرآنك ) } (7تأمر َ َ
ك َ كأ ْ َ ُ ُ
شاُء { فنترك التطفيف ) (8على ما ن َ َ َ فعَ َ َ َ
وال َِنا َ م َ ل ِفي أ ْ ن نَ ْ والصنام } ،أوْ أ ْ
قولك ،هي أموالنا نفعل فيها ما نريد.
ما ي َعْب ُد ُ آَباؤَُنا { ) َ
ك رت ن ن ك أَ َ ر ك تأ ْ َ َ
َ ْ َُْ صلت ُ َ ُ ُ
م ]قال الحسن[ ) (9في قوله } :أ َ
(10إيْ والله ،إن صلته
__________
) (1في ت ،أ " :نهاهم".
) (2في ت " :العيب".
) (3زيادة من ت ،أ.
) (4زيادة من ت ،أ.
) (5في ت " ،ل تفعلوا".
) (6في ت " :أصلواتك".
) (7في أ " :قراءتك".
) (8في أ " :الطفيف".
) (9زيادة من ت ،أ.
) (10في ت " :أصلواتك".
) (4/343
َ َ
ما
سًنا وَ َ
ح َه رِْزًقا َ ن َرّبي وََرَزقَِني ِ
من ْ ُ م ْ ت عََلى ب َي ّن َةٍ ِ ن ك ُن ْ ُم إِ ْ ل َيا قَوْم ِ أَرأي ْت ُ َْقا َ
َ َ ْ ّ ُ َ َ ُ َ ُ
ما
ت وَ َست َطعْ ُ
ما ا ْ ح َ صل َن أِريد ُ إ ِل ال ِ ْ ه إِ ْم عَن ْ ُ ما أن َْهاك ُ ْ م إ ِلى َ فك ُ ْ خال ِ َ
نأ َأِريد ُ أ ْ
ُ
ب )(88 ت وَإ ِل َي ْهِ أِني ُ قي إ ِّل ِبالل ّهِ عَل َي ْهِ ت َوَك ّل ْ ُ ت َوِْفي ِ
) (4/344
سا من قومي في ت َُهمة فحبسهم ، قال :أخذ النبي صلى الله عليه وسلم نا ً
فجاء رجل من قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب ،
صمت رسول الله صلى الله عليه فقال :يا محمد ،علم تحبس جيرتي ؟ ف َ
سا ليقولون :إنك تنهى عن الشيء وتستخلي وسلم ]عنه[ ) (1فقال :إن نا ً
به ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم " :ما يقول ؟" قال :فجعلت أعرض
دا
بينهما الكلم مخافة أن يسمعها فيدعو على قومي َدعوة ل يفلحون بعدها أب ً
،فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم به حتى فهمها ،فقال " :أو قد
ي وما كان عليهم ،خلوا له ت لكان عل ّ قالوها -أو :قائلها منهم -والله لو فعل ُ
عن جيرانه" ).(2
ومن هذا القبيل الحديث الذي رواه المام أحمد :حدثنا أبو عامر ،حدثنا
سليمان بن بلل ،عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ،عن عبد الملك بن سعيد
بن سويد النصاري قال :سمعت أبا حميد وأبا أسيد يقولن :قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " :إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم ،وتلين له
أشعاركم وأبشاركم ،وترون أنه منكم قريب ،فأنا أولكم به ،وإذا سمعتم
الحديث عني ُتنكره قلوبكم ،وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم ،وترون أنه
منكم بعيد فأنا أبعدكم منه" ).(3
هذا ) (4إسناد صحيح ،وقد أخرج مسلم بهذا السند حديث " :إذا دخل أحدكم
المسجد فليقل :اللهم ،افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل :اللهم ،
إني أسألك من فضلك" ).(5
ومعناه -والله أعلم : -مهما بلغكم عني من خير فأنا أولكم به ومهما يكن
َ ن أُ َ َ ُ
ه[ { ) ما أن َْهاك ُ ْ
م ]عَن ْ ُ م إ َِلى َ فك ُ ْخال ِ َ ما أِريد ُ أ ْ من مكروه فأنا أبعدكم منه } ،وَ َ
.(6
وقال قتادة ،عن عَْزَرة ) (7عن الحسن العَُرني ،عن يحيى بن الجزار ،عن
مسروق ،أن امرأة جاءت ابن مسعود قالت ) (8أتنهى عن الواصلة ؟ قال :
نعم .فقالت ]المرأة[ ) (9فلعله في بعض نسائك ؟ فقال :ما حفظت إذا
َ ن أُ َ َ ُ
ه {. م عَن ْ ُما أن َْهاك ُ ْ م إ َِلى َ فك ُ ْخال ِ َ ما أِريد ُ أ ْ وصية العبد الصالح } :وَ َ
وقال عثمان بن أبي شيبة :حدثنا جرير ،عن أبي سليمان العتبي ) (10قال :
كانت تجيئنا كتب عمر بن عبد العزيز فيها المر والنهي ،فيكتب في آخرها :
قي ِإل ِبالل ّ ِ
ه ما ت َوِْفي ِ وما كانت ) (11من ذلك إل كما قال العبد الصالح } :وَ َ
ُ
ب {. ت وَإ ِل َي ْهِ أِني ُ
عَل َي ْهِ ت َوَك ّل ْ ُ
__________
) (1زيادة من ت ،أ ،والمسند.
) (2المسند ) (5/2ورواه أبو داود في السنن برقم ) (3630عن عبد الرزاق
والترمذي في السنن برقم ) (1417عن ابن المبارك كلهما من طريق معمر
به مختصرا جدا ،وقال الترمذي " :حديث بهز عن أبيه عن جده حديث
حسن".
) (3المسند ).(3/497
) (4في ت ،أ " :وهذا".
) (5صحيح مسلم برقم ).(713
) (6زيادة من ت ،أ.
) (7في ت ،أ " :عروة".
) (8في ت " :فقالت".
) (9زيادة من ت ،أ.
) (10في ت ،أ " :الضبي".
) (11في ت " :وما كنت" ،وفي أ " :وما كتب".
) (4/345
) (4/346
ه
زي ِ
خ ِ
ب يُ ْ ن ي َأ ِْتيهِ عَ َ
ذا ٌ م ْ ن َ مو َ ف ت َعْل َ ُسو ْ َ ل َ م ٌ عا ِ
م إ ِّني َ كان َت ِك ُ ْ
م َ مُلوا عََلى َ وََيا قَوْم ِ اعْ َ
َ
شعَي ًْباجي َْنا ُمُرَنا ن َ ّجاَء أ ْ ما َ ب ) (93وَل َ ّ م َرِقي ٌ معَك ُ ْ قُبوا إ ِّني َ ب َواْرت َ ِ كاذِ ٌ ن هُوَ َ م ْ وَ َ
َ َ َ ّ َ َ ّ
حوا ِفي ة فَأ ْ
صب َ ُ ح ُ صي ْ َ
موا ال ّ ن ظل ُ ذي َ ت ال ِ خذ َ ِ مّنا وَأ َ مةٍ ِ
َ
ح َ
ه ب َِر ْمعَ ُمُنوا َ نآ َ ذي ََوال ِ
َ َ َ
مود ُ )(95 ت ثَ ُ ما ب َعِد َ ْ ن كَ َ مد ْي َ َدا ل ِ َ وا ِفيَها أل ب ُعْ ً م ي َغْن َ ْنل ْ ن ) (94ك َأ ْ مي َجاث ِ ِم َدَِيارِهِ ْ
فا { قال :أنت واحد[ ).(1 ضِعي ً ك ِفيَنا َ ]وقال السدي } :وَإ ِّنا ل َن ََرا َ
فا { يعنون :ذليل ؛ لن عشيرتك ضِعي ً ك ِفيَنا َ ]وقال أبو روق } :وَإ ِّنا ل َن ََرا َ
ليسوا على دينك ،فأنت ذليل ضعيف[ ).(2
ك { أي :قومك وعشيرتك ؛ لول معزة قومك علينا لرجمناك ، ول َرهْط ُ َ } وَل َ ْ
َ
زيزٍ { أي :ليس لك ت عَل َي َْنا ب ِعَ ِ ما أن ْ َ قيل ) (3بالحجارة ،وقيل :لسب َب َْناك } ،وَ َ
عندنا معزة.
ّ َ َ َ
ن اللهِ { يقول :أتتركوني لجل قومي ، م َ م ِ طي أعَّز عَلي ْك ُ ْ ل َيا قَوْم ِ أَرهْ ِ } َقا َ
ول تتركوني إعظاما لجناب الله أن تنالوا نبيه بمساءة .وقد اتخذتم جانب الله
نم ظ ِهْرِّيا { أي :نبذتموه خلفكم ،ل تطيعونه ول تعظمونه } ،إ ِ ّ } وََراَءك ُ ْ
حيط { أي :هو يعلم جميع أعمالكم وسيجزيكم بها. ٌ م ِ ن ُ ملو َ ُ ما ت َعْ َ َرّبي ب ِ َ
ْ َ ُ َ َ ُ
بذا ٌ ن ي َأِتيهِ عَ َ م ْ ن َ مو َ ف ت َعْل ُ سو ْ َ ل َ م ٌ عا ِ م إ ِّني َ مكان َت ِك ْ ملوا عَلى َ } وََيا قَوْم ِ اعْ َ
جي َْنا َ َ ُ َ
مُرَنا ن َ ّ جاَء أ ْ ما َ ب ) (93وَل ّ م َرِقي ٌ معَك ْ قُبوا إ ِّني َ ب َواْرت َ ِ ن هُوَ كاذِ ٌ م ْ زيهِ وَ َ خ ِ يُ ْ
َ َ َ ّ َ ّ
حوا ِفي صب َ ُ ة فَأ ْ ح ُ صي ْ َ موا ال ّ ن ظل ُ ذي َ ت ال ِ خذ َ ِ مّنا وَأ َ مةٍ ِ ح َ ه ب َِر ْ
َ
معَ ُ مُنوا َ نآ َ ذي َ شعَي ًْبا َوال ِ ُ
َ َ َ َ
مود ُ ) ت ثَ ُ ما ب َعِد َ ْ نك َ مد ْي َ َ دا ل ِ َ وا ِفيَها أل ب ُعْ ً م ي َغْن َ ْ نل ْ ن ) (94كأ ْ مي َ جاث ِ ِ م َ دَِيارِهِ ْ
{ (95
ملواُ ي الله شعيب من استجابة قومه له ،قال :يا قوم } ،اعْ َ لما يئس نب ّ
لم ٌ
َ ِعا ني ِّ إ } ، شديد ووعيد تهديد وهذا ، طريقتكم على : أي { مكان َت ِك ُ ْ م َ عََلى َ
ْ
زيهِ { أي :في خ ِ ب يُ ْ ذا ٌ ن ي َأِتيهِ عَ َ م ْ ن َ مو َ ف ت َعْل َ ُ سو ْ َ { على طريقتي ومنهجي } َ
قُبوا { أي : ب { أي :مني ومنكم َ } ،واْرت َ ِ كاذِ ٌ ن هُوَ َ م ْ الدار الخرة } ،وَ َ
ب {. م َرِقي ٌ معَك ُ ْ انتظروا } إ ِّني َ
مّنا ّ جي َْنا ُ َ َ
مةٍ ِ ح َ ه ب َِر ْ معَ ُ مُنوا َ نآ َ ذي َ شعَي ًْبا َوال ِ مُرَنا ن َ ّ جاَء أ ْ ما َ قال الله تعالى } :وَل ّ
َ
محوا ِفي دَِيارِهِ ْ صب َ ُ ة فَأ ْ ح ُ صي ْ َ موا { وهم قومه } ،ال ّ ن ظ َل َ ُ ذي َ ت ال ّ ِ خذ َ ِ وَأ َ َ
حَراك بهم .وذكر هاهنا أنه أتتهم ن { أي :هامدين ل ِ مي ِ َجاث ِ ن { وقوله } َ مي َ جاث ِ ِ َ
صيحة ،وفي العراف رجفة ،وفي الشعراء عذاب يوم الظلة ،وهم أمة
م كلها .وإنما ذكر في كل سياق ما ق ُ واحدة ،اجتمع عليهم يوم عذابهم هذه الن َ
معَكَ مُنوا َ نآ َ ذي َ ّ
ب َوال ِ شعَي ْ ُ جن ّك َيا ُ َ خرِ َ يناسبه ،ففي العراف لما قالوا } :ل َن ُ ْ
ن قَْري َت َِنا { ]العراف ، [88 :ناسب أن يذكر هناك الرجفة ،فرجفت بهم م ْ ِ
الرض التي ظلموا بها ،وأرادوا إخراج نبيهم منها ،وهاهنا لما أساءوا الدب
في مقالتهم على نبيهم ناسب ذكر الصيحة التي أسكتتهم ) (4وأخمدتهم ،
َ
ن
م َ ت ِ ن ك ُن ْ َ ماِء إ ِ ْ س َ ن ال ّ م َ فا ِ س ً ط عَل َي َْنا ك ِ َ ق ْ س ِ وفي الشعراء لما قالوا } :فَأ ْ
َ
ن
كا َ ه َ ب ي َوْم ِ الظ ّل ّةِ إ ِن ّ ُ ذا ُ م عَ َ خذ َهُ ْ ن { ]الشعراء ، [189 :قال } فَأ َ صادِِقي َ ال ّ
ظيم ٍ { ]الشعراء ، [189 :وهذا من السرار الغريبة الدقيقة ، ب ي َوْم ٍ عَ ِ ذا َ عَ َ
ما. ولله الحمد والمنة كثيًرا دائ ً
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2زيادة من ت ،أ.
) (3في ت " :قتل".
) (4في ت ،أ " :أسكنتهم".
) (4/347
) (4/348
ممَناهُ ْ ما ظ َل َ ْ صيد ٌ ) (100وَ َ ح ِ م وَ َ من َْها َقائ ِ ٌ ك ِ ه عَل َي ْ َ ص ُ ق ّ قَرى ن َ ُ ن أ َن َْباِء ال ْ ُ م ْ ك ِ ذ َل ِ َ
فسهم فَما أغْن َت عَن ْه َ َ َ
ن
م ْن الل ّهِ ِ ن ُدو ِ م ْ ن ِ عو َ م ال ِّتي ي َد ْ ُ م آل ِهَت ُهُ ُ ُ ْ ْ موا أن ْ ُ َ ُ ْ َ ن ظ َل َ ُ وَل َك ِ ْ
َ َ َ
خذ َك إ َِذا أ َ خذ ُ َرب ّ َ كأ ْ ب ) (101وَك َذ َل ِ َ م غَي َْر ت َت ِْبي ٍ ما َزاُدوهُ ْ ك وَ َ مُر َرب ّ َ جاَء أ ْ ما َ يٍء ل َ ّ ش ْ َ
َ َ َ
ن ِفي ذ َل ِك لي َ ً م َ َ َ َ ال ْ ُ
فخا َ ن َ م ْ ة لِ َ ديد ٌ ) (102إ ِ ّ ش ِ خذ َه ُ أِلي ٌ نأ ْ ة إِ ّم ٌي ظال ِ َ قَرى وَهِ َ
خُرهُ ما ن ُؤَ ّشُهود ٌ ) (103وَ َ م ْم َ ك ي َوْ ٌ س وَذ َل ِ َ ه الّنا ُ موع ٌ ل َ ُ ج ُ م ْ م َ ك ي َوْ ٌخَرةِ ذ َل ِ َ ب اْل َ ِ ذا َ عَ َ
ّ ّ َ ْ َ
سِعيد ٌ ) ي وَ َ ق ّ ش ِم َ من ْهُ ْ َ
س إ ِل ب ِإ ِذ ْن ِهِ ف ِ ف ٌ م نَ ْ َ
ت ل ت َكل ُ م ي َأ ِ دود ٍ ) (104ي َوْ َ معْ ُ ل َ ج ٍ إ ِّل ِل َ
(105
) (4/349
نذي َ سل ََنا َوال ّ ِ صُر ُر ُ عودنا في الدار الخرة } ،إ ِّنا ل َن َن ْ ُ واعتبارا على صدق مو ُ
شَهاد ُ { ]غافر ، [51 :وقال تعالى : م ال ْ قو ُ م يَ ُ حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ مُنوا ِفي ال ْ َ آ َ
َ ّ َ َ َ
م ذ َل ِ َ
ك ن ب َعْدِهِ ْ م ْ ض ِ م الْر َ سك ِن َن ّك ُ ُ ن وَلن ُ ْ مي َ ن الظال ِ ِ م لن ُهْل ِك َ ّ م َرب ّهُ ْ حى إ ِلي ْهِ ْ } فَأوْ َ
عيد ِ { ]إبراهيم .[14 ، 13 : ف وَ ِ خا َ مي وَ َ قا ِ م َ ف َ خا َ ن َ م ْلِ َ
س { ) (1أي :أولهم وآخرهم ،فل ه الّنا ُ َ
موع ٌ ل ُ ج ُ
م ْ م َ ك ي َوْ ٌ وقال تعالى } :ذ َل ِ َ
َ َ
دا { ]الكهف : ح ً مأ َ من ْهُ ْ م ن َُغادِْر ِ م فَل ْ شْرَناهُ ْ ح َ يبقى منهم أحد ،كما قال } :وَ َ
.[47
شُهود ٌ { أي :يوم عظيم تحضره الملئكة كلهم ،ويجتمع فيه م ْ م َ َ
} وَذ َل ِك ي َوْ ٌ
الرسل جميعهم ،وتحشر فيه الخلئق بأسرهم ،من النس والجن والطير
والوحوش والدواب ،ويحكم فيهم ) (2العادل الذي ل يظلم مثقال ذرة ،وإن
تك حسنة يضاعفها.
دودٍ { أي :ما نؤخر إقامة يوم القيامة إل ع
َ ٍ َ ْ ُ م ل ج ل إلخ ُ ُ ِ
ه ر ما ن ُؤَ ّ وقوله } :وَ َ
لنه ) (3قد سبقت كلمة الله وقضاؤه وقدره ،في وجود أناس معدودين من
ذرية آدم ،وضرب مدة معينة إذا انقضت وتكامل وجود أولئك المقدر
ل
ج ٍخُره ُ ِإل ل َ ما ن ُؤَ ّ خروجهم من ذرية آدم ،أقام الله الساعة ؛ ولهذا قال } :وَ َ
ّ ْ
مت ل ت َك َل ُ م ي َأ ِ دود ٍ { أي :لمدة مؤقتة ل يزاد عليها ول ينتقص منها } ،ي َوْ َ معْ ُ َ
س ِإل ب ِإ ِذ ْن ِهِ { ) (4يقول :يوم يأتي هذا اليوم وهو يوم القيامة ،ل يتكلم ٌ ْ ف نَ
ح
م الّرو ُ قو ُ م يَ ُ أحد ]يومئذ[ ) (5إل بإذن الله تعالى ،كما قال تعالى } :ي َوْ َ
فا ل يتك َل ّمون إل م َ
واًبا { ]النبأ ، [38 : ص َ ل َ ن وََقا َ م ُ ح َ ه الّر ْ ن لَ ُ ن أذِ َ ََ ُ َ ِ َ ْ ص ّ ة َ ملئ ِك َ ُ َوال ْ َ
سا { ]طه : م ً معُ ِإل هَ ْ س َ ن َفل ت َ ْ م ِ ح َ ت ِللّر ْ وا ُ ص َ
ت ال ْ شعَ ِ خ َ وقال تعالى } :وَ َ
، [108وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث
الشفاعة الطويل " :ول يتكلم يومئذ إل الرسل ،ودعوى الرسل يومئذ :اللُهم
سّلم سّلم ).(7) (6 َ
سِعيد ٌ { أي :فمن أهل الجمع شقي ومنهم سعيد ، ي وَ َ ق ّ ش ِ م َ من ْهُ ْ َ
وقوله } :ف ِ
سِعيرِ { ]الشورى .[7 : ريقٌ ِفي ال ّ َ
جن ّةِ وَف ِ ْ
ريقٌ ِفي ال َ َ
كما قال } :ف ِ
وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده :حدثنا موسى بن حيان ،حدثنا عبد الملك
بن عمرو ،حدثنا سليمان بن ) (8سفيان ،حدثنا عبد الله بن دينار ،عن ابن
ي
ق ّ ش ِ م َ من ْهُ ْ عمر ،عن عمر ) (9رضي الله عنه ،قال :لما نزلت } فَ ِ
سِعيد ٌ { سألت النبي صلى الله عليه وسلم ،قلت (10) :يا رسول الله ، وَ َ
علم نعمل ) (11؟ على شيء قد ُفرغ منه ،أم على شيء لم يفرغ منه ؟
فقال " :على شيء قد فرغ منه يا عمر وجرت به القلم ،
__________
) (1قبلها في ت ،أ " :إن في ذلك لية لمن خاف عذاب الخرة".
) (2في أ " :فيه".
) (3في ت ،أ " :إل أنه".
) (4في ت " :يأتي" وفي أ" .يأتيهم".
) (5زيادة من ت.
) (6في ت " :اللهم سلم اللهم سلم".
) (7صحيح البخاري برقم ) (806وصحيح مسلم برقم ).(182
) (8في ت ،أ " :أبو".
) (9في أ " :عمر بن الخطاب".
) (10في ت " :فقلت".
) (11في ت " :على ما يعمل".
) (4/350
َ
ما
ن ِفيَها َ
دي َ
خال ِ ِ شِهيقٌ )َ (106 م ِفيَها َزِفيٌر وَ َفي الّنارِ ل َهُ ْ قوا فَ ِش ُن َ ما ال ّ ِ
ذي َ فَأ ّ
َ
ريد ُ )(107 ما ي ُ ِ
ل لِ َ ن َرب ّ َ
ك فَّعا ٌ شاَء َرب ّ َ
ك إِ ّ ما َ ض إ ِّل َ ت َواْلْر ُ وا ُم َ
س َت ال ّ م َِدا َ
) (4/351
َ َ
ض إ ِّل َ
ما ت َواْلْر ُ
وا ُ
م َ
س َ
ت ال ّ
م ِ
ما َدا َ
ن ِفيَها َ
دي َ
خال ِ ِ في ال ْ َ
جن ّةِ َ دوا فَ ِسعِ ُن ُذي َما ال ّ ِ
وَأ ّ
ذوذ ٍ )(108 ج ُ
م ْ ك عَ َ
طاًء غَي َْر َ شاَء َرب ّ َ َ
حين يشفعون في أصحاب الكبائر ،ثم تأتي رحمة أرحم الراحمين ،فتخرج
من النار من لم يعمل خيرا قط ،وقال يوما من الدهر :ل إله إل الله .كما
وردت بذلك الخبار الصحيحة المستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم بمضمون ذلك من حديث أنس ،وجابر ،وأبي سعيد ،وأبي هريرة ،
وغيرهم من الصحابة ) ، (1ول يبقى بعد ذلك في النار إل من وجب عليه
الخلود فيها ول محيد له عنها .وهذا الذي عليه كثير من العلماء قديما وحديثا
في تفسير هذه الية الكريمة .وقد روي في تفسيرها عن أمير المؤمنين عمر
بن الخطاب ،وابن عباس ،وابن مسعود ) ، (2وأبي هريرة ،وعبد الله بن
جَلز ،والشعبي ، م ْعمرو ،وجابر ،وأبي سعيد ،من الصحابة .وعن أبي ِ
وغيرهما من التابعين .وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ،وإسحاق بن
راهويه وغيرهما من الئمة -أقوال غريبة .وورد حديث غريب في معجم
جلن الباهلي ،ولكن سنده صد َىّ بن عَ ْ الطبراني الكبير ،عن أبي أمامة ُ
ضعيف ،والله أعلم.
وقال قتادة :الله أعلم بثنياه.
دا { ]النساء .[57 : َ
ن ِفيَها أب َ ً دي َخال ِ ِ
وقال السدي :هي منسوخة بقوله َ } :
َ
ض ِإل ت َوالْر ُ ماَوا ُ س َ
ت ال ّ م ِما َدا َن ِفيَها َ دي َ خال ِ ِ جن ّةِ َ في ال ْ َ دوا فَ ِ سعِ ُ
ن ُ ذي َما ال ّ ِ
} وَأ ّ
ذوذ ٍ ){ (108 ج ُ م ْطاًء غَي َْر َ ك عَ َ شاَء َرب ّ َما َ َ
ْ ّ َ
جن ّةِ { أي : في ال َ دوا { وهم أتباع الرسل } ،فَ ِ سعِ ُ ن ُ َ ذي
ِ ل ا ما
َ ّ أو } : تعالى يقول
ت م ِ ما َدا َن ِفيَها { أي :ماكثين مقيمين فيها أبدا َ } ، َ دي ِ ِ ل خا
َ فمأواهم الجنة } ،
شاَء َرب ّك { معنى الستثناء هاهنا :أن دوامهم فيما َ ما َ ض ِإل َ ت َوالْر ُ ماَوا ُس َ ال ّ
هم فيه من النعيم ،ليس أمرا واجبا بذاته ،بل هو موكول إلى مشيئة الله
ما[ ) ، (3ولهذا يلهمون التسبيح والتحميد كما تعالى ،فله المنة عليهم ]دائ ً
يلهمون الّنفس.
وقال الضحاك ،والحسن البصري :هي في حق عصاة الموحدين الذين كانوا
ذوذ ٍ { أي : ج ُ طاًء غَي َْر َ
م ْ في النار ،ثم أخرجوا منها .وعقب ذلك بقوله } :عَ َ
غير مقطوع ) - (4قاله ابن عباس ،ومجاهد ،وأبو العالية وغير واحد ،لئل
عا ،أو لبسا ،أو شيًئا ) (5بل يتوهم متوهم بعد ذكره المشيئة أن ثم انقطا ً
ختم له بالدوام وعدم النقطاع .كما بين هنا ) (6أن عذاب أهل النار في النار
ندله وحكمته عذبهم ؛ ولهذا قال } :إ ِ ّ دائما مردود إلى مشيئته ،وأنه ) (7بعَ ْ
م فعَ ُ
ل وَهُ ْ ما ي َ ْ سأ َ ُ
ل عَ ّ ل } ل يُ ْ ريد ُ { ]هود [107 :ك َ َ
ما َقا َ ما ي ُ ِ
ل لِ َ ك فَّعا ٌ َرب ّ َ
َ
ن { ]النبياء ، [23 :وهنا طيب القلوب وث َّبت المقصود بقوله : سأُلو َ يُ ْ
ُ
جذوذ ٍ {. م ْ َ َ
} عَطاًء غي َْر َ
__________
) (1انظر أحاديث الشفاعة عند تفسير سورة السراء في أولها.
) (2في ت " :وابن مسعود وابن عباس".
) (3زيادة من ت ،أ.
) (4في أ " :منقطع".
) (5في ت " :ثم انقطاع أو لبس أو شيء".
) (6في ت ،أ " :هناك".
) (7في ت " :وأن".
) (4/352
خُلود فل ) (1موت ،ويا أهل النار ،خلود فل ) (2موت ).(3 يا أهل الجنة ُ ،
وفي الصحيحين ) (4أيضا " :فيقال ) (5يا أهل الجنة ،إن لكم أن تعيشوا فل
تموتوا أبدا ،وإن لكم أن تشبوا فل تهَْرموا أبدا ،وإن لكم أن تصحوا فل
تسقموا أبدا ،وإن لكم أن تنعموا فل تَبأسوا أبدا" ).(6
__________
) (1في ت ،أ " :بل".
) (2في ت ،أ " :بل".
) (3صحيح البخاري برقم ) (4730وصحيح مسلم برقم ) (2849من حديث
أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
) (4في أ " :وفي الصحيح".
) (5في ت ،أ " :فقال".
) (6صحيح مسلم برقم ) (2837من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله
عنهما ،ولم أعثر عليه في البخاري.
) (4/353
َ
ل وَإ ِّنان قَب ْ ُم ْم ِ ما ي َعْب ُد ُ آَباؤُهُ ْ ن إ ِّل ك َ َ دو َ ما ي َعْب ُ ُ ما ي َعْب ُد ُ هَؤَُلِء َ م ّ
مْري َةٍ ِ ك ِفي ِ فََل ت َ ُ
سى ال ْك َِتا َ َ ص ) (109وَل َ َ
ه
ف ِفي ِ ب َفا ْ
خت ُل ِ َ مو َ قد ْ آت َي َْنا ُ قو ٍ م غَي َْر َ
من ْ ُ صيب َهُ ْ م نَ ِ موَّفوهُ ْ لَ ُ
ب )(110 ري ٍم ِ
ه ُ من ْ ُ
ك ِ ش ّ
في َ م لَ ِم وَإ ِن ّهُ ْ ي ب َي ْن َهُ ْض َق ِ ك لَ ُ ن َرب ّ َ م ْت ِ ق ْ سب َ َ
ة َ م ٌ وَل َوَْل ك َل ِ َ
َ
خِبيٌر )(111 ن َ مُلو َ ما ي َعْ َ ه بِ َ مال َهُ ْ
م إ ِن ّ ُ ك أعْ َ م َرب ّ َما ل َي ُوَفّي َن ّهُ ْن ك ُّل ل َ ّ وَإ ِ ّ
ل وَإ ِّنان قَب ْ ُم ْم ِ ما ي َعْب ُد ُ آَباؤُهُ ْن ِإل ك َ َ دو َ ما ي َعْب ُ ُ ؤلِء َ ما ي َعْب ُد ُ هَ ُ م ّمْري َةٍ ِ ك ِفي ِ } َفل ت َ ُ
ه
ف ِفي ِ ب َفا ْ
خت ُل ِ َ سى ال ْك َِتا َ مو َ قد ْ آت َي َْنا ُ ص ) (109وَل َ َ قو ٍ م غَي َْر َ
من ْ ُ صيب َهُ ْ م نَ ِ موَّفوهُ ْ لَ ُ
ب )(110 ري ٍم ِه ُمن ْ ُك ِ ش ّ في َ م لَ ِ
م وَإ ِن ّهُ ْ ي ب َي ْن َهُ ْض َق ِ ك لَ ُ ن َرب ّ َ م ْ ت ِ ق ْ سب َ َ
ة َ م ٌ ول ك َل ِ َ وَل َ ْ
َ
خِبيٌر ){ (111 ن َ مُلو َ ما ي َعْ َ ه بِ َم إ ِن ّ ُمال َهُ ْ ك أعْ َ م َرب ّ َ ما ل َي ُوَفّي َن ّهُ ْكل ل َ ّ ن ُوَإ ِ ّ
ؤلِء { المشركون ،إنه باطل ما ي َعْب ُد ُ هَ ُ م ّ مْري َةٍ ِ ك ِفي ِ يقول تعالى َ } :فل ت َ ُ
جهل وضلل ،فإنهم إنما يعبدون ما يعبد آباؤهم من قبل ،أي :ليس لهم و َ
مست ََند فيما هم فيه إل اتباع الباء في الجهالت ،وسيجزيهم الله على ذلك ُ
أتم الجزاء فيعذب كافرهم عذاًبا ل يعذبه أحدا من العالمين ،وإن كان لهم
حسنات فقد وفاهم الله إياها في الدنيا قبل الخرة.
جْعفي ،عن مجاهد ،عن ابن عباس } :وَإ ِّنا قال سفيان الثوري ،عن جابر ال ُ
ص { قال :ما ) (1وعدوا فيه من خير أو شر. قو ٍ م غَي َْر َ
من ْ ُ صيب َهُ ْم نَ ِ موَّفوهُ ْ لَ ُ
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم :لموفوهم من العذاب نصيبهم غير
منقوص .ثم ذكر تعالى أنه آتى موسى الكتاب ،فاختلف الناس فيه ،فمن
مؤمن به ،ومن كافر به ،فلك بمن سلف من النبياء قبلك يا محمد أسوة ،
فل يغيظنك تكذيبهم لك ،ول يهيدّنك ذلك.
م { قال ابن جرير :لول ما تقدم ي ب َي ْن َهُ ْض َق ِ ك لَ ُ ن َرب ّ َ م ْت ِ ق ْ سب َ َ
ة َ م ٌول ك َل ِ َ } وَل َ ْ
من تأجيله العذاب ) (2إلى أجل معلوم ،لقضى الله بينهم.
ويحتمل أن يكون المراد بالكلمة ،أنه ل يعذب أحدا إل بعدم ) (3قيام الحجة
ثحّتى ن َب ْعَ َ ن َ ما ك ُّنا ُ
معَذ ِّبي َ عليه ،وإرسال الرسول إليه ،كما قال } :وَ َ
ة
م ٌ َ
ول كل ِ َ َ
سول { ]السراء [15 :؛ فإنه قد قال في الية الخرى } :وَل ْ َر ُ
ُ َ َ َ َ َ
ن { ]طه : قولو َ ما ي َ ُ
صب ِْر عَلى َ مى َفا ْ س ّ م َل ُ ج ٌ ما وَأ َ ن ل َِزا ًن َرب ّك لكا َ م ْ ت ِق ْ سب َ ََ
.[130 ، 129
__________
) (1في ت " :وبما".
) (2في ت " :العباد" وفي أ " :الميعاد".
) (3في ت ،أ " :إل بعد".
) (4/353
) (4/354
ل { قال ابن عباس ،ومجاهد ،والحسن ،وغيرهم : ن الل ّي ْ ِم َفا ِ وقوله } :وَُزل َ ً
يعني صلة العشاء.
فا َ
ضالة ،عنه } :وَُزل ً وقال الحسن -في رواية ابن المبارك ،عن مبارك بن فَ َ
ل { يعني المغرب والعشاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ن الل ّي ْ ِ
م َ ِ
فَتا ) (1الليل :المغرب والعشاء" ) .(2وكذا قال مجاهد ،ومحمد بن ْ
"هما ُزل َ
كعب ،وقتادة ،والضحاك :إنها صلة المغرب والعشاء.
وقد يحتمل أن تكون هذه الية نزلت قبل فرض الصلوات الخمس ليلة
السراء ؛ فإنه إنما كان يجب من الصلة صلتان :صلة قبل طلوع الشمس ،
وصلة قبل غروبها .وفي أثناء الليل قيام عليه وعلى المة ،ثم نسخ في حق
ضا ،في قول ،والله أعلم. المة ،وثبت وجوبه عليه ،ثم نسخ عنه أي ً
ت { يقول :إن فعل الخيرات يكفر سي َّئا ِ ت ي ُذ ْهِب ْ َ
ن ال ّ سَنا ِح َن ال ْ َ وقوله } :إ ِ ّ
الذنوب السالفة ،كما جاء في الحديث الذي رواه المام أحمد وأهل السنن ،
ت من رسول الله عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال :كنت إذا سمع ُ
صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه ،وإذا حدثني
عنه أحد استحلفته ،فإذا حلف لي صدقته ،وحدثني أبو بكر -وصدق أبو بكر
-أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " :ما من مسلم يذنب ذنبا
،فيتوضأ ويصلي ركعتين ،إل غفر له" ).(3
ضوءوفي الصحيحين عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان :أنه توضأ لهم كو ُ
ت رسول الله يتوضأ ، رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ثم قال :هكذا رأي ُ
دث فيهما نفسه ، ح ّوقال " :من توضأ نحو وضوئي هذا ،ثم صلى ركعتين ل ي ُ َ
فَر له ما تقدم من ذنبه" ).(4 غُ ِ
قيل ُزهَْرة بنوروى المام أحمد ،وأبو جعفر بن جرير ،من حديث أبي عَ ِ
معَْبد :أنه سمع الحارث مولى عثمان يقول :جلس عثمان يوما وجلسنا َ
مد ّ ،
معه ،فجاءه المؤذن فدعا عثمان بماء في إناء أظنه سيكون فيه قدر ُ
فتوضأ ،ثم قال :رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوئي
فر ُ
هذا ،ثم قال " :من توضأ وضوئي هذا ،ثم قام فصلى ) (5صلة الظهر ،غ ِ
له ما كان بينه وبين صلة الصبح ،ثم صلى العصر غفر له ما بينه وبين صلة
الظهر ،ثم صلى المغرب غفر له ما بينه وبين صلة العصر ،ثم صلى العشاء
غفر له ما بينه وبين صلة المغرب ،ثم لعله يبيت يتمرغ ليلته ،ثم إن قام
فتوضأ وصلى الصبح غفر له ما بينها وبين صلة العشاء ،وهن الحسنات
يذهبن السيئات" ).(6
وفي الصحيح ) (7عن أبي هريرة ،رضي الله عنه ،عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قال " :أرأيتم لو أن
__________
) (1في ت " :زلفيا".
) (2رواه الطبري في تفسيره ).(15/508
) (3المسند ) (1/2وسنن أبي داود برقم ) (1521وسنن الترمذي برقم )
(406والنسائي في السنن الكبرى برقم ) (10247وسنن ابن ماجه برقم )
(1395وقال الترمذي " :حديث علي حديث حسن ،ل نعرفه إل من هذا
الوجه".
) (4صحيح البخاري برقم ) (159وصحيح مسلم برقم ).(245
) (5في ت " :يصلي".
) (6المسند ) (1/71وتفسير الطبري ).(15/511
) (7في ت " :وفي الصحيحين".
) (4/355
مًرا يغتسل فيه كل يوم خمس مرات ،هل ُيبقي من درنه بباب أحدكم نهًرا غَ ْ
شيئا ؟" قالوا :ل يا رسول الله :قال " :وكذلك الصلوات الخمس ،يمحو
الله بهن الذنوب والخطايا" ).(1
وقال مسلم في صحيحه :حدثنا أبو الطاهر ) (2وهارون بن سعيد قال حدثنا
دثه عن أبيه ، ح َ هب ،عن أبي صخر :أن عمر بن إسحاق مولى زائدة َ ابن وَ ْ
عن أبي هريرة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " :الصلوات
فَرات ما بينهن مك َ ّ
الخمس ،والجمعة إلى الجمعة ،ورمضان إلى رمضان ُ ،
إذا ) (3اجتنبت الكبائر" ).(4
كم بن نافع ) (5حدثنا إسماعيل بن عياش ،عن ح َ
وقال المام أحمد :حدثنا ال َ
دث :أن هم السمعي كان يح ّ شَرْيح بن عبيد ،أن أبا ُر ْ عة ،عن ُ ضم بن ُزْر َم َض ْ
َ
أبا أيوب النصاري حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول " :إن كل
ط ما بين يديها من خطيئة" )(6 صلة تح ّ
وقال أبو جعفر بن جرير :حدثنا محمد بن عوف ) (7حدثنا محمد بن
إسماعيل ،حدثنا أبي ،عن ضمضم بن زرعة ،عن شريح بن عبيد ،عن أبي
مالك الشعري قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "جعلت الصلوات
ت { ).(8 سي َّئا ِن ال ّ ت ي ُذ ْهِب ْ َ
سَنا ِح َن ال ْ َ
كفارات لما بينهن ؛ فإن الله قال } :إ ِ ّ
وقال البخاري :حدثنا قتيبة بن سعيد ،حدثنا يزيد بن ُزَريع ،عن سليمان
التيمي ،عن أبي عثمان النهدي ،عن ابن مسعود ؛ أن رجل أصاب من امرأة
َ
صلةَقُب َْلة ،فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ،فأنزل الله } :وَأقِم ِ ال ّ
ت { فقال الرجل : سي َّئا ِ ت ي ُذ ْهِب ْ َ
ن ال ّ سَنا ِ ن ال ْ َ
ح َ ن الل ّي ْ ِ
ل إِ ّ م َ ي الن َّهارِ وَُزل َ ً
فا ِ ط ََرفَ ِ
إلى هذا يا رسول الله ؟ ) (9قال " :لجميع أمتي كلهم".
دد ،عن يزيد بنس ّ
م َ هكذا رواه في كتاب الصلة ،وأخرجه في التفسير عن ُ
ُزَريع ،بنحوه ) (10ورواه مسلم ،وأحمد ،وأهل السنن إل أبا داود ،من
ل ،به ).(11 م ّ طرق عن أبي عثمان النهدي ،واسمه عبد الرحمن بن ُ
وروى المام أحمد ،ومسلم ،وأبو داود ،والترمذي ،والنسائي ،وابن جرير -
وهذا لفظه -
__________
) (1صحيح البخاري برقم ) (528وصحيح مسلم برقم ).(667
) (2في ت " :أبو طاهر".
) (3في ت " :ما".
) (4صحيح مسلم برقم ).(233
) (5في أ " :بن رافع".
) (6المسند ).(5/413
) (7في ت " :عون".
) (8تفسير الطبري ) (15/513ومحمد بن إسماعيل ضعيف ولم يسمع من
أبيه.
) (9في ت " :يا رسول +ألى هذا".
) (10صحيح البخاري برقم ) (526وبرقم ).(4687
) (11وصحيح مسلم برقم ) (2763والمسند ) (1/385وسنن الترمذي برقم
) (3114والنسائي في السنن الكبرى برقم ) (11247وسنن ابن ماجه برقم
).(1398
) (4/356
دث عن ماك بن حرب :أنه سمع إبراهيم بن يزيد ُيح ّ من ط ُُرق :عن ِ
س َ
علقمة والسود ،عن ابن مسعود قال :جاء رجل إلى النبي ) (1صلى الله
عليه وسلم فقال :يا رسول الله ،إني وجدت امرأة في بستان ،ففعلت بها
كل شيء ،غير أني لم أجامعها ،قَّبلتها ولزمتها ،ولم أفعل غير ذلك ،فافعل
بي ما شئت .فلم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ،فذهب الرجل
،فقال عمر :لقد ستر الله عليه ،لو ستر على نفسه .فأتبعه رسول الله
ي" .فرّدوه عليه ،فقرأ عليه : صلى الله عليه وسلم بصَره ثم قال " :ردوه عل ّ
َ
تسي َّئا ِ ت ي ُذ ْهِب ْ َ
ن ال ّ سَنا ِ ن ال ْ َ
ح َ ن الل ّي ْ ِ
ل إِ ّ م َ ي الن َّهارِ وَُزل َ ً
فا ِ صلة َ ط ََرفَ ِ } وَأقِم ِ ال ّ
ن { فقال معاذ -وفي رواية عمر : -يا رسول الله ،أله ري َ ك ذِك َْرى ِلل ّ
ذاك ِ ِ ذ َل ِ َ
وحده ،أم للناس كافة ؟ فقال " :بل للناس كافة" ).(2
وقال المام أحمد :حدثنا محمد بن عبيد ،حدثنا أبان بن إسحاق ،عن الصباح
مداني ،عن عبد الله بن مسعود قال :قال رسول مّرة الهَ ْ بن محمد ،عن ُ
الله صلى الله عليه وسلم " :إن الله قسم بينكم أخلقكم ) (3كما قسم
بينكم أرزاقكم ،وإن الله يعطي ) (4الدنيا من يحب ومن ل يحب ،ول يعطي
الدين ) (5إل من أحب .فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه ،والذي نفسي
بيده ،ل يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه ،ول يؤمن حتى يأمن جاره
بوائقه" .قال :قلنا :وما بوائقه يا نبي الله ) (6؟ قال " :غشه وظلمه ،ول
ب عبد مال حراما فينفق منه فيبارك له فيه ،ول يتصدق فيقبل منه ،ول س ُ يك ِ
يتركه خلف ظهره إل كان زاَده إلى النار ،إن الله ل يمحو السيئ بالسيئ ،
ولكنه يمحو السيئ بالحسن ،إن الخبيث ل يمحو الخبيث" ).(7
وقال ابن جرير :حدثنا أبو السائب ،حدثنا أبو معاوية ،عن العمش ،عن
إبراهيم قال :كان فلن ابن معتب رجل من النصار ،فقال :يا رسول الله ،
ت منها ما ينال الرجل من أهله ،إل أني لم أجامعها فلم دخلت على امرأة فن ِل ْ ُ
يدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجيبه ،حتى نزلت هذه الية :
َ
سي َّئا ِ
ت ت ي ُذ ْهِب ْ َ
ن ال ّ سَنا ِ ن ال ْ َ
ح َ ن الل ّي ْ ِ
ل إِ ّ م َ ي الن َّهارِ وَُزل َ ً
فا ِ صلة َ ط ََرفَ ِ } وَأقِم ِ ال ّ
ن { ) (8فدعاه رسول الله ،فقرأها عليه ).(9 ري َ ك ذِك َْرى ِلل ّ
ذاك ِ ِ ذ َل ِ َ
وعن ابن عباس :أنه عمرو بن غَزِّية النصاري التمار .وقال مقاتل :هو أبو
نفيل عامر بن قيس النصاري ،وذكر الخطيب البغدادي أنه أبو الَيسر :كعب
بن عمرو.
__________
) (1في ت ،أ " :رسول الله".
) (2المسند ) (1/445وصحيح مسلم برقم ) (2763وسنن أبي داود برقم )
(4468وسنن الترمذي برقم ) (3112والنسائي في السنن الكبرى برقم )
(7323وتفسير الطبري ).(15/515
) (3في ت ،أ " :آجالكم".
) (4في ت " :معطى".
) (5في ت ،أ " :الخرة".
) (6في أ " :يا رسول الله".
) (7المسند ).(1/387
) (8في ت ،أ " :أقم" وهو خطأ.
) (9تفسير الطبري ).(15/519
) (4/357
وقال المام أحمد :حدثنا يونس وعفان قال حدثنا حماد -يعني :ابن سلمة -
مْهران ، عن علي بن زيد -قال عفان :أنبأنا علي بن زيد ،عن يوسف بن ٍ
عن ابن عباس ؛ أن رجل أتى عمر قال ) (1امرأة جاءت تبايعه ،فأدخلتها
مِغيبة في سبيل الدولج ،فأصبت منها ما دون الجماع ،فقال :ويحك .لعلها ُ
الله ؟ قال :أجل .قال :فائت أبا بكر فاسأله ) (2قال :فأتاه فسأله ،
مغيبة في سبيل الله ؟ فقال مثل قول عمر ،ثم أتى النبي صلى فقال :لعلها ُ
مغيبة في سبيل الله". الله عليه وسلم فقال له مثل ذلك ،قال " :فلعلها ُ
ْ ّ ي الن َّهارِ وَُزل َ ً َ
ت
سَنا ِح َن ال َ
ل إِ ّ
ن اللي ْ ِ
م َفا ِ صلة َ ط ََرفَ ِ
ونزل القرآن } :وَأقِم ِ ال ّ
ت { ) (3إلى آخر الية ،فقال :يا رسول الله ،ألي خاصة أم سي َّئا ِ ي ُذ ْهِب ْ َ
ن ال ّ
مة
للناس عامة ؟ فضرب -يعني :عمر -صدره ) (4بيده وقال :ل ول ُنع َ
عين ،بل للناس عامة .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :صدق
عمر" ).(5
وروى المام أبو جعفر بن جرير من حديث قيس بن الربيع ،عن عثمان بن
موهب ،عن موسى بن طلحة ،عن أبي اليسر كعب بن عمرو النصاري
قال :أتتني امرأة تبتاع مني بدرهم تمرا ،فقلت :إن في البيت تمرا أطيب
وأجود من هذا ،فدخلت ،فأهويت إليها فقبلتها ،فأتيت عمر فسألته ،فقال :
ن أحدا .فلم أصبر حتى أتيت أبا بكر اتق الله ،واستر على نفسك ،ول تخبر ّ
ن أحدا .قال :فلم فسألته ،فقال :اتق الله ،واستر على نفسك ،ول تخبر ّ
ت رجل َ
خلف َ أصبر حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ،فأخبرته ،فقال " :أ َ
غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا ؟" حتى ظننت أني من أهل النار ،
حتى تمنيت أني أسلمت ساعتئذ .فأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم
ساعة ،فنزل جبريل ،فقال ]" :أين[ ) (6أبو اليسر ؟" .فجئت ،فقرأ علي :
َ
ن{ ري َذاك ِ ِ ن الل ّي ْ ِ
ل { إلى } ذِك َْرى ِلل ّ م َفا ِي الن َّهارِ وَُزل َ ً
صلة َ ط ََرفَ ِ
} وَأقِم ِ ال ّ
فقال إنسان :يا رسول الله ،أله خاصة أم للناس عامة ؟ قال )ِ " (7للّناس
عامة" ).(8
وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني :حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي
،حدثنا يوسف بن موسى ،حدثنا جرير ،عن عبد الملك بن عمير ،عن عبد
الرحمن بن أبي ليلى ،عن معاذ بن جبل ؛ أنه كان قاعدا عند النبي صلى الله
عليه وسلم فجاءه رجل فقال :يا رسول الله ،ما تقول في رجل أصاب من
امرأة ل تحل له ،فلم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته إل قد أصاب منها ،
غير أنه لم يجامعها ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " :توضأ وضوءا
سنا ،ثم قم فصل" ) (9قال :فأنزل الله عز وجل هذه الية ،يعني قوله : ح َ
َ
ل { فقال معاذ :أهي له خاصة أم ّ َ َ َ َ
ن اللي ْ ِ م َفا ِي الن َّهارِ وَُزل ً صلة َ طَرف ِ } وَأقِم ِ ال ّ
للمسلمين عامة ؟ قال " :بل للمسلمين عامة".
__________
) (1في ت " :فقال".
) (2في ت " :فسله".
) (3في ت ،أ " :أقم" وهو خطأ.
) (4في ت " :عن صدره".
) (5المسند ) (1/245وعلى بن زيد ضعيف.
) (6زيادة من ت ،أ ،والطبري.
) (7في ت " :فقال".
) (8تفسير الطبري ).(15/523
) (9في ت " :فصلى".
) (4/358
ورواه ابن جرير من طرق ،عن عبد الملك بن عمير ،به ).(1
وقال عبد الرزاق :أخبرنا محمد بن مسلم ،عن عمرو بن دينار ،عن يحيى
بن جعدة ؛ أن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذكر امرأة وهو
جالس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فاستأذنه لحاجة ،فأذن له ،
فذهب يطلبها فلم يجدها ،فأقبل الرجل يريد أن يبشر النبي صلى الله عليه
وسلم بالمطر ،فوجد المرأة جالسة على غدير ،فدفع في صدرها وجلس
دبة ،فقام نادما حتى أتى النبي صلى الله بين رجليها ،فصار ذكره مثل الهُ ْ
ل أربع ركعات". عليه وسلم فأخبره بما صنع ،فقال له " :استغفر ربك ،وص ّ
َ
ل { الية ).(2 ن الل ّي ْ ِ
م َ ي الن َّهارِ وَُزل َ ً
فا ِ صلة َ ط ََرفَ ِقال :وتل عليه } :وَأقِم ِ ال ّ
شّبويه ،حدثنا إسحاق بن وقال ابن جرير :حدثني عبد الله بن أحمد بن َ
إبراهيم ،حدثني عمرو بن الحارث حدثني عبد الله بن سالم ،عن الزبيدي ،
عن سليم بن عامر ؛ أنه سمع أبا أمامة يقول :إن رجل أتى النبي صلى الله
ي حد الله -مرة أو ثن ِْتين -فأعرض عليه وسلم فقال :يا رسول الله ،أقم ف ّ
عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ثم أقيمت الصلة ،فلما فرغ النبي
ي حد صلى الله عليه وسلم من الصلة قال " :أين هذا الرجل القائل :أقم ف ّ
الله ؟" قال :أنا ذا :قال " :أتممت الوضوء وصليت معنا آنفا ؟" قال :نعم.
قال " :فإنك من خطيئتك كما ولدتك أمك ،ول تعد" .وأنزل الله على رسول
َ
ن الل ّي ْ ِ
ل م َ
فا ِ ي الن َّهارِ وَُزل َ ً
صلة َ ط ََرفَ ِ الله صلى الله عليه وسلم ) } : (3وَأقِم ِ ال ّ
ن { ).(4 ري َ ك ذِك َْرى ِلل ّ
ذاك ِ ِ ت ذ َل ِ َ سي َّئا ِ
ن ال ّ ت ي ُذ ْهِب ْ َسَنا ِ ح َ ن ال ْ َإِ ّ
وقال المام أحمد :حدثنا عفان ،حدثنا حماد بن سلمة ،أنبأنا علي بن زيد ،
عن أبي عثمان قال :كنت مع سلمان الفارسي تحت شجرة ،فأخذ منها
ت ورقة ) ، (5ثم قال :يا أبا عثمان ،أل تسألني صنا يابسا فهّزه حتى تحا ّ غُ ْ
لم أفعل هذا ؟ فقلت :لم تفعله ) (6؟ قال :هكذا فعل بي رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأنا معه تحت شجرة ،فأخذ منها يابسا فهزه حتى تحات
ورقة ،فقال " :يا سلمان ،أل تسألني :لم أفعل هذا ؟" .قلت :ولم تفعله ؟
فقال " :إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء ،ثم صلى الصلوات الخمس ،
َ
صلة َ ط ََرفَ ِ
ي تحاتت خطاياه كما يتحات ) (7هذا الورق .وقال } :وَأقِم ِ ال ّ
ن{) ري َ ك ذِك َْرى ِلل ّ
ذاك ِ ِ ت ذ َل ِ َ
سي َّئا ِ
ن ال ّ ت ي ُذ ْهِب ْ َ
سَنا ِ ح َ ن ال ْ َ ن الل ّي ْ ِ
ل إِ ّ م َ فا ِالن َّهارِ وَُزل َ ً
(9) (8
كيع ،حدثنا سفيان ،عن حبيب بن أبي ثابت ،عن َ ِ و حدثنا : أحمد المام وقال
ميمون بن أبي
__________
) (1سنن الدارقطني ) (1/134وتفسير الطبري ) (522 - 15/520ورواه
الترمذي في السنن برقم ) (3113من طريق عبد الملك بن عمير به ،وقال
الترمذي " :هذا حديث ليس إسناده بمتصل ،عبد الله بن أبي ليلى لم يسمع
من معاذ ،وروى شعبة هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير ،عن عبد
الرحمن بن أبي ليلى ،عن النبي صلى الله عليه وسلم ،مرسل".
) (2تفسير عبد الرزاق ).(1/274
) (3في ت " :على رسوله".
) (4تفسير الطبري ) (15/521ورواه مسلم في صحيحه برقم ) (2765من
طريق شداد بن عبد الله ،عن أبي أمامة بنحوه.
) (5في ت ،أ " :ورقه".
) (6في ت " :قلت ولم يفعله".
) (7في ت " :يتحاتت".
) (8في ت " :أقم" وهو خطأ.
) (9المسند ).(5/437
) (4/359
شبيب ،عن معاذ ،رضي الله عنه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
له " :يا معاذ ،أتبع السيئة الحسنة تمحها ،وخالق الناس بخلق حسن" ).(1
كيع ،حدثنا سفيان ،عن حبيب ،
وقال المام أحمد ،رضي الله عنه :حدثنا وَ ِ
عن ميمون بن أبي شبيب ،عن أبي ذر ؛ أن رسول ) (2الله صلى الله عليه
وسلم قال " :اتق الله حيثما كنت ،وأتبع السيئة الحسنة تمحها ،وخالق
الناس بخلق حسن" ).(3
مر بن عطية ،عن ْ َ
ش عن ، العمش حدثنا ، معاوية وقال أحمد :حدثنا أبو
أشياخه ،عن أبي ذر قال :قلت :يا رسول الله ،أوصني .قال " :إذا عملت
سيئة فأتبعها حسنة تمحها" .قال :قلت :يا رسول الله ،أمن الحسنات :ل
إله إل الله ؟ قال " :هي أفضل الحسنات" ).(4
ماني ،حدثنا ج ّ
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي :حدثنا هذيل بن إبراهيم ال ُ
عثمان بن عبد الرحمن الزهري ،من ولد سعد بن أبي وقاص ،عن الزهري ،
عن أنس بن مالك قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :ما قال
عَْبد :ل إله إل الله ،في ساعة من ليل أو نهار ،إل ط ََلست ما في الصحيفة
من السيئات ،حتى تسكن إلى مثلها من الحسنات" ).(5
عثمان بن عبد الرحمن ،يقال له :الوقاصي .فيه ضعف.
وقال الحافظ أبو بكر البزار :حدثنا بشر بن آدم وزيد بن أخرم قال حدثنا
خَلد ،حدثنا مستور بن عباد ،عن ثابت ،عن أنس ؛ أن رجل م ْ الضحاك بن َ
قال :يا رسول الله ،ما تركت من حاجة ول داجة ،فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " :تشهد أن ل إله إل الله وأني رسول الله ؟" .قال :بلى.
قال " :فإن هذا يأتي على ذلك" ).(6
تفرد به من هذا الوجه مستور.
ن ال ْ َ ُ
ض ِإل
سادِ ِفي الْر ِ ف َ ن عَ ِ م أوُلو ب َ ِ
قي ّةٍ ي َن ْهَوْ َ ن قَب ْل ِك ُ ْ م ْ
ن ِ قُرو ِ ن ال ْ ُم َ ن ِ كا َول َ } فَل َ ْ
ما أت ْرُِفوا ِفيهِ وَ َ ُ َ َ ّ َ
ن)مي َ
جرِ ِ
م ْ
كاُنوا ُ موا َ ن ظل ُ ذي َ م َوات ّب َعَ ال ِ من ْهُ ْ جي َْنا ِ ن أن ْ َم ْ قَِليل ِ
م ّ
ن ){ (117 ُ َ ْ ُ ْ ك ل ِي ُهْل ِ َن َرب ّ َ ما َ
حو َ صل ِ ُ
م ْقَرى ب ِظلم ٍ وَأهْلَها ُ ك ال ُ كا َ (116وَ َ
يقول تعالى :فهل وجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير ،ينهون عما
كان يقع بينهم من
__________
) (1المسند ).(5/228
) (2في ت ،أ " :أن النبي".
) (3المسند ).(5/153
) (4المسند ).(5/169
) (5مسند أبي يعلى ) (6/204وقال الهيثمي في المجمع )" : (10/82فيه
عثمان بن عبد الرحمن الزهري ،وهو متروك".
) (6مسند البزار برقم )" (3067كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع )
" : (10/83رجاله ثقات".
) (4/360
) (4/361
ُ
م
ح َ
ن َر ِم ْ ن ) (118إ ِّل َ في َ خت َل ِ ِم ْن ُحد َة ً وََل ي ََزاُلو َة َوا ِ م ًسأ ّ ل الّنا َ جعَ َ ك لَ َ شاَء َرب ّ َ وَل َوْ َ
َ َ َ
ن) مِعي َج َسأ ْ ن ال ْ ِ
جن ّةِ َوالّنا ِ م َم ِجهَن ّ َ
ن َ مَل ّك َل ْ ة َرب ّ َ
م ُت ك َل ِ َم ْ
م وَت َ ّقهُ ْخل َ َ
ك َ ك وَل ِذ َل ِ َ
َرب ّ َ
(119
ُ
ن
م ْ
ن )ِ (118إل َ في َ خت َل ِ ِم ْ ن ُ حد َة ً َول ي ََزاُلو َة َوا ِ م ًسأ ّ ل الّنا َ جعَ َ ك لَ َ شاَء َرب ّ َ } وَل َوْ َ
س ن ال ْ ِ
جن ّةِ َوالّنا ِ م َ م ِ جهَن ّ َن َمل ّ كل ْ ة َرب ّ َم ُت ك َل ِ َ م ْ م وَت َ ّ قهُ ْخل َ َ
ك َ ك وَل ِذ َل ِ َ
م َرب ّ َ ح َ َر ِ
ن ){ (119 َ
مِعي َ ج َأ ْ
يخبر تعالى أنه قادر على جعل الناس ك ُّلهم أمة واحدة ،من إيمان أو كفران
ميًعا { ج ِ ض ك ُل ّهُ ْ
م َ ن ِفي الْر ِ م ْ ن َ
م َكل َ شاَء َرب ّ َ ) (1كما قال تعالى } :وَل َوْ َ
]يونس .[99 :
ف بينُ ُْ لخ ال يزال ول : أي { َ
ك بر م ح ر ن م إل
َ ُ ْ َِ ِ َ ِ َ ْ َ ِ َ َ ّ ن في ل ت خ م ن لوُ زا وقوله َ } :ول َ َ
ي
الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم.
ن { في الهدى ) .(3وقال الحسن البصري : في َ خت َل ِ ِ
م ْقال ) (2عكرمة ُ } :
خر بعضهم بعضا ،والمشهوُر الصحيح الول. ن { في الرزق ُ ،يس ّ في َخت َل ِ ِ
م ْ} ُ
ك { أي :إل المرحومين من أتباع الرسل ،الذين م َرب ّ َ ح َن َر ِ م ْ وقوله ِ } :إل َ
تمسكوا بما أمروا به من الدين ) .(4أخبرتهم به رسل الله إليهم ،ولم يزل
ذلك دأبهم ،حتى كان النبي صلى الله عليه وسلم المي خاتم الرسل
والنبياء ،فاتبعوه وصدقوه ،ونصروه ووازروه ،ففازوا بسعادة الدنيا والخرة
؛ لنهم الفرقة الناجية ،كما جاء في الحديث المروي في المسانيد والسنن ،
من طرق يشد بعضها بعضا " :إن اليهود افترقت على
__________
) (1في ت ،أ " :وكفران".
) (2في ت ،أ " :وقال".
) (3في ت ،أ " :الهوى".
) (4في ت " :الذي" ،وفي أ " :الذين".
) (4/361
إحدى ) (1وسبعين فرقة ،وإن النصارى افترقوا على ثنتين وسبعين فرقة ،
وستفترق أمتي ) (2على ثلث وسبعين فرقة ،كلها في النار إل فرقة
واحدة" .قالوا :ومن هم يا رسول الله ؟ قال " :ما أنا عليه وأصحابي".
رواه الحاكم في مستدركه بهذه الزيادة )(3
ن { يعني :اليهود والنصارى والمجوس في َ خت َل ِ ِ
م ْن ُوقال عطاء َ } :ول ي ََزاُلو َ
ك { يعني :الحَنيفّية. م َرب ّ َ ح َ ن َر ِ م ْ} ِإل َ
ل رحمة الله أهل الجماعة ،وإن تفرقت ديارهم وأبدانهم ، وقال قتادة :أه ُ
وأهل معصيته أهل فرقة ،وإن اجتمعت ديارهم وأبدانهم.
م { قال الحسن البصري -في رواية عنه : - خل َ َ
قهُ ْ ك َ وقوله } :وَل ِذ َل ِ َ
خَلقهم. وللختلف َ
وقال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس :خلقهم فريقين ،كقوله :
سِعيد ٌ { ]هود .[105 : ي وَ َ ق ّ ش ِ م َ من ْهُ ْ} فَ ِ
وقيل :للرحمة خلقهم .قال ابن وهب :أخبرني مسلم بن خالد ،عن ابن أبي
جيح ،عن طاوس ؛ أن رجلين اختصما إليه فأكثرا ) (4فقال طاوس : نَ ِ
اختلفتما فأكثرتما ) ! (5فقال أحد الرجلين :لذلك خلقنا .فقال طاوس :
كم َرب ّ َح َ ن َر ِ م ْ ن ِإل َ في َ خت َل ِ ِم ْ كذبت .فقال :أليس الله يقول َ } :ول ي ََزاُلو َ
ن ُ
م { قال :لم يخلقهم ليختلفوا ،ولكن خلقهم للجماعة والرحمة. قهُ ْ خل َ َ ك َ وَل ِذ َل ِ َ
رمة ،عن ابن عباس قال :للرحمة خلقهم عك ْ ِ كما قال الحكم بن أبان ،عن ِ
ولم يخلقهم للعذاب .وكذا قال مجاهد والضحاك وقتادة .ويرجع معنى هذا
ن { ]الذاريات : دو ِ س ِإل ل ِي َعْب ُ ُ ن َوالن ْ َ ت ال ْ ِ
ج ّ ق ُخل َ ْما َ القول إلى قوله تعالى } :وَ َ
.[56
وقيل :بل المراد :وللرحمة والختلف خلقهم ،كما قال الحسن البصري في
م{ خل َ َ
قهُ ْ ك َ ك وَل ِذ َل ِ َ م َرب ّ َ ح َ ن َر ِ م ْ ن ِإل َفي َخت َل ِ ِ
م ْن ُ رواية عنه في قوله َ } :ول ي ََزاُلو َ
ك { فمن رحم م َرب ّ َ ح َ ن َر ِ م ْ قال :الناس مختلفون على أديان شتى ِ } ،إل َ
ربك غير مختلف .قيل له :فلذلك خلقهم ؟ ]قال[ ) (6خلق هؤلء لجنته ،
وخلق هؤلء لناره ،وخلق هؤلء لرحمته ،وخلق هؤلء لعذابه.
وكذا ) (7قال عطاء بن أبي َرَباح ،والعمش.
نم ْن ِإل َ في َ خت َل ِ ِ
م ْ
ن ُ ُ
هب :سألت مالكا عن قوله تعالى َ } :ول ي ََزالو َ وقال ابن وَ ْ
م { قال :فريق في الجنة وفريق في السعير. قهُ ْ َ
خل َ َ
ك وَل ِذ َل ِك َ م َرب ّ َ ح َ َر ِ
__________
) (1في أ " :اثنين".
) (2في أ " :هذه المة".
) (3سبق تخريجه عند تفسير الية 93 :من سورة يونس.
) (4في ت " :فأكثروا".
) (5في ت " :وأكثرتما".
) (6زيادة من ت.
) (7في ت " :وكذلك".
) (4/362
كم َ
حقّ ك ِفي هَذِهِ ال ْ َ جاَء َك وَ َؤاد َ َ ت ب ِهِ فُ َ ما ن ُث َب ّ ُ
ل َس ِ
ن أن َْباِء الّر ُ ص عَل َي ْ َ ِ ْ ق ّ وَك ُّل ن َ ُ
كان َت ِك ُ ْ
م م َ مُلوا عََلى َ ن اع ْ َمُنو َن َل ي ُؤْ ِ ذي َل ل ِل ّ ِن ) (120وَقُ ْ مؤْ ِ
مِني َ ة وَذِك َْرى ل ِل ْ ُ
عظ َ ٌ مو ْ ِوَ َ
ن )(122 من ْت َظ ُِرو َ ن )َ (121وان ْت َظ ُِروا إ ِّنا ُ ملو َُ عا ِ إ ِّنا َ
وقد اختار هذا القول ابن جرير ،وأبو عبيدة ) (1والفراء.
م { قال :للرحمة ، قهُ ْ خل َ َك َ وعن مالك فيما رويناه عنه في التفسير } :وَل ِذ َل ِ َ
وقال قوم :للختلف.
َ ْ
ن { يخبر عي مج أ س
ِ ّ ِ َ ّ ِ ْ َ ِ َ نا وال ة ن ج لا ن م م ن
ْ ّ َ َ ّ َ ِ َهج ن مل ل َ
ك م ُ َ ّ
ب ر ة ت ك َل ِ َ م ْ وقوله } :وَت َ ّ
تعالى أنه قد سبق في قضائه وقدره ،لعلمه التام وحكمته النافذة ،أن ممن
) (2خلقه من يستحق الجنة ،ومنهم من يستحق النار ،وأنه ل بد أن يمل
جهنم من هذين الثقلين الجن والنس ،وله الحجة البالغة والحكمة التامة.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة ،رضي الله عنه ،قال :قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " :اختصمت الجنة والنار ،فقالت الجنة :ما لي ل
طهم ؟ وقالت النار :أوثرت بالمتكبرين سق ُ ة الناس و َ ف ُضعَ َ يدخلني إل َ
والمتجبرين .فقال الله عز وجل للجنة ،أنت رحمتي أرحم بك من أشاء.
وقال للنار :أنت عذابي ،أنتقم بك ممن أشاء ،ولكل واحدة منكما ملؤها.
فأما الجنة فل يزال فيها فضل ،حتى ينشئ الله لها خلقا يسكن فضل الجنة ،
ب العزة َقدمه ، وأما النار فل تزال تقول :هل من مزيد ؟ حتى يضع عليه ر ّ
ط قط ،وعزتك" ).(3 فتقول :قَ ْ
َ
ق
ح ّ ك ِفي هَذِهِ ال ْ َ جاَء َ ك وَ َ ؤاد َ َت ب ِهِ فُ َ ما ن ُث َب ّ ُ
ل َس ِ
ن أن َْباِء الّر ُ م ْك ِ ص عَل َي ْ َ ق ّ كل ن َ ُ } وَ ُ
ن ){ (120 مِني َ مؤْ ِ ة وَذِك َْرى ل ِل ْ ُ عظ َ ٌ مو ْ ِ
وَ َ
يقول تعالى :وكل أخبار نقصها عليك ،من أنباء الرسل المتقدمين قبلك مع
أممهم ،وكيف جرى لهم من المحاجات والخصومات ،وما احتمله النبياء من
التكذيب والذى ،وكيف نصر الله حزبه المؤمنين وخذل أعداءه الكافرين -
كل هذا مما نثبت به فؤادك -يا محمد -أي :قلبك ،ليكون لك بمن مضى
ة.
سو ً من إخوانك من المرسلين أ ْ
حقّ { أي ] :في[ ) (4هذه السورة .قاله ابن ك ِفي هَذِهِ ال ْ َ جاَء َ وقوله } :وَ َ
عباس ،ومجاهد ،وجماعة من السلف .وعن الحسن -في رواية عنه -
وقتادة :في هذه الدنيا.
جاهم )(5 والصحيح :في هذه السورة المشتملة على قصص النبياء وكيف ن َ ّ
ص حق ،ونبأ صدق ، ص ُ الله والمؤمنين بهم ،وأهلك الكافرين ،جاءك فيها قَ َ
وموعظة يرتدع بها الكافرون ،وذكرى يتوقر ) (6بها المؤمنون.
ن )َ (121وان ْت َظ ُِروا إ ِّنا مُلو َ عا ِم إ ِّنا َ كان َت ِك ُ ْ
م َ مُلوا عََلى َ ن اع ْ َ مُنو َ ن ل ي ُؤْ ِ ذي َل ل ِل ّ ِ } وَقُ ْ
ن ){ (122 من ْت َظ ُِرو َ ُ
__________
) (1في ت ،أ " :وأبو عبيد".
) (2في ت ،أ " :من".
) (3صحيح البخاري برقم ) (7449وصحيح مسلم برقم ).(2846
) (4زيادة من أ.
) (5في ت ،أ " :أنجاهم".
) (6في ت ،أ " :يتذكر".
) (4/363
َ َْ
ل عَل َي ْهِ وَ َ
ما مُر ك ُل ّ ُ
ه َفاعْب ُد ْه ُ وَت َوَك ّ ْ جعُ اْل ْ
ض وَإ ِل َي ْهِ ي ُْر َ
ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َب ال ّوَل ِل ّهِ غَي ْ ُ
ن )(123 مُلو َ
ما ت َعْ َل عَ ّ َرب ّ َ
ك ب َِغافِ ٍ
يقول تعالى آمرا رسوله أن يقول للذين ل يؤمنون بما جاء به من ربه على
م { أي :على طريقتكم ومنهجكم } ،إ ِّنا كان َت ِك ُ ْم َ مُلوا عََلى َ وجه التهديد } :اعْ َ
ن { أي : من ْت َظ ُِرو َ ن { أي :على طريقتنا ومنهجنا َ } ،وان ْت َظ ُِروا إ ِّنا ُ مُلو َ عا ِ
َ
فستعلمون من تكون له عاقبة الدار ،إنه ل يفلح الظالمون.
وقد أنجز الله لرسوله وعده ،ونصره وأيده ،وجعل كلمته هي العليا ،وكلمة
الذين كفروا السفلى ،والله عزيز حكيم.
ما َ
ل عَلي ْهِ وَ َه َفاعْب ُد ْه ُ وَت َوَك ّ ْ ّ
مُر ك ُل ُ
جعُ ال ْ ض وَإ ِل َي ْهِ ي ُْر َ } وَل ِل ّهِ غَي ْ ُ
ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َ ب ال ّ
ن ){ (123 مُلو َ ما ت َعْ َل عَ ّ ك ب َِغافِ ٍ َرب ّ َ
يخبر تعالى أنه عالم غيب السموات والرض ،وأنه إليه المرجع والمآب ،
َوسي ُوَّفى كل عامل عمله يوم الحساب ،فله الخلق والمر .فأمر تعالى
بعبادته والتوكل عليه ؛ فإنه كاف من توكل عليه وأناب إليه.
ن { ) (1أي :ليس يخفى عليه ما عليه مُلو َ ما ت َعْ َل عَ ّك ب َِغافِ ٍ ما َرب ّ َ وقوله } :وَ َ
مكذبوك يا محمد ،بل هو عليم بأحوالهم وأقوالهم وسيجزيهم على ذلك أتم
الجزاء في الدنيا والخرة ،وسينصرك وحزبك عليهم في الدارين .وقال ابن
كيع ،حدثنا زيد بن الحباب ،عن جعفر بن سليمان ،عن جرير :حدثنا ابن وَ ِ
وني ،عن عبد الله بن رباح ،عن كعب ) (2قال :خاتمة ج ْأبي عمران ال َ
"التوراة" خاتمة "هود" ]والله أعلم[ ) (3تم تفسير سورة هود.
__________
) (1في ت " :يعملون".
) (2في أ " :كعب الحبار".
) (3زيادة من أ.
) (4/364
) (4/365
ن
ح ُشهور السنة وهو رمضان ،فكمل من كل الوجوه ؛ ولهذا قال تعالى } :ن َ ْ
ن { بسبب إيحائنا إليك ذا ال ْ ُ
ك هَ َحي َْنا إ ِل َي ْ َ َ ن ال ْ َ قص عَل َي َ َ
قْرآ َ ما أوْ َ ص بِ َ
ص ِ ق َ س َ ح َ
كأ ْ ْ نَ ُ ّ
هذا القرآن.
وقد وََرد َ في سبب نزول هذه اليات ما رواه ابن جرير :
حدثني نصر بن عبد الرحمن الوْدِيّ ) .(1حدثنا حكام الرازي ،عن أيوب ،عن
عمرو -هو ابن قيس الملئي -عن ابن عباس قال :قالوا :يا رسول الله ،
ص { ).(2 ن ال ْ َ قص عَل َي َ َ
ص ِ ق َ س َ
ح َكأ ْ ْ ن نَ ُ ّ ح ُلو قصصت علينا ؟ فنزلت } :ن َ ْ
ورواه من وجه آخر ،عن عمرو بن قيس مرسل.
وقال أيضا :حدثنا محمد بن سعيد ) (3العطار ) ، (4حدثنا عمرو بن محمد ،
مّرة ) ، (5عن مصعب خلد الصفار ،عن عمرو بن قيس ،عن عمرو بن ُ أنبأنا َ
بن سعد عن عن سعد قال :أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن ،
ت علينا .فأنزل الله قال :فتل عليهم زمانا ،فقالوا :يا رسول الله ،لو قصص َ
ن{) ُ
قلو َ ن { إلى قوله } :ل َعَلك ْ
م ت َعْ ِ ُ ّ ب ال ْ ُ ت ال ْك َِتا ِ عز وجل } :الر ت ِل ْ َ
مِبي ِ ك آَيا ُ
.(6ثم تل عليهم زمانا ،فقالوا :يا رسول الله ،لو حدثتنا .فأنزل الله عز
وجل } :الل ّه نز َ َ
ث { الية ]الزمر ، [23 :وذكر الحديث. دي ِ ح ِن ال ْ َ س َ ح َ لأ ْ ُ
هويه ،عن عمرو بن محمد القَرشي ورواه الحاكم من حديث إسحاق بن َرا َ
العَْنقزي ،به ).(7
ون بن عبد الله قال : وروى ابن جرير بسنده ) ، (8عن المسعودي ،عن عَ ْ
ة ،فقالوا :يا رسول الله ، مل ّ َب رسول الله صلى الله عليه وسلم َ ل أصحا ُ م ّ َ
ملوا ملة أخرى فقالوا : ّ ثم { ث دي ح ْ ل ا ن س ح َ أ لَ نز ه ّ ل ال } : الله ]فأنزل حدثنا.
َ ِ ِ َ ْ َ َ ُ َ
يا رسول الله ،حدثنا[ ) (9فوق الحديث ودون القرآن -يعنون القصص -
َ
ن إ ِّنا أنزل َْناه ُ قُْرآًنا عََرب ِّيا ل َعَل ّك ُ ْ
م ِ مِبي ب ال ْ ُت ال ْك َِتا ِ ك آَيا ُ فأنزل الله } :الر ت ِل ْ َ
ذا ال ْ ُ حي َْنا إ ِل َي ْ َ َ ن ال ْ َ قص عَل َي َ َ
ن ك ُن ْ َ
ت ن وَإ ِ ْ قْرآ َ ك هَ َ ما أوْ َ ص بِ َ ص ِ ق َ س َ ح َ كأ ْ ْ ن نَ ُ ّ ح ُ قُلو َ
ن نَ ْ ت َعْ ِ
ن { فأرادوا الحديث ،فدلهم على أحسن الحديث ، ّ ْ
ن الَغافِِلي َ م َ َ
ن قَب ْل ِهِ ل ِم ْ ِ
وأرادوا القصص فدلهم على أحسن القصص ).(10
ومما يناسب ذكره عند هذه الية الكريمة ،المشتملة على مدح القرآن ،وأنه
كاف عن كل ما سواه من الكتب ما قال المام أحمد :
شْيم ،أنبأنا مجالد ،عن الشعبي ،عن سَرْيج بن النعمان ،أخبرنا هُ َ حدثنا ُ
جابر بن عبد الله ؛ أن
__________
) (1في ت " :الوذي".
) (2تفسير الطبري ).(15/552
) (3في أ " :سعد".
) (4في ت ،أ " :القطان".
) (5في ت ،أ " :قرة".
) (6في ت )" :لعلكم تعقلون( الية".
) (7تفسير الطبري ) (15/553والمستدرك ) (2/345وقال " :حديث صحيح
السناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي ،وحسنه الحافظ ابن حجر في المطالب
العالية برقم ).(3652
) (8في ت " :بسند".
) (9زيادة من ت ،أ ،والطبري.
) (10تفسير الطبري ).(15/552
) (4/366
عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل
مَتهوكونالكتاب ،فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم فغضب وقال " :أ ُ
فيها يا ابن الخطاب ؟ والذي نفسي بيده ،لقد جئتكم بها بيضاء نقية ،ل
ذبونه ،أو بباطل فتصدقونه ،والذي تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتك ّ
نفسي بيده ،لو أن موسى كان حيا ،لما ) (1وسعه إل أن يتبعني" )(2
وقال المام أحمد :حدثنا عبد الرزاق ،أخبرنا سفيان ،عن جابر ،عن
الشعبي ،عن عبد الله بن ثابت قال :جاء عمر إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال :يا رسول الله ،إني مررت بأخ لي من قريظة ،فكتب لي
جوامع من التوراة ،أل أعرضها عليك ؟ قال :فتغير وجه رسول الله صلى
الله عليه وسلم .قال عبد الله بن ثابت :فقلت له :أل ترى ما بوجه )(3
رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عمر :رضينا بالله ربا ،وبالسلم
سّري عن النبي ) (4صلى الله عليه وسلم دينا ،وبمحمد رسول .قال :ف ُ
وقال " :والذي نفس محمد بيده ،لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه
ظي من المم ،وأنا حظكم من النبيين" ).(5 ح ّ وتركتموني لضللتم ،إنكم َ
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي :حدثنا عبد الغفار بن عبد الله بن الزبير ،
سِهر ،عن عبد الرحمن بن إسحاق ،عن خليفة بن قيس ، م ْ حدثنا علي بن ُ
عن خالد بن عُْرَفطة قال :كنت جالسا عند عمر ،إذ أتي برجل من عبد
القيس مسكنه بالسوس ،فقال له عمر :أنت فلن بن فلن العبدي ؟ قال :
نعم .قال :وأنت النازل بالسوس ،قال :نعم .فضربه بقناة معه ،قال :
فقال الرجل :ما لي يا أمير المؤمنين ؟ فقال له عمر :اجلس .فجلس ،
ن إ ِّنا ب ال ْ ُ
مِبي ِ ت ال ْك َِتا ِ حيم ِ الر ت ِل ْ َ
ك آَيا ُ ن الّر ِ م ِح َ سم ِ الّله الّر ْ فقرأ عليه } :ب ِ ْ
ْ َ َ ُ َ
ص[ { )(6 ص ِ ق َ ن ال َ س َ ح َ َ
ص عَلي ْك ]أ ْ ق ّ ن نَ ُ
ح ُ ن نَ ْ
قلو َ أنزل َْناهُ قُْرآًنا عََرب ِّيا لعَلك ْ
م ت َعْ ِ ُ ّ َ
ن { فقرأها ) (7ثلثا ،وضربه ثلثا ،فقال له الرجل ن ال َْغافِِلي َ م َإلى قوله } :ل َ ِ
:ما لي يا أمير المؤمنين ؟ فقال :أنت الذي نسخت كتاب دانيال! قال :
مرني بأمرك أتبعه .قال :انطلق فامحه بالحميم والصوف البيض ،ثم ل
قرأه ) (8ول ُتقرئه أحدا من الناس ،فلئن بلغني عنك أنك قرأته أو أقرأته ت ْ
أحدا من الناس لنهكّنك عقوبة ،ثم قال له :اجلس ،فجلس بين يديه ،فقال
:انطلقت أنا فانتسخت كتابا من أهل الكتاب ،ثم جئت به في أديم ،فقال
لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " :ما هذا في يدك يا عمر ؟" .قال :
قلت :يا رسول الله ،كتاب نسخته لنزداد ) (9به علما إلى علمنا .فغضب
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمّرت وجنتاه ،ثم نودي بالصلة
جامعة ،فقالت النصار :أغضب نبيكم صلى الله عليه وسلم ؟ السلح
السلح .فجاءوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقال :
صر لي اختصارا ، "يا أيها الناس ،إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه ،واخت ُ ِ
ولقد أتيتكم بها
__________
) (1في ت " :ما".
) (2المسند ).(3/378
) (3في ت " :ما توجه".
) (4في أ " :رسول الله".
) (5المسند ).(3/365
) (6زيادة من ت.
) (7في ت ،أ " :فقرأها عليه".
) (8في ت " :ل يقرأه".
) (9في ت " :ليزداد".
) (4/367
وكون" .قال عمر :فقمت فقلت : وكوا ،ول يغرنكم المته ّ
بيضاء نقية فل َتته ّ
رضيت بالله ربا وبالسلم دينا ،وبك رسول .ثم نزل رسول الله صلى الله
عليه وسلم ).(1
وقد رواه ابن أبي حاتم في تفسيره مختصرا ،من حديث عبد الرحمن بن
إسحاق ،به .وهذا حديث غريب من هذا الوجه .وعبد الرحمن بن إسحاق هو
شيَبة ) (2الواسطي ،وقد ضعفوه وشيخه .قال البخاري :ل يصح حديثه. أبو َ
قلت :وقد روي له شاهد من وجه آخر ،فقال الحافظ أبو بكر أحمد بن
إبراهيم السماعيلي :أخبرني الحسن بن سفيان ،حدثنا يعقوب بن سفيان ،
حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن العلء الزبيدي ،حدثني عمرو بن الحارث ،حدثنا
جَبير
عبد الله بن سالم الشعري ،عن الزبيدي ،حدثنا سليم بن عامر :أن ُ
دثهم :أن رجلين كانا بحمص في خلفة عمر ،رضي الله عنه ، ح ّ
فير َ
بن ن ُ َ
فأرسل إليهما فيمن أرسل من أهل حمص ،وكانا قد اكتتبا من اليهود
صلصفة ) (3فأخذاها معهما يستفتيان فيها أمير المؤمنين ويقولون :إن
رضيها لنا أمير المؤمنين ازددنا فيها رغبة .وإن نهانا عنها رفضناها ،فلما قدما
عليه قال إنا بأرض أهل الكتابين ،وإنا نسمع منهم كلما تقشعر منه جلودنا ،
أفنأخذ منه أو نترك ؟ فقال :لعلكما كتبتما منه شيئا .قال ) (4ل .قال :
سأحدثكما ،انطلقت في حياة رسول الله ) (5صلى الله عليه وسلم حتى
أتيت خيبر ،فوجدت يهوديا يقول قول أعجبني ،فقلت :هل أنت مكتبي ما
تقول ؟ قال :نعم .فأتيت بأديم ،فأخذ يملي علي ،حتى كتبت في الكُرع.
فلما رجعت قلت :يا نبي الله ،وأخبرته ،قال " :ائتني به" .فانطلقت أرغب
عن المشي رجاء أن أكون أتيت ) (6رسول الله ببعض ما يحب ،فلما أتيت
ي" .فقرأت ساعة ،ثم نظرت إلى وجهه فإذا هو به قال " :اجلس اقرأ عل ّ
فرق ،فما استطعت أجيز ) (7منه حرفا ،فلما رأى ون ،فتحيرت من ال َ يتل ّ
الذي بي د ََفعه ) (8ثم جعل يتبعه رسما رسما فيمحوه بريقه ،وهو يقول " :ل
وكوا" ،حتى محا آخره حرًفا حرفا .قال هوكوا وت َهَ ّ تتبعوا هؤلء ،فإنهم قد َ
عمر ،رضي الله عنه :فلو علمت أنكما كتبتما منه شيًئا جعلتكما نكال لهذه
المة! قال والله ما نكتب منه شيًئا أبدا .فخرجا بصلصفتهما ) (9فحفرا لها )
قا ،ودفناها (10فلم يأُلوا أن يع ّ
م َ
__________
) (1لم أعثر عليه في المطبوع من مسند أبي يعلى ،وأورده الهيثمي في
المجمع ) (1/182وقال " :رواه أبو يعلى ،وفيه عبد الرحمن بن إسحاق
الواسطي ،ضعفه أحمد وجماعة" .ورواه المقدسي في المختارة برقم )
(115من طريق أبي يعلى وقال " :عبد الرحمن بن إسحاق أخرج له مسلم
وابن حبان" .يقصد عبد الرحمن بن إسحاق المدني وهو أثبت من الواسطي
وفترتهما متقاربة ،لكن المزني ذكر علي بن مسهر من الرواة عن الواسطي
الضعيف ،وقد رجح المؤلف هنا أنه الواسطي .وكذا في مسند عمر بن
الخطاب ) (2/591وقال " :وزعم الحافظ الضياء المقدسي في كتابه
"المختارة" أنه الذي روى له مسلم كما )أظن صوابه كذا( قال :وأما شيخه
خليفة بن قيس فقال فيه أبو حاتم الرازي :شيخ ليس بالمعروف .وقال
البخاري :لم يصح حديثه".
) (2في ت " :ابن شيبة".
) (3في هـ " :ملصق" بدون نقط ،والمثبت من ت ،أ.
) (4في ت ،أ " :فقال".
) (5في ت " :النبي".
) (6في ت " :جئت".
) (7في ت " :أحبر".
) (8في ت " :دفعته".
) (9في هـ ،ت " :بصفيهما" والمثبت من أ.
) (10في ت " :فحفراها".
) (4/368
) (4/369
وقتادة وسفيان الثوري ،وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ،وقد وقع تفسيرها
بعد أربعين سنة ،وقيل :ثمانين سنة ،وذلك حين رفع أبويه على العرش ،
ذا ت َأ ِْوي ُ
ل ت هَ َ َ دا وََقا َ
ل َيا أب َ ِ ج ًس ّ
ه ُ خّروا ل َ ُوهو سريره ،وإخوته بين يديه } :وَ َ
قا { ]يوسف .[100 : ح ّجعَل ََها َرّبي َل قَد ْ َ ن قَب ْ ُ ُرؤَْيايَ ِ
م ْ
وقد جاء في حديث تسمية هذه الحد عشر كوكبا -فقال المام أبو جعفر بن
جرير.
حدثني علي بن سعيد الكندي ،حدثنا الحكم بن ظهير ،عن السدي ،عن عبد
الرحمن بن سابط ] ،عن جابر[ ) (1قال :أتى النبي صلى الله عليه وسلم
رجل من يهود يقال له " :بستانة اليهودي" ،فقال له :يا محمد ،أخبرني عن
الكواكب التي رآها يوسف أنها ساجدة له ،ما أسماؤها ؟ قال :فسكت النبي
صلى الله عليه وسلم ساعة فلم يجبه بشيء ،ونزل ]عليه[ ) (2جبريل ،
عليه السلم ،فأخبره بأسمائها .قال :فبعث رسول الله صلى الله عليه
وسلم إليه فقال " :هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها ؟" فقال :نعم .قال :
فات ،وقابس ،ووَّثاب ، "خرتان ) (3والطارِقُ ،والذ ّّيال ) (4وذو الك َن َ َ
ضي َُاء ،والّنور" ، ح ،وذو الفرغ ،وال ّ ضُرو ُ
ح ،وال ّ صب ّ ُ
م َفيل َقُ ،وال ُ
موَدان ،وال ْ َ وع َ ُ
فقال اليهودي :إيْ والله ،إنها لسماؤها ).(5
ورواه البيهقي في "الدلئل" ،من حديث سعيد ) (6بن منصور ،عن الحكم
بن ظهير .وقد روى هذا الحديث الحافظان أبو يعلى الموصلي وأبو بكر البزار
في مسنديهما ،وابن أبي حاتم في تفسيره ) (7أما أبو يعلى فرواه عن أربعة
من شيوخه عن الحكم بن ظهير ،به وزاد :قال رسول الله صلى الله عليه
صها على أبيه يعقوب ،فقال له أبوه :هذا أمر وسلم " :لما رآها يوسف قَ ّ
متشتت يجمعه الله من بعد ؛ قال :والشمس أبوه ،والقمر أمه".
ضّعفه الئمة ،وتركه الكثرون ، تفرد به الحكم بن ظهير الفزاري ) (8وقد َ
سن يوسف. ح ْ وقال الجوزجاني :ساقط ،وهو صاحب حديث ُ
__________
) (1زيادة من ت ،أ ،والطبري.
) (2زيادة من ت ،أ ، :والطبري.
) (3في هـ " :حرثان" وفي ت ،أ " :جريان" والمثبت من ميزان العتدال
.1/572مستفاد من ط .الشعب.
) (4في ت " :والدثال".
) (5تفسير الطبري ).(15/555
) (6في ت " :سعد".
) (7دلئل النبوة للبيهقي ) (6/277ومسند البزار برقم )" (2220كشف
الستار" .وقد وقع اختلف في أسماء الكواكب في هذه المصادر وليست
بالمهمة ،والحديث حكم عليه ابن الجوزي بالوضع.
) (8لم يتفرد به بل توبع ،فرواه الحاكم في المستدرك ) (4/396من طريق
طلحة عن أسباط بن نصر ،عن السدي ،عن عبد الرحمن بن سابط ،عن
جابر به نحوه ،وقال " :هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"
قال الزيلعي " :وسند الحاكم وارد على البزار في قوله :ل نعلم له طريقا
غيره ،وعلى البيهقي في قوله :تفرد به الحكم بن ظهير ولهما عذرهما"
تخريج الكشاف ).(2/161
) (4/370
ن شي ْ َ
طا َ ن ال ّ
دا إ ِ ّ دوا ل َ َ
ك ك َي ْ ً كي ُ ك عََلى إ ِ ْ
خوَت ِ َ
ك فَي َ ِ ص ُرؤَْيا َ
ص ْق ُي َل ت َ ْ
ل َيا ب ُن َ َّقا َ
ن )(5مِبي ٌن عَد ُوّ ُ سا ِ ل ِْل ِن ْ َ
ن شي ْ َ
طا َ ن ال ّ
دا إ ِ ّ دوا ل َ َ
ك ك َي ْ ً كي ُ ك عََلى إ ِ ْ
خوَت ِ َ
ك فَي َ ِ ص ُرؤَْيا َ
ص ْ
ق ُي ل تَ ْ
ل َيا ب ُن َ ّ} َقا َ
ن ){ (5مِبي ٌن عَد ُوّ ُ سا ِِللن ْ َ
) (4/370
ْ
ل َ
ك وَعََلى آ ِ ه عَل َي ْ َ
مت َ ُ
م ن ِعْ َ
ث وَي ُت ِ ّ حاِدي ِل اْل َ َ ن ت َأِوي ِم ْك ِ م َ ك وَي ُعَل ّ ُ
ك َرب ّ َ جت َِبي َ وَك َذ َل ِ َ
ك يَ ْ
َ
مَها عََلى أب َوَي ْ َ َ
م)كي ٌح ِ
م َ
ك عَِلي ٌ ن َرب ّ َ حاقَ إ ِ ّ س َ م وَإ ِ ْ
هي َ
ل إ ِب َْرا ِن قَب ْ ُ
م ْ ك ِ ما أت َ ّب كَ َ قو َ ي َعْ ُ
(6
ص عليه ما رأى من يقول تعالى مخبًرا عن قول يعقوب لبنه يوسف حين قَ ّ
دا ، هذه الرؤيا ،التي تعبيرها خضوع إخوته له وتعظيمهم إياه تعظيما زائ ً
بحيث يخرون له ساجدين إجلل وإكراما واحتراما ) (1فخشي يعقوب ،عليه
السلم ،أن يحدث بهذا المنام أحدا من إخوته فيحسدوه ) (2على ذلك ،
َ
ك عَلى ص ُرؤَْيا َ ص ْ ق ُ فيبغوا له الغوائل ،حسدا منهم له ؛ ولهذا قال له } :ل ت َ ْ
ة ي ُْرُدوَنك فيها .ولهذا ثبتت دا { أي :يحتالوا لك حيل ً ك ك َي ْ ً دوا ل َ َ كي ُك فَي َ ِ خوَت ِ َ إِ ْ
السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " :إذا رأى أحدكم ما
ول إلى جنبه الخر وليتفل عن يحب فليحدث به ،وإذا رأى ما يكره فليتح ّ
دا ،فإنها لن تضره" ) يساره ثلثا ،وليستعذ بالله من شرها ،ول يحدث بها أح ً
.(3وفي الحديث الخر الذي رواه المام أحمد ،وبعض أهل السنن ،من
رواية معاوية بن حيدة القشيري أنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه
عبرت وقعت" ) (4ومن هذا وسلم " :الرؤيا على رجل طائر ما لم ت َُعبر ،فإذا ُ
يؤخذ المر بكتمان النعمة حتى توجد وتظهر ،كما ورد في حديث " :استعينوا
على قضاء الحوائج بكتمانها ،فإن كل ذي نعمة محسود" )(5
َ َ ْ
ل
ه عَلي ْك وَعَلى آ ِ َ مت َ ُ
م ن ِعْ َ ث وَي ُت ِ ّ حاِدي ِ ل ال َ ن ت َأِوي ِ م ْ ك ِ م َك وَي ُعَل ّ ُ ك َرب ّ َ جت َِبي َ ك يَ ْ } وَك َذ َل ِ َ
َ
مَها عََلى أب َوَي ْ َ َ
م) كي ٌ ح ِ م َ ك عَِلي ٌ ن َرب ّ َ حاقَ إ ِ ّ س َ م وَإ ِ ْ هي َ ل إ ِب َْرا ِن قَب ْ ُ م ْ ك ِ ما أت َ ّ ب كَ َ قو َ ي َعْ ُ
{ (6
يقول تعالى مخبرا عن قول يعقوب لولده يوسف :إنه كما اختارك ) (6ربك ،
جت َِبي َ
ك ك يَ ْ وأراك هذه الكواكب مع الشمس والقمر ساجدة لك } ،وَك َذ َل ِ َ
ْ
ث { قال حاِدي ِ ل ال َ ن ت َأِوي ِ م ْ ك ِ م َ ك { أي :يختارك ويصطفيك لنبوته } ،وَي ُعَل ّ ُ َرب ّ َ
مجاهد وغير واحد :يعني تعبير الرؤيا.
َ ه عَل َي ْ َ
مَهاما أت َ ّ ك { أي :بإرسالك واليحاء إليك ؛ ولهذا قال } :ك َ َ مت َ ُ م ن ِعْ َ } وَي ُت ِ ّ
حاقَ { ولده ،وهو الذبيح س َ م { وهو الخليل } ،وَإ ِ ْ هي َ ل إ ِب َْرا ِ ن قَب ْ ُ م ْ ك ِ عََلى أ َب َوَي ْ َ
م { أي ] :هو[ ) (7أعلم كي ٌ
ح ِ م َ ك عَِلي ٌ ن َرب ّ َ في قول ،وليس بالرجيح } ،إ ِ ّ
حيث يجعل رسالته ،كما قال في الية الخرى.
__________
) (1في ت ،أ " :واحتراما وإكراما".
) (2في ت " :فيحسدونه".
) (3جاء من حديث جابر ،وأم سلمة ،وأبي قتادة :أما حديث جابر ،فرواه
مسلم في صحيحه برقم ) ، (2262وأما حديث أم سلمة ،فرواه النسائي
في السنن الكبرى برقم ) ، (10741وأما حديث أبي قتادة ،فرواه أحمد في
المسند ) (5/296وهذا لفظه.
) (4لم أعثر عليه من حديث معاوية ،وإنما من حديث لقيط بن عامر رضي
الله عنه ،رواه أحمد في المسند ) (4/10وأبو داود في السنن برقم )(5020
والترمذي في السنن برقم ) (2278وابن ماجه في السنن برقم ).(3914
) (5رواه العقيلي في الضعفاء ) (2/109وابن عدي في الكامل )(3/404
وأبو نعيم في الحلية ) (6/96من طريق سعيد بن سالم العطار عن ثور بن
يزيد ،عن خالد بن معدان عن معاذ به مرفوعا ،وأورده ابن الجوزي في
الموضوعات ) (2/165وقال أبو حاتم في العلل )" : (2/258حديث منكر".
وآفته سعيد بن سلم العطار فهو كذاب.
) (6في ت " :اختار".
) (7زيادة من ت.
) (4/371
خوهُ ف وَأ َ ُس ُ ن ) (7إ ِذ ْ َقاُلوا ل َُيو ُ سائ ِِلي َ ت ِلل ّ خوَت ِهِ آَيا ٌ ف وَإ ِ ْ س َ ن ِفي ُيو ُ كا َ قد ْ َ } لَ َ
ف أوَ َ َ َ
س َ ِ ن ) (8اقْت ُُلوا ُيو ُ مِبي ٍ ل ُ ضل ٍ في َ ن أَباَنا ل َ ِ ة إِ ّ صب َ ٌ ن عُ ْ ح ُ مّنا وَن َ ْ ب إ َِلى أِبيَنا ِ ح ّ أ َ
ل ل َك ُم وج َ َ
ن )َ (9قا َ
ل حي َ صال ِ ِ
ما َ ن ب َعْدِهِ قَوْ ً م ْ كوُنوا ِ م وَت َ ُ ه أِبيك ُ ْ ْ َ ْ ُ خ ُضا ي َ ْ حوهُ أْر ً اط َْر ُ
َ
ن
سّياَرةِ إ ِ ْ ض ال ّ ه ب َعْ ُ قط ْ ُ ب ي َل ْت َ ِ ج ّ قوه ُ ِفي غََياب َةِ ال ْ ُ ف وَأل ْ ُ س َ قت ُُلوا ُيو ُ م ل تَ ْ من ْهُ ْ ل ِ َقائ ِ ٌ
ن ){ (10 عِلي َ م َفا ِ ك ُن ْت ُ ْ
يقول تعالى :لقد كان في قصة يوسف وخبره مع إخوته آيات ،أي عبرةٌ
ظ للسائلين عن ذلك ،المستخبرين عنه ،فإنه خبر عجيب ،يستحق ومواع ُ
َ َ َ
مّنا { أي :حلفوا ب إ َِلى أِبيَنا ِ ح ّ خوه ُ أ َ ف وَأ ُ س ُ أن يستخبر عنه } ،إ ِذ ْ َقاُلوا ل َُيو ُ
فيما يظنون :والله ليوسف وأخوه -يعنون بنيامين ،وكان شقيقه لمه -
َ َ
ة { أي :جماعة ،فكيف أحب ذينك الثنين صب َ ٌ ن عُ ْ ح ُ مّنا وَن َ ْ ب إ َِلى أِبيَنا ِ ح ّ }أ َ
أكثر من الجماعة ؛ } إ َ
ن { يعنون في تقديمهما علينا ، مِبي ٍ ل ُ ضل ٍ في َ ن أَباَنا ل َ ِ ِ ّ
ومحبته إياهما أكثر منا.
واعلم أنه لم يقم دليل على نبوة إخوة يوسف ،وظاهر هذا السياق يدل على
خلف ذلك ،ومن الناس من يزعم أنهم أوحي إليهم بعد ذلك ،وفي هذا نظر.
وى قوله تعالى ُ } :قوُلوا آ َ
مّنا دعي ذلك إلى دليل ،ولم يذكروا س َ م ّ ويحتاج ُ
َ ُ َ ُ
بقو َ حاقَ وَي َعْ ُ س َ عيل وَإ ِ ْ َ ما ِ س َ م وَإ ِ ْ هي َ ما أنزل إ ِلى إ ِب َْرا ِ َ َ
ما أنزل إ ِلي َْنا وَ َ ِبالل ّهِ وَ َ
ط { ]البقرة ، [136 :وهذا فيه احتمال ؛ لن بطون بني إسرائيل سَبا ِ َوال ْ
يقال لهم :السباط ،كما يقال للعرب :قبائل ،وللعجم :شعوب ؛ يذكر
تعالى أنه أوحى إلى النبياء من أسباط بني إسرائيل ،فذكرهم إجمال لنهم
كثيرون ،ولكن كل سبط من نسل رجل من إخوة يوسف ،ولم يقم دليل
على أعيان هؤلء أنهم أوحي إليهم ،والله أعلم.
َ َ } اقْتُلوا يوس َ َ
م { يقولون :هذا الذي ه أِبيك ُ ْ ج ُ م وَ ْ ل ل َك ُ ْ خ ُضا ي َ ْ حوهُ أْر ً ف أوِ اط َْر ُ ُ ُ ُ
يزاحمكم في محبة أبيكم لكم ،أعدموه من وجه أبيكم ،ليخلو لكم وحدكم ،
إما بأن تقتلوه ،أو تلقوه في أرض من الراضي -تستريحوا منه ،وتختلوا
أنتم بأبيكم ،وتكونوا من ) (1بعد إعدامه قوما صالحين .فأضمروا التوبة قبل
الذنب.
م { قال قتادة ،ومحمد بن إسحاق :كان أكبرهم واسمه ه ن م ٌ
ل ِ ِ ُْ ْ
ل ئ قاَ } َقا َ
روبيل .وقال السدي :الذي قال ذلك يهوذا .وقال مجاهد :هو شمعون } ل
صلوا ) (2في عداوته وبغضه إلى قتله ،ولم يكن ف { أي :ل ت َ ِ س َ قت ُُلوا ُيو ُ تَ ْ
ل إلى قتله ؛ لن الله تعالى كان يريد منه أمًرا ل بد ّ من إمضائه لهم ) (3سبي ٌ
وإتمامه ،من اليحاء إليه بالنبوة ،ومن التمكين له ببلد مصر والحكم بها ،
فصرفهم الله عنه بمقالة روبيل فيه وإشارته عليهم بأن يلقوه في غيابة
الجب ،وهو أسفله.
قال قتادة :وهي بئر بيت المقدس.
سّياَرةِ { أي :المارة من المسافرين ،فتستريحوا بهذا ،ول ض ال ّه ب َعْ ُ قط ْ ُ } ي َل ْت َ ِ
حاجة إلى قتله.
ن { أي :إن كنتم عازمين على ما تقولون. م َفا ِ
عِلي َ ن ك ُن ْت ُ ْ } إِ ْ
قال محمد بن إسحاق بن يسار :لقد اجتمعوا على أمر عظيم ،من قطيعة
الرحم ،وعقوق
__________
) (1في أ " :وتكونوا من بعده ،أي من بعد".
) (2في أ " :ل تغلوا".
) (3في ت " :له".
) (4/372
ضَرع الذي ل ذنب له ،وبالكبير الفاني ذي الوالد ،وقلة الرأفة بالصغير ال ّ
الحق والحرمة والفضل ،وخطره عند الله ،مع حق الوالد على ولده ،
ليفرقوا بينه وبين ابنه ) (1وحبيبه ،على كبر سنه ،ورِّقة عظمه ،مع مكانه
من الله فيمن أحبه طفل صغيرا ،وبين أبيه على ضعف قوته وصغر سنه ،
وحاجته إلى لطف والده وسكونه إليه ،يغفر الله لهم وهو أرحم الراحمين ،
فقد احتملوا أمرا عظيما.
رواه ابن أبي حاتم من طريق سلمة بن الفضل ،عنه.
ْ َ ْ َ
معََناه َ سل ُن ) (11أْر ِ حو َ ه ل ََنا ِ
ص ُ ف وَإ ِّنا ل َ ُ مّنا عََلى ُيو ُ
س َ ك ل ت َأ َ ما ل َ َ} َقاُلوا َيا أَباَنا َ
ن ){ (12 ظو َ حافِ ُ ه لَ َب وَإ ِّنا ل َ ُ دا ي َْرت َعْ وَي َل ْعَ ْ
غَ ً
لما تواطئوا على أخذه وط َْرحه في البئر ،كما أشار عليهم أخوهم الكبير
مّنا ْ ما ل َ َ َ
ك ل ت َأ َ ُروبيل ،جاءوا أباهم يعقوب ،عليه السلم ،فقالوا َ } :يا أَباَنا َ
ن { وهذه توطئة وسلف ودعوى ،وهم يريدون حو َ ص ُ ه ل ََنا ِف وَإ ِّنا ل َ ُ
س َ عََلى ُيو ُ
َ
معََنا { أي ه َ سل ْ ُ خلف ذلك ؛ لما له في قلوبهم من الحسد لحب أبيه له } ،أْر ِ
ب{ ْ
ب { وقرأ بعضهم بالياء } ي َْرت َعْ وَي َلعَ ْ دا ن َْرت َعْ وَن َل ْعَ ْ :ابعثه معنا } ،غَ ً
دي ، ّ
قال ابن عباس :يسعى وينشط .وكذا قال قتادة ،والضحاك والس ّ
وغيرهم.
ن { يقولون :ونحن نحفظه ونحوطه من أجلك. حافِظو َُ َ
هل َ } وَإ ِّنا ل َ ُ
َ ْ َ َ َ
غافُِلو َ
ن) ه َ م عَن ْ ُ ب وَأن ْت ُ ْ ه الذ ّئ ْ ُن ي َأك ُل َ ُ فأ ْ خا ُ ن ت َذ ْهَُبوا ب ِهِ وَأ َ حُزن ُِني أ ْ ل إ ِّني ل َي َ ْ } َقا َ
ة إ ِّنا إ ًِذا ل َ َ َ
ن ){ (14 سُرو َ خا ِ صب َ ٌ ن عُ ْ ح ُ ب وَن َ ْ ه الذ ّئ ْ ُ ن أك َل َ ُ َ (13قاُلوا ل َئ ِ ْ
يقول تعالى مخبرا عن نبيه ) (2يعقوب أنه قال لبنيه في جواب ما سألوا من
َ
ن ت َذ ْهَُبوا حُزن ُِني أ ْ إرسال يوسف معهم إلى الرعي في الصحراء } :إ ِّني ل َي َ ْ
فْرط ه مدة ذهابكم به إلى أن يرجع ،وذلك ل َ ب ِهِ { أي :يشق علي مفارقت ُ ُ
محبته له ،لما يتوسم فيه من الخير العظيم ،وشمائل النبوة والكمال في
خُلق والخلق ،صلوات الله وسلمه عليه. ال ُ
ُ ه َ َ َ ُ ْ َ َ
ن { يقول :وأخشى أن غافِلو َ م عَن ْ ُب وَأن ْت ُ ْ ه الذ ّئ ْ ُ ن ي َأكل ُ فأ ْ خا ُ وقوله } :وَأ َ
عيتكم ) (3فيأتيه ذئب فيأكله وأنتم ل تشعرون ، تشتغلوا عنه برميكم وَر ْ
فأخذوا من فمه هذه الكلمة ،وجعلوها عذرهم فيما فعلوه ،وقالوا مجيبين
ة إ ِّنا إ ًِذا ل َ َ عنها في الساعة الراهنة } :ل َئ ِ َ
ن{سُرو َ خا ِ صب َ ٌن عُ ْ ح ُ ب وَن َ ْ ه الذ ّئ ْ ُ ن أك َل َ ُْ
يقولون :لئن عدا عليه الذئب فأكله من بيننا ،ونحن جماعة ،إنا إًذا لهالكون
عاجزون.
__________
) (1في ت " :أبيه".
) (2في ت ،أ " :عن نبي الله".
) (3في ت " :ورعيكم".
) (4/373
) (4/373
َ َ
ف
س َ ن )َ (16قاُلوا َيا أَباَنا إ ِّنا ذ َهَب َْنا ن َ ْ
ست َب ِقُ وَت ََرك َْنا ُيو ُ شاًء ي َب ْ ُ
كو َ ع َ م ِ جاُءوا أَباهُ ْ وَ َ
ُ َ َ َ َ َ َ
جاُءوان ) (17وَ َ صادِِقي َ ن لَنا وَلوْ كّنا َ مؤ ْ ِ
م ٍ ت بِ ُما أن ْ َب وَ َ ه الذ ّئ ْ ُعَنا فَأكل ُ مَتا ِ عن ْد َ َِ
هّ َ ُ َ ُ َ َ َ َ
مي ٌ
ل َوالل ُ ج ِصب ٌْر َمًرا فَ َ مأ ْ سك ْ ف ُ م أن ْ ُ
ت لك ْ سوّل ْ ل َ ل بَ ْب َقا َ صهِ ب ِد َم ٍ كذِ ٍ مي ِ عَلى قَ ِ
ن )(18 فو َ ص ُ ما ت َ ِ
ن عَلى َ َ ست ََعا ُ م ْ ال ْ ُ
يقول تعالى :فلما ذهب ) (1به إخوته من عند أبيه بعد مراجعتهم له في ذلك
َ َ
ب { هذا فيه تعظيم لما فعلوه أنهم ج ّ جعَُلوه ُ ِفي غََياب َةِ ال ْ ُ
ن يَ ْ
مُعوا أ ْ
ج َ
} ،وَأ ْ
اتفقوا كلهم على إلقائه في أسفل ذلك الجب ،وقد أخذوه من عند أبيه فيما
حا لصدره ،وإدخال للسرور عليه ،فيقال ُيظهرونه له إكراما له ،وبسطا وشر ً
:إن يعقوب ) (2عليه السلم ،لما بعثه معهم ضمه إليه ،وقَّبله ودعا له.
وقال ) (3السدي وغيره :إنه لم يكن بين إكرامهم له وبين إظهار الذى له ،
إل أن غابوا عن عين أبيه وتواروا عنه ،ثم شرعوا يؤذونه بالقول ،من شتم
ضْرب ونحوه ،ثم جاءوا به إلى ذلك الجب الذي اتفقوا ونحوه ،والفعل من َ
على رميه فيه فربطوه بحبل ودلوه فيه ،فجعل إذا لجأ إلى واحد منهم لطمه
شتمه ،وإذا تشبث بحافات البئر ضربوا على يديه ،ثم قطعوا به الحبل من و َ
نصف المسافة ،فسقط في الماء فغمره ،فصعد إلى صخرة تكون في
وسطه ،يقال لها " :الراغوفة" ) (4فقام فوقها.
َ َ
ن { يقول شعُُرو َ م ل يَ ْ ذا وَهُ ْ م هَ َ مرِهِ ْ م ب ِأ ْ حي َْنا إ ِل َي ْهِ ل َت ُن َب ّئ َن ّهُ ْ
قال الله تعال } :وَأوْ َ
تعالى ذاكًرا لطفه ورحمته وعائدته ) (5وإنزاله اليسر في حال العسر :إنه
أوحى إلى يوسف في ذلك الحال الضيق ،تطييًبا لقلبه ،وتثبيًتا له :إنك ل
جا حسًنا ،وسينصرك جا ومخر ً تحزن مما ) (6أنت فيه ،فإن لك من ذلك فر ً
الله عليهم ،ويعليك ويرفع درجتك ،وستخبرهم ) (7بما فعلوا معك من هذا
الصنيع.
مل ن { -قال ]مجاهد و[ ) (8قتادة } :وَهُ ْ شعُُرو َ م ل يَ ْ وقوله } :وَهُ ْ
ن { بإيحاء الله إليه. شعُُرو َ يَ ْ
وقال ابن عباس :ستنبئهم بصنيعهم هذا في حقك ،وهم ل يعرفونك ،ول
يستشعرون بك ،كما قال ابن جرير :
عبادة السدي ،عن حدثني الحارث ،حدثنا عبد العزيز ،حدثنا صدقة بن ُ
أبيه ،سمعت ابن عباس يقول :لما دخل إخوة يوسف على يوسف فعرفهم
صواع ،فوضعه على يده ،ثم نقره فطن ، وهم له منكرون ،قال :جيء بال ّ
فقال :إنه ليخبرني هذا الجام :أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له "يوسف" ،
يدنيه دونكم ،وأنكم انطلقتم به فألقيتموه في غيابة الجب -قال :ثم نقره
كذب - ن -فأتيتم أباكم فقلتم :إن الذئب أكله ،وجئتم على قميصه بدم َ فط ّ
قال :فقال بعضهم لبعض :إن هذا الجام ليخبره بخبركم .قال ابن عباس ،
َ
ممرِهِ ْم ب ِأ ْ رضي الله عنهما :ل نرى ) (9هذه الية نزلت إل فيهم } :ل َت ُن َب ّئ َن ّهُ ْ
ن { ).(10 شعُُرو َ م ل يَ ْ ذا وَهُ ْ هَ َ
ْ َ ُ ُ َ
فس َ ست َب ِقُ وَت ََركَنا ُيو ُ ن )َ (16قالوا َيا أَباَنا إ ِّنا ذ َهَب َْنا ن َ ْ شاًء ي َب ْكو َ ع َم ِ جاُءوا أَباهُ ْ } وَ َ
ُ َ َ َ َ َ َ
جاُءوا ن ) (17وَ َ صادِِقي َ ن لَنا وَلوْ كّنا َ م ٍ مؤ ْ ِ ت بِ ُ ما أن ْ َ ب وَ َ ه الذ ّئ ْ ُ عَنا فَأكل ُ مَتا ِ عن ْد َ َ ِ
هّ َ ُ َ ُ َ َ َ َ
ل َوالل ُ مي ٌ ج ِ صب ٌْر َ مًرا فَ َ مأ ْ سك ْ ف ُ م أن ْ ُ ت لك ْ سوّل ْ ل َ ل بَ ْ ب َقا َ صهِ ب ِد َم ٍ كذِ ٍ مي ِ عَلى قَ ِ
ن ){ (18 فو َ ص ُ ما ت َ ِ ن عَلى َ َ ست ََعا ُ م ْال ْ ُ
__________
) (1في ت ،أ " :ذهب".
) (2في ت ،أ " :يوسف".
) (3في ت " :فذكر".
) (4في أ " :الراغوف".
) (5في ت " :وعائد به".
) (6في ت ،أ " :فيما".
) (7في ت ،أ " :وسيجزيهم".
) (8زيادة من ت.
) (9في ت " :فل يرى" ،وفي أ " :فل نرى".
) (10تفسير الطبري ).(15/576
) (4/374
يقول تعالى مخبرا عن الذي اعتمده إخوة يوسف بعدما ألقوه في غيابة الجب
:أنهم ) (1رجعوا إلى أبيهم في ظلمة الليل يبكون ،ويظهرون السف
والجزع على يوسف ويتغممون لبيهم ،وقالوا معتذرين عما وقع فيما
عَنا { أي مَتا ِ
عن ْد َ َف ِ
س َ ست َب ِقُ { أي :نترامى } ،وَت ََرك َْنا ُيو ُ زعموا } :إ ِّنا ذ َهَب َْنا ن َ ْ
ْ َ َ َ
ب { وهو الذي كان ]قد[ ) (2جزع منه ،وحذر ه الذئ ُ ّ :ثيابنا وأمتعتنا } ،فَأكل ُ
عليه.
ن { تّلط ٌ َ
ف عظيم في تقرير ما صادِِقي َن ل ََنا وَل َوْ ك ُّنا َ م ٍ مؤ ْ ِ ت بِ ُ ما أن ْ َ وقولهم } :وَ َ
يحاولونه ،يقولون :ونحن نعلم أنك ل تصدقنا -والحالة هذه -لو كنا عندك
صادقين ،فكيف وأنت تتهمنا في ذلك ،لنك خشيت أن يأكله الذئب ،فأكله
الذئب ،فأنت معذور في تكذيبك لنا ؛ لغرابة ما وقع ،وعجيب ما اتفق لنا في
أمرنا هذا.
ب { أي :مكذوب مفترى .وهذا من الفعال َ
صهِ ب ِد َم ٍ كذِ ٍ مي ِ َ
جاُءوا عَلى قَ ِ } وَ َ
خلة - س ْ التي يؤكدون بها ما تمالئوا عليه من المكيدة ،وهو أنهم عمدوا إلى َ
فيما ذكره مجاهد ،والسدي ،وغير واحد -فذبحوها ،ولطخوا ثوب يوسف
بدمها ،موهمين أن هذا قميصه الذي أكله فيه الذئب ،وقد أصابه من دمه ،
ولكنهم نسوا أن يخرقوه ،فلهذا لم ي َُرج هذا الصنيع على نبي الله يعقوب ،
ضا عن كلمهم إلى ما وقع في نفسه من تمالئهم عليه : بل قال لهم معر ً
َ َ
ميل { أي :فسأصبر صبًرا جميل ٌ ج ِ
صب ٌْر َ َ
مًرا ف َ مأ ْ ُ
سك ْ ف ُ م أن ْ ُ ت ل َك ُ ْ سوّل َ ْ ل َ } بَ ْ
على هذا المر الذي قد اتفقتم عليه ،حتى يفرجه الله بعونه ولطفه َ } ،والل ّ ُ
ه
ن { أي :على ما تذكرون من الكذب والمحال. فو َ ص ُ ما ت َ ِ ن عََلى َ ست ََعا ُ م ْ ال ْ ُ
جاُءوا جَبير ،عن ابن عباس } :وَ َ ماك ،عن سعيد بن ُ س َ وقال الثوري ،عن ِ
ب { قال :لو أكله السبع لخرق القميص .وكذا قال صهِ ب ِد َم ٍ ك َذِ ٍ مي ِ عََلى قَ ِ
الشعبي ،والحسن ،وقتادة ،وغير واحد.
وقال مجاهد :الصبر الجميل :الذي ل جزع فيه.
جَبلة قال :سئل شْيم ،عن عبد الرحمن بن يحيى ،عن حّبان بن أبي َ وروى هُ َ
ل { فقال " :صبر مي ٌ ج ِ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله } :فَ َ
صب ٌْر َ
ل شكوى ) (3فيه" وهذا مرسل ).(4
وقال عبد الرزاق :قال الثوري عن بعض أصحابه أنه قال :ثلث من الصبر :
أل تحدث بوجعك ،ول بمصيبتك ،ول تزكي نفسك ).(5
وذكر البخاري هاهنا حديث عائشة ،رضي الله عنها ،في الفك حتى ذكر
ل َوالل ّ ُ
ه مي ٌ ج ِصب ٌْر َقولها :والله ل أجد لي ولكم مثل إل أبا يوسف ) } ، (6فَ َ
ن { ).(7 فو َ ص ُ ما ت َ ِ ن عََلى َ ست ََعا ُ م ْ ال ْ ُ
__________
) (1في ت ،أ " :ثم".
) (2زيادة من أ.
) (3في ت " :ل قوى".
) (4تفسير الطبري ).(15/585
) (5تفسير عبد الرزاق ).(1/277
) (6في ت " :إل يعقوب" وفي أ " :إل أبا يوسف إذ قال".
) (7صحيح البخاري برقم ).(4690
) (4/375
سّروهُ
َ
م وَأ َ ذا غَُل ٌ شَرى هَ َ ل َيا ب ُ ْ م فَأ َد َْلى د َل ْوَه ُ َقا َ سُلوا َوارِد َهُ ْ
َ
سّياَرة ٌ فَأْر َ ت َ جاَء ْ وَ َ
ة
دود َ ٍ معْ ُم َ س د ََراهِ َ َ ن ) (19وَ َ ُ ّ
خ ٍ ن بَ ْ م ٍ شَروْهُ ب ِث َ ملو َ ما ي َعْ َ م بِ َ ه عَِلي ٌ ة َوالل ُ ضاعَ ً بِ َ
ن )(20 دي َ ن الّزاهِ ِ م َ كاُنوا ِفيهِ ِ وَ َ
م
غل ٌ ذا ُشَرى هَ َ ل َيا ب ُ ْ م فَأ َد َْلى د َل ْوَه ُ َقا َ سُلوا َوارِد َهُ ْ
َ
سّياَرة ٌ فَأْر َ ت َ جاَء ْ } وَ َ
ُ ّ َ
مس د ََراهِ َ خ ٍ ن بَ ْ
م ٍشَروْهُ ب ِث َ َ ن ) (19وَ َ ملو َ ما ي َعْ َ م بِ َ ه عَِلي ٌ ة َوالل ُ ضاعَ ً سّروه ُ ب ِ َ وَأ َ
ن ){ (20 دي َ ن الّزاهِ ِ م َ كاُنوا ِفيهِ ِ دود َةٍ وَ َ معْ ُ َ
يقول تعالى مخبًرا عما جرى ليوسف ،عليه السلم ،حين ألقاه إخوته ،
دا ،فمكث في البئر ثلثة أيام ،فيما قاله وتركوه في ذلك الجب فريدا وحي ً
أبو بكر بن عياش )(1
وقال محمد بن إسحاق :لما ألقاه إخوته جلسوا حول البئر يومهم ذلك ،
سّيارة ،فنزلوا قريًبا من تلك ) ينظرون ما يصنع وما ُيصنع به ،فساق الله له َ
(2البئر ،وأرسلوا واردهم -وهو الذي يتطلب لهم الماء -فلما جاء تلك )(3
البئر ،وأدلى دلوه فيها ،تشبث يوسف ،عليه السلم ،فيها ،فأخرجه
م{ غل ٌ ذا ُ
شَرى هَ َ واستبشر به ،وقال َ } :يا ب ُ ْ
وقرأ بعض القراء " :يا بشرى" ،زعم السدي أنه اسم رجل ناداه ذلك الرجل
ما .وهذا القول من السدي غريب ؛ الذي أدلى دلوه ،معلما له أنه أصاب غل ً
لنه لم ُيسَبق إلى تفسير هذه القراءة بهذا إل في رواية عن ابن عباس ،
والله أعلم .وإنما معنى القراءة على هذا النحو يرجع إلى القراءة الخرى ،
ويكون قد أضاف البشرى إلى نفسه ،وحذف ياء الضافة وهو يريدها ،كما
س اصبري" ،و"يا غلم أقبل" ،بحذف حرف الضافة ، تقول العرب " :يا نف ُ
ويجوز الكسر حينئذ والرفع ،وهذا منه ،وتفسرها القراءة الخرى } َيا
شَرى" { والله أعلم. بُ ْ
ة { أي :وأسره الواردون من بقية السيارة وقالوا : ضاعَ ً َ
سّروهُ ب ِ َ وقوله } :وَأ َ
ضعناه من أصحاب الماء مخافة أن يشاركوهم فيه إذا علموا اشتريناه وتب ّ
خبره .قاله مجاهد ،والسدي ،وابن جرير .هذا قول.
ة { يعني :إخوة ضاعَ ً َ
سّروهُ ب ِ َ وقال العوفي ،عن ابن عباس قوله } :وَأ َ
يوسف ،أسروا شأنه ،وكتموا أن يكون أخاهم وكتم يوسف شأنه مخافة أن
يقتله إخوته ،واختار البيع .فذكره إخوته لوارد القوم ،فنادى أصحابه َ } :يا
م { يباع ،فباعه إخوته. غل ٌ ذا ُ شَرى هَ َ بُ ْ
ن { أي :يعلم ما يفعله إخوة يوسف ملو َ ُ ما ي َعْ َ م بِ َ ه عَِلي ٌ ّ
وقوله َ } :والل ُ
ومشتروه ،وهو قادر على تغيير ذلك ودفعه ،ولكن له حكمة وَقدَر سابق ،
فترك ذلك ليمضي ما قدره وقضاه ،أل له الخلق والمر ،تبارك الله رب
العالمين.
وفي هذا تعريض لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ) ، (4وإعلمه له بأنني
عالم بأذى قومك ،وأنا قادر على النكار عليهم ،ولكني سأملي لهم ،ثم
أجعل لك العاقبة والحكم عليهم ،كما جعلت ليوسف الحكم والعاقبة على
إخوته.
__________
) (1في ت " ،ابن عباس".
) (2في ت " :ذلك".
) (3في ت " :ذلك".
) (4في ت " :صلوات الله عليه" وفي أ " :صلوات الله عليه وسلمه".
) (4/376
فعََنا أ َوْ ن َت ّ ِ
خذ َهُ ن ي َن ْ َ َ
سى أ ْ واه ُ عَ َ مث ْ َ
مي َ
شتراه من مصر ِل َ َ
مَرأت ِهِ أك ْرِ ِ ذي ا ْ َ َ ُ ِ ْ ِ ْ َ ْ ل ال ّ ِ وََقا َ
ّ َ ْ ْ ّ َ ْ
ب
غال ِ ٌه َ ث َوالل ُ حاِدي ِ ل ال َ ن ت َأِوي ِ
م ْ ه ِ م ُ
ض وَل ِن ُعَل َِ ف ِفي الْر س َ ّ
مكّنا ل ُِيو ُ َ َ
دا وَكذ َل ِك َ وَل َ ً
َ َ َ
ما حك ْ ًشد ّه ُ آ َت َي َْناه ُ ُ ما ب َل َغَ أ ُن ) (21وَل َ ّ مو َ س َل ي َعْل َ ُ ن أك ْث ََر الّنا ِ مرِهِ وَل َك ِ ّ عََلى أ ْ
ن )(22 سِني َح ِ
م ْزي ال ْ ُ ج ِ
ك نَ ْ ما وَك َذ َل ِ َ عل ْ ًوَ ِ
دود َةٍ { يقول تعالى :وباعه إخوته معْ ُ م َس د ََراهِ َ خ ٍ ن بَ ْ م ٍ شَروْهُ ب ِث َ َ وقوله } :وَ َ
رمة. عك ْ ِ بثمن قليل ،قاله مجاهد و ِ
قا { سا َول َرهَ ً خ ً ف بَ ْ خا ُ والبخس :هو النقص ،كما ) (1قال تعالى َ } :فل ي َ َ
ن قليل ،وكانوا مع ذلك فيه من ]الجن [13 :أي :اعتاض عنه إخوته بثمن ُدو ٍ
الزاهدين ،أي :ليس لهم رغبة فيه ،بل لو سألوه ) (2بل شيء لجابوا.
شَروْهُ { قال ابن عباس ،ومجاهد ،والضحاك :إن الضمير في قوله } :وَ َ
عائد على إخوة يوسف.
وقال قتادة :بل هو عائد على السيارة.
ن { إنما أراد إخوته ،ل دي َ ن الّزاهِ ِ م َ كاُنوا ِفيهِ ِ والول أقوى ؛ لن قوله } :وَ َ
أولئك السيارة ؛ لن السيارة استبشروا به وأسروه بضاعة ،ولو كانوا فيه
شَروْه ُ { إنما هو زاهدين لما اشتروه ،فيرجح من هذا أن الضمير في } وَ َ
لخوته.
س { الحرام .وقيل :الظلم .وهذا وإن كان كذلك خ ٍ وقيل :المراد بقوله } :ب َ ْ
،لكن ليس هو المراد هنا ؛ لن هذا معلوم يعرفه كل أحد أن ثمنه حرام على
كل حال ،وعلى كل أحد ،لنه نبي ابن نبي ،ابن نبي ،ابن خليل الرحمن ،
فهو الكريم ،ابن الكريم ،ابن الكريم ،ابن الكريم ،وإنما المراد هنا بالبخس
الناقص أو الزيوف أو كلهما ،أي :إنهم إخوته ،وقد باعوه ومع هذا بأنقص
دود َةٍ { فعن ابن مسعود باعوه بعشرين معْ ُ م َ الثمان ؛ ولهذا قال } :د ََراهِ َ
دي ،وقتادة ،وعطية س ّ وف الب َكالي ،وال ّ َ درهما ،وكذا قال ابن عباس ،ون َ ْ
وفي وزاد :اقتسموها درهمين درهمين. العَ ْ
وقال مجاهد :اثنان وعشرون درهما.
ما. رمة :أربعون دره ً عك ْ ِ وقال محمد بن إسحاق و ِ
ن { وذلك أنهم لم يعلموا دي َ ن الّزاهِ ِ م َ َ
وقال الضحاك في قوله } :وَكاُنوا ِفيهِ ِ
نبوته
ومنزلته عند الله عز وجل.
وقال مجاهد :لما باعوه جعلوا يتبعونهم ويقولون لهم :استوثقوا منه ل يأبق
حتى وقفوه بمصر ،فقال :من يبتاعني وليبشر ؟ فاشتراه الملك ،وكان
ما.
مسل ً
فعنا أوَ َ َ َ ّ
ن ي َن ْ َ َ َ ْ سى أ ْ واه ُ عَ َ مث ْ َ مي َ مَرأت ِهِ أك ْرِ ِ صَر ل ْ م ْ ن ِ م ْ شت ََراه ُ ِ ذي ا ْ ل ال ِ } وََقا َ
هّ ْ ّ ّ َ
دا وَكذ َل ِ َ َ
ث َوالل ُ حاِدي ِ ل ال َ ن ت َأِوي ِ م ْ ه ِ م ُض وَل ِن ُعَل َ ف ِفي الْر ِ س َ مكّنا ل ُِيو ُ ك َ خذ َه ُ وَل ً ن َت ّ ِ
ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ
ماحك ً ما ب َلغَ أ ُ
شد ّه ُ آت َي َْناه ُ ُ ن ) (21وَل ّ مو َ س ل ي َعْل ُ ن أكث ََر الّنا ِ مرِهِ وَلك ِ ّ ب عَلى أ ْ غال ِ ٌ
ن ){ (22 سِني َ ح ِ م ْ ْ
زي ال ُ ج ِ َ َ
ما وَكذ َل ِك ن َ ْ عل ًْ وَ ِ
__________
) (1في ت " :وكما".
) (2في أ " :لو سئلوا".
) (4/377
يخبر تعالى بألطافه بيوسف ،عليه السلم ،أنه قيض له الذي اشتراه من
مصر ،حتى اعتنى به وأكرمه ،وأوصى أهله به ،وتوسم فيه الخير والفلح ،
دا { وكان الذي خذ َه ُ وَل َ ً فعََنا أ َوْ ن َت ّ ِ ن ي َن ْ َ َ
سى أ ْ واه ُ عَ َ مث ْ َ
مي َ
َ
فقال لمرأته } :أك ْرِ ِ
اشتراه من مصر عزيزها ،وهو الوزير بها] .قال[ ) (1العوفي ،عن ابن
عباس :وكان اسمه قطفير.
وقال محمد بن إسحاق :اسمه إطفير ) (2بن روحيب ،وهو العزيز ،وكان
على خزائن مصر ،وكان الملك يومئذ الرّيان بن الوليد ،رجل من العماليق
قال :واسم امرأته راعيل بنت رعائيل.
وقال غيره :اسمها زليخا.
وقال محمد بن إسحاق أيضا ،عن محمد بن السائب ،عن أبي صالح ،عن
ابن عباس :كان الذي باعه بمصر مالك بن دعر بن ُبويب ) (3بن عنقا بن
مديان بن إبراهيم ،فالله أعلم.
وقال أبو إسحاق ،عن أبي عبيدة ،عن عبد الله بن مسعود أنه قال :أفرس
َ
واه ُ { والمرأة التي مث ْ َ
مي َ الناس ثلثة :عزيز مصر حين قال لمرأته } :أك ْرِ ِ
ت ْ ْ َ
جْر َ
ست َأ َنا ْ م ِ خي َْر َ ن َ جْرهُ إ ِ ّ ست َأ ِ تا ْ قالت لبيها ]عن موسى[ )َ } : (4يا أب َ ِ
ن { ]القصص [26 :وأبو بكر الصديق حين استخلف عمر بن مي ُ ال ْ َ
قوِيّ ال ِ
الخطاب ،رضي الله عنهما ).(5
ف ِفيس َ مكّنا ل ُِيو ُّ َ َ
يقول تعالى :وكما أنقذنا يوسف من إخوته } ،وَكذ َل ِك َ
ْ
ث { قال مجاهد حاِدي ِ ل ال َ ن ت َأِوي ِ م ْ ه ِ م ُ ض { يعني :بلد مصر } ،وَل ِن ُعَل ّ َ الْر ِ
مرِهِ { أي ) (6إذا أراد شيئا َ َ َ ّ
ب عَلى أ ْ ه غال ِ ٌ والسدي :هو تعبير الرؤيا َ } ،والل ُ
فل يرد ول يمانع ول يخالف ،بل هو الغالب لما سواه.
َ
مرِهِ { أي :فعال لما ب عََلى أ ْ غال ِ ٌ ه َ قال سعيد بن جبير في قوله َ } :والل ّ ُ
يشاء.
َ
ن { يقول :ل يدرون حكمته في خلقه ، مو َ س ل ي َعْل َ ُ ن أك ْث ََر الّنا ِ وقوله } :وَل َك ِ ّ
وتلطفه لما يريد ).(7
َ
ما ب َل َغَ { أي :يوسف عليه السلم } أ ُ
شد ّه ُ { أي :استكمل وقوله } :وَل َ ّ
ما { يعني :النبوة ،إنه حباه بها بين عل ْ ً ما وَ ِ حك ْ ًعقله ) (8وتم خلقه } .آت َي َْناه ُ ُ
ن { أي :إنه كان محسًنا في عمله ، سِني َ ح ِ م ْ ْ
زي ال ُ ج ِك نَ ْ أولئك القوام } ،وَك َذ َل ِ َ
عامل بطاعة ربه تعالى.
وقد اخت ُِلف في مقدار المدة التي بلغ فيها أشده ،فقال ابن عباس ومجاهد
وقتادة :ثلث وثلثون .وعن ابن عباس :بضع وثلثون .وقال الضحاك :
عشرون .وقال الحسن :أربعون سنة .وقال عكرمة :خمس وعشرون سنة.
وقال السدي :ثلثون سنة .وقال سعيد بن جبير :ثمانية عشرة سنة .وقال
المام مالك ،وربيعة ،وزيد بن أسلم ،والشعبي :الشد الحلم .وقيل غير
ذلك ،
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2في ت " :إظفير".
) (3في ت " :نويب".
) (4زيادة من أ.
) (5رواه الطبري في تفسيره ).(16/19
) (6في أ " :فهو".
) (7في ت ،أ " :يريده".
) (8في أ " :خلقه".
) (4/378
والله ) (1أعلم.
__________
) (1في ت " :فالله".
) (4/379
ت لَ َ َ
ك َقا َ
ل ب وََقال َ ْ
ت هَي ْ َ وا َت اْلب ْ َ
ق ِسهِ وَغَل ّ َ ف ِ ه ال ِّتي هُوَ ِفي ب َي ْت َِها عَ ْ
ن نَ ْ وََراوَد َت ْ ُ
ّ َ َ ّ
ن )(23 مو َح الظال ِ ُ فل ِ ُه ل يُ ْوايَ إ ِن ّ ُ مث ْ َ
ن َ
س َ ح َ مَعاذ َ اللهِ إ ِن ّ ُ
ه َرّبي أ ْ َ
لك َقا َ ت لَ َ ت هَي ْ َ ب وََقال َ ْ وا َ ت الب ْ َ ق ِسهِ وَغَل ّ َ ف ِ ن نَ ْ ه ال ِّتي هُوَ ِفي ب َي ْت َِها عَ ْ } وََراوَد َت ْ ُ
ّ َ
ن ){ (23 مو َ ح الظال ِ ُ فل ِ ُ
ه ل يُ ْ وايَ إ ِن ّ ُ مث ْ َ
ن َ س َ ح َ ه َرّبي أ ْ مَعاذ َ الل ّهِ إ ِن ّ ُ َ
يخبر تعالى عن امرأة العزيز التي كان يوسف في بيتها بمصر ،وقد أوصاها
سهِ { أي :حاولته ف ِ ن نَ ْ ه ال ِّتي هُوَ ِفي ب َي ْت َِها[ عَ ْ زوجها به وبإكرامه ] } وََراوَد َت ْ ُ
دا لجماله وحسنه على ) (1نفسه (2) ،ودعته إليها ،وذلك أنها أحبته حًبا شدي ً
وبهائه ،فحملها ذلك على أن تجملت له ،وغلقت عليه البواب ،ودعته إلى
مَعاذ َل َ ك { فامتنع من ذلك أشد المتناع ،و } َقا َ ت لَ َ ت هَي ْ َ نفسها } ،وََقال َ ْ
َ
ي[ { ) (3وكانوا يطلقون "الرب" ) (4على السيد وا َ مث ْ َن َ س َ ح َ ه َرّبي ]أ ْ الل ّهِ إ ِن ّ ُ
والكبير ،أي :إن بعلك ربي أحسن ) (5مثواي أي :منزلي وأحسن إلي ،فل
ن { قال ذلك مجاهد ، مو َ ح ال ّ
ظال ِ ُ فل ِ ُه ل يُ ْ أقابله بالفاحشة في أهله } ،إ ِن ّ ُ
والسدي ،ومحمد بن إسحاق ،وغيرهم.
ك { فقرأه كثيرون بفتح الهاء ، ت لَ َ وقد اختلف القراء في قراءة } :هَي ْ َ
وإسكان الياء ،وفتح التاء .وقال ابن عباس ،ومجاهد ،وغير واحد :معناه :
أنها تدعوه إلى نفسها .وقال علي بن أبي طلحة ،والعوفي ،عن ابن عباس :
رمة ،والحسن عك ْ ِ ك { تقول :هلم لك .وكذا قال زِّر بن حبيش ،و ِ ت لَ َ } هَي ْ َ
وقتادة.
قال عمرو بن عب َُيد ،عن الحسن :وهي كلمة بالسريانية ،أي :عليك.
ك { أي :هلم لك ،وهي بالقبطية. ت لَ َ وقال السدي } :هَي ْ َ
قال مجاهد :هي لغة عربية ) (6تدعوه بها.
حوَْرانية. ك { هَلم لك بال َ ُ ت لَ َ وقال البخاري :وقال عكرمة } :هَي ْ َ
قا ،وقد أسنده المام أبو جعفر بن جرير :حدثني أحمد بن وهكذا ذكره معل ً
جَزري ) سهَْيل الواسطي ،حدثنا قّرة بن قيسى ،حدثنا النضر بن عربي ال َ ُ ُ
ت لك { قال :هلم لك. َ َ ، (7عن عكرمة مولى ابن عباس في قوله } :هَي ْ َ
قال :هي بالحورانية.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلم :وكان الكسائي يحكي ) (8هذه القراءة -
وران ،وقعت إلى أهل ح ْ ك { -ويقول :هي لغة ،لهل َ ت لَ َ يعني } :هَي ْ َ
ما من أهل حوران ، خا عال ً الحجاز ،معناها :تعال .وقال أبو عبيد :سألت شي ً
فذكر أنها لغتهم يعرفها.
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2في ت ،أ " :عن".
) (3زيادة من أ.
) (4في ت ،أ " :ذلك".
) (5في ت ،أ " :أكرم".
) (6في ت " :غريبة".
) (7في ت +" :غربي +الحوري".
) (8في ت ،أ " :يحب".
) (4/379
واستشهد المام ابن جرير على هذه القراءة بقول ) (1الشاعر لعلي بن أبى
طالب ،رضي الله عنه :
َ َ َ َ َ
ق إَذا أَتيَنا... منين ...أخا الِعرا ِ مَير المؤ ِ أب ْْلغ أ ِ
َ
ت هَْيتا... ك فََهي َ ه ...عُن ُقٌ إلي َ ن الِعراقَ وَأهْل َ ُ إ ّ
يقول :فتعال واقترب )(2
ت لك" بكسر الهاء والهمزة ،وضم التاء ،بمعنى : هئ ُ وقرأ ذلك آخرون ِ " :
ى هي َْئة وممن روي عنه هذه تهيأت لك ،من قول القائل :هئت للمر أه ِ
القراءة ابن عباس ،وأبو عبد الرحمن السلمي ،وأبو وائل ،وعكرمة ،
وقتادة ،وكلهم يفسرها بمعنى :تهيأت لك.
قال ابن جرير :وكان أبو عمرو والكسائي ينكران هذه القراءة .وقرأ عبد الله
بن إسحاق ) (3هيت" " ،بفتح الهاء وكسر التاء :وهي غريبة.
ت" بفتح الهاء ،وضم التاء ،وأنشد وقرأ آخرون ،منهم عامة أهل المدينة "هَي ْ ُ
) (4قول الشاعر (5) :
ت...
هي ُ
شيرِةَ َ :ن العَ ِ ل َداٍع م َ ماَ ...قا َ دين إ َِذا َ مي بالب ْعَ ِ س َقو ِ َلي َ
قال عبد الرزاق :أنبأنا الثوري ،عن العمش ،عن أبي وائل قال :قال ابن
قَرأة فسمعتهم متقاربين ،فاقرءوا كما عُّلمتم ،وإياكم مسعود :قد سمعت ال َ
والتنطع والختلف ،فإنما هو كقول أحدكم " :هلم" و"تعال" ثم قرأ عبد
تك { فقال :يا أبا عبد الرحمن ،إن ناسا يقرءونها " :هَي ْ ُ ت لَ َ الله } :هَي ْ َ
ب إلي )(7 ّ أح ، لمت ّ ُ ع كما أقرأها إني : الله عبد فقال ]َلك[" ) (6؟
كيع ،حدثنا ابن عُي َْينة ،عن منصور ،عن أبي وقال ابن جرير :حدثني ابن وَ ِ
ك { فقال له مسروق :إن ناسا يقرءونها ت لَ َوائل قال :قال عبد الله } :هَي ْ َ
ت ،أحب إلي )(8 ت َلك" ؟ فقال :دعوني ،فإني أقرأ كما أقْ ِ
رئ ُ " :هَي ْ ُ
ضا :حدثني المثنى ،حدثنا آدم بن أبي إياس ،حدثنا شعبة ،عن وقال أي ً
ك { بنصب الهاء والتاء ول بهمز. َ
تل َ شقيق ،عن ابن مسعود قال } :هَي ْ َ
__________
) (1في ت " :قول".
) (2تفسير الطبري ).(16/25
) (3في ت " :عبد الله بن أبي إسحاق".
) (4في ت ،أ " :وأنشدوا".
) (5هو طرفة بن العبد ،والبيت في تفسير الطبري ).(16/30
) (6زيادة من أ.
) (7تفسير عبد الرزاق ).(1/279
) (8تفسير الطبري ).(16/31
) (4/380
سوَء
ه ال ّ
ف عَن ْ ُ
صرِ َ ن َرب ّهِ ك َذ َل ِ َ
ك ل ِن َ ْ ن َرَأى ب ُْر َ
ها َ
َ
م ب َِها ل َوَْل أ ْ ت ب ِهِ وَهَ ّ م ْقد ْ ه َ ّوَل َ َ
ن )(24 خل َ ِ
صي َ م ْ عَبادَِنا ال ْ ُ
ن ِ م ْه ِشاَء إ ِن ّ ُ ح َف َْوال ْ َ
ت َلك" ،بكسر الهاء ،وإسكان الياء ،وضم التاء. وقال ) (1آخرون " :هِي ْ ُ
قال أبو عَُبيدة معمر بن المثنى " :هيت" ل تثنى ول تجمع ول تؤنث ،بل
ت لكما ، ت لك ،وهي َ ت َلك ،وهي َ يخاطب الجميع بلفظ واحد ،فيقال :هي َ
ت لهن )(2 ت لكم ،وهي َ وهي َ
َ َ
سوءَه ال ّ ف عَن ْ ُصرِ َ ك ل ِن َ ْن َرب ّهِ ك َذ َل ِ َ
ها َ
ن َرأى ب ُْر َ ول أ ْ م ب َِها ل َ ْ
ت ب ِهِ وَهَ ّ م ْ قد ْ ه َ ّ} وَل َ َ
ن ){ (24 صي َ خل َ ِ عَبادَِنا ال ْ ُ
م ْ ن ِ م ْ
ه ِ شاَء إ ِن ّ ُ ح َ ف ْ َوال ْ َ
اختلفت أقوال الناس وعباراتهم في هذا المقام ،وقد روي عن ابن عباس ،
ومجاهد ،وسعيد بن جبير ،وطائفة من السلف في ذلك ما ذكره ابن جرير
وغيره ،والله أعلم.
خطرات حديث ) (3النفس .حكاه البغوي َ م َ وقال بعضهم :المراد بهمه بها هَ ّ
عن بعض أهل التحقيق ،ثم أورد ) (4البغوي هاهنا حديث عبد الرزاق ،عن
مر ،عن همام ،عن أبي هريرة ،رضي الله عنه ،قال :قال رسول الله معْ ََ
م عبدي بحسنة فاكتبوها له صلى الله عليه وسلم " :يقول الله تعالى :إذا هَ ّ
حسنة ،فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها ،وإن هم بسيئة فلم يعملها
جّرائي ،فإن عملها فاكتبوها بمثلها" ).(5 فاكتبوها حسنة ،فإنما تركها من َ
وهذا الحديث مخرج في الصحيحين ) (6وله ألفاظ كثيرة ،هذا منها.
ن َرَأى َ
ول أ ْ م ب َِها ل َ ْوقيل :هم بضربها .وقيل :تمناها زوجة .وقيل } :وَهَ ّ
ن َرب ّهِ { أي :فلم يهم بها. ها َ ب ُْر َ
وفي هذا القول نظر من حيث العربية ،ذكره ابن جرير وغيره ).(7
وأما البرهان الذي رآه ففيه أقوال أيضا :فعن ابن عباس ،ومجاهد ،وسعيد
بن جبير ،ومحمد بن سيرين ،والحسن ،وقتادة ،وأبي صالح ،والضحاك ،
ومحمد بن إسحاق ،وغيرهم :رأى صورة أبيه يعقوب ،عليه السلم ،عاضا
على أصبعه بفمه ).(8
وقيل عنه في رواية :فضرب في صدر يوسف.
وقال العوفي ،عن ابن عباس :رأى خيال ) (9الملك ،يعني :سيده ،وكذا
قال محمد بن إسحاق ،
__________
) (1في ت " :وقرأ".
) (2في أ " :لهم".
) (3في ت ،أ " :وحديث".
) (4في أ " :وأورد".
) (5معالم التنزيل ).(4/231
) (6صحيح البخاري برقم ) (7501وصحيح مسلم برقم ).(205
) (7تفسير الطبري ) (39 ، 16/38وما ذكره الحافظ هنا في معنى الهم غير
مسلم به ،والراجح هو ما اختاره أبو حيان في تفسيره ونقله عنه العلمة
الشنقيطي في "أضواء البيان" ) (3/60وقال " :والجواب الثاني -وهو الذي
اختاره أبو حيان -أن يوسف لم يقع منه هم أصل ،بل هو +منفى عنه لوجود
البرهان "...وانظر بقية كلمه هناك.
) (8في ت ،أ " :يعظه".
) (9في ت ،أ " :تمثال".
) (4/381
جَزاءُ ما َ ت َ ب َقال َ ْ دى ال َْبا ِ ها ل َ َ سي ّد َ َ فَيا َ ن د ُب ُرٍ وَأ َل ْ َ م ْ ه ِ ص ُ مي َ ت قَ ِ ب وَقَد ّ ْ قا ال َْبا َ ست َب َ َ َوا ْ
ن م )َ (25قا َ َ ن أوْ عَ َ َ َ ّ َ
ن أَراد َ ب ِأهْل ِ َ َ
ي َراوَد َت ِْني عَ ْ ل هِ َ ب أِلي ٌ ذا ٌ ج َ س َ ن يُ ْ سوًءا إ ِل أ ْ ك ُ م ْ َ
ن م و ه و ت َ ق د ص َ ف ل بُ ق ن م دُ ق ه ص مي َ ق ن َ
كا ن إ ها ل ه َ أ ن م د ه َ
شا د هش َ و سي ْ ف
َ ِ ُ
ْ َ َ َ َ ٍ ُ ْ ِ ّ ُ ُ ِ َ ْ َ ِ ِ ْ ْ ِ ٌ ِ َ َ ِ ِ نَ
ن )(27 صادِِقي َ ن ال ّ م َ ت وَهُوَ ِ َ
ن د ُب ُرٍ فَكذ َب َ ْ م ْ ه قُد ّ ِ ص ُ مي ُ ن قَ ِ ن كا َ َ ن ) (26وَإ ِ ْ الكاذِِبي َ َ ْ
َ
م )(28 ظي ٌ ن عَ ِ ُ
ن كي ْد َك ّ َ ن إِ ّ ُ
ن كي ْدِك ّ َ م ْ ه ِ ل إ ِن ّ ُن د ُب ُرٍ َقا َ م ْ ه قُد ّ ِ ص ُ مي َ ما َرأى قَ ِ فَل َ ّ
ن ال ْ َ َ
ن )(29 خاط ِِئي َ م َ ت ِ ك ك ُن ْ ِ ك إ ِن ّ ِ ري ل ِذ َن ْب ِ ِ ف ِ ست َغْ ِ ذا َوا ْ ن هَ َ ض عَ ْ ف أعْرِ ْ س ُ ُيو ُ
فيما حكاه عن بعضهم :إنما هو خيال إطفير سيده ،حين دنا من الباب ).(1
وقال ابن جرير :حدثنا أبو ك َُرْيب ،حدثنا وكيع ،عن أبي مودود ) (2سمعت
قَرظي قال :رفع يوسف رأسه إلى سقف البيت ،فإذا من محمد بن كعب ال ُ
سِبيل { ساَء َ ة وَ َ ش ً ح َ ن َفا ِ ه كا َ َ قَرُبوا الّزَنا إ ِن ّ ُ كتاب في حائط البيت َ } :ول ت َ ْ
]السراء [32 :
شر المدني ،عن محمد بن كعب. معْ َ وكذا رواه أبو َ
وقال عبد الله بن وهب ،أخبرني نافع بن يزيد ،عن أبي صخر قال :سمعت
القرظي يقول في " :البرهان" الذي رأى يوسف :ثلث آيات من كتاب الله
ن ِفي كو ُ ما ت َ ُ ن { الية ]النفطار ، [10 :وقوله } :وَ َ ظي َ حافِ ِ م لَ َ ن عَل َي ْك ُ ْ } وَإ ِ ّ
ما ب س ْ ف ن ل ّ ُ ك لى َ ع م ئقا َ و ه ن م َ ف َ أ } : وقوله ، [ 61 : ]يونس : الية { ن َ ْ
ٍ ِ َ َ َ ْ ُ َ ِ ٌ َ شأ ٍ
ت { ]الرعد [33 :قال نافع :سمعت أبا هلل يقول مثل قول القرظي ، سب َ ْ كَ َ
قَرُبوا الّزَنا { ]السراء [32 : وزاد آية رابعة } َول ت َ ْ
وقال الوزاعي :رأى آية من كتاب الله في الجدار تنهاه ) (3عن ذلك.
قال ابن جرير :والصواب أن يقال :إنه رأى من آيات الله ما زجره عما كان
هم به ،وجائز أن يكون صورة يعقوب ،وجائز أن يكون ]صورة[ ) (4الملك ،
وجائز أن يكون ما رآه مكتوبا من الزجر عن ذلك .ول حجة قاطعة على تعيين
شيء من ذلك ،فالصواب أن يطلق كما قال الله تعالى.
شاَء { أي :كما أريناه برهانا ح َ ف ْ سوَء َوال ْ َ ه ال ّ ف عَن ْ ُ صرِ َ ك ل ِن َ ْ قال :وقوله } :ك َذ َل ِ َ
صرفه عما كان فيه ،كذلك نقيه السوء والفحشاء في جميع أموره.
ن { أي :من المجتبين المطهرين المختارين صي َ خل َ ِ م ْ عَبادَِنا ال ْ ُ ن ِ م ْ ه ِ } إ ِن ّ ُ
المصطفين الخيار ،صلوات الله وسلمه عليه.
ما
ت َ َ
ب قال ْ َ دى الَبا ِ ْ َ
ها ل َ سي ّد َ َ فَيا َ ن د ُب ُرٍ وَأ َل ْ َ م ْ ه ِ ص ُ مي َ ت قَ ِ ب وَقَد ّ ْ قا ال َْبا َ ست َب َ َ } َوا ْ
ي َراوَد َت ِْني ه َ
ل َ
قا ( 25 ) م لي َ أ ب ذاَ ع و َ أ ن ج س ي ن َ أ إل ءا
ً سو كَ َ َ
ِ َ ٌ ِ ٌ ْ ُ ْ َ َ ْ َ ِ ُ جَزاُء َ ْ َ َ ِ ْ ِ
ل ه أ ب د را أ ن م َ
و ه و ت َ ق د ص َ ف ل ب ُ ق ن م د ُ ق ه ص مي َ ق ن َ
كا ن إ ها ل ه َ أ ن م د ه شا َ د ه شَ و سي ْ ف ن ن َ ع
َ َ ْ َ ُ َ َ ِ ُ ُ ّ ِ ْ ُ ٍ ِ ٌ ِ ْ ْ َِ ِ ْ َ ِ َ ْ َ ِ
ن) قي
ّ ِ ِ َ د صا ال ن َ ْ َ ُ َ ِ َ م و ه و ت ب َ ذ َ ك َ ف ر ب د ن
َ ِ ُ ُ ّ ِ ْ ُُ ٍ م د ُ ق ه ص مي َ ق ن كاَ نَِ ْ إ و ( 26 ) ن
كا ِ ِ َ
بي ذ ن ال ْ َ م َ ِ
م )(28 ظي َ ع ن ُ ك د ي َ ك ن إ ن ُ ك د ي َ ك ن م ه ن إ َ
ل قا َ ر ب د ن م د ُ ق ه ص مي َ ق أى َ ر ما َ ل َ ف ( 27
ِ ٌ ِّ ُ ِ ْ ْ ِ ّ ِ ّ ْ َ ّ ِ َ ُ ّ ِ ْ ُُ ٍ ّ َ
ن ){ (29 ئي ط خا ْ لا ن م ت نُ ك ك ن إ ك ب ن َ ذ ل ري ف غ ت س وا ذا َ ه ن ع ض يوس ُ َ
َ ِ ِ َ َ ِ ِ ْ ِ ِ ِ ِ ّ ْ ِ ِ ِ ْ َ َ ْ َ ْ َ ف أعْ ِ ْر ُ ُ
__________
) (1قال شيخ السلم ابن تيمية -رحمه الله -في الفتاوى )" : (10/297وما
ينقل من أنه حل سراويله وجلس مجلس الرجل من المرأة وأنه رأى صورة
يعقوب عاضا على يده وأمثال ذلك ،فهو مما لم يخبر الله به ول رسوله ،
وما لم يكن كذلك ،فإنما هو مأخوذ عن اليهود الذين هم من أعظم الناس
كذبا على النبياء ،وقدحا فيهم ،وكل من نقله من المسلمين فعنهم نقله ،
لم ينقل من ذلك أحد عن نبينا صلى الله عليه وسلم حرفا واحدا" .وانظر :
السرائيليات في كتب التفسير لمحمد أبو شهبة )ص .(225 - 220
) (2في ت " :مردود".
) (3في ت ،أ " :والجدار نهاه".
) (4زيادة من ت ،أ.
) (4/382
يخبر تعالى عن حالهما حين خرجا يستبقان إلى الباب ،يوسف هارب ،
والمرأة تطلبه ليرجع إلى البيت ،فلحقته في أثناء ذلك ،فأمسكت بقميصه
دا فظيعا ،يقال :إنه سقط عنه ،واستمر دته ) (2ق ً ق ّ]من ورائه[ ) (1فَ َ
يوسف هاربا ذاهبا ،وهي في إثره ،فألفيا سيدها -وهو زوجها -عند الباب ،
فعند ذلك خرجت مما هي فيه بمكرها وكيدها ،وقالت لزوجها متنصلة وقاذفة
ن َ
سوًءا { أي (3) :فاحشة ِ } ،إل أ ْ ك ُ ن أ ََراد َ ب ِأ َهْل ِ َ
م ْ جَزاُء َ ما َ يوسف بدائها َ } :
دا موجعا. َ َ
ن { أي :يحبس } ،أوْ عَ َ
م { أي :يضرب ضربا شدي ً ب أِلي ٌ ذا ٌ ج َ س َ يُ ْ
فعند ذلك انتصر يوسف ،عليه السلم ،بالحق ،وتبرأ مما رمته به من
سي { وذكر أنها اتبعته ف ِ ن نَ ْ
ي َراوَد َت ِْني عَ ْ الخيانة ،وقال بارا صادقا ) } (4هِ َ
َ َ
ه قُد ّ ص ُ
مي ُ ن قَ ِ ن كا َ ن أهْل َِها إ ِ ْ م ْشاهِد ٌ ِ شهِد َ َ تجذبه إليها حتى قدت قميصه } ،وَ َ
ت { أي :في قولها إنه أرادها على صد َقَ ْ ل { أي :من قدامه } ،فَ َ ن قُب ُ ٍم ْ ِ
نفسها ،لنه يكون لما دعاها وأبت عليه دفعته في صدره ،فقدت قميصه ،
ن{ صادِِقي َ ن ال ّ م َت وَهُوَ ِ ن د ُب ُرٍ فَك َذ َب َ ْ م ْ ه قُد ّ ِ ص ُمي ُ ن قَ ِكا َ ن َ فيصح ما قالت } :وَإ ِ ْ
وذلك يكون كما وقع لما هرب منها ،وتطلبته أمسكت بقميصه من ورائه
لترّده إليها ،فقدت قميصه من ورائه.
وقد اختلفوا في هذا الشاهد :هل هو صغير أو كبير ،على قولين لعلماء
السلف ،فقال عبد الرزاق :
د
ِ ٌ ه شاَ د هش
َ ِ َ َ و } : عباس ابن عن ، رمة ْ
ِ ِك ع عن ، ماك س َ
أخبرنا إسرائيل ،عن ِ
ن أ َهْل َِها { قال :ذو لحية. م ْ ِ
كة ،عن ابن عباس :كان من مل َي ْ َ
ُ أبي ابن عن ، جابر عن ، الثوري وقال
دي ، ّ ّ س وال ، وقتادة ، والحسن ، وعكرمة خاصة الملك .وكذا قال مجاهد ،
ومحمد بن إسحاق :إنه كان رجل.
وقال زيد بن أسلم ،والسدي :كان ابن عمها.
وقال ابن عباس :كان من خاصة الملك.
وقد ذكر ابن إسحاق أن زليخا كانت بنت أخت الملك الريان بن الوليد.
ن أ َهْل َِها { قال : م ْ شاهِد ٌ ِ شهِد َ َ وقال العوفي ،عن ابن عباس في قوله } :وَ َ
ساف ،والحسن ، كان صبيا في المهد .وكذا ُروي عن أبي هريرة ،وهلل بن ي َ َ
مزاحم :أنه كان صبيا في الدار .واختاره ابن وسعيد بن جبير والضحاك بن ُ
جرير.
وقد ورد فيه حديث مرفوع فقال ابن جرير :حدثنا الحسن بن محمد ،حدثنا
عفان ،حدثنا حماد -هو ابن سلمة -أخبرني عطاء بن السائب ،عن سعيد
بن جبير ،عن ابن عباس ،عن النبي
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2في ت ،أ " :فقدت".
) (3في ت ،أ " :تعني".
) (4في ت " :صادقا بارا".
) (4/383
ل ن ِسوة ٌ في ال ْمدينة ا َ
حّبا إ ِّنا
فَها ُ سهِ قَد ْ َ
شغَ َ ف ِ
ن نَ ْ
ها عَ ْ مَرأةُ ال ْعَ ِ
زيزِ ت َُراوِد ُ فََتا َ َ ِ َ ِ ْ وََقا َ ْ َ ِ
ن )(30 َ ل َن ََرا َ
مِبي ٍ
ل ُ
ضل ٍ ها ِفي َ
صلى الله عليه وسلم قال " :تكلم أربعة وهم صغار" ،فذكر فيهم شاهد
يوسف ).(1
ورواه غيره عن حماد بن سلمة ،عن عطاء ،عن سعيد ،عن ابن عباس ؛ أنه
قال :تكلم أربعة وهم صغار :ابن ماشطة بنت فرعون ،وشاهد يوسف ،
جَرْيج ،وعيسى ابن مريم ).(2 وصاحب ُ
وقال ليث بن أبي سليم ،عن مجاهد :كان من أمر الله ،ولم يكن إنسيا.
وهذا قول غريب.
َ
ق
ن د ُب ُرٍ { أي :فلما تحقق زوجها صد َ م ْ ه قُد ّ ِ
ص ُ
مي َما َرأى قَ ِ وقوله } :فَل َ ّ
ن { أي :إن هذا ن ك َي ْدِك ُ ّ
م ْ ه ِل إ ِن ّ ُيوسف وكذبها فيما قذفته ورمته به َ } ،قا َ
نالبهت والّلطخ الذي لطخت عرض هذا الشاب به من جملة كيدكن } ،إ ِ ّ
م{ ظي ٌ ن عَ ِ ك َي ْد َك ُ ّ
ن َ
ض عَ ْ ف أعْرِ ْ س ُ ثم قال آمرا ليوسف ،عليه السلم ،بكتمان ما وقع :يا } ُيو ُ
ذا { أي :اضرب عن هذا ]المر[ ) (3صفحا ،فل تذكره لحد ، هَ َ
ك { يقول لمرأته وقد كان لين العريكة سهل أو أنه ري ل ِذ َن ْب ِ ِ ف ِست َغْ ِ
} َوا ْ
ك { أي : ري ل ِذ َن ْب ِ ِف ِست َغْ ِ عذرها ؛ لنها رأت ما ل صبر لها عنه ،فقال لها َ } :وا ْ
ذفه بما هو بريء الذي ) (4وقع منك من إرادة السوء بهذا الشاب ،ثم قَ ْ
ن{ خاط ِِئي َ ْ
ن ال َ م َ ت ِك ك ُن ْ ِ منه ،استغفري من هذا الذي وقع منك } ،إ ِن ّ ِ
ل ن ِسوة ٌ في ال ْمدينة ا َ
حّبا
فَها ُ شغَ َ سهِ قَد ْ َ ف ِ ن نَ ْ ها عَ ْ زيزِ ت َُراوِد ُ فََتا َمَرأةُ ال ْعَ َِ ِ َ ِ ْ } وََقا َ ْ َ ِ
ن ){ (30 مِبي ٍ
ل ُضل ٍ ها ِفي َ إ ِّنا ل َن ََرا َ
__________
) (1تفسير الطبري ) (16/55ورواه أحمد في المسند ) (1/310والحاكم في
المستدرك ) (2/496من طريق حماد بن سلمة به ،وصححه الحاكم ووافقه
الذهبي.
) (2رواه العلء بن عبد الجبار عن حماد موقوفا أخرجه الطبري في تفسيره
).(16/54
) (3زيادة من ت.
) (4في ت ،أ " :للذي".
) (4/384
ً َ َ فَل َما سمعت بمك ْره َ
ن
من ْهُ ّ حد َةٍ ِل َوا ِ ت كُ ّ مت ّك َأ وَآت َ ْ ن ُ ت ل َهُ ّ ن وَأعْت َد َ ْ ت إ ِل َي ْهِ ّ سل َ ْ ن أْر َ ّ َ ِ َ ْ ِ َ ِ ِ ّ
هّ ْ َ ّ َ َ َ َ
ش ل ِل ِ حا َ ن َ ن وَقل َ ُ ن أي ْدِي َهُ ّ ه وَقطعْ َ َ ْ
ه أكب َْرن َ ُ ما َرأي ْن َ ُ ن فل ّ َ ج عَلي ْهِ ّ خُر ْ تا ْ كيًنا وََقال َ ِ س ّ ِ
قد ْ َ
مت ُن ِّني ِفيهِ وَل َ ُ
ذي ل ْ ّ
ن ال ِ ُ
ت فذل ِك ّ َ َ َ َ
م ) (31قال ْ ري ٌ َ
ملك ك ِ ٌ َ ّ
ن هَذا إ ِل َ َ َ
ما هَذا ب َشًرا إ ِ ْ َ َ
ن م ن ن كوُ ي َ لو ن ن ج س ي َ ل ه ر م َ آ ما ْ
ل ع ْ ف ي م َ ل
ْ َْ َ َ َ ِ ْ ْ َ َ ن ئَ ل و م ص ع ت س فا َ ه س ْ ف ن ن
َ َ ُْ ُ َ ْ َ ِ ِ ع ه ت د و را
َ ُ ُ ُ ُ ْ َ َ ّ َ َ َ ْ ِ َ
ف رص ت ّ
ل إ و ه ي َ لإ ني ن عو د ي ما م ي َ لإ ب ح َ أ ن ج س ال ب ر لَ َ
قا ن )(32
ّ ْ ُ َ ّ ِ ّ ِ ّ َ ْ َِ ِ ْ ِ َِ َ ْ ِ ْ ُ َ ّ ري َصاِغ ِ ال ّ
َ َ
ف
صَر َ ه فَ َه َرب ّ ُ ب لَ ُ جا َ ن )َ (33فا ْ
ست َ َ جاهِِلي َ ن ال ْ َ م َ ن ِ ن وَأك ُ ْ ب إ ِل َي ْهِ ّ ص ُ نأ ْ عَّني ك َي ْد َهُ ّ
م )(34 ْ
ميعُ العَِلي ُ س ِ ه هُوَ ال ّ ن إ ِن ّ ُه ك َي ْد َهُ ّ عَن ْ ُ
ً َ } فَل َما سمعت بمك ْره َ
حد َةٍل َوا ِ ت كُ ّ مت ّك َأ َوآت َ ْ ن ُ ت ل َهُ ّ ن وَأعْت َد َ ْ ت إ ِل َي ْهِ ّ سل َ ْ ن أْر َ ّ َ ِ َ ْ ِ َ ِ ِ ّ
ْ َ ّ َ َ َ َ
ش
حا َ ن َ ُ
ن وَقل َ ن أي ْدِي َهُ ّ ه وَقطعْ َ َ ْ
ه أكب َْرن َ ُ ما َرأي ْن َ ُ ن فل ّ َ ج عَلي ْهِ ّ خُر ْ تا ْ كيًنا وََقال َ ِ س ّ ن ِ من ْهُ ّ ِ
ه
ِ ِ في ني ن
ْ ُِّت م ُ ل ذي ِ ّ لا نِ ّ ُ ك ل َ ذ َ ف تْ َ ل قاَ ( 31 ) م
ِ ٌ ري َ ك ك ٌ َ ل م ِ َ إل َ
ذا لِ ِ َ َ َ ً ِ ْ َ
ه ن إ را ش َ ب ذا َ ه ما ه ّ ل
ن
م َ كوًنا ِ ن وَل َي َ ُ جن َ ّ س َمُره ُ ل َي ُ ْ ما آ ُ ل َ فعَ ْ م يَ ْ ن لَ ْ م وَل َئ ِ ْ ص َ ست َعْ َ سهِ َفا ْ ف ِ ن نَ ْه عَ ْ قد ْ َراوَد ْت ُ ُ وَل َ َ
َ
ف
صرِ ْ عون َِني إ ِل َي ْهِ وَِإل ت َ ْ ما ي َد ْ ُ م ّ ي ِ ب إ ِل َ ّ ح ّ نأ َ ج ُ س ْ ب ال ّ ل َر ّ ن )َ (32قا َ ري َصاِغ ِ ال ّ
َ َ
فصَر َ ه فَ َ ه َرب ّ ُ ب لَ ُ جا َ ست َ َ ن )َ (33فا ْ جاهِِلي َ ن ال ْ َ م َ ن ِ ن وَأك ُ ْ ب إ ِل َي ْهِ ّ ص ُ نأ ْ عَّني ك َي ْد َهُ ّ
م ){ (34 ميعُ العَِلي ُْ س ِ ه هُوَ ال ّ ن إ ِن ّ ُ ه ك َي ْد َهُ ّ عَن ْ ُ
يخبر تعالى أن خبر يوسف وامرأة العزيز شاع في المدينة ،وهي مصر ،حتى
دين َةِ { مثل نساء المراء ]و[ )(1 م ِ سوَة ٌ ِفي ال ْ َ ل نِ ْ تحدث الناس به } ،وََقا َ
الكبراء ،ينكرن على امرأة العزيز ،وهو الوزير ،ويعبن ذلك عليها } :امرأةَُ
ْ َ
سهِ { أي :تحاول غلمها عن نفسه ،وتدعوه إلى ف ِ ن نَ ْ ها عَ ْ زيزِ ت َُراوِد ُ فََتا َ ال ْعَ ِ
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (4/384
حّبا { أي قد :وصل حبه إلى شغاف قلبها .وهو غلفه. فَها ُ شغَ َ نفسها } ،قَد ْ َ
شَغف دون ذلك ، شَغف :الحب القاتل ،وال ّ قال الضحاك عن ابن عباس :ال ّ
والشغاف :حجاب القلب.
ن { أي :في صنيعها هذا من حبها فتاها ،ومراودتها مِبي ٍ
ل ُ ضل ٍ ها ِفي َ } إ ِّنا ل َن ََرا َ
إياه عن نفسه.
ن { قال بعضهم :بقولهن .وقال محمد بن إسحاق : مك ْرِهِ ّ ت بِ َمعَ ْ س ِما َ } فَل َ ّ
ن يوسف ،فأحببن أن يرينه ،فقلن ذلك ليتوصلن إلى س ُ ح ْ ن ُ بل ) (1ب ََلغهُ ّ
َ
ن { أي :دعتهن إلى منزلها ت إ ِل َي ْهِ ّ
سل َ ْ
رؤيته ومشاهدته ،فعند ذلك } أْر َ
مت ّك َأ ً {ن ُت ل َهُ ّ
َ
لتضيفهن } وَأعْت َد َ ْ
قال ابن عباس ،وسعيد بن جبير ،ومجاهد ،والحسن ،والسدي ،وغيرهم :
هو المجلس المعد ،فيه مفارش ومخاد وطعام ،فيه ما يقطع بالسكاكين من
كيًنا { وكان س ّ ن ِ من ْهُ ّحد َةٍ ِ ت كُ ّ
ل َوا ِ أترج ) (2ونحوه .ولهذا قال تعالى َ } :وآت َ ْ
ج
خُر ْ تا ْ َ َ
هذا مكيدة منها ،ومقابلة لهن في احتيالهن على رؤيته } ،وَقال ِ
ه ن يعَل َيهن { وذلك أنها كانت قد خبأته في مكان آخر } ،فَل َما { خرج و } رأ َ
َ َْ ُ ّ ِْ ّ
َ
هشا َ َ د أيديهن يقطعن وجعلن ؛ قدره وأجللن ، شأنه أعظمن : أي { أك ْب َْرن َ ُ
ه
برؤيته ،وهن يظنن أنهن يقطعن الترج ) (3بالسكاكين ،والمراد :أنهن
حززن أيديهن بها ،قاله غير واحد.
وعن مجاهد ،وقتادة :قطعن أيديهن حتى ألقينها ،فالله ) (4أعلم.
وقد ذكر عن زيد بن أسلم أنها قالت لهن بعدما أكلن وطابت أنفسهن ،ثم
وضعت بين أيديهن أترجا ) (5وآتت كل واحدة منهن سكينا :هل لكن في
النظر إلى يوسف ؟ قلن :نعم .فبعثت إليه تأمره أن اخرج إليهن ) (6فلما
رأينه جعلن يقطعن أيديهن ،ثم أمرته أن يرجع فرجع ليرينه مقبل ومدبرا ،
وهن يحززن في أيديهن ،فلما أحسسن باللم جعلن يولولن ،فقالت :أنتن
من نظرة واحدة فعلتن هكذا ،فكيف ألم أنا ؟ فقلن حاش لله ما هذا بشرا
إن هذا إل ملك كريم ،ثم قلن لها :وما نرى عليك من لوم بعد الذي رأينا ،
لنهن لم يرين في البشر شبهه ول قريبا منه ،فإنه ،صلوات الله عليه وسلم
) (7كان قد أعطي شطر الحسن ،كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح في
حديث السراء :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بيوسف ،عليه
السلم ،في السماء الثالثة ،قال " :فإذا هو قد أعطي شطر الحسن" )(8
وقال حماد بن سلمة ،عن ثابت ،عن أنس قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " :أعطي يوسف وأمه شطر
__________
) (1في ت ،أ " :قيل".
) (2في ت ،أ " :أترنج".
) (3في " :الترج".
) (4في أ " :والله".
) (5في أ " :أترنجا".
) (6في أ " :عليهن".
) (7في ت ،أ " :وسلمه".
) (8رواه مسلم في صحيحه برقم ) (162من حديث أنس رضي الله عنه.
) (4/285
الحسن" ) (1وقال سفيان الثوري ،عن أبي إسحاق ،عن أبي الحوص ،عن
عبد الله بن مسعود قال :أعطي يوسف وأمه ثلث الحسن.
وقال أبو إسحاق أيضا ،عن أبي الحوص ،عن عبد الله قال :كان وجه
يوسف مثل البرق ،وكانت المرأة إذا أتته لحاجة غطى وجهه مخافة أن تفتتن
به.
ورواه الحسن البصري مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
"أعطي يوسف وأمه ثلث حسن أهل الدنيا ،وأعطى الناس الثلثين -أو قال :
أعطي يوسف وأمه الثلثين والناس الثلث" )(2
جَرشي قال :قسم وقال سفيان ،عن منصور ،عن مجاهد عن ربيعة ال ُ
الحسن نصفين ،فأعطي يوسف وأمه سارة نصف الحسن .والنصف الخر
بين سائر الخلق.
وقال المام أبو القاسم السهيلي :معناه :أن يوسف كان على النصف من
حسن آدم ،عليه السلم ،فإن الله خلق آدم بيده على أكمل صورة وأحسنها
،ولم يكن في ذريته من يوازيه في جماله ،وكان يوسف قد أعطي شطر
حسنه.
ّ
ش ل ِلهِ { قال مجاهد وغير واحد : حا َفلهذا قال هؤلء النسوة عند رؤيته َ } :
ى" أي :بمشترى. شر ً
شًرا { وقرأ بعضهم " :ما هذا ب ِ ِ ذا ب َ َ ما هَ َ معاذ الله َ } ،
مت ُن ِّني ِفيهِ { تقول هذا معتذرة ُ
ذي ل ْ ّ ُ َ
ت فذ َل ِك ّ
ن ال ِ َ َ
م قال ْري ٌ َ
ملك ك ِ ٌ َ ن هَ َ
ذا ِإل َ } إِ ْ
ب لجماله وكماله. إليهن بأن هذا حقيق بأن يح ّ
م { أي :فامتنع .قال بعضهم :لما رأين ص َ سهِ َفا ْ
ست َعْ َ ف ِن نَ ْ
ه عَ ْ قد ْ َراوَد ْت ُ ُ } وَل َ َ
جماله الظاهر ،أخبرتهن بصفاته الحسنة التي تخفى عنهن ،وهي ) (3العفة
ن
جن َ ّ
س َ مُره ُ ل َي ُ ْما آ ُ ل َ فعَ ْ م يَ ْ ن لَ ْ مع هذا الجمال ،ثم قالت تتوعد ) } (4وَل َئ ِ ْ
ن { فعند ذلك استعاذ يوسف ،عليه السلم ،من ري َصاِغ ِ ن ال ّ م َن ِ كون َ ْ وَل َي َ ُ
عون َِني إ ِل َي ْهِ { أي : َ
ما ي َد ْ ُم ّ
ي ِ ب إ ِل َ ّ ح ّ نأ َ ج ُس ْ ب ال ّ شرهن وكيدهن ،وقال َ } :ر ّ
َ
ن { أي :إن وكلتني إلى ب إ ِل َي ْهِ ّص ُ نأ ْ ف عَّني ك َي ْد َهُ ّ صرِ ْ من الفاحشة } ،وَِإل ت َ ْ
نفسي ،فليس لي من نفسي قدرة ،ول أملك لها ضرا ول نفعا إل بحولك
وقوتك ،أنت المستعان وعليك التكلن ،فل تكلني إلى نفسي.
َ َ
ه
ن إ ِن ّ ُه ك َي ْد َهُ ّف عَن ْ ُصَر َ ه فَ َ ه َرب ّ ُ ب لَ ُ جا َ ن َفا ْ
ست َ َ جاهِِلي َن ال ْ َم َن ِ ن وَأك ُ ْ ب إ ِل َي ْهِ ّص ُ }أ ْ
صمه الله عصمة م { وذلك أن يوسف ،عليه السلم ،عَ َ ميعُ ال ْعَِلي ُ س ِهُوَ ال ّ
عظيمة ،وحماه فامتنع منها أشد المتناع ،واختار السجن
__________
) (1رواه الطبري في تفسيره ) (16/80والحاكم في المستدرك )(2/570
وابن عدي في الكامل ) (5/385من طريق عفان عن حماد بن سلمة به ،
وقال الحاكم " :هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه" .قال ابن
عدي " :وهذا الحديث ما أعلم رفعه أحد غير عفان ،وغيره أوقفه عن حماد
بن سلمة ،وعفان أشهر وأوثق وأصدق من أن يقال فيه شيء مما ينسب
إلى الضعف".
) (2رواه الطبري في تفسيره ).(16/80
) (3في ت " :عليهن وهو".
) (4في ت ،أ " :تتوعده".
) (4/386
َ
ن
ج َ
س ْه ال ّمعَ ُل َ خ َن ) (35وَد َ َ ٍ حي حّتى ِ ه َجن ُن ّ ُ
س ُ ت ل َي َ ْما َرأُوا اْل ََيا ِ ن ب َعْد ِ َم ْ م ِدا ل َهُ ْ
م بَ َ ثُ ّ
ل فَوْ َ َ َ َ ْ مًرا وََقا َ َ َ َ ن َقا َ
ق م ُ ح ِخُر إ ِّني أَراِني أ ْ ل ال َ خ ْ
صُر َ
ْ
ما إ ِّني أَراِني أعْ ِ حد ُهُ َ
ْ
لأ َ فَت ََيا ِ
ْ َ ّ ُ ْ
ن )(36 سِني َ ح ِم ْ
ن ال ُ م َ ه ن َب ّئ َْنا ب ِت َأِويل ِهِ إ ِّنا ن ََراك ِ
من ْ ُ
ل الطي ُْر ِ خب ًْزا ت َأك ُسي ُ َرأ ِ
على ذلك ،وهذا في غاية مقامات الكمال :أنه مع شبابه وجماله وكماله
تدعوه سيدته ،وهي امرأة عزيز مصر ،وهي مع هذا في ) (1غاية الجمال
والمال ،والرياسة ويمتنع من ذلك ،ويختار السجن على ذلك ،خوفا من الله
ورجاء ثوابه.
ولهذا ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :سبعة
يظلهم الله في ظله يوم ل ظل إل ظله :إمام عادل ،وشاب نشأ في عبادة
الله ) (2ورجل قلبه معلق بالمسجد ) (3إذا خرج منه حتى يعود إليه ،
ورجلن تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا ) (4عليه ،ورجل تصدق بصدقة
فأخفاها حتى ل تعلم شماله ما أنفقت يمينه ،ورجل ذكر الله خاليا ففاضت
عيناه ،ورجل دعته امرأة ذات جمال ومنصب ،فقال :إني أخاف الله" )(5
َ
ن ){ (35حي ٍ
حّتى ِ
ه َ
جن ُن ّ ُ ت ل َي َ ْ
س ُ ما َرأُوا الَيا ِ
ن ب َعْد ِ َ
م ْ دا ل َهُ ْ
م ِ } ثُ ّ
م بَ َ
يقول تعالى :ثم ظهر لهم من المصلحة فيما رأوه أنهم يسجنونه إلى حين ،
أي :إلى مدة ،وذلك بعدما عرفوا براءته ،وظهرت اليات -وهي الدلة -
على صدقه في عفته ونزاهته .فكأنهم -والله أعلم -إنما سجنوه لما شاع
الحديث إيهاما ) (6أن هذا راودها عن نفسها ،وأنهم سجنوه على ذلك .ولهذا
لما طلبه الملك الكبير في آخر المدة ،امتنع من الخروج حتى تتبين براءته
ي العرض ،صلوات ق ّ مما نسب إليه من الخيانة ،فلما تقرر ذلك خرج وهو ن َ ِ
الله عليه وسلمه.
دي :أنهم إنما سجنوه لئل يشيع ما كان منها ) (7في حقه ،ويبرأ س ّوذكر ال ّ
عرضه فيفضحها.
مًرا وََقا َ َ َ َ ن َقا َ
خُرل ال َ خ ْصُر َ
ْ
ما إ ِّني أَراِني أعْ ِ حد ُهُ َ
ْ
لأ َ ن فَت ََيا ِج َس ْه ال ّمعَ ُ ل َ خ َ} وَد َ َ
ه ن َب ّئ َْنا ب ِت َأِويل ِهِ إ ِّنا ن ََرا َ ّ خب ًْزا ت َأك ُ ُ ْ َ َ
ن
م َ ك ِ من ْ ُ
ل الطي ُْر ِ سي ُ ل فَوْقَ َرأ ِ م ُ
ح ِإ ِّني أَراِني أ ْ
ن ){ (36 سِني َ
ح ِ م ْال ْ ُ
قال قتادة :كان أحدهما ساقي الملك ،والخر خبازه.
قال محمد بن إسحاق :كان اسم الذي على الشراب "نبوا" ،والخر
"مجلث".
قال السدي :وكان سبب حبس الملك إياهما أنه توهم أنهما تمال على سمه
في طعامه وشرابه.
وكان ) (8يوسف ،عليه السلم ،قد اشتهر في السجن بالجود ) (9والمانة
سمت وكثرة العبادة ،صلوات الله عليه وسلمه ، وصدق الحديث ،وحسن ال ّ
ومعرفة التعبير والحسان إلى أهل السجن وعيادة
__________
) (1في ت " :إلى".
) (2في ت " :في طاعة الله عز وجل".
) (3في ت ،أ " :في المسجد".
) (4في ت ،أ " :وتفرقا".
) (5صحيح البخاري برقم ) (1423وصحيح مسلم برقم ) (1031من حديث
أبي هريرة رضي الله عنه.
) (6في ت " :اتهاما".
) (7في أ " :منهما".
) (8في ت " :فكان".
) (9في أ " :بالجودة".
) (4/387
ْ ل َل يأ ِْتيك ُما ط َعام ترزَقان ِه إّل نبأ ْتك ُما بتأ ْويل ِه قَب َ َ
ما
م ّ
ما ِ ما ذ َل ِك ُ َ
ن ي َأت ِي َك ُ َ
لأ ْ ِ ِ َّ ُ َ َِ ِ ِ ْ َ ٌ ُْ َ َ َ َقا َ
ن) م َ
كافُِرو َ خَرةِ هُ ْ َ
م ِباْل ِ ن ِبالل ّهِ وَهُ ْ ة قَوْم ٍ َل ي ُؤْ ِ
مُنو َ مل ّ َ
ت ِ عَل ّ َ
مِني َرّبي إ ِّني ت ََرك ْ ُ
(37
مرضاهم والقيام بحقوقهم .ولما دخل هذان ) (1الفتيان إلى السجن ،تآلفا به
وأحباه حبا شديدا ،وقال له :والله لقد أحببناك حبا زائدا .قال ) (2بارك الله
ي من محبته ضرر ،أحبتني عمتي فدخل فيكما ،إنه ما أحبني أحد إل دخل عل ّ
علي الضرر بسببها ،وأحبني أبي فأوذيت بسببه ،وأحبتني امرأة العزيز
فكذلك ،فقال والله ما نستطيع إل ذلك ،ثم إنهما رأيا مناما ،فرأى الساقي
أنه يعصر خمرا -يعني عنبا -وكذلك هي في قراءة عبد الله بن مسعود :
سَنان ،عن يزيد"إني أراني أعصر عنبا" .ورواه ابن أبي حاتم ،عن أحمد بن ِ
ريك ،عن العمش ،عن زيد بن وهب ،عن ابن مسعود : بن هارون ،عن َ
ش ِ
أنه قرأها " :أعصر عنبا".
مًرا { يعني :عنبا .قال : َ َ
خ ْصُر َ وقال الضحاك في قوله } :إ ِّني أَراِني أعْ ِ
مون العنب خمرا. وأهل عمان يس ّ
حَبلة من عنب ،فنبتت. وقال عكرمة :رأيت ) (3فيما يرى النائم أني غرست َ
فخرج فيه عناقيد ،فعصرتهن ثم سقيتهن الملك .قال ) (4تمكث في السجن
ثلثة أيام ،ثم تخرج فتسقيه خمرا.
ل الط ّي ُْر ْ
خب ًْزا ت َأك ُ ُ ْ َ َ
سي ُ ل فَوْقَ َرأ ِ م ُح ِ وقال الخر -وهو الخباز } : -إ ِّني أَراِني أ ْ
ن{ سِني َ ح ِ ن ال ْ ُ
م ْ م َ ك ِ ه ن َب ّئ َْنا ب ِت َأ ِْويل ِهِ إ ِّنا ن ََرا َمن ْ ُ
ِ
والمشهور عند الكثرين ما ذكرناه ،وأنهما رأيا مناما وطلبا تعبيره.
كيع وابن حميد قال حدثنا جرير ،عن عمارة بن وقال ابن جرير :حدثنا ابن وَ ِ
القعقاع ،عن إبراهيم ،عن عبد الله قال :ما رأى صاحبا يوسف شيئا ،إنما
كانا تحالما ليجربا عليه.
ْ َ ْ ْ ْ
ما
م ّما ِ ُ
ما ذ َل ِك َ ُ
ن ي َأت ِي َك َ
لأ ْ ما ب ِت َأِويل ِهِ قَب ْ َ ُ
م ت ُْرَزَقان ِهِ ِإل ن َب ّأت ُك َ ما ط ََعا ٌ ل ل ي َأِتيك ُ َ } َقا َ
ن) م كافُِرو َ َ خَرةِ هُ ْ م ِبال ِ ّ
ن ِباللهِ وَهُ ْ مُنو َ ة قَوْم ٍ ل ي ُؤْ ِ ّ
مل َ ت ِ ْ
مِني َرّبي إ ِّني ت ََرك ُ عَل ّ َ
{ (37
__________
) (1في ت " :هذا".
) (2في ت ،أ " :فقال".
) (3في ت " :وقال عكرمة :قال له رأيت".
) (4في ت ،أ " :فقال".
) (4/388
َ
ن
م ْك ِبالل ّهِ ِ
شرِ َ ن ل ََنا أ ْ
ن نُ ْ كا َما َ ب َقو َ
حاقَ وَي َعْ ُ
س َ
م وَإ ِ ْ
هي َة آ ََباِئي إ ِب َْرا ِ
مل ّ َت ِ
َوات ّب َعْ ُ
ُ َ ْ َ َ َ َ ّ َ
ن)شكُرو َ س ل يَ ْن أكث ََر الّنا ِ س وَلك ِ ّ
ل اللهِ عَلي َْنا وَعَلى الّنا ِ ض ِ ن فَ ْ
م ْ يٍء ذ َل ِك ِش ْ َ
(38
َ
ن ك ِبالل ّهِ ِ
م ْ شرِ َ ن ل ََنا أ ْ
ن نُ ْ كا َ ما َ ب َ قو َ حاقَ وَي َعْ ُس َ
م وَإ ِ ْهي َ
ة آَباِئي إ ِب َْرا ِمل ّ َ
ت ِ } َوات ّب َعْ ُ
َ
ن)شك ُُرو َ س ل يَ ْن أك ْث ََر الّنا ِ س وَل َك ِ ّ َ َ
ل اللهِ عَلي َْنا وَعَلى الّنا ِ
ض ِ ّ ن فَ ْ م ْ ك ِيٍء ذ َل ِ َش ْ َ
{ (38
يخبرهما يوسف ،عليه السلم ،أنهما ) (1مهما رأيا في نومهما من حلم ،
فإنه عارف ) (2بتفسيره ويخبرهما بتأويله قبل وقوعه ؛ ولهذا قال } :ل
ْ يأ ِْتيك ُما ط َعام ترزَقان ِه إل نبأ ْتك ُما بتأ ْويل ِه قَب َ َ
ما { ن ي َأت ِي َك ُ َلأ ْ ِ ِ َّ ُ َ َِ ِ ِ ْ َ ٌ ُْ َ َ َ
__________
) (1في ت " :أنه".
) (2في أ " :عالم".
) (4/388
) (4/389
ب فَت َأ ْك ُ ُ
ل صل َ ُ ما اْل َ َ
خُر فَي ُ ْ
َ
مًرا وَأ ّ
خ ْ ه َ قي َرب ّ ُ س ِ حد ُك ُ َ
ما فَي َ ْ
حبي السجن أ َ َ
ما أ َ
ّ ْ ِ ّ صا ِ َ َِيا َ
ّ َ ْ ْ
ن )(41 فت َِيا ِ
ست َ ْذي ِفيهِ ت َ ْ مُر ال ِ ي ال ْ ض َ ُ
سهِ ق ِ
ن َرأ ِ
م ْالط ّي ُْر ِ
) (4/390
شي ْ َ ل لل ّذي ظ َن أ َنه ناج منهما اذ ْك ُرني عند رب َ َ
ن ذِك َْر َرب ّهِ
طا ُ ك فَأن ْ َ
ساهُ ال ّ ِ ْ َ َ ّ ْ ِ ّ ّ ُ َ ٍ ِ ُْ َ وََقا َ ِ ِ
ن )(42 سِني َضع َ ِ
ن بِ ْ
ج ِ
س ْ
ث ِفي ال ّفَل َب ِ َ
ورواه محمد بن فضيل ) (1عن عمارة ،عن إبراهيم ،عن علقمة ،عن ابن
مسعود به ،وكذا فسره مجاهد ،وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ،وغيرهم.
سره ،فإنه ُيلَزم بتأويله ،والله أعلم ،وقد وحاصله أن من تحّلم بباطل وفَ ّ
حْيدة ،عن النبي ورد في الحديث الذي رواه المام أحمد ،عن معاوية بن َ
صلى الله عليه وسلم " :الرؤيا على رجل طائر ما لم ت َُعبر ) (2فإذا عُّبرت
وقعت" )(3
وفي مسند أبي ي َعْلى ،من طريق يزيد الّرقاشي ،عن أنس مرفوعا " :الرؤيا َ
لول عابر" )(4
شي ْ َ َ َ
ن ذِك َْر َرب ّ ِ
ه طا ُ ساهُ ال ّ ما اذ ْك ُْرِني ِ
عن ْد َ َرب ّ َ
ك فَأن ْ َ من ْهُ َ
ه َناٍج ِ
ن أن ّ ُ ذي ظ َ ّ ل ل ِل ّ ِ
} وََقا َ
ن ){ (42 سِني َضع َ ِن بِ ْ ج ِس ْ
ث ِفي ال ّ فَل َب ِ َ
حدهما -وهو الساقي -قال له لما ظن ) (5يوسف ،عليه السلم ،نجاة أ ِ
يوسف خفية عن الخر والله أعلم ،لئل يشعره أنه المصلوب قال له :
ك { يقول :اذكر قصتي عند ربك ) - (6وهو الملك -فنسى عن ْد َ َرب ّ َ} اذ ْك ُْرِني ِ
صى أن ي ُذ َكر موله بذلك ،وكان من جملة مكايد الشيطان ،لئل ّ ذلك المو َ
يطلع نبي الله من السجن.
ْ َ َ
ن ذِكَر َرب ّهِ { عائد شي ْطا ُساهُ ال ّ هذا هو الصواب أن الضمير في قوله } :فَأن ْ َ
على الناجي ،كما قال مجاهد ،ومحمد بن إسحاق وغير واحد .ويقال :إن
الضمير عائد على يوسف ،عليه السلم ،رواه ابن جرير ،عن ابن عباس ،
رمة ،وغيرهم .وأسند ابن جرير هاهنا حديثا فقال : عك ْ ِ ومجاهد أيضا ،و ِ
مرو بن محمد ،عن إبراهيم بن يزيد ) (7عن عمرو كيع ،حدثنا عَ ْ حدثنا ابن وَ ِ
رمة ،عن ابن عباس قال :قال النبي صلى الله عليه وسلم ْ
عك ِ بن دينار ،عن ِ
" :لو لم يقل -يعني :يوسف -الكلمة التي قال :ما لبث في السجن طول
ما لبث .حيث يبتغي الفرج من عند غير الله" ).(8
كيع ضعيف ،وإبراهيم بن يزيد - وهذا الحديث ضعيف جدا ؛ لن سفيان بن وَ ِ
خوزي -أضعف منه أيضا .وقد ُروي عن الحسن وقتادة مرسل عن كل هو ال ُ
سلت هاهنا ل تقبل لو قبل المرسل من حيث هو في غير منهما ،وهذه المر َ
هذا الموطن ،والله أعلم.
وأما "البضع" ،فقال مجاهد وقتادة :هو ما بين الثلث إلى التسع .وقال وهب
من َّبه :مكث بن ُ
__________
) (1في ت " :فضل".
) (2في ت " :يعبر".
) (3سبق تخريجه عند تفسير الية "5" :من هذه السورة.
) (4ورواه ابن ماجة في السنن برقم ) (3915من طريق عبد الله بن نمير ،
عن العمش ،عن يزيد الرقاشي ،عن أنس موقوفا ،وقال البوصيري في
الزوائد )" : (3/216هذا إسناد فيه يزيد وهو ضعيف".
) (5في ت ،أ " :علم".
) (6في ت ،أ " :الملك".
) (7في ت " :عن يزيد".
) (8تفسير الطبري ).(16/112
) (4/391
ْ َ
سن ْب َُل ٍ
ت سب ْعَ ُ
ف وَ َ جا ٌ ع َ سب ْعٌ ِن َن ي َأك ُل ُهُ ّ
ما ٍ
س َ
ت ِ قَرا ٍ سب ْعَ ب َ َ
ك إ ِّني أَرى َ ل ال ْ َ
مل ِ ُ وََقا َ
ُ َ ُ َ ْ َ ُ
ن)م ِللّرؤَْيا ت َعْب ُُرو َ
ن كن ْت ُ ْ مل أفُْتوِني ِفي ُرؤَْيايَ إ ِ ْ ت َيا أي َّها ال َ
سا ٍ
خَر َياب ِ َ ضرٍ وَأ َ خ ُْ
(43
) (4/392
جا ذي ن َ َ ل ال ّ ِ ن ) (44وََقا َ مي َ حَلم ِ ب َِعال ِ ِ ل اْل َ ْ ِ ن ب ِت َأ ِْوي ُ ح حَلم ٍ وَ َ
ما ن َ ْ ثأ ْ
َقاُلوا أ َضَغا ُ َ
ْ
ق دي صال ها ي ف أَ س يو (45 ) ن لوُ س رمنهما وادك َر بعد أ ُمة أ َنا أ ُنبئ ُك ُم بتأ ْويله فَأ َ
ّ ّ ُ َّ ُ ُ ُ ِ ِ
ِ ُْ َ َ ّ َ َْ َ ّ ٍ َ َّ ْ َِ ِ ِ ْ ِ
ْ
ضرٍ وَأ ُ َ
خَر ْ خ
ُ ت
ٍ َ
ل ب ْ ن س
َ َ ِْ ُ ُ ع ب س و ف
ٌ جا ع َسب ْعٌ ِ ن َ ن ي َأك ُل ُهُ ّ ما ٍس َ ت ِ قَرا ٍ سب ِْع ب َ َ أفْت َِنا ِفي َ
َ
َ
ن
سِني َ سب ْعَ ِ ن َ عو َ ل ت َْزَر ُ ن )َ (46قا َ مو َ م ي َعْل َ ُ س ل َعَل ّهُ ْ جعُ إ ِلى الّنا ِ
َ ت ل َعَّلي أْر ِ سا ٍ َياب ِ َ
ْ ُ ْ ً ّ َ
ن ب َعْدِ م ْ م ي َأِتي ِ ن ) (47ث ُ ّ ما ت َأك ُلو َ م ّ سن ْب ُل ِهِ إ ِل قَِليل ِ م فَذ َُروه ُ ِفي ُ صد ْت ُ ْ ح َ ما َ د َأًبا فَ َ
ْ ْ
نم ْم ي َأِتي ِ ن ) (48ث ُ ّ صُنو َ ح ِ ما ت ُ ْ م ّ ن إ ِّل قَِليًل ِ م ل َهُ ّ مت ُ ْ ما قَد ّ ْ ن َ داد ٌ ي َأك ُل ْ َ ش َ سب ْعٌ ِ ك َ ذ َل ِ َ
ن )(49 صُرو َ س وَِفيهِ ي َعْ ِ ث الّنا ُ م ِفيهِ ي َُغا ُ عا ٌ َ
ب َعْد ِ ذ َل ِك َ
) (4/392
ك َفا َ
ما َبا ُ
ل ه َ سأل ْ ُ ْ جعْ إ َِلى َرب ّ َ ل اْر ِ ل َقا َ سو ُ جاَءهُ الّر ُ ما َ ك ائ ُْتوِني ب ِهِ فَل َ ّ مل ِ ُل ال ْ َ وََقا َ
َ
ن إ ِذ ْخط ْب ُك ُ ّ ما َل َ م )َ (50قا َ ن عَِلي ٌ ن َرّبي ب ِك َي ْدِهِ ّ نإ ّ ن أي ْدِي َهُ ّ سوَةِ الّلِتي قَط ّعْ َ الن ّ ْ
فسه قُل ْن ِ حاش ل ِل ّه ما عَل ِمنا عَل َيه من سوٍء َقال َت امرأةَُ
ِ ْ َ ْ ِ ِ ْ ُ ْ َ ِ َ َ َ َ ن نَ ْ ِ ِ ف عَ ْ س َ ن ُيو ُ َراوَد ْت ُ ّ
َ َ
ن )(51 صادِِقي َ
ن ال ّ م َه لَ ِسهِ وَإ ِن ّ ُ ف ِ ن نَ ْ ه عَ ْ حقّ أَنا َراوَد ْت ُ ُ ص ال ْ َ ح َ ص َ ح ْن َ زيزِ اْل َ ال ْعَ ِ
ن )(52 ْ
دي ك َي ْد َ ال َ َ ّ َ ْ َ َ َ َ ذ َل ِ َ
خائ ِِني َ ه ل ي َهْ ِ ن الل َ ب وَأ ّ ه ِبالغَي ْ ِ خن ْ ُمأ ُ م أّني ل ْ ك ل ِي َعْل َ
مصد ْت ُ ْ ح َ ما َ الخضر ،ثم أرشدهم إلى ما يعتمدونه في تلك السنين فقال } :فَ َ
ْ
ن { أي :مهما استغللتم ) (1في هذه ما ت َأك ُُلو َ م ّ سن ْب ُل ِهِ ِإل قَِليل ِ فَذ َُروه ُ ِفي ُ
السبع السنين الخصب فاخزنوه في سنبله ،ليكون أبقى له وأبعد عن إسراع
الفساد إليه ،إل المقدار الذي تأكلونه ،وليكن قليل قليل ل تسرفوا فيه ،
حل التي تعقب هذه م ْ لتنتفعوا في السبع الشداد ،وهن السبع السنين ال ُ
سمان ؛ لن سنى )(2 السبع متواليات ،وهن البقرات العجاف اللتي يأكلن ال ّ
مَعوه في سنى ) (3الخصب ،وهن السنبلت ج َ دب يؤكل فيها ما َ ج ْ ال َ
اليابسات.
وأخبرهم أنهن ل ينبتن شيئا ،وما بذروه فل يرجعون منه إلى شيء ؛ ولهذا
ْ
ن{ صُنو َ ح ِ ما ت ُ ْ م ّ ن ِإل قَِليل ِ م ل َهُ ّ مت ُ ْ ما قَد ّ ْ ن َ قال } :ي َأك ُل ْ َ
ثم ِفيهِ ي َُغا ُ عا ٌ دب العام المتوالي بأنه يعقبهم بعد ذلك } َ ج ْثم بشرهم بعد ال َ
مطُر ،وُتغل البلد ،وَيعصُر الناس ما س { أي :يأتيهم الغيث ،وهو ال َ الّنا ُ
كانوا يعصرون على عادتهم ،من زيت ونحوه ،وسكر ونحوه حتى قال
ضا. بعضهم :يدخل ) (4فيه حلب اللبن أي ً
ن { يحلبون. صُرو َ قال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس } وَِفيهِ ي َعْ ِ
ْ ك َفاسأ َ َ
ما
ْ ُ َه ل َ ب
َ ّ ر لى ج ْ ِ
إ ع ل اْر ِ ل َقا َ سو ُ جاَءهُ الّر ُ ما َ ك ائ ُْتوِني ب ِهِ فَل َ ّ مل ِ ُل ال ْ َ } وََقا َ
َ
نخط ْب ُك ُ ّ ما َ ل َ م )َ (50قا َ ن عَِلي ٌ ن َرّبي ب ِك َي ْدِهِ ّ ن إِ ّ ن أي ْدِي َهُ ّ سوَةِ اللِتي قَط ّعْ َ ل الن ّ ْ َبا ُ
تسوٍء َقال َ ِ ن ُ م ْ مَنا عَل َي ْهِ ِ ما عَل ِ ْ ش ل ِل ّهِ َ حا َ ن َ سهِ قُل ْ َ ف ِ ن نَ ْ ف عَ ْ س َ ن ُيو ُ إ ِذ ْ َراوَد ْت ُ ّ
َ ا َ
ن) صادِِقي َ ن ال ّ م َ ه لَ ِ سهِ وَإ ِن ّ ُ ف ِ ن نَ ْ ه عَ ْ حقّ أَنا َراوَد ْت ُ ُ ص ال ْ َ ح َ ص َ ح ْ ن َ زيزِ ال َ ِ مَرأةُ ال ْعَ ْ
ن ){ (52 ني
ِ ِ ئ خا َ ْ لا د يَ ك دي ه ي ل ه ّ ل ال ن خنه بال ْغَيب وأ َ ُ ك ل ِيعل َم أ َني ل َم أ َ َ ِ لَ ذ (51
َ ْ َ ِ َْ َ ُ ِ ْ ِ َ ّ ْ ْ ّ َْ َ
__________
"استغليتم". : أ ، ت في )(1
"سنين". : أ ، ت في )(2
"سنين". : أ ، ت في )(3
"ويدخل". : أ ، ت في )(4
) (4/393
ن َرّبي غ َ ُ
فوٌر م َرّبي إ ِ ّ
ح َ سوءِ إ ِّل َ
ما َر ِ ماَرةٌ ِبال ّ
َ
س َل ّ
ف َ
ن الن ّ ْ
سي إ ِ ّ ما أ ُب َّرئُ ن َ ْ
ف ِ وَ َ
م )(53 حي ٌَر ِ
ن َرّبي غَ ُ
فوٌر م َرّبي إ ِ ّح َ ما َر ِسوِء ِإل َ ماَرة ٌ ِبال ّ سل ّ ف َ ن الن ّ ْ سي إ ِ ّ ما أ ُب َّرئُ ن َ ْ
ف ِ } وَ َ
م ){ (53 حي ٌ َر ِ
يقول تعالى إخباًرا عن الملك لما رجعوا إليه بتعبير رؤياه ،التي كان رآها ،
بما أعجبه وأينقه ،فعرف فضل يوسف ،عليه السلم ،وعلمه ]وحسن
اطلعه على رؤياه[ ) (1وحسن أخلقه على من ببلده من رعاياه ،فقال
} ائ ُْتوِني ب ِهِ { أي :أخرجوه من السجن وأحضروه .فلما جاءه الرسول بذلك
امتنع من الخروج حتى يتحقق الملك ورعيته براءة ساحته ،ونزاهة عرضه ،
مما نسب إليه من جهة امرأة العزيز ،وأن هذا السجن لم يكن على أمر
ك َفا َ
ما َبا ُ
ل سأل ْ ُ
ه َ ْ جعْ إ َِلى َرب ّ َ
يقتضيه ،بل كان ظلما وعدوانا ،قال } :اْر ِ
النسوة اللِتي قَط ّع َ
م{ ن عَِلي ٌن َرّبي ب ِك َي ْدِهِ ّن إِ ّ
ن أي ْدِي َهُ ّْ َ ّ ْ َ ِ
ُ
وقد وردت السنة بمدحه على ذلك ،والتنبيه على فضله وشرفه ،وعُلوّ قدره
وصبره ،صلوات الله
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (4/393
وسلمه عليه ،ففي المسند والصحيحين من حديث الزهري ،عن سعيد وأبي
سلمة ،عن أبي هريرة ،رضي الله عنه ،قال :قال رسول الله صلى الله
ي
ح ِ ف تُ ْب أ َرِِني ك َي ْ َ عليه وسلم " :نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال } َر ّ
ن قَل ِْبي { ]البقرة [260 : ال ْموتى َقا َ َ
ن ل ِي َط ْ َ
مئ ِ ّ ل ب ََلى وَل َك ِ ْ ن َقا َ ل أوَل َ ْ
م ت ُؤْ ِ
م ْ َ َْ
ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ،ولو لبثت في السجن ما
لبث يوسف لجبت الداعي" )(1
وقال المام أحمد أيضا :حدثنا عفان ،حدثنا حماد بن سلمة ،حدثنا محمد بن
عمرو ،عن أبي سلمة ،عن أبي هريرة ،عن النبي صلى الله عليه وسلم في
ل النسوة اللِتي قَط ّع َ قوله َ } :فا َ
م{ ن عَِلي ٌ ن َرّبي ب ِك َي ْدِهِ ّن إِ ّ
ن أي ْدِي َهُ ّْ َ ما َبا ُ ّ ْ َ ِ ه َ سأل ْ ُْ
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :لو كنت أنا لسرعت الجابة ،وما
ابتغيت العذر" ).(2
رمة قال : عك ِْ ِ عن ، دينار بن عمرو عن ، نة ي
ََُْيع ابن أخبرنا وقال عبد الرزاق :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :لقد عجبت من يوسف وصبره
سمان ،ولو كنت سئل عن البقرات الِعجاف وال ّ وكرمه ،والله يغفر له ،حين ُ
مكانه ما أجبتهم حتى أشترط أن يخرجوني .ولقد عجبت من يوسف وصبره
وكرمه ،والله يغفر له ،حين أتاه الرسول ،ولو كنت مكانه لبادرتهم الباب ،
ولكنه أراد أن يكون له العذر" .هذا حديث مرسل )(3
سهِ { إخبار عن ف ِن نَ ْ
ف عَ ْ س َ ن ُيو ُ ن إ ِذ ْ َراوَد ْت ُ ّ خط ْب ُك ُ ّ ما َ ل َ وقوله تعالى َ } :قا َ
الملك حين جمع الّنسوة اللتي قطعن أيديهن عند امرأة العزيز ،فقال
ن{ خط ْب ُ ّ
ُ ك ما َمخاطبا لهن كلهن -وهو يريد امرأة وزيره ،وهو العزيز َ } : -
سهِ { يعني :يوم الضيافة ؟ ف ِن نَ ْف عَ ْ س َ ن ُيو ُ أي :شأنكن وخبركن } إ ِذ ْ َراوَد ْت ُ ّ
سوٍء { أي :قالت النسوة جوابا للملك : ن ُ م ْ مَنا عَل َي ْهِ ِ ما عَل ِ ْ ش ل ِل ّهِ َ حا َ ن َ } قُل ْ َ
ما ،والله ما علمنا عليه من سوء .فعند ذلك } مت ّهَ َحاش لله أن يكون يوسف ُ
ْ َقال َت ا َ
حقّ { ص ال َ ح َ ص َ ح ْ ن َ زيزِ ال َ مَرأةُ ال ْعَ ِ ِ ْ
قال ابن عباس ،ومجاهد ،وغير واحد :تقول الن :تبين الحق وظهر وبرز.
َ
ي َراوَد َت ِْني
ن { أي :في قوله } :هِ َ صادِِقي َ ن ال ّ م َ ه لَ ِ سهِ وَإ ِن ّ ُ ف ِ ن نَ ْ ه عَ ْ } أَنا َراوَد ْت ُ ُ
َ َ
ب { تقول :إنما اعترفت بهذا ه ِبال ْغَي ْ ِخن ْ ُ
مأ ُ م أّني ل َ ْ ك ل ِي َعْل َ َ سي { } ذ َل ِ َ ف ِ ن نَ ْ عَ ْ
على نفسي ،ذلك ليعلم زوجي أن لم أخنه في نفس المر ،ول وقع المحذور
ت ليعلم أني الكبر ،وإنما راودت هذا الشاب مراودة ،فامتنع ؛ فلهذا اعترف ُ
سي { تقول المرأة : ف ِما أ ُب َّرئُ ن َ ْن وَ َ خائ ِِني َ دي ك َي ْد َ ال ْ َ ه ل ي َهْ ِ ن الل ّ َ
َ
بريئة } ،وَأ ّ
ولست أبرئ نفسي ،فإن النفس تتحدث ) (4وتتمنى ؛ ولهذا راودته لنها
ن
م َرّبي { أي :إل من عصمه الله تعالى } ،إ ِ ّ ح َ ما )َ (5ر ِ أمارة بالسوء ِ } ،إل َ
م { ).(6 حي ٌ فوٌر َر ِ َرّبي غ َ ُ
__________
) (1المسند ) (2/326وصحيح البخاري برقم ) (4694وصحيح مسلم برقم )
.(151
) (2المسند ) (2/347وقال الهيثمي في المجمع )" : (7/40وفيه محمد بن
عمرو ،وهو حسن الحديث".
) (3تفسير عبد الرزاق ) (282 ، 1/281وقد وصله إسحاق بن راهويه في
مسنده ومن طريقه الطبراني في المعجم الكبير ) (11/249من طريق
إبراهيم بن يزيد الخوزي عن عمرو بن دينار ،عن عكرمة ،عن ابن عباس
مرفوعا بنحوه .وفيه إبراهيم بن يزيد وهو متروك.
) (4في ت ،أ " :تحدث".
) (5في ت أ " :عن" وهو خطأ.
) (6في ت " :لغفور" وهو خطأ.
) (4/394
َ
ن
كي ٌ م ل َد َي َْنا َ
م ِ ك ال ْي َوْ َ
ل إ ِن ّ َ
ه َقا َم ُما ك َل ّ َ
سي فَل َ ّ ف ِ
ه ل ِن َ ْ
ص ُخل ِ ْ
ست َ ْ ل ال ْ َ
مل ِ ُ
ك ائ ُْتوِني ب ِهِ أ ْ وََقا َ
م )(55 ٌ َ ْ َ ْ ن )َ (54قا َ َ
فيظ عَِلي ٌ ح ِض إ ِّني َ ن الْر ِ خَزائ ِ ِ جعَلِني عَلى َ لا ْ مي ٌ
أ ِ
وهذا القول هو الشهر والليق والنسب بسياق القصة ومعاني الكلم .وقد
حكاه الماوردي في تفسيره ،وانتدب لنصره المام العلمة أبو العباس ابن
َتيمّية ،رحمه الله ،فأفرده بتصنيف على حدة )(1
مك ل ِي َعْل َ َ
وقد قيل :إن ذلك من كلم يوسف ،عليه السلم ،من قوله } :ذ َل ِ َ
ت الرسول ليعلم ب { اليتين أي :إنما َرد َد ْ ُ ه { في زوجته } ِبال ْغَي ْ ِ خن ْ ُم أَ ُأّني ل َ ْ
َ
َ م أَ ُ َ
ن
ب { } وَأ ّ ه { في زوجته } ِبال ْغَي ْ ِ خن ْ ُ الملك براءتي وليعلم العزيز } أّني ل َ ْ
سوِء { ]الية[ ماَرةٌ ِبال ّ سل ّ
ف َ ن الن ّ ْ
سي إ ِ ّ ف ِما أ ُب َّرئُ ن َ ْ ن وَ َ دي ك َي ْد َ ال ْ َ
خائ ِِني َ ه ل ي َهْ ِ الل ّ َ
) (2وهذا القول هو الذي لم يحك ابن جرير ول ابن أبي حاتم سواه.
ماك ، س َ كيع ،عن إسرائيل ،عن ِ وقال ابن جرير :حدثنا أبو ك َُرْيب ،حدثنا وَ ِ
رمة ،عن ابن عباس قال :لما جمع الملك النسوة فسألهن :هل عك ْ ِ عن ِ
ت َ
سوٍء قال ِ َ ن ُ م ْ َ
مَنا عَلي ْهِ ِ ما عَل ِ ْ ش ل ِلهِ َّ حا َ ن َ ْ ُ
راودتن يوسف عن نفسه ؟ } قل َ
َ َ ا َ
ن{ قي
ّ ِ ِ َ د صا ال ن
حق ّ أ َ َ َ ْ ُ ُ َ ْ َ ِ ِ َ ِ ّ ُ ِ َ
م ل ه نإ و ه س ْ ف ن ن ع ه ت د و را نا ص ال ْ َ ح َ ص َ ح ْ ن َ زيزِ ال َ ِ مَرأةُ ال ْعَ ْ
ن[ ني ئ خاَ ْ ل ا د ي َ ك دي ه ي ل ه ّ ل ال ن َ أو ] ب يَ غ ْ ل با ه ن خ
ُ َ أ م َ ل ني َ أ م َ ل ع ي ل َ
ك لَ ذ } َقا ُ ُ ُ
ف س يو َ
ل
ِِ َ ْ َ َْ ِ َ ْ ُ ِ ْ ِ َ ّ ْ ِ َِْ َ ّ
{ ) (3قال :فقال له جبريل ،عليه السلم :ول يوم هممت بما هممت به.
سوِء { )(4 ماَرةٌ ِبال ّ سل ّ ف َ ن الن ّ ْ سي إ ِ ّ ف ِ ما أ ُب َّرئُ ن َ ْ فقال } :وَ َ
ذيل ، جب َْير ،وعكرمة ،وابن أبي الهُ َ وهكذا قال مجاهد ،وسعيد بن ُ
سدي .والقول الول أقوى وأظهر ؛ لن والضحاك ،والحسن ،وقتادة ،وال ّ
سياق الكلم كله من كلم امرأة العزيز بحضرة الملك ،ولم يكن يوسف ،
عليه السلم ،عندهم ،بل بعد ذلك أحضره الملك.
َ ْ ّ َ
م لد َي َْنا َ
ل إ ِن ّك الي َوْ َ ه َقا َ م ُ ما ك َل َ سي فَل َ ّ ف ِ ه ل ِن َ ْ ص ُ خل ِ ْ ست َ ْك ائ ُْتوِني ب ِهِ أ ْ مل ِ ُ ل ال ْ َ } وََقا َ
م ){ (55 ٌ َ ْ ن )َ (54قا َ مكي َ
فيظ عَِلي ٌ ح ِ ض إ ِّني َ ن الْر ِ خَزائ ِ ِ جعَلِني عَلى َ لا ْ مي ٌ نأ ِ َ ِ ٌ
يقول تعالى إخباًرا عن الملك حين تحقق براءة يوسف ،عليه السلم ،
َ
سي { أي : ف ِه ل ِن َ ْ ص ُخل ِ ْ ست َ ْ ونزاهة عْرضه مما نسب إليه ،قال } :ائ ُْتوِني ب ِهِ أ ْ
ه { أي :خاطبه الملك وعرفه ، م ُ ما ك َل ّ َ صتي وأهل مشورتي } فَل َ ّ أجعله من خا ّ
خُلق وكمال قال له ُ و لقْ خ
َ من عليه هو ما وعلم ، وبراعته ورأى فضله
َ
ن { أي :إنك عندنا قد بقيت ذا مكانة مي ٌ نأ ِ كي ٌ م ِ م ل َد َي َْنا َ ك ال ْي َوْ َ الملك } :إ ِن ّ َ
ض إ ِّني ن الْر ِ خَزائ ِ ِ جعَل ِْني عََلى َ وأمانة ،فقال يوسف ،عليه السلم } :ا ْ
جِهل أمره ،للحاجة .وذكر م { مدح نفسه ،ويجوز للرجل ذلك إذا ُ ظ عَِلي ٌ في ٌ ح ِ َ
م { ذو علم وبصَر بما يتوله ).(5 ٌ لي
ِ َ ع } ، أمين خازن : أي { ٌ
ظ فيِ ح
َ } أنه
دب .رواه ابن ج ْ سني ال َ قال شيبة بن نعامة :حفيظ لما استودعتني ،عليم ب ِ ِ
أبي حاتم.
وسأل العمل لعلمه بقدرته عليه ،ولما في ذلك من المصالح للناس )(6
جَعل على وإنما سأل أن ي ُ ْ
__________
) (1انظر :مجموع الفتاوى لبن تيمية ).(10/298
) (2زيادة من ت ،أ.
) (3زيادة من ت ،أ.
) (4تفسير الطبري ).(16/143
) (5في ت " :نتوله".
) (6في ت " :مصالح الناس".
) (4/395
خزائن ) (1الرض ،وهي الهرام التي ) (2يجمع فيها الغلت ،لما يستقبلونه
من السنين التي أخبرهم بشأنها ،ليتصرف لهم على الوجه الحوط والصلح
ة له ؛ ولهذا قال تعالى : م ً
ة فيه ،وتكرِ َ والرشد ،فأجيب إلى ذلك رغب ً
ُ
ن
م ْ
مت َِنا َ
ح َ
ب ب َِر ْ
صي ُ ث يَ َ
شاُء ن ُ ِ حي ْ ُ
من َْها َ
ض ي َت َب َوّأ ِ
ف ِفي الْر ِ مك ّّنا ل ُِيو ُ
س َ } وَك َذ َل ِ َ
ك َ
َ
كاُنوا مُنوا وَ َ نآ َ ذي َ خي ٌْر ل ِل ّ ِ خَرةِ َ جُر ال ِ ن )َ (56ول ْ سِني َ ح ِ م ْ جَر ال ْ ُ ضيعُ أ ْ شاُء َول ن ُ ِ نَ َ
ن ){ (57 قو َ ي َت ّ ُ
ف في الرض { أي :أرض مصر } ،يتبوأ ُ ّ َ َ َ
َََ ّ ْ ِ س َ ِ مكّنا ل ُِيو ُ يقول تعالى } :وَكذل ِك َ
شاُء { ث يَ َ حي ْ ُ من َْها َ ِ
دي ،وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم :يتصرف فيها كيف يشاء. ّ ّ س ال قال
وقال ابن جرير :يتخذ منها منزل حيث يشاء ) (3بعد الضيق والحبس
َ
ن { أي :وما سِني َ ح ِ م ْجَر ال ْ ُ ضيعُ أ ْ شاُء َول ن ُ ِ ن نَ َ م ْ مت َِنا َ ح َ ب ب َِر ْ صي ُ والسار } .ن ُ ِ
أضعنا صبر يوسف على أذى إخوته ،وصبره على الحبس بسبب امرأة العزيز
جَر َ
ضيعُ أ ْ ؛ فلهذا أعقبه الله عز وجل السلمة والنصر والتأييد َ } ،ول ن ُ ِ
ن { يخبر تعالى أن ما قو َ كاُنوا ي َت ّ ُ مُنوا وَ َ نآ َ ذي َ خي ٌْر ل ِل ّ ِ خَرةِ َ جُر ال ِ ن َول ْ سِني َ ح ِ ال ْ ُ
م ْ
ادخره ) (4الله لنبيه يوسف ،عليه السلم ،في الدار الخرة أعظم وأكثر )
(5وأجل ،مما خوله من التصرف والنفوذ في الدنيا كما قال تعالى في حق
طاؤُنا َفامن َ َ
هن لَ ُ ب وَإ ِ ّ سا ٍ ح َ ك ب ِغَي ْرِ ِ س ْ م ِ ن أوْ أ ْ ْ ُ ْ ذا عَ َ َ سليمان ،عليه السلم } :هَ َ
ب { ]ص .[40 ، 39 : مآ ٍ ن َ س َ ح ْ فى وَ ُ عن ْد ََنا ل َُزل ْ َ ِ
ن بن الوليد الوزارة ملك مصر الريا ُ والغرض أن يوسف ،عليه السلم ،وله َ
في بلد مصر ،مكان الذي اشتراه من مصر زوج التي راودته ،وأسلم الملك
على يدي يوسف ،عليه السلم.
جعَل ِْني عََلى قاله مجاهد .وقال محمد بن إسحاق لما قال يوسف للملك } :ا ْ
م { قال الملك :قد فعلت .فوله فيما ذكروا ظ عَِلي ٌ في ٌ ح ِ ض إ ِّني َ ن الْر ِ خَزائ ِ ِ َ
عمل إطفير ) (6وعزل إطفير ) (7عما كان عليه ،يقول الله عز وجل :
ُ
ن
م ْ مت َِنا َ ح َ ب ب َِر ْ صي ُ شاُء ن ُ ِ ث يَ َ حي ْ ُ من َْها َ ض ي َت َب َوّأ ِف ِفي الْر ِ س َ مك ّّنا ل ُِيو ُ ك َ } وَك َذ َل ِ َ
هلك ن { فذكر لي -والله أعلم -أن إطفير )َ (8 ْ َ نَ َ
سِني َ ح ِ م ْ جَر ال ُ ضيعُ أ ْ شاُء َول ن ُ ِ
في تلك الليالي ،وأن الملك الريان بن الوليد زّوج يوسف امرأة إطفير )(9
راعيل ،وأنها حين دخلت عليه قال :أليس هذا خيرا مما كنت تريدين ؟
قال :فيزعمون أنها قالت :أيها الصديق ،ل تلمني ،فإني كنت امرأة كما
ترى حسناء جميلة ،ناعمة في ملك ودنيا ،وكان صاحبي ل يأتي النساء ،
وكنت كما جعلك الله في حسنك وهيئتك ) (10على ما رأيت ،فيزعمون أنه
وجدها عذراء ،فأصابها فولدت له رجلين أفرائيم بن يوسف ،وميشا بن
__________
) (1في ت " :خزان"
) (2في ت " :الذي".
) (3في ت " :شاء".
) (4في ت " :ذخره".
) (5في ت " :وأكبر".
) (6في ت " :إظفير".
) (7في ت " :إظفير".
) (8في ت " :إظفير".
) (9في ت " :إظفير".
) (10في ت " :وهيبتك".
) (4/396
م
جهَّزهُ ْ ما َ ن ) (58وَل َ ّ من ْك ُِرو َ
ه ُ م لَ ُم وَهُ ْ خُلوا عَل َي ْهِ فَعََرفَهُ ْ ف فَد َ َ س َ خوَة ُ ُيو ُ جاَء إ ِ ْ وَ َ
خي ُْر َ َ َ ْ ُ َ َ َ ُ َ ُ َ َ ْ َ َ
ن أّني أوِفي الكي ْل وَأَنا َ م أل ت ََروْ َ ن أِبيك ْ م ْ م ِم قال ائُتوِني ب ِأٍخ لك ْ جَهازِهِ ْ بِ َ
ُ َ َ َ ْ َ
َ
ن ) (60قالوا قَرُبو ِ دي وَل ت َ ْ عن ْ ِ م ِ ُ َ َ َ
م ت َأُتوِني ب ِهِ فل كي ْل لك ْ نل ْ َ
ن ) (59فإ ِ ْ من ْزِِلي َ ال ْ ُ
َ
م
حال ِهِ ْ م ِفي رِ َ ضاعَت َهُ ْجعَُلوا ب ِ َ فت َْيان ِهِ ا ْ ل لِ ِ ن ) (61وََقا َ عُلو َ ه أَباه ُ وَإ ِّنا ل َ َ
فا ِ سن َُراوِد ُ عَن ْ ُ َ
ّ َ َ َ َ
ن )(62 عو ج ر ي
ْ ِِ ْ َ ُ ْ َْ ِ ُ َم ه ل ع ل م ه ل ه أ لى إ
ْ ُ ِبوا ل َ ق نا ذاَ لَ َ ُ ْ َ ْ ِ َ َ ِ
إ ها ن فوُ رع ي م هّ ل ع
يوسف ) (1وولد لفرائيم نون ،والد يوشع بن نون ،ورحمة امرأة أيوب ،
عليه السلم.
مّر
وقال الفضيل بن عياض :وقفت امرأة العزيز على ظهر الطريق ،حتى َ
يوسف ،فقالت :الحمد لله الذي جعل العبيد ملوكا بطاعته ،والملوك عبيدا
بمعصيته.
ن ) (58وَل َ ّ
ما من ْك ُِرو َ ه ُ م لَ ُ م وَهُ ْ خُلوا عَل َي ْهِ فَعََرفَهُ ْ ف فَد َ َ س َ خوَة ُ ُيو ُ جاَء إ ِ ْ } وَ َ
ل وأناَ ُ َ َ َ َ
ن أّني أوِفي ال ْك َي ْ َ َ َ م أل ت ََروْ َ ن أِبيك ُ ْ م ْ م ِل ائ ُْتوِني ب ِأٍخ ل َك ُ ْ م َقا َ جَهازِهِ ْ م بِ َ جهَّزهُ ْ َ
ن )(60 بو ر ْ ق ت ول دي ن ع م ُ ك َ ل َ
ل يَ ك فل َ ه ب ني تو ْ أ ت مَ ل ن إَ ف (59 ) ن لي منز ْ لا ر ي خ
َ َ َ ُ ِ ْ ْ ِِ ْ ِ ِ ِ ِ ْ ْ َ ُ َ ِ ُ َ ُْ
ُ ُ َ َ
م ِفي ضاعَت َهُ ْجعَلوا ب ِ َ فت َْيان ِهِ ا ْل لِ ِ ن ) (61وََقا َ علو َ فا ِ ه أَباه ُ وَإ ِّنا ل َ سن َُراوِد ُ عَن ْ ُ َقاُلوا َ
َ
ن ){ (62 جُعو َ م ي َْر ِم ل َعَل ّهُ ْ قل َُبوا إ َِلى أهْل ِهِ ْ م ي َعْرُِفون ََها إ َِذا ان ْ َ م ل َعَل ّهُ ْ حال ِهِ ْ رِ َ
سدي ،ومحمد بن إسحاق ،وغيرهما من المفسرين :أن السبب الذي ذكر ال ّ
أقدم إخوة يوسف بلد مصر ،أن يوسف ،عليه السلم ،لما باشر الوزارة
م
ن الجدب ،وع ّ بمصر ،ومضت السبع السنين المخصبة ،ثم تلتها سني ُ
القحط بلد مصر بكمالها ،ووصل إلى بلد كنعان ،وهي التي فيها يعقوب ،
عليه السلم ،وأولده .وحينئذ احتاط يوسف ،عليه السلم ،للناس في
غلتهم ،وجمعها أحسن ) (2جمع ،فحصل من ذلك مبلغ عظيم ،وأهراَء
متعددة هائلة ،وورد عليه الناس من سائر القاليم والمعاملت ،يمتارون
لنفسهم وعيالهم ،فكان ل يعطى الرجل أكثر من حمل بعير في السنة.
وكان ،عليه السلم ،ل يشبع نفسه ول يأكل هو والملك وجنودهما إل أكلة
واحدة في وسط النهار ،حتى يتكفى الناس بما في أيديهم مدة السبع سنين.
وكان رحمة من الله على أهل مصر.
وما ذكره بعض المفسرين من أنه باعهم في السنة الولى بالموال ،وفي
الثانية بالمتاع ،وفي الثالثة بكذا ،وفي الرابعة بكذا ،حتى باعهم بأنفسهم
مّلك عليهم جميع ما يملكون ،ثم أعتقهم ورد ّ عليهم أموالهم وأولدهم بعدما ت َ َ
كلها ،الله ) (3أعلم بصحة ذلك ،وهو من السرائيليات التي ل تصدق ول
تكذب.
والغرض أنه كان في جملة من ورد للميرة إخوة ُ يوسف ،عن أمر أبيهم لهم
في ذلك ،فإنه بلغهم أن عزيز مصر يعطي الناس الطعام بثمنه ،فأخذوا
معهم بضاعة يعتاضون بها طعاما ،وركبوا عشرة نفر ،واحتبس يعقوب ،
عليه السلم ،عنده بنيامين شقيق يوسف ،عليهما ) (4السلم ،وكان أحب
ولده إليه بعد يوسف .فلما دخلوا على يوسف ،وهو جالس في أبهته ورياسته
ن { أي :ل يعرفونه ؛ من ْك ُِرو َ ه ُ م لَ ُ وسيادته ،عرفهم حين نظر إليهم } ،وَهُ ْ
لنهم فارقوه وهو صغير حدث فباعوه ) (5للسيارة ،ولم يدروا أين يذهبون
به ،ول كانوا يستشعرون في أنفسهم أن يصير إلى ما صار إليه ،فلهذا لم
يعرفوه ،وأما هو فعرفهم.
__________
) (1وهذا مما لم يرد به الكتاب ول السنة ،فمثله ل يعتمد فيه على رواية ابن
إسحاق رحمه الله.
"أتم". : ت في )(2
"والله". : ت في )(3
"عليه". : ت في )(4
"وباعوه". : ت في )(5
) (4/397
فذكر السدي وغيره :أنه شرع يخاطبهم ،فقال لهم كالمنكر عليهم :ما
أقدمكم بلدي ؟ قالوا :أيها العزيز ،إنا قدمنا للميرة .قال :فلعلكم عيون ؟
قالوا :معاذ الله .قال :فمن أين أنتم ؟ قالوا :من بلد كنعان ،وأبونا يعقوب
نبي الله .قال :وله أولد غيركم ؟ قالوا :نعم ،كنا اثني عشر ،فذهب
أصغرنا ،هلك في الب َرِّية ،وكان أحبنا إلى أبيه ،وبقي شقيقه فاحتبسه )(1
أبوه ليتسلى به عنه .فأمر بإنزالهم وإكرامهم.
م { أي :وَّفاهم كيلهم ،وحمل لهم أحمالهم قال : جَهازِهِ ْ م بِ َ جهَّزهُ ْ ما َ } وَل َ ّ
ن أ َّني َ
ائتوني بأخيكم هذا الذي ذكرتم ،لعلم صدقكم فيما ذكرتم } ،أل ت ََروْ َ
ن { يرغبهم في الرجوع إليه ،ثم َرهَّبهم فقال : منزِلي َ ل وَأ ََنا َ
خي ُْر ال ْ ُ ُأوِفي ال ْك َي ْ َ
ن { أي :إن لم تقدموا به قَرُبو ِ دي َول ت َ ْ عن ْ ِم ِ ل ل َك ُ ْم ت َأ ُْتوِني ب ِهِ َفل ك َي ْ َ ن لَ ْ } فَإ ِ ْ
سن َُراوِد ُ ُ
ن َقالوا َ قَرُبو ِ
معكم في المرة الثانية ،فليس لكم عندي ميرة َ } ،ول ت َ ْ
ن { أي :سنحرص على مجيئه إليك بكل ممكن ول نبقي عُلو َ فا ِ ه أ ََباه ُ وَإ ِّنا ل َ َ عَن ْ ُ
مجهودا لتعلم صدقنا فيما قلناه.
وذكر السدي :أنه أخذ منهم رهائن حتى يقدموا به معهم .وفي هذا نظر ؛
لنه أحسن إليهم ورغبهم كثيرا ،وهذا لحرصه ) (2على رجوعهم.
م { وهي التي قدموا بها ضاعَت َهُ ْ جعَُلوا ب ِ َ فت َْيان ِهِ { أي :غلمانه } ا ْ ل لِ ِ } وََقا َ
م { أي :في أمتعتهم من حيث ل يشعرون ، حال ِهِ ْ ليمتاروا عوضا عنها } ِفي رِ َ
ن { بها. جُعو َ م ي َْر ِ } ل َعَل ّهُ ْ
قيل :خشي يوسف ،عليه السلم ،أل يكون عندهم بضاعة أخرى يرجعون
للميرة بها .وقيل :تذمم أن يأخذ من أبيه وإخوته عوضا عن الطعام .وقيل :
عا لنه يعلم ذلك منهم )(3 جا وتور ً أراد أن يردهم إذا وجدوها في متاعهم تحر ً
والله أعلم.
َ َ ْ َ ُ َ َ
ل ْ
خاَنا ن َكت َ ْ معََنا أ َل َ س ْ ل فَأْر ِ َ
مّنا الكي ْ ُ م َقالوا َيا أَباَنا ُ
من ِعَ ِ جُعوا إ ِلى أِبيهِ ْ ما َر َ } فَل َ ّ
ن ){ (63 ظو َ حافِ ُ ه لَ َ وَإ ِّنا ل َ ُ
__________
) (1في ت " :فاحبسوه".
) (2في ت " :ولهذا بحرصه" وفي أ " :ولهذا يحرضهم".
) (3في ت ،أ " :منهم ذلك".
) (4/398
و حافِ ً
ظا وَهُ َ خي ٌْر َ ل َفالل ّ ُ
ه َ ن قَب ْ ُ
م ْ م عََلى أ َ ِ
خيهِ ِ من ْت ُك ُ ْ
ل آ َمنك ُم عَل َيه إّل ك َ َ
ما أ ِ
َ ْ ِ ِ ل هَ ْ َ ُ ْ َقا َ
ن )(64 َ
مي َح ِ
م الّرا ِ
ح ُأْر َ
حافِ ً
ظا خي ٌْر َ ه َل َفالل ّ ُ ن قَب ْ ُ م ْ م عََلى أ َ ِ
خيهِ ِ من ْت ُك ُ ْ
ل آمنك ُم عَل َيه إل ك َ َ
ما أ ِ َ ْ ِ ِ ل هَ ْ َ ُ ْ } َقا َ
ن ){ (64 َ
مي َ ح ِ
م الّرا ِ ح ُ وَهُوَ أْر َ
مّنا ال ْك َي ْ ُ َ
ل { يعنون من ِعَ ِ يخبر تعالى عنهم إنهم رجعوا إلى أبيهم } َقاُلوا َيا أَباَنا ُ
بعد هذه المرة ،إن لم ترسل معنا أخانا بنيامين ،فأرسله معنا نكتل.
ن { أي :ل ظو َ حافِ ُ ه لَ َوقرأ بعضهم ] :يكتل[ ) (1بالياء ،أي يكتل هو } ،وَإ ِّنا ل َ ُ
َ
معََنا
ه َ سل ْ ُتخف عليه فإنه سيرجع إليك .وهذا كما قالوا له في يوسف } :أْر ِ
ه َ
م عَلي ْ ِ من ُك ُ ْ لآ َ ن { ) (2؛ ولهذا قال لهم } :هَ ْ ظو َ حافِ ُ ه لَ َ
ب وَإ ِّنا ل َ ُ دا ي َْرت َعْ وَي َل ْعَ ْ غَ ً
َ َ َ
ل { أي :هل أنتم صانعون به إل كما صنعتم ن قَب ْ ُ م ْ
خيهِ ِ م عَلى أ ِ من ْت ُك ُ ْ
ما أ ِ ِإل ك َ َ
ً
خي ٌْر حفظا { ه َ ّ
بأخيه من قبل ،تغيبونه عني ،وتحولون بيني وبينه ؟ } َفالل ُ
ظا" حافِ ً وقرأ بعضهم َ " :
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2في ت ،أ " :نرتع ونلعب".
) (4/398
َ
ه
ما ن َب ِْغي هَذِ ِ م َقاُلوا َيا أَباَنا َ ت إ ِل َي ْهِ ْ م ُرد ّ ْ ضاعَت َهُ ْ دوا ب ِ َ ج ُ م وَ َ مَتاعَهُ ْ حوا َ ما فَت َ ُ وَل َ ّ
َ ف ُ َ
سيٌر ) ل يَ ِ ك ك َي ْ ٌل ب َِعيرٍ ذ َل ِ َ خاَنا وَن َْزَداد ُ ك َي ْ َ ظأ َ ح َ ميُر أهْل ََنا وَن َ ْ ت إ ِل َي َْنا وَن َ ِ ضاعَت َُنا ُرد ّ ْ بِ َ
حا َ َ ْ ُ
ط ن يُ َ ن الل ّهِ ل َت َأت ُن ِّني ب ِهِ إ ِّل أ ْ م َ قا ِ موْث ِ ً ن َ حّتى ت ُؤُْتو ِ م َ معَك ُ ْ ه َ سل َ ُ ن أْر ِ ل لَ ْ َ (65قا َ
ي َل َ
ل َيا ب َن ِ ّ ل ) (66وََقا َ كي ٌ ل وَ ِ قو ُ ما ن َ ُ ه عََلى َ ل الل ّ ُ م َقا َ قهُ ْ موْث ِ َ ما آت َوْه ُ َ م فَل َ ّ ب ِك ُ ْ
ّ ُ َ ُ ُ
نم ْن اللهِ ِ م َ م ِ ما أغِْني عَن ْك ُ ْ فّرقَةٍ وَ َ مت َ َب ُ وا ٍ ن أب ْ َ م ْ خلوا ِ حدٍ َواد ْ ُ ب َوا ِ ن َبا ٍ م ْ خلوا ِ ت َد ْ ُ
ما َ
ن ) (67وَل ّ ُ
مت َوَك ّلو َ ْ
ل ال ُ ْ
ت وَعَلي ْهِ فَلي َت َوَك ّ ِ َ ْ َ
م إ ِل ل ِلهِ عَلي ْهِ ت َوَك ّل ُ ّ ّ حك ْ ُ ْ
ن ال ُ يٍء إ ِ ِ ش ْ َ
ة
ج ً ّ ن َ ّ َ َ َ ُ
حا َ يٍء إ ِل َ ش ْ م ْ
ن اللهِ ِ م َم ِ ن ي ُغِْني عَن ْهُ ْ ما كا َ م َ م أُبوهُ ْ مَرهُ ْ ثأ َ حي ْ ُ ن َ م ْ خلوا ِ دَ َ
َ َ ْ َ َ ّ ْ َ
ن
مو َ س ل ي َعْل ُ ن أكث ََر الّنا ِ مَناه ُ وَلك ِ ّ ما عَل ْ علم ٍ ل ِ َ ذو ِ هل ُ ها وَإ ِن ّ ُ ضا َ ب قَ َ قو َ س ي َعْ ُ ف ِ ِفي ن َ ْ
)(68
) (4/399
ما َ
كاُنوا ك فََل ت َب ْت َئ ِ ْ
س بِ َ ل إ ِّني أ ََنا أ َ ُ
خو َ ف آ ََوى إ ِل َي ْهِ أ َ َ
خاهُ َقا َ خُلوا عََلى ُيو ُ
س َ وَل َ ّ
ما د َ َ
ن )(69 مُلو َ ي َعْ َ
يقول تعالى ،إخبارا عن يعقوب ،عليه السلم :إنه أمر بنيه لما جهزهم مع
أخيهم بنيامين إلى مصر ،أل يدخلوا كلهم من باب واحد ،وليدخلوا من أبواب
متفرقة ،فإنه كما قال ابن عباس ،ومحمد بن كعب ،ومجاهد ،والضحاك ،
دي :إنه خشي عليهم العين ،وذلك أنهم كانوا ذوي جمال س ّوقتادة ،وال ّ
وهيئة حسنة ،ومنظر وبهاء ،فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم ؛ فإن
العين حق ،تستنزل الفارس عن فرسه.
َ
بوا ٍ ن أب ْ َ م ْخُلوا ِ خعي في قوله َ } :واد ْ ُ وروى ابن أبي حاتم ،عن إبراهيم الن ّ ّ
فّرقَةٍ { قال :علم أنه سيلقى إخوته في بعض البواب. مت َ َ ُ
يٍء { أي :هذا الحتراز ل يرد قدر ش َ ن م ه ّ لال ن م م ُ ك نَ ع ني ِ ْ غ ُ أ ما و } : وقوله
ْ ْ ِ ِ َ ِ ْ ْ َ َ
حك ُْ
م ن ال ْ ُ ِ ِ إ } (2 ) يمانع ول يخالف ل شيئا أراد إذا الله فإن ؛ ( 1 ) الله وقضاءه
َ ُ َ ُ ْ ْ َ
م
مَرهُ ْ ثأ َ حي ْ ُ ن َ م ْ خلوا ِ ما د َ َ ن وَل ّ مت َوَكلو َ ّ ل ال ُ ّ
ت وَعَلي ْهِ فَلي َت َوَك ِ ِإل ل ِل ّهِ عَل َي ْهِ ت َوَكل ُ
ْ ّ
َ
ها
ضا َ ب قَ َ قو َ س ي َعْ ُف ِ ة ِفي ن َ ْ ج ًحا َ يٍء ِإل َ ش ْ ن َ م ْ ن الل ّهِ ِ م َ م ِ ن ي ُغِْني عَن ْهُ ْ كا َما َ م َ أُبوهُ ْ
مَناه ُ { قال قتادة ما عَل ّ ْ عل ْم ٍ ل ِ َذو ِ ه لَ ُ { قالوا :هي دفع إصابة العين لهم } ،وَإ ِن ّ ُ
ن َ
والثوري :لذو عمل بعلمه .وقال ابن جرير :لذو علم لتعليمنا إياه } ،وَلك ِ ّ
ن{ س ل ي َعْل َ ُ
مو َ ِ أ َك ْث ََر الّنا
ماس بِ َ ك َفل ت َب ْت َئ ِ ْ خو َل إ ِّني أ ََنا أ َ ُ خاهُ َقا َ ف آَوى إ ِل َي ْهِ أ َ َ س َ خُلوا عََلى ُيو ُ ما د َ َ } وَل َ ّ
ن ){ (69 مُلو َ كاُنوا ي َعْ َ َ
يخبر تعالى عن إخوة يوسف لما قدموا على يوسف ومعهم أخوه شقيقه
بنيامين ،فأدخلهم دار كرامته ومنزل ضيافته ،وأفاض عليهم الصلة واللطاف
والحسان ،واختلى بأخيه فأطلعه على شأنه ،وما جرى له ،وعَّرفه أنه أخوه
،وقال له " :ل تبتئس" أي :ل تأسف على ما صنعوا بي ،وأمره بكتمان ذلك
عنهم ،وأل يطلعهم على ما أطلعه عليه من أنه أخوه ،وتواطأ معه أنه
معّزًزا مكرما معظما.سيحتال على أن يبقيه عنده ُ ،
__________
) (1في ت " :قضاء الله وقدره".
) (2في ت " :ل يمانع ول يخالف".
) (4/400
ن أ َي ّت َُها ال ِْعيُر
مؤَذ ّ ٌ
خيه ث ُ َ
م أذ ّ َ
ن ُ لأ ِ ِ ّ
ة في رح َ
َ ْ ِ قاي َ َ ِ س َ
ل ال ّ جعَ َم َ جَهازِهِ ْ
م بِ َ
جهَّزهُ ْ ما َ فَل َ ّ
ن )َ (71قاُلوا ن َ ْ َ
واعَص َ
قد ُ ُ ف ِ دو َق ُ ماَذا ت َ ْ
ف ِ م َن )َ (70قاُلوا وَأقْب َُلوا عَل َي ْهِ ْ سارُِقو َ م لَ َإ ِن ّك ُ ْ
َ
م )(72 عي ٌ
ل ب َِعيرٍ وَأَنا ب ِهِ َز ِ م ُح ْجاَء ب ِهِ ِ ن َم ْ
ك وَل ِ َمل ِ ِال ْ َ
) (4/400
فضة يشربون فيه ،وكان مثل المكوك ،وكان للعباس مثُله في الجاهلية ،
َ
فوضعها في متاع بنيامين من حيث ل يشعر أحد ،ثم نادى مناد بينهم } :أي ّت َُها
ن َقاُلوا دو َ ق ُ
ف ِ ماَذا ت َ ْ ن { فالتفتوا إلى المنادي وقالوا َ } : سارُِقو َ م لَ َ ال ِْعيُر إ ِن ّك ُ ْ
ل ب َِعيرٍ { م ُ ح ْ جاَء ب ِهِ ِ ن َ م ْ ك { أي :صاعه الذي يكيل به } ،وَل ِ َ مل ِ ِ واعَ ال ْ َ ص َ قد ُ ُ ف ِنَ ْ
م { وهذا من باب الضمان والكفالة. َ
عي ٌ جَعالة } ،وَأَنا ب ِهِ َز ِ وهذا من باب ال ُ
ن )(73 سارِِقي َ ما ك ُّنا َ ض وَ َ سد َ ِفي الْر ِ ف ِ جئ َْنا ل ِن ُ ْ ما ِ م َ مت ُ ْ قد ْ عَل ِ ْ } َقاُلوا َتالل ّهِ ل َ َ
حل ِهِ فَهُ َ
و جد َ ِفي َر ْ ن وُ ِ م ْ جَزاؤُه ُ َ ن )َ (74قاُلوا َ كاذِِبي َ م َ ن ك ُن ْت ُ ْ جَزاؤُه ُ إ ِ ْ ما َ َقاُلوا فَ َ
َ م قَب ْ َ َ َ ّ جَزاؤُهُ ك َذ َل ِ َ
خيهِ ث ُ ّ
م عاِء أ ِ ل وِ َ ن ) (75فَب َد َأ ب ِأوْ ِ
عي َت ِهِ ْ مي َ زي الظال ِ ِ ج ِ ك نَ ْ َ
ن دي في ه خا َ أ َ ذ خ ْ أ ي ل ن كاَ ما ف س يو ل نا د ك َ
ك ل َ ذَ ك ه خي َ أ ِ ء عا
ِ ِ ِ ُ َ ُ َ ِ َ َ َ ُ ُ ِ َ ْ ِ ِ ِ ِ َ ا ْ َ َ َ ْ ِ
و ن مِ ها ج
َ ر خ
ْ َ ت س
م) علم ٍ عَِلي ٌ ْ ل ِذي ِ ُ
شاُء وَفَوْقَ ك ّ ن نَ َ م ْ ت َ جا ٍ ه ن َْرفَعُ د ََر َ ّ
شاَء الل ُ ن يَ َ ك ِإل أ ْ مل ِ ِ ال ْ َ
{ (76
قد ْ َ ّ
لما اتهمهم أولئك الفتيان بالسرقة ،قال لهم إخوة يوسف َ } :تاللهِ ل َ
ن { أي :لقد تحققتم وعلمتم سارِِقي َ ما ك ُّنا َ ض وَ َ سد َ ِفي الْر ِ ف ِ جئ َْنا ل ِن ُ ْ ما ِ م َ مت ُ ْ عَل ِ ْ
منذ ) (1عرفتمونا ،لنهم ) (2شاهدوا منهم سيرة حسنة ،أّنا ما جئنا للفساد
في الرض ،وما كنا سارقين ،أي :ليست سجايانا تقتضي هذه الصفة ،
جَزاؤُهُ { أي :السارق ،إن كان فيكم } إ ِ ْ
ن ما َ فقال ) (3لهم الفتيان } :فَ َ
ن { أي :أي شيء يكون عقوبته إن وجدنا فيكم من أخذه ) (4؟ } كاذِِبي َ م َ ك ُن ْت ُ ْ
ن{ مي َ ظال ِ ِزي ال ّ ج ِك نَ ْ جَزاؤُه ُ ك َذ َل ِ َ حل ِهِ فَهُوَ َ جد َ ِفي َر ْ ن وُ ِ م ْ جَزاؤُهُ َ َقاُلوا َ
وهكذا كانت شريعة إبراهيم :أن السارق يدفع إلى المسروق منه .وهذا هو
الذي أراد يوسف ،عليه السلم ؛ ولهذا بدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ،أي
خيهِ { فأخذه منهم بحكم عاِء أ َ ِ ن وِ َ م ْ جَها ِخَر َ ست َ ْ
ما ْ فتشها قبله ،تورية } ،ث ُ ّ
اعترافهم والتزامهم وإلزاما لهم بما يعتقدونه ؛ ولهذا قال تعالى } :ك َذ َل ِ َ
ك
ف { وهذا من الكيد المحبوب المراد الذي يحبه الله ويرضاه ،لما س َ ك ِد َْنا ل ُِيو ُ
فيه من الحكمة والمصلحة المطلوبة.
ْ
ك { أي :لم يكن له أخذه في مل ِ ِ ْ
ن ال َ خاه ُ ِفي ِدي ِ خذ َ أ َ َ
ن ل ِي َأ ُ ما َ
كا َ وقوله َ } :
حكم ملك مصر ،قاله الضحاك وغيره.
وإنما قيض الله له أن ) (5التزم له إخوته بما التزموه ،وهو كان يعلم ذلك
شاُء { كما ن نَ َ م ْت َ جا ٍمن شريعتهم ؛ ولهذا مدحه تعالى فقال } :ن َْرفَعُ د ََر َ
قال تعالى } :يرفَع الل ّه ال ّذين آمنوا منك ُم وال ّذي ُ
ت َوالل ّ ُ
ه جا ٍ
م د ََر َ ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ ِ ْ ْ َ ِ َ ُ ِ َ َ ُ َْ ِ
خِبيٌر { ]المجادلة .[11 : ن َ مُلو َ ما ت َعْ َ بِ َ
م { قال الحسن البصري :ليس عالم إل فوقه عالم لي ع
ِ ٍ َِ ٌ م ْ ل ع ذيِ ّ
ل ُ ك َ
} َ ْ َ
ق و ف و
،حتى ينتهي إلى الله عز وجل .وكذا َرَوى عبد الرزاق ،عن سفيان الثوري ،
عن عبد العلى الثعلبي ،عن سعيد بن جبير
__________
) (1في ت " :مذ".
) (2في ت " :ل لنهم".
) (3في أ " :فقالت".
) (4في أ " :فيهم من أخذها".
) (5في ت " :أنه".
) (4/401
خ ل َه من قَب ُ َ َ
ها سهِ وَل َ ْ
م ي ُب ْدِ َ ف ِ
ف ِفي ن َ ْ
س ُ
ها ُيو ُ
سّر َل فَأ َ سَرقَ أ ٌ ُ ِ ْ ْ قد ْ َسرِقْ فَ َن يَ ْ َقاُلوا إ ِ ْ
َ َ
ن )(77 فو َ ص ُ
ما ت َ ِ ه أعْل َ ُ
م بِ َ كاًنا َوالل ّ ُ
م َ
شّر َ م َ م َقا َ
ل أن ْت ُ ْ ل َهُ ْ
قال كنا عند ابن عباس فتحدث بحديث عجيب ،فتعجب رجل فقال :الحمد
لله فوق كل ذي علم عليم ]فقال ابن عباس :بئس ما قلت ،الله العليم ،
رمة ،عن ابن عباس : عك ْ ِوهو فوق كل عالم[ ) (1وكذا روى سماك ،عن ِ
م { قال :يكون هذا أعلم من هذا ،وهذا أعلم من عل ْم ٍ عَِلي ٌ ل ِذي ِ } وَفَوْقَ ك ُ ّ
هذا ،والله فوق كل عالم .وهكذا ) (2قال عكرمة.
م { حتى ينتهي العلم إلى الله ،منه عل ْم ٍ عَِلي ٌ ل ِذي ِ وقال قتادة } :وَفَوْقَ ك ُ ّ
ل عالم ُبدئ وتعلمت العلماء ،وإليه يعود ،وفي قراءة عبد الله "وَفَوْقَ ك ُ ّ
عليم".
َ َ
مسهِ وَل َ ْ
ف ِف ِفي ن َ ْس ُها ُيو ُ سّر َل فَأ َ ن قَب ْ ُ م ْه ِ خ لَ ُ سَرقَ أ ٌ قد ْ َ سرِقْ فَ َ ن يَ ْ } َقاُلوا إ ِ ْ
َ َ
ن ){ (77 فو َ ص ُ
ما ت َ ِم بِ َه أعْل َ ُ كاًنا َوالل ّ ُ
م َ شّر َ م َ ل أن ْت ُ ْم َقا َ ها ل َهُ ْ
ي ُب ْدِ َ
ن
صواع قد أخرج من متاع بنيامين } :إ ِ ْ وقال ) (3إخوة يوسف لما رأوا ال ّ
ل { يتنصلون إلى العزيز من التشبه ) (4به ، ن قَب ْ ُ
م ْ ه ِ خ لَ ُ سَرقَ أ َ ٌ قد ْ َ سرِقْ فَ َ يَ ْ
ويذكرون أن هذا فعل كما فََعل أخ له من قبل ،يعنون به يوسف ،عليه
السلم.
قال سعيد بن جبير ،عن قتادة ) (5كان يوسف قد سرق صنما لجده ،أبي
أمه ،فكسره.
جيح ،عن مجاهد قال :كان وقال محمد بن إسحاق ،عن عبد الله بن أبي ن َ ِ
أول ما دخل على يوسف من البلء ،فيما بلغني ،أن عمته ابنة إسحاق ،
وكانت أكبر ولد إسحاق ،وكانت إليها منطقة إسحاق ،وكانوا يتوارثونها
سَلما ل ينازع فيه ،يصنع فيه بالكبر ،فكان من اختباها ) (6ممن وليها كان له َ
ما يشاء ) (7وكان يعقوب حين وُلد له يوسف قد حضنته عمته ،فكان منها
وإليها ،فلم ُيحب أحد ٌ شيئا من الشياء حبها إياه ،حتى إذا ترعرع وبلغ
سنوات وقعت نفس يعقوب عليه فأتاها ،فقال :يا أخّيه ) (8سّلمى إل ّ
ي
يوسف ،فوالله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة .قالت :فوالله ما أنا
بتاركته .ثم قالت :فدعه عندي أياما أنظر إليه وأسكن عنه ،لعل ذلك
يسّليني عنه -أو كما قالت .فلما خرج من عندها يعقوب ،عمدت إلى منطقة
إسحاق ،فحزمتها على يوسف من تحت ثيابه ،ثم قالت :فقدت منطقة
إسحاق ،عليه السلم ،فانظروا من أخذها ومن أصابها ؟ فالتمست ثم قالت
:اكشفوا أهل البيت .فكشفوهم فوجدوها مع يوسف .فقالت :والله إنه لي
م ،أصنع فيه ما شئت .فأتاها يعقوب فأخبرته الخبر .فقال لها :أنت سل َ ٌ
ل َ
سَلم لك ما أستطيع غير ذلك .فأمسكته فما وذاك ،إن كان فعل ذلك فهو َ
قدر عليه يعقوب حتى ماتت .قال :فهو الذي يقول إخوة يوسف حين صنع
ل { ).(9 ن قَب ْ ُ
م ْ
ه ِ سَرقَ أ َ ٌ
خ لَ ُ سرِقْ فَ َ
قد ْ َ ن يَ ْ
بأخيه ما صنع حين أخذه } :إ ِ ْ
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2في ت ،أ " :وكذا".
) (3في ت ،أ " :فقال".
) (4في أ " :الشبه".
) (5في ت ،أ " :وقتادة".
) (6في أ " :اختانها".
) (7في ت ،أ " :ما شاء".
) (8في ت ،أ " :يا أخته".
) (9رواه الطبري في تفسير ).(16/196
) (4/402
) (4/403
ْ َ
ن ) (79فَل َ ّ
ما مو َ ظال ِ ُ عن ْد َه ُ إ ِّنا إ ًِذا ل َ َ مَتاعََنا ِ جد َْنا َ ن وَ َ م ْ خذ َ إ ِّل َ ن ن َأ ُ مَعاذ َ الل ّهِ أ ْ ل َ َقا َ
َ َ َ َ
مخذ َ عَل َي ْك ُ ْ
م قَد ْ أ َ ن أَباك ُ ْ موا أ ّ م ت َعْل َ ُ
م أل َ ْ ل ك َِبيُرهُ ْ جّيا َقا َ صوا ن َ ِ خل َ ُه َ من ْ ُ سوا ِ ست َي ْئ َ ُ ا ْ
ن َ ذْ أ ي تى ح ض رَ لْ ا ح ر بَ أ ن َ ل َ ف ف س يو في م ت ْ ط ر َ ف ما ُ
ل بَ ق ن م و ه ّ ل ال ن م قا ً
ْ َ َ ّ َ َ ْ َْ َ ُ ُ َ ّ ُ ْ ِ ِ َ ِ ْ ْ َ ِ َ مو ْ ِ
ث َ
قوُلوا َيا م فَ ُ َ
جُعوا إ َِلى أِبيك ُْ ر ا ( 80 ) ن مي ك حا ْ ل ا ر ي خ
َ و ه و لي ه ّ لال م ُ ك ح ي و َ أ بي َ أ لي
ْ ِ َ ِ ِ َ َ ُ َ ُْ ُ ِ ْ َ ْ َ ِ ِ
ن )(81 ظي ف حا ب ي غ ْ ل ل نا ُ ك ما و نا م ل ع ما ب ّ
ل إ نا د ه شَ ما و ق ر س َ
ك َ
ّ ِ ْ ِ َ ِ ِ َ َ ِ ْ َ َ َ َ ِ َْ ِ ِ َ َ َ َ َ َ أَ َ ِ ّ َْ
ن ب ا ن إ نا با
َ وا َ
ن )(82 صادُِقو َ ة ال ِّتي ك ُّنا ِفيَها َوال ِْعيَر ال ِّتي أقْب َل َْنا ِفيَها وَإ ِّنا ل َ َ قْري َ َ ل ال ْ َ سأ ِ َ ْ
عن ْد َه ُ إ ِّنا إ ًِذا ل َ َ ْ َ
ن ){ (79 مو َ ظال ِ ُ مَتاعََنا ِ جد َْنا َ ن وَ َ م ْ خذ َ ِإل َ ن ن َأ ُ مَعاذ َ الل ّهِ أ ْ ل َ } َقا َ
خذ بنيامين وتقرر تركه عند يوسف بمقتضى اعترافهم ،شرعوا لما تعين أ ْ
خا َ
ه أًبا شي ْ ً َ َ ْ َ ُ َ
نل ُ زيُز إ ِ ّيترققون له ويعطفونه عليهم ،ف } قالوا َيا أي َّها العَ ِ
ك َِبيًرا { يعنون :وهو يحبه حبا شديدا ويتسلى به عن ولده الذي فقده ،
ضا عنه } ،إ ِّنا ن ََرا َ م َ } فَ ُ َ
نم َ ك ِ عوَ ً ه { أي :بدله ،يكون عندك ِ كان َ ُ حد ََنا َ خذ ْ أ َ
مَعاذ َ ل َ ن { ) (1أي :من العادلين المنصفين القابلين للخيرَ } .قا َ سِني ْ َ ح ِ م ْ ال ْ ُ
َ
عن ْد َه ُ { أي :كما قلتم واعترفتم } ،إ ِّنا إ ًِذا مَتاعََنا ِ جد َْنا َ ن وَ َ م ْ خذ َ ِإل َ ن ن َأ ُ الل ّهِ أ ْ
ن { ]أي[ ) (2إن أخذنا بريئا بسقيم. مو َ ظال ِ ُ لَ َ
َ
خذ َ م قَد ْ أ َ َ ن أَباك ُ ْ
ل ك َبيرهُم أ َل َم تعل َموا أ َ َ
ّ ْ َْ ُ جّيا َقا َ ِ ُ ْ صوا ن َ ِ خل َ ُ ه َ من ْ ُ سوا ِ ست َي ْأ ُ ما ا ْ } فَل َ ّ
ف فَل َ َ
حّتى ض َ ح الْر َ ن أب َْر َ ْ س َ م ِفي ُيو ُ ما فَّرط ْت ُ ْ ل َ ن قَب ْ ُ م ْ ن الل ّهِ وَ ِ م َ قا ِ موْث ِ ً م َ عَل َي ْك ُ ْ
َ َ َ ْ
جُعوا إ َِلى أِبيك ُ ْ
م ن ) (80اْر ِ مي َ
حاك ِ ِ خي ُْر ال ْ َ ه ِلي وَهُوَ َ م الل ّ ُ حك ُ َ ن ِلي أِبي أوْ ي َ ْ ي َأذ َ َ
َ
ن)ظي َ حافِ ِ ب َ ما ك ُّنا ل ِل ْغَي ْ ِ مَنا وَ َ ما عَل ِ ْ شهِد َْنا ِإل ب ِ َ ما َ سَرقَ وَ َ ك َ ن اب ْن َ َ قوُلوا َيا أَباَنا إ ِ ّ
َ
فَ ُ
َ ْ َ ّ ْ ُ ّ ْ
ن ){ (82 صادُِقو َ ة الِتي كّنا ِفيَها َوالِعيَر الِتي أقْب َلَنا ِفيَها وَإ ِّنا ل َ قْري َ َ ل ال َ سأ ِ َ (81وا ْ
يخبر تعالى عن إخوة يوسف :أنهم لما يئسوا من تخليص أخيهم بنيامين ،
الذي قد التزموا لبيهم برده إليه ،وعاهدوه على ذلك ،فامتنع عليهم ذلك } ،
جّيا { يتناجون فيما بينهم. صوا { أي :انفردوا عن الناس } ن َ ِ خل َ ُ َ
م { وهو ُروبيل ،وقيل :يهوذا ،وهو الذي أشار عليهم بإلقائه ه
ِ ُ ُ ْ ر بي َ ك لَ َ
قا }
موا ّ ه عندما في البئر
__________
) (1في أ " :لنراك" وهو خطأ.
) (2زيادة من ت ،أ.
) (4/403
) (4/304
مصر ينتظر أمر الله فيه ،إما أن يرضى عنه أبوه فيأمره بالرجوع إليه ،وإما
و ْ أن يأخذ أخاه خفية ؛ ولهذا قال } :عَسى الل ّ َ
ه هُ َ ميًعا إ ِن ّ ُ ج ِ م َن ي َأت ِي َِني ب ِهِ ْ هأ ْ ُ َ
م { في أفعاله وقضائه وقدره. كي ُ م { أي :العليم بحالي } ،ال ْ َ
ح ِ ال ْعَِلي ُ
َ
ف { أي :أعرض عن بنيه وقال س َفى عََلى ُيو ُ س َل َيا أ َ م وََقا َ } وَت َوَّلى عَن ْهُ ْ
َ
ن
دد له حز ُ ج ّ ف{ َ س َ فى عََلى ُيو ُ س َ
ن يوسف القديم الول َ } :يا أ َ حز َ متذكرا ُ
البنين ) (1الحزن الدفين.
فريّ ،عن سعيد بن جبير ص ُقال عبد الرزاق ،أخبرنا الثوري ،عن سفيان العُ ْ
أنه قال :لم يعط أحد غيَر هذه المة السترجاع ،أل تسمعون إلى قول
َ
نحْز ِ ن ال ْ ُ م َ ت عَي َْناه ُ ِ ض ْف َواب ْي َ ّ س َ فى عََلى ُيو ُ س َ
يعقوب ،عليه السلم َ } :يا أ َ
م { أي :ساكت ل يشكو أمره إلى مخلوق ) (2قاله قتادة وغيره. ظي ٌ فَهُوَ ك َ ِ
م { كميد حزين. ظي ٌوقال الضحاك } :فَهُوَ ك َ ِ
قال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا حماد بن سلمة ]حدثنا أبو موسى[ ،
عن علي بن زيد ) (3عن الحسن ،عن الحنف بن قيس ،أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال " :إن داود عليه السلم ،قال :يا رب ،إن بني إسرائيل
يسألونك بإبراهيم وإسحاق ويعقوب ،فاجعلني لهم رابعا .فأوحى الله تعالى
إليه أن يا داود ،إن إبراهيم ألقي في النار بسببي فصبر ،وتلك بلية لم تنلك ،
وإن إسحاق بذل مهجة ) (4دمه في سببي فصبر ،وتلك بلية لم تنلك ،وإن
يعقوب أخذت منه حبيبه حتى ابيضت عيناه من الحزن ،فصبر ،وتلك بلية لم
تنلك".
وهذا مرسل ،وفيه نكارة ) (5؛ فإن الصحيح أن إسماعيل هو الذبيح ،ولكن
عان له مناكير وغرائب كثيرة ،والله أعلم. جد ْ َعلي بن زيد بن ُ
وأقرب ما في هذا أن يكون قد حكاه الحنف بن قيس ،رحمه الله ،عن بني
) (6إسرائيل ككعب ووهب ونحوهما ،والله أعلم ،فإن السرائيليين ينقلون
أن يعقوب كتب إلى يوسف لما احتبس أخاه بسبب السرقة يتلطف له في
رده ،ويذكر له أنهم أهل بيت مصابون بالبلء ،فإبراهيم ابتلي بالنار ،
وإسحاق بالذبح ،ويعقوب بفراق يوسف ،في حديث طويل ل يصح ،والله
أعلم ،فعند ذلك رق له بنوه ،وقالوا له على سبيل الرفق به والشفقة عليه :
حّتى ت َ ُ ف { أي :ل تفارق ت َذ َ ّ } َقاُلوا تالل ّه ت ْ ُ
ن
كو َ كر يوسف َ } ، س َ فت َأ ت َذ ْك ُُر ُيو ُ َ ِ َ
ن{ ْ َ
ضا { أي :ضعيف الجسم ،ضعيف القوة } ،أوْ ت َ ُ
كي َ ن الَهال ِ ِ م َ ن ِ كو َ حَر ً َ
يقولون :وإن استمر بك هذا الحال خشينا عليك الهلك والتلف.
حْزِني إ َِلى الل ّهِ { أي :أجابهم عما قالوا بقوله : كو ب َّثي وَ ُ ش ُ ما أ َ ْ } َقا َ
ل إ ِن ّ َ
ُ َ
حْزِني { شكو ب َّثي وَ ُ ما أ ْ } إ ِن ّ َ
__________
) (1في ت " :الثنين".
) (2تفسير عبد الرزاق ) (1/284وروى موصول ول يصح.
) (3في ت " :يزيد".
) (4في ت " :مهجته"
) (5ورواه ابن أبي شيبة في المصنف ) (11/554عن عفان ،عن حماد بن
سلمة به.
) (6في ت " :عن بعض بني".
) (4/405
َ
ن{ ما ل ت َعْل َ ُ
مو َ ن الل ّهِ َ
م َ
م ِأي :همي وما أنا فيه } إ َِلى الل ّهِ { وحده } وَأعْل َ ُ
أي :أرجو منه كل خير.
ن { ]يعني رؤيا يوسف أنها َ ّ َ َ
مو َما ل ت َعْل ُ
ن اللهِ َم َم ِ وعن ابن عباس } :وَأعْل ُ
صدق وأن الله ل بد أن يظهرها وينجزها .وقال العوفي عن ابن عباس :
َ
ن { ) (1أعلم أن رؤيا يوسف صادقة ،وأني مو َما ل ت َعْل َ ُ
ن الل ّهِ َ
م َ } وَأعْل َ ُ
م ِ
سوف أسجد له.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا الحسن بن عرفة ،حدثنا يحيى بن عبد الملك بن
أبي غَن َّية ،عن حفص بن عمر بن أبي الزبير ،عن أنس بن مالك ،رضي الله
عنه ،قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :كان ليعقوب النبي ،
وس مؤاخ له ،فقال له ذات يوم :ما الذي أذهب بصرك وق ّ عليه السلم ،أخ ُ
ظهرك ؟ قال :الذي ) (2أذهب بصري البكاء ) (3على يوسف ،وأما الذي
قوس ظهري فالحزن على بنيامين ،فأتاه جبريل ،عليه السلم ،فقال :يا
يعقوب ،إن الله ُيقرئك السلم ويقول لك :أما تستحيي أن تشكوني إلى
غيري ؟ فقال يعقوب :إنما أشكو بثي وحزني إلى الله .فقال جبريل ،عليه
السلم :الله أعلم بما تشكو" ).(4
وهذا حديث غريب ،فيه نكارة.
__________
) (1زيادة من ت.
) (2في أ " :أما الذي".
) (3في ت ،أ " :فالبكاء".
) (4ورواه الحاكم في المستدرك ) (2/348من طريق أبي بكر بن أبي
شيبة ،عن يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية ،عن حفص بن عمر ابن الزبير ،
عن أنس بنحوه ،وقال الحاكم " :حفص بن عمر بن الزبير ،وأظن الزبير
وهما من الراوي فإنه حفص بن عمر بن عبد الله بن أبي طلحة النصاري".
ورواه إسحاق بن راهويه ومن طريقه الحاكم في المستدرك ) (2/348من
طريق يحيى بن عبد الملك ،عن أنس بن مالك مرسل .ورواه ابن أبي الدنيا
في "الفرج بعد الشدة" برقم ) (47من طريق زافر بن سليمان عن يحيى بن
عبد الملك عن رجل ،عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعا .ورواه
الطبراني في الوسط برقم )" (3341مجمع البحرين" من طريق وهب بن
بقية عن يحيى بن عبد المطلب عن حصين بن عمر الحمسي عن أبي الزبير
عن أنس مرفوعا .وبهذا يتبين أن الحديث مضطرب.
) (4/406
ه َل ن َروِْح الل ّهِ إ ِن ّ ُ م ْ
سوا ِ خيهِ وََل ت َي ْئ َ ُ ف وَأ َ ِ
س َ ن ُيو ُ م ْسوا ِ س ُ ح ّ ي اذ ْهَُبوا فَت َ َ َيا ب َن ِ ّ
َ ُ َ َ ُ َ َ َ ْ ْ ّ ّ
خلوا عَلي ْهِ قالوا َيا أي َّها ما د َ َ
َ
ن ) (87فل ّ م الكافُِرو َ قو ْ ُ ن َروِْح اللهِ إ ِل ال َ م ْ س ِ ي َي ْئ َ ُ
صد ّقْ عَل َي َْنا ف ل ََنا ال ْك َي ْ َ َ
ل وَت َ َ جاةٍ فَأوْ ِ مْز َ ضاعَةٍ ُ جئ َْنا ب ِب ِ َ ضّر وَ ِ سَنا وَأهْل ََنا ال ّ م ّ زيُز َ ال ْعَ ِ
ن )(88 صد ِّقي َ مت َ َ زي ال ْ ُ ج ِ ه يَ ْ ن الل ّ َ إِ ّ
َ
هل ن َروِْح الل ّهِ إ ِن ّ ُ م ْسوا ِ خيهِ َول ت َي ْأ ُ ف وَأ َ ِ س َ ن ُيو ُ م ْ سوا ِ س ُ ح ّ ي اذ ْهَُبوا فَت َ َ } َيا ب َن ِ ّ
َ ُ
خلوا عَلي ْهِ َقالوا َيا أي َّها َ ُ َ َ ْ ْ ّ
ما د َ َ ن ) (87فَل ّ م الكافُِرو َ قو ْ ُ ن َروِْح اللهِ ِإل ال َ م ْ س ِ ي َي ْئ َ ُ
َ ْ َ َ َ َ
صد ّقْ عَلي َْنا ل وَت َ َ َ
ف لَنا الكي ْ َ جاةٍ فأوْ ِ َ مْز َ ضاعَةٍ ُ جئَنا ب ِب ِ َ ْ ضّر وَ ِ سَنا وَأهْلَنا ال ّ م ّ زيُز َ ال ْعَ ِ
ن ){ (88 صد ِّقي َ مت َ َ زي ال ْ ُ ج ِ ه يَ ْ ن الل ّ َ إِ ّ
يقول تعالى مخبرا عن يعقوب ،عليه السلم ،إنه ندب بنيه على ) (1الذهاب
في الرض ،يستعلمون أخبار يوسف وأخيه بنيامين.
والتحسس ) (2يكون في الخير ،والتجسس يستعمل في الشر.
ون َّهضهم وبشرهم وأمرهم أل ييأسوا من روح الله ،أي :ل يقطعوا رجاءهم
وأملهم من الله فيما يرومونه ويقصدونه ) (3فإنه ل يقطع الرجاء ،ويقطع
الياس من الله إل القوم الكافرون ).(4
خُلوا عَل َي ْهِ { تقدير الكلم :فذهبوا فدخلوا بلد ) (5مصر ، ما د َ َ وقوله } :فَل َ ّ
ودخلوا على يوسف ،
__________
) (1في أ " :إلى".
) (2في ت " :والتجسس".
) (3في ت ،أ " :ويقصدون له".
) (4في ت " :الكافرين".
) (5في أ " :بلد".
) (4/406
َ َ
ضّر { يعنون من الجدب والقحط وقلة سَنا وَأهْل ََنا ال ّ م ّ زيُز َ } َقاُلوا َيا أي َّها ال ْعَ ِ
جاةٍ { أي :ومعنا ثمن الطعام الذي تمتاره ،وهو مْز َ ضاعَةٍ ُ جئ َْنا ب ِب ِ َ
الطعام } ،وَ ِ
ثمن قليل .قاله مجاهد ،والحسن ،وغير واحد.
خلق الِغرارة ،والحبل ، َ فق ،مثل َ وقال ابن عباس :الرديء ) (1ل َين ُ
والشيء ،وفي رواية عنه :الدراهم الرديئة التي ل تجوز إل بنقصان .وكذا
قال قتادة ،واّلسدي.
سول. ف ُوقال سعيد بن جبير ]وعكرمة[ ) (2هي الدراهم ال ُ
وقال أبو صالح :هو الصنوبر وحبة الخضراء.
وقال الضحاك :كاسدة ل تنفق.
ب الب ُطم الخضر والصنوبر. ْ ح ّ وقال أبو صالح :جاءوا ب َ
وأصل الزجاء :الدفع لضعف الشيء ،كما قال حاتم الطائي :
مل )(3معَ الليل أر َ ة ت ُْزجي َ مل َ ٌعَ ...وأر َ مد َفّ ٌ ف ُ ضي ٌ ن َ حا َ مل ْ َ
على ِ لي َْبك َ
وقال أعشى بني ثعلبة :
فاَلها )(4
فها أط ْ َ خل ْ َ
جي َ عوًذا ت َُز ّ دهاُ ... عب ِ جان و َ ب المائةِ اله َ واه ُ ال َ
ف ل ََنا ال ْك َي ْ َ َ
ل { أي :أعطنا بهذا الثمن القليل ما وقوله إخبارا عنهم } :فَأوْ ِ
كنت تعطينا قبل ذلك .وقرأ ابن مسعود " :فأوقْر ركابنا وتصدق علينا".
صد ّقْ عَل َي َْنا { بَرد ّ أخينا إلينا. وقال ابن جريج } :وَت َ َ
صد ّقْ عَل َي َْنا { يقولون :تصدق علينا وقال سعيد بن جبير والسدي } :وَت َ َ
بقبض هذه البضاعة المزجاة ،وتجوز فيها.
وسئل سفيان بن عُي ُي َْنة :هل حرمت الصدقة على أحد من النبياء قبل النبي
ف ل ََنا ال ْك َي ْ َ َ
ق
صد ّ ْ
ل وَت َ َ صلى الله عليه وسلم ؟ فقال :ألم تسمع قوله } :فَأوْ ِ
ن { رواه ابن جرير عن الحارث ،عن القاسم ، صد ِّقي َ زي ال ْ ُ
مت َ َ ج ِ ن الل ّ َ
ه يَ ْ عَل َي َْنا إ ِ ّ
عنه ).(6) (5
وقال ابن جرير :حدثنا الحارث ،حدثنا القاسم ،حدثنا مروان بن معاوية ،
عن عثمان بن السود :سمعت مجاهدا وسئل :هل يكره أن يقول الرجل
في دعائه :اللهم تصدق علي ؟ فقال :نعم ،إنما الصدقة لمن يبتغي الثواب.
__________
) (1في ت ،أ " :الردي الذي ل ".
) (2زيادة من ت ،أ.
) (3البيت في تفسير الطبري ).(16/235
) (4البيت في تفسير الطبري ).(16/235
) (5في أ " :به".
) (6تفسير الطبري ).(16/242
) (4/407
) (4/408
) (4/409
َ م أ َقُ ْ قاه عََلى وجهه َفارتد بصيرا َقا َ َ َ َ
م إ ِّني أعْل َ ُ
م ل ل َك ُ ْ ل أل َ ْ َ ْ ِ ِ ْ َ ّ َ ِ ً شيُر أل ْ َ ُ جاَء ال ْب َ ِ
ن َ ما أ ْفَل َ ّ
فْر ل ََنا ذ ُُنوب ََنا إ ِّنا ك ُّنا َ َ
ن) خاط ِِئي َ ست َغْ ِ ن )َ (96قاُلوا َيا أَباَنا ا ْ مو َما َل ت َعْل َ ُ ن الل ّهِ َم َ ِ
م )(98 ْ ُ َ َ َ (97قا َ
حي ُفوُر الّر ِ ه هُوَ الغَ ُ م َرّبي إ ِن ّ ُ
فُر لك ْ ست َغْ ِفأ ْ سوْ َ ل َ
) (4/410
شاَء الل ّ ُ
ه ن َ صَر إ ِ ْْ خُلوا ِ
م ف آَوى إ ِل َي ْهِ أ َب َوَي ْهِ وََقا َ
ل اد ْ ُ س َخُلوا عََلى ُيو ُ ما د َ َ } فَل َ ّ
ْ َ َ
ذا ت َأِوي ُ
ل ت هَ َ ل َيا أب َ ِ دا وََقا َ ج ًس ّه ُ خّروا ل َ ُ ش وَ َ ْ َ
ن ) (99وََرفَعَ أب َوَي ْهِ عَلى العَْر ِ مِني َ آ ِ
َ َ َ
ن
ج ِ س ْن ال ّ م َجِني ِ خَر َن ِبي إ ِذ ْ أ ْ س َ ح َقا وَقَد ْ أ ْ ح ّ جعَلَها َرّبي َ ل قَد ْ َ ن قَب ْ ُم ْ ُرؤَْيايَ ِ
َ َ ْ
ن َرّبي خوَِتي إ ِ ّ ن إِ ْ ن ب َي ِْني وَب َي ْ َ شي ْطا ُ َ
ن نزغ ال ّ ن ب َعْد ِ أ ْم ْن الب َد ْوِ ِ م َم ِ جاَء ب ِك ُ ْ وَ َ
م ){ (100 كي ُ
ح ِ م ال َْ ْ
ه هُوَ العَِلي ُ شاُء إ ِن ّ ُما ي َ َف لِ َ طي ٌ لَ ِ
يخبر تعالى عن ورود يعقوب ،عليه السلم ،على يوسف ،عليه السلم ،
وقدومه بلد ) (1مصر ،لما كان يوسف قد تقدم إلى إخوته أن يأتوه بأهلهم
أجمعين ،فتحملوا عن آخرهم وترحلوا من بلد كنعان قاصدين بلد )(2
مصر ،فلما أخبر يوسف ،عليه السلم ،باقترابهم خرج لتلقيهم ،وأمر
]الملك[ ) (3أمراءه وأكابر الناس بالخروج ]مع يوسف[ ) (4لتلقي نبي الله
يعقوب ،عليه السلم ،ويقال :إن الملك خرج أيضا لتلقيه ،وهو الشبه.
صَر { على كثير ) (5من م ْ خُلوا ِ ل اد ْ ُوقد أشكل قوله } :آَوى إ ِل َي ْهِ أ َب َوَي ْهِ وََقا َ
المفسرين ،فقال بعضهم :هذا من المقدم والمؤخر ،ومعنى الكلم :
ن { وآوى إليه أبويه ،ورفعهما على مِني َ شاَء الل ّ ُ
هآ ِ ن َصَر إ ِ ْم ْ خُلوا ِ ل اد ْ ُ} وََقا َ
العرش.
دي :أن س
ّ ّ ال عن حكاه ما اختار ثم ذلك. في وأجاد هذا. جرير ابن وقد رد
خُلوا يوسف آوى إليه أبويه لما تلقاهما ،ثم لما وصلوا باب البلد قال } :اد ْ ُ
ن{مِني َ هآ ِ شاَء الل ّ ُ ن َ صَر إ ِ ْم ْ ِ
َ
وفي هذا نظر أيضا ؛ لن اليواء إنما يكون في المنزل ،كقوله } :آَوى إ ِلي ْهِ
خاهُ { وفي الحديث " :من أوى محدثا" وما المانع أن يكون قال لهم بعدما أَ َ
شاءَ ن َ منه :اسكنوا مصر } إ ِ ْ صَر { وض ّ م ْخُلوا ِ دخلوا عليه وآواهم إليه } :اد ْ ُ
ن { أي :مما كنتم فيه من الجهد والقحط ،ويقال -والله أعلم : - مِني َهآ ِالل ّ ُ
إن الله تعالى رفع عن أهل مصر بقية السنين المجدبة ببركة قدوم يعقوب
عليهم ،كما رفع بقية السنين التي دعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
على أهل مكة حين قال " :اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف" ،ثم لما
تضرعوا إليه واستشفعوا لديه ،وأرسلوا أبا سفيان في ذلك ،فدعا لهم ،
فَُرفِعَ عنهم بقية ذلك ببركة دعائه ،عليه السلم ).(6
وقوله } :آَوى إ ِل َي ْهِ أ َب َوَي ْهِ { قال السدي ،وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم :
إنما كان أباه ) (7وخالته ،وكانت أمه قد ماتت قديما.
وقال محمد بن إسحاق وابن جرير :كان أبوه وأمه يعيشان.
قال ابن جرير :ولم يقم دليل على موت أمه ،وظاهر القرآن يدل على
حياتها .وهذا الذي نصره
__________
) (1في أ " :على".
) (2في ت ،أ " :ديار".
) (3زيادة من ت ،أ.
) (4زيادة من ت ،أ.
) (5في ت " :كثيرين".
) (6رواه البخاري في صحيحه برقم ) (1007من حديث عبد الله بن مسعود
رضي الله عنه.
) (7في ت " :أبوه".
) (4/411
) (4/412
ْ
ت
ماَوا ِس َث َفاط َِر ال ّ حاِدي ِ ل اْل َ َ
ن ت َأِوي ِ
م ْ
مت َِني ِك وَعَل ّ ْمل ْ ِ
ن ال ْ ُ ب قَد ْ آ َت َي ْت َِني ِ
م َ َر ّ
ْ َ َ ْ َ َ ْ
ن)
حي َ
صال ِ ِ
قِني ِبال ّ ح ْ
ما وَأل ِ سل ِ ًم ْ خَرةِ ت َوَفِّني ُ
ت وَل ِّيي ِفي الد ّن َْيا َوال ِ ض أن ْ َ َوالْر ِ
(101
ن َرّبي شي ْ َ
ن نزغَ ال ّ َ
خوَِتي { ]ثم قال[ ) } (1إ ِ ّ
ن إِ ْ
ن ب َي ِْني وَب َي ْ َطا ُ ن ب َعْد ِ أ ْم ْ
} ِ
و ه هن
ِّ ُ ُ َ إ } ، وقدره ويسره أسبابا له قيض أمرا أراد إذا : أي { ُ ء َ
شا طي ٌ ِ َ َ
ي مال ف لَ ِ
م { في أفعاله وأقواله ،وقضائه وقدره ،وما كي ُ
ح ِ م { بمصالح عباده } ال ْ َ ال ْعَِلي ُ
يختاره ويريده.
قال أبو عثمان النهدي ،عن سليمان ) (2كان بين رؤيا يوسف وتأويلها
أربعون سنة.
قال عبد الله بن شداد :وإليها ) (3ينتهي أقصى الرؤيا .رواه ابن جرير.
وقال أيضا :حدثنا عمرو بن علي ،حدثنا عبد الوهاب الثقفي ،حدثنا هشام ،
عن الحسن قال :كان منذ ) (4فارق يوسف يعقوب إلى أن التقيا ،ثمانون
سنة ،لم يفارق في الحزن قلبه ،ودموعه تجري على خديه ،وما على وجه
الرض عبد أحب إلى الله من يعقوب ).(5
شْيم ،عن يونس ،عن الحسن :ثلث وثمانون سنة. وقال هُ َ
وقال مبارك بن فضالة ،عن الحسن :ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع
عشرة سنة ،فغاب عن أبيه ثمانين ) (6سنة ،وعاش بعد ذلك ثلثا وعشرين
سنة ،فمات وله عشرون ومائة سنة.
وقال قتادة :كان بينهما خمس وثلثون سنة.
وقال محمد بن إسحاق ُ :ذكر -والله أعلم -أن غيبة يوسف عن يعقوب كانت
ثماني عشرة سنة -قال :وأهل الكتاب يزعمون أنها كانت أربعين ) (7سنة
أو نحوها ،وأن يعقوب ،عليه السلم ،بقي مع يوسف بعد أن قدم عليه
مصر سبع عشرة سنة ،ثم قبضه الله إليه.
سِبيعي ،عن أبي عبيدة ،عن عبد الله بن مسعود قال : وقال أبو إسحاق ال ّ
دخل بنو إسرائيل مصر ،وهم ثلثة وستون إنسانا ،وخرجوا منها وهم ستمائة
ألف وسبعون ألفا.
وقال أبو إسحاق ،عن مسروق :دخلوا وهم ثلثمائة وتسعون من بين رجل
وامرأة .والله ) (8أعلم.
قَرظي ،عن عبد الله بن شداد وقال موسى بن عبيدة ،عن محمد بن كعب ال ُ
:اجتمع آل يعقوب إلى يوسف بمصر .وهم ستة وثمانون إنسانا ،صغيرهم
وكبيرهم ،وذكرهم وأنثاهم ،وخرجوا منها وهم ستمائة ألف ونيف.
ْ
ت
ماَوا ِس َث َفاط َِر ال ّ حاِدي ِ
ل ال َ ن ت َأِوي ِ
م ْ ك وَعَل ّ ْ
مت َِني ِ مل ْ ِ
ن ال ْ ُم َب قَد ْ آت َي ْت َِني ِ} َر ّ
ْ َ َ
ن)حي َصال ِ ِ
قِني ِبال ّح ْ
ما وَأل ِسل ِ ًم ْخَرةِ ت َوَفِّني ُ
ت وَل ِّيي ِفي الد ّن َْيا َوال ِ ض أن ْ َ َوالْر ِ
{ (101
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2في أ " :عن سلمان قال".
) (3في ت " :وإليه".
) (4في ت " :مذ".
) (5تفسير الطبري ).(1/273
) (6في أ " :ثمانون".
) (7في أ :أربعون".
) (8في ت ،أ " :فالله".
) (4/413
هذا دعاء من يوسف الصديق ،دعا به ربه عز وجل ،لما تمت النعمة عليه ،
ن الله به عليه من النبوة والملك ،سأل ربه
م ّ
باجتماعه بأبويه وإخوته ،وما َ
عز وجل ،كما أتم نعمته عليه في الدنيا أن يستمر بها عليه في الخرة ،وأن
يتوفاه مسلما حين يتوفاه .قاله الضحاك ،وأن يلحقه بالصالحين ،وهم
إخوانه من النبيين والمرسلين ،صلوات الله وسلمه ]عليه و[ ) (1عليهم
أجمعين.
وهذا الدعاء يحتمل أن يوسف ،عليه السلم ،قاله عند احتضاره ،كما ثبت
في الصحيحين عن عائشة ،رضي الله عنها ؛ أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم جعل يرفع أصبعه عند الموت ،ويقول " :اللهم في الرفيق العلى ،
اللهم في الرفيق العلى ،اللهم في الرفيق العلى" ).(2
ويحتمل أنه سأل الوفاة على السلم واللحاق بالصالحين إذا حان أجله ،
وانقضى عمره ؛ ل أنه سأل ذلك منجزا ،كما يقول الداعي لغيره " :أماتك
الله على السلم" .ويقول الداعي " :اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين
وألحقنا بالصالحين".
ويحتمل أنه سأل ذلك منجًزا ،وكان ذلك سائغا في ملتهم ،كما قال قتادة :
ن { لما جمع الله شمله وأقر حي َ صال ِ ِ
قِني ِبال ّ ح ْما وَأ َل ْ ِ سل ِ ً
م ْقوله } :ت َوَفِّني ُ
عينه ،وهو يومئذ مغمور في الدنيا وملكها وغضارتها ،فاشتاق ) (3إلى
الصالحين قبله ،وكان ابن عباس يقول :ما تمنى نبي قط الموت قبل
يوسف ،عليه السلم.
وكذا ذكر ابن جرير ) (4والسدي عن ابن عباس :أنه أول نبي دعا بذلك.
وهذا يحتمل أنه أول من سأل الوفاة على السلم .كما أن نوحا أول من
مًنا { ]نوح [28 :ويحتمل مؤ ْ ِ
ي ُل ب َي ْت ِ َخ َ ن دَ َم ْ
وال ِد َيّ وَل ِ َ فْر ِلي وَل ِ َ ب اغ ْ ِقال َ } :ر ّ
أنه أول من سأل نجاز ذلك ،وهو ظاهر سياق قتادة ،ولكن هذا ل يجوز )(5
في شريعتنا.
قال المام أحمد بن حنبل ،رحمه الله :حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ،حدثنا
عبد العزيز بن صهيب ،عن أنس بن مالك قال :قال رسول الله صلى الله
ضّر نزل به ،فإن كان ل بد ّ )(6 عليه وسلم " :ل يتمنين أحدكم الموت ل ُ
متمنيا الموت فليقل :اللهم أحيني ما كانت الحياة خيًرا لي ،وتوفني إذا
كانت الوفاة خيًرا لي" ).(7
]ورواه البخاري ومسلم ،وعندهما " :ل يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به
إما محسنا فيزداد ،وإما مسيئا فلعله يستعتب ،ولكن ليقل :اللهم ،أحيني
ما كانت الحياة خيرا لي ،وتوفني إذا كانت الوفاة
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2صحيح البخاري برقم ) (4437وصحيح مسلم برقم ).(2444
) (3في ت ،أ " :واشتاق".
) (4في ت ،أ " :جريج".
) (5في ت ،أ " :ل يجوز هذا".
) (6في ت ،أ " :كان ول بد".
) (7المسند ).(3/101
) (4/414
) (4/415
للمؤمن ]من الفتنة[ ) (1ويكره قلة المال ،وقلة المال أقل للحساب" ).(2
حلول الفتن في الدين يجوز سؤال الموت ؛ ولهذا قال علي بن أبي فعند ُ
طالب ،رضي الله عنه ،في آخر إمارته لما رأى أن المور ل تجتمع له ،ول
م ،خذني إليك ،فقد سئمتهم وسئموني. يزداد المر إل شدة قال :الله ّ
وقال البخاري ،رحمه الله ،لما وقعت له تلك المحن وجرى له ما جرى مع
أمير خراسان :اللهم توفني إليك.
وفي الحديث " :إن الرجل ليمر بالقبر -أي في زمان الدجال -فيقول :يا
ليتني مكانك" ) (3لما يرى من الفتن والزلزل والبلبل والمور الهائلة التي
هي فتنة لكل مفتون.
قال أبو جعفر بن جرير :وذ ُك َِر أن بني يعقوب الذين فعلوا بيوسف ما فعلوا ،
استغفر لهم أبوهم ،فتاب الله عليهم وعفا عنهم ،وغفر لهم ذنوبهم.
]ذكر من قال ذلك[ ): (4
حدثنا القاسم ،حدثنا الحسن ،حدثني حجاج ،عن صالح المري ،عن يزيد
الّرقاشي ،عن أنس بن مالك قال :إن الله تعالى لما جمع ليعقوب شمله ،
ده نجًيا ،فقال بعضهم لبعض :ألستم قد علمتم ما وأقر عينه ) (5خل ول ُ
صنعتم ،وما لقي منكم الشيخ ،وما لقي منكم يوسف ؟ قالوا :بلى .قال :
فيغّركم عفوهما عنكم ،فكيف لكم بربكم ؟ فاستقام أمرهم على أن أتوا
دا ،قالوا :يا أبانا ،إنا
الشيخ فجلسوا بين يديه ،ويوسف إلى جنب أبيه قاع ً
أتيناك في أمر ،لم نأتك في مثله قط ،ونزل بنا أمر لم ينزل بنا مثله .حتى
ي؟ حّركوه ،والنبياء ،عليهم السلم ،أرحم البرية ،فقال :ما لكم يا َبن ّ َ
قالوا :ألست قد علمت ما كان منا إليك ،وما كان منا إلى أخينا يوسف ؟
فوتما ؟ قال بلى .قالوا :فإن عفوكما ل قال :بلى .قالوا :أو لستما قد ع َ َ
يغني عنا شيئا ،إن كان الله لم يعف عنا .قال :فما تريدون يا بني ؟ قالوا :
ُنريد ُ أن تدعوَ الله لنا ،فإذا جاءك الوحي من الله بأنه قد عفا عما صنعنا
دا لنا .قال :قّرت أعيننا ،واطمأنت قلوبنا ،وإل فل قُّرة عين في الدنيا أب ً
فقام الشيخ فاستقبل القبلة ،وقام يوسف خلف أبيه ،وقاموا خلفهما أذلةّ
ب فيهم عشرين سنة -قال من يوسف ،فلم ُيج ْ خاشعين .قال :فدعا وأ ّ
صالح المري ) (6يخيفهم -قال :حتى إذا كان رأس العشرين نزل جبريل ،
عليه السلم ،على يعقوب فقال :إن الله بعثني إليك أبشرك بأنه قد أجاب
دعوتك في ولدك ،وأنه قد عفا عما
__________
) (1زيادة من ت ،أ ،والمسند.
) (2المسند ).(5/427
) (3رواه مسلم في صحيح برقم ) (157/54من حديث أبي هريرة بلفظ
"والذي نفسي بيده ل تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه
ويقول :يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر ،وليس به الدين إل البلء".
) (4زيادة من ت ،أ.
) (5في هـ ،ت ،أ " :شمله بعينه" والمثبت من الطبري".
) (6في ت :المزى".
) (4/416
) (4/417
) (4/417
ت َواْل َْر م َ َ
ن) ضو َ معْرِ ُ ن عَل َي َْها وَهُ ْ
م عَن َْها ُ مّرو َ ض يَ ُ ِ ماَوا ِ س َن آي َةٍ ِفي ال ّ ْ ن ِ ْ وَك َأي ّ
ْ َ َ َ (105وما يؤْم َ
م
ن ت َأت ِي َهُ ْ ن ) (106أفَأ ِ
مُنوا أ ْ شرِ ُ
كو َ م ْ م ُ م ِبالل ّهِ إ ِّل وَهُ ْ ن أك ْث َُرهُ ْ
َ َ ُ ِ ُ
ن )(107 ْ َ ْ َ ّ ن عَ َ َ
م ل ي َشعُُرو َ ة وَهُ ْ ة ب َغْت َ ً ساعَ ُم ال ّ ب اللهِ أوْ ت َأت ِي َهُ ُ ذا ِ م ْة ِشي َ ٌغا ِ
َ
ن) ضو َ معْرِ ُ م عَن َْها ُ ن عَل َي َْها وَهُ ْ مّرو َ ض يَ ُ ِ ت َوالْر ماَوا ِ س َن آي َةٍ ِفي ال ّ ْ م
ن ِ ْ } وَك َأي ّ
ْ َ َ َ (105وما يؤْم َ
م
ن ت َأت ِي َهُ ْ مُنوا أ ْ ن ) (106أفَأ ِ كو َ شرِ ُ م ْ م ُ م ِبالل ّهِ ِإل وَهُ ْ ن أك ْث َُرهُ ْ َ َ ُ ِ ُ
ن ){ (107 م ل يَ ْ ْ َ ّ ن عَ َ َ
شعُُرو َ ة وَهُ ْ ة ب َغْت َ ً ساعَ ُ م ال ّ ب اللهِ أوْ ت َأت ِي َهُ ُ ذا ِ م ْ ة ِ شي َ ٌغا ِ
يخبر تعالى عن ]غفلة[ ) (1أكثر الناس عن التفكر في آيات الله ودلئل
توحيده ،بما خلقه الله في السموات والرض من كواكب زاهرات ثوابت ،
وسيارات وأفلك دائرات ،والجميع مسخرات ،وكم في الرض من قطع
متجاورات وحدائق وجنات وجبال راسيات ،وبحار زاخرات ،وأمواج
متلطمات ،وقفار شاسعات ،وكم من أحياء وأموات ،وحيوان ونبات ،
وثمرات متشابهة ومختلفات ،في الطعوم والروائح واللوان والصفات ،
فسبحان الواحد الحد ،خالق أنواع المخلوقات ،المتفرد بالدوام والبقاء
والصمدية ذي السماء والصفات.
وقوله } :وما يؤْم َ
ن { قال ابن عباس :من كو َ شرِ ُ م ْ م ُ م ِبالل ّهِ ِإل وَهُ ْ ن أك ْث َُرهُ ْ َ َ ُ ِ ُ
إيمانهم ،إذا قيل لهم :من خلق السموات ؟ ومن خلق الرض ؟ ومن خلق
الجبال ؟ قالوا " :الله" ،وهم مشركون به .وكذا قال مجاهد ،وعطاء
وعكرمة ،والشعبي ،وقتادة ،والضحاك ،وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
وهكذا في الصحيحين ) (2أن المشركين كانوا يقولون في تلبيتهم :لبيك ل
كا هو لك ،تملكه وما ملك .وفي الصحيح :أنهم كانوا إذا شريك لك ،إل شري ً
قالوا " :لبيك ل شريك لك" يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " :قَد ْ قَ ْ
د"
ب ،ل تزيدوا على هذا ).(3 س ُ ح ْ ب َ س ُ ح ْ ،أي َ
م { ]لقمان [13 :وهذا هو ظي ٌ م عَ ِ ْ ُ
ن الشْرك لظل ٌ َ َ ّ وقال الله تعالى } :إ ِ ّ
الشرك العظم الذي يعبد مع الله غيره ،كما في الصحيحين .عن ابن
مسعود قلت :يا رسول الله ،أيّ الذنب أعظم ؟ قال " :أن تجعل لله ندا
قك" ).(4 خل َ َ وهو َ
ّ َ
م
م ِباللهِ ِإل وَهُ ْ ن أك ْث َُرهُ ْ م ُ ما ي ُؤْ ِ وقال الحسن البصري في قوله } :وَ َ
ن { قال :ذلك المنافق يعمل إذا عمل رياء الناس ،وهو مشرك كو َ شرِ ُ م ْ ُ
مُ ْ ه ُ عِ د خا َ و ُ
َ َ َ ه و ه ّ ل ال ن
َ عوُ ِ د خا َ ُ ي نَ قي
ِ ِ ف نا
َ م
ُ ْ ل ا ن
ّ ِ إ } : تعالى قوله يعني ، ذاك بعمله
ه ِإل قَِليل { ن الل َّ س َول ي َذ ْك ُُرو َ َ نا ّ ال نَ ءو ُ را َ ُ ي لى سا َ موا ك ُ َ صلةِ َقا ُ موا إ َِلى ال ّ وَإ َِذا َقا ُ
]النساء .[142 :
م شرك آخر خفي ل يشعر به غالًبا فاعله ،كما روى حماد بن سلمة ،عن وث ّ
جود ،عن عُْرَوة قال :دخل حذيفة على مريض ،فرأى في عاصم بن أبي الن ّ ُ
ّ ْ َ
م ِباللهِ ِإل ن أكث َُرهُ ْ م ُما ي ُؤْ ِ عضده سيًرا فقطعه -أو :انتزعه -ثم قال } :وَ َ
ن{ كو َ شرِ ُ م ْ م ُ وَهُ ْ
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2في ت ،أ " :في صحيح مسلم".
) (3صحيح مسلم برقم ).(1185/22
) (4صحيح البخاري برقم ) (4477وصحيح مسلم برقم ).(68
) (4/418
ه من وفي الحديث " :من حلف بغير الله فقد أشرك" .رواه الترمذي وحسن ّ َ
رواية ابن عمر )(1
وفي الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود وغيره ،عن ابن مسعود ،رضي الله
عنه ،قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إن الّرَقى والّتماِئم
ولة شْرك" ).(2
والت ّ َ
وفي لفظ لهما ]" :الطَيرة شرك[ ) (3وما مّنا إل ولكن الله يذهبه بالتوكل" )
.(4
ورواه المام أحمد بأبسط من هذا فقال :حدثنا أبو معاوية ،حدثنا العمش ،
مّرة ،عن يحيى الجزار ) (5عن ابن أخي ،زينب ]عن زينب[ ) عن عمرو بن ُ
(6امرأة عبد الله بن مسعود قالت :كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى
إلى الباب تنحنح ) (7وبزق كراهية أن يهجم منا على أمر يكرهه ،قالت :وإنه
مَرة فأدخلتها تحت السرير ح ْ
جاء ذات يوم فتنحنح وعندي عجوز ترقيني من ال ُ
،قالت :فدخل فجلس إلى جانبي ،فرأى في عنقي خيطا ،قال :ما هذا
الخيط ؟ قالت :قلت :خيط ُرِقى لي فيه .قالت :فأخذه فقطعه ،ثم قال :
إن آل عبد الله لغنياٌء عن الشرك ،سمعت رسول الله صلى الله عليه
ولة شرك" .قالت ،قلت له :لم تقول وسلم يقول " :إن الرقى والتمائم والت ّ َ
هذا وقد كانت عيني تقذف ،فكنت أختلف إلى فلن اليهودي يرقيها ،فكان
إذا رقاها سكنت ؟ قال :إنما ذاك من الشيطان .كان ينخسها بيده ،فإذا
رقيتها كف عنها :إنما كان يكفيك أن تقولي كما قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " :أذهب البأس رب الناس ،اشف وأنت الشافي ،ل شفاء إل
ما" ).(8 ق ً
س َ
شفاؤك ،شفاء ل يغادر َ
كيع ،عن ابن أبي ليلى ،عن عيسى وفي حديث آخر رواه المام أحمد ،عن وَ ِ
َ
بن عبد الرحمن قال :دخلنا على عبد الله بن عُكْيم ) (9وهو مريض نعوده ،
فقيل له :ت َعَّلقت شيئا ؟ فقال :أتعلق شيئا! وقد قال رسول الله صلى الله
ل إليه" ) (10ورواه النسائي عن أبي هريرة عليه وسلم " :من ت َعَّلق شيئا وُك ِ َ
).(11
وفي مسند المام أحمد ،من حديث عقبة بن عامر قال :قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " :من عّلق تميمة
__________
) (1سنن الترمذي برقم ).(1535
) (2المسند ) (1/381وسنن أبي داود برقم ) (3883ورواه ابن ماجه في
السنن برقم ).(3530
) (3زيادة من ت ،أ ،والمسند وسنن أبي داود.
) (4المسند ) (1/389وسنن أبي داود برقم ).(3910
) (5في ت ،أ " :يحيى بن الجزار".
) (6زيادة من ت ،أ ،والمسند.
) (7في ت " :تنجيح".
) (8المسند ).(1/381
) (9في ت " :حكيم".
) (10المسند ) (4/310ورواه الترمذي في السنن برقم ) (2072من طريق
عبد الرحمن بن أبي ليلى به ،وقال الترمذي " :وحديث عبد الله بن حكيم
إنما نعرفه من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى ،وعبد الله بن حكيم لم
يسمع النبي صلى الله عليه وسلم ،وكان في زمن النبي صلى الله عليه
وسلم يقول " :كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم".
) (11سنن النسائي ).(7/112
) (4/419
ة
فقد أشرك" وفي رواية " :من ت َّعلق تميمة فل أتم الله له ،ومن تعلق ود َعَ ً
فل ودع الله له" )(1
وعن العلء ،عن أبيه ،عن أبي هريرة ،رضي الله عنه ،قال :سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " :قال الله :أنا أغنى الشركاء عن
شْركه" .رواه مسلم الشرك ،ومن عمل عمل أشرك فيه معي غيري تركته و ِ
).(2
وعن أبي سعيد بن أبي فضالة قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول " :إذا جمع الله الولين والخرين ليوم ل ريب فيه ،ينادي مناد :
من كان أشرك في عمل عمله لله فليطلب ثوابه من عند غير الله ،فإن الله
أغنى الشركاء عن الشرك" .رواه أحمد ).(3
وقال المام أحمد :حدثنا يونس ،حدثنا ل َْيث ،عن يزيد -يعني :ابن الهاد -
عن عمرو ،عن محمود بن لبيد ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
وف ما أخاف عليكم الشرك الصغر" .قالوا :وما الشرك الصغر يا خ َ
"إن أ ْ
رسول الله ؟ قال " :الرياء ،يقول الله يوم القيامة إذا جزى الناس
بأعمالهم :اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا ،فانظروا هل تجدون
عندهم جزاء" ).(4
وقد رواه إسماعيل بن جعفر ،عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب ،عن
عاصم بن عمر بن قتادة ،عن محمود بن ل َِبيد ،به ).(5
وقال المام أحمد :حدثنا حسن ،أنبأنا ابن ل َِهيعة ،أنبأنا ابن هُب َْيرة ،عن أبي
حُبلي ،عن عبد الله بن عمرو قال :قال رسول الله صلى الله عبد الرحمن ال ُ
عليه وسلم " :من ردته الطيرة عن حاجة ،فقد أشرك" .قالوا :يا رسول
الله ،ما كفارة ذلك ؟ قال " :أن يقول أحدهم :اللهم ل خير إل خيرك ) (6ول
طير إل طيرك ،ول إله غيرك" ).(7
وقال المام أحمد :حدثنا عبد الله بن نمير ،حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان
العَْرَزمي ،عن أبي علي -رجل من بني كاهل -قال :خطبنا أبو موسى
الشعري فقال :يا أيها الناس ،اتقوا هذا الشرك ،فإنه أخفى من د َِبيب
حْزن وقيس بن المضارب فقال والله لتخرجن )(8 النمل .فقام عبد الله بن َ
مما قلت أو لنأتين عمر مأذونا لنا أو غير مأذون ،قال :بل أخرج مما قلت ،
خطبنا رسول
__________
) (1المسند ) (4/156وقال المنذري في الترغيب )" : (4/307رجاله ثقات".
) (2صحيح مسلم برقم ).(2985
) (3المسند ).(4/215
) (4المسند ) (5/428وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام.
) (5رواه البغوي في شرح السنة ) (14/333من طريق علي بن حجر ،عن
إسماعيل بن جعفر به.
) (6في ت " :ل غير إل غيرك".
) (7المسند ) (2/220ورواه ابن السنى في عمل اليوم والليلة )ص (293
من طريق ابن وهب ،عن ابن لهيعة به ،فصح الحديث بحمد الله.
) (8في ت " :ليخرجن".
) (4/420
الله صلى الله عليه وسلم ]ذات يوم[ ) (1فقال " :يا أيها الناس ،اتقوا هذا
الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل" .فقال له من شاء الله أن يقول :فكيف
نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله ؟ قال " :قولوا :اللهم إنا
نعوذ بك ]من[ ) (2أن نشرك بك شيئا نعلمه ،ونستغفرك لما ل نعلمه" ).(3
ديق ،كما رواه ص ّ
وقد روي من وجه آخر ،وفيه أن السائل في ذلك هو ال ّ
َ
الحافظ أبو يعلى الموصلي ،من حديث عبد العزيز بن مسلم ،عن لْيث بن
سار قال :شهدت النبي صلى قل بن ي َ َ
معْ ِ
أبي سليم ،عن أبي محمد ،عن َ
الله عليه وسلم -أو قال :حدثني أبو بكر الصديق عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قال " :الشرك أخفى فيكم من دبيب النمل" .فقال أبو بكر :
وهل الشرك إل من دعا مع الله إلها آخر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " :الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل" .ثم قال " :أل أدّلك على ما
صِغير ذلك وكبيره ؟ قل :اللهم ،أعوذ بك أن أشرك بك وأنا ُيذهب عنك َ
أعلم ،وأستغفرك مما ل أعلم" ).(4
وقد رواه الحافظ أبو القاسم البغوي ،عن شيبان بن فَّروخ ،عن يحيى بن
كثير ،عن الثوري ،عن إسماعيل بن أبي خالد ،عن قيس بن أبي حازم ،
عن أبي بكر الصديق قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :الشرك
أخفى في أمتي من دبيب النمل على الصفا" .قال :فقال أبو بكر :يا رسول
الله ،فكيف النجاة والمخرج من ذلك ؟ فقال " :أل أخبرك بشيء إذا قلته
ت من قليله وكثيره وصغيره وكبيره ؟" .قال :بلى ،يا رسول الله ،قال : برئ َ
"قل :اللهم ،إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم ،وأستغفرك لما ل أعلم"
).(5
قال الدارقطني :يحيى بن كثير هذا يقال له " :أبو النضر" ،متروك الحديث.
وقد روى المام أحمد ،وأبو داود ،والترمذي ،وصححه ،والنسائي ،من
حديث يعلى بن عطاء ،سمعت عمرو بن عاصم ) (6سمعت أبا هريرة قال :
قال أبو بكر الصديق ،رضي الله عنه :يا رسول الله ،علمني شيئا أقوله إذا
ت ،وإذا أخذت مضجعي .قال " :قل :اللهم ،فاطر ت ،وإذا أمسي ُ
أصبح ُ
ب كل شيء ومليكه ،أشهد أن السموات والرض ،عالم الغيب والشهادة ،ر ّ
ل إله إل أنت ،أعوذ بك من شر نفسي ،ومن شر الشيطان وشركه" ).(7
وزاد أحمد في رواية له من حديث ليث من أبي سليم ] ،عن مجاهد[ ) (8عن
أبي بكر الصديق قال :
__________
) (1زيادة من ت ،أ ،والمسند.
) (2زيادة من ت ،أ ،والمسند.
) (3المسند ).(4/403
) (4مسند أبي يعلى ) (1/62ورواه ابن جريج عن ليث ،عن أبي محمد ،عن
حذيفة نحوه ،وأخرجه أبو يعلى في المسند ) (1/60وأبو محمد مجهول ،
وليث بن أبي سليم ضعيف.
) (5ورواه أبو نعيم في الحلية ) (7/112من طريق يحيى بن محمد البختري ،
عن شيبان بن فروخ به نحوه ،وقال " :تفرد به عن الثوري يحيى بن كثير".
) (6في هـ ،أ " :عاص" والمثبت من ت والمسند.
) (7المسند ) (1/9وسنن أبي داود برقم ) (5067وسنن الترمذي برقم )
(3392والنسائي في السنن الكبرى برقم ).(7691
) (8زيادة من ت ،أ.
) (4/421
َ سِبيِلي أ َد ْ ُ
ن الل ّهِ وَ َ
ما حا َ سب ْ َ
ن ات ّب َعَِني وَ ُ ِ م
صيَرةٍ أَنا وَ َ عو إ َِلى الل ّهِ عََلى ب َ ِ ل هَذِهِ َ قُ ْ
ل َ َ ً ّ ن قَب ْل ِ َ ْ َ م ْ ْ َ
ن أهْ ِ م ْ م ِ حي إ ِلي ْهِ ْ جال ُنو ِ ك إ ِل رِ َ م ْ
سلَنا ِ ما أْر َ ن ) (108وَ َ كي َ شرِ ِ ن ال ُ م َأَنا ِ
َْ َ
ن قَب ْل ِهِ ْ
م م ْن ِ ة ال ّ ِ
ذي َ عاقِب َ ُن َ كا َ ف َ ض فَي َن ْظ ُُروا ك َي ْ َ سيُروا ِفي الْر ِ قَرى أفَل َ ْ
م يَ ِ ال ْ ُ
َ داُر اْل َ ِ
ن )(109 قُلو َوا أفََل ت َعْ ِ ق ْ
ن ات ّ َ خي ٌْر ل ِل ّ ِ
ذي َ خَرةِ َ وَل َ َ
أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول ...فذكر هذا الدعاء وزاد
جّره إلى مسلم" ).(1 سوًءا أو أ ُ في آخره " :وأن أقترف على نفسي ُ
ْ َ ّ م َ ْ َ َ َ
مة وَهُ ْ ة ب َغْت َ ً ساعَ ُ م ال ّ ب اللهِ أوْ ت َأت ِي َهُ ُ ذا ِ ن عَ َ م ْ ة ِ شي َ ٌ غا ِ ن ت َأت ِي َهُ ْ مُنوا أ ْ وقوله } :أفَأ ِ
ن { أي :أفأمن هؤلء المشركون ]بالله[ ) (2أن يأتيهم أمر يغشاهم شعُُرو َ ل يَ ْ
َ َ ّ َ َ
نتأ ْ سي َّئا ِ مكُروا ال ّ ن َ ذي َ ن ال ِ م َ من حيث ل يشعرون ،كما قال تعالى } :أفَأ ِ
ْ َ م ال ْعَ َ َ ْ
م ِفي خذ َهُ ْ ن أوْ ي َأ ُ شعُُرو َ ث ل يَ ْ حي ْ ُ ن َ م ْ ب ِ ذا ُ ض أوْ ي َأت ِي َهُ ُ م الْر َ ه ب ِهِ ُ ف الل ّ ُ س َ خ ِ يَ ْ
َ ُ َ ْ َ ّ
م{ حي ٌ ف َر ِ م لَرُءو ٌ ن َرب ّك ْ ف فَإ ِ ّ خو ّ ٍ م عَلى ت َ َ خذ َهُ ْ ن أوْ ي َأ ُ زي َ ج ِ معْ ِ م بِ ُ ما هُ ْ م فَ َ قلب ِهِ ْ تَ َ
ْ ْ َ ْ َ َ َ
سَنا ب ََياًتا م ب َأ ُ ن ي َأت ِي َهُ ْ قَرى أ ْ ل ال ُ ن أهْ ُ م َ ]النحل [47 - 45 :وقال تعالى } :أفَأ ِ
مُنوا َ َ َ ْ ْ ْ َ ل ال ْ ُ ن أ َهْ ُ وهُم نائ ِمو َ َ
ن أفأ ِ م ي َلعَُبو َ حى وَهُ ْ ض ً سَنا ُ م ب َأ ُ ن ي َأت ِي َهُ ْ قَرى أ ْ م َ ن أوَأ ِ َ ْ َ ُ َ
ْ ْ ّ ْ
ن { ]العراف .[ 99 - 97 : سُرو َ خا ِ م ال َ قو ْ ُ مكَر اللهِ ِإل ال َ ْ ن َ م ُ مك َْر الل ّهِ َفل ي َأ َ َ
ما ّ َ َ ّ َ َ ْ ُ
ن اللهِ وَ َ حا َ سب ْ َن ات ّب َعَِني وَ ُ م ِ صيَرةٍ أَنا وَ َ عو إ ِلى اللهِ عَلى ب َ ِ سِبيِلي أد ْ ُ } قل هَذِهِ َ
َ
ن ){ (108 ش ِ ِ َ كي ر م ْ ن ال ْ ُ م َ أَنا ِ
يقول ]الله[ ) (3تعالى لعبد ورسوله إلى الثقلين :النس والجن ،آمًرا له أن
يخبر الناس :أن هذه سبيله ،أي طريقه ومسلكه وسنته ،وهي الدعوة إلى
صيرة شهادة أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ،يدعو إلى الله بها على ب َ ِ
ل من اتبعه ،يدعو إلى ما دعا إليه رسول من ذلك ،ويقين وبرهان ،هو وك ّ
الله صلى الله عليه وسلم على بصيرة ويقين وبرهان شرعي وعقلي.
دسه ،عن أن ظمه وأق ّ ن الل ّهِ { أي :وأنزه الله وأجّله وأع ّ حا َ سب ْ َ وقوله } :وَ ُ
يكون له شريك أو نظير ،أو عديل أو نديد ،أو ولد أو والد أو صاحبة ،أو
وزير أو مشير ،تبارك وتعالى وتقدس وتنزه عن ذلك كله علوا كبيرا ،
حسب ّ ُ يٍء ِإل ي ُ َ ش ْ ن َ م ْ ن ِ ن وَإ ِ ْ ن ِفيهِ ّ م ْ ض وَ َ سب ْعُ َوالْر ُ ت ال ّ ماَوا ُ س َ ه ال ّ ح لَ ُ سب ّ ُ } تُ َ
فوًرا { ]السراء .[44 : ما غ ُ َ حِلي ً ن َ ه كا َ َ م إ ِن ّ ُ حهُ ْ سِبي َ ن تَ ْ قُهو َ ف َ ن ل تَ ْ مدِهِ وَلك ِ ْ َ ح ْ بِ َ
سيُروا ِفي َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ
م يَ ِ قَرى أفل ْ ل ال ُ ن أهْ ِ م ْ م ِ حي إ ِلي ْهِ ْ جال ُنو ِ ن قب ْل ِك ِإل رِ َ م ْ سلَنا ِ ما أْر َ } وَ َ
نذي َ ّ
خي ٌْر ل ِل ِ خَرةِ َ داُر ال ِ م وَل َ َ ن قب ْل ِهِ ْ َ م ْ ن ِ ذي َ ة ال ِّ عاقِب َ ُ ن َ ف كا َ َ َ
ض في َن ْظُروا كي ْ َ ُ َ الْر
ن ){ (109 لو ُ ق ع ت فل َ قوا أ ِ َ
َ َْ ِ ات ّ َ ْ
سَله من الرجال ل من النساء .وهذا قول جمهور لر ُ يخبر تعالى أنه إنما أرس َ
العلماء ،كما دل عليه سياق هذه الية الكريمة :أن الله تعالى لم ُيوِح إلى
امرأة من بنات بني آدم َوحي تشريع.
وزعم بعضهم :أن سارة امرأة الخليل ،وأم موسى ،ومريم أم عيسى نبيات
،واحتجوا بأن الملئكة
__________
) (1المسند ).(1/14
) (2زيادة من ت ،أ.
) (3زيادة من أ.
) (4/422
) (4/423
َ
ن نَ َ
شاُء م ْ
ي َ صُرَنا فَن ُ ّ
ج َ م نَ ْ
جاَءهُ ْ ل وَظ َّنوا أن ّهُ ْ
م قَد ْ ك ُذُِبوا َ س ُ الّر ُ ست َي ْئ َ َ
س حّتى إ َِذا ا ْ
َ
ن )(110 ْ ال ْ َ وَل يرد بأ ْ
مي َ جرِ ِ م ْ
قوْم ِ ال ُ نِ َ ع ناَ س
ُ َ ّ َ ُ َ
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم -قال العمش :هو ]ابن[ )(1
عمر ،عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " :المؤمن الذي يخالط الناس
ويصبر على أذاهم ،خير من الذي ل يخالطهم ول يصبر على أذاهم"(2) .
َ
ض { ]يعني :هؤلء المكذبين لك يا محمد في سيُروا ِفي الْر ِ م يَ ِ وقوله } :أفَل َ ْ
م { أي :من المم ن قَب ْل ِهِ ْم ْ ن ِ ذي َ ة ال ّ ِ عاقِب َ ُ ن َ كا َ ف َ الرض } (3) [ ،فَي َن ْظ ُُروا ك َي ْ َ
َ َ
المكذبة للرسل ،كيف دمر الله عليهم ،وللكافرين أمثالها ،كقوله } :أفَل ْ
م
َ
ن ب َِها فَإ ِن َّها ل مُعو َ س َ ن يَ ْ ن ب َِها أوْ آَذا ٌ قُلو َ ب ي َعْ ِ م قُُلو ٌ ن ل َهُ ْ كو َ سيُروا ِفي الْرض فَت َ ُ
ِ يَ ِ
دورِ { ]الحج ، [46 :فإذا ص ُ ب الِتي ِفي ال ّ ّ قلو ُ ُ ْ
مى ال ُ ن ت َعْ َ َ
صاُر وَلك ِ ْ مى الب ْ َ ت َعْ َ
استمعوا ) (4خبر ذلك ،رأوا أن الله قد أهلك الكافرين ونجى المؤمنين ،
خي ٌْر خَرةِ َ داُر ال ِ وهذه كانت سنته تعالى في خلقه ؛ ولهذا قال تعالى } :وَل َ َ
وا { ) (5أي :وكما أنجينا المؤمنين في الدنيا ،كذلك كتبنا لهم ق ْ ن ات ّ َ
ذي َ ل ِل ّ ِ
ضا ،وهي خير لهم من الدنيا بكثير ،كما قال النجاة في الدار الخرة أي ً
شَهاد ُ م ال ْ قو ُ م يَ ُ حَياةِ الد ّن َْيا وَي َوْ َ ْ
مُنوا ِفي ال َ نآ َ ذي َ سل ََنا َوال ِ
ّ صُر ُر ُ تعالى } :إ ِّنا ل َن َن ْ ُ
دارِ { ]غافر ، 50 : سوُء ال ّ م ُ ة وَل َهُ ْ م الل ّعْن َ ُ م وَل َهُ ُ معْذَِرت ُهُ ْ ن َ مي َ ظال ِ ِ فعُ ال ّ م ل ي َن ْ َي َوْ َ
.[51
خَرةِ { كما يقال " :صلة الولى" ِ ال ر دا
َ َ ُ َ لو } : فقال الخرة إلى الدار وأضاف
و"مسجد الجامع" و"عام الول" و "بارحة الولى" و"يوم الخميس" .قال
هجين... ك من َ م َ ح فَ ْ َ
سا ...أل لله أ ّ م ) (6عَب ْ ً سا َوتذ ّ قعَ ً مد َ ُ الشاعر :أت َ ْ
ن الَيقين )(7 ل عْرفا َ ت الذ ّ ّ س ...عََرفْ َ َ َولو أْقو ْ
َ ت عَليك دياُر عَب ْ ٍ
نم ْ ي َ ج َ صُرَنا فَن ُ ّ م نَ ْ جاَءهُ ْ م قَد ْ ك ُذُِبوا َ ل وَظّنوا أن ّهُ ْ َ س ُ س الّر ُ ست َ ْي ْئ َ َ حّتى إ َِذا ا ْ } َ
ن ){ (110 مي َ جرِ ِ م ْ ْ
قوْم ِ ال ُ ْ
ن ال َ نَ َ
سَنا عَ ِ شاُء َول ي َُرد ّ ب َأ ُ
يخبر تعالى أن نصره ينزل على رسله ،صلوات الله وسلمه عليهم أجمعين ،
عند ضيق الحال وانتظار الفرج من الله تعالى في أحوج الوقات إلى ذلك ،
مَتى ه َ معَ ُ
مُنوا َ نآ َ ذي َل َوال ّ ِ سو ُ ل الّر ُ قو َ حّتى ي َ ُ كما في قوله تعالى } :وَُزل ْزُِلوا َ
َ
ب { ]البقرة ، [214 :وفي قوله } :ك ُذُِبوا { ري ٌ صَر الل ّهِ قَ ِ ن نَ ْ صُر الل ّهِ أل إ ِ ّ نَ ْ
قراءتان ،إحداهما بالتشديد " :قد كذ ُّبوا" ،وكذلك كانت عائشة ،رضي الله ُ
عنها ،تقرؤها ،قال البخاري :
حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ،حدثنا إبراهيم بن سعد ،بن صالح ،عن ابن
شهاب قال :
__________
) (1زيادة من ت ،أ ،والمسند.
) (2المسند ).(2/43
) (3زيادة من ت.
) (4في ت ،أ " :استعملوا".
) (5في ت ،أ " :يتقون" وهو خطأ.
) (6في ت " :وتمدح".
) (7البيتان في تفسير الطبري ).(16/295
) (4/424
أخبرني عروة بن الزبير ،عن عائشة قالت له وهو يسألها عن قول الله :
ذبوا ؟ فقالت عائشة : ذبوا أم ك ُ ّ ل { قال :قلت :أك ُ ِ س ُ س الّر ُ ست َي ْئ َ َ حّتى إ َِذا ا ْ } َ
ذبوهم فما هو بالظن ؟ قالت : ذبوا .فقلت :فقد استيقنوا أن قومهم قد ك َ ّ كُ ّ
أجل ،لعمري لقد استيقنوا بذلك .فقلت لها :وظنوا أنهم قد كذبوا ؟ قالت )
(1معاذ الله ،لم تكن ) (2الرسل تظن ذلك بربها .قلت :فما هذه الية ؟
قالت :هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم ،فطال عليهم البلء ،
من كذبهم من قومهم ل{م ّ س ُس الّر ُ ست َي ْئ َ َ
حّتى إ َِذا ا ْ واستأخر عنهم النصر َ } ،
ذبوهم ،جاءهم نصر الله عند ذلك. ،وظنت الرسل أن أتباعهم قد ك ّ
حدثنا أبو اليمان ،أنبأنا شعيب ،عن الزهري قال :أخبرنا عُْرَوة ،فقلت :
ذبوا مخففة ؟ قالت :معاذ الله .انتهى ما ذكره(3) . لعلها قد ك ُ ِ
َ
مل َْيكة :أن ابن عباس قرأها } :وَظ َّنوا أن ّهُ ْ
م جَرْيج أخبرني ابن أبى ُ وقال ابن ُ
مل َْيكة :ثم قال لي ابن عباس : قَد ْ ك ُذُِبوا { خفيفة -قال عبد الله هو ابن ُ
مَتى ه َ معَ ُمُنوا َنآ َ ذي َل َوال ّ ِ سو ُ ل الّر ُ قو َ حّتى ي َ ُ كانوا بشًرا ) (4وتل ابن عباس َ } :
َ
ب { ]البقرة ، [214 :قال ابن جريج :وقال لي صَر الل ّهِ قَ ِ
ري ٌ ن نَ ْ صُر الل ّهِ أل إ ِ ّ نَ ْ
ابن أبي مليكة :وأخبرني عروة عن عائشة :أنها خالفت ذلك وأبته ،وقالت :
دا صلى الله عليه وسلم من شيء إل قد علم أنه سيكون ما وعد الله محم ً
ن من معهم من حتى مات ،ولكنه لم يزل البلء بالرسل حتى ظنوا أ ّ
ذبوهم .قال ابن أبي مليكة في حديث عروة :كانت عائشة المؤمنين قد ك ّ
ذبوا" مثقلة ،للتكذيب. ُ
تقرؤها "وظنوا أنهم قد ك ّ
وقال ابن أبي حاتم :أنا يونس بن عبد العلى قراءة ،أنا ابن وهب ،أخبرني
سليمان بن بلل ،عن يحيى بن سعيد قال :جاء إنسان إلى القاسم بن
حّتى إ َِذا محمد فقال :إن محمد بن كعب القرظي يقول ) (5هذه الية َ } :
َ
م قَد ْ ك ُذُِبوا { فقال القاسم :أخبره عني أني ل وَظ َّنوا أن ّهُ ْ س ُ س الّر ُ ست َي ْئ َ َ ا ْ
س َ َ
سَتيأ َ حّتى إ ِذا ا ْ سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول َ } :
َ
م قَد ْ ك ُذُِبوا { تقول :كذبتهم أتباعهم .إسناد صحيح أيضا. ل وَظ َّنوا أن ّهُ ْ س ُ
الّر ُ
والقراءة الثانية بالتخفيف ،واختلفوا في تفسيرها ،فقال ابن عباس ما
تقدم ،وعن ابن مسعود ،فيما رواه سفيان الثوري ،عن العمش ،عن أبي
س ُ َ
ل س الّر ُست َي ْأ َحّتى إ َِذا ا ْ ضحى ،عن مسروق ،عن عبد الله أنه قرأ َ } : ال ّ
َ
م قَد ْ ك ُذُِبوا { مخففة ،قال عبد الله :هو الذي تكره(6) . وَظ َّنوا أن ّهُ ْ
وهذا عن ابن مسعود وابن عباس ،رضي الله عنهما ،مخالف لما رواه
آخرون عنهما .أما ابن عباس فروى العمش ،عن مسلم ،عن ابن عباس
َ َ
م قَد ْ ك ُذُِبوا { قال :لما ل وَظ َّنوا أن ّهُ ْ س ُس الّر ُ ست َي ْأ َ حّتى إ َِذا ا ْ في قوله َ } :
أيست الرسل أن يستجيب لهم قومهم ،وظن قومهم أن الرسل قد
ذبوهم ، كَ ّ
__________
) (1في ت ،أ " :فقالت".
) (2في ت " :يكن".
صحيح البخاري برقم ).(4696 ، 4695 )(3
في أ " :بشروا". )(4
في ت ،أ " :يقرأ". )(5
في أ " :يكره". )(6
) (4/425
َ ُ
ق
دي َ
ص ِ فت ََرى وَل َك ِ ْ
ن تَ ْ ديًثا ي ُ ْح ِ
ن َ كا َما َ ب َ عب َْرة ٌ ِلوِلي اْلل َْبا ِ
م ِصهِ ْ
ص ِ ن ِفي قَ َ كا َ قد ْ َلَ َ
ن )(111 مُنو َ قوْم ٍ ي ُؤْ ِ
ة لِ َ
م ًح َ
دى وََر ْ يٍء وَهُ ً
ش ْ ل َ ل كُ ّصي َف ِن ي َد َي ْهِ وَت َ ْ
ذي ب َي ْ َ ال ّ ِ
) (4/426
يقول تعالى :لقد كان في خبر المرسلين مع قومهم ،وكيف أنجينا )(1
ن َ
ما كا َب { وهي العقول َ } ، عب َْرةٌ لوِلي الل َْبا ِ المؤمنين وأهلكنا الكافرين } ِ
فت ََرى { أي :وما كان لهذا القرآن أن يفترى من دون الله ،أي : ديًثا ي ُ ْ
ح ِ
َ
ن ي َد َي ْهِ { أي :من الكتب المنزلة من ي ب ذي ّ لا ق
َ ِ ْ َ ْ ِ َ ِ َْ َ دي صت ن كَ لو } ، يختلق
ُ و يكذب
السماء ،وهو يصدق ما فيها من الصحيح ،وينفي ما وقع فيها من تحريف
يٍء { من ش ْ ل كُ ّ
ل َ صي َ
ف ِ
وتبديل وتغيير ،ويحكم عليها بالنسخ أو التقرير } ،وَت َ ْ
تحليل وتحريم ،ومحبوب ومكروه ،وغير ذلك من المر بالطاعات والواجبات
والمستحبات ،والنهي عن المحرمات وما شاكلها من المكروهات ،والخبار
عن المور على الجلية ،وعن الغيوب المستقبلة المجملة والتفصيلية ،
والخبار عن الرب تبارك وتعالى بالسماء والصفات ،وتنزيهه عن مماثلة
ن { تهتدي به قلوبهم مُنو َقوْم ٍ ي ُؤْ ِ
ة لِ َ م ًح َدى وََر ْ المخلوقات ،فلهذا كان } :هُ ً
من الغي إلى الرشاد ،ومن الضللة إلى السداد ،ويبتغون به الرحمة من رب
العباد ،في هذه الحياة الدنيا ويوم المعاد .فنسأل الله العظيم أن يجعلنا منهم
ضة وجوههم الناضرة ،ويرجع )(2 مب ْي َ ّ
في الدنيا والخرة ،يوم يفوز بالربح ال ُ
ههم بالصفقة الخاسرة. المسوّدة وجو ُ
آخر تفسير سورة يوسف ،ولله الحمد والمنة وبه المستعان وعليه التكلن ،
وهو حسبنا ونعم الوكيل.
__________
) (1في ت ،أ " :نجينا".
) (2في ت " :وترجع".
) (4/427
) (4/428
بجميع الرض وما حولها من الماء والهواء من جميع نواحيها وجهاتها )(1
وأرجائها ،مرتفعة عليها من كل جانب على السواء ،وبعد ما بينها وبين
الرض من كل ناحية مسيرة خمسمائة عام ،وسمكها في نفسها مسيرة
خمسمائة عام .ثم السماء الثانية محيطة بالسماء الدنيا وما حوت ،وبينها
وبينها من البعد مسيرة خمسمائة عام ،وسمكها خمسمائة عام ،ثم السماء
الثالثة محيطة ) (2بالثانية ،بما فيها ،وبينها ) (3وبينها خمسمائة عام ،
وسمكها خمسمائة عام ،وكذا الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة ،كما
مث ْل َهُ ّ
ن ض ِ
ن الْر ِ
م َ
ت وَ ِ
ماَوا ٍ
س َ خل َقَ َ
سب ْعَ َ ه ال ّ ِ
ذي َ قال ]الله[ ) (4تعالى } :الل ّ ُ
حا َ َ َ َ
لط ب ِك ُ ّ ه قَد ْ أ َ ن الل ّ َ يٍء قَ ِ
ديٌر وَأ ّ ل َ
ش ْ ه عََلى ك ُ ّ ن الل ّ َ موا أ ّ ن ل ِت َعْل َ ُ مُر ب َي ْن َهُ ّ ل ال ْ ي ََتنز ُ
ن
ت السبع وما فيه ّ ما { ]الطلق [12 :وفي الحديث " :ما السماوا ُ عل ًْ يٍء ِ ش ْ َ
َ
وما بينهن في الكرسي إل كحلقة ملقاة بأرض فلة ،والكرسي في العرش
كتلك ) (5الحلقة في تلك الفلة ) (6وفي رواية " :والعرش ل يقدر قدره إل
الله ،عز وجل ،وجاء عن بعض السلف أن بعد ما بين العرش إلى الرض
مسيرة خمسين ألف سنة ،وبعد ما بين قطريه مسيرة خمسين ألف سنة ،
وهو من ياقوتة حمراء.
مد ٍ ت ََروْن ََها { روي عن ابن عباس ،ومجاهد ،والحسن ، وقوله } :ب ِغَي ْرِ عَ َ
مد ولكن ل ترى. وقتادة :أنهم :قالوا :لها عَ َ
وقال إياس بن معاوية :السماء على الرض مثل القبة ،يعني بل عمد .وكذا
روي عن قتادة ،وهذا هو اللئق بالسياق .والظاهر من قوله تعالى :
ض ِإل ب ِإ ِذ ْن ِهِ { ]الحج [65 :فعلى هذا َ َ س ُ
قعَ عَلى الْر ِ ن تَ َ ماَء أ ْ س َ ك ال ّ م ِ} وَي ُ ْ
يكون قوله } :ترونها { تأكيدا لنفي ذلك ،أي :هي مرفوعة بغير عمد كما
ترونها .هذا هو الكمل في القدرة .وفي شعر أمية بن أبي الصلت الذي آمن
شعره وكفر قلبه ،كما ورد في الحديث ) (7ويروى لزيد بن عمرو بن نفيل ،
رحمه الله ورضي عنه :
مَناديا... ُ سول َ ُر سى ُ َ مو إلى تََ َعثب مة... م ّ ََ ْ َ
ح رو ن ضل َ ن فَ ْ م ْ ت الذي ِ وأن َ
طاغيا... ن َ ن الذي كا َ عو َ وا ...إلى الله فْر َ ن فادعُ َ ب وهارو َ فقلت له :فاذهَ ْ
ما هيا حّتى اطمأنت ) (8ك َ َ هذه ...بل ]وَتد َ ويت َ س ّ ت َ ل أن َ وَُقول له :هَ ْ
مد أْرفِقْ إَذا َِبك بانَيا ؟... هذه ...بل[ ) (9عَ َ ت َ ت َرّفع َ وُقول له :أأن َ
جّنك اللّيل هاديا منيًرا إذا ما َ سطَهاُ ...َ ويت وَ ْ س ّ ت َ هل أن َ وَُقول َله َ :
__________
) (1في ت ،أ " :جهاتها ونواحيها".
) (2في ت " :تحيط".
) (3في أ " :بينهما".
) (4زيادة من أ.
) (5في أ " :كمثل".
) (6سبق الكلم على هذا الحديث والذي بعده مفصل عند تفسير الية 255 :
من سورة البقرة.
) (7رواه ابن عبد البر في التمهيد ) (4/7من طريق أبي بكر الهذلي عن
عكرمة قال :قلت لبن عباس :أرأيت ما جاء عن النبي صلى الله عليه
وسلم في أمية بن أبي الصلت " :آمن شعره وكفر قلبه ؟" قال :هو حق فما
أنكرتم من ذلك ؟ ...الحديث.
) (8في ت أ " :استقلت" ،والمثبت من سيرة ابن هشام.
) (9زيادة من ت ،أ ،وسيرة ابن هشام.
) (4/429
َ َ
ل ِفيَها جعَ َ ت َ مَرا ِ ل الث ّ َ ن كُ ّ م ْ ي وَأن َْهاًرا وَ ِ س َل ِفيَها َرَوا ِ جعَ َ ض وَ َ مد ّ اْلْر َ ذي َ وَهُوَ ال ّ ِ
ن ) (3وَِفي فك ُّرو َ قوْم ٍ ي َت َ َت لِ َ ك َل ََيا ٍ
ن ِفي ذ َل ِ َ ل الن َّهاَر إ ِ ّشي الل ّي ْ َ ن ي ُغْ ِ ن اث ْن َي ْ ِجي ْ ِ َزوْ َ
ن َ خي ٌ َ َ اْل َْر
وا ٍ صن ْ َن وَغي ُْر ِ وا ٌ صن ْ َ ل ِ ب وََزْرع ٌ وَن َ ِ ن أعَْنا ٍ م ْ ت ِ جّنا ٌ ت وَ َ جاوَِرا ٌ مت َ َ
ض قِطعٌ ُ ِ
ك َل ََيا ٍ ُ
قوْم ٍ ت لِ َ ن ِفي ذ َل ِ َ ل إِ ّض ِفي اْلك ُ ِ َ
ضَها عَلى ب َعْ ٍ ل ب َعْ َ ض ُ ف ّ حد ٍ وَن ُ َ ماٍء َوا ِ قى ب ِ َ س َ يُ ْ
ن )(4 قلو َ ُ ي َعْ ِ
ضاحيا?... ض َ ن الر ِ م َ ت ِ س ْ م ّ ح ما َ ة ...فُيصب َ غدو ً شمس ُ ل ال ّ س ُ ن ي ُْر ِ م ْ وُقول له َ :
مْنه الُعشب ي َهَّْتز َرابيا?... ح ِ ب في الث َّرى ...فُيصب َ ح ّ من ي ُن ِْبت ال َ وَُقول له َ :
ن َواعَيا )(1 كا َ ن َ ت ِلم ْ ك آيا ٌ في َذا َ حّبه في رءوسه ...فَ ِ ج مْنه َ خر ُ وَي ُْ ِ
ش { تقدم تفسير ذلك في سورة "العراف" ْ َ وقوله } :ث ُ ّ
وى عَلى العَْر ِ ست َ َ ما ْ
مّرر ) (3كما جاء من غير تكييف ،ول تشبيه ،ول تعطيل ،ول ) (2وأنه ي ُ َ
تمثيل ،تعالى الله علوا كبيرا.
مى { قيل :المراد س ّ م َ ل ُ ج ٍ ري ل َ ج ِ ل يَ ْ مَر ك ُ ّ ق َ ْ
س َوال َ م َ ش ْ خَر ال ّ س ّ وقوله } :وَ َ
أنهما يجريان إلى انقطاعهما بقيام الساعة ،كما في قوله تعالى :
زيزِ ال ْعَِليم ِ { ]يس .[38 : ديُر ال ْعَ ِ ق ِ ك تَ ْ قّر ل ََها ذ َل ِ َ ست َ َ م ْ ري ل ِ ُ ج ِ س تَ ْ م ُ ش ْ } َوال ّ
وقيل :المراد إلى مستقرهما ،وهو تحت العرش مما يلي بطن الرض من
الجانب الخر ،فإنهما وسائر الكواكب إذا وصلوا هنالك ،يكونون أبعد ما
م عليه الدلة ،قبة مما يكون ) (4عن العرش ؛ لنه على الصحيح الذي تقو ُ
يلي العالم من هذا الوجه ،وليس بمحيط كسائر الفلك ؛ لنه ) (5له قوائم
ور هذا في الفلك المستدير ،وهذا واضح لمن ت َد َّبر وحملة يحملونه .ول يتص ّ
ت به اليات والحاديث الصحيحة ،ولله الحمد والمنة. ما وََرد َ ْ
وذكر الشمس والقمر ؛ لنهما أظهر الكواكب السيارة السبعة ،التي هي
أشرف وأعظم.
من الثوابت ،فإذا كان قد سخر هذه َ ،فلن يدخل في التسخير سائُر
دوا ج ُ س ُ الكواكب بطريق الولى والحرى ،كما نبه ) (6بقوله تعالى } :ل ت َ ْ
ن{ دو َ م إ ِّياه ُ ت َعْب ُ ُ ن ك ُن ْت ُ ْ ن إِ ْ قهُ ّ خل َ َ ذي َ دوا ل ِل ّهِ ال ّ ِ ج ُ س ُ مرِ َوا ْ ق َ س َول ل ِل ْ َ م ِ ش ْ ِلل ّ
مجو َ مَر َوالن ّ ُ ق َ ْ
س َوال َ م َ ش ْ ]فصلت [37 :مع أنه قد صرح بذلك بقوله )َ } (7وال ّ
َ َ
ن { ]العراف : مي َ ب ال َْعال ِ
َ ه َر ّ ك الل ّ ُ مُر ت ََباَر َ خل ْقُ َوال ْ ه ال ْ َ مرِهِ أل ل َ ُ ت ب ِأ ْ خَرا ٍ س ّ م َ ُ
.[54
ن { أي :يوضح ) (8اليات م ُتوقُِنو َ قاِء َرب ّك ُ ْ م ب ِل ِ َ ت ل َعَل ّك ُ ْ ل الَيا ِ ص ُ ف ّ وقوله } :ي ُ َ
والدللت الدالة على أنه ل إله إل هو ،وأنه يعيد الخلق إذا شاء كما ابتدأ
خلقه.
جعَ َ ُ َ ّ
ل ت َ مَرا ِ ل الث ّ َ نك ّ م ْ ي وَأن َْهاًرا وَ ِ س َ ل ِفيَها َرَوا ِ جعَ َ ض وَ َ مد ّ الْر َ ذي َ } وَهُوَ ال ِ
ن )(3 فكُرو َ ّ قوْم ٍ ي َت َ َ ت لِ َ َ
ن ِفي ذ َل ِك لَيا ٍ شي اللي ْل الن َّهاَر إ ِ ّ َ ّ ن ي ُغْ ِ ْ
َ ن اثن َي ْ ِ جي ْ ِ ِفيَها َزوْ َ
َ
ن وَغي ُْر وا ٌ صن ْ َ خيل ِ ٌ ب وََزْرع ٌ وَن َ ِ ن أعَْنا ٍ م ْ ت ِ جّنا ٌ ت وَ َ جاوَِرا ٌ مت َ َض قِطعٌ ُ َ
وَِفي الْر ِ
كن ِفي ذ َل ِ َ ِ ِ ّ إ ل ُ ك ال في ض
َْ ٍ ِ ع ب َ
لى ع ها ض
َ ِ ٍ َُ ّ َْ َ َ َ ع ب لُ ض َ ف ن و د ح وا ٍ ء ماِ َ ب قى َ سن يُ ْ وا ٍ صن ْ َِ
ن ){ (4 َ لو ُ ق
لَ ٍ ِ ْ ٍ َْ ِ
ع ي م و َ ق ل ت يا
__________
) (1البيات في السيرة النبوية لبن هشام ).(1/228
) (2انظر :تفسير الية .54 :
) (3في ت " :يمر".
) (4في ت ،أ " :ما يكون".
) (5في ت ،أ " :لن".
) (6في ت " :بينه".
) (7في ت " :في قوله".
) (8في ت ،أ " :نوضح".
) (4/430
لما ذكر تعالى العالم العلوي ،شرع في ذكر قدرته وحكمته وأحكامه للعالم
ض { أي :جعلها متسعة ممتدة في مد ّ الْر َ ذي َ السفلي ،فقال } :وَهُوَ ال ّ ِ
الطول والعرض ،وأرساها بجبال راسيات شامخات ،وأجرى فيها النهار
والجداول والعيون لسقي ما جعل فيها من الثمرات المختلفة اللوان
والشكال والطعوم والروائح ،من كل زوجين اثنين ،أي :من كل شكل
صنفان.
ل الن َّهاَر { أي :جعل كل منهما ) (1يطلب الخر طلبا حثيثا ،فإذا ّ
شي اللي ْ َ } ي ُغْ ِ
غشيه هذا ،وإذا انقضى هذا جاء الخر ،فيتصرف أيضا في الزمان ذهب هذا َ
كما تصرف في المكان والسكان.
ن { أي :في آلء الله وحكمته ) (2ودلئله. فك ُّرو َ قوْم ٍ ي َت َ َ ت لِ َ
ك لَيا ٍ ن ِفي ذ َل ِ َ} إِ ّ
ض تجاور ) (3بعضها بعضا ، َ
ت { أي :أرا ٍ جاوَِرا ٌ مت َ َض قِطعٌ ُ وقوله } :وَِفي الْر ِ
سَبخة مالحة ل تنبت شيئا. مع أن هذه طيبة تنبت ما ينتفع به الناس ،وهذه َ
جب َْير ،والضحاك ،وغيرهم.هكذا روي عن ابن عباس ،ومجاهد ،وسعيد بن ُ
وكذا يدخل في هذه الية اختلف ألوان بقاع الرض ،فهذه تربة حمراء ،
وهذه بيضاء ،وهذه صفراء ،وهذه سوداء ،وهذه محجرة ) (4وهذه سهلة ،
وهذه مرملة ،وهذه سميكة ،وهذه رقيقة ،والكل متجاورات .فهذه بصفتها ،
وهذه بصفتها الخرى ،فهذا كله مما يدل على الفاعل المختار ،ل إله إل هو ،
ول رب سواه.
ل { ) (5يحتمل ) (6أن تكون عاطفة خي ٌب وََزْرع ٌ وَن َ ِ َ
ن أعَْنا ٍ م ْت ِجّنا ٌ وقوله } :وَ َ
ل { ) (7مرفوعين .ويحتمل أن يكون خي ٌ على } جنات { فيكون } وََزْرعٌ وَن َ ِ
معطوفا على أعناب ،فيكون مجرورا ؛ ولهذا قرأ بكل منهما طائفة من
الئمة.
ن { الصنوان :هي الصول المجتمعة في منبت وا ٍ صن ْ َ ن وَغَي ُْر ِ وا ٌ
صن ْ َوقوله ِ } :
واحد ،كالرمان والتين وبعض النخيل ،ونحو ذلك .وغير الصنوان :ما كان
على أصل واحد ،كسائر الشجار ،ومنه سمي عم الرجل صنو أبيه ،كما جاء
في الحديث الصحيح :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر " :أما
شعرت ) (8أن عم الرجل صنو أبيه ؟" ).(9
وقال سفيان الثوري ،وشعبة ،عن أبى إسحاق ،عن البراء ،رضي الله
عنه :الصنوان :هي النخلت في أصل واحد ،وغير الصنوان :المتفرقات.
وقاله ابن عباس ،ومجاهد ،والضحاك ،وقتادة ،وعبد الرحمن بن زيد بن
أسلم.
__________
) (1في ت " :منها".
) (2في ت ،أ " :وحكمه".
) (3في ت " :يجاورها".
) (4في ت " :محجر".
) (5في ت " :وزروع" وهو خطأ.
) (6في ت " :تحتمل".
) (7في ت " :وزروع" وهو خطأ.
) (8في أ " :أما علمت".
) (9رواه مسلم في صحيحه برقم ) (983من حديث أبي هريرة ،رضي الله
عنه.
) (4/431
ن كَ َ
فُروا ذي َ ديد ٍ ُأول َئ ِ َ
ك ال ّ ِ ج ِق َ في َ ْ
خل ٍ
َ م أ َئ ِ َ
ذا ك ُّنا ت َُراًبا أئ ِّنا ل َ ِ ب قَوْل ُهُ ْ ج ٌ ب فَعَ َ ج ْ ن ت َعْ َ
وَإ ِ ْ
ن )(5 دو ل خا ها في م ه ر نا ال ب حاص َ أ َ
ك ئَ ل ُ
أو و م ه ق نا ع َ أ في ُ
ل َ
ل ْ غَ ْ
ل ا كَ َ ُ
ب َِرب ّ ِ ْ َ ِ
ئ لأو و م ه
ّ ِ ُ ْ ِ َ َ ِ ُ َ ْ َ ُ َْ ِ ِ ْ َ ِ ِ
) (4/432
ك لَ ُ
ذو ن َرب ّ َ مث َُل ُ
ت وَإ ِ ّ م ال ْ َ
ن قَب ْل ِهِ ُم ْت ِخل َ ْسن َةِ وَقَد ْ َ
ح َ ل ال ْ َسي ّئ َةِ قَب ْ َ
ك ِبال ّجُلون َ َ
ست َعْ ِ
وَي َ ْ
ب )(6 قا ِ ْ
ديد ُ العِ َ
ش ِ َ َ
ن َرب ّك ل َ م وَإ ِ ّ مهِ ْ ْ ُ
س عَلى ظل ِ َ
فَرةٍ ِللّنا ِ مغْ ِ
َ
ن َرب ّ َ
ك م ال ْ َ
مُثل ُ
ت وَإ ِ ّ ن قَب ْل ِهِ ُم ْت ِ خل َ ْ
سن َةِ وَقَد ْ َ
ح َ ل ال ْ َسي ّئ َةِ قَب ْ َ جُلون َ َ
ك ِبال ّ ست َعْ ِ
} وَي َ ْ
ب ){ (6 قا ِ ْ
ديد ُ العِ َ
ش ِ َ َ
ن َرب ّك ل َ م وَإ ِ ّمهِ ْ ْ ُ
س عَلى ظل ِ َ لَ ُ
فَرةٍ ِللّنا ِ مغْ ِذو َ
) (4/432
لسي ّئ َةِ قَب ْ َ يقول تعالى } :ويستعجلونك { ) (1أي :هؤلء المكذبون } ِبال ّ
َ
ذي سن َةِ { أي :بالعقوبة ،كما أخبر عنهم في قوله } :وََقاُلوا َيا أي َّها ال ِ
ّ ح َ ال ْ َ
ْ
ن* صادِِقي َ ن ال ّ م َ ت ِ ن ك ُن ْ َ ملئ ِك َةِ إ ِ ْ ما ت َأِتيَنا ِبال ْ َ ن * ل َوْ َ جُنو ٌ م ْ ك لَ َ ل عَل َي ْهِ الذ ّك ُْر إ ِن ّ َ نز َ
ن { ]الحجر [8 - 6 :وقال
ْ ري َ من ْظ َ ِ كاُنوا إ ًِذا ُ
َ
ما َ حق ّ و َ َ ة ِإل ِبال ْ َ ملئ ِك َ َ ل ال ْ َ ما ُننز ُ َ
م ه
ُ َ َ َُِّ ْن ي ت أ ي َ لو ب ذا َ ع ْ لا
َ ُ ُ َ م ه َ ء جا َ ل مى ُ َ ّ س م لٌ ج
َ أ ول ِ َ ْ َ ل و ب ذاَ ع ْ ل با
ََ ْ َْ ِ َ ِ َ َ
ك ن لو ُ ج ع ت س ي و } : تعالى
ن{ ِ ِ َري ف كاَ ْ ل با ِ ة
ٌ َ ط حي ِ م َ ل م
ِ َِ ّ َ َ ّ َ ُ ن ه ج ن إ و ب ذاَ ْ
ست َ ْ ِ َ ِ َ
ع ل با َ
ك ن لو ُ ج ع ن * يَ ْ شعُُرو َ م ل يَ ْ ة وَهُ ْ ب َغْت َ ً
ب َواقٍِع { ]المعارج [1 : ل ب ِعَ َ سائ ِ ٌ َ
سأ َ
ذا ٍ ل َ ]العنكبوت [54 ، 53 :وقال َ } :
من َْها ن ِ قو َ شفِ ُ م ْ مُنوا ُ نآ َ ذي َ ّ
ن ب َِها َوال ِ مُنو َ ن ل ي ُؤْ ِ ذي َ ل ب َِها ال ّ ِ ج ُ ست َعْ ِ وقال } :ي َ ْ
ل لَنا قِطَنا قَب ْ َ ّ َ ُ ْ ويعل َمو َ
ل ي َوْم ِ ج ْ حقّ { ]الشورى }[18 :وََقالوا َرب َّنا عَ ّ ن أن َّها ال َ ََْ ُ َ
ب { ]ص [16 :أي :حسابنا وعقابنا ،كما قال مخبرا عنهم } :وَإ ِذ ْ سا ِ ح َ ال ْ ِ
َ
ماِء س َ ن ال ّ م َ جاَرة ً ِ ح َ مط ِْر عَل َي َْنا ِ ك فَأ ْ عن ْدِ َ ن ِ م ْ حقّ ِ ذا هُوَ ال ْ َ ن هَ َ كا َ ن َ م إِ ْ َقاُلوا الل ّهُ ّ
ب أِليم ٍ { ]النفال [32 :فكانوا ) (2يطلبون من الرسول أن َ أ َوِ ائ ْت َِنا ب ِعَ َ
ذا ٍ
يأتيهم بعذاب الله ،وذلك من شدة تكذيبهم وكفرهم وعنادهم.
ت { أي :قد أوقعنا نقمتنا مُثل ُ م ال ْ َ ن قَب ْل ِهِ ُ م ْ ت ِ خل َ ْ قال الله تعالى } :وَقَد ْ َ
بالمم الخالية وجعلناهم مثلة وعبرة وعظة لمن اتعظ بهم.
ثم أخبر تعالى أنه لول حلمه وعفوه ]وغفره[ ) (3لعالجهم بالعقوبة ،كما قال
ن َداب ّةٍ { م ْ ها ِ ك عََلى ظ َهْرِ َ ما ت ََر َ سُبوا َ ما ك َ َ س بِ َ ه الّنا َ خذ ُ الل ّ ُ ؤا ِ تعالى } :وَل َوْ ي ُ َ
]فاطر .(4) [45 :
س عََلى فَرةٍ ِللّنا ِ مغْ ِ ذو َ ك لَ ُ ن َرب ّ َ وقال تعالى في هذه الية الكريمة } :وَإ ِ ّ
م { أي :إنه ذو عفو وصفح ) (5وستر للناس مع أنهم يظلمون مهِ ْ ظ ُل ْ ِ
ويخطئون بالليل والنهار .ثم قرن هذا الحكم بأنه شديد العقاب ،ليعتدل
ة
سعَ ٍ مةٍ َوا ِ ح َ م ُذو َر ْ ل َرب ّك ُ ْ ق ْ ك فَ ُ ن ك َذ ُّبو َ الرجاء والخوف ،كما قال تعالى } :فَإ ِ ْ
ْ
ن َرب ّ َ
ك ن { ]النعام [147 :وقال } :إ ِ ّ مي َ جرِ ِ م ْ قوْم ِ ال ْ ُ ن ال ْ َ ه عَ ِ س ُ َول ي َُرد ّ ب َأ ُ
عَباِدي ئ ِ م { ]العراف [167 :وقال } :ن َب ّ ْ حي ٌ فوٌر َر ِ ه ل َغَ ُ ب وَإ ِن ّ ُ قا ِ ريعُ ال ْعِ َ س ِ لَ َ
م { ]الحجر [50 ، 49 :إلى ذاِبي هُوَ ال ْعَ َ ن عَ َ َ أ َّني أَنا ال ْغَ ُ
َ
ب الِلي ُ ذا ُ م وَأ ّ حي ُ فوُر الّر ِ
أمثال ذلك من اليات التي تجمع الرجاء والخوف.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا موسى بن إسماعيل ،حدثنا حماد ،
ن
سّيب قال :لما نزلت هذه الية } :وَإ ِ ّ عن علي بن زيد ،عن سعيد بن الم َ
ب { قال رسول قا ِ ْ
ديد ُ العِ َ ش ِ َ
ن َرب ّك ل َ َ م وَإ ِ ّ مهِ ْ س عََلى ظ ُل ْ ِ ك لَ ُ َرب ّ َ
فَرةٍ ِللّنا ِ مغْ ِ ذو َ
الله صلى الله عليه وسلم " :لول عفوُ الله وتجاُوزه ،ما هنأ أحدا العيش )(6
ولول وعيده ) (7وعقابه ،لتكل كل أحد" ).(8
وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة الحسن بن عثمان أبي حسان الزيادي :
أنه رأى رب العزة في
__________
) (1في ت ،أ " :ويستعجلك" وهو خطأ.
) (2في ت " :وكانوا".
) (3زيادة من أ.
) (4في ت " :الناس بظلمهم" وهو خطأ.
) (5في ت " :ذو صفح وغفر".
) (6في ت " :العريش".
) (7في ت " :وعده".
) (8ورواه الواحدي في الوسيط ) (3/6من طريق محمد بن أيوب ،عن
موسى بن إسماعيل ،به مرسل.
) (4/433
النوم ،ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بين يديه يشفع في رجل من
ن َرب ّ َ
ك أمته ،فقال له :ألم يكفك أني أنزلت عليك في سورة الرعد } :وَإ ِ ّ
م { ؟ قال :ثم انتبهت(1) . مهِ ْ س عََلى ظ ُل ْ ِ ِ فَرةٍ ِللّنا مغْ ِ ذو َ لَ ُ
َ ل عَل َي ْهِ آي َ ٌول ُأنز َ
ل قَوْم ٍ من ْذٌِر وَل ِك ُ ّت ُ ما أن ْ َ ن َرب ّهِ إ ِن ّ َ م ْ ة ِ فُروا ل َ ْ ن كَ َ ذي َ ل ال ّ ِ قو ُ } وَي َ ُ
هاد ٍ ){ (7 َ
يقول تعالى إخباًرا عن المشركين أنهم يقولون كفرا وعنادا :لول يأتينا بآية
من ربه كما أرسل الولون ،كما تعتنوا عليه أن يجعل لهم الصفا ذهبا ،وأن
يزيل ) (2عنهم الجبال ،ويجعل مكانها مروجا وأنهارا ،قال الله تعالى :
َ َ
مود َ الّناقَ َ
ة ن َوآت َي َْنا ث َ ُب ب َِها الوُّلو َ ن ك َذ ّ َ ت ِإل أ ْ ل ِبالَيا ِ س َ ن ن ُْر ِ من َعََنا أ ْ ما َ } وَ َ
فا { ]السراء .[59 : وي ً خ ِ ت ِإل ت َ ْ سل ِبالَيا ِ ُ ما ن ُْر ِ موا ب َِها وَ َ َ َ
صَرةً فظل ُ َ مب ْ ِ ُ
من ْذٌِر { أي :إنما عليك أن تبلغ رسالة الله التي ت نقال الله تعالى } :إنما أ َ
ِّ َ ْ َ ُ
شاُء { ]البقرة .[272 : ن يَ ََ ْ م دي ه
َ َْ ِ ي ه ّ ل ال ن َ
دا ُ ْ َ ِ ّ
ك ل و م ه ك هُ َ س عَل َي ْ َ أمرك بها } ،ل َي ْ َ
هاد ٍ { قال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس ،أي : ل قَوْم ٍ َ وقوله } :وَل ِك ُ ّ
ولكل قوم داع.
وقال العوفي ،عن ابن عباس في تفسيرهما :يقول الله تعالى :أنت يا
محمد منذر ،وأنا هادي كل قوم ،وكذا قال مجاهد ،وسعيد بن جبير ،
والضحاك.
خلمةٍ ِإل َ ُ ل قَوْم ٍ َ ُ
وعن مجاهد } :وَل ِك ّ
نأ ّ م ْن ِهاد ٍ { أي :نبي .كما قال } :وَإ ِ ْ
ذيٌر { ]فاطر [24 :وبه قال قتادة ،وعبد الرحمن بن زيد. ِفيَها ن َ ِ
هاد ٍ { أي :قائد. ل قَوْم ٍ َ ُ
وقال أبو صالح ،ويحيى بن رافع } :وَل ِك ّ
وقال أبو العالية :الهادي :القائد ،والقائد :المام ،والمام :العمل.
هاد ٍ { قال هو محمد ]رسول الله[ ل قَوْم ٍ َ رمة ،وأبي الضحى } :وَل ِك ُ ّ عك ْ ِ وعن ِ
) (3صلى الله عليه وسلم.
هاد ٍ { من يدعوهم إلى الله ،عز وجل. ل قَوْم ٍ َ وقال مالك } :وَل ِك ُ ّ
وقال أبو جعفر بن جرير :حدثني أحمد بن يحيى الصوفي ،حدثنا الحسن بن
الحسين النصاري ،حدثنا معاذ بن مسلم بياع الهروي ،عن عطاء بن
السائب ،عن سعيد بن جبير ،عن ابن عباس ،رضي الله عنهما ،قال :لما
هادٍ { قال :وضع رسول الله صلى الله ل قَوْم ٍ َ من ْذٌِر وَل ِك ُ ّ َ
ت ُ ما أن ْ َ نزلت } :إ ِن ّ َ
عليه وسلم يده على صدره ،وقال " :أنا المنذر ،ولكل قوم هاد" .وأومأ بيده
إلى منكب علي ،فقال " :أنت الهادي يا علي ،بك يهتدي المهتدون من
بعدي".
وهذا الحديث فيه نكارة شديدة ).(4
__________
) (1تاريخ دمشق )" (4/471المخطوط"(.
) (2في ت ،أ " :يزيح".
) (3زيادة من أ.
) (4تفسير الطبري ) ، (16/357وقال الذهبي في ميزان العتدال )(1/484
بعد أن ساقه في ترجمة الحسن بن الحسين" .رواه ابن جرير في تفسيره ،
عن أحمد بن يحيى ،عن الحسن ،عن معاذ ،ومعاذ نكرة ،فلعل الفة منه".
) (4/434
ل كُ ّ ُ
عن ْد َهُ
يٍء ِ
ش ْ ما ت َْزَداد ُ وَك ُ ّ
ل َ م وَ َ
حا ُ ض اْل َْر َ
ما ت َِغي ُ ل أن َْثى وَ َ م ُح ِما ت َ ْ ه ي َعْل َ ُ
م َ الل ّ ُ
ل )(9 شَهاد َةِ ال ْك َِبيُر ال ْ ُ
مت ََعا ِ ب َوال ّ م ال ْغَي ْ ِ
عال ِ ُ دارٍ )َ (8 ق َم ْبِ ِ
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا علي بن الحسين ،حدثنا عثمان بن أبي شيبة ،
ل قَوْم ٍ حدثنا المطلب بن زياد ،عن السدي ،عن عبد خير ،عن علي } :وَل ِك ُ ّ
هاد ٍ { قال :الهادي :رجل من بني هاشم :قال الجنيد ) (1هو علي بن أبي َ
طالب ،رضي الله عنه.
قال ابن أبي حاتم :وروي عن ابن عباس ،في إحدى الروايات ،وعن أبي
جعفر محمد بن علي ،نحو ذلك.
ل كُ ّ ُ
عن ْد َهُ يٍء ِ ش ْ ّ ُ
ما ت َْزَداد ُ وَكل َ م وَ َ حا ُ ض الْر َ ما ت َِغي ُ ل أن َْثى وَ َ م ُ ح ِ ما ت َ ْ م َ ه ي َعْل َ ُ } الل ّ ُ
ل ){ (9 مت ََعا ِ شَهاد َةِ ال ْك َِبيُر ال ْ ُ ب َوال ّ م ال ْغَي ْ ِ عال ِ ُ دارٍ )َ (8 ق َ م ْبِ ِ
يخبر تعالى عن تمام علمه الذي ل يخفى عليه شيء ،وأنه محيط بما تحمله
حام ِ { ما ِفي الْر َ م َ الحوامل من كل إناث الحيوانات ،كما قال تعالى } :وَي َعْل َ ُ
]لقمان [34 :أي :ما حملت من ذكر أو أنثى ،أو حسن أو قبيح ،أو شقي أو
َ
م إ ِذ ْم ب ِك ُ ْ سعيد ،أو طويل العمر أو قصيره ،كما قال تعالى } :هُوَ أعْل َ ُ
كوا أ َن ْ ُ طو ُ شأ َك ُم من الرض وإذ ْ أ َنت َ أ َن ْ َ
و
م هُ َ سك ُ ْ ف َ م َفل ت َُز ّ مَهات ِك ُ ْ نأ ّ ة ِفي ب ُ ُ ِ جن ّ ٌ مأ ِ ْ ِ َِ ُْ ْ ْ ِ َ
َ
قى { ]النجم .[32 : ن ات ّ َ ِ م
م بِ َ أعْل َ ُ
طو ُ
تما ٍ ق ِفي ظ ُل ُ َ خل ٍ
ن ب َعْد ِ َ ْ م ْ قا ِ خل ْ ً م َ مَهات ِك ُ ْنأ ّ م ِفي ب ُ ُ ِ قك ُ ْ خل ُ ُ وقال تعالى } :ي َ ْ
ث { ]الزمر [6 :أي :خلقكم طورا من بعد طور ،كما قال تعالى : َثل ٍ
من ثُ ّ ة ِفي قََرارٍ َ ْ ْ ن ثُ ّ َ َ َ
كي ٍ م ِ ف ًجعَلَناه ُ ن ُط َ م َ طي ٍ ن ِ م ْ سللةٍ ِ ن ُ م ْ ن ِ سا َ قَنا الن ْ َ خل ْ قد ْ َ } وَل َ
سوَْنا َ
ما فَك َ عظا ً َ ة ِ ضغَ َم ْ ْ
قَنا ال ُ خل ْ َ ة فَ َ ضغَ ًم ْ ة ُ ق َ َ ْ
قَنا العَل َ خل َْ ة فَ َ ق ً َ
ة عَل َ ف َ ْ
قَنا الن ّط َ خل َ ْ َ
ْ َ ّ َ َ ْ ْ َ َ َ ْ
ن { ]المؤمنون : قي َ خال ِ ِ ن ال َ س ُ ح َ هأ ْ خَر فت ََباَرك الل ُ قا آ َ خل ً شأَناهُ َ م أن ْ َ ما ث ُ ّ ح ً مل ْ العِظا َ
[14 : 12وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال :قال رسول الله ) (2صلى
الله عليه وسلم " :إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ،ثم يكون
علقة مثل ذلك ،ثم يكون مضغة مثل ذلك ،ثم يبعث إليه ملك فيؤمر بأربع
كتب رزقه ،وعمره ،وعمله ،وشقي أو سعيد" ).(3 كلمات :ي َ ْ
وفي الحديث الخر " :فيقول الملك :أيْ رب ،أذكر أم أنثى ؟ أي رب ،
أشقي أم سعيد ؟ فما الرزق ؟ فما الجل ؟ فيقول الله ،ويكتب الملك" ).(4
ما ت َْزَداد ُ { قال البخاري :حدثنا إبراهيم بن م وَ َ حا ُ ض الْر َ ما ت َِغي ُ وقوله } :وَ َ
مْعن ،حدثنا مالك ،عن عبد الله بن دينار ،عن ابن عمر ؛ أن المنذر ،حدثنا َ
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :مفاتيح الغيب خمس ل يعلمها )(5
إل الله :ل يعلم ما في غد إل الله ،ول يعلم ما تغيض الرحام إل الله ،ول
يعلم متى يأتي المطر أحد إل الله ،ول تدري نفس بأي أرض تموت ،ول يعلم
متى تقوم الساعة إل الله" ).(6
__________
) (1في أ " :ابن الجنيد".
) (2في ت " :النبي".
) (3صحيح البخاري برقم ) (3208وصحيح مسلم برقم ).(2643
) (4رواه مسلم في صحيحه برقم ) (2645من حديث حذيفة بن أسيد ،
رضي الله عنه.
) (5في ت " :ل يعلمهن".
) (6صحيح البخاري برقم ).(4697
) (4/435
ما
قط } وَ َ س ْ
م { يعني :ال َ حا ُ
ض الْر َ ما ت َِغي ُ وقال العوفي ،عن ابن عباس } :وَ َ
ت َْزَداد ُ { يقول :ما زادت الرحم في الحمل على ما غاضت حتى ولدته تماما.
وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر ،ومنهن من تحمل تسعة أشهر ،
ومنهن من تزيد في الحمل ،ومنهن من تنقص ،فذلك الغيض ) (1والزيادة
التي ذكر الله تعالى ،وكل ذلك بعلمه تعالى.
ما ت َْزَداد ُ {م وَ َحا ُ
ض الْر َ ما ت َِغي ُوقال الضحاك ،عن ابن عباس في قوله } :وَ َ
قال :ما نقصت من تسعة وما زاد عليها.
وقال الضحاك :وضعتني أمي وقد حملتني في بطنها سنتين ،وولدتني وقد
نبتت ثنّيتي.
جَرْيج ،عن جميلة بنت سعد ،عن عائشة قالت :ل يكون الحمل وقال ابن ُ
ظل مغَْزل. أكثر من سنتين ،قدر ما يتحرك ِ
ما ت َْزَداد ُ { قال :ما ترى من الدم في م وَ َ حا ُ ض الْر َ ما ت َِغي ُ وقال مجاهد } :وَ َ
حملها ،وما تزداد على تسعة أشهر .وبه قال عطية العوفي وقتادة ،والحسن
البصري ،والضحاك.
وقال مجاهد أيضا :إذا رأت المرأة الدم دون التسعة زاد على التسعة ،مثل
رمة ،وسعيد بن جبير ،وابن زيد. عك ْ ِ أيام الحيض .وقاله ِ
م { إراقة المرأة حتى يخس الولد حا ُ ض الْر َ ما ت َِغي ُ وقال مجاهد أيضا } :وَ َ
ما ت َْزَداد ُ { إن لم تهرق المرأة تم الولد وعظم. } وَ َ
وقال مكحول :الجنين في بطن أمه ل يطلب ،ول يحزن ول يغتم ،وإنما
يأتيه رزقه في بطن أمه من دم حيضتها ) (2فمن ثم ل تحيض الحامل .فإذا
وقع إلى الرض استهل ،واستهلله استنكار ) (3لمكانه ،فإذا قطعت سرته
حول الله رزقه إلى ثديي أمه حتى ل يطلب ول يحزن ول يغتم ،ثم يصير
طفل يتناول الشيء بكفه فيأكله ،فإذا هو بلغ قال :هو الموت أو القتل ،أّنى
غذاك وأنت في بطن أمك ، لي بالرزق ؟ فيقول مكحول :يا ويلك )َ ! (4
وأنت طفل صغير ،حتى إذا اشتددت وعقلت قلت :هو الموت أو القتل ،أنى
ل كُ ّ ُ
ض
ما ت َِغي ُ ل أن َْثى وَ َ م ُح ِ
ما ت َ ْ
م َه ي َعْل َ ُ لي بالرزق ؟ ثم قرأ مكحول } :الل ّ ُ
دارٍ { ق َم ْ عن ْد َه ُ ب ِ ِيٍء ِ ش ْ ل َ ما ت َْزَداد ُ وَك ُ ّ
م وَ َ
حا ُالْر َ
دارٍ { أي :بأجل ،حفظ أرزاق خلقه ق َ م ْعن ْد َه ُ ب ِ ِ
يٍء ِ َ ّ ُ
وقال قتادة } :وَكل ش ْ
ما.
وآجالهم ،وجعل لذلك أجل معلو ً
وفي الحديث الصحيح :أن إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم بعثت
إليه :أن ابنا لها في الموت ،وأنها تحب أن يحضره .فبعث إليها يقول " :إن
لله ما أخذ ،وله ما أعطى ،وكل شيء عنده بأجل مسمى ،فمروها
__________
) (1في ت " :الغيظ".
) (2في ت " :حيضها".
) (3في ت " :استشكار".
) (4في ت " :يا ويحك".
) (4/436
سواٌء منك ُم م َ
بسارِ ٌ ف ِبالل ّي ْ ِ
ل وَ َ خ ٍ ست َ ْ
م ْن هُوَ ُ م ْ جهََر ب ِهِ وَ َ ن َ م ْل وَ َ سّر ال ْ َ
قو ْ َ نأ َ ِ ْ ْ َ ْ َ َ
ن ّ َ ُ ْ َ
مرِ اللهِ إ ِ ّ نأ ْ م ْ ه ِفظون َ ُ ح َفهِ ي َ ْ
خل ِ ن َ م ْن ي َد َي ْهِ وَ ِن ب َي ْ ِم ْت ِ قَبا ٌمعَ ّ ه ُ ِبالن َّهارِ ) (10ل ُ
َ ّ َ َ
مَرد ّ َ
سوًءا فل َ قوْم ٍ ُ ه بِ َ م وَإ َِذا أَراد َ الل ُ سهِ ْ ف ِ ما ب ِأن ْ ُحّتى ي ُغَي ُّروا َ قوْم ٍ َ ما ب ِ َ ه َل ي ُغَي ُّر َ الل ّ َ
ل )(11 ن َوا ٍ م ْ ن ُدون ِهِ ِ م ْ ما ل َهُ ْ
م ِ ه وَ َ لَ ُ
) (4/437
كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون :أتيناهم وهم يصلون ،وتركناهم وهم يصلون"
) (1وفي الحديث الخر " :إن معكم من ل يفارقكم إل عند الخلء وعند
الجماع ،فاستحيوهم وأكرموهم" ).(2
ن
م ْن ي َد َي ْهِ وَ ِ َ
ن ب َي ْ ِم ْت ِ قَبا ٌ معَ ّ ه ُ وقال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس } :ل ُ
ظونه م َ
مرِ الل ّهِ { والمعقبات من أمر الله ،وهي الملئكة. نأ ْ ف ُ َ ُ ِ ْ ح َ فهِ ي َ ْخل ْ ِ
َ
مرِ اللهِ { قال :ملئكة ّ َ ُ ْ
نأ ْ م ْ ه ِفظون َ ُ ح َ رمة ،عن ابن عباس } :ي َ ْ عك ِ وقال ِ
خلوا عنه. ّ يحفظونه من بين يديه ومن خلفه ،فإذا جاء قدر الله َ
مَلك موكل ،يحفظه في نومه ويقظته وقال مجاهد :ما من عبد إل له )َ (3
من الجن والنس والهوام ،فما منها شيء يأتيه يريده إل قال الملك :وراءك
إل شيء يأذن الله فيه فيصيبه.
وقال الثوري عن حبيب بن أبي ثابت ،عن سعيد بن جبير ،عن ابن عباس :
فهِ { قال :ذلك ) (4ملك من ملوك خل ْ ِ
ن َ م ْ
ن ي َد َي ْهِ وَ ِ ن ب َي ْ ِ
م ْ
ت ِ قَبا ٌمعَ ّ ه ُ} لَ ُ
الدنيا ،له حرس من دونه حرس.
فهِ { خل ْ ِن َ م ْ ن ي َد َي ْهِ وَ ِ ن ب َي ْ ِ م ْ ت ِ قَبا ٌ معَ ّه ُ وقال العوفي ،عن ابن عباس } :ل َ ُ
رمة في تفسيرها : عك ْ ِ يعني :ولي الشيطان ،يكون عليه الحرس .وقال ِ
هؤلء المراء :المواكب من بين يديه ومن خلفه.
َ ُ ْ
ر
م ِ
نأ ْ م ْ ه ِ فظون َ ُ ح َ فهِ ي َ ْ خل ِ ن َ م ْ ن ي َد َي ْهِ وَ ِ ن ب َي ْ ِم ْ
ت ِ قَبا ٌمعَ ّ ه ُ وقال الضحاك } :ل َ ُ
الل ّهِ { قال :هو السلطان ) (5المحترس ) (6من أمر الله ،وهم أهل
الشرك.
رمة والضحاك بهذا أن حرس عك ِْ مَراد ابن عباس و ِ والظاهر ،والله أعلم ،أن ُ
الملئكة للعبيد ) (7يشبه حرس هؤلء لملوكهم وأمرائهم.
وقد روى المام أبو جعفر ابن جرير هاهنا حديًثا غريبا جدا فقال :
حدثني المثنى ،حدثنا إبراهيم بن عبد السلم بن صالح القشيري ،حدثنا علي
بن جرير ،عن حماد بن سلمة ،عن عبد الحميد بن جعفر ،عن كنانة العدوي
قال :دخل عثمان بن عفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم .فقال :يا
رسول الله ،أخبرني عن العبد ،كم معه من ملك ) (8؟ فقال " :ملك على
يمينك على حسناتك ،وهو آمر ) (9على الذي على الشمال ،إذا عملت
حسنة كتبت عشرا ،فإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على
اليمين :اكتب ؟ قال :ل لعله يستغفر الله ويتوب .فإذا قال ثلثا قال :
__________
) (1صحيح البخاري برقم ) (7429 ، 555وصحيح مسلم برقم ).(632
) (2رواه الترمذي في السنن برقم ) (2800من طريق ليث ،عن نافع ،عن
ابن عمر ،رضي الله عنه ،مرفوعا ،وأوله " :إياكم والتحري فإن معكم".
الحديث .وقال الترمذي " :هذا حديث غريب ل نعرفه إل من هذا الوجه".
) (3في ت ،أ " :به".
) (4في ت ،أ " :ذكر".
) (5في ت " :الشيطان".
) (6في أ " :المحروس".
) (7في ت ،أ " :للعبد".
) (8في ت ،أ " :كم ملك معه".
) (9في ت ،أ " :وهو أمين".
) (4/438
نعم ،اكتب أراحنا الله منه ،فبئس القرين .ما أقل مراقبته لله وأقل
ب عَِتيد ٌ { ]ق : ل ِإل ل َد َي ْهِ َرِقي ٌ
ن قَوْ ٍ
م ْ ف ُ
ظ ِ ما ي َل ْ ِ استحياءه منا" .يقول الله َ } :
ن َ
ن ب َي ْ ِ
م ْ
ت ِ
قَبا ٌ
معَ ّ
ه ُ [18وملكان من بين يديك ومن خلفك ،يقول الله } :ل ُ
ظونه م َ
مرِ الل ّهِ { وملك قابض على ناصيتك ،فإذا نأ ْ ف ُ َ ُ ِ ْ ح َفهِ ي َ ْخل ْ ِ
ن َم ْ
ي َد َي ْهِ وَ ِ
تواضعت لله رفعك ،وإذا تجبرت على الله قصمك ،وملكان على شفتيك ،
ليس يحفظان عليك إل الصلة على محمد صلى الله عليه وسلم ،وملك قائم
دع الحية أن تدخل في فيك ،وملكان على عينيك فهؤلء عشرة على فيك ل ي َ َ
أملك على كل آدمي ) (1ينزلون ) (2ملئكة الليل على ملئكة النهار ؛ لن
ملئكة الليل سوى ملئكة النهار ،فهؤلء عشرون ملكا على كل آدمي
وإبليس بالنهار وولده بالليل" ).(3
قال المام أحمد ،رحمه الله :حدثنا أسود بن عامر ،حدثنا سفيان ،حدثني
منصور ،عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه ،عن عبد الله قال :قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " :ما منكم من أحد إل وقد وكل به قرينه من
الجن وقرينه من الملئكة" .قالوا :وإياك يا رسول الله ،قال " :وإياي ،ولكن
أعانني الله عليه ) (4فل يأمرني إل بخير".
انفرد بإخراجه مسلم ).(5
ُ ّ ظونه م َ
مرِ اللهِ { قيل :المراد حفظهم له من أمر الله. نأ ْف ُ َ ُ ِ ْ ح َوقوله } :ي َ ْ
رواه علي بن أبي طلحة ،وغيره ،عن ابن عباس .وإليه ذهب مجاهد ،
خعي ،وغيرهم. وسعيد بن جبير ،وإبراهيم الن ّ َ
ّ ظونه م َ
مرِ اللهِ { قال :وفي بعض القراءات : نأ ْ ف ُ َ ُ ِ ْ ح َوقال قتادة } :ي َ ْ
"يحفظونه بأمر الله".
وقال كعب الحبار :لو تجلى لبن آدم كل سهل وحزن ،لرأى كل شيء من ّ
كل بكم ملئكة عنكم في مطعمكم ومشربكم ذلك شياطين ) (6لول أن الله و ّ
طفتم. خ ّ وعوراتكم ،إذا لت ُ ُ
ذود عنه ،حتى يسلمه للذي وقال أبو أمامة ) (7ما من آدمي إل ومعه ملك ي َ ُ
قدر له.
مَراد إلى علي ،رضي الله عنه ،وهو يصلي ، ُ من رجل جاء : لزَ ج م
ِ ْ أبو وقال
سا من مراد يريدون قتلك .فقال :إن مع كل رجل فقال :احترس ،فإن نا ً
خليا بينه وبينه ،وإن الجل جنة قد َُر َ
در ،فإذا جاء ال َ ملكين يحفظانه مما لم يق ّ
صينة(8) .
ح ِ
َ
مرِ اللهِ { بأمر الله ،كما جاء في الحديث ّ َ أ ن م ه نظوُ َ فح ي } : بعضهم وقال
ْ ْ ِ ُ َ ْ َ
أنهم قالوا :يا رسول الله ،أرأيت ُرَقى نسترقي بها ،هل ترد من قَ َ
در الله
در الله" ).(9 شيئا ؟ فقال " :هي من قَ َ
__________
) (1في ت ،أ " :على كل بني آدم".
) (2في ت ،أ " :يبدلون".
) (3تفسير الطبري ).(16/370
) (4في ت ،أ " :ولكن الله أعانني عليه".
) (5المسند ) (1/397وصحيح مسلم برقم )(2814
) (6في ت ،أ " :من ذلك ساء نفسه".
) (7في أ " :أبو أسامة".
) (8رواه الطبري في تفسيره ).(16/378
) (9رواه الترمذي في السنن برقم ) (2065من حديث أبي خزامة وقال :
"حديث حسن".
) (4/439
ح
سب ّ ُ
ل ) (12وَي ُ َ قا َ
ب الث ّ َ
حا َس َ ئ ال ّ
ش ُ مًعا وَي ُن ْ ِ خوًْفا وَط َ َم ال ْب َْرقَ َ ريك ُ ُ
ذي ي ُ ِ هُوَ ال ّ ِ
شاُءن يَ َ م ْب ب َِها َ
صي ُعقَ فَي ُ ِوا ِص َ س ُ
ل ال ّ فت ِهِ وَي ُْر ِ خي َن ِم ْة ِمَلئ ِك َ ُ
مدِهِ َوال ْ َ ح ْالّرعْد ُ ب ِ َ
ل )(13 حا ِ م َ ْ
ديد ُ ال ِ ش ِ ّ
ن ِفي اللهِ وَهُوَ َ ُ
جادِلو َ م يُ َ وَهُ ْ
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبو سعيد الشج ،حدثنا حفص بن غياث ،عن
جْهم ،عن إبراهيم قال :أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني أشعث ،عن َ
إسرائيل :أن قل لقومك :إنه ليس من أهل قرية ول أهل بيت يكونون على
طاعة الله فيتحولون منها إلى معصية الله ،إل تحول لهم مما يحبون إلى ما
ما ن الل ّ َ
ه ل ي ُغَي ُّر َ يكرهون ،ثم قال :إن مصداق ) (1ذلك في كتاب الله } :إ ِ ّ
م{سهِ ْ ما ب ِأ َن ْ ُ
ف ِ حّتى ي ُغَي ُّروا َ
قوْم ٍ َ
بِ َ
وقد ورد هذا في حديث مرفوع ،فقال الحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة
في كتابه "صفة العرش" :حدثنا الحسن بن علي ،حدثنا الهيثم بن الشعث
السلمي ،حدثنا أبو حنيفة اليمامي ) (2النصاري ،عن عمير بن عبد الله )(3
ت عن قال :خطبنا علي بن أبي طالب على منبر الكوفة ،قال :كنت إذا سك ّ
رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدأني ،وإذا سألته عن الخبر أنبأني ،وإنه
حدثني عن ربه ،عز وجل ،قال " :قال الرب :وعزتي وجللي ،وارتفاعي
ت من فوق عرشي ،ما من أهل قرية ول أهل بيت كانوا على ما كره ُ
معصيتي ،ثم تحولوا عنها إلى ما أحببت من طاعتي ،إل تحولت لهم عما
يكرهون من عذابي إلى ما يحبون من رحمتي" ).(4
وهذا غريب ،وفي إسناده من ل أعرفه.
ح
سب ّ ُ
قال ) (12وَي ُ َ َ ّ
ب الث َ حا َ
س َئ ال ّ ش ُ
مًعا وَي ُن ْ ِ خوًْفا وَط َ َم ال ْب َْرقَ َ ريك ُ ُ ذي ي ُ ِ } هُوَ ال ّ ِ
شاُء ن يَ َم ْ
ب ب َِها َصي ُ عقَ فَي ُ ِوا ِص َ
ل ال ّس ُ فت ِهِ وَي ُْر ِخي َ
ن ِم ْ ة ِ ملئ ِك َ ُ مدِهِ َوال ْ َ ح ْ الّرعْد ُ ب ِ َ
ل ){ (13 حا م
ِ ُ ِ َ ِ ْ لا د دي شَ و ه و
ِ َ ُ َ ه ّ ل ال في جا ِ َ ِ
ن لوُ د م يُ َ وَهُ ْ
يخبر تعالى أنه هو الذي يسخر البرق ،وهو ما يرى ) (5من النور اللمع
ساطعا من خلل السحاب.
وروى ابن جرير أن ابن عباس كتب إلى أبي الجلد يسأله عن البرق ،فقال :
البرق :الماء.
مًعا { قال قتادة :خوفا للمسافر ،يخاف أذاه ومشقته ، َ
خوًْفا وَط َ وقوله َ } :
وطمعا للمقيم يرجو بركته ومنفعته ،ويطمع في رزق الله.
ل { أي :ويخلقها منشأة جديدة ،وهي لكثرة مائها قا َب الث ّ َ حا َ س َئ ال ّ ش ُ } وَي ُن ْ ِ
ثقيلة قريبة إلى الرض.
قال مجاهد :والسحاب الثقال :الذي فيه الماء.
__________
) (1في ت ،أ " :تصديق".
) (2في هـ ،ت ،أ " :اليماني" والصواب ما أثبتناه.
) (3في هـ ،ت ،أ " :عبد الملك" ،والصواب ما أثبتناه.
) (4صفة العرش برقم ) (19والهيثم مجهول وشيخه لم أجد له ترجمة.
) (5في ت " :ما ترى".
) (4/440
ح
سب ّ ُ
يٍء ِإل ي ُ َ
ش ْ ن َ
م ْ
ن ِمدِهِ { كما قال تعالى } :وَإ ِ ْ ح ْ
ح الّرعْد ُ ب ِ َ
سب ّ ُ
} وَي ُ َ
مدِهِ { ]السراء .[44 : ح ْ
بِ َ
وقال المام أحمد :حدثنا يزيد ،حدثنا إبراهيم بن سعد ،أخبرني أبي قال :
مْيد بن عبد الرحمن في المسجد ،فمر شيخ من بني ح َ
سا إلى جنب ُ كنت جال ً
غفار ،فأرسل إليه حميد ،فلما أقبل قال :يا ابن أخي ،وسع ) (1له فيما
بيني وبينك ،فإنه قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم .فجاء حتى
جلس فيما بيني وبينه ،فقال له حميد :ما الحديث الذي حدثتني عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال الشيخ :سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول " :إن الله ينشئ السحاب ،فينطق أحسن النطق ،
ويضحك أحسن الضحك" ).(2
ق.
قها الرعد ُ ،وضحكها البر ُ والمراد -والله أعلم -أن نط َ
وقال موسى بن عبيدة ،عن سعد بن إبراهيم قال :يبعث الله الغيث ،فل
أحسن منه مضحكا ،ول آنس منه منطقا ،فضحكه البرق ،ومنطقه الرعد.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا هشام بن عبيد الله الرازي ،عن
ك له أربعة وجوه :وجه إنسان ، مل ٌ
محمد بن مسلم قال :بلغنا أن البرق َ
صع ) (3بذنبه فذاك البرق(4) . م َ
ووجه ثور ،ووجه نسر ،ووجه أسد ،فإذا َ
وقال المام أحمد :حدثنا عفان ،حدثنا عبد الواحد بن زياد ،حدثنا الحجاج ،
حدثني أبو مطر ،عن سالم ،عن أبيه قال :كان رسول الله صلى الله عليه
عد والصواعق قال " :اللهم ،ل تقتلنا بغضبك ،ول تهلكنا سمع الر ْ وسلم إذا َ
بعذابك ،وعافنا قبل ذلك".
ورواه الترمذي ،والبخاري في كتاب الدب ،والنسائي في اليوم والليلة ،
والحاكم في مستدركه ،من حديث الحجاج بن أرطاة ،عن أبي مطر -ولم
يسم به(5) .
وقال ]المام[ ) (6أبو جعفر بن جرير :حدثنا أحمد بن إسحاق ،حدثنا أبو
أحمد ،حدثنا إسرائيل ،عن أبيه ) (7عن رجل ،عن أبي هريرة ،رفع
عد
الحديث قال :إنه كان إذا سمع الرعد قال " :سبحان من ُيسّبح الر ْ
بحمده"(8) .
وروي عن علي ،رضي الله عنه ،أنه كان إذا سمع صوت الرعد قال :
سّبحت له. سبحان من َ
__________
) (1في ت " :أوسع".
) (2المسند ).(5/435
) (3في ت " :قصع".
) (4وهذا ل أصل له من كتاب ول سنة ،وهو من الخيال.
) (5المسند ) (2/100وسنن الترمذي ) (3450والدب المفرد برقم )(722
والنسائي في السنن الكبرى برقم ) ، (10764وأما الحاكم فرواه في
المستدرك ) (4/286من طريق عبد الواحد بن زياد ،عن أبي مطر ،به .ولم
يذكر الحجاج بن أرطاة ،وقال " :صحيح السناد ولم يخرجاه" وأقره الذهبي ،
وضعف النووي هذا الحديث في الذكار )ص .(164
) (6زيادة من ت ،أ.
) (7في ت ،أ " :عن ليث".
) (8تفسير الطبري ) (16/389ورواه ابن مردويه في تفسيره كما في تخريج
الكشاف ) (2/184من طريق محمد بن يحيى ،عن أحمد ابن إسحاق عن
أبي أحمد ،عن عتاب بن زياد ،عن رجل ،عن أبي هريرة رفع الحدث ...إلى
آخره.
) (4/441
وكذا روي عن ابن عباس ،والسود بن يزيد ،وطاوس :أنهم كانوا يقولون
كذلك.
وقال الوزاعي :كان ابن أبي زكريا يقول :من قال حين يسمع الرعد :
سبحان الله وبحمده ،لم تصبه صاعقة.
وعن عبد الله بن الزبير ) (1أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال :
سبحان الذي يسّبح الرعد ُ بحمده والملئكة من خيفته ،ويقول :إن هذا لوعيد
) (2شديد ٌ لهل الرض .رواه مالك في الموطأ ،والبخاري في كتاب الدب) .
(3
دقة بن ص َ
وقال المام أحمد :حدثنا سليمان بن داود الطيالسي ،حدثنا َ
موسى ،حدثنا محمد بن واسع ،عن شتيز ) (4بن نهار ،عن أبي هريرة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :قال ربكم عز وجل :لو أن عبيدي
أطاعوني لسقيتهم المطر بالليل ،وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ،ولما
أسمعتهم ) (5صوت الرعد"(6) .
حدري ، ج ْ
وقال الطبراني :حدثنا زكريا بن يحيى الساجي ،حدثنا أبو كامل ال َ
حدثنا يحيى بن كثير أبو النضر ،حدثنا عبد الكريم ،حدثنا عطاء ،عن ابن
عباس قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إذا سمعتم الرعد
فاذكروا الله ؛ فإنه ل يصيب ذاكرا"(7) .
ة ينتقم
م ً
شاُء { أي :يرسلها نق َ ن يَ َم ْ
ب ب َِها َ عقَ فَي ُ ِ
صي ُ وا ِص َ
ل ال ّس ُ
وقوله } :وَي ُْر ِ
بها ممن يشاء ،ولهذا تكثر في آخر الزمان ،كما قال المام أحمد :
حدثنا محمد بن مصعب ،حدثنا عمارة ) (8عن أبي نضرة ،عن أبي سعيد
الخدري ،رضي الله عنه ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " :تكثر
الصواعق عند اقتراب الساعة ،حتى يأتي الرجل القوم فيقول :من صعق
تلكم ) (9الغداة ؟ فيقولون صِعق فلن وفلن وفلن"(10) .
وقد روي في سبب نزولها ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي :
شيباني ،حدثنا ثابت ،عن أنس : حدثنا إسحاق ،حدثنا علي بن أبي سارة ال ّ
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجل مرة إلى رجل من فراعنة
العرب فقال " :اذهب فادعه لي" .قال :فذهب إليه فقال :يدعوك رسول
من ذهب الله صلى الله عليه وسلم .فقال له :من رسول الله ؟ وما الله ؟ أ ِ
هو ؟ أم من فضة هو ؟ أم من نحاس هو ؟ قال :فرجع إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فأخبره ،فقال :يا رسول الله ،قد أخبرتك أنه أعتى من
ذلك ،
__________
) (1في ت ،أ " :بن عمرو".
) (2في ت ،أ " :الوعيد".
) (3الموطأ ) (2/992والدب المفرد برقم ).(724
) (4في ت " :عن شمس" ،وفي أ " :شمير".
) (5في ت " :استمعتهم".
) (6المسند ).(2/359
) (7المعجم الكبير ) (11/164وقال الهيثمي في المجمع )" : (10/136فيه
يحيى بن كثير وهو ضعيف".
) (8في أ " :حماد".
) (9في ت ،أ " :قبلكم".
) (10المسند ).(3/64
) (4/442
قال لي كذا وكذا .فقال " :ارجع إليه الثانية" .أراه ،فذهب فقال له مثلها.
فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :يا رسول الله ،قد
أخبرتك أنه أعتى من ذلك .قال " :ارجع إليه فادعه" .فرجع إليه الثالثة .قال :
فأعاد عليه ذلك الكلم .فبينا هو يكلمه ،إذ بعث الله ،عز وجل ،سحابة حيال
رأسه ،فرعدت ،فوقعت منها صاعقة ،فذهب بقحف رأسه فأنزل الله :
ديد ُ ن ِفي الل ّهِ وَهُوَ َ
ش ِ جادُِلو َ
م يُ َ
شاُء وَهُ ْن يَ َ
م ْ
ب ب َِها َ عقَ فَي ُ ِ
صي ُ وا ِ
ص َ س ُ
ل ال ّ } وَي ُْر ِ
ل{حا ِ م َال ْ ِ
ورواه ابن جرير ،من حديث علي بن أبي سارة ،به ) (1ورواه الحافظ أبو
بكر البزار ،عن عبدة بن عبد الله ،عن يزيد بن هارون ،عن ديلم بن
غَْزوان ،عن ثابت ،عن أنس ،فذكر نحوه(2) .
وقال :حدثنا الحسن بن محمد ،حدثنا عفان ،حدثنا أبان بن يزيد ،حدثنا أبو
حار العبدي :أنه بلغه أن نبي الله ص َعمران الجوقي ،عن عبد الرحمن بن ُ
جّبار يدعوه ،فقال :أرأيتم ) (4ربكم ،أذهب هو ؟ أو فضة بعثه ) (3إلى َ
هو ؟ ألؤلؤ هو ؟ قال :فبينا هو يجادلهم ،إذ بعث الله سحابة فرعدت فأرسل
عليه صاعقة فذهبت بقحف رأسه ،ونزلت هذه الية.
وقال أبو بكر بن عياش ،عن ليث بن أبي سليم ،عن مجاهد قال :جاء
يهودي فقال :يا محمد ،أخبرني عن ربك ] ،من أي شيء هو[ ) (5من نحاس
هو ؟ من لؤلؤ ؟ أو ياقوت ؟ قال :فجاءت صاعقة فأخذته ،وأنزل الله :
شاُء {ن يَ َ
م ْ
ب ب َِها َ
صي ُعقَ فَي ُ ِ
وا ِ
ص َ س ُ
ل ال ّ } وَي ُْر ِ
ن رجل أنكر القرآن ،وكذب النبي صلى الله عليه وقال قتادة ُ :ذكر لنا أ ّ
عقَ { الية. وا ِ
ص َ س ُ
ل ال ّ وسلم ،فأرسل الله صاعقة فأهلكته وأنزل } :وَي ُْر ِ
وذكروا في سبب نزولها قصة عامر بن الطفيل وأربد ) (6بن ربيعة لما قدما
على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ،فسأله أن يجعل لهما نصف
المر فأبى عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقال له عامر بن
جْردا ورجال مردا .فقال له الطفيل -لعنه الله :أما والله لملن َّها عليك خيل َ
رسول الله صلى الله عليه وسلم :يأبى الله عليك ذلك وأبناء قَْيلة )(7
يعني :النصار ،ثم إنهما هما بالفتك ) (8بالنبي صلى الله عليه وسلم ،
وجعل أحدهما يخاطبه ،والخر يستل سيفه ليقتله من ورائه ،فحماه الله
منهما وعصمه ،فخرجا من المدينة فانطلقا في أحياء العرب ،يجمعان الناس
لحربه ،عليه السلم ) (9فأرسل الله على أربد سحابة فيها صاعقة فأحرقته.
وأما عامر بن الطفيل فأرسل الله عليه الطاعون ،فخرجت فيه غُ ّ
دة
دة البكر ،وموت في بيت عظيمة ،فجعل يقول :يا آل عامر ،غُ ّ
دة كغ ّ
سُلولية ) (10؟ حتى ماتا ) (11لعنهما الله ،وأنزل الله في مثل ذلك : َ
__________
) (1مسند أبي يعلى ) (6/183وتفسير الطبري ) (16/392وعلي بن أبي
سارة ضعيف.
) (2مسند البزار برقم )" (2221كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع )
" : (7/42رجال البزار ،رجال الصحيح غير ديلم بن غزوان وهو ثقة".
) (3في ت ،أ " :بعث".
) (4في أ " :أرأيتكم".
) (5زيادة من ت ،أ ،والطبري.
) (6في ت " :وأزيد".
) (7في ت ،أ " :قبيلة".
) (8في أ " :بالقتل".
) (9في أ " :صلى الله عليه وسلم".
) (10في ت " :سلولته".
) (11في أ " :مات".
) (4/443
) (4/444
كون في عظمته ،وأنه ل إله إل ش ّ ن ِفي الل ّهِ { أي :ي َ ُ جادُِلو َ م يُ َ وقوله } :وَهُ ْ
ل{ حا ِم َ ْ
ديد ُ ال ِش ِ هو } ،وَهُوَ َ
حلته في عقوبة من طغى عليه وعتا وتمادى في َ قال ابن جرير :شديدة مما َ
كفره.
ن م ل يَ ْ
شعُُرو َ مك ًْرا وَهُ ْمك َْرَنا َ مك ًْرا وَ َ مك َُروا َ وهذه الية شبيهة بقوله } :وَ َ
َ َ َفان ْظ ُْر ك َي ْ َ
ن { ]النمل ، 50 : مِعي َ ج َ
مأ ْ مهُ ْم وَقَوْ َ مْرَناهُ ْم أّنا د َ ّمك ْرِهِ ْة َ عاقِب َ ُ
ن َ كا َ ف َ
.[51
ل { أي :شديد الخذ .وقال حا ِ م َ ْ
ديد ُ ال ِ ش ِ وعن علي ،رضي الله عنه } :وَهُوَ َ
مجاهد :شديد القوة.
) (4/445
ط
س ِيٍء ِإل ك ََبا ِ ش ْ م بِ َن ل َهُ ْ جيُبو َ ست َ ِن ُدون ِهِ ل ي َ ْ م ْ ن ِ عو َ ن ي َد ْ ُذي َ حقّ َوال ّ ِ ه د َعْوَةُ ال ْ َ } لَ ُ
ل) ضل ٍ ن ِإل ِفي َ ري َ كافِ ِعاُء ال ْ َ ما د ُ َ ما هُوَ ب َِبال ِغِهِ وَ َ ماِء ل ِي َب ْل ُغَ َفاه ُ وَ َ في ْهِ إ َِلى ال ْ َ كَ ّ
{ (14
حقّ { قال :التوحيد. ْ
ه د َعْوَةُ ال َ َ
قال علي بن أبى طالب ،رضي الله عنه } :ل ُ
رواه ابن جرير.
ه د َعْوَةُ َ
در } :ل ُ َ
وقال ابن عباس ،وقتادة ،ومالك عن محمد بن المن ْك ِ
حقّ { ]قال[ ) (1ل إله إل الله. ال ْ َ
ن ُدون ِهِ { ) (2أي :ومثل الذين يعبدون آلهة غير الله. م ْ ن ِ عو َ ن ي َد ْ ُ ذي َ } َوال ّ ِ
ماِء ل ِي َب ْل ُغَ َفاه ُ { قال علي بن أبي طالب :كمثل الذي في ْهِ إ َِلى ال ْ َ ط كَ ّ س ِ } ك ََبا ِ
يتناول الماء من طرف البئر بيده ،وهو ل يناله أبدا بيده ،فكيف يبلغ فاه ؟.
في ْهِ { يدعو الماء بلسانه ،ويشير إليه ]بيده[ )(3 ط كَ ّ س ِ وقال مجاهد } :ك ََبا ِ
فل يأتيه أبدا.
وقيل :المراد كقابض يده على الماء ،فإنه ل يحكم منه على شيء ،كما
قال الشاعر (4) :
ُ
سقه ) (5أنامله... َ
ماء لم ت َ ْ قابض َ م ...ك َ َ شوًْقا إليك ُ م وَ َ َفإّني َوإّياك ُ ْ
وقال الخر (6) :
ماَء ِبالَيد... ض ال َ ل القاب ِ مث ْ َ
من الوُد ّ ِ ن ب َي ِْني وَب َي َْنهاِ ... ما كا َ تم ّ صَبح ُ فأ ْ
ومعنى الكلم :أن هذا الذي يبسط يده إلى الماء ،إما قابضا وإما متناول له
من ُبعد ،كما أنه ل
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2في ت " :تدعون".
) (3زيادة من ت ،أ ،والطبري.
) (4هو ضابئ بن الحارث البرجمي ،والبيت في تفسير الطبري )(16/399
وأورده البغدادي في خزانة الدب ) (4/80من أبيات سبعة قالها في الحبس.
اهـ مستفادا من حاشية الشعب.
) (5في ت " :يسقه".
) (6هو الحوص بن محمد النصاري ،والبيت في تفسير الطبري ).(16/400
) (4/445
َْ
لصا ِ م ِبال ْغُد ُوّ َواْل َ َ ها وَظ َِلل ُهُ ْ عا وَك َْر ً ض ط َوْ ً ت َوا َلْر ِ ماَوا ِ س َ ن ِفي ال ّ م ْ جد ُ َ س ُوَل ِل ّهِ ي َ ْ
َ
ن ُدون ِهِ أوْل َِياَء َل َ
م ْم ِ ل أَفات ّ َ
خذ ْت ُ ْ ه قُ ْ ل الل ّ ُ ض قُ ِ ت َوالْر ِ
ْ ماَوا ِ س َ ب ال ّ ن َر ّ م ْ ل َ ) (15قُ ْ
وي م هَ ْ َ ْ َ ْ ل هَ ْ ضّرا قُ ْ َ َ مل ِ ُ
ست َ ِ
ل تَ ْ صيُر أ ْ مى َوالب َ ِ وي العْ َ ست َ ِ
ل يَ ْ فًعا وَل َ م نَ ْ
َ
سهِ ْف ِ ن ِلن ْ ُ كو َ يَ ْ
م قُ ِ
ل َ
خلقُ عَلي ْهِ ْْ ْ
ه ال َ شاب َ َقهِ فَت َ َ ْ
خل ِ َ
قوا ك َ َ
خل ُ َ
شَركاَء َ ّ
جعَلوا ل ِلهِ ُ ُ م َ ت َوالّنوُر أ ْ ما ُ ُ ّ
الظل َ
قّهاُر )(16 ْ
حد ُ ال َ وا ِ ْ
يٍء وَهُوَ ال َ ش ْ ل َ ُ
خال ِقُ ك ّ ه َ الل ّ ُ
ينتفع بالماء الذي لم يصل إلى فيه ،الذي جعله محل للشرب ،فكذلك هؤلء
المشركون الذين يعبدون مع الله إلها غيره ،ل ينتفعون بهم أبدا في الدنيا ول
ل{ ضل ٍ ن ِإل ِفي َ ري َ كافِ ِ عاُء ال ْ َ ما د ُ َ في الخرة ؛ ولهذا قال } :وَ َ
ْ
م ِبالغُد ُّو ظللهُ ْ ُ ها وَ ِ َ
عا وَكْر ً ض طو ْ ً َ } وَل ِل ّهِ ي َ ْ
ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َ ن ِفي ال ّ م ْ جد ُ َ س ُ
ل ){ (15 صا ِ َوال َ
يخبر تعالى عن عظمته وسلطانه الذي قهر كل شيء ،ودان له كل شيء.
ل شيء طوعا من المؤمنين ،وكرها من المشركين ، جد له ك ّ ولهذا يس ُ
م ِبالغُد ُوّ { أي :الُبكر ) (1والصال ،وهو جمع أصيل وهو آخر النهار ْ ظلل ُهُ ْ } وَ ِ
ن ع ه ُ ل ظل ُ أ ي َ ف ت ي ٍ ء ي شَ ن م ه ّ ل ال ق َ ل خ ما لى َ إ وا ر ي م َ ل و َ أ } : تعالى قال ،كما
ْ ََ ّ ِ ُ َ ِ ُ ِ ْ َ َ َ َ ْ ََ ْ ِ
ن { ]النحل .[48 : خُرو َ م َدا ِ دا ل ِل ّهِ وَهُ ْ ج ً س ّ ل ُ مائ ِ ِ ش َ ن َوال ّ مي ِ ال ْي َ ِ
َ َ
ن ُدون ِهِ أوْل َِياَء ل م ْ م ِ خذ ْت ُ ْ ل أَفات ّ َ ه قُ ْ ل الل ّ ُ ض قُ ِ ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َ ب ال ّ ن َر ّ م ْ ل َ } قُ ْ
َ
وي ست َ ِ
ل تَ ْ م هَ ْ صيُر أ ْ مى َوال ْب َ ِ وي العْ َ ست َ ِل يَ ْ ل هَ ْ ضّرا قُ ْ فًعا َول َ م نَ ْ سهِ ْ ف ِ ن لن ْ ُ كو َ مل ِ ُ يَ ْ
َ ْ ْ ْ قوا ك َ َ َ شَر َ ّ ُ َ ُ ّ
م قُ ِ
ل خلقُ عَلي ْهِ ْ ه ال َ شاب َ َ قهِ فَت َ َ خل ِ خل ُ كاَء َ جعَلوا ل ِلهِ ُ م َ ت َوالّنوُر أ ْ ما ُ الظل َ
قّهاُر ){ (16 ْ
حد ُ ال َ وا ِ ْ
يٍء وَهُوَ ال َ ش ْ ل َ خال ِقُ ك ُ ّ ه َ الل ّ ُ
يقرر تعالى أنه ل إله إل هو ؛ لنهم معترفون ) (2أنه هو الذي خلق السموات
والرض ،وهو ربها ومدبرها ،وهم مع هذا قد اتخذوا من دونه أولياء يعبدونهم
ضّرا فًعا َول َ ،وأولئك اللهة ل تملك لنفسها ) (3ول لعابديها بطريق الولى } ن َ ْ
{ أي :ل تحصل منفعة ،ول تدفع مضرة .فهل َيسَتوي من عبد هذه اللهة مع
الله ،ومن عبد الله وحده ل شريك له ،وهو على نور من ربه ؟ ولهذا قال :
جعَُلوا َ َ
م َ ت َوالّنوُر أ ْ ما ُ وي الظ ّل ُ َ ست َ ِ ل تَ ْ م هَ ْ صيُر أ ْ مى َوال ْب َ ِ وي العْ َ ست َ ِ ل يَ ْ ل هَ ْ } قُ ْ
م { ) (4أي :أجعل هؤلء خل ْقُ عَل َي ْهِ ْ ه ال ْ َ شاب َ َ قهِ فَت َ َ خل ْ ِقوا ك َ َ خل َ ُ كاَء َ شَر َ ل ِل ّهِ ُ
المشركون مع الله آلهة تناظر الرب وتماثله في الخلق ،فخلقوا كخلقه ،
فتشابه الخلق عليهم ،فل يدرون أنها مخلوقة من مخلوق غيره ؟ أي :ليس
دل ) (5له ،ول المر كذلك ،فإنه ل يشابهه شيء ول يماثله ،ول ند ّ له ول ع ْ
وزير له ،ول ولد ول صاحبة ،تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .وإنما عبد هؤلء
المشركون معه آلهة هم يعترفون ) (6أنها مخلوقة له عبيد له ،كما كانوا
يقولون في تلبيتهم :لبيك ل شريك لك ،إل شريكا هو لك ،تملكه وما ملك.
فى { قّرُبوَنا إ َِلى الل ّهِ ُزل ْ َ م ِإل ل ِي ُ َ ما ن َعْب ُد ُهُ ْ وكما أخبر تعالى عنهم في قوله َ } :
]الزمر (7) [3 :فأنكر تعالى ذلك عليهم ،حيث اعتقدوا
__________
) (1في أ :بالبكرات".
) (2في ت " :يعرفون".
) (3في ت " :لنفسها".
) (4في ت " :يستوى".
) (5في أ " :ول عديل".
) (6في ت ،أ " :يعرفون".
) (7في ت " :إنما".
) (4/446
ما
م ّ دا َراب ًِيا وَ ِ
ل َزب َ ًسي ْ ُل ال ّ م َ ها َفا ْ
حت َ َ قد َرِ َة بِ َ ت أ َوْدِي َ ٌ سال َ ْماًء فَ َ ماِء َ س َن ال ّ م َل ِ أ َن َْز َ
َ
ق
ح ّ ه ال ْ َب الل ّ ُ ضرِ ُ ك يَ ْ ه ك َذ َل ِ َمث ْل ُ ُمَتاٍع َزب َد ٌ ِ حل ْي َةٍ أوْ َ ن عَل َي ْهِ ِفي الّنارِ اب ْت َِغاَء ِ دو َ ُيوقِ ُ
ض ك َذ َل ِ َ َ ْ َ َ َوال َْباط ِ َ
ك ث ِفي الْر ِ مك ُ ُس فَي َ ْ فعُ الّنا َ ما ي َن ْ َ ما َ فاًء وَأ ّ ج َ
ب ُ ما الّزب َد ُ فَي َذ ْهَ ُ ل فَأ ّ
َ
ل )(17 ه اْل ْ
مَثا َ ب الل ّ ُ ضرِ ُيَ ْ
عن ْد َه ُ ِإل ة ِ فاعَ ُ ش َ فعُ ال ّ ذلك ،وهو تعالى ل يشفع عنده أحدإل بإذنه َ } ،ول ت َن ْ َ
ل ِم َ
م
َُُ ْ ه ت ع فاَ شَ ني ُْ ِ غ ت ل ت
س َ َ ِ وا ما ك ِفي ال ّ مل َ ٍ ن َ م ْ م ِ ه { ]سبأ } ، [23 :وَك َ ْ ن لَ ُ ن أذِ َ َ
َ ّ شي ًْئا إل من بعد أ َن يأ ْ
نِ ْ إ } : وقال [ 26 : ]النجم { ضى ََْ َ ر يو ُ ء شا ي
ُ ِ َ ْ َ ن م ل ه ل ال َ ْ ِ ِ ْ َْ ِ ْ َ َ
ن َ ذ
دا َ دا ل َ َ كُ ّ
م عَ ّ م وَعَد ّهُ ْ صاهُ ْ ح َ قد ْ أ ْ ن عَب ْ ً م ِح َ ض ِإل آِتي الّر ْ ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َ ن ِفي ال ّ م ْ ل َ
مةِ فَْرًدا { ]مريم [95 - 93 :فإذا كان الجميع عبيدا ، قَيا َ ْ
م ال ِ م آِتيهِ ي َوْ َ ّ
وَك ُلهُ ْ
فلم يعبد بعضهم بعضا بل دليل ول برهان ،بل بمجرد الرأي والختراع
والبتداع ؟ ثم قد أرسل رسله من أولهم إلى آخرهم تزجرهم عن ذلك ،
وتنهاهم عن عبادة من سوى الله ،فكذبوهم وخالفوهم ،فحقت عليهم كلمة
دا { ]الكهف .[49 : العذاب ل محالة } ،ول يظ ْل ِم رب َ َ
ح ً كأ َ ُ َ ّ َ َ
َ َ } َأنز َ
مام ّ دا َراب ًِيا وَ ِ ل َزب َ ً سي ْ ُ ل ال ّ م َ حت َ َ ها َفا ْ قد َرِ َ ة بِ َ ت أوْدِي َ ٌ سال ْ ماًء فَ َ ماِء َ س َ ن ال ّ م َ ل ِ
َ
ق
ح ّ ه ال ْ َ ب الل ّ ُ ضرِ ُ ك يَ ْ ه ك َذ َل ِ َ مث ْل ُ ُ مَتاٍع َزب َد ٌ ِ حل ْي َةٍ أوْ َ ن عَل َي ْهِ ِفي الّنارِ اب ْت َِغاَء ِ دو َ ُيوقِ ُ
ض ك َذ َل ِكَ ُ َ َ َ َ َ َوال َْباط ِ َ
ث ِفي الْر ِ مك ُ س في َ ْ فعُ الّنا َ ما ي َن ْ َ ما َ فاًء وَأ ّ ج َ ب ُ ما الّزب َد ُ في َذ ْهَ ُ ل فأ ّ
ل ){ (17 مَثا َ ه ال ْ ب الل ّ ُ ضرِ ُ يَ ْ
اشتملت هذه الية الكريمة على مثلين مضروبين للحق في ثباته وبقائه ،
ماًء { أي : ماِء َ س َن ال ّ م َ ل ِ والباطل في اضمحلله وفنائه ،فقال تعالى َ } :أنز َ
ها { أي :أخذ كل واد بحسبه ،فهذا كبير وسع قد َرِ َ ة بِ َت أ َوْدِي َ ٌ سال َ ْ مطرا } ،فَ َ
كثيرا من الماء ،وهذا صغير فوسع بقدره ،وهو إشارة إلى القلوب وتفاوتها ،
فمنها ما يسع علما كثيرا ،ومنها ما ل يتسع لكثير من العلوم بل يضيق عنها ،
دا َراب ًِيا { أي :فجاء على وجه الماء الذي سال في هذه ل َزب َ ً سي ْ ُ ل ال ّ م َحت َ َ } َفا ْ
ن عَلي ْهِ ِفي الّنارِ { َ دو َ ما ُيوقِ ُ م ّ الودية َزب َد ٌ عال عليه ،هذا مثل ،وقوله } :وَ ِ
هذا هو المثل الثاني ،وهو ما يسبك في النار من ذهب أو فضة } اب ْت َِغاَء
دا ،فيجعل متاعا فإنه يعلوه زبد منه حل ْي َةٍ { أي :ليجعل حلية أو نحاسا أو حدي ً ِ
ل { أي :إذا حقّ َوالَباط ِ َ ْ ْ
ه ال َ ّ
ب الل ُ ضرِ ُ َ َ
،كما يعلو ذلك ) (1زبد منه } .كذ َل ِك ي َ ْ
اجتمعا ل ثبات للباطل ول دوام له ،كما أن الزبد ل يثبت مع الماء ،ول مع
َ
ماالذهب ونحوه مما يسبك في النار ،بل يذهب ويضمحل ؛ ولهذا قال } :فَأ ّ
فاًء { أي :ل ينتفع به ،بل يتفرق ويتمزق ويذهب في جانبي ج َ ب ُ الّزب َد ُ فَي َذ ْهَ ُ
الوادي ،ويعلق بالشجر وتنسفه الرياح .وكذلك خبث الذهب والفضة والحديد
والنحاس يذهب ،ل يرجع ) (2منه شيء ،ول يبقى إل الماء ) (3وذلك الذهب
ض ك َذ َل ِ َ مك ُ ُ َ
ك ث ِفي الْر ِ س فَي َ ْ فعُ الّنا َ ما ي َن ْ َ ما َ ونحوه ينتفع به ؛ ولهذا قال } :وَأ ّ
ماس وَ َ ضرِب َُها ِللّنا ِ ل نَ ْ مَثا ُ ك ال ْ ل { كما قال تعالى } :وَت ِل ْ َ مَثا َ ه ال ْ ب الل ّ ُ ضرِ ُ يَ ْ
ن { ]العنكبوت .[43 : مو َ قل َُها ِإل ال َْعال ِ ُ ي َعْ ِ
كيت على ت مثل من القرآن فلم أفهمه ب َ َ قال بعض السلف :كنت إذا قرأ ُ
ن{ مو َ ْ
قلَها ِإل الَعال ِ ُ ُ ما ي َعْ ِ نفسي ؛ لن الله تعالى يقول } :وَ َ
ماِء
س َ
ن ال ّ
م َ قال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس :قوله تعالى َ } :أنز َ
ل ِ
ها {
قد َرِ َ ت أ َوْدِي َ ٌ
ة بِ َ سال َ ْ
ماًء فَ َ
َ
__________
) (1في ت " :ذاك".
) (2في ت ،أ " :منه إلى شيء".
) (3في ت ،أ " :ويبقى الماء".
) (4/447
هذا مثل ضربه الله ،احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها ،فأما
الشك فل ينفع معه العمل ،وأما اليقين فينفع الله به أهله .وهو قوله :
ُ َ َ
ثمك ُ س فَي َ ْ فعُ الّنا َ ما ي َن ْ َ ما َ فاًء { ]وهو الشك[ ) } (1وَأ ّ ج َب ُ ما الّزب َد ُ فَي َذ ْهَ ُ } فَأ ّ
ض { وهو اليقين ،وكما يجعل الحلي في النار فيؤخذ خالصه ويترك ِفي الْر ِ
خَبثه في النار ؛ فكذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك. َ
ة
ت أوْدِي َ ٌ َ َ َ َ َ
سال ْ ماًء ف َ ماِء َ س َ ن ال ّ م َ وقال العوفي عن ابن عباس قوله } :أنزل ِ
دا َراب ًِيا { يقول :احتمل السيل ما في الوادي من ل َزب َ ً سي ْ ُل ال ّ م َ ها َفا ْ
حت َ َ قد َرِ َ بِ َ
ن عَل َي ْهِ ِفي الّنارِ { فهو الذهب والفضة والحلية دو ق يو
َ ِ ّ ُ ِ ُ َ ما م و } (2 ) نة م
ِ ْ َ د و عود
والمتاع والنحاس والحديد ،فللنحاس والحديد خبث ،فجعل الله مثل خبثه
كزبد الماء ،فأما ما ينفع الناس فالذهب والفضة ،وأما ما ينفع الرض فما
شربت من الماء فأنبتت .فجعل ذاك ) (3مثل العمل الصالح يبقى لهله ،
والعمل السيئ يضمحل عن أهله ،كما يذهب هذا الزبد ،فكذلك الهدى
والحق جاءا من عند الله ،فمن عمل بالحق كان له ،ويبقى كما يبقى ما ينفع
الناس في الرض .وكذلك الحديد ل يستطاع أن يعمل منه سكين ول سيف
حتى يدخل في النار فتأكل خب ََثه ،ويخرج جيده فينتفع به .كذلك يضمحل
الباطل إذا كان يوم القيامة ،وأقيم الناس ،وعرضت العمال ،فيزيغ الباطل
ويهلك ،وينتفع أهل الحق بالحق.
وكذلك ُروي في تفسيرها عن مجاهد ،والحسن البصري ،وعطاء ،وقتادة ،
وغير واحد من السلف والخلف.
وقد ضرب الله ،سبحانه وتعالى ،في أول سورة البقرة للمنافقين مثلين
َ
ما ت َ ضاَء ْ ما أ َ ست َوْقَد َ َناًرا فَل َ ّ ذي ا ْ ل ال ّ ِ مث َ ِ م كَ َ مث َل ُهُ ْناريا ومائيا ،وهما قوله َ } :
ُ ُ َ
تَ ٌ ما ل ظ ه
ِ ِ في ِ ء ماّ َس ال ن م
َ ّ ٍ ِ َ ب ي ص َ ك ْ و أ } : قال ثم ه { الية ]البقرة ، [17 : حوْل َ ُ َ
وََرعْد ٌ وَب َْرقٌ { الية ] البقرة .[19 :وهكذا ضرب للكافرين في سورة النور
َ
ه
سب ُ ُ ح َ قيعَةٍ ي َ ْ ب بِ ِ سَرا ٍ م كَ َ مال ُهُ ْ فُروا أعْ َ ن كَ َ ذي َ مثلين ،أحدهما :قوله َ } :وال ّ ِ
ماًء { ] النور [39 :الية ،والسراب إنما يكون في شدة الحر ؛ ن َ مآ ُ الظ ّ ْ
ولهذا جاء في الصحيحين " :فيقال لليهود يوم القيامة :فما تريدون ؟
فيقولون :أيْ َرّبنا ،عطشنا فاسقنا .فيقال :أل تردون ؟ فيردون النار فإذا
طم بعضها بعضا". ح ِ هي كالسراب ي َ ْ
ُ ُ ُ َ َ
ن فَوْقِ ِ
ه م ْ ج ِ مو ْ ٌشاهُ َ ي ي َغْ َ ج ّ حرٍ ل ّ ت ِفي ب َ ْ ما ٍ ثم قال في المثل الخر } :أوْ كظل َ
ب { الية ]النور .[40 :وفي الصحيحين عن أبي موسى حا ٌ ن فَوْقِهِ َ
س َ م ْ ج ِ مو ْ ٌ َ
الشعري قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إن مثل ما بعثني
الله به من الهدى والعلم ،كمثل غيث أصاب أرضا ،فكان منها طائفة قبلت
الماء فأنبتت ) (4الكل والعشب الكثير ،وكانت منها أجادب أمسكت الماء ،
فنفع الله بها الناس ،فشربوا ورعوا وسقوا وزرعوا ،وأصابت طائفة منها
]أخرى[ ) (5إنما هي قيعان ل تمسك ماء ول تنبت كل فذلك مثل من
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2في أ " :ورمة".
) (3في ت ،أ " :ذلك".
) (4في ت " :وأنبتت".
) (5زيادة من ت ،أ ،والصحيحين.
) (4/448
َ
ما ِفيم َ ن ل َهُ ْ
ه ل َوْ أ ّ
جيُبوا ل َ ُ
ست َ ِم يَ ْ ن لَ ْ ذي َسَنى َوال ّ ِ ح ْ م ال ْ ُجاُبوا ل َِرب ّهِ ُ ست َ َ
نا ْ ل ِل ّ ِ
ذي َ
ْ ُ َْ
م
جهَن ّ ُ
م َمأَواهُ ْ ب وَ َسا ِح َ سوُء ال ْ ِم ُ ك ل َهُ ْه َلفْت َد َْوا ب ِهِ أول َئ ِ َ معَ ُ
ه َ مث ْل َ ُ
ميًعا وَ ِ ج ِض َ الْر ِ
مَهاد ُ )(18 س ال ْ ِوَب ِئ ْ َ
فعه الله بما بعثني ) (1ونفع به ،فَعَِلم وَعَّلم ،ومثل من َفقه في دين الله ون َ َ
دى الله الذي أرسلت به"(2) . لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هُ َ
فهذا مثل مائي ،وقال في الحديث الخر الذي رواه المام أحمد :
من َّبه قال :هذا ما حدثنا أبو مر ،عن همام بن ُ معْ َ حدثنا عبد الرزاق ،حدثنا َ
هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " :مثلي ومثلكم ،كمثل
رجل استوقد ناًرا ،فلما أضاءت ما حوله ) (3جعل الفراش وهذه ) (4الدواب
ن ويغلبنه فيقتحمن فيها". جُزهُ ّالتي يقعن في النار يقعن فيها ،وجعل يح ُ
م ُ
م عن النار ]هَل ّ ُ
حجزكم عن النار ،هَل ّ قال " :فذلكم مثلي ومثلكم ،أنا آخذ ب ُ
م[ ) (5فتغلبوني فتقتحمون فيها" .وأخرجاه في الصحيحين أيضا عن النار ،هَل ُ ّ
) (6فهذا مثل ناري.
ما ِفي م ه َ ل ن } ل ِل ّذين استجابوا ل ِربهم ال ْحسنى وال ّذين ل َم يستجيبوا ل َه ل َو أ َ
ُ ْ ّ ُ ْ َ َ ِ َ ْ َ ْ َ ِ ُ ُ ْ َ َ ِّ ُ ِ َ ْ َ َ ُ
م ن هج م ه وا ك ل َهم سوُء ال ْحساب ومأ ْ َ ئَ ل أوُ ه ب وا د ت ْ ف ل ه َ ْ
ِ َ ِ َ َ َ ُ ْ َ َ ّ ُ ُ ْ ُ ِ َ َ ْ ِ ِ ميًعا وَ ِ ُ َ َ ُ
ع م ه ل ث م ج ِ ض َ الْر ِ
مَهاد ُ ){ (18 س ال ْ ِ وَب ِئ ْ َ
م { أي جاُبوا ل َِرب ّهِ ُ ست َ َ نا ْ ذي َ يخبر تعالى عن مآل السعداء والشقياء فقال } :ل ِل ّ ِ
:أطاعوا الله ورسوله ،وانقادوا لوامره ،وصدقوا أخباره الماضية والتية ،
فلهم } الحسنى { وهو الجزاء الحسن ) (7كما قال تعالى مخبًرا عن ذي
القرنين أنه قال َ } :قا َ َ
ه م ي َُرد ّ إ َِلى َرب ّهِ فَي ُعَذ ّب ُ ُ ه ثُ ّ ف ن ُعَذ ّب ُ ُ سو ْ َم فَ َ ن ظ َل َ َ م ْ ما َ لأ ّ
َ
ن
م ْ ه ِ ل لَ ُ قو ُ سن َ ُ سَنى وَ َ ح ْ جَزاًء ال ْ ُ ه َحا فَل َ ُ صال ِ ًل َ م َ ن وَعَ ِ م َ
نآ َ م ْ ما َ ذاًبا ن ُك ًْرا وَأ ّ عَ َ
سَنى ْ َ ّ َ
ح ْ سُنوا ال ُ ح َ نأ ْ ذي َ سًرا { ]الكهف [88 ، 87 :وقال تعالى } :ل ِل ِ مرَِنا ي ُ ْ أ ْ
وَزَِياد َة ٌ { ]يونس .[26 :
َ َ َ َ
ما ِفي م َ ن لهُ ْ ه { أي لم :يطيعوا الله } لوْ أ ّ جيُبوا ل ُ ست َ ِ
م يَ ْ ن لَ ْ ذي َ وقوله َ } :وال ّ ِ
ميًعا { أي :في الدار الخرة ،لو أن يمكنهم أن يفتدوا من عذاب ج ِ ض َ الْر ِ
الله بملء الرض ذهبا ومثله معه لفتدوا به ،ولكن ل يتقبل منهم ؛ لنه تعالى
ب { أي : سا ِ ح َ سوُء ال ْ ِ م ُ ك ل َهُ ْ ل يقبل منهم يوم القيامة صرفا ول عدل } ُأول َئ ِ َ
في الدار الخرة ،أي :يناقشون على النقير والقطمير ،والجليل والحقير ،
ومن نوقش الحساب عذب ؛ ولهذا قال } :و ْ
مَهاد ُ { س ال ْ ِ م وَب ِئ ْ َ جهَن ّ ُ م َ مأَواهُ ْ َ َ
__________
) (1في ت ،أ " :بعثني به".
) (2صحيح البخاري برقم ) (79وصحيح مسلم برقم ).(2282
) (3في ت " :ما حولها".
) (4في أ " :وهذا".
) (5زيادة من ت ،أ ،والمسند.
) (6المسند ) (2/312وصحيح البخاري برقم ) (6482وصحيح مسلم برقم )
(2284وهو عنده من هذا الطريق.
) (7في ت " :الخير".
) (4/449
) (4/449
َ
مَر الل ّ ُ
ه ما أ َ ن َ صُلو َ ن يَ ِ ذي َ ميَثاقَ )َ (20وال ّ ِ ن ال ْ ِ ضو َ ق ُ ن ب ِعَهْدِ الل ّهِ وََل ي َن ْ ُ ن ُيوُفو َ ذي َ ال ّ ِ
َ
صب َُروا ن َ ذي َ ب )َ (21وال ّ ِ سا ِ ح َ سوَء ال ْ ِ ن ُ خاُفو َ م وَي َ َ ن َرب ّهُ ْ شو ْ َ خ َ ل وَي َ ْ ص َ ن ُيو َ ب ِهِ أ ْ
سّرا وَعََلن ِي َ ً َ
صَلة َ وَأن ْ َ َ
ن
ة وَي َد َْرُءو َ م ِ ما َرَزقَْناهُ ْ م ّقوا ِ ف ُ موا ال ّ م وَأَقا ُ جهِ َرب ّهِ ْ اب ْت َِغاَء وَ ْ
َ ُ َ َ ُ
ح
صل َ ن َ م ْ خلون ََها وَ َ ن ي َد ْ ُ
ت عَد ْ ٍ جّنا ُدارِ )َ (22 قَبى ال ّ م عُ ْ َ
ة أولئ ِك لهُ ْ سي ّئ َ َ سن َةِ ال ّ ح َ ِبال ْ َ
َ م َ
ب )(23 ل َبا ٍ ن كُ ّ م ْم ِ ن عَل َي ْهِ ْخُلو َ مَلئ ِك َ ُ
ة ي َد ْ ُ م َوال ْ َ م وَذ ُّرّيات ِهِ ْ جهِ ْ م وَأْزَوا ِ ن آَبائ ِهِ ْ ِ ْ
دارِ )(24 قَبى ال ّ م عُ ْ َ
م فن ِعْ َ صب َْرت ُ ْ ما َ م بِ َ ُ َ
م عَلي ْك ْ سل ٌ َ َ
) (4/450
َ
صلةَ { بحدودها ومواقيتها موا ال ّ وجل ؛ ابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه } وَأَقا ُ
قواف ُ وركوعها وسجودها ) (1وخشوعها على الوجه الشرعي المرضي } ،وَأ َن ْ َ
م { أي :على الذين يجب عليهم النفاق لهم من زوجات وقرابات ما َرَزقَْناهُ ْ م ّ ِ
ة { أي :في السر علن ِي َ ً سّرا وَ َ وأجانب ،من فقراء ومحاويج ومساكين ِ } ،
والجهر ،لم يمنعهم من ذلك حال من الحوال ،في آناء الليل وأطراف النهار
ة { أي :يدفعون القبيح بالحسن ،فإذا آذاهم سي ّئ َ َ
سن َةِ ال ّ ح َ ن ِبال ْ َ } ،وَي َد َْرُءو َ
ع َ
أحد قابلوه بالجميل صبرا واحتمال وصفحا وعفوا ،كما قال تعالى } :اد ْف ْ
ما ي ُل َ ّ َ َ
ها ِإل قا َ م وَ َ
مي ٌ
ح ِ
ي َ ه وَل ِ ّداوَة ٌ ك َأن ّ ُ ه عَ َ ك وَب َي ْن َ ُ ذي ب َي ْن َ َ ن فَإ َِذا ال ّ ِ س ُ ح َ يأ ِْبال ِّتي هِ َ
ظيم ٍ { ]فصلت [35 ، 34 :؛ ولهذا قال ظ عَ ِ ح ّ ها ِإل ُذو َ قا َما ي ُل َ ّ صب َُروا وَ َ ن َ ال ّ ِ
ذي َ
مخبًرا عن هؤلء السعداء المتصفين بهذه الصفات الحسنة بأن لهم عقبى
ن { والعدن :القامة ،أي :جنات ت عَد ْ ٍ جّنا ِ الدار ،ثم فسر ذلك بقوله َ } :
إقامة يخلدون ) (2فيها.
وعن عبد الله بن عمرو أنه قال :إن في الجنة قصرا يقال له " :عدن" ،
حوله البروج والمروج ،فيه خمسة آلف باب ،على كل باب خمسة آلف
حْبرة ) (3ل يدخله إل نبي أو صديق أو شهيد. ِ
ن { مدينة الجنة ،فيها الرسل والنبياء ت عَد ْ ٍ جّنا ِوقال الضحاك في قوله َ } :
والشهداء وأئمة الهدى ،والناس حولهم بعد والجنات حولها .رواهما ابن
جرير.
َ َ
م { أي :يجمع بينهم وبين م وَذ ُّرّيات ِهِ ْ جهِ ْ م وَأْزَوا ِ ن آَبائ ِهِ ْ م ْ ح ِ صل َ ن َ م ْوقوله } :وَ َ
أحبابهم فيها من الباء والهلين والبناء ،ممن هو صالح لدخول الجنة من
المؤمنين ؛ لتقر أعينهم بهم ،حتى إنه ) (4ترفع ) (5درجة الدنى إلى درجة
العلى ،من غير تنقيص لذلك العلى عن درجته ،بل امتناًنا من الله وإحسانا
،كما قال تعالى } :وال ّذين آمنوا واتبعتهم ذ ُريتهم بإيما َ
مم ذ ُّري ّت َهُ ْقَنا ب ِهِ ْ ن أل ْ َ
ح ْ َ ِ َ َ ُ َ ََّ ُْ ْ ّ ُُّ ْ ِِ َ ٍ
َ
ن { ]الطور .[21 : هي ٌ ب َر ِ ما ك َ َ
س َ ئ بِ َ مرِ ٍ لا ْيٍء ك ُ ّ ش ْن ِم ْ م ِ مل ِهِ ْ ن عَ َم ْ م ِما أل َت َْناهُ ْوَ َ
)(7) (6
م ع نَ ف م ت ر ب ص ما
َ ٍ َ ٌ َ ْ ْ ِ َ َ َْ ُ ْ ِْ َ ب م ُ ك يَ لع مسل ب با ّ
ل ُ ك ن م م ه ي
َ َ ِْ ْ ِ َْ لع ن لوُ خ د ي ة َ
َ َ ِ ُ َ ْ ُك ئ مل ْ ل وا } وقوله :
دارِ { أي :وتدخل عليهم الملئكة من هاهنا وهاهنا للتهنئة بدخول قَبى ال ّ عُ ْ
الجنة ،فعند ) (8دخولهم إياها تفد عليهم الملئكة مسلمين مهنئين لهم بما
حصل لهم من الله من التقريب والنعام ،والقامة في دار السلم ،في جوار
الصديقين والنبياء والرسل الكرام.
وقال المام أحمد ،رحمه الله :حدثنا أبو عبد الرحمن ،حدثني سعيد بن أبي
سوَْيد الجذامي عن أبي عشانة المعافري ،عن أيوب ،حدثنا ) (9معروف بن ُ
عبد الله بن عمرو بن العاص ،رضي الله عنهما ) (10عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أنه قال " :هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله ؟"
قالوا :الله ورسوله أعلم .قال " :أول من يدخل الجنة من خلق الله الفقراء
المهاجرون ) (11الذين ُتسد ّ بهم الثغور ،
__________
) (1في ت " :وسجودها وركوعها".
) (2في ت " :تخلدون".
) (3في أ " :حرة".
) (4في أ " :إنهم".
) (5في أ " :ترفع من".
) (6في ت " :واتبعتهم".
) (7في أ " :ذرياتهم".
) (8في ت ،أ " :عند".
) (9في ت ،أ " :حدثني".
) (10في ت " :عنه".
) (11في ت " :المهاجرين".
) (4/451
قى بهم المكاره ،ويموت أحدهم وحاجته في صدره ل يستطيع لها قضاء ، وت ُت ّ َ
فيقول الله تعالى لمن يشاء من ملئكته :ائتوهم فحيوهم .فتقول الملئكة :
نحن سكان سمائك ،وخيرتك من خلقك ،أفتأمرنا أن نأتي هؤلء فنسلم
سد )(2 عليهم ؟ قال :إنهم كانوا عبادا يعبدونني ل ) (1يشركون بي شيًئا ،وت ُ َ
بهم الثغور ،وتتقى ) (3بهم المكاره ،ويموت أحدهم وحاجته في صدره فل
يستطيع لها قضاء" .قال " :فتأتيهم الملئكة عند ذلك ،فيدخلون عليهم من
دارِ { )(4
قَبى ال ّ
م عُ ْم فَن ِعْ َ
صب َْرت ُ ْ
ما َ
م بِ َم عَل َي ْك ُ ْ
سل ٌ
كل باب َ } ،
ورواه أبو القاسم الطبراني ،عن أحمد بن رشدين ،عن أحمد بن صالح ،عن
شانة سمع عبد الله بن مرو بن الحارث ،عن أبي عُ ّ عبد الله بن وهب ،عن عَ ْ
عمرو ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " :أول ثلة يدخلون الجنة فقراء
المهاجرين ،الذين تتقى بهم المكاره ،وإذا أمروا سمعوا وأطاعوا ،وإن
ض حتى يموت وهي في صدره ، ق َكانت لرجل منهم حاجة إلى سلطان لم ت ُ ْ
وإن الله يدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفها وزينتها ،فيقول :أين عبادي
الذين قاتلوا في سبيلي ،وأوذوا في سبيلي ،وجاهدوا في سبيلي ؟ ادخلوا
الجنة بغير عذاب ول حساب ،وتأتي الملئكة فيسجدون ويقولون :ربنا نحن
نسبحك الليل والنهار ،وُنقدس لك ،من هؤلء الذين آثرتهم علينا ؟ فيقول
الرب عز وجل :هؤلء عبادي الذين جاهدوا ) (5في سبيلي ،وأوذوا في
م
م ِْ َ
عن َ ف صب َْرت ُ ْ
ما َ م عَل َي ْك ُ ْ
م بِ َ سل ٌسبيلي فتدخل عليهم الملئكة من كل باب َ } :
دارِ { )(6
قَبى ال ّ
عُ ْ
قّية بن الوليد ،حدثنا أرطاة بن المنذر ، وقال عبد الله بن المبارك ،عن ب َ ِ
سمعت رجل من مشيخة الجند ،يقال له "أبو الحجاج" يقول :جلست إلى
أبي أمامة فقال :إن المؤمن ليكون متكًئا على أريكته إذا دخل الجنة ،وعنده
سماطان من خدم ،وعند طرف السماطين باب مبوب ،فيقبل الملك
ملك يستأذن" ،ويقول فيستأذن ،فيقول ]أقصى الخدم[ ) (7للذي يليه َ " :
الذي يليه للذي يليه " :ملك يستأذن" ،حتى يبلغ المؤمن فيقول :ائذنوا.
فيقول أقربهم إلى المؤمن :ائذنوا ،ويقول الذي يليه للذي يليه :ائذنوا حتى
يبلغ أقصاهم الذي عند الباب ،فيفتح له ،فيدخل فيسلم ثم ينصرف .رواه
ابن جرير(8) .
ورواه ابن أبي حاتم من حديث إسماعيل بن عياش ،عن أرطاة بن المنذر ،
عن أبي الحجاج )(9
__________
) (1في ت ،أ " :ول".
) (2في ت ،أ " :ويسد".
) (3في ت ،أ " :ويتقى".
) (4المسند ) (2/168وقال الهيثمي في المجمع )" : (10/259رجاله ثقات".
) (5في ت " :قاتلوا".
) (6المعجم الكبير للطبراني برقم )" (152القطعة المفقودة" ورواه الحاكم
في المستدرك ) (2/71من طريق محمد بن عبد الله عن ابن وهب ،به نحوه
،وقال " :هذا حديث صحيح السناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.
) (7زيادة من ت ،أ ،والطبري".
) (8تفسير الطبري ).(16/425
) (9كذا وقع في تفسير الطبري ،ونقله أيضا ابن القيم في +حادى الرواح )
" (2/38أبو الحجاج" وفي ترجمته في الجرح والتعديل ) (9/235والتاريخ
الكبير ) (4/2/376والثقات لبن حبان )" : (5/552يوسف اللهاني ،أبو
الضحاك الحمصي ،سمع أبا أمامة وابن عمر ،وروي عنه أرطاة بن المنذر".
وانظر حاشية الستاذ محمود شاكر على تفسير الطبري ).(16/426
) (4/452
َ َ
ص َ
ل ن ُيو َ ه ب ِهِ أ ْ مَر الل ّ ُ
ما أ َن َقط َُعو َميَثاقِهِ وَي َ ْ ن ب َعْد ِ ِم ْن عَهْد َ الل ّهِ ِ ضو َ ق ُن ي َن ْ ُذي ََوال ّ ِ
س ُ
ط دارِ ) (25الل ّ ُ
ه ي َب ْ ُ سوُء ال ّ م ُ ة وَل َهُ ْ
م الل ّعْن َ ُك ل َهُ ُض ُأول َئ ِ َ َْ
ن ِفي الْر ِ دو َ س ُف ِ وَي ُ ْ
حَياةُ الد ّن َْيا ِفي اْل َِ
خَرةِ إ ِلّ ْ
ما ال َ
حَياةِ الد ّن َْيا وَ َ ْ
حوا ِبال َ قدُِر وَفَرِ ُ شاُء وَي َ ْن يَ َ
م ْ الّرْزقَ ل ِ َ
مَتاع ٌ )(26 َ
) (4/453
) (4/454
حسن َ ذي َ
ب )(29
مآ ٍ طوَبى ل َهُ ْ
م وَ ُ ْ ُ َ ت ُ
حا ِ مُلوا ال ّ
صال ِ َ مُنوا وَعَ ِ
نآ َال ّ ِ َ
ب ){ (29 مآ ٍ ن َ س ُ ح ْ م وَ ُ طوَبى ل َهُ ْ ت ُ حا ِ صال ِ َ مُلوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ} ال ّ ِ
ل عَل َي ْهِ آي َ ٌ ُ
نم ْ ة ِ ول { أي :هل } أنز َ يخبر تعالى عن قيل ) ْ(1المشركين } :ل َ ْ
ربه { كما قالوا } :فَل ْيأت ِنا بآية ك َ ُ
ن { ]النبياء [5 :وقد تقدم ل الوُّلو َ س َ ما أْر ِ َ َ ِ َ ٍ َ َ ّ ِ
الكلم على هذا غير مرة ،وإن الله قادر على إجابة ما سألوا .وفي الحديث :
أن الله أوحى إلى رسوله لما سألوه أن يحول لهم الصفا ذهًبا ،وأن يجري
عا ،وأن يزيح الجبال من حول مكة فيصير مكانها مروج وبساتين : لهم ينبو ً
إن شئت يا محمد أعطيتهم ذلك ،فإن كفروا فإني أعذبهم عذاًبا ل أعذبه
دا من العالمين ،وإن شئت فتحت عليهم باب التوبة والرحمة ،فقال " :بل أح ً
لض ّ ه يُ ِ ن الل ّ َ ل إِ ّ تفتح لهم باب التوبة والرحمة" ) (2؛ ولهذا قال لرسوله } :قُ ْ
ب { أي :هو المضل والهادي ،سواء بعث شاُء ويهدي إل َيه م َ ن يَ َ
ن أَنا َ ََْ ِ ِ ْ ِ َ ْ م ْ َ
الرسول بآية على وفق ما اقترحوا ،أو لم يجبهم إلى سؤالهم ؛ فإن الهداية
ت َوالن ّذ ُُر ما ت ُغِْني الَيا ُ والضلل ليس منوطا بذلك ول عدمه ،كما قال } :وَ َ
ة م ك َل ِ َ
م ُ َ
ت عَلي ْهِ ْ ق ْ ح ّن َ ذي َ ن ال ّ ِ ن { ]يونس [101 :وقال } إ ِ ّ مُنو َ ن قَوْم ٍ ل ي ُؤْ ِ عَ ْ
م { ]يونس ، 96 : ب الِلي َ ذا َ ْ
حّتى ي ََرُوا العَ َ ل آي َةٍ َ مك ُّ جاَءت ْهُ ْن وَلوْ َ َ مُنو َ ك ل ي ُؤْ ِ َرب ّ َ
لمك ُّ َ ح َ ْ ّ َ َ ْ َ ْ َ َ
شْرَنا عَلي ْهِ ْ موَْتى وَ َ م ال َ مهُ ُ ة وَكل َ ملئ ِك َ م ال َ [97وقال } وَلوْ أن َّنا نزلَنا إ ِلي ْهِ ُ
ُ ْ َ َ ّ َ ما َ
ن { ]النعام : جهَلو َ م يَ ْ ن أكث ََرهُ ْ ه وَلك ِ ّ شاَء الل ُ ن يَ َ مُنوا ِإل أ ْ كاُنوا ل ِي ُؤْ ِ يٍء قُُبل َ ش ْ َ
ب{ َ َ ن يَ َ ض ّ ّ [111؛ ولهذا قال } :قُ ْ
ن أَنا َ م ْ دي إ ِلي ْهِ َ شاُء وَي َهْ ِ م ْ ل َ ه يُ ِ ن الل َ ل إِ ّ
أي :ويهدي من أناب إلى الله ،ورجع إليه ،واستعان به ،وتضرع لديه.
__________
) (1في ت " :قتل".
) (2رواه أحمد في المسند ) (1/242من حديث ابن عباس ،رضي الله
عنهما.
) (4/454
م ب ِذِك ْرِ الل ّهِ { أي :تطيب وتركن إلى جانب )(1 ن قُُلوب ُهُ ْ
مئ ِ ّ مُنوا وَت َط ْ َ نآ َ ذي َ } ال ّ ِ
َ
الله ،وتسكن عند ذكره ،وترضى به مولى ونصيًرا ؛ ولهذا قال } :أل ب ِذِك ْ ِ
ر
ب { أي :هو حقيق بذلك. قُلو ُ ن ال ْ ُمئ ِ ّالل ّهِ ت َط ْ َ
ب { قال ابن أبي مآ ٍ
ن َ س ُ ح ْم وَ ُ طوَبى ل َهُ ْ ت ُ حا ِصال ِ َمُلوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ } ال ّ ِ
رمة :نعم مالهم. عك ْ ِ طلحة ،عن ابن عباس :فرح وُقرة عين .وقال ِ
وقال الضحاك :غبطة ل َُهم .وقال إبراهيم الّنخعي :خير لهم.
وقال قتادة :هي كلمة عربية ) (2يقول الرجل " :طوبى لك" ،أي :أصبت
م { حسنى لهم. طوَبى ل َهُ ْ خيًرا .وقال في رواية ُ } :
ب { أي :مرجع. مآ ٍ ن َ س ُ ح ْ } وَ ُ
وهذه القوال شيء واحد ل منافاة بينها.
م { قال :هي أرض الجنة َ ُ
وقال سعيد بن جبير ،عن ابن عباس } :طوَبى لهُ ْ
بالحبشية.
جوح :طوبى اسم الجنة بالهندية .وكذا روى السدي ،عن س ُ م ْ وقال سعيد بن َ
م { أي :الجنة .وبه قال مجاهد. َ
طوَبى لهُ ْ رمة ُ } : عك ْ ِ ِ
ن
ذي َ ّ
وقال العوفي ،عن ابن عباس :لما خلق الله الجنة وفرغ منها قال } :ال ِ
ب { وذلك حين أعجبته. مآ ٍ ن َ س ُ ح ْم وَ ُطوَبى ل َهُ ْ ت ُ حا ِ صال ِ َ مُلوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ آ َ
شْهر بن وقال ابن جرير :حدثنا ابن حميد ،حدثنا يعقوب ،عن جعفر ،عن َ
طوَبى { شجرة في الجنة ،كل شجر الجنة منها ،أغصانها شب قال ُ } : حو ْ َ َ
من وراء سور الجنة.
ى ،وأبي إسحاق م ّ
س َ
وهكذا ُروي عن أبي هريرة ،وابن عباس ،ومغيث بن ُ
سِبيعي وغير واحد من السلف :أن طوبى شجرة في الجنة ،في كل دار ال ّ
منها غصن منها.
وذكر بعضهم أن الرحمن ،تبارك وتعالى ،غرسها بيده من حبة لؤلؤة ،
وأمرها أن تمتد ،فامتدت إلى حيث يشاء الله تبارك وتعالى ،وخرجت من
أصلها ينابيع أنهار الجنة ،من عسل وخمر وماء ولبن(3) .
مح س ْوقد قال عبد الله بن وهب :حدثنا عمرو بن الحارث ،أن دّراجا أبا ال ّ
حدثه ،عن أبي الهيثم ،عن أبي سعيد الخدري ،رضي الله عنه ] ،مرفوعا :
"طوبى :شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ،ثياب أهل الجنة تخرج من
أكمامها"(4) .
__________
) (1في ت ،أ " :جناب".
) (2في ت ،أ " :غريبة".
) (3في ت " :ولبن وماء".
) (4رواه الطبري في تفسيره ) (16/443قال أحمد ،رحمه الله " :أحاديث
دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد فيها ضعف".
) (4/455
وقال المام أحمد :حدثنا حسن بن موسى ،سمعت عبد الله بن ل َِهيعة ،
حدثنا د َّراج أبو السمح ،أن أبا الهيثم حدثه ،عن أبي سعيد الخدري[ ) (1عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم :أن رجل قال :يا رسول الله ،طوبى لمن
رآك وآمن بك .قال " :طوبى لمن رآني وآمن بي ،ثم طوبى ،ثم طوبى ،ثم
طوبى لمن آمن بي ولم يرني" .قال له رجل :وما طوبى ؟ قال " :شجرة
في الجنة مسيرة مائة عام ،ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها"(2) .
وروى البخاري ومسلم جميًعا ،عن إسحاق بن راهويه ،عن مغيرة
المخزومي ،عن َوهيب ،عن أبي حازم ،عن سهل بن سعد قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إن في الجنة شجرة يسير الراكب في
ظلها مائة عام ل يقطعها" قال :فحدثت به النعمان بن أبي عياش الّزَرقي ،
دري ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " :إن خ ْ فقال :حدثني أبو سعيد ال ُ
مَر السريع مائة عام ما يقطعها".واد المض ّ
ج َفي الجنة شجرة يسير الراكب ال َ
)(3
وفي صحيح البخاري ،من حديث يزيد بن ُزَريع ،عن سعيد ،عن قتادة ،عن
أنس ،رضي الله عنه ،قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول
دودٍ { ]الواقعة [30 :قال " :في الجنة شجرة يسير م ُم ْل َالله } :وَظ ِ ّ
الراكب في ظلها مائة عام ل يقطعها"(4) .
سَرْيج ،حدثنا فُل َْيح ،عن هلل بن علي ،عن عبد وقال المام أحمد :حدثنا ُ
الرحمن بن أبي عمرة ،عن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " :في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة ) (5اقرءوا إن
دود ٍ { أخرجاه في الصحيحين(6) . م ُم ْل َشئتم } وَظ ِ ّ
ضا :حدثنا محمد بن جعفر وحجاج قال حدثنا شعبة وقال ]المام[ ) (7أحمد أي ً
،سمعت أبا الضحاك يحدث عن أبي هريرة ،عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال " :إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين -أو :مائة -
سنة هي شجرة الخلد"(8) .
وقال محمد بن إسحاق ،عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ،عن أبيه ،
عن أسماء بنت أبي بكر ،رضي الله عنها ،قالت :سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم ،وذكر سدرة المنتهى ،قال " :يسير في ظل الفنن منها
الراكب مائة سنة -أو :قال : -يستظل في الفنن منها مائة راكب ،فيها
فراش الذهب ،كأن ثمرها القلل" .رواه الترمذي(9) .
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2المسند ).(3/71
) (3صحيح البخاري برقم ) (6552وصحيح مسلم برقم ).(2827
) (4صحيح البخاري برقم ).(3251
) (5في أ " :عام".
) (6المسند ).(2/482
) (7زيادة من أ.
) (8المسند ).(2/455
) (9سنن الترمذي برقم ) (2541وقال الترمذي " :حديث حسن غريب" وفي
بعض النسخ " :حسن صحيح غريب".
) (4/456
وقال إسماعيل بن عياش ،عن سعيد بن يوسف ،عن يحيى بن أبي كثير ،
عن أبي سلم السود قال :سمعت أبا أمامة الباهلي قال :قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " :ما منكم من أحد يدخل الجنة إل انطلق به إلى
طوبى ،فتفتح له أكمامها ،فيأخذ من أي ذلك شاء ،إن شاء أبيض ،وإن شاء
أحمر ،وإن شاء أصفر ،وإن شاء أسود ،مثل شقائق النعمان وأرق
وأحسن"(1) .
وقال المام أبو جعفر بن جرير :حدثنا محمد بن عبد العلى ،حدثنا محمد بن
شب ،عن أبي حو ْ َ مر ،عن أشعث بن عبد الله ،عن َ
شْهر بن َ معْ َ
ثور ،عن َ
هريرة ،رضي الله عنه ،قال :طوبى شجرة في الجنة ،يقول الله لها :
ما شاء ؛ فتفتق له عن الخيل بسروجها ولجمها ،وعن البل فّتقي لعبدي عَ ّ "ت َ َ
بأزمتها ،وعما شاء من الكسوة"(2) .
وقد روى ابن جرير عن وهب بن منبه هاهنا أثًرا غريًبا عجيبا ،قال وهب ،
رحمه الله :إن في الجنة شجرة يقال لها " :طوبى" ،يسير الراكب في ظلها
مائة عام ل يقطعها ،زهرها رياط ،وورقها برود ،وقضبانها عنبر ،وبطحاؤها
حلها مسك ،يخرج من أصلها أنهار الخمر واللبن ياقوت ،وترابها كافور َ ،وو َ
والعسل ،وهي مجلس لهل الجنة ،فبينا هم في مجلسهم إذ أتتهم ملئكة
من ربهم يقودون نجبا مزمومة بسلسل من ذهب وجوهها كالمصابيح حسنا )
عّزي ) (4من لينه ،عليها رحال ألواحها من ياقوت ، مر ِ
(3ووبرها كخز ال ْ
ودفوفها ) (5من ذهب ،وثيابها من سندس وإستبرق ،فينيخونها ويقولون :
إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه وتسلموا عليه قال :فيركبونها ،فهي أسرع من
مهََنة ،يسير الرجل إلى جنب أخيه الطائر ،وأوطأ من الفراش ،نجيا من غير َ
وهو يكلمه ويناجيه ،ل تصيب ) (6أذن راحلة منها أذن الخرى ،ول َبرك
حى عن طريقهم ،لئل تفرق بين راحلة برك الخرى ،حتى إن شجرة لتتن ّ
الرجل وأخيه .قال :فيأتون إلى الرحمن الرحيم فيسفر لهم عن وجهه
الكريم حتى ينظروا إليه ،فإذا رأوه قالوا :اللهم ،أنت السلم ومنك
السلم ،وحق لك الجلل والكرام .قال :فيقول تعالى ]عند ذلك[ ) (7أنا
السلم ومني السلم ،وعليكم حقت رحمتي ومحبتي ،مرحبا بعبادي الذين
خشوني بغيب وأطاعوا أمري".
قال :فيقولون :ربنا لم نعبدك حق عبادتك ،ولم نقدرك حق قدرك ،فأذن
لنا في السجود ُقدامك قال :فيقول الله " :إنها ليست بدار نصب ول عبادة ،
مْلك ونعيم ،وإني قد رفعت عنكم نصب العبادة ،فسلوني ما ولكنها دار ُ
شئتم ،فإن لكل رجل منكم أمنيته" فيسألونه ،حتى أن أقصرهم أمنية ليقول
:رب ،تنافس ) (8أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها ،رب فآتنى مثل كل
شيء كانوا فيه من
__________
) (1رواه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة برقم ) (146من طريق أبي عتبة ،
عن إسماعيل بن عياش ،به.
) (2تفسير الطبري ) (16/438ورواه ابن المبارك في الزهد برقم )(265
من طريق معمر عن الشعث ،به .وشهر بن حوشب ضعيف.
) (3في ت ،أ " :من حسنها".
) (4في ت " :الرعزى".
) (5في أ " :ورفرفها".
) (6في ت ،أ " :ل يصيب".
) (7زيادة من ت ،أ ،والطبري.
) (8في أ " :يتنافس".
) (4/457
يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا .فيقول الله تعالى " :لقد قصرت بك أمنيتك ،
ولقد سألت دون منزلتك ،هذا لك مني ] ،وسأتحفك بمنزلتي[ ) (1؛ لنه
ليس في عطائي نكد ول َتصريد" .قال :ثم يقول " :اعرضوا على عبادي ما
لم يبلغ أمانيهم ،ولم يخطر لهم على بال" .قال :فيعرضون عليهم حتى
قصر بهم أمانيهم التي في أنفسهم ،فيكون فيما يعرضون عليهم براذين تَ ْ
قرنة ،على كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة ،على كل سرير منها م ُْ
متظاهرة ، ُ الجنة فرش ُ من فرش منها قبة كل في ، رغة مف
ُ ّ ذهب من قبة
في كل قبة منها جاريتان من الحور العين ،على كل جارية منهن ثوبان من
ثياب الجنة ،وليس في الجنة لون إل وهو فيهما ) (2ول ريح طيبة إل قد
عبقتا به ) (3ينفذ ضوء وجوههما غلظ القبة ،حتى يظن من يراهما أنهما دون
القبة ،يرى مخهما من فوق سوقهما ،كالسلك البيض في ياقوتة حمراء ،
يريان له من الفضل على صاحبته ) (4كفضل الشمس على الحجارة أو
أفضل ،ويرى هو لهما مثل ذلك ،ويدخل إليهما فيحييانه ويقبلنه ويعتنقانه )
(5به ،ويقولن له :والله ما ظننا أن الله يخلق مثلك .ثم يأمر الله تعالى
الملئكة فيسيرون بهم صفا في الجنة ،حتى ينتهى بكل رجل منهم إلى
منزلته التي أعدت له(6) .
وقد روى هذا الثر ابن أبي حاتم بسنده ،عن وهب بن منبه ،وزاد :فانظروا
إلى موهوب ربكم الذي وهب لكم ،فإذا هو بقباب في الرفيق العلى ،
وغرف مبنية من الدر والمرجان ،وأبوابها من ذهب ،وسررها من ياقوت ،
وفرشها من سندس وإستبرق ،ومنابرها من نور ،يفور من أبوابها وعراصها
نور مثل شعاع الشمس عنده مثل الكوكب الدري ) (7في النهار المضيء ،
وإذا بقصور شامخة في أعلى عليين من الياقوت يزهو نورها ،فلول أنه
سخر ،إًذا للتمع البصاَر ،فما كان من تلك القصور من الياقوت ]البيض ، م َ ُ
فهو مفروش بالحرير ) (8البيض ،وما كان منها من الياقوت الحمر فهو
مفروش بالعبقري الحمر ،وما كان منها من الياقوت الخضر[ ) (9فهو
مفروش بالسندس الخضر ،وما كان منها من الياقوت الصفر ،فهو
مفروش بالرجوان الصفر منزه ) (10بالزمرد الخضر ،والذهب الحمر ،
شُرفها قباب من لؤلؤ ، والفضة البيضاء ،قوائمها وأركانها من الجوهر ،و ُ
وبروجها غَُرف من المرجان .فلما انصرفوا إلى ما أعطاهم ربهم ،قّربت لهم
ُ
براذين من ياقوت أبيض ،منفوخ فيها الروح َ ،تجَنبها الولدان المخلدون بيد
كل وليد منهم حكمة ب ِْرَذون من تلك البراذين ،ولجمها وأعنتها من فضة
سُرٌر موضونة ،مفروشة سُروجها ُ
بيضاء ،منظومة بالدر والياقوت ُ ،
بالسندس والستبرق .فانطلقت بهم تلك البراذين ت ََزف بهم ببطن )(11
رياض الجنة .فلما انتهوا إلى
__________
) (1زيادة من ت ،أ ،والطبري.
) (2في أ " :فيها".
) (3في ت ،أ " :عبقا بهما".
) (4في أ " :صاحبه".
) (5في ت ،أ " :ويعلقانه".
) (6تفسير الطبري ).(16/439
) (7في ت ،أ " :الذي".
) (8في أ " :من الحرير".
) (9زيادة من ت ،أ.
) (10في أ " :مبوبة".
) (11في أ " :وبطن".
) (4/458
) (4/459
) (4/460
ميًعا { ) (1أي :مرجع المور كلها إلى الله ، ج ِمُر َ ل ل ِل ّهِ ال ْ جاحدون له } ،ب َ ْ
عز وجل ،ما شاء الله كان ،وما لم يشأ لم يكن ،ومن يضلل فل هادي له ،
ومن يهد ) (2الله فل مضل له.
وقد يطلق اسم القرآن على كل من الكتب المتقدمة ؛ لنه مشتق من
الجميع ،قال المام أحمد :
مر ،عن همام بن منبه قال :هذا ما حدثنا أبو معْ َ حدثنا عبد الرزاق ،حدثنا َ
فت ) (3على داود ف َ
خ ّ
هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ُ " :
القراءة ،فكان يأمر بدابته أن تسرج ،فكان يقرأ القرآن من قبل أن ُتسرج
دابته ،وكان ل يأكل إل من عمل يديه" .انفرد بإخراجه البخاري(4) .
والمراد بالقرآن هنا الزبور.
َ َ
مُنوا { أي :من إيمان جميع الخلق ويعلموا أو نآ َ ذي َ س ال ّ ِ م ي َي ْأ ِ وقوله } :أفَل َ ْ
َ
ميًعا { فإنه ليس ثم ) (6حجة ول ج ِ
س َ
دى الّنا َ ه ل َهَ َ شاُء الل ّ ُ ن ل َوْ ي َ َ
يتبينوا ) } (5أ ْ
معجزة أبلغ ول أنجع في النفوس والعقول من هذا القرآن ،الذي لو أنزله
الله على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله .وثبت في الصحيح أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :ما من نبي إل وقد أوتي ما آمن
على مثله البشر ،وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي ،فأرجو أن
أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة" ) (7معناه :أن معجزة كل نبي انقرضت
خل َقُ عن بموته ،وهذا القرآن حجة باقية على الباد ،ل تنقضي عجائبه ،ول ي َ ْ
كثرة الرد ّ ،ول يشبع منه العلماء ،هو الفصل ليس بالهزل .من تركه من جبار
قصمه الله ،ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله.
عة ،حدثنا منجاب بن الحارث ،أنبأنا بشر وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبو ُزْر َ
وَ
بن عمارة ،حدثنا عمر بن حسان ،عن عطية العوفي قال :قلت له } :وَل ْ
َ
ل { الية ،قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم :لو جَبا ُ ت ب ِهِ ال ْ ِسي َّر ْ ن قُْرآًنا ُ
أ ّ
سيرت لنا جبال مكة حتى تتسع فنحرث فيها ،أو قطعت لنا ) (8الرض كما
كان سليمان يقطع لقومه بالريح ،أو أحييت لنا الموتى كما كان عيسى يحيي
الموتى لقومه فأنزل الله هذه الية .قال :قلت :هل تروون هذا الحديث عن
أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال :نعم ،عن أبي سعيد ،
عن النبي صلى الله عليه وسلم(9) .
وكذا روي عن ابن عباس ،والشعبي ،وقتادة ،والثوري ،وغير واحد في
سبب نزول هذه الية ،فالله أعلم.
وقال قتادة :لو فعل هذا بقرآن غير قرآنكم ُ ،فعل بقرآنكم.
ميًعا { قال ابن عباس ] :أي[ ) (10ل يصنع من ذلك ج ِ
مُر َل ل ِل ّهِ ال ْ
وقوله } :ب َ ْ
إل ما يشاء ،ولم
__________
) (1في ت ،أ " :فلله" وهو خطأ.
) (2في ت ،أ " :يهده".
) (3في ت ،أ " :خفف".
) (4المسند ) (2/314وصحيح البخاري برقم ).(3417
) (5في أ " :ويعلموا ويتيقنوا".
) (6في أ " :ثمت".
) (7صحيح البخاري برقم ) (4981وصحيح مسلم برقم ) (152من حديث
أبي هريرة رضي الله عنه.
) (8في ت ،أ " :بنا".
) (9ورواه ابن مردويه في تفسيرة كما في تخريج الكشاف ) (2/191من
طريق بشر بن عمارة به ،وإسناده ضعيف جدا.
) (10زيادة من أ.
) (4/461
ضا.يكن ليفعل ،رواه ابن إسحاق بسنده عنه ،وقاله ابن جرير أي ً
َ َ
مُنوا { أفلم يعلم نآ َ ذي َ س ال ّ ِ م ي َي ْأ ِ وقال غير واحد من السلف في قوله } :أفَل َ ْ
الذين آمنوا .وقرأ ) (1آخرون " :أفلم يتبين الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى
الناس جميعا".
وقال أبو العالية :قد يئس ) (2الذين آمنوا أن يهدوا ،ولو يشاء الله لهدى
الناس جميعا.
َ َ ّ
ن
م ْريًبا ِل قَ ِ ح ّة أوْ ت َ ُ صن َُعوا َقارِعَ ٌ ما َ م بِ َ صيب ُهُ ْ فُروا ت ُ ِ نك َ ذي َ
ل ال ِ وقوله َ } :ول ي ََزا ُ
م { أي :بسبب تكذيبهم ،ل تزال القوارع تصيبهم في الدنيا ،أو تصيب َدارِهِ ْ
ن ُ َ ْ َ َ َ
م َم ِ حوْلك ْ ما َ قد ْ أهْلكَنا َ من حولهم ليتعظوا ويعتبروا ،كما قال تعالى } :وَل َ
قرى وصرفْنا اليات ل َعل ّهم يرجعون { ]الحقاف [27 :وقال } أ ََفل يرون أناَ
ََ ْ َ ّ َ ِ َ ُ ْ َْ ِ ُ َ َ َ ّ َ ال ْْ ُ َ
َ َ
ن { ]النبياء (3) .[44 : م ال َْغال ُِبو َ ن أط َْرافَِها أفَهُ ُ م ْ صَها ِ
ق ُ ض ن َن ْ ُ
ن َأِتي الْر َ
م { أي :القارعة .وهذا ه ردا ن م با ري َ ق ّ
ل ح ت و قال قتادة ،عن الحسن } :أ َ
ِ ً ِ ْ َ ِ ِ ْ ْ َ ُ
هو الظاهر من السياق.
جب َْير ،قال أبو داود الطيالسي :حدثنا المسعودي ،عن قتادة ،عن سعيد بن ُ
صن َُعواما َ م بِ َ صيب ُهُ ْ فُروا ت ُ ِ ن كَ َ ذي َ ل ال ّ ِ عن ابن عباس في قوله َ } :ول ي ََزا ُ
َ
م { قال :محمد صلى ن َدارِهِ ْ م ْ ريًبا ِ ل قَ ِ ح ّ ة { ) (4قال :سرية } ،أوْ ت َ ُ
ْ
َقارِعَ ٌ
ي وَعْد ُ اللهِ { قال :فتح مكة(5) . ّ حّتى ي َأت ِ َ الله عليه وسلم َ } ،
رمة ،وسعيد بن جبير ،ومجاهد ،في رواية. عك ْ ِ وهكذا قال ِ
ة { ) (6قال : َ
صن َُعوا قارِعَ ٌ ما َ م بِ َ صيب ُهُ ْ وقال العوفي ،عن ابن عباس } :ت ُ ِ
م { ) (7يعني :نزول َ ّ َ
ن َدارِهِ ْ م ْ ريًبا ِ حل ق ِ عذاب من السماء ينزل عليهم } أوْ ت َ ُ
رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وقتاله إياهم.
رمة في رواية عنه ،عن ابن عباس : عك ْ ِوكذا قال مجاهد ،وقتادة ،وقال ِ
ة { أي :نكبة. } َقارِعَ ٌ
ي وَعْد ُ اللهِ { يعني :فتح مكة .وقال الحسن ّ ْ
حّتى ي َأت ِ َ وكلهم قال َ } :
البصري :يوم القيامة.
ميَعاد َ { أي :ل ينقض وعده لرسله بالنصرة لهم ْ
ف ال ِ خل ِ ُ ه ل يُ ْ ن الل ّ َ وقوله } :إ ِ ّ
هّ
ن الل َ ه إِ ّ َ
سل ُ ف وَعْدِهِ ُر ُ خل ِ َ
م ْ ه ُ ّ
ن الل َ سب َ ّح َ ولتباعهم في الدنيا والخرة َ } ،فل ت َ ْ
قام ٍ { ]إبراهيم .[47 : زيٌز ُذو ان ْت ِ َ عَ ِ
َ َ َ َ ّ َ َ َ َ
ن
ف كا َ م فَكي ْ َ خذ ْت ُهُ ْمأ َ فُروا ث ُ ّ نك َ ذي َ ت ل ِل ِ ملي ْ ُ ن قَب ْل ِك فَأ ْ م ْ ل ِ س ٍ ست ُهْزِئَ ب ُِر ُ قد ِ ا ْ } وَل َ
ب ){ (32 قا ِ ع َ
ِ
يقول تعالى مسليا لرسوله صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذبه من
َ
تمل َي ْ ُك { أي :فلك فيهم أسوة } ،فَأ ْ ن قَب ْل ِ َ م ْ ل ِ س ٍ ست ُهْزِئَ ب ُِر ُ قد ِ ا ْ قومه } :وَل َ َ
َ
م { أخذة ً رابية ،فكيف خذ ْت ُهُ ْ مأ َ فُروا { أي :أنظرتهم وأجلتهم } ،ث ُ ّ ن كَ َ ذي َ ل ِل ّ ِ
ت ل ََها َ َ
مل َي ْ ُن قَْري َةٍ أ ْ م ْ ن ِ بلغك ما صنعت بهم وعاقبتهم ؟ كما قال تعالى } :وَك َأي ّ ْ
صيُر { ]الحج [48 : م ِ ي ال ْ َخذ ْت َُها وَإ ِل َ ّم أَ َ ة ثُ ّ م ٌ ظال ِ َي َ وَهِ َ
__________
) (1في ت " :وقرأها".
) (2في ت ،أ " :أيس".
) (3في ت ،أ " :أفلم يروا" وهو خطأ.
) (4في ت " :يصيبهم".
) (5ومن طريق الطيالسي رواه الطبري في تفسيره ).(16/456
) (6في ت " :يصيبهم".
) (7في ت " :أو يحل".
) (4/462
وفي الصحيحين " :إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" ،ثم قرأ
يقَرى وَهِ َ خذ َ ال ْ ُ ك إ َِذا أ َ َ خذ ُ َرب ّ َ ك أَ ْ رسول الله صلى الله عليه وسلم } :وَك َذ َل ِ َ
م َ َ ن أَ ْ َ
ديد ٌ { ]هود (1) .[102 : ش ِ خذ َه ُ أِلي ٌ ة إِ ّ م ٌ ظال ِ َ
َ شَر َ جعَُلوا ل ِل ّهِ ُ م عََلى ك ُ ّ َ
م
مأ ْ موهُ ْ س ّل َ كاَء قُ ْ ت وَ َ سب َ ْ ما ك َ َ س بِ َ ف ٍَ ل نَ ْ ن هُوَ َقائ ِ ٌ م ْ } أفَ َ
فُروا ن كَ َ ذي َ ن ل ِل ّ ِل ُزي ّ َ ل بَ ْ قو ْ ِ ن ال ْ َم َ ظاهِرٍ ِ م بِ َ ضأ ْ م ِفي الْر ِ ما ل ي َعْل َ ُ ه بِ َ ت ُن َب ُّئون َ ُ
هاد ٍ ){ (33 ن َ م ْ ه ِ ما ل َ ُ ه فَ َ ل الل ّ ُ ضل ِ ِ ن يُ ْ م ْ ل وَ َ سِبي ِ ن ال ّ دوا عَ َ ِ ص ّ م وَ ُ مك ُْرهُ ْ َ
ت { أي :حفيظ عليم ب
َ َ ْ س َ ك ما ب
ٍ ِ َ س ْ فَ ن لّ ُ ك لى َ َ ع م ئ َ
قا
َ ْ ُ َ ِ ٌ و ه ن م َ ف أ } : تعالى يقول
رقيب على كل نفس منفوسة ،يعلم ما يعمل العاملون من خير وشر ،ول
كون في َ ْ
مُلو َ
ن ن َول ت َعْ َ ن قُْرآ ٍ م ْ ه ِ من ْ ُما ت َت ُْلو ِ ن وَ َ شأ ٍ ما ت َ ُ ُ ِ يخفى عليه خافية } ،وَ َ
ن ِفيهِ { ]يونس [61 :وقال تعالى : ضو َ في ُ شُهوًدا إ ِذ ْ ت ُ ِ م ُ ل ِإل ك ُّنا عَل َي ْك ُ ْ م ٍن عَ َ م ْ ِ
ن َداب ّةٍ ِفي م ْ
ما ِ مَها { ]النعام [59 :وقال } وَ َ ن وََرقَةٍ ِإل ي َعْل َ ُ م ْ ط ِ ق ُ س ُ ما ت َ ْ } وَ َ
ن{ ّ ُ َ ُ ّ َ
مِبي ٍب ُ ست َوْد َعََها كل ِفي ك َِتا ٍ م ْ ها وَ ُ قّر َست َ َ م ْ
َ
م ُ ض ِإل عَلى اللهِ رِْزقَها وَي َعْل ُ الْر ِ
فخ ٍ ست َ ْ
م ْ ن هُوَ ُ م ْ جهََر ب ِهِ وَ َ ن َ م ْ َ
قوْل وَ َ ْ
سّر ال َ نأ َ م ْ م َ ُ
من ْك ْ واٌء ِ س َ]هود [6 :وقال } َ
فى { ]طه [7 : خ َ بالل ّيل وسارب بالنهار { ]الرعد [10 :وقال } يعل َم السر وأ َْ
ّ ّ َ َْ ُ ِ ْ ِ َ َ ِ ٌ ِ َّ َِ
صيٌر { ]الحديد] [4أفمن َ َ ِ ب ن لو ُ م ع ت ما
ُْ ْ َ ُ ِ َ َْ َب ه ّ ل وال م ت نُ ك ما
م أي ْ َ َ
ن معَك ُ ْ وقال } وَهُوَ َ
هو هكذا كالصنام التي يعبدونها ) (2ل تسمع ول تبصر ول تعقل ،ول تملك
نفعا لنفسها ول لعابديها ،ول كشف ضر عنها ول عن عابديها ؟ وحذف هذا
كاَء { أي : شَر َ جعَُلوا ل ِل ّهِ ُ الجواب اكتفاء بدللة السياق عليه ،وهو قوله } :وَ َ
عبدوها معه ،من أصنام وأنداد وأوثان.
م { أي :أعلمونا بهم ،واكشفوا عنهم حتى ُيعَرفوا ،فإنهم ل موهُ ْ س ّ ل َ } قُ ْ
َ َ
ض { أي :ل وجود م ِفي الْر ِ ما ل ي َعْل ُ ه بِ َ م ت ُن َب ُّئون َ ُ حقيقة لهم ؛ ولهذا قال } :أ ْ
له ؛ لنه لو كان له ) (3وجود في الرض لعلمها ؛ لنه ل تخفى عليه خافية.
ل { قال مجاهد :بظن من القول. ن ال ْ َ م بِ َ َ
قو ْ ِ م َ ظاهِرٍ ِ }أ ْ
وقال الضحاك وقتادة :بباطل من القول.
أي إنما عبدتم هذه الصنام بظن منكم أنها تنفع وتضر ،وسميتموها آلهة ،
نن إِ ْ طا ٍسل ْ َن ُ م ْ ه ب َِها ِ ل الل ّ ُ ما َأنز َ م َ م َوآَباؤُك ُ ْ
} إن هي إل أ َسماٌء سميتمو َ َ
ها أن ْت ُ ْ َ ّ ُْ ُ ْ َ ِ ْ ِ َ ِ
دى { ]النجم : ه ْ لا م ه ب ر
ُ َ ْ َ ُ ْ ِ ْ َ ِّ ُ ُ َ ن م م ه َ ء جا د َ ق َ ل و س ُ ف ْ ن ال وى ه ت ما
ّ َ َ َْ َ و ن ّ ظ ال ن ِإل ي َت ّب ُِعو َ
.[23
م { قال مجاهد :قولهم ،أي :ما هم عليه من مك ُْرهُ ْ فُروا َ ن كَ َ ذي َ ن ل ِل ّ ِ ل ُزي ّ َ } بَ ْ
الضلل والدعوة إليه
__________
) (1صحيح البخاري برقم ) (4686وصحيح مسلم برقم ) (2583من حديث
أبي موسى ،رضي الله عنه.
) (2في ت ،أ " :عبدوها".
) (3في ت ،أ " :لها".
) (4/463
ق)
ن َوا ٍ ن الل ّهِ ِ
م ْ م َ ما ل َهُ ْ
م ِ خَرةِ أ َ َ
شق ّ و َ َ ب اْل َ ِ حَياةِ الد ّن َْيا وَل َعَ َ
ذا ُ ب ِفي ال ْ َ
ذا ٌ ل َهُ ْ
م عَ َ
(34
) (4/464
) (4/464
) (4/465
نعم ،والذي نفس محمد بيده ] ،إن الرجل من أهل الجنة[ ) (1ليعطى قوة
مائة رجل في الكل والشرب والجماع والشهوة" .قال :فإن الذي يأكل
ويشرب تكون له الحاجة ،وليس في الجنة أذى ؟ قال " :حاجة أحدهم رشح
يفيض من جلودهم ،كريح المسك ،فيضمر بطنه"(2) .
وقال الحسن بن عرفة :حدثنا خلف بن خليفة ،عن حميد العرج ،عن عبد
الله بن الحارث ،عن عبد الله بن مسعود ،رضي الله عنه ،قال :قال لي
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إنك لتنظر إلى الطير في الجنة ،فيخر
بين يديك مشويا ).(4) (3
وجاء في بعض الحاديث :أنه إذا ُفرغ منه عاد طائًرا كما كان بإذن الله
تعالى.
مُنوعَةٍ { ]الواقعة ، 32 : م ْقطوعَةٍ َول َ ُ م ْ وقد قال تعالى } :وََفاك ِهَةٍ ك َِثيَرةٍ ل َ
ت قُطوفَُها ت َذ ِْليل { ]النسان .[14 : ُ ظلل َُها وَذ ُل ّل ْ
َ م ِ ة عَل َي ْهِ ْ [33وقال } وََدان ِي َ ً
ملوا ُ مُنوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ ّ
وكذلك ظلها ل يزول ول يقلص ،كما قال تعالى َ } :وال ِ
َ َ
م ِفيَها دا لهُ ْ ن ِفيَها أب َ ً دي َ خال ِ ِ
حت َِها الن َْهاُر َ ن تَ ْ م ْ ري ِ ج ِ ت تَ ْ جّنا ٍ م َ خل ُهُ ْ سن ُد ْ ِ
ت َ حا ِ صال ِ َال ّ
ظل ظِليل { ]النساء .[57 : َ ُ َ َ
م ِ خلهُ ْ مطهَّرة ٌ وَن ُد ْ ِ ج ُ أْزَوا ٌ
وقد تقدم في الصحيحين من غير وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال " :إن في الجنة شجرة ،يسير الراكب المجد الجواد المضمر السريع في
دودٍ { ]الواقعة .[30 : م ُ
م ْ ل َ ظلها مائة عام ل يقطعها" ،ثم قرأ } :وَظ ِ ّ
وكثيرا ما يقرن الله تعالى بين صفة الجنة وصفة النار ،ليرغب في الجنة
قَبى ك عُ ْ ذر من النار ؛ ولهذا لما ذكر صفة الجنة بما ذكر ،قال بعده } :ت ِل ْ َ ويح ّ
َ قَبى ال ْ َ
بحا ُ ص َ وي أ ْ ست َ ِن الّناُر { كما قال تعالى } :ل ي َ ْ ري َ كافِ ِ وا وَعُ ْ ق ْ ن ات ّ َ ذي َال ّ ِ
م ال ْ َ َ َ
ن { ]الحشر .[20 : فائ ُِزو َ جن ّةِ هُ ُ ب ال ْ َ حا ُ ص َجن ّةِ أ ْ ب ال ْ َ حا ُص َ الّنارِ وَأ ْ
وقال بلل بن سعد خطيب دمشق في بعض خطبه :عباد الله ) (5هل جاءكم
مخبر يخبركم أن شيئا من عبادتكم ) (6تقبلت منكم ،أو أن شيئا من
َ خطاياكم غفرت لكم ؟ } أ َفَحسبت َ
ن{ جُعو َ م إ ِل َي َْنا ل ت ُْر َ م عَب ًَثا وَأن ّك ُ ْ قَناك ُ ْ خل َ ْما َ م أن ّ َ َ ِ ُْ ْ
جل لكم الثواب في الدنيا لستقللتم كلكم ]المؤمنون (7) [115 :والله لو عُ ّ
ما افترض عليكم ،أو ترغبون ) (8في طاعة الله لتعجيل دنياكم ،ول
ْ ُ
ن
ري َ َ
قَبى الكافِ ِ وا وَعُ ْ ق ْن ات ّ َ ذي َ قَبى ال ّ ِ ك عُ ْ م وَظ ِل َّها ت ِل ْ َ تنافسون في جنة } أك ُل َُها َدائ ِ ٌ
الّناُر { رواه ابن أبي حاتم.
__________
) (1زيادة من ت ،أ ،والمسند.
) (2المسند ).(4/367
) (3في ت " :مستويا".
) (4جزء الحسن بن عرفة برقم ) (22وحميد العرج ضعيف وأورد الذهبي
هذا الحديث في الميزان ) (1/614من جملة مناكيره.
) (5في أ " :الرحمن".
) (6في ت ،أ " :أعمالكم".
) (7في ت " :أم حسبتم" وهو خطأ.
) (8في ت ،أ " :أترغبون".
) (4/466
ه
ض ُن ي ُن ْك ُِر ب َعْ َ
م ْ
ب َ حَزا ِ ن اْل َ ْ م َ ك وَ ِل إ ِل َي ْ َما أ ُن ْزِ َن بِ َ
حو َ
فَر ُ ب يَ ْ م ال ْك َِتا َ ذي َ
ن آت َي َْناهُ َُوال ّ ِ َ
َ َ ُ َ َ ُ
كب ) (36وَك َذ َل ِ َ مآ ِ عو وَإ ِل َي ْهِ َك ب ِهِ إ ِل َي ْهِ أد ْ ُ
شرِ َ ه وََل أ ْن أعْب ُد َ الل ّ َ تأ ْ مْر ُما أ ِ قُ ْ
ل إ ِن ّ َ
َ َ
ن الل ّهِ
م َ ما ل َ َ
ك ِ ن ال ْعِل ْم ِ َ
م َ جاءَ َ
ك ِ ما َ
م ب َعْد َ َ
واَءهُ ْ
ت أهْ َ
ن ات ّب َعْ َ َ
ما عََرب ِّيا وَلئ ِ ِ أن َْزل َْناهُ ُ
حك ْ ً
ق )(37 ي وََل َوا ٍن وَل ِ ّم ْ ِ
ه
ض ُ ن ي ُن ْك ُِر ب َعْ َ م ْ ب َ حَزا ِ ن ال ْ م َ ك وَ ِ ل إ ِل َي ْ َ ما ُأنز َ ن بِ َ حو َ فَر ُ ب يَ ْ م ال ْك َِتا َ ن آت َي َْناهُ ُ ذي َ } َوال ّ ِ
َ ُ َ َ ُ
ب ) (36وَك َذ َل ِ َ
ك مآ ِ عو وَإ ِل َي ْهِ َ ك ب ِهِ إ ِل َي ْهِ أد ْ ُ شرِ َ ه َول أ ْ ن أعْب ُد َ الل ّ َ تأ ْ مْر ُ ما أ ِ ل إ ِن ّ َ قُ ْ
ن اللهِّ َ َ ْ ْ َ َ َ ْ ْ َ
م َ ما لك ِ ن العِلم ِ َ م َ جاَءك ِ ما َ م ب َعْد َ َ واَءهُ ْ ت أهْ َ ن ات ّب َعْ َ ما عََرب ِّيا وَلئ ِ ِ حك ً أنزلَناهُ ُ
ق ){ (37 ي َول َوا ٍ ن وَل ِ ّ م ْ ِ
ن
حو َ فَر ُ ب { وهم قائمون بمقتضاه } ي َ ْ م الك َِتا َ ْ ن آت َي َْناهُ ُ ذي َ ّ
يقول تعالى َ } :وال ِ
ك { أي :من القرآن لما في كتبهم من الشواهد على صدقه ل إ ِل َي ْ َ ما ُأنز َ بِ َ
ه
حقّ ِتلوَت ِ ِ ه َ ُ
ب ي َت ْلون َ ُ م الك َِتا َ ْ ن آت َي َْناهُ ُ ذي َ ّ
والبشارة به ،كما قال تعالى } :ال ِ
ْ ُ ُأول َئ ِ َ
ن { ]البقرة [121 :وقال َ ِ ُ َ رو س خا ل ا م
ُ ُ ه َ
ك فْر ب ِهِ فَأول َئ ِ ن ي َك ْ ُ م ْ ن ب ِهِ وَ َ مُنو َ ك ي ُؤْ ِ
ن قَب ْل ِهِ إ َِذا ي ُت َْلى ل آمنوا به أ َو ل تؤْمنوا إن ال ّذي ُ
م ْ م ِ ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ ِ َ ُ ِ ُ ِ ّ تعالى } :قُ ْ ِ ُ ِ ِ ْ
فُعول { م ْ ن وَعْد ُ َرب َّنا ل َ َ كا َ ن َ ن َرب َّنا إ ِ ْ حا َ سب ْ َ ن ُ قوُلو َ دا وَي َ ُ ج ً س ّ ن ُ ن ِللذ َْقا ِ خّرو َ م يَ ِ عَل َي ْهِ ْ
]السراء [108 ، 107 :أي :إن كان ما وعدنا الله به في كتبنا من إرسال
محمد صلى الله عليه وسلم لحقا وصدقا مفعول ل محالة ،وكائنا ،فسبحانه
م
زيد ُهُ ْ ن وَي َ ِ كو َ ن ي َب ْ ُ ن ِللذ َْقا ِ خّرو َ ما أصدق وعده ،فله الحمد وحده } ،وَي َ ِ
عا { ]السراء .[109 : شو ً خ ُ ُ
ذب ه { أي :ومن الطوائف من يك ّ ض ُ ن ي ُن ْك ُِر ب َعْ َ م ْ ب َ حَزا ِ ن ال ْ م َ وقوله } :وَ ِ
ببعض ما أنزل إليك.
ب { اليهود والنصارى ،من ينكر بعضه ما جاءك حَزا ِ ن ال ْ م َ وقال مجاهد } :وَ ِ
من الحق .وكذا قال قتادة ،وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
َ ُ ّ وهذا كما قال تعالى } :وإن م َ
م ُ
ل إ ِلي ْك ْ ما أنز َ ن ِباللهِ وَ َ م ُ ن ي ُؤْ ِ م ْ ب لَ َ ل ال ْك َِتا ِ ن أهْ ِ َِ ّ ِ ْ
َ َ َ ُ ّ ن ل ِل ّهِ ل ي َ ْ ما ُأنز َ
م
جُرهُ ْ مأ ْ َ
مًنا قِليل أولئ ِك لهُ ْ َ َ
ت اللهِ ث َ ن ِبآَيا ِ شت َُرو َ شِعي َ خا ِ م َ ل إ ِل َي ْهِ ْ وَ َ
ب { ]آل عمران .[199 : سا ِ ح َ ريعُ ال ِْ س ِ ه َ ن الل َّ مإ ّ عن ْد َ َرب ّه ْ ِ
ك ب ِهِ { أي :إنما بعثت بعبادة الله شرِ َ ه َول أ ُ ْ ن أ َعْب ُد َ الل َّ ل إ ِنما ِأ ُمرت أ َ ْ ُ ق }
ِّ َ ِ ْ ُ ْ
عو { أي :إلى وحده ل شريك له ،كما أرسل النبياء من قبلي } ،إ ِل َي ْهِ أ َد ْ ُ
ب { أي :مرجعي ومصيري. مآ ِ سبيله أدعو الناس } ،وَإ ِل َي ْهِ َ
وقوله } :وك َذ َل ِ َ َ
ما عََرب ِّيا { أي :وكما أرسلنا قبلك المرسلين ، حك ْ ً ك أنزل َْناه ُ ُ َ
وأنزلنا عليهم الكتب من السماء ،كذلك أنزلنا عليك القرآن محكما معربا ،
شّرفناك به وفضلناك على من سواك بهذا الكتاب المبين الواضح الجلي الذي
ميد ٍ { ح ِ كيم ٍ َ ح ِ ن َ م ْ ل ِ فهِ َتنزي ٌ خل ْ ِن َ م ْ ن ي َد َي ْهِ َول ِ ن ب َي ْ ِ م ْ ل ِ } ل ي َأ ِْتيهِ ال َْباط ِ ُ
]فصلت .[11 :
ْ
ن العِلم ِ { ْ َ َ َ
م َ جاَءك ِ ما َ م { أي :آراءهم } ،ب َْعد َ واَءهُ ْ ت أهْ َ ن ات ّب َعْ َ وقوله } :وَلئ ِ ِ
ق { أي :من الله تعالى. ي َول َوا ٍ ن وَل ِ ّ م ْ ن الل ّهِ ِ م َ ك ِ ما ل َ َ أي :من الله تعالى } َ
وهذا وعيد لهل العلم أن يتبعوا ) (1سبل أهل الضللة بعدما صاروا إليه من
سلوك السنة النبوية والمحجة المحمدية ،على من جاء بها أفضل الصلة
والسلم
__________
) (1في ت " :يبتغوا".
) (4/467
كان ل ِرسو َ ك وجعل ْنا ل َه َ ول َ َ َ
ن
لأ ْما َ َ َ ُ ٍ ة وَ َ جا وَذ ُّري ّ ً ن قَب ْل ِ َ َ َ َ َ ُ ْ
م أْزَوا ً م ْ سًل ِسل َْنا ُر ُ قد ْ أْر َ َ
ْ ما ي َ َ ّ َ ّ ُ ّ ّ َ ْ
عن ْد َهُ
ت وَ ِشاُء وَي ُثب ِ ُ ه َ حوا الل ُ م ُ
ب ) (38ي َ ْ ل ك َِتا ٌ
ج ٍ
ن اللهِ ل ِكل أ َي ب ِآي َةٍ إ ِل ب ِإ ِذ ْ ِي َأت ِ َ
ب )(39 ْ ُ
م الك َِتا ِ أ ّ
) (4/468
جب َْير ،عن ابن عن ابن أبي ليلى ،عن المنهال بن عمرو ،عن سعيد بن ُ
عباس :يدبر أمر السنة ،فيمحو ما يشاء ،إل الشقاء والسعادة ،والحياة
ت { قال :كل شيء إل شاُء وَي ُث ْب ِ ُ ما ي َ َ ه َ حوا الل ّ ُ م ُوالموت .وفي رواية } :ي َ ْ
الحياة والموت ،والشقاء والسعادة فإنهما قد فرغ منهما.
ت { إل الحياة والموت ،والشقاء شاُء وَي ُث ْب ِ ُ ما ي َ َه َ حوا الل ّ ُ م ُوقال مجاهد } :ي َ ْ
والسعادة ،فإنهما ل يتغيران.
وقال منصور :سألت مجاهدا فقلت :أرأيت دعاء أحدنا يقول :اللهم ،إن
كان اسمي في السعداء فأثبته فيهم ،وإن كان في الشقياء فامحه عنهم
واجعله في السعداء .فقال :حسن .ثم لقيته بعد ذلك بحول أو أكثر ،فسألته
َ
فَرقُ ك ُ ّ
ل ن ِفيَها ي ُ ْ
من ْذِِري َ مَباَرك َةٍ إ ِّنا ك ُّنا ُ عن ذلك ،فقال } :إ ِّنا أنزل َْناهُ ِفي ل َي ْل َةٍ ُ
كيم ٍ { ]الدخان [4 ، 3 :قال :يقضي في ليلة القدر ما يكون في َ
ح ِ
مرٍ َ
أ ْ
سنة من رزق أو مصيبة ،ثم يقدم ما ) (1يشاء ويؤخر ما ) (2يشاء ،فأما ال ّ
كتاب الشقاوة ) (3والسعادة فهو ثابت ل ُيغير ).(4
قيق بن سلمة :إنه كان يكثر أن يدعو بهذا ش ِ وقال العمش ،عن أبي وائل َ
الدعاء :اللهم ،إن كنت كتبتنا أشقياء فامحه ،واكتبنا سعداء ،وإن كنت
كتبتنا سعداء فأثبتنا ،فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب .رواه ابن
جرير ).(5
وقال ابن جرير أيضا :حدثنا عمرو بن علي ،حدثنا معاذ بن هشام ،حدثني
أبي ،عن أبي حكيمة ) (6عصمة ،عن أبي عثمان الن ّْهدي ؛ أن عمر بن
الخطاب ،رضي الله عنه ،قال وهو يطوف بالبيت وهو يبكي :اللهم ،إن
كنت كتبت علي شقوة أو ذنًبا فامحه ،فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ،وعندك أم
الكتاب ،فاجعله سعادة ومغفرة(7) .
ذاء ،عن أبي قلبة عن ابن مسعود أنه كان يدعو وقال حماد عن خالد الح ّ
بهذا الدعاء أيضا.
ورواه شريك ،عن هلل بن حميد ،عن عبد الله بن عُك َْيم ،عن ابن مسعود ،
بمثله.
وقال ابن جرير :حدثني المثنى ،حدثنا حجاج ،حدثنا خصاف ،عن أبي حمزة
،عن إبراهيم ؛ أن كعبا قال لعمر بن الخطاب :يا أمير المؤمنين ،لول آية
في كتاب الله لنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة .قال :وما هي ؟ قال :
ُ
ب { ).(8 م ال ْك َِتا ِ
عن ْد َه ُ أ ّت وَ ِ شاُء وَي ُث ْب ِ ُ ما ي َ َ ه َ حوا الل ّ ُ م ُ
قول الله تعالى } :ي َ ْ
ومعنى هذه القوال :أن القدار ينسخ الله ما يشاء منها ،ويثبت منها ما
يشاء ،وقد يستأنس لهذا القول ) (9بما رواه المام أحمد :
__________
) (1في ت " :من".
) (2في ت " :من".
في ت " :الشقاء". )(3
رواه الطبري في تفسيره ).(16/480 )(4
رواه الطبري في تفسيره ).(16/481 )(5
في أ " :أبي حكيم". )(6
تفسير الطبري ).(16/481 )(7
تفسير الطبري ).(16/484 )(8
في أ " :القوال". )(9
) (4/469
كيع ،حدثنا سفيان ،وهو الثوري ،عن عبد الله بن عيسى ،عن عبد حدثنا وَ ِ
جْعد ،عن ث َوَْبان قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله بن أبي ال َ
در إل الدعاء ،ول يزيد ق َ
صيبه ،ول يرد ال َ "إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب ي ُ ِ
في العمر إل البر".
ورواه النسائي وابن ماجه ،من حديث سفيان الثوري ،به ).(1
وثبت في الصحيح أن صلة الرحم تزيد في العمر ) (2وفي الحديث الخر :
"إن الدعاء والقضاء ليعتلجان ) (3بين السماء والرض" ).(4
وقال ابن جرير :حدثني محمد بن سهل بن عسكر ،حدثنا عبد الرزاق ،
جَرْيج ،عن عطاء ،عن ابن عباس قال :إن لله لوحا محفوظا أخبرنا ابن ُ
مسيرة خمسمائة عام ،من درة بيضاء لها د َفَّتان من ياقوت -والدفتان :
لوحان -لله ،عز وجل ]كل يوم ثلثمائة[ ) (5وستون لحظة ،يمحو ما يشاء
ويثبت وعنده أم الكتاب(6) .
قرظي ،عن وقال الليث بن سعد ،عن زياد بن محمد ،عن محمد بن كعب ال ُ
ضالة بن عَُبيد ،عن أبي الدرداء قال :قال رسول الله صلى الله عليه فُ َ
وسلم ]" :إن الله[ ) (7يفتح الذكر في ثلث ساعات يبقين من الليل ،في
الساعة الولى منها ينظر في الذكر الذي ل ينظر فيه أحد غيره ،فيمحو ما
يشاء ويثبت" .وذكر تمام الحديث .رواه ابن جرير(8) .
ت { قال :يمحو من الرزق ويزيد شاُء وَي ُث ْب ِ ُ ما ي َ َه َحوا الل ّ ُ
م ُ
وقال الكلبي } :ي َ ْ
فيه ،ويمحو من الجل ويزيد فيه .فقيل له :من حدثك بهذا ؟ فقال :أبو
صالح ،عن جابر بن عبد الله بن رئاب ،عن النبي صلى الله عليه وسلم .ثم
سئل بعد ذلك عن هذه الية فقال :يكتب القول كله ،حتى إذا كان يوم
الخميس ،طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ول عقاب ،مثل قولك :أكلت
وشربت ،دخلت وخرجت ونحوه من الكلم ،وهو صادق ،ويثبت ما كان فيه
الثواب ،وعليه العقاب(9) .
رمة ،عن ابن عباس :الكتاب كتابان :فكتاب يمحو الله منه ما عك ْ ِوقال ِ
يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب.
عن ْد َهُ شاُء وَي ُث ْب ِ ُ
ت وَ ِ ما ي َ َ
ه َ ّ
حوا الل ُ م ُ
وقال العوفي ،عن ابن عباس في قوله } :ي َ ْ
ُ
ب { يقول :هو م ال ْك َِتا ِأ ّ
__________
) (1المسند ) (5/227وسنن ابن ماجة برقم ).(90
) (2صحيح مسلم برقم ) (2557من حديث أنس ولفظه " :من سره أن
يبسط عليه رزقه ،أو ينسأ في أثره ،فليصل رحمه".
) (3في ت ،أ " :ليتعلجان".
لم أعثر عليه بهذا اللفظ. )(4
زيادة من تفسير الطبري ،ومكانه في هـ ،ت ،أ " :ثلث". )(5
تفسير الطبري ).(16/489 )(6
زيادة من ت ،أ ،والطبري. )(7
تفسير الطبري ).(16/488 )(8
رواه الطبري في تفسيره ).(16/484 )(9
) (4/470
الرجل يعمل الزمان بطاعة الله ،ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضللة ،
فهو الذي يمحو -والذي يثبت :الرجل يعمل بمعصية الله ،وقد كان سبق له
خير حتى يموت وهو في طاعة الله ،وهو الذي يثبت.
شاُءن يَ َ م ْ ب َ شاُء وَي ُعَذ ّ ُ ن يَ َ م ْ فُر ل ِ َ جَبير :أنها بمعنى } :فَي َغْ ِ وروي عن سعيد بن ُ
ديٌر { ]البقرة .[284 : َ
يٍء ق ِ ش ْل َ ه عََلى ك ُ ّ َوالل ُ
ت{ ْ
شاُء وَي ُثب ِ ُ ما ي َ َ ه َ ّ
حوا الل ُ م ُ وقال علي بن أبي طلحة ،عن ابن عباس } :ي َ ْ
ب ْ ُ
م الك َِتا ِ عن ْد َه ُ أ ّ
يقول :يبدل ما يشاء فينسخه ،ويثبت ما يشاء فل يبدله } ،وَ ِ
{ يقول :وجملة ذلك عنده في أم الكتاب ،الناسخ ،والمنسوخ ،وما يبدل ،
وما يثبت كل ذلك في كتاب.
ن
م ْخ ِ س ْ ما ن َن ْ َت { كقوله } َ شاُء وَي ُث ْب ِ ُ ما ي َ َه َ حوا الل ّ ُ م ُ وقال قتادة في قوله } :ي َ ْ
مث ْل َِها { ]البقرة [106 : َ ْ َ
من َْها أوْ ِ خي ْرٍ ِ ت بِ َ سَها ن َأ ِ آي َةٍ أوْ ن ُن ْ ِ
ت{ شاُء وَي ُث ْب ِ ُ ما ي َ َه َ حوا الل ّ ُ م ُ جيح ،عن مجاهد في قوله } :ي َ ْ وقال ابن أبي ن َ ِ
ي ِبآي َةٍ ِإل ْ َ ما َ
ن ي َأت ِ َلأ ْ سو ٍ ن ل َِر ُ كا َ قال :قالت كفار قريش حين أنزلت } :وَ َ
ن الل ّهِ { ما نراك يا محمد تملك من شيء ،ولقد ُفرغ من المر .فأنزلت ب ِإ ِذ ْ ِ
دا لهم :إنا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا ، هذه الية تخويفا ،ووعي ً
ونحدث في كل رمضان ،فنمحو ونثبت ) (1ما نشاء من أرزاق الناس
ومصائبهم ،وما نعطيهم ،وما نقسم لهم.
شاُء { قال :من جاء أجله ، ما ي َ َه َ حوا الل ّ ُ م ُوقال الحسن البصري } :ي َ ْ
ي يجري إلى أجله. هب ،ويثبت الذي هو ح ّ فَذ َ َ
وقد اختار هذا القول أبو جعفر بن جرير ،رحمه الله.
ُ
ب { قال :الحلل والحرام. م ال ْك َِتا ِ عن ْد َه ُ أ ّ وقوله } :وَ ِ
وقال قتادة :أي جملة الكتاب وأصله.
ُ
ب { قال :كتاب عند رب العالمين. م ال ْك َِتا ِ عن ْد َه ُ أ ّ وقال الضحاك } :وَ ِ
سّيار ،عن ابن عباس ؛ سَنيد بن داود ،حدثني معتمر ،عن أبيه ،عن َ وقال ُ
قه ْ
خل ُ أنه سأل كعًبا عن "أم الكتاب" ،فقال :عَِلم الله ،ما هو خالق ،وما َ
عاملون ،ثم قال ) (2لعلمه " :كن كتابا" .فكانا ) (3كتابا.
ُ
ب { قال :الذكر ] ،والله م ال ْك َِتا ِ عن ْد َه ُ أ ّوقال ابن جرير ،عن ابن عباس } :وَ ِ
أعلم[(4) .
__________
) (1في ت ،أ " :فيمحو ويثبت".
) (2في ت ،أ " :فقال".
) (3في ت ،أ " :فكان".
) (4زيادة من أ.
) (4/471
ب
سا ُ
ح َك ال ْب ََلغ ُ وَعَل َي َْنا ال ْ ِما عَل َي ْ َ
ك فَإ ِن ّ َم أ َوْ ن َت َوَفّي َن ّ َ ذي ن َعِد ُهُ ْض ال ّ ِ ما ن ُرِي َن ّ َ
ك ب َعْ َ ن َ وَإ ِ ْ
ب َ ُ ّ ْ َ َ ْ ْ َ َ َ
ق َ معَ ّ
مل ُ حك ُ ه يَ ْ ن أطَرافَِها َوالل ُ م ْ صَها ِ ق ُ ض ن َن ْ ُم ي ََرْوا أّنا ن َأِتي الْر َ ) (40أوَل ْ
ب )(41 سا ِ
ح َ ْ
ريعُ ال ِ س ِمهِ وَهُوَ َ حك ْ ِلِ ُ
ك ال َْبلغ ُ وَعَل َي َْنا ما عَل َي ْ َ ك فَإ ِن ّ َ م أ َوْ ن َت َوَفّي َن ّ َ ذي ن َعِد ُهُ ْ ض ال ّ ِ ك ب َعْ َ ما ن ُرِي َن ّ َ ن َ } وَإ ِ ْ
ّ ْ َ ْ َ َ َ
مل حك ُ ُ ه يَ ْ ن أطَرافَِها َوالل ُ م ْ صَها ِ ق ُ ض ن َن ْ ُ م ي ََرْوا أّنا ن َأِتي الْر َ ب ) (40أوَل ْ سا ُ ح َ ال ْ ِ
ب ){ (41 سا ِ ح َ ريعُ ال ْ ِ س ِ مهِ وَهُوَ َ حك ْ ِ ب لِ ُ ق َ معَ ّ ُ
م{ ْ ُ ه ُ د ِ عَ ن ذي ِ ّ لا ض
َ ْ عَ ب } محمد يا { َ
ك ّ نَ ي ر ُ
َِ َ ِ ن ما نْ إ و } : لرسوله تعالى يقول
ك { ]أي[ ) أي :نعد أعداءك من الخزي ) (1والنكال في الدنيا } ،أ َوْ ن َت َوَفّي َن ّ َ
ك ال َْبلغُ { أي :إنما أرسلناك لتبلغهم رسالة الله ما عَل َي ْ َ (2قبل ذلك } ،فَإ ِن ّ َ
ب { أي :حسابهم وجزاؤهم ، سا ُ ح َ ْ َ
وقد بلغت ) (3ما أمرت به } ،وَعَلي َْنا ال ِ
ّ َ َ َ
ن ت َوَلى م ْ صي ْط ِرٍ ِإل َ م َ م بِ ُ ت عَلي ْهِ ْ س َ مذ َك ٌّر ل ْ ت ُ ما أن ْ َ كما قال تعالى } :فَذ َك ّْر إ ِن ّ َ
م{ ساب َهُ ْ ح َ ن عَل َي َْنا ِ م إِ ّ م ثُ ّ ن إ ِل َي َْنا إ َِياب َهُ ْ ب الك ْب ََر إ ِ ّ ذا َ ه ال ْعَ َ ه الل ّ ُ فَر فَي ُعَذ ّب ُ ُ وَك َ َ
]الغاشية .[26 - 21 :
ن أ َط َْرافَِها { قال ابن عباس : م ها ص ُ ق ن ن ض ر ال تي وقوله } :أ َول َم يروا أ َنا نأ ْ
ْ َ َْ ُ َ ِ ْ َ ْ ََ ْ ّ َ ِ
أو لم يروا أنا نفتح لمحمد الرض بعد الرض ؟
وقال في رواية :أو لم يروا إلى القرية تخرب ،حتى يكون العمران في
ناحية ؟
ْ َ
ن أطَرافَِها { قال :خرابها. م ْ صَها ِ ق ُ رمة } :ن َن ْ ُ عك ْ ِ وقال مجاهد و ِ
وقال الحسن والضحاك :هو ظهور المسلمين على المشركين.
وقال العوفي عن ابن عباس :نقصان أهلها وبركتها.
وقال مجاهد :نقصان النفس والثمرات وخراب الرض.
شك ،ولكن تنقص ح ّ وقال الشعبي :لو كانت الرض تنقص لضاق عليك ُ
رمة :لو كانت الرض تنقص لم تجد مكانا عك ْ ِ النفس والثمرات .وكذا قال ِ
تقعد فيه ،ولكن هو الموت.
وقال ابن عباس في رواية :خرابها بموت فقهائها وعلمائها وأهل الخير منها.
وكذا قال مجاهد أيضا :هو موت العلماء.
وفي هذا المعنى روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أحمد بن عبد العزيز
أبي القاسم المصري الواعظ ) (4سكن أصبهان ،حدثنا أبو محمد طلحة بن
أسد المرئي بدمشق ،أنشدنا أبو بكر الجرى بمكة قال :أنشدنا أحمد بن
غزال لنفسه :
ف... مت طر ُ َ عالم منها ي ُ ت َ م ْ مَتى ي ُ عاش عالمهاَ ... الرض تحَيا إذا ما َ
ف... َ
عاد في أكنافَها الت ّل ُ حل بها ...وإن أبى َ حَيا إذا ما الغيث َ كالرض ت ْ
__________
) (1في ت " :الحزن".
) (2زيادة من ت ،أ.
) (3في ت ،أ " :فعلت".
) (4لم أعثر على ترجمته في المخطوط من تاريخ دمشق ول في المختصر
لبن منظور.
) (4/472
س
ف ٍ ب كُ ّ
ل نَ ْ ما ت َك ْ ِ
س ُ ميًعا ي َعْل َ ُ
م َ ج ِ م فَل ِل ّهِ ال ْ َ
مك ُْر َ ن قَب ْل ِهِ ْ
م ْ ن ِ ذي َمك ََر ال ّ ِوَقَد ْ َ
دارِ )(42 قَبى ال ّ ن عُ ْ م ْ م ال ْك ُ ّ
فاُر ل ِ َ سي َعْل َ ُ
وَ َ
والقول الول أولى ،وهو ظهور السلم على الشرك قرية بعد قرية ] ،وك َ ْ
فًرا
ن ال ْ ُ فر ،كما قال تعالى } :ول َ َ َ
قَرى { ]الحقاف : م َ م ِ حوْل َك ُ ْ ما َ قد ْ أهْل َك َْنا َ َ بعد ك َ ْ
[27الية ،وهذا اختيار ابن جرير ،رحمه الله[ )(1
س
ف ٍ ل نَ ْبك ُّ س ُ ْ
ما ت َك ِ م َ ميًعا ي َعْل َ ُ ج ِمك ُْر َ م فَل ِل ّهِ ال ْ َ ن قَب ْل ِهِ ْ م ْ ن ِ ذي َ مك ََر ال ّ ِ } وَقَد ْ َ
دارِ ){ (42 قَبى ال ّ ن عُ ْ م ْ فاُر ل ِ َ م ال ْك ُ ّ سي َعْل َ ُ وَ َ
م { برسلهم ،وأرادوا إخراجهم من َ
ن قب ْل ِهِ ْ م ْ ن ِ ذي َ ّ
مكَر ال ِ َ َ
يقول } :وَقد ْ َ
بلدهم ،فمكر الله بهم ،وجعل العاقبة للمتقين ،كما قال تعالى } :وَإ ِذ ْ
همك ُُر الل ّ ُ ن وَي َ ْ مك ُُرو َ ك وَي َ ْ جو َ خرِ ُ ك أ َوْ ي ُ ْقت ُُلو َ ك أ َوْ ي َ ْ فُروا ل ِي ُث ْب ُِتو َ ن كَ َ ذي َ ك ال ّ ِ مك ُُر ب ِ َ يَ ْ
مك َْرَنا مك ًْرا وَ َ مك َُروا َ ن { ]النفال [30 :وقال تعالى } :وَ َ ري َ ماك ِ ِ خي ُْر ال ْ َ ه َ َوالل ّ ُ
َ ُ
م
مهُ ْ م وَقَوْ َ مْرَناهُ ْم أّنا د َ ّ مك ْرِهِ ْ ة َ عاقِب َ ُن َ كا َ ف َ ن َفان ْظْر ك َي ْ َ شعُُرو َ م ل يَ ْ مك ًْرا وَهُ ْ َ
موا { الية ]النمل .[52 - 50 : َ ل َ ظ ما ب ة ي و خا م ه ت يو ب َ
ك ْ ل ت َ ف ن عي م َ
ُ ِ َ ً َ ِ َ ُ ْ ُ ُ ُ ِ َ ِ أ َج
ْ
س { أي :إنه تعالى عالم بجميع السرائر ف ٍ ل نَ ْ ب كُ ّ س ُ ما ت َك ْ ِ م َ وقوله } :ي َعْل َ ُ
والضمائر ،وسيجزي كل عامل بعمله.
دارِ { أي :لمن تكون قَبى ال ّ ن عُ ْ م ْ فاُر { } ل ِ َ كافُِر { وقرئ } :الك ُ ّ م ال ْ َ سي َعْل َ ُ } وَ َ
الدائرة والعاقبة ،لهم أو لتباع الرسل ؟ كل بل هي لتباع الرسل في الدنيا
والخرة ،ولله الحمد والمنة.
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (4/473
عن ْد َهُ
ن ِ
م ْ دا ب َي ِْني وَب َي ْن َك ُ ْ
م وَ َ فى ِبالل ّهِ َ
شِهي ً سًل قُ ْ
ل كَ َ مْر َ
ت ُ فُروا ل َ ْ
س َ ن كَ َ
ذي َل ال ّ ِقو ُ وَي َ ُ
ب )(43 م ال ْك َِتا ِ
عل ْ ُ ِ
ن
م ْ
م وَ َدا ب َي ِْني وَب َي ْن َك ُ ْ
شِهي ًفى ِبالل ّهِ َ ل كَ َ
سل قُ ْ مْر َ ت ُ س َ فُروا ل َ ْ ن كَ َذي َ ل ال ّ ِ قو ُ } وَي َ ُ
ب ){ (43 ْ
م الك َِتا ِ ْ
عل ُ عن ْد َه ُ ِ
ِ
سل { أي :ما أرسلك الله مْر َ
ت ُ س َ َ
يقول :ويكذبك هؤلء الكفار ويقولون } :ل ْ
م { أي :حسبي الله ،وهو الشاهد علي دا ب َي ِْني وَب َي ْن َك ُ ْ شِهي ً فى ِبالل ّهِ َ ل كَ َ } ،قُ ْ
وعليكم ،شاهد علي فيما بلغت عنه من الرسالة ،وشاهد عليكم أيها
المكذبون فيما تفترونه من البهتان.
ب { قيل :نزلت في عبد الله بن سلم قاله م ال ْك َِتا ِ عل ْ ُعن ْد َه ُ ِن ِم ْ وقوله } :وَ َ
مجاهد.
وهذا القول غريب ؛ لن هذه الية مكية ،وعبد الله بن سلم إنما أسلم في
أول مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة .والظهر في هذا ما قاله
العوفي ،عن ابن عباس قال :هم من ) (1اليهود والنصارى.
وقال قتادة :منهم ابن سلم ،وسلمان ،وتميم الداري.
وقال مجاهد -في رواية -عنه :هو الله تعالى.
__________
) (1في ت " :في".
) (4/473
جب َْير ينكر أن يكون المراد بها عبد الله بن سلم ،ويقول : وكان سعيد بن ُ
ب" ،ويقول :من عند الله. م الكتا ُ هي مكية ،وكان يقرؤها " :ومن عنده عُل ِ َ
وكذا قرأها مجاهد والحسن البصري.
وقد روى ابن جرير من حديث ،هارون العور ،عن الزهري ،عن سالم ،
عن ابن عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها "" :ومن عنده
ب" ،ثم قال :ل أصل له من حديث الزهري عند الثقات(1) . م الكتا ُ عُل ِ َ
قلت :وقد رواه الحافظ أبو يعلى في مسنده ،من طريق هارون بن موسى
هذا ،عن سليمان بن أرقم -وهو ضعيف -عن الزهري ،عن سالم ،عن أبيه
مرفوعا كذلك .ول يثبت (2) .والله أعلم
عن ْد َه ُ { اسم جنس يشمل علماء أهل الكتاب ن ِ م ْ والصحيح في هذا :أن } وَ َ
الذين يجدون صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته في كتبهم المتقدمة ،
يٍءش ْ ل َ ت كُ ّ سعَ ْ مِتي وَ ِ ح َ من بشارات النبياء به ،كما قال تعالى } :وََر ْ
ّ فَ َ
ن
ن ي َت ّب ُِعو َذي َ ن ال ِ مُنو َ م ِبآَيات َِنا ي ُؤْ ِ ن هُ ْ ذي َ كاةَ َوال ّ ِ ن الّز َ ن وَي ُؤُْتو َ قو َ ن ي َت ّ ُ ذي َ سأك ْت ُب َُها ل ِل ّ ِ َ
ل{ ِ ِ جي ْ ن وال َ ِ ة را َْ وّ ت ال في ِ م
ْ ُ هَ دْ نعِ باً توُ ْ ك م
ُ َ هَ ن دوُ ج
ِ َ ي ذيِ ّ ل ا ي
ّ ّ م ال ي
ِ ّ بّ ن ال َ
ل سو ُ الّر
ه َ َ َ ُ َ َ
م ُ
ن ي َعْل َ ةأ ْ م آي َ ً ن لهُ ْ م ي َك ْ الية]العراف [157 ، 156 :وقال تعالى } :أوَل ْ
ل { الية ] :الشعراء .[197 :وأمثال ذلك مما فيه الخبار سَراِئي َ ماُء ب َِني إ ِ ْ عُل َ َ
عن علماء بني إسرائيل :أنهم يعلمون ذلك من كتبهم المنزلة .وقد ورد في
حديث الحبار ،عن عبد الله بن سلم بأنه أسلم بمكة قبل الهجرة .قال
الحافظ أبو نعيم الصبهاني في كتاب "دلئل النبوة" ،وهو كتاب جليل :
حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني ،حدثنا عَْبدان بن أحمد ،حدثنا محمد بن
مصفى ،حدثنا الوليد بن مسلم ،عن محمد بن حمزة بن يوسف ،بن عبد
الله بن سلم ،عن أبيه ،أن عبد الله بن سلم قال لحبار اليهود :إني أردت
جدد ) (3بمسجد أبينا إبراهيم وإسماعيل عهدا ) (4فانطلق إلى رسول أن أ َ
الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ،فوافاهم وقد انصرفوا من الحج ،
فوجد رسول الله ،بمنى ،والناس حوله ،فقام مع الناس ،فلما نظر إليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " :أنت عبد الله بن سلم ؟" قال :
قلت :نعم .قال " :ادن" .فدنوت منه ،قال " :أنشدك بالله يا عبد الله بن
سلم ،أما تجدني في التوراة رسول الله ؟" فقلت له :انعت ربنا .قال :
فجاء جبريل حتى وقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له :
َ ل هُو الل ّ َ
حد ٌ { وا أ َ ف ً ه كُ ُ ن لَ ُ م ي َك ُ ْ م ُيول َد ْ وَل َ ْ م ي َل ِد ْ وَل َ ْ مد ُ ل َ ْ ص َ ه ال ّ حد ٌ الل ّ ُ هأ َ ُ } قُ ْ َ
]سورة الخلص[ فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن
سلم :أشهد أن ل إله إل الله ،وأنك رسول الله .ثم انصرف ابن سلم إلى
المدينة فكتم إسلمه .فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
دها ،فألقيت نفسي ،فقالت ج ّ المدينة وأنا فوق نخلة لي أ ُ
__________
) (1تفسير الطبري ).(16/506
) (2مسند أبي يعلى ) (9/424وقد وقع فيه " :عبد الرحيم بن موسى" بدل
من "هارون بن موسى".
) (3في هـ ،ت ،أ " :أحدث" والمثبت من دلئل النبوة.
) (4في هـ ،ت ،أ" .عيدا" والمثبت من دلئل النبوة.
) (4/474
أمي ] :لله[ ) (1أنت ،لو كان موسى بن عمران ما كان لك أن تلقي نفسك
من رأس النخلة .فقلت :والله لني أسر بقدوم رسول الله صلى الله عليه
وسلم من موسى بن عمران إذ ُبعث(2) .
وهذا حديث غريب جدا.
__________
) (1زيادة من ت ،أ ،والدلئل.
) (2دلئل النبوة ) (1/125وهو في المعجم الكبير برقم )" (372القطعة
المفقودة" وأعله الهيثمي بالنقطاع.
) (4/475
) (4/476
َ
دي ن يَ َ
شاُء وَي َهْ ِ م ْ ل الل ّ ُ
ه َ ن ل َهُ ْ
م فَي ُ ِ
ض ّ ن قَوْ ِ
مهِ ل ِي ُب َي ّ َ ل إ ِّل ب ِل ِ َ
سا ِ سو ٍ
ن َر ُ م ْسل َْنا ِ
ما أْر َوَ َ
م )(4 كي ُ ح ِ ْ
زيُز ال َ ْ
شاُء وَهُوَ العَ ِ ن يَ َ
م َْ
وكذبوك.
ثم وصفهم بأنهم يستحبون الحياة الدنيا على الخرة ،أي :يقدمونها
سوا الخرة ،وتركوها وراء ظهورهم ، وُيؤثرونها عليها ،ويعملون للدنيا ون َ ُ
جا { أي : عو َ ً ل الل ّهِ { وهي اتباع الرسل } وَي َب ُْغون ََها ِ سِبي ِ ن َ ن عَ ْ دو َ ص ّ} وَي َ ُ
جا مائلة عائلة ) (1وهي مستقيمة في ويحبون أن تكون سبيل الله عو ً
نفسها ،ل يضرها من خالفها ول من خذلها ،فهم ) (2في ابتغائهم ذلك في
جهل وضلل بعيد من الحق ،ل يرجى لهم -والحالة هذه -صلح.
َ
شاُءن يَ َ
م ْه َ ل الل ّ ُض ّم فَي ُ ِ ن ل َهُ ْ مهِ ل ِي ُب َي ّ َن قَوْ ِ سا ِ ل ِإل ب ِل ِ َ سو ٍ ن َر ُ م ْ سل َْنا ِ ما أْر َ } وَ َ
م ){ (4 كي ُ ح ِ ْ
زيُز ال َ ْ
شاُء وَهُوَ العَ ِ ن يَ َ م ْدي َ وَي َهْ ِ
هذا من لطفه تعالى بخلقه :أنه يرسل إليهم رسل ) (3منهم بلغاتهم ليفهموا
عنهم ما يريدون وما أرسلوا به إليهم ،كما قال المام أحمد :
حدثنا وكيع ،عن عمر ) (4بن ذر قال :قال مجاهد :عن أبي ذر قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :لم يبعث الله ،عز وجل ،نبيا إل بلغة
قومه" ).(5
شاُء { أي :بعد البيان وإقامة ن يَ َ م ْدي َ شاُء وَي َهْ ِ ن يَ َ م ْه َ ل الل ّ ُ ض ّ وقوله } :فَي ُ ِ
الحجة عليهم يضل تعالى من يشاء عن وجه الهدى ،ويهدي من يشاء إلى
زيُز { الذي ما شاء كان ،وما لم يشأ لم يكن } ،الحكيم { الحق } ،وَهُوَ ال ْعَ ِ
في أفعاله ،فيضل من يستحق الضلل ،ويهدي من هو أهل لذلك.
وقد كانت هذه سنة الله في خلقه :أنه ما بعث نبيا في أمة إل أن يكون
بلغتهم ،فاختص كل نبي بإبلغ رسالته إلى أمته دون غيرهم ،واختص محمد
بن عبد الله رسول الله بعموم الرسالة إلى سائر الناس ،كما ثبت في
الصحيحين عن جابر قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :أعطيت
ت بالرعب مسيرة شهر ، صْر ُ سا لم ُيعط َُهن أحد من النبياء قبلي :ن ُ ِ خم ً
دا وطُهوًرا ،وأحلت لي الغنائم ولم تحل لحد قبلي ، ّ َ وجعلت لي الرض مسج ً
وأعطيت الشفاعة ،وكان النبي يبعث إلى قومه ،وبعثت إلى الناس عامة" )
.(6
سو ُ
ل ر ني إ س ناال ها يل يا أ َ ْ ُ ق } : تعالى وقال ، كثيرة وجوه من شواهد وله
ّ ُ ِّ َ ُ َ َّ
ميًعا { ]العراف .[158 : ج ِ
م َ الل ّهِ إ ِل َي ْك ُ ْ
__________
) (1عائلة :أي جائزة.
) (2في ت " :ففهم".
) (3في أ " :رسول".
) (4في أ " :عمرو".
) (5المسند ) (5/158ومجاهد لم يسمع من أبي ذر.
) (6صحيح البخاري برقم ) (335وصحيح مسلم برقم ).(521
) (4/477
) (4/478
م َ َ
ن
ل فِْرعَوْ َ نآ ِ م ِ ْ جاك ُ ْ م إ ِذ ْ أن ْ َ ة الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ م َمهِ اذ ْك ُُروا ن ِعْ َ قو ْ ِ
سى ل ِ َ مو َ ل ُ وَإ ِذ ْ َقا َ
م ب ََلٌء َ سوَء ال ْعَ َ
م وَِفي ذ َل ِك ُ ْ ساَءك ُ ْ ن نِ َ حُيو َ ست َ ْم وَي َ ْ ن أب َْناَءك ُ ْ حو َ ب وَي ُذ َب ّ ُ ذا ِ م ُ مون َك ُ ْ سو ُ يَ ُ
ن كَ َ َ َ َ َ َ
ن
م إِ ّ فْرت ُ ْ م وَلئ ِ ْ م لِزيد َن ّك ُ ْ شك َْرت ُ ْ ن َ م لئ ِ ْ ن َرب ّك ُ ْ م ) (6وَإ ِذ ْ ت َأذ ّ َ ظي ٌ
م عَ ِ ن َرب ّك ُ ْم ْ ِ
َ ْ َ ن ت َك ْ ُ َ
ميًعا فَإ ِ ّ
ن ج ِض َ ن ِفي الْر ِ م ْ م وَ َ فُروا أن ْت ُ ْ سى إ ِ ْ مو َ ل ُديد ٌ ) (7وََقا َ ش ِ ذاِبي ل َ عَ َ
ميد ٌ )(8 ح ِي َ ه لغَن ِ َّ الل ّ َ
َ
نل فِْرعَوْ َ نآ ِ م ْ م ِ جاك ُ ْ م إ ِذ ْ أن ْ َ ة الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ م َ مهِ اذ ْك ُُروا ن ِعْ َ قو ْ ِ سى ل ِ َ مو َ ل ُ } وَإ ِذ ْ َقا َ
َ سوَء ال ْعَ َ
م َبلٌء م وَِفي ذ َل ِك ُ ْ ساَءك ُ ْ ن نِ َ حُيو َ ست َ ْم وَي َ ْ ن أب َْناَءك ُ ْ حو َ ب وَي ُذ َب ّ ُ ذا ِ م ُ مون َك ُ ْ سو ُ يَ ُ
َ
ن
م إِ ّ فْرت ُ ْ ن كَ َ م وَل َئ ِ ْ م لِزيد َن ّك ُ ْ شك َْرت ُ ْ ن َ م ل َئ ِ ْ ن َرب ّك ُ ْ م ) (6وَإ ِذ ْ ت َأذ ّ َ ظي ٌ م عَ ِ ن َرب ّك ُ ْ م ْ ِ
ن إ َ ف عا مي ج ض ر ال في ن م و م ت نَ أ روا ُ ف ْ ك ت ن إ سى مو َ
ل َ
قا و ( 7 ) د دي ش َ َ ل بي ذاَ َ ع
ِ ّ ِ
ْ ِ َ ً ِ ْ َ َ ْ ُ ْ ُ َ ِ ْ ُ َ َ ٌ ِ ِ
ميد ٌ ){ (8 ح ِ ي َ ّ ِ نَ غ َ ل الل ّ َ
ه
كر قومه بأيام الله عندهم ونعمه يقول تعالى مخبرا عن موسى ،حين ذ َ ّ
عليهم ،إذ أنجاهم من آل فرعون ،وما كانوا يسومونهم به من العذاب
والذلل ،حين ) (1كانوا يذبحون من وجد من أبنائهم ،ويتركون إناثهم فأنقذ
الله بني إسرائيل من ذلك ،وهذه نعمة عظيمة ؛ ولهذا قال } :وَِفي ذ َل ِك ُ ْ
م
م { أي :نعمة عظيمة منه عليكم في ذلك ،أنتم عاجزون ظي ٌ م عَ ِ ن َرب ّك ُ ْ م ْ َبلٌء ِ
عن القيام بشكرها.
وقيل :وفيما كان يصنعه بكم قوم فرعون من تلك الفاعيل } بلء { أي :
اختبار عظيم .ويحتمل أن يكون المراد هذا وهذا ،والله أعلم ،كما قال تعالى
ن { ]العراف .[168 : جُعو َ م ي َْر ِ ت ل َعَل ّهُ ْ سي َّئا ِ ت َوال ّ سَنا ِ ح َ م ِبال ْ َ } :وَب َل َوَْناهُ ْ
َ
م { أي :آذنكم وأعلمكم بوعده لكم .ويحتمل أن ن َرب ّك ُ ْ وقوله } :وَإ ِذ ْ ت َأذ ّ َ
يكون المعنى :وإذ أقسم ربكم وآلى بعزته وجلله وكبريائه كما قال } :وَإ ِذ ْ
سوَء ال ْعَ َ َ
ب [ ){ (2 ذا ِ م ُ مهُ ْ سو ُ ن يَ ُ م ْ مةِ ] َ قَيا َ م إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ ن عَل َي ْهِ ْ ك ل َي َب ْعَث َ ّ ن َرب ّ َ ت َأذ ّ َ
]العراف .[167 :
م { ) (4أي :لئن شكرتم نعمتي ) (5عليكم م لِزيد َن ّك ُ ْ شك َْرت ُ ْ ن َ وقوله ) } (3ل َئ ِ ْ
م { أي :كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها ، فْرت ُ ْ ن كَ َ لزيدنكم منها } ،وَل َئ ِ ْ
ديد ٌ { وذلك بسلبها عنهم ،وعقابه إياهم على كفرها. ش ِ ذاِبي ل َ َ ن عَ َ } إِ ّ
وقد جاء في الحديث " :إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" ).(6
مّر به سائل فأعطاه وفي المسند :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم َ
خطها ولم يقبلها ،ثم مر به آخر فأعطاه إياها ،فقبلها وقال : س ّ تمرة ،فَت َ َ
تمرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فأمر له بأربعين درهما ،أو كما
قال.
صيدلني ،عن ثابت ،عن ّ ال عمارة حدثنا ، أسود حدثنا : أحمد المام قال
أنس قال :أتى النبي صلى الله عليه وسلم سائل فأمر له بتمرة فلم يأخذها
-أو :وحش بها -قال :وأتاه آخر فأمر له بتمرة ،فقال :سبحان الله! تمرة
من رسول الله صلى الله عليه وسلم .فقال للجارية " :اذهبي إلى أم سلمة ،
فأعطيه الربعين درهما التي
__________
) (1في ت ،أ " :حيث".
) (2زيادة من ت ،أ.
) (3في ت ،أ " :وقال ها هنا".
) (4في ت ،أ " :وإذ تأذن ربكم لئن".
) (5في ت " :نعمة الله".
) (6رواه أحمد في المسند ) (5/80وابن ماجة في السنن برقم ) (90من
حديث ثوبان رضي الله عنه ،وحسنه العراقي كما في الزوائد للبوصيري )
.(1/61
) (4/479
عندها".
تفرد به المام أحمد ).(1
وعمارة بن زاذان وثقه ابن حّبان ،وأحمد ،ويعقوب بن سفيان ) (2وقال ابن
عة :ل بأس به .وقال أبو حاتم :يكتب حديثه ول معين :صالح .وقال أبو ُزْر َ
يحتج به ،ليس بالمتين .وقال البخاري :ربما يضطرب في حديثه .وعن أحمد
أيضا أنه قال :روي عنه أحاديث منكرة .وقال أبو داود :ليس بذاك .وضعفه
الدارقطني ،وقال ابن عدي :ل بأس به ممن يكتب حديثه.
هّ َ َ ن ت َك ْ ُ وقوله تعالى } :وََقا َ
ن الل َ ميًعا فإ ِ ّ ج ِض َن ِفي الْر ِ م ْ م وَ َ فُروا أن ْت ُ ْ سى إ ِ ْ مو َ ل ُ
ميد ٌ { أي :هو غني عن شكر عباده ،وهو الحميد المحمود ،وإن ح ِ ي َ ل َغَن ِ ّ
ضى م َول ي َْر َ ي عَن ْك ُ ْ ه غَن ِ ّن الل ّ َ فُروا فَإ ِ ّ ن ت َك ْ ُ كفره من كفره ،كما قال } :إ ِ ْ
فُروا م { ]الزمر [7 :وقال تعالى } :فَك َ َ ه ل َك ُ ْ ض ُ شك ُُروا ي َْر َ ن تَ ْ فَر وَإ ِ ْ ل ِعَِبادِهِ ال ْك ُ ْ
ميد ٌ { ]التغابن .[6 : ح ِي َ ه غَن ِ ّ ه َوالل ّ ُ ست َغَْنى الل ّ ُ وا َوا ْ وَت َوَل ّ ْ
وفي صحيح مسلم ،عن أبي ذر ،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما
يرويه عن ربه ،عز وجل ،أنه قال " :يا عبادي ،لو أن أولكم وآخركم ،
وإنسكم وجنكم ،كانوا على أتقى قلب رجل منكم ،ما زاد ذلك في ملكي
شيئا .يا عبادي ،لو أن أولكم وآخركم ،وإنسكم وجنكم ،كانوا على أفجر
قلب رجل منكم ،ما نقص ذلك في ) (3ملكي شيئا .يا عبادي ،لو أن أولكم
وآخركم ،وإنسكم وجنكم ،قاموا في صعيد واحد ،فسألوني ،فأعطيت كل
خَيط إذا قص الم ْ إنسان مسألته ،ما نقص ذلك من ملكي شيًئا ،إل كما ين ُ
أدخل في البحر" .فسبحانه وتعالى الغني الحميد ).(4
ّ ُ ْ َ
مل ن ب َعْدِهِ ْم ْن ِ ذي َ مود َ َوال ِ عاد ٍ وَث َ ُ م قَوْم ِ ُنوٍح وَ َ ن قَب ْل ِك ُ ْ م ْ ن ِ ذي َ م ن َب َأ ال ّ ِ م ي َأت ِك ُ ْ } أل َ ْ
م وََقاُلوا إ ِّنا َ َ
م ِفي أفْ َ
واهِهِ ْ ت فََرّدوا أي ْدِي َهُ ْ م ِبال ْب َي َّنا ِ سل ُهُ ْ م ُر ُ جاَءت ْهُ ْ ه َ م ِإل الل ّ ُ مهُ ْ ي َعْل َ ُ
ُ
ب ){ (9 ري ٍ م ِعون ََنا إ ِل َي ْهِ ُ ما ت َد ْ ُم ّ ك ِ ش ّ في َ م ب ِهِ وَإ ِّنا ل َ ِ سل ْت ُ ْ ما أْر ِ فْرَنا ب ِ َ كَ َ
قال ابن جرير :هذا من تمام قيل ) (5موسى لقومه ).(6
يعني :وتذكاره إياهم بأيام الله ،بانتقامه من المم المكذبة للرسل.
وفيما قال ) (7ابن جرير نظر ؛ والظاهر أنه خبر مستأنف من الله تعالى لهذه
المة ،فإنه قد قيل :
__________
المسند ).(3/154 )(1
في ت " :أحمد ويعقوب بن سفيان وابن حبان". )(2
في ت ،أ " :من". )(3
صحيح مسلم برقم ).(2577 )(4
في أ " :قول". )(5
تفسير الطبري ).(16/529 )(6
في ت ،أ " :قاله". )(7
) (4/480
إن قصة عاد وثمود ليست في التوراة ،فلو كان هذا من كلم موسى لقومه
صه عليهم ذلك فل شك ) (1أن تكون هاتان القصتان في "التوراة" ،والله وق َ َ
أعلم .وبالجملة فالله تعالى قد قص علينا خبر قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم
من المم المكذبة للرسل ،مما ل يحصي عددهم ) (2إل الله عز وجل أتتهم
رسلهم بالبينات ،أي :بالحجج والدلئل الواضحات الباهرات القاطعات.
وقال ابن ) (3إسحاق ،عن عمرو بن ميمون ،عن عبد الله أنه قال في قوله
ه { كذب النسابون. م ِإل الل ّ ُ مهُ ْ } :ل ي َعْل َ ُ
وقال عروة بن الزبير :ما وجدنا أحدا يعرف ما بعد معد بن عدنان.
َ َ
م { اختلف المفسرون في معناه ،فقيل : واهِهِ ْ م ِفي أفْ َ وقوله } :فََرّدوا أي ْدِي َهُ ْ
معناه :أنهم أشاروا إلى أفواه الرسل يأمرونهم ) (4بالسكوت عنهم ،لما
دعوهم إلى الله ،عز وجل.
وقيل :بل وضعوا أيديهم على أفواههم تكذيًبا لهم.
وقيل :بل هو عبارة عن سكوتهم عن جواب الرسل.
وقال مجاهد ،ومحمد بن كعب ،وقتادة :معناه :أنهم كذبوهم وردوا عليهم
قولهم بأفواههم.
قال ابن جرير :وتوجيهه ) (5أن "في" ها هنا بمعنى "الباء" ،قال :وقد سمع
من العرب " :أدخلك الله بالجنة" يعنون :في الجنة ،وقال الشاعر :
َ
غب... ت أْر َ س ُسْنبس ل َ ْ عن ِ هطهَ ... ط ور ْ عن َلقي ٍ ب ِفيَها َ وَأْرغَ ُ
يريد :أرغب بها ).(6
ما
فْرَنا ب ِ َ َ ُ َ
قلت :ويؤيد قول مجاهد تفسير ذلك بتمام الكلم } :وَقالوا إ ِّنا ك َ
ُ
ب { فكأن هذا ]والله أعلم[ ) ري ٍ م ِعون ََنا إ ِل َي ْهِ ُما ت َد ْ ُ م ّك ِ ش ّفي َ م ب ِهِ وَإ ِّنا ل َ ِ سل ْت ُ ْ
أْر ِ
(7تفسير لمعنى َرد ّ أيديهم في أفواههم.
وقال سفيان الثوري ،وإسرائيل ،عن أبي إسحاق عن أبي الحوص ،عن
َ َ
م { قال :عضوا عليها غيظا. واهِهِ ْ م ِفي أفْ َ عبد الله في قوله } :فََرّدوا أي ْدِي َهُ ْ
وقال شعبة ،عن أبي إسحاق ،أبي هَُبي َْرة ابن مريم ،عن عبد الله أنه قال
ذلك أيضا .وقد اختاره عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ،ووجهه ابن جرير
ن
م َل ِ م َم الَنا ِ ضوا عَل َي ْك ُ ُ وا عَ ّخل َ ْ
مختاًرا له ،بقوله تعالى عن المنافقين } :وَإ َِذا َ
ظ { ]آل عمران .[119 : ال ْغَي ْ ِ
عجبوا ،ورجعوا وقال العوفي ،عن ابن عباس :لما سمعوا كتاب ) (8الله َ
بأيديهم إلى أفواههم.
__________
) (1في ت ،أ " :لوشك".
) (2في ت ،أ " :عدده".
في ت " :أبو". )(3
في ت " :يأمروهم". )(4
في ت " :ويوجهه" )(5
تفسير الطبري ).(16/534 )(6
زيادة من ت ،أ. )(7
في ت " :كلم". )(8
) (4/481
ن
م ْ فَر ل َك ُ ْ
م ِ م ل ِي َغْ ِعوك ُ ْ ض ي َد ْ ُ َْ
ت َ َوالْر ِ ماَوا ِ ك َفاط ِرِ ال ّ
س َ ش ّ م أ َِفي الل ّهِ َ سل ُهُ ْت ُر ُ َقال َ ْ
َ َ
ننأ ْ دو َري ُ مث ْل َُنا ت ُ ِ
شٌر ِ م إ ِّل ب َ َن أن ْت ُ ْمى َقاُلوا إ ِ ْ س ّ
م َ
ْ
ل ُ ج ٍم إ َِلى أ َ خَرك ُ ْم وَي ُؤَ ّذ ُُنوب ِك ُ ْ
سل ْ َ َ ما َ
ن )(10 مِبي ٍ ن ُ طا ٍ ن ي َعْب ُد ُ آَباؤَُنا فَأُتوَنا ب ِ ُكا َ دوَنا عَ ّ ص ّتَ ُ
ُ
ب{ ري ٍ
م ِعون ََنا إ ِل َي ْهِ ُما ت َد ْ ُم ّ ك ِ ش ّ في َ م ب ِهِ وَإ ِّنا ل َ ِ
سل ْت ُ ْ
ما أْر ِ وقالوا } :إ ِّنا ك َ َ
فْرَنا ب ِ َ
يقولون :ل نصدقكم فيما جئتم به ؛ فإن عندنا فيه شكا قويا.
م َ
فَر لك ُ ْ عوك ُ ْ
م ل ِي َغْ ِ ض ي َد ْ ُ ِ ت َوالْر ماَوا ِس َ ك َفاط ِرِ ال ّ ش ّ م أ َِفي الل ّهِ َ سل ُهُ ْت ُر ُ } َقال َ ْ
شر مث ْل ُنا تريدو َ خرك ُم إَلى أ َجل مسمى َقاُلوا إ َ
ن
نأ ْ م ِإل ب َ َ ٌ ِ َ ُ ِ ُ َ ن أن ْت ُ ِْ ْ َ ٍ ُ َ ّ م وَي ُؤَ ّ َ ْ ِ ن ذ ُُنوب ِك ُ ْم ِْ
َ ْ ْ َ
ن ){ (10 مِبي ٍ ن ُسلطا ٍ ن ي َعْب ُد ُ آَباؤَُنا فَأُتوَنا ب ِ ُما كا َ دوَنا عَ ّ ص ّتَ ُ
) (4/482
ن
م ْ
شاُء ِن يَ َم ْ ن عََلى َ م ّ ن الل ّ َ
ه يَ ُ م وَل َك ِ ّ مث ْل ُك ُ ْ
شٌر ِ ن إ ِّل ب َ َ ح ُ ن نَ ْ م إِ ْ سل ُهُ ْم ُر ُت ل َهُ ْ َقال َ ْ
ْ َ
ن الل ّهِ وَعََلى الل ّهِ فَل ْي َت َوَك ّ ِ
ل ن إ ِّل ب ِإ ِذ ْ ِ طا ٍ سل ْ َ م بِ ُ ن ن َأت ِي َك ُ ْ ن ل ََنا أ ْ كا َ ما َعَبادِهِ وَ َ ِ
َ َ َ َ ّ َ َ ّ ّ َ َ ْ
ما
ن عَلى َ صب َِر ّ سب ُلَنا وَلن َ ْ داَنا ُ ما لَنا أل ن َت َوَكل عَلى اللهِ وَقد ْ هَ َ ن ) (11وَ َ مُنو َ مؤ ْ ِ ال ُ
ُ ّ ْ ّ ْ َ ّ َ َ
ن )(12 مت َوَكلو َ ل ال ُ موَنا وَعَلى اللهِ فلي َت َوَك ِ آذ َي ْت ُ ُ
) (4/482
م { أي :صحيح أنا بشر مثلكم مث ْل ُك ُ ْشٌر ِ ن ِإل ب َ َ ح ُ ن نَ ْ قالت لهم رسلهم } :إ ِ ْ
عَبادِهِ { أي :بالرسالة ن ِ م ْ شاُء ِ ن يَ َ م ْن عََلى َ م ّ ه يَ ُ ن الل ّ َ في البشرية } وَل َك ِ ّ
سل ْ َ ْ َ
نن { على وفق ما سألتم } ِإل ب ِإ ِذ ْ ِ طا ٍ م بِ ُ ن ن َأت ِي َك ُ ْ ن ل ََنا أ ْ كا َ ما َ والنبوة } وَ َ
الل ّهِ { أي :بعد سؤالنا إياه ،وإذنه لنا في ذلك } ،وَعََلى الل ّهِ فَل ْي َت َوَك ّ ِ
ل
ن { أي :في جميع أمورهم. مُنو َ مؤ ْ ِ ال ْ ُ
ل عََلى الل ّهِ { أي :وما يمنعنا من التوكل ما ل ََنا َأل ن َت َوَك ّ َ ثم قالت الرسل } :وَ َ
موَنا ما آذ َي ْت ُ ُ ن عَلى َ َ صب َِر ّ َ
عليه ،وقد هدانا لقوم الطرق وأوضحها وأبينها } ،وَلن َ ْ
ل{ أي :من الكلم السيئ ،والفعال السخيفة } ،وَعََلى اللهِ فَلي َت َوَك ِ
ّ ْ ّ
ن{ مت َوَك ُّلو َ ال ْ ُ
مل ّت َِنا َ َ
ن ِفي ِ ضَنا أوْ ل َت َُعود ُ ّ ن أْر ِ م ْ م ِ جن ّك ُ ْ خرِ َ م ل َن ُ ْ سل ِهِ ْ فُروا ل ُِر ُ ن كَ َ ذي َ ل ال ّ ِ } وََقا َ
م ذ َل ِكَ ُ َ ّ َ َ َ َ
ن ب َعْدِهِ ْ م ْ ض ِ م الْر َ سك ِن َن ّك ُ ن ) (13وَلن ُ ْ مي َ ن الظال ِ ِ م لن ُهْل ِك ّ م َرب ّهُ ْ حى إ ِلي ْهِ ْ فَأوْ َ
جّبارٍ عَِنيد ٍ )(15 ل َ ب كُ ّ خا َ حوا وَ َ فت َ ُ ست َ ْعيد ِ )َ (14وا ْ ف وَ ِ خا َ مي وَ َ قا ِ م َ ف َ خا َ ن َ م ْ لِ َ
ه ْ َ
ه وَي َأِتي ِ سيغُ ُ ه َول ي َكاد ُ ي ُ ِ جّرعُ ُ ديد ٍ ) (16ي َت َ َ ص ِ ماٍء َ ن َ م ْ قى ِ س َ م وَي ُ ْ جهَن ّ ُ ن وََرائ ِهِ َ م ْ ِ
ظ ){ (17 ب غَِلي ٌ ٌ َ
ذا ع ه ئرا و ن م
َ ٍ َ َ ُ َ ِ َ ّ ٍ َ ِ ْ ََ ِ ِ َ و ت ي م ب و ه ما و ن َ
كا م لّ ُ ك ن
ا َ ْ ُ ِ ْ
م ت و م ْ ل
يخبر تعالى عما توعدت به المم الكافرة رسلهم ،من الخراج من أرضهم ،
جن ّ َ
ك خرِ َ والنفي من بين أظهرهم ،كما قال قوم شعيب له ولمن آمن به } :ل َن ُ ْ
مل ّت َِنا { ]العراف [88 : َ
ن ِفي ِ ن قَْري َت َِنا أوْ ل َت َُعود ُ ّ م ْ ك ِ معَ َ مُنوا َ نآ َ ذي َ ب َوال ّ ِ شعَي ْ ُ َيا ُ
َ ُ ُ َ
ن{ س ي َت َطهُّرو َ م أَنا ٌ م إ ِن ّهُ ْ ن قَْري َت ِك ُ ْ م ْ ط ِ ل لو ٍ جوا آ َ خرِ ُ ،وقال قوم لوط } :أ ْ
كاُدوا ن َ ]النمل ، [56 :وقال تعالى إخبارا عن مشركي قريش } :وَإ ِ ْ
ك ِإل قَِليل { خلفَ َ ن ِ من َْها وَإ ًِذا ل ي َل ْب َُثو َ ك ِ جو َ خرِ ُ ض ل ِي ُ ْ ن الْر ِ م َ ك ِ فّزون َ َ ست َ ِ ل َي َ ْ
قت ُُلو َ َ
ك ك أوْ ي َ ْ فُروا ل ِي ُث ْب ُِتو َ ن كَ َ ذي َ ك ال ّ ِ مك ُُر ب ِ َ ]السراء ، [76 :وقال تعالى } :وَإ ِذ ْ ي َ ْ
ن { ]النفال .[30 : ري َ ماك ِ ِ ْ
خي ُْر ال َ ه َ ه َوالل ّ ُ مك ُُر الل ّ ُ ن وَي َ ْ مك ُُرو َ ك وَي َ ْ جو َ خرِ ُ أ َوْ ي ُ ْ
وكان ) (1من صنعه تعالى :أنه أظهر رسوله ونصره ،وجعل له بسبب
خروجه من مكة أنصاًرا وأعواًنا وجندا ،يقاتلون في سبيل الله ،ولم يزل
يرقيه ]الله[ ) (2تعالى من شيء إلى شيء ،حتى فتح له مكة التي أخرجته ،
ومكن له فيها ،وأرغم آناف أعدائه منهم ،و]من[ ) (3سائر ]أهل[ )(4
الرض ،حتى دخل الناس في دين الله أفواجا ،وظهرت كلمة الله ودينه على
سائر الديان ،في مشارق الرض ومغاربها في أيسر زمان ؛ ولهذا قال تعالى
َ
م { كما ن ب َعْدِهِ ْ م ْ ض ِ م الْر َ سك ِن َن ّك ُ ُن وَل َن ُ ْمي َ ن ال ّ
ظال ِ ِ م ل َن ُهْل ِك َ ّ م َرب ّهُ ْ حى إ ِل َي ْهِ ْ } :فَأوْ َ
نصوُرو َ من ْ ُم ال ْ َ م ل َهُ ُ
ن إ ِن ّهُ ْ سِلي َ مْر َ مت َُنا ل ِعَِبادَِنا ال ْ ُ ت ك َل ِ َ ق ْ سب َ َ قد ْ َ قال تعالى } :وَل َ َ
بن { ]الصافات ، [173 - 171 :وقال تعالى } :ك َت َ َ م ال َْغال ُِبو َ جن ْد ََنا ل َهُ ُ ن ُ وَإ ِ ّ
ّ َ
زيٌز { ]المجادلة ، [21 :وقال : ه قَوِيّ ) (َ 5عَ ِ ن الل َ سِلي إ ِ ّ ن أَنا وَُر ُ ْ
ه لغل ِب َ ّ الل ّ ُ
ن{ حو َ صال ِ ُ
عَبادِيَ ال ّ ض ي َرِث َُها ِ ن الْر َ ن ب َعْدِ الذ ّك ْرِ أ ّ م ْ قد ْ ك َت َب َْنا ِفي الّزُبورِ ِ } وَل َ َ
]النبياء ، [105 :
__________
) (1في ت ،أ " :فكان".
) (2زيادة من ت ،أ.
) (3زيادة من ت ،أ.
) (4زيادة من ت ،أ.
) (5في ت " :لقوى" وهو خطأ.
) (4/483
شاُء ن يَ َ م ْ ض ل ِل ّهِ ُيورِث َُها َ ن الْر َ صب ُِروا إ ِ ّ ست َِعيُنوا ِبالل ّهِ َوا ْ مهِ ا ْ قو ْ ِ سى ل ِ َ مو َ ل ُ } َقا َ
َ
ن { ]العراف ، [128 :وقال تعالى } :وَأوَْرث َْنا ْ ْ
قي َ مت ّ ِة ل ِل ُ عَبادِهِ َوالَعاقِب َ ُ ن ِ م ْ ِ
ت م ْ ْ
مَغارِب ََها الِتي َباَركَنا ِفيَها وَت َ ّ ّ ض وَ َ م َ َ ّ ْ
شارِقَ الْر ِ ن َ فو َ ضعَ ُ ست َ ْ ن كاُنوا ي ُ ْ ذي َ م ال ِ قو ْ َ ال َ
ن
صن َعُ فِْرعَوْ ُ ن يَ ْ َ
ما كا َ مْرَنا َ صب َُروا وَد َ ّ ما َ ل بِ َ سَراِئي َ سَنى عَلى ب َِني إ ِ ْ َ ح ْ ْ
ة َرب ّك ال ُ َ م ُ ك َل ِ َ
ن { ]العراف .[137 : شو َ كاُنوا ي َعْرِ ُ ما َ ه وَ َ م ُ وَقَوْ ُ
عيد ِ { أي :وعيدي ) (1هذا لمن ف وَ ِ خا َ مي وَ َ قا ِم َف َ خا َ ن َ م ْ ك لِ َ وقوله } :ذ َل ِ َ
خاف مقامي بين يدي يوم القيامة ،وخشي من وعيدي ،وهو تخويفي
َ
محي َ ج ِ ن ال ْ َ حَياةَ الد ّن َْيا فَإ ِ ّ ن ط ََغى َوآث ََر ال ْ َ م ْما َوعذابي ،كما قال تعالى } :فَأ ّ
َ هي ال ْ ْ
ي
ة هِ َ جن ّ َ ن ال ْ َ وى فَإ ِ ّ ن ال ْهَ َس عَ ِ ف َ م َرب ّهِ وَن ََهى الن ّ ْ قا َم َف َ خا َ ن َ م ْ ما َ مأَوى وَأ ّ َ ِ
ن{ تا ن ج ه ب ر م قا
َ م ف خا ن م ل و } : وقال ، [ 41 - 37 : ]النازعات { وى ال ْم َأ ْ
ِ َ ّ ِ
َ َ َ ّ َ َ َ َ َ ْ ِ َ َ
]الرحمن .[46 :
وقوله } :واستفتحوا { أي :استنصرت الرسل ربها على قومها .قاله ابن
عباس ،ومجاهد ،وقتادة.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم :استفتحت المم على أنفسها ،كما قالوا
ماِء أ َِو ذا هو ال ْحق من عند َ َ
س َ ن ال ّ م َ جاَرةً ِ ح َ مط ِْر عَل َي َْنا ِ ك فَأ ْ ن هَ َ ُ َ َ ّ ِ ْ ِ ْ ِ كا َ ن َ م إِ ْ } :الل ّهُ ّ
ب أِليم ٍ { ]النفال .[32 : َ ائ ْت َِنا ب ِعَ َ
ذا ٍ
ويحتمل أن يكون هذا مراًدا وهذا مراًدا ،كما أنهم استفتحوا على أنفسهم
نيوم بدر ،واستفتح رسول الله واستنصر ،وقال الله تعالى للمشركين } :إ ِ ْ
م { الية ]النفال ، [19 : خي ٌْر ل َك ُ ْ ن ت َن ْت َُهوا فَهُوَ َ ح وَإ ِ ْ فت ْ ُ م ال ْ َ جاَءك ُ ُ قد ْ َ حوا فَ َ فت ِ ُ ست َ ْ تَ ْ
والله أعلم.
جّبارٍ عَِنيد ٍ { أي :متجبر في نفسه معاند للحق ،كما قال ب ك ُل َ
ّ خا َ } وَ َ
ع َ ّ ْ َ ّ ُ ْ َ
م َ
جعَل َ
ذي َ ب ال ِ
ري ٍ
م ِ
معْت َد ٍ ُ
خي ْرِ ُ
مّناٍع ل ِل َ
فارٍ عَِنيد ٍ َ م كل ك ّ جهَن ّ َتعالى } :ألقَِيا ِفي َ
ْ َ
ديد ِ { ]ق .[26 - 24 : ِ شّ ال بِ َ
ذا َ ع ل ا في خَر فَأل ْ ِ
قَياه ُ ِ الل ّهِ إ ِل ًَها آ َ
وفي الحديث " :إنه يؤتى بجهنم يوم القيامة ،فتنادي الخلئق فتقول :إني
ُوكلت بكل جبار عنيد" الحديث ).(2
خاب وخسر حين اجتهد النبياء في البتهال إلى ربها العزيز المقتدر.
م { و"وراء" ها هنا بمعنى "أمام" ،كما قال تعالى : جهَن ّ ُ ن وََرائ ِهِ َ م ْ وقوله ِ } :
خذ ُ ك ُ ّ ْ مل ِ ٌ } وَ َ
صًبا { ]الكهف ، [79 :وكان ابن فين َةٍ غَ ْس ِ
ل َ ك ي َأ ُ م َ ن وََراَءهُ ْ كا َ
عباس يقرؤها "وكان أمامهم ملك".
أي :من وراء الجبار العنيد جهنم ،أي :هي له بالمرصاد ،يسكنها مخلدا يوم
المعاد ،ويعرض عليها غدوا وعشيا إلى يوم التناد.
__________
) (1في ت " :وعدى".
) (2رواه أحمد في المسند ) (3/40من حديث أبي سعيد الخدري ،رضي الله
عنه ،ورواه الترمذي في السنن برقم ) (2574من طريق العمش ،عن أبي
صالح ،عن أبي هريرة ،رضي الله عنه ،وقال الترمذي " :حديث حسن
غريب صحيح".
) (4/484
ديد ٍ { أي :في النار ليس له شراب إل من حميم أو ص ِماٍء َ ن َ م ْ قى ِ س َ } وَي ُ ْ
غساق ،فهذا ) (1في غاية الحرارة ،وهذا في غاية البرد والنتن ،كما قال :
َ ذا فَل ْي َ ُ
ج { ]ص .[58 ، 57 : شك ْل ِهِ أْزَوا ٌ
ن َ م ْ خُر ِ ساقٌ َوآ َ م وَغَ ّ مي ٌ ح ِ ذوُقوه ُ َ } هَ َ
وقال مجاهد ،وعكرمة :الصديد :من القيح والدم.
وقال قتادة :هو ما يسيل من لحمه وجلده .وفي رواية عنه :الصديد :ما
يخرج من جوف الكافر ،قد خالط القيح والدم.
شب ،عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت :قلت : حو ْ َشْهر بن َ ومن حديث َ
يا رسول الله ،ما طينة الخبال ؟ قال " :صديد أهل النار" ) (2وفي رواية :
صارة أهل النار" ).(3 "ع ُ َ
وقال المام أحمد :حدثنا علي بن إسحاق ،أنبأنا عبد الله ،أنا صفوان بن
عمرو ،عن عبيد الله بن ب ُْر ،عن أبي أمامة ،رضي الله عنه ،عن النبي
ه { قال : جّرعُ ُ
ديد ٍ ي َت َ َ
ص ِماٍء َ ن َ م ْقى ِ س َصلى الله عليه وسلم في قوله } :وَي ُ ْ
شوى وجهه ،ووقعت فروة رأسه ،فإذا ب إليه فيتكرهه ،فإذا أدنى منه َ قّر ُ "ي ُ َ
ماًء قوا َ س ُ
شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره .يقول الله تعالى ) } (4وَ ُ
َ
ماٍءست َِغيُثوا ي َُغاُثوا ب ِ َ ن يَ ْ م { ]محمد ، [15 :ويقول } :وَإ ِ ْ مَعاَءهُ ْ قط ّعَ أ ْ ما فَ َ مي ً ح ِ َ
ب { )] (5الكهف .[29 : شَرا ُ س ال ّ جوه َ ب ِئ ْ َ ْ
وي الوُ ُ ش ِ ل يَ ْ مهْ ِ ْ
كال ُ َ
وهكذا رواه ابن جرير ،من حديث عبد الله بن المبارك ،به ) (6ورواه هو
قّية ابن الوليد ،عن صفوان بن عمرو ،به ).(7 وابن أبي حاتم :من حديث ب َ ِ
وقوله } :يتجرعه { أي :يتغصصه ويتكرهه ،أي :يشربه قهرا وقسرا ،ل
يضعه في فيه ) (8حتى يضربه الملك بمطراق من حديد ،كما قال تعالى } :
ديد ٍ { ]الحج .[21 : ح ِ ن َ م ْ مع ُ ِ قا ِ م َ م َ وَل َهُ ْ
ه { أي :يزدرده لسوء لونه وطعمه وريحه ،وحرارته أو برده سيغُ ُ كاد ُ ي ُ ِ } َول ي َ َ
الذي ل يستطاع.
ْ
ن { أي :يألم له جميع بدنه وجوارحه وأعضائه. َ
مكا ٍ ّ
ن كل َُ م ْ
ت ِ } وَي َأِتيهِ ال ْ َ
مو ْ ُ
مهَْران :من كل عظم ،وعرق ،وعصب. قال ميمون بن ِ
وقال عكرمة :حتى من أطراف شعره.
__________
) (1في ت ،أ " :فهذا حار".
) (2رواه أحمد في المسند ).(6/460
) (3وهي رواية أبي ذر ،رضي الله عنه ،رواها أحمد في المسند ).(5/171
) (4في أ " :عز وجل".
) (5المسند ).(5/265
) (6تفسير الطبري ) (16/549ورواه الترمذي في السنن برقم ) (2583من
طريق عبد الله بن المبارك به ،وقال " :هذا حديث غريب ،وهكذا قال محمد
بن إسماعيل عن عبيد الله بن بسر ،ول نعرف عبيد الله بن بسر إل في هذا
الحديث".
) (7ورواه الطبري في تفسيره ) (16/551من طريق حيوة بن شريح عن
بقية به.
) (8في ت " :ل يضعه في فمه" وفي أ " :ل يضيعه في فمه".
) (4/485
وقال إبراهيم التيمي :من موضع كل شعرة ،أي :من جسده ،حتى من
أطراف شعره.
ْ
ن { أي :من أمامه وورائه ، كا ٍ م َ ل َ ن كُ ّ م ْت ِ مو ْ ُوقال ابن جرير } :وَي َأِتيهِ ال ْ َ
وعن يمينه وشماله ،ومن فوقه ) (1ومن تحت أرجله ) (2ومن سائر أعضاء
جسده.
ن { قال :أنواع م َ ن كُ ّ ْ ْ
كا ٍ ل َ م ْ ت ِ موْ ُ وقال الضحاك ،عن ابن عباس } :وَي َأِتيهِ ال َ
العذاب الذي يعذبه الله بها يوم القيامة في نار جهنم ،وليس منها نوع إل
الموت يأتيه منه لو كان يموت ،ولكن ل يموت ؛ لن الله تعالى قال } :ل
فورٍ [ ) ل كَ ُ زي ك ُ ّ ج ِ ك نَ ْ ذاب َِها ]ك َذ َل ِ َ ن عَ َ م ْ م ِ ف عَن ْهُ ْ ف ُ خ ّ موُتوا َول ي ُ َ م فَي َ ُ ضى عَل َي ْهِ ْ ق َ يُ ْ
] { (3فاطر .[36 :
ومعنى كلم ابن عباس ،رضي الله عنه :أنه ما من نوع من هذه النواع من
]هذا[ ) (4العذاب إل إذا ورد عليه اقتضى أن يموت منه لو كان يموت ،ولكنه
ْ
ن
م ْ ت ِ موْ ُ ل يموت ليخلد في دوام العذاب والنكال ؛ ولهذا قال } :وَي َأِتيهِ ال ْ َ
ت{ مي ّ ٍما هُوَ ب ِ َ ن وَ َ م َ
كا ٍ ل َ كُ ّ
ظ { أي :وله من بعد هذا الحال عذاب آخر ب غَِلي ٌ ذا ٌ ن وََرائ ِهِ عَ َ م ْوقوله } :وَ ِ
غليظ ،أي :مؤلم صعب شديد أغلظ من الذي قبله وأدهى وأمر .وهذا كما
حيم ِ ط َل ْعَُها َ
ج ِ ل ال ْ َ ص ِ ج ِفي أ ْ خُر ُ جَرة ٌ ت َ ْ ش َ قال تعالى عن شجرة الزقوم } :إ ِن َّها َ
َ
من ل َهُ ْ م إِ ّ ن ثُ ّ طو َ من َْها ال ْب ُ ُ ن ِ مال ُِئو َ من َْها فَ َ ن ِ م لك ُِلو َ ن فَإ ِن ّهُ ْ طي ِشَيا ِ س ال ّ ه ُرُءو ُ ك َأن ّ ُ
حيم ِ { ]الصافات - 64 : ج ِ م لَلى ال ْ َ جعَهُ ْ مْر ِ
ن َ م إِ ّ ميم ٍ ث ُ ّ ح ِ ن َ م ْشوًْبا ِ عَل َي َْها ل َ َ
، [68فأخبر أنهم تارة يكونون في أكل زقوم ،وتارة في شرب حميم ،وتارة
م
جهَن ّ ُ
يردون إلى الجحيم ) (5عياذا بالله من ذلك ،وهكذا قال تعالى } :هَذِهِ َ
ن { ]الرحمن ، 43 : ميم ٍ آ ٍ ح ِ ن َ ن ب َي ْن ََها وَب َي ْ َ طوُفو َ ن يَ ُ مو َ جرِ ُ م ْ ب ب َِها ال ْ ُ ال ِّتي ي ُك َذ ّ ُ
ل ي َغِْلي ِفي مهْ ِ كال ْ ُ م الِثيم ِ َ جَرةَ الّزّقوم ِ ط ََعا ُ ش َ ن َ ، [44وقال تعالى } :إ ِ ّ
ْ ْ َ ُ
ه س
ْ َ َ ِ ِ أر ق و َ ف بوا ص
َ ِ ِ ّ ُ ّ م ُ ث م حي ج ل ا ِ ء وا َ َ س لى إ
ِْ ُ ِ ه لو تع فا َ خ ُ ُ
ه ذو ميم ِ ُ ح ِ ي ال ْ َ ن ك َغَل ْ ِ طو ِ ال ْب ُ ُ
َ
ن{ مت َُرو َم ب ِهِ ت َ ْ ما ك ُن ْت ُ ْ
َ
ذا َ ن هَ َ م إِ ّ ري ُ زيُز ال ْك َ ِ ت ال ْعَ َ ِ ك أن ْ َ ميم ِ ذ ُقْ إ ِن ّ َ ح ِ ب ال ْ َ ذا ِ ن عَ َ م ْ ِ
ل ِفي َ ِما ش ّ ال ب
ْ َ ُ حا ص أ ما
َ ِ َ ل ما ّ
ش ال ب حا
َ ْ َ ُ ص أ و } : وقال ، [ 50 - 43 : ]الدخان
ريم ٍ { ]الواقعة ، [44 - 41 : موم ٍ ل َبارِدٍ َول ك َِ ح ُ ن يَ ْ م ْ ل ِ ميم ٍ وَظ ِ ّ ح ِ موم ٍ وَ َ س ُ َ
مَهاد ُ هَ َ
ذا ْ
س ال ِ ِ َ ْ ئ ب َ ف ها َ ن
ْ ْ َ و َ ل ص َ ي م
َ َ ّ ن ه ج
َ بّ َ ٍ مآ ر ش َ َ ل ن َ غي
ِ طا ّ لل
ِ ن
ّ َِ إ و َ
ذا َ ه } : تعالى وقال
َ فَل ْي َ ُ
ج { ]ص ، [58 - 55 :إلى غير شك ْل ِهِ أْزَوا ٌ ن َ ْ م
ِ ر
َ ُ خَ وآ ٌ ق م وَغَ ّ
سا مي ٌ ح ِ ذوُقوه ُ َ
ذلك من اليات الدالة على تنوع العذاب عليهم ،وتكراره وأنواعه وأشكاله ،
ظلم ٍ ل ِل ْعَِبيد ِ { ك بِ َ ما َرب ّ َ مما ل يحصيه إل الله ،عز وجل ،جزاء وفاقا } ،وَ َ
]فصلت .[46 :
ُ َ
فل ص ٍ عا ِ ح ِفي ي َوْم ٍ َ ت ب ِهِ الّري ُ شت َد ّ ْ مادٍ ا ْ م كَر ََ مالهُ ْ م أع ْ َ فُروا ب َِرب ّهِ ْ ن كَ َ ذي َ ل ال ّ ِ مث َ ُ} َ
ل الب َِعيد ُ ){ (18 ْ ضل ُ يٍء ذ َل ِك هُوَ ال ّ َ ش ْ سُبوا عَلى َ َ ما ك ََ م ّ ن ِ قدُِرو َ يَ ْ
هذا مثل ضربه الله تعالى لعمال الكفار الذين عبدوا مع الله غيره ،وكذبوا
رسله ،وبنوا أعمالهم
__________
) (1في ت " :فوقهم".
) (2في ت " :أرجلهم".
) (3زيادة من أ.
) (4زيادة من ت ،أ.
) (5في ت " :جحيم".
) (4/486
موها أحوج ما كانوا إليها ،فقال على غير أساس صحيح ؛ فانهارت وعَدِ ُ
فروا بربه َ
م { أي :مثل أعمال الذين كفروا مال ُهُ ْ م أعْ َ َِ ِّ ْ ن كَ َ ُ ذي َ ل ال ّ ِ مث َ ُ تعالى َ } :
يوم القيامة إذا طلبوا ثوابها من الله تعالى ؛ لنهم كانوا يحسبون أنهم على
صل من الرماد إذا شيء ،فلم يجدوا شيًئا ،ول ألفوا حاصل إل كما يتح ّ
ف { أي :ذي ريح عاصفة قوية ، ص ٍ عا ِ اشتدت به الريح العاصفة } ِفي ي َوْم ٍ َ
فل ]يقدرون على شيء من أعمالهم التي كسبوها في الدنيا إل كما[ )(1
مَنا إ َِلى يقدرون على جمع هذا الرماد في هذا اليوم ،كما قال تعالى } :وَقَدِ ْ
من ُْثوًرا { ]الفرقان ، [23 :وقال تعالى : جعَل َْناه ُ هََباًء َ ل فَ َ م ٍ ن عَ َ م ْ مُلوا ِ ما عَ ِ َ
م و َ ق ث َ ر ح ت ب صا َ أ ر ص ها في ح ري ل َ ث م َ ك يا ن د ال ة يا ح ْ لا ه ذ َ ه في ن قو ُ ف ن ي ما ُ
ل َ ث م }
ْ ٍ َ َ ْ َ ْ ّ ِ َ ِ َ ِ ّ َْ ِ َ َ ِ ِ ِ َ ِ ْ َ ُ َ
ن ذي ّ ل ا ها ي فسهم فَأ َهْل َك َته { ]آل عمران ٍ ،ِ [117 :وقال تعالى } :يا أ َ ُ ن ظ َل َموا أ َ
َ ِ َ ّ َ ُ ْ َ ُ ْ ْ ُ
نُ م
ِ ْ ؤ ُ ي ول ِ َ س نا
ّ ال َ ء َ
ئا ر ه
ُ ََ ُ َِ لما ق ف
ِ ْ ن ُ ي ذي ِ ّ ل َ
كا ذى َ وال ن م
ْ ِ َ ّ َ ْ ل با م ُ ك ِ ت َ
قا َ د ص َ لوا ُ ِ ط ْ بُ ت ل نوا م ُ
آ َ
دا ل صل ً ْ ه َ َ
ل فَت ََرك ُ ه َواب ِ ٌ صاب َ ُ ب فَأ َ ن عَلي ْهِ ت َُرا ٌ َ وا ٍ ف َ ص ْ ل َ مث َ ِ هك ََ مث َل ُُ خرِ فَ َ ِباللهِ َوالي َوْم ِ ال ِ ْ ّ
ن { ]البقرة : ري َ َ
م الكافِ ِ ْ قو ْ َ ْ
دي ال َ ه ل ي َهْ ِ ّ
سُبوا َوالل ُ ما ك َ َ م ّ يٍء ِ ش ْ ن عََلى َ قدُِرو َ يَ ْ
.[264
ل الب َِعيد ُ { أي :سعيهم وعملهم على ْ ضل ُ َ
وقال في هذه الية } :ذ َل ِك هُوَ ال ّ
َ
غير أساس ول استقامة حتى فقدوا ثوابهم أحوج ما هم إليه } ،ذ َل ِك هُ َ
و
ل ال ْب َِعيد ُ { ).(2 ضل ُ ال ّ
__________
) (1زيادة من ت ،أ.
) (2في ت ،أ " :هذا" وهو خطأ.
) (4/487
) (4/487
) (4/488
) (4/489
َ
م { أي :بنافعكم ومنقذكم خك ُ ْصرِ ِ م ْما أَنا ب ِ ُ ما دعوتكم إلى الباطل َ } ،
ي { أي :بنافعي بإنقاذي مما أنا َ
خ ّ صرِ ِ م ْ م بِ ُ
ما أن ْت ُ ْومخلصكم مما أنتم فيه } ،وَ َ
ل{ ن قَب ْ ُ ْ َ
ما أ ْ َ
م ْن ِمو ِ شَركت ُ ُ ت بِ َ فْر ُفيه من العذاب والنكال } ،إ ِّني ك َ
قال قتادة :أي بسبب ما أشركتمون من قبل.
وقال ابن جرير :يقول :إني جحدت أن أكون شريكا لله ،عز وجل.
ن ض ّ وهذا الذي قال هو الراجح ) (1كما قال تعالى } :وم َ
م ْعو ِ
ن ي َد ْ ُ
م ْ
م ّل ِ نأ َ َ َ ْ
ن وَإ َِذاغافُِلو َ م َ عائ ِهِ ْ ن دُ َم عَ ْ مةِ وَهُ ْ قَيا َه إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ ب لَ ُ جي ُ ست َ ِ ن ل يَ ْ م ْ ن الل ّهِ َ ُدو ِ
ن { ]الحقاف ، [6 ، 5 : َ َ َ َ َ
ري َ م كافِ ِ داًء وَكاُنوا ب ِعَِباد َت ِهِ ْ م أعْ َ س كاُنوا لهُ ْ شَر الّنا ُ ح ِ
ُ
دا { ]مريم .[82 : ض ّ م ِ َ
ن عَلي ْهِ ْ ُ
م وَي َكوُنو َ ن ب ِعَِباد َت ِهِ ْ فُرو َ ْ
سي َك ُ وقال } :كل ََ
ن { أي :في إعراضهم عن الحق واتباعهم الباطل مي
ِ ِ َ ل ظاّ ال نوقوله } :إ ِ ّ
َ
م{ ب أِلي ٌ ذا ٌ م عَ َ } ل َهُ ْ
والظاهر من سياق الية :أن هذه الخطبة تكون من إبليس بعد دخولهم
النار ،كما قدمنا .ولكن قد ورد في حديث رواه ابن أبي حاتم -وهذا لفظه -
جري ،عن ح ْ وابن جرير من رواية عبد الرحمن بن زياد :حدثني دخين ) (2ال َ
عقبة بن عامر ،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " :إذا جمع
الله الولين والخرين ،فقضى بينهم ،ففرغ من القضاء ،قال المؤمنون :قد
قضى بيننا ربنا ،فمن يشفع لنا ؟ فيقولون :انطلقوا بنا إلى آدم -وذكر
نوحا ،وإبراهيم ،وموسى ،وعيسى -فيقول عيسى :أدلكم على النبي
المي .فيأتوني ،فيأذن الله لي أن أقوم إليه فيثور )] (3من[ ) (4مجلسي
من أطيب ريح شمها أحد قط ،حتى آتي ربي فيشفعني ،ويجعل لي نورا من
شعر رأسي إلى ظفر قدمي ،ثم يقول الكافرون هذا :قد وجد المؤمنون من
يشفع لهم ،فمن يشفع لنا ؟ ما هو إل إبليس هو الذي أضلنا ،فيأتون إبليس
فيقولون :قد وجد المؤمنون من يشفع لهم ،فقم أنت فاشفع لنا ،فإنك أنت
أضللتنا .فيقوم فيثور من مجلسه من أنتن ريح شمها أحد قط ،ثم يعظم
ق
ح ّ م وَعْد َ ال ْ َ ه وَعَد َك ُ ْ ن الل ّ َ مُر إ ِ ّ ي ال ْ ض َ ما قُ ِ ن لَ ّ طا ُ شي ْ َ ل ) (6ال ّ نحيبهم ) } (5وََقا َ
َ سل ْ َ َ
م
جب ْت ُ ْست َ َ م َفا ْ ن د َعَوْت ُك ُ ْ ن ِإل أ ْ طا ٍ ن ُ م ْ م ِ ن ِلي عَل َي ْك ُ ْ كا َ ما َ م وَ َ فت ُك ُ ْ خل َ ْ م فَأ ْ وَوَعَد ْت ُك ُ ْ
َ ُ ُ
م { ).(7 سك ُ ْف َ موا أن ْ ُ موِني وَلو ُ ِلي َفل ت َلو ُ
شدين بن سعد ،عن عبد وهذا سياق ابن أبي حاتم ،ورواه ابن المبارك عن رِ ْ
قَبة ،به مرفوعا ).(9 خْين ) (8عن عُ ْ الرحمن بن زياد بن أنعم ،عن د ُ َ
__________
) (1في أ " :الرجح".
) (2في ت ،أ " :دجين".
) (3في ت ،أ " :فيفور".
) (4زيادة من ت ،أ ،والطبري.
) (5في ت ،أ " :بجهنم".
) (6في ت ،أ " :ويقول" وهو خطأ.
) (7تفسير الطبري ) (16/562ورواه الطبراني في المعجم الكبير )
(17/320من طريق ابن وهب :أخبرني ابن نعيم )كذا في المعجم( عن
دخين ،عن عقبة مرفوعا .وقال الهيثمي في المجمع )" : (10/376فيه عبد
الرحمن بن زياد بن أنعم ،وهو ضعيف" وضعف السيوطي إسناده أيضا.
) (8في أ " :دجين".
) (9ورواه الطبري في تفسيره ) (16/562من طريق سويد بن نصر ،عن
ابن المبارك به.
) (4/490
َ َ
صل َُها َثاب ِ ٌ
ت وَفَْرعَُها ِفي جَرةٍ ط َي ّب َةٍ أ ْ
ش َ ة ط َي ّب َ ً
ة كَ َ مث ًَل ك َل ِ َ
م ً ب الل ّ ُ
ه َ ضَر َ
ف َم ت ََر ك َي ْ َأل َ ْ
ماِء )(24 س َ ال ّ
واٌء س َ قرظي ،رحمه الله :لما قال أهل النار َ } : وقال محمد بن كعب ال ُ
ّ َ َ َ
م ُ
ه وَعَد َك ْ ن الل َ ص { قال لهم إبليس } :إ ِ ّ حي ٍ م ِ ن َ م ْما لَنا ِ صب َْرَنا َ م َ جزِعَْنا أ ْ عَل َي َْنا أ َ
ت ق ُ م ْ حقّ { الية ،فلما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم ،فنودوا } :ل َ َ وَعْد َ ال ْ َ
َ َ
ن { ]غافر .[10 : فُرو َ ن فَت َك ْ ُ ما ِ ن إ َِلى الي َ م إ ِذ ْ ت ُد ْعَوْ َ سك ُ ْ ف َ م أن ْ ُ قت ِك ُ ْ م ْن َ م ْ الل ّهِ أك ْب َُر ِ
وقال عامر الشعبي :يقوم خطيبان يوم القيامة على رءوس الناس ،يقول
م َ َ ُ ََ
نن ُدو ِ م ْ ن ِ ي إ ِلهَي ْ ِ ذوِني وَأ ّ خ ُ س ات ّ ِ ت ِللّنا ِ ت قُل ْ َ الله لعيسى ابن مريم } :أأن ْ َ
م { ]المائدة : صد ْقُهُ ْ ن ِ صادِِقي َ فعُ ال ّ م ي َن ْ َ ذا ي َوْ ُ ه هَ َ ل الل ّ ُ الل ّهِ { إلى قوله َ } :قا َ
ن ِلي كا َ ما َ ، [119 ، 116قال :ويقوم إبليس -لعنه الله -فيقول } :وَ َ
َ سل ْ َ
م ِلي { الية. جب ْت ُ ْ ست َ َ م َفا ْ ن د َعَوْت ُك ُ ْ ن ِإل أ ْ طا ٍ ن ُ م ْ م ِ عَل َي ْك ُ ْ
كال .وأن ثم لما ذكر تعالى مآل الشقياء وما صاروا إليه من الخزي والن ّ َ
خطيبهم إبليس ،عطف بحال السعداء وأنهم يدخلون يوم القيامة جنات
ن
دي َ خال ِ ِ تجري من تحتها النهار سارحة فيها حيث ساروا وأين ساروا )َ } (1
م{ سل ٌ م ِفيَها َ حي ّت ُهُ ْ م تَ ِ ن َرب ّهِ ْ ِفيَها { ماكثين أبدا ل يحولون ول يزولون } ،ب ِإ ِذ ْ ِ
َ َ َ
م
سل ٌ خَزن َت َُها َ م َ ل لهُ ْ واب َُها وَقا َ ت أب ْ َ ح ْ ها وَفُت ِ َ جاُءو َ حّتى إ َِذا َ كما قال تعالى َ } :
ن ك ُلّ م ْ م ِ ن عَلي ْهِ َْ خلو َ ُ ة ي َد ْ ُ َ
ملئ ِك ُ ْ
م { ]الزمر ، [73 :وقال تعالى َ } :وال َ عَل َي ْك ُ ْ
ة
حي ّ ً ن ِفيَها ت َ ِ قو ْ َ م { ]الرعد [24 ، 23 :وقال تعالى } :وَي ُل َ ّ م عَل َي ْك ُ ْ سل ٌ ب َ َبا ٍ
م ه ت ي
ُ ّ ََ ِ ُُّ ْ ح ت و م ه ّ ل ال َ
ك ن حا ب س
َ ْ َ ُ ْ ِ َ ُ ْ َ َ ها في م ه وا ع د } : وقال ، [ 75 : ]الفرقان { ما وَ َ ًسل
َ
ن { ]يونس .[10 : مي َ ب ال َْعال َ ِ مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ ح ْ ن ال ْ َ مأ ِ واهُ ْ خُر د َعْ َ م َوآ ِ سل ٌ ِفيَها َ
َ َ
ت وَفَْرعَُها صل َُها َثاب ِ ٌ جَرةٍ ط َي ّب َةٍ أ ْ ش َ ة كَ َ ة ط َي ّب َ ً م ً مَثل ك َل ِ َ ه َ ب الل ّ ُ ضَر َ ف َ م ت ََر ك َي ْ َ } أل َ ْ
ماِء ){ (24 س َ ِفي ال ّ
__________
) (1في ت " :شاءوا أين شاءوا" وفي أ " :شاءوا حيث شاءوا".
) (4/491
) (4/491
وحماد بن سلمة ،عن شعيب بن الحبحاب ،عن أنس :أن رسول الله صلى
سر فقال " (1) :ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة" الله عليه وسلم أتي بقناع ب ُ ْ
قال " :هي النخلة" ).(2
وروي من هذا الوجه ومن غيره ،عن أنس موقوفا ) (3وكذا نص عليه
مسروق ،ومجاهد ،وعكرمة ،وسعيد بن جبير ،والضحاك ،وقتادة وغيرهم.
وقال البخاري :حدثنا عَُبيد ُ بن إسماعيل ،عن أبي أسامة ،عن عبيد الله ،
عن نافع ،عن ابن عمر قال :كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
" :أخبروني عن شجرة تشبه -أو :كالرجل -المسلم ،ل يتحات ورقها ]ول
ول ول[ ) (4تؤتي أكلها كل حين" .قال ابن عمر :فوقع في نفسي أنها النخلة
،ورأيت أبا بكر وعمر ل يتكلمان ،فكرهت أن أتكلم ،فلما لم يقولوا شيئا ،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :هي النخلة" .فلما قمنا قلت لعمر :
يا أبتا ،والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة .قال :ما منعك أن تكلم ؟
قال :لم أركم تتكلمون ،فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئا .قال عمر :لن
تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا ).(5
وقال أحمد :حدثنا سفيان ،عن ابن أبي نجيح ،عن مجاهد :صحبت ابن
عمر إلى المدينة ،فلم أسمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
إل حديثا واحدا -قال :كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بجمار.
فقال " :من الشجر شجرة مثلها مثل الرجل المسلم" .فأردت أن أقول :هي
النخلة ،فنظرت فإذا أنا أصغر القوم ] ،فسكت[ ) (6فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " :هي النخلة" أخرجاه ).(7
وقال مالك وعبد العزيز ،عن عبد الله بن دينار ،عن ابن عمر قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما لصحابه " :إن من الشجر شجرة ل
يطرح ورقها ،مثل المؤمن" .قال :فوقع الناس في شجر البوادي ،ووقع في
قلبي أنها النخلة ]فاستحييت ،حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"هي النخلة[" ) (8أخرجاه أيضا ).(9
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا موسى بن إسماعيل ،حدثنا أبان -
يعني ابن زيد العطار -حدثنا قتادة :أن رجل قال :يا رسول الله ،ذهب أهل
الدثور بالجور! فقال " :أرأيت لو عمد إلى متاع
__________
) (1في هـ ،ت ،أ " :فقرأ" والمثبت من الطبري والترمذي.
) (2رواه الطبري في تفسيره ) (16/570والترمذي في السنن برقم )
(3119من طريق حماد بن سلمة به ،وقال الترمذي " :وروى غير واحد مثل
هذا موقوفا ،ول نعلم أحدا رفعه غير حماد بن سلمة ،ورواه معمر وحماد بن
زيد وغير واحد ولم يرفعوه".
) (3رواه أبو بكر بن شعيب بن الحبحاب ،عن أبيه ،عن أنس بن مالك نحوه
موقوفا ،أخرجه الترمذي في السنن برقم ) (3119ورواه حماد بن زيد ،عن
شعيب بن الحبحاب ،عن أنس موقوفا ،أخرجه الترمذي في السنن برقم )
.(3119
) (4زيادة من ت ،أ ،والبخاري.
) (5صحيح البخاري برقم ).(4698
) (6زيادة من ت ،أ ،والمسند.
) (7المسند ) (2/12وصحيح البخاري برقم ) (72وصحيح مسلم برقم )
.(2811
) (8زيادة من ت ،أ ،والصحيحين.
) (9صحيح البخاري برقم ) (131وصحيح مسلم برقم ).(2811
) (4/492
الدنيا ،فركب بعضها على بعض أكان يبلغ السماء ؟ أفل أخبرك بعمل أصله
في الرض وفرعه في السماء ؟" .قال :ما هو يا رسول الله ؟ قال :
"تقول :ل إله إل الله ،والله أكبر ،وسبحان الله ،والحمد لله" ،عشر مرات
في دبر كل صلة ،فذاك أصله في الرض وفرعه في السماء" ).(1
جَرةٍ ط َي ّب َةٍ { قال :هي شجرة في الجنة. ش َوعن ابن عباس } ك َ َ
عشيا .وقيل :كل شهر. غدوة و َ ن { قيل ُ : حي ٍ
ل ِ وقوله } :ت ُؤِْتي أ ُك ُل ََها ك ُ ّ
وقيل :كل شهرين.
وقيل :كل ستة أشهر .وقيل :كل سبعة أشهر .وقيل :كل سنة.
والظاهر من السياق :أن المؤمن مثله كمثل شجرة ،ل يزال يوجد منها ثمر
في كل وقت من صيف أو شتاء ،أو ليل أو نهار ،كذلك المؤمن ل يزال يرفع
له عمل صالح آناء الليل وأطراف النهار في كل وقت وحين.
س
ِ ّ ِ نا لل لَ َ
ثا م
ْ ال ب الل ّ ُ
ه ضرِ ُ
ن َرب َّها { أي :كامل حسنا كثيرا طيبا } ،وَي َ ْ } ب ِإ ِذ ْ ِ
ن{ م ي َت َذ َك ُّرو َل َعَل ّهُ ْ
خِبيث َةٍ { هذا مثل كفر الكافر ،ل أصل جَرةٍ َ خِبيث َةٍ ك َ َ
ش َ مةٍ َ ل ك َل ِ َمث َ ُ
وقوله } :وَ َ
له ول ثبات ،وشبه بشجرة الحنظل ،ويقال لها " :الشريان"] .رواه شعبة ،
عن معاوية بن قُّرة ،عن أنس بن مالك :أنها شجرة الحنظل[ ).(2
وقال أبو بكر البزار الحافظ :حدثنا يحيى بن محمد بن السكن ،حدثنا أبو زيد
سبه رفعه سعيد بن الربيع ،حدثنا شعبة ،عن معاوية بن قرة ،عن أنس -أح َ
ة
م ٍ َ
ل كل ِ َ مث َ ُ
-قال " :مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة" ،قال :هي النخلة } ،وَ َ
شْريان ).(3 خِبيث َةٍ { قال :هي ال ّ جَرةٍ َ ش َخِبيث َةٍ ك َ َ َ
در ،عن شعبة ،عن معاوية ،عن أنس ثم رواه عن محمد بن المثنى ،عن غُن ْ َ
موقوفا ).(4
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا موسى بن إسماعيل ،حدثنا حماد -
حْبحاب عن أنس بن مالك ؛ أن النبي صلى هو ابن سلمة -عن شعيب بن ال َ
الله عليه وسلم قال " :ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة" هي الحنظلة".
فأخبرت بذلك أبا العالية فقال :هكذا كنا نسمع.
ورواه ابن جرير ،من حديث حماد بن سلمة ،به ) (5ورواه أبو يعلى في
مسنده بأبسط من هذا فقال :
__________
) (1أورده السيوطي في الدر المنثور ) (5/22وعزاه لبن أبي حاتم ،وهو
مرسل.
) (2زيادة من ت ،أ.
) (3ورواه حماد بن سلمة عن شعيب بن الحبحاب عن أنس مرفوعا مثله
رواه الطبري في تفسيره ).(585 ، 16/570
) (4ورواه الطبري في تفسيره ) (16/583عن محمد بن المثنى به موقوفا ،
ورواه شبابة وعمرو بن الهيثم ،عن شعبة فأوقفوه .انظر :تفسير الطبري )
.(16/583
) (5تفسير الطبري ).(16/585
) (4/493
حدثنا غسان ،عن حماد ،عن شعيب ،عن أنس ؛ أن رسول الله صلى الله
سر ،فقال :ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة ، عليه وسلم أتي بقناع عليه ب ُ ْ
أصلها ثابت وفرعها في السماء .تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها فقال " :هي
ن
م ْ ما ل ََها ِ ض َ ق الْر ِ ن فَوْ ِ م ْت ِ جت ُث ّ ْخِبيث َةٍ ا ْ
جَرةٍ َ ش َ خِبيث َةٍ ك َ َ مةٍ َ ل ك َل ِ َ مث َ ُالنخلة" } وَ َ
قََرارٍ { قال " :هي الحنظل" ) (1قال شعيب :فأخبرت بذلك أبا العالية فقال
:كذلك كنا نسمع ).(2
ن قََرارٍ { م ْ ما لَها ِ َ ض َ ن فَوْ ِ جت ُث ّ ْ
ق الْر ِ م ْ ت { أي :استؤصلت } ِ وقوله } :ا ْ
أي :ل أصل لها ول ثبات ،كذلك الكفر ل أصل له ول فرع ،ول يصعد للكافر
عمل ،ول يتقبل منه شيء.
ضلّ خَرةِ وَي ُ ِ حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ ْ
ت ِفي ال َ ّ
ل الثاب ِ ِ مُنوا ِبال ْ َ
قو ْ ِ نآ َ ذي َ ه ال ّ ِت الل ّ ُ } ي ُث َب ّ ُ
شاُء ){ (27 ما ي َ َه َ ل الل ّ ُ فعَ ُ ن وَي َ ْ مي َ ه ال ّ
ظال ِ ِ الل ّ ُ
مْرَثد قال : قال البخاري :حدثنا أبو الوليد ،حدثنا شعبة ،أخبرني علقمة بن َ
سمعت سعد بن عبيدة ،عن البراء بن عازب ،رضي الله عنه ؛ أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال " :المسلم إذا سئل في القبر ،شهد أن ل إله
ل
قو ْ ِ مُنوا ِبال ْ َ نآ َ ذي َ ه ال ّ ِت الل ّ ُإل الله وأن محمدا رسول الله ،فذلك قوله } :ي ُث َب ّ ُ
خَرةِ { ).(3 حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ ت ِفي ال ْ َ الّثاب ِ ِ
قّية الجماعة كلهم ،من حديث شعبة ،به ).(4 ورواه مسلم أيضا وب َ ِ
من َْهال بن وقال المام أحمد :حدثنا أبو معاوية ،حدثنا العمش ،عن ال ِ
عمرو ،عن زاذان ،عن البراء بن عازب قال :خرجنا مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم في جنازة رجل من النصار ،فانتهينا إلى القبر ولما يلحد ،
فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله ،كأن على رءوسنا
الطير ،وفي يده عود ي َْنكت به في الرض ،فرفع رأسه فقال " :استعيذوا
بالله من عذاب القبر" ،مرتين أو ثلثا ،ثم قال " :إن العبد المؤمن إذا كان
في انقطاع من الدنيا وإقبال من الخرة نزل إليه ملئكة من السماء ،بيض
حُنوط من الوجوه كأن وجوههم الشمس ،معهم كفن من أكفان الجنة و َ
حُنوط الجنة ،حتى يجلسوا منه مد البصر .ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس َ
عند رأسه ،فيقول :أيتها النفس الطيبة ،اخرجي إلى مغفرة من الله
قاء فيأخذها ، س َ ورضوان" .قال " :فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من ِفي ال ّ
فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين ،حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك
الكفن وفي ذلك الحُنوط ،ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه
الرض .فيصعدون بها ،فل يمرون -يعني بها -على مل من الملئكة
__________
) (1في أ " :الحنظلة".
) (2ورواه الترمذي في السنن برقم ) (3119عن عبد بن حميد ،عن أبي
الوليد ،عن حماد بن سلمة به نحوه ،وقد سبق الكلم عليه.
) (3صحيح البخاري برقم ).(4699
) (4صحيح مسلم برقم ) (2871وسنن أبي داود برقم ) (4750وسنن
الترمذي برقم ) (3120وسنن النسائي ) (4/101وسنن ابن ماجة برقم )
.(4269
) (4/494
إل قالوا :ما هذا الروح ]الطيب[ ) (1؟ فيقولون :فلن ابن فلن ،بأحسن
أسمائه التي ]كانوا[ ) (2يسمونه بها في الدنيا ،حتى ينتهوا به إلى السماء
الدنيا ،فيستفتحون له ،فيفتح له ،فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى
السماء التي تليها ،حتى ينتهى بها إلى السماء السابعة ،فيقول الله :اكتبوا
عليين ،وأعيدوه إلى الرض ،فإني منها خلقتهم وفيها كتاب عبدي في ِ
أعيدهم ،ومنها أخرجهم تارة أخرى".
قال " :فت َُعاد روحه ]في جسده[ ) (3فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولن له :من
ربك ؟ فيقول :ربي الله .فيقولن له :ما دينك ؟ فيقول :ديني السلم.
فيقولن له :ما هذا الرجل الذي ُبعث فيكم ؟ فيقول :هو رسول الله.
فيقولن له :وما علمك ؟ فيقول :قرأت كتاب الله ،فآمنت به وصدقت.
فينادي مناد من السماء :أن صدق عبدي ،فأفرشوه من الجنة ،وألبسوه
حها وطيبها ، من الجنة ،وافتحوا له باًبا إلى الجنة -قال :فيأتيه من َروْ ِ
ويفسح له في قبره مد بصره .ويأتيه رجل حسن الوجه ،حسن الثياب ،
طيب الريح ،فيقول :أبشر بالذي يسرك ،هذا يومك الذي كنت توعد.
فيقول له من أنت ؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير .فيقول :أنا عملك الصالح.
فيقول :رب أقم الساعة .رب ،أقم الساعة ،حتى أرجع إلى أهلي ومالي".
قال " :وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الخرة ،
سوح ،فجلسوا منه مد م ُ نزل إليه من السماء ملئكة سود الوجوه ،معهم ال ُ
البصر .ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه ،فيقول :أيتها النفس
ضب" .قال " :فَتفرق في جسده ، خط من الله وغَ َ س َ الخبيثة ،اخرجي إلى َ
فود من الصوف المبلول ،فيأخذها ،فإذا أخذها لم س ّفينتزعها كما ينتزع ال ّ
يدعوها ) (4في يده طرفة عين ،حتى يجعلوها في تلك المسوح .ويخرج منها
كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الرض ،فيصعدون بها فل يمرون بها على
مل من الملئكة إل قالوا :ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون :فلن ابن فلن ، َ
بأقبح أسمائه التي كان يسمونه بها في الدنيا ]حتى ينتهى به إلى السماء
الدنيا[ ) (5فيستفتح له فل يفتح له" .ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم
فتح ل َه َ
م
س ّ
ل ِفي َ م ُ ج َج ال ْ َحّتى ي َل ِ َ ة َ ن ال ْ َ
جن ّ َ خُلو َ
ماِء َول ي َد ْ ُ س َ
ب ال ّ وا ُم أب ْ َ
} :ل تُ َ ّ ُ ُ ْ
ط { ]العراف ، [40 :فيقول الله " :اكتبوا كتابه في سجين ،في خَيا ِال ْ ِ
َ ّ
ك ِباللهِ فَك َأن ّ َ
ما شرِ ْ ن يُ ْ م ْ الرض السفلى ،فتطرح روحه طرحا" .ثم قرأ } :وَ َ
َ
ق { ]الحج : حي ٍ س ِ ن َ كا ٍم َ ح ِفي َ وي ب ِهِ الّري ُ ه الط ّي ُْر أوْ ت َهْ ِ ف ُخط َ ُماِء فَت َ ْس َ
ن ال ّ م َ
خّر ِ َ
.[31
"فتعاد روحه في جسده ،ويأتيه ملكان فيجلسانه ويقولن له :من ربك ؟
فيقول :هاه هاه ،ل أدري .فيقولن له :ما دينك ؟ فيقول :هاه هاه ،ل
أدري .فيقولن له :ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول :هاه هاه ،ل
أدري .فينادي مناد من السماء :أن كذب فأفرشوه من النار ،وافتحوا له بابا
إلى النار .فيأتيه من حرها وسمومها ،ويضيق عليه قبره ،حتى تختلف فيه
أضلعه ،ويأتيه رجل
__________
زيادة من ت ،أ ،والمسند. )(1
زيادة من ت ،أ ،والمسند. )(2
زيادة من ت ،أ ،والمسند. )(3
في أ " :لم يدعها". )(4
زيادة من ت ،أ ،والمسند. )(5
) (4/495
قبيح الوجه ،قبيح الثياب ،منتن الريح فيقول :أبشر بالذي يسوءك ،هذا
يومك الذي كنت توعد .فيقول :ومن أنت فوجهك ]الوجه[ ) (1يجيئ بالشر.
فيقول :أنا عملك الخبيث ،فيقول :رب ،ل تقم الساعة".
ورواه أبو داود من حديث العمش ،والنسائي وابن ماجة من حديث المنهال
بن عمرو ،به ).(2
مر ،عن يونس بن خباب )(3 معْ َ وقال المام أحمد :حدثنا عبد الرزاق ،حدثنا َ
من َْهال بن عمرو ،عن زاذان ،عن البراء بن عازب ،رضي الله عنه ، عن ال ِ
قال :خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة ،فذكر نحوه.
وفيه " :حتى إذا خرج روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والرض ] ،وكل
ملك في السماء[ ) (4وفتحت أبواب السماء ،ليس من أهل باب إل وهم
يدعون الله ،عز وجل ،أن يعرج بروحه من قبلهم".
وفي آخره " :ثم يقيض له أعمى أصم أبكم ،وفي يده مرزّبة لو ضرب بها
جبل لكان ترابا ،فيضربه ضربة فيصير ترابا .ثم يعيده الله ،عز وجل ،كما
كان ،فيضربه ضربة أخرى فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إل الثقلين" .قال
البراء :ثم يفتح له باب إلى النار ،ويمهد من فرش النار ).(5
مة ،عن البراء في قوله تعالى : خي ْث َ َوقال سفيان الثوري ،عن أبيه ،عن َ
حَياةِ الد ّن َْيا { قال :عذاب القبر. ْ
ت ِفي ال َ ل الّثاب ِ ِ مُنوا ِبال ْ َ
قو ْ ِ نآ َ ه ال ّ ِ
ذي َ ت الل ّ ُ} ي ُث َب ّ ُ
خارق ،عن أبيه ،عن عبد الله قال :إن م َ وقال المسعودي ،عن عبد الله بن ُ
المؤمن إذا مات أجلس في قبره ،فيقال له :من ربك ؟ ما دينك ؟ من
نبيك ؟ فيثبته الله ،فيقول :ربي الله ،وديني السلم ،ونبيي محمد صلى
ت ِفي ل الّثاب ِ ِ مُنوا ِبال ْ َ
قو ْ ِ نآ َذي َه ال ّ ِ
ت الل ّ ُ الله عليه وسلم .وقرأ عبد الله } :ي ُث َب ّ ُ
خَرةِ { ).(6 حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ ال ْ َ
وقال المام عبد بن حميد ،رحمه الله ،في مسنده :حدثنا يونس بن محمد ،
حدثنا شيبان بن عبد الرحمن ،عن قتادة ،حدثنا أنس بن مالك قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إن العبد إذا وضع في قبره ،وتولى عنه
أصحابه ،إنه ليسمع قرع نعالهم" .قال " :فيأتيه ملكان فيقعدانه فيقولن له :
ما كنت تقول في هذا الرجل ؟" قال " :فأما المؤمن فيقول :أشهد أنه عبد
الله ورسوله" .قال " :فيقال له :انظر إلى مقعدك من النار ،قد أبدلك الله
به مقعدا من الجنة" .قال نبي الله صلى الله عليه وسلم " :فيراهما جميعا".
قال
__________
) (1زيادة من ت ،أ ،والمسند.
) (2المسند ) (4/287وسنن أبي داود برقم ) (4753وسنن النسائي برقم )
(4/78وسنن ابن ماجة برقم ).(1548
) (3في هـ ،أ " :يونس بن حبيب" والمثبت من ت والمسند.
) (4زيادة من ت ،أ ،والمسند.
) (5المسند ).(4/295
) (6رواه الطبري في تفسيره ).(16/597
) (4/496
ضًرا إلى
خ ِقتادة :وذكر لنا أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعا ،ويمل عليه َ
يوم القيامة.
رواه مسلم عن عبد بن حميد ،به ) (1وأخرجه النسائي من حديث يونس بن
محمد المؤدب ،به ).(2
جَرْيج ،أخبرني أبووقال المام أحمد :حدثنا يحيى بن سعيد ،عن ابن ُ
الزبير ،أنه سأل جابر بن عبد الله عن فَّتاني القبر فقال :سمعت النبي صلى
الله عليه وسلم يقول " :إن هذه المة ت ُب ْت ََلى في قبورها ،فإذا أدخل المؤمن
قبره وتولى عنه أصحابه ،جاء ملك شديد النتهار ،فيقول له :ما كنت تقول
في هذا الرجل ؟ فيقول المؤمن :أقول :إنه رسول الله وعبده .فيقول له
الملك :انظر إلى مقعدك الذي كان لك في النار ،قد أنجاك الله منه ،
وأبدلك بمقعدك الذي ترى من النار مقعدك الذي ترى من الجنة ،فيراهما
كليهما .فيقول المؤمن :دعوني أبشر أهلي .فيقال له :اسكن .وأما المنافق
فيقعد إذا تولى عنه أهله ،فيقال له :ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول :
ل أدري ،أقول كما يقول الناس .فيقال له :ل دريت ،هذا مقعدك الذي كان
لك في الجنة ،قد أبدلت مكانه مقعدك من النار".
قال جابر :فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول " :يبعث كل عبد في
القبر على ما مات ،المؤمن على إيمانه ،والمنافق على نفاقه".
إسناده ) (3صحيح على شرط مسلم ،ولم يخرجاه ).(5) (4
وقال المام أحمد :حدثنا أبو عامر ،حدثنا عباد بن راشد ،عن داود بن أبي
شِهدنا مع رسول الله هند ،عن أبي نضرة ،عن أبي سعيد الخدري قال َ :
صلى الله عليه وسلم جنازة ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :يا
أيها الناس ،إن هذه المة ُتبَتلى في قبورها ،فإذا النسان دفن وتفرق عنه
أصحابه ،جاءه ملك في يده مطراق فأقعده ،قال :ما تقول في هذا
الرجل ؟ فإن كان مؤمنا قال :أشهد أن ل إله إل الله ،وأشهد أن محمدا عبد
الله ورسوله ) (6فيقول له :صدقت .ثم يفتح له بابا إلى النار ،فيقول :هذا
كان منزلك لو كفرت بربك ،فأما إذ آمنت فهذا منزلك .فيفتح له بابا إلى
الجنة ،فيريد أن ينهض إليه ،فيقول له :اسكن .ويفسح له في قبره"" .وإن
كان كافرا أو منافقا يقول ) (7له :ما تقول في هذا الرجل ؟ فيقول :ل
أدري ،سمعت الناس يقولون شيئا ) (8فيقول :ل دريت ول تليت ول
اهتديت .ثم يفتح له بابا إلى الجنة ،فيقول له :هذا
__________
) (1المنتخب لعبد بن حميد برقم ) (1178وصحيح مسلم برقم ).(2870
) (2سنن النسائي ).(4/97
) (3في ت " :إسناد".
) (4في ت " :ولم يخرجوه".
) (5الذي في المسند ) : (3/346حدثنا موسى بن داود ،حدثنا ابن لهيعة ،
عن أبي الزبير به ،وكذا في أطراف المسند لبن حجر ).(2/110
) (6في أ " :وأن محمدا رسول الله".
) (7في ت ،أ " :فيقول".
) (8في أ " :شيئا فقلته".
) (4/497
منزلك لو آمنت بربك ،فأما إذ كفرت به فإن الله ،عز وجل ،أبدلك به هذا.
خل ْقُ الله ،
ة بالمطراق يسمعها َ معه قمع ً فيفتح ) (1له بابا إلى النار ،ثم يق َ
عز وجل ،كلهم غير الثقلين" .فقال بعض القوم :يا رسول الله ،ما أحد
يقوم عليه ملك في يده مطراق ) (2إل هيل عند ذلك .فقال رسول الله صلى
ل الّثاب ِ ِ
ت { ).(3 قو ْ ِمُنوا ِبال ْ َ
نآ َ ذي َ ه ال ّ ِ
ت الل ّ ُ
الله عليه وسلم } :ي ُث َب ّ ُ
وهذا أيضا إسناد ل بأس به ،فإن عباد بن راشد التميمي روى له البخاري
مقرونا ،ولكن ضعفه بعضهم.
وقال المام أحمد :حدثنا حسين بن محمد ،عن ابن أبي ذئب ،عن محمد بن
سار ،عن أبي هريرة ،عن النبي صلى الله عمرو بن عطاء ،عن سعيد بن ي َ َ
عليه وسلم ) (4إن الميت تحضره الملئكة ،فإذا كان الرجل الصالح قالوا :
اخرجي أيتها النفس المطمئنة ) (5كانت في الجسد الطيب ،اخرجي
حميدة ،وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان" .قال " :فل يزال يقال لها
ذلك حتى تخرج ،ثم ي ُعَْرج بها إلى السماء ،فيستفتح لها فيقال :من هذا ؟
فيقال :فلن .فيقولون :مرحبا بالروح الطيبة كانت في الجسد الطيب ،
ادخلي حميدة ،وأبشري بروح وريحان ،ورب غير غضبان" قال :فل يزال
يقال لها ذلك ،حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل.
وإذا كان الرجل السوء قالوا :اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد
ساق ،وآخر من شكله أزواج. الخبيث ،اخرجي ذميمة ،وأبشري بحميم وغَ ّ
فل يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ،ثم يعرج بها إلى السماء ،فيستفتح لها
فيقال :من هذا ؟ فيقال :فلن ،فيقال :ل مرحبا بالنفس الخبيثة كانت في
الجسد الخبيث ،ارجعي ذميمة ،فإنه ل تفتح ) (6لك أبواب السماء .فيرسل
) (7من السماء ،ثم يصير ) (8إلى القبر" ،فيجلس الرجل الصالح فيقال له
مثل ما قيل في الحديث الول ،ويجلس الرجل السوء فيقال له مثل ما قيل
في الحديث الول.
ورواه النسائي وابن ماجة ،من طريق ابن أبي ذئب ) (9بنحوه ).(10
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ،رضي الله عنه ،قال :إذا خرجت روح
العبد المؤمن ،تلقاها ملكان يصعدان بها .قال حماد :فذكر من طيب ريحها
وذكر المسك .قال :ويقول أهل السماء :روح طيبة جاءت من قَِبل الرض ،
مرينه ،فُينط َل َقُ به إلى ربه عز وجل ، سد كنت ت َعْ ُ ج َصّلى الله عليك وعلى َ َ
فيقول :انطلقوا به إلى آخر الجل .وإن الكافر إذا خرجت روحه .قال حماد :
وذكر من
__________
) (1في ت " :ففتح".
) (2في ت " :مطرقة".
) (3المسند ).(3/3
) (4في ت ،أ " :عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال".
) (5في ت ،أ " :الطيبة".
) (6في ت ،أ " :يفتح".
) (7في ت " :فترسل".
) (8في ت " :تصير".
) (9في ت " :ابن أبي ذهاب" وفي أ " :ابن أبي ذر".
) (10المسند ) (2/364وسنن ابن ماجة برقم ) (4262وقال البوصيرى في
الزوائد )" : (3/311هذا إسناد صحيح رجاله ثقات".
) (4/498
ن َْتنها وذكر مقتا ،ويقول أهل السماء :روح خبيثة جاءت من قبل الرض .قال
:فيقال :انطلقوا به إلى آخر الجل .قال أبو هريرة :فرد ّ رسول الله صلى
ة كانت عليه على أنفه ،هكذا ).(1 الله عليه وسلم َرب ْط َ ً
وقال ابن حبان في صحيحه :حدثنا عمر بن محمد الهمداني ،حدثنا زيد بن
أخزم ،حدثنا معاذ بن هشام ،حدثني أبي ،عن قتادة ،عن قسامة بن زهير ،
عن أبي هريرة ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " :إن المؤمن إذا ُقبض
،أتته ملئكة الرحمة بحريرة بيضاء ،فيقولون :اخرجي إلى روح الله .فتخرج
كأطيب ريح مسك ،حتى إنه ليناوله بعضهم بعضا يشمونه حتى يأتوا به باب
السماء ،فيقولون ما هذا الريح الطيبة التي جاءت من ِقبل الرض ؟ ول
يأتون سماء إل قالوا مثل ذلك ،حتى يأتوا به أرواح المؤمنين َ ،فلُهم أشد ّ
حا به من أهل الغائب بغائبهم ،فيقولون :ما فعل فلن ؟ فيقولون :دعوه فر ً
م! فيقول :قد مات ،أما أتاكم ؟ فيقولون : حتى يستريح ،فإنه كان في غ ّ
سح فيقولون : ُذهب به إلى أمه الهاوية .وأما الكافر فيأتيه ملئكة العذاب بم ْ
هب به إلى باب اخرجي إلى غضب الله ،فتخرج كأنتن ريح جيفة ،فَي ُذ ْ َ
الرض" ).(2
مام بن يحيى ،عن قتادة ،عن أبي الجوزاء ،عن وقد روي أيضا من طريق هَ ّ
أبي هريرة ،عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .قال " :فَُيسأل :ما فعل
فلن ،ما فعل فلن ؟ ما فعلت فلنة ؟" قال " :وأما الكافر فإذا ُقبضت
نفسه ،وُذهب بها إلى باب الرض تقول خزنة الرض :ما وجدنا ريحا أنتن
من هذه .فَي ُب ْل َغُ بها الرض السفلى" ).(3
قال قتادة :وحدثني رجل ،عن سعيد بن المسيب ،عن عبد الله بن عمرو
قال :أرواح المؤمنين تجمع بالجابية .وأرواح الكفار تجمع ببرهوت ،سبخة
بحضرموت.
وقال الحافظ أبو عيسى الترمذي ،رحمه الله :حدثنا يحيى بن خلف ،حدثنا
بشر بن المفضل ،عن عبد الرحمن بن إسحاق ،عن سعيد بن أبي سعيد
ري ،عن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إذا قب ُ ِ
الم ْ
قبر الميت -أو قال :أحدكم -أتاه ملكان أسودان أزرقان ) (4يقال
لحدهما :المنكر ،والخر :النكير ،فيقولن :ما كنت تقول في هذا الرجل ؟
فيقول ما كان يقول :هو عبد الله ورسوله ،أشهد أن ل إله إل الله ،وأشهد
دا عبده ورسوله .فيقولن :قد كنا نعلم أنك تقول هذا .ثم يفسح له أن محم ً
م.
ور له فيه ،ثم يقال له :ن َ ْ في قبره سبعون ذراعا في سبعين .ثم ين ّ
ة العروس الذي ل م نوم َ فيقول :أرجع إلى أهلي فأخبرهم ،فيقولن :ن َ ْ
ب أهله إليه ،حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك .وإن كان منافقا ح ّ
يوقظه إل أ َ
قال :سمعت الناس يقولون فقلت مثلهم ،ل أدري .فيقولن :قد كنا نعلم
أنك
__________
) (1صحيح مسلم برقم ).(2872
) (2صحيح ابن حبان برقم )" (733موارد".
) (3صحيح ابن حبان برقم )" (731موارد" ورواه الحاكم في المستدرك )
(1/351من طريق همام به نحوه وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
) (4في ت " :أزراق".
) (4/499
تقول ذلك ،فيقال ) (1للرض :التئمي عليه .فتلتئم عليه ،فتختلف أضلعه ،
فل يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك" ).(2
ثم قال الترمذي :هذا حديث حسن غريب.
وقال حماد بن سلمة ،عن محمد بن عمرو ،عن أبي سلمة ،عن أبي هريرة
ل
قو ْ ِمُنوا ِبال ْ َ
نآ َ ه ال ّ ِ
ذي َ ت الل ّ ُقال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } :ي ُث َب ّ ُ
خَرةِ { قال " :ذاك إذا قيل له في القبر :من حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ ت ِفي ال ْ َ الّثاب ِ ِ
ربك ؟ وما دينك ؟ فيقول :ربي الله ،وديني السلم ،ونبيي محمد ،جاءنا
ت ،على هذا صد َقْ َ دقت .فيقال له َ : بالبينات من عند الله ،فآمنت به وص ّ
عشت ،وعليه مت ،وعليه تبعث" ).(3
وقال ابن جرير :حدثنا مجاهد بن موسى والحسن بن محمد قال حدثنا يزيد ،
أنبأنا محمد بن عمرو ،عن أبي سلمة ،عن أبي هريرة ) (4إن الميت ليسمع
خفق نعالهم حين يولون عنه مدبرين ،فإذا كان مؤمنا كانت الصلة عند رأسه
،والزكاة عن يمينه ،والصيام عن يساره ،وكان فعل الخيرات من الصدقة
والصلة والمعروف والحسان إلى الناس عند رجليه ،فيؤتى من عند رأسه
فتقول الصلة :ما قبلي مدخل ،فيؤتى من عن يمينه فتقول الزكاة :ما
ل .فيؤتى من خ ٌ مد َ قبلي مدخل .فيؤتى عن يساره فيقول الصيام :ما قَِبلي َ
عند رجليه فيقول ) (5فعل الخيرات :ما قَِبلي مدخل .فيقال له اجلس.
فيجلس ،قد َتمّثلت ) (6له الشمس ،قد دنت للغروب ،فيقال له أخبرنا عما
) (7نسألك .فيقول :دعوني ) (8حتى أصلي .فيقال :إنك ستفعل ،فأخبرنا
م تسألوني ؟ فيقال :أرأيت هذا الرجل الذي كان عما نسألك .فيقول :وعَ ّ
فيكم ،ماذا تقول فيه ،وماذا تشهد به عليه ؟ فيقول :أمحمد ؟ فيقال له :
نعم .فيقول :أشهد أنه رسول الله ،وأنه جاءنا ) (9بالبينات من عند الله ،
ت ،وعلى ذلك تبعث إن ت ،وعلى ذلك م ّ حيي َ فصدقناه .فيقال له :على ذلك َ
ور له فيه ،ويفتح له باب شاء الله .ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا وي ُن َ ّ
إلى الجنة ،فيقال له :انظر إلى ما أعد الله لك فيها .فيزداد غبطة ]وسرورا[
) (10ثم يجعل نسمه في النسم الطيب ،وهي طير خضر تعلق بشجر
تالجنة ،ويعاد الجسد إلى ما بدئ منه من التراب" ،وذلك قول الله } :ي ُث َب ّ ُ
خَرةِ { ).(11 حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِت ِفي ال ْ َل الّثاب ِ ِ
قو ْ ِمُنوا ِبال ْ َنآ َ ه ال ّ ِ
ذي َ الل ّ ُ
ورواه ابن حّبان ،من طريق المعتمر بن سليمان ،عن محمد بن عمرو ،
وذكر جواب الكافر
__________
) (1في ت " :ويقال".
) (2سنن الترمذي برقم ).(1071
) (3رواه الطبري في تفسيره ).(16/596
) (4في ت ،أ " :عن أبي هريرة قال".
) (5في ت " :فتقول".
) (6في ت ،أ " :مثلت".
) (7في ت " :كما".
) (8في ت ،أ " :دعني".
) (9في ت ،أ " :جاء".
) (10زيادة من ت ،أ ،والطبري.
) (11تفسير الطبري ).(597 ، 16/596
) (4/500
وعذابه ).(1
وقال البزار :حدثنا سعيد بن بحر القراطيسي ،حدثنا الوليد بن القاسم ،
سبه رفعه -قال : حدثنا يزيد بن ك َْيسان ،عن أبي حازم ،عن أبي هريرة -أح َ
"إن المؤمن ينزل به الموت ،ويعاين ما يعاين ،فيود ّ ) (2لو خرجت -يعني
سه -والله يحب لقاءه ،وإن المؤمن يصعد بروحه إلى السماء ،فتأتيه نف ُ
أرواح المؤمنين ،فتستخبره ) (3عن معارفهم من أهل الرض ،فإذا قال :
تركت فلنا في الرض ) (4أعجبهم ذلك .وإذا قال :إن فلنا قد مات ،قالوا :
ما جيء به إلينا .وإن المؤمن يجلس في قبره ،فيسأل :من ربك ؟ فيقول :
ربي الله ) (5ويسأل :من نبيك ؟ فيقول :محمد نبيي ) (6فيقال :ماذا دينك
؟ قال :ديني السلم .فيفتح له باب في قبره ،فيقول -أو :يقال -انظر
دو الله نزل به دة .وإذا كان عَ ُإلى مجلسك .ثم يرى القبر فكأنما كانت َرقْ َ
الموت وعاين ما عاين ،فإنه ل يحب أن تخرج روحه أبدا ،والله يبغض
لقاءه ،فإذا جلس في قبره -أو :أجلس -يقال له :من ربك ؟ فيقول :ل
أدري .فيقال :ل دريت .فيفتح له باب من جهنم ،ثم يضرب ) (7ضربة
يسمعها ) (8كل دابة إل الثقلين ،ثم يقال له :نم كما ينام المنهوش" .قلت
لبي هريرة :ما المنهوش ؟ قال :الذي تنهشه الدواب والحيات ،ثم يضيق
عليه قبره.
ثم قال :ل نعلم رواه إل الوليد بن القاسم ).(9
جين بن المثنى ،حدثنا عبد العزيز بن ح َوقال المام أحمد ،رحمه الله :حدثنا ُ
در قال :كانت أسماء -يعني بنت منك َ ِأبي سلمة الماجشون ،عن محمد بن ال ُ
الصديق -رضي الله عنها ،تحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قالت :
ف به عمُله :الصلةُ ح ّ
قال " :إذا دخل النسان قبره ،فإن كان مؤمنا أ َ
والصيام" ،قال " :فيأتيه الملك من نحو الصلة فترده ،ومن نحو الصيام
فيرده" ،قال " :فيناديه :اجلس .فيجلس .فيقول له :ماذا تقول في هذا
الرجل ؟ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ،قال :من ؟ قال :محمد .قال
أشهد أنه رسول الله ،قال :يقول :وما يدريك ؟ أدركته ؟ قال :أشهد أنه
ث .وإن ) ت ،وعليه تبع ُ ت ،وعليه م ّ رسول الله .قال :يقول :على ذلك عش َ
(10كان فاجًرا أو كافًرا ،جاءه الملك ليس بينه وبينه شيء ي َُرّده ،فأجلسه
يقول :اجلس ،ماذا تقول في هذا الرجل ؟ قال :أي رجل ؟ قال :محمد ؟
قال :يقول :والله ما أدري ،سمعت الناس يقولون شيئا فقلته .قال له
ت ،وعليه ت ،وعليه م َالملك :على ذلك عش َ
__________
) (1صحيح ابن حبان برقم )" (781موارد".
) (2في ت " :فود".
) (3في ت " :فيستخبرونه".
) (4في أ " :في الدنيا".
) (5في ت " :الله ربي".
) (6في ت ،أ " :نبيي محمد".
) (7في ت ،أ " :يضربه".
) (8في ت ،أ " :يسمع".
) (9مسند البزار برقم )" (874كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع )
" : (3/52في الصحيح طرف منه رواه البزار ورجاله ثقات خل سعيد بن بحر
القراطيسى +فإني لم أعرفه".
) (10في ت " :قال :وإن".
) (4/501
جمرة ٌ مثل مَرته )َ (1 ث .قال :وتسّلط عليه دابة في قبره ،معها سوط ت َ ْ تبع ُ
حمه" ).(3 غَْرب ) (2البعير ،تضربه ما شاء الله ،صماء ل تسمع صوَته فتر َ
وقال العوفي ،عن ابن عباس ،رضي الله عنهما ،في هذه الية قال :إن
حضَره الموت شهدته الملئكة ،فسلموا عليه وبشروه بالجنة ، المؤمن إذا َ
صلوا عليه مع الناس ،فإذا دفن أجلس في ّ شوا مع جنازته ،ثم َ م َ فإذا مات َ
قبره فيقال له :من ربك ؟ فيقول :ربي الله .فيقال له :من رسولك ؟
فيقول :محمد صلى الله عليه وسلم .فيقال له :ما شهادتك ؟ فيقول :
سع له في قبره مد أشهد أن ل إله إل الله ،وأشهد أن محمدا رسول الله .فيو ّ
صره .وأما الكافر فتنزل عليه الملئكة ،فيبسطون أيديهم " -والبسط" :هو بَ َ
الضرب -يضربون وجوههم وأدبارهم عند الموت .فإذا أدخل قبره أقعد ،
فقيل له :من ربك ؟ فلم ي َْرجع إليهم شيئا ،وأنساه الله ذكر ذلك .وإذا قيل :
ث إليك ؟ لم يهتد له ،ولم يرجع إليه شيًئا ،كذلك يضل من الرسول الذي ُبع َ
الله الظالمين.
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم الودي ،حدثنا شريح بن
مسلمة حدثنا إبراهيم بن يوسف ،عن أبيه ،عن أبي إسحاق ،عن عامر بن
ن
ذي َ ه ال ّ ِت الل ّ ُ سعد البجلي ،عن أبي قتادة النصاري في قوله تعالى } :ي ُث َب ّ ُ
خَرةِ { الية ،قال :إن المؤمن حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ ت ِفي ال ْ َ ل الّثاب ِ ِ مُنوا ِبال ْ َ
قو ْ ِ آ َ
إذا مات أجلس في قبره ،فيقال ) (4له :من ربك ؟ فيقول :الله .فيقال
له :من نبيك ؟ فيقول :محمد بن عبد الله .فيقال له في ذلك مرات .ثم
غت ) (5ثم يفتح له باب إلى النار ،فيقال له :انظر إلى منزلك في النار لو ُز ْ
يفتح له باب إلى الجنة ،فيقال له :انظر إلى منزلك ]من الجنة إذ ثبت .وإذا
مات الكافر أجلس في قبره ،فيقال له :من ربك ؟ من نبيك ؟ فيقول :ل
أدري ،كنت أسمع الناس يقولون .فيقال له :ل دريت .ثم يفتح له باب إلى
الجنة ،فيقال له :انظر إلى منزلك[ ) (6لو ثبت ،ثم يفتح له باب إلى النار ،
ت الل ّ ُ
ه فيقال له :انظر إلى منزلك إذ زغت ) (7فذلك قوله تعالى } :ي ُث َب ّ ُ
خَرةِ {حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِت ِفي ال ْ َ ل الّثاب ِ ِقو ْ ِمُنوا ِبال ْ َ نآ َ ال ّ ِ
ذي َ
ن
ذي َه ال ّ ِ ت الل ّ ُ وقال عبد الرزاق ،عن معمر ،عن ابن طاوس ،عن أبيه } :ي ُث َب ّ ُ
خَرةِ { ت ِفي ال ْ َ
حَياةِ الد ّن َْيا { قال :ل إله إل الله } ،وَِفي ال ِ ل الّثاب ِ ِ مُنوا ِبال ْ َ
قو ْ ِ آ َ
المسألة في القبر ).(8
وقال قتادة :أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح } ،وَِفي
خَرةِ { في القبر .وكذا روي عن غير واحد من السلف. ال ِ
وقال أبو عبد الله الحكيم الترمذي في كتابه "نوادر الصول" :حدثنا أبي ،
حدثنا عبد الله بن
__________
) (1في ت ،أ " :تمر به".
) (2في ت ،أ " :عرف".
) (3المسند ).(6/352
) (4في ت " :يقال".
) (5في ت " :لو رغبت".
) (6زيادة من ت ،أ.
) (7في ت ،أ " :إذ رغبت".
) (8تفسير عبد الرزاق ).(1/296
) (4/502
نافع ،عن ابن أبي فُد َْيك ،عن عبد الرحمن بن عبد الله ) (1عن سعيد بن
المسيب ،عن عبد الرحمن بن سمرة قال :خرج علينا رسول الله صلى الله
عليه وسلم ذات يوم ،ونحن في مسجد المدينة ،فقال " :إني رأيت البارحة
عجًبا ،رأيت رجل من أمتي ]جاءه ملك الموت ليقبض روحه ،فجاءه بّره
بوالديه ) (2فرد عنه .ورأيت رجل من أمتي[ ) (3قد بسط عليه عذاب القبر ،
فجاءه ُوضوءه فاستنقذه من ذلك .ورأيت رجل من أمتي ]قد[ ) (4احتوشته
الشياطين ،فجاءه ذكر الله فخلصه من بينهم .ورأيت رجل من أمتي قد
احتوشته ملئكة العذاب ،فجاءته صلته فاستنقذته من أيديهم .ورأيت رجل
منع منه ،فجاءه صيامه فسقاه من أمتي يلهث عطشا ،كلما ورد حوضا ُ
َ
وأرواه .ورأيت رجل من أمتي والنبيون قعود حلقا حلقا ،وكلما دنا لحقة
طردوه ،فجاءه اغتساله من الجنابة ،فأخذ بيده فأقعده إلى جنبي .ورأيت
رجل من أمتي ]من[ ) (5بين يديه ظلمة ،ومن خلفه ظلمة ،وعن يمينه
ظلمة ،وعن شماله ظلمة ،ومن فوقه ظلمة ،ومن تحته ظلمة ،وهو متحير
فيها ،فجاءته حجته وعمرته ،فاستخرجاه من الظلمة وأدخله النور ،ورأيت
رجل من أمتي يكلم المؤمنين فل يكلمونه ،فجاءته صَلة الرحم ،فقالت :يا
هج الّنار أو
معشر المؤمنين ،كلموه ،فكلموه .ورأيت رجل من أمتي يتقي وَ َ
ها بيده عن وجهه ،فجاءته صدقته فصارت سترا على وجهه وظل على َ
شرر َ
رأسه .ورأيت رجل من أمتي قد أخذته الزبانية من كل مكان ،فجاءه أمره
بالمعروف ونهيه عن المنكر ،فاستنقذاه من أيديهم ،وأدخله مع ملئكة
الرحمة .ورأيت رجل من أمتي جاثيا على ركبتيه ،بينه وبين الله حجاب ،
خُلقه ،فأخذ بيده فأدخله على الله ،عز وجل .ورأيت رجل من فجاءه حسن ُ
هوت صحيفته من قبل شماله ،فجاءه خوفه من الله فأخذ أمتي قد َ
صحيفته ،فجعلها في يمينه] .ورأيت رجل من أمتي قد خف ميزانه ،فجاءته
أفراطه فثقلوا ميزانه[ ) (6ورأيت رجل من أمتي قائما على شفير جهنم ،
جله من الله ،فاستنقذه من ذلك ومضى .ورأيت رجل من أمتي هوى فجاءه و َ
في النار ،فجاءته دموعه التي بكى من خشية الله في الدنيا فاستخرجته من
سَعفة ،
عد كما ترعد ال ّ
النار ] ،ورأيت رجل من أمتي قائما على الصراط ُير َ
دته ،ومضى[ ) (7ورأيت رجل من أمتي فجاء حسن ظنه بالله ،فس ّ
كن رِعْ َ
ي ،فأخذت بيده على الصراط يزحف أحيانا ويحبو أحيانا ،فجاءته صلته عل ّ
فأقامته ومضى على الصراط .ورأيت رجل من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة ،
فغلقت البواب دونه ،فجاءته شهادة :أن ل إله إل الله ،ففتحت له البواب
وأدخلته الجنة" ).(8
قال القرطبي بعد إيراده هذا الحديث من هذا الوجه :هذا حديث عظيم ،ذكَر
فيه أعمال خاصة تنجي من أهوال خاصة .أورده هكذا في كتابه "التذكرة" )
.(9
__________
) (1في التذكرة " :عبد الرحمن بن أبي عبد الله".
) (2في ت " :بوالدته".
) (3زيادة من ت ،أ ،والتذكرة.
) (4زيادة من ت ،أ ،والتذكرة.
) (5زيادة من ت ،أ ،والتذكرة.
) (6زيادة من ت ،أ ،والتذكرة.
) (7زيادة من ت ،أ ،والتذكرة.
) (8ذكره الزبيدي في التحاف وعزاه للحكيم في النوادر وضعفه ،ورواه
الخرائطي في مكارم الخلق برقم ) (49من طريق سعيد بن عبد الله ،عن
علي بن زيد ،عن سعيد بن المسيب ،عن عبد الرحمن بن سمرة مرفوعا
بأخصر منه ،وذكر أن ابن تيمية كان يعظم شأن هذا الحديث ويقول :
"شواهد الصحة عليه".
) (9التذكرة في أحوال الموتى وأمور الخرة )ص .(242 - 240
) (4/503
وقد روى الحافظ أبو يعلى الموصلي في هذا حديثا غريبا مطول فقال :حدثنا
ري ،حدثنا محمد بن بكر البرساني أبو أبو عبد الله ) (1أحمد بن إبراهيم الن ّك ْ ِ
عثمان ،حدثنا أبو عاصم الحبطي -وكان من خيار أهل البصرة ،وكان من
أصحاب حزم ،وسلم بن أبي مطيع -حدثنا بكر بن خنيس ،عن ضرار بن
عمرو ،عن يزيد الرقاشي ،عن أنس بن مالك ،عن تميم الداري ،عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال " :يقول الله ،عز وجل ،لملك الموت :انطلق
ضربته بالسراء والضراء ،فوجدته حيث أحب. إلى وليي فأتني به ،فإني قد َ
ائتني به َفلريحّنه ).(2
حُنوطفينطلق إليه ملك الموت ومعه خمسمائة من الملئكة ،معهم أكفان و َ
من الجنة ،ومعهم ضبائر الريحان ،أصل الريحانة واحد وفي رأسها عشرون
لونا ،لكل لون منها ريح سوى ريح صاحبه ،ومعهم الحرير البيض فيه
المسك الذفر .فيجلس ) (3ملك الموت عند رأسه ،وتحف به الملئكة.
ويضع كل ملك منهم يده على عضو من أعضائه وي َْبسط ذلك الحرير البيض
ل عند ب إلى الجنة ،فإن نفسه ل ََتعل ّ ُ
والمسك الذَفر تحت ذقنه ،ويفَتح له با ٌ
ذلك بطرف الجنة تارة ،وبأزواجها )] (4مرة[ ) (5ومّرةً بكسواتها ومرة
بثمارها ،كما ي ُعَّلل الصبي أهله إذا بكى" .قال " :وإن أزواجه ليبتهشن عند
ذلك ابتها ً
شا".
جل إلى ما تحب. ساني :يريد أن تخرج من العَ َ قال " :وتنزو الروح" .قال الب ُْر َ
مَلك الموت :اخرجي يا أيتها الروح الطيبة ،إلى سدر قال " :ويقول َ
مَلك مخضود ،وطلح منضود ،وظل ممدود ،وماء مسكوب" .قال " :ول ََ
الموت أشد ّ به لطفا من الوالدة بولدها ،يعرف أن ذلك الروح حبيب لربه ،
ل روحه كما تسل س ّ فهو يلتمس بلطفه تحببا لديه رضاء للرب عنه ،فت ُ َ
ملئ ِك َ ُ
ة ْ
م ال َ ن ت َت َوَّفاهُ ُذي َ ّ
الشعرة من العجين" .قال " :وقال الله ،عز وجل } :ال ِ
َ
ن
حا ٌ ح وََري ْ َن فََروْ ٌ قّرِبي َ
م َن ال ْ ُم َ
ن ِ ن َ
كا َ ن { ]النحل ، [32 :وقال } فَأ ّ
ما إ ِ ْ ط َي ِّبي َ
ة ن َِعيم ٍ { ]الواقعة ، [89 ، 88 :قال " :روح من جهة الموت ،وريحان جن ّ ُ
وَ َ
يتلقى به ،وجنة نعيم تقابله" .قال " :فإذا َقبض ملك الموت روحه ،قالت
الروح للجسد :جزاك الله عني خيرا ،فقد كنت سريعا بي إلى طاعة الله ،
بطيئا بي عن معصية الله ،فقد نجيت وأنجيت" .قال " :ويقول الجسد للروح
مثل ذلك".
قال " :وتبكي ) (6عليه بقاع الرض التي كان يطيع الله فيها ،وكل باب من
السماء يصعد منه عمله .وينزل منه رزقه أربعين ليلة".
قال " :فإذا قََبض ملك الموت روحه ،أقامت الخمسمائة من الملئكة عند
جسده ،فل يقلبه ) (7بنو آدم لشق إل قلبته الملئكة قبلهم ،وغسلته وكفنته
بأكفان قبل أكفان بني آدم ،وحنوط قبل حنوط
__________
) (1في أ " :أبو عبد الرحمن".
) (2في ت ،أ " :فلريحه".
) (3في أ " :قال . :فيجلس".
) (4في ت ،أ " :مرة بأزواجها".
) (5زيادة من ت ،أ.
) (6في ت " :ويبكي".
) (7في ت ،أ " :فل تقلبه".
) (4/504
فان من الملئكة ،بني آدم ،ويقوم من بين باب بيته إلى باب قبره ص ّ
يستقبلونه بالستغفار ،فيصيح عند ذلك إبليس صيحة تتصدع ) (1منها عظام
خَلص هذا العبد منكم ،) (2جسده" .قال " :ويقول لجنوده :الويل لكم .كيف َ
فيقولون إن هذا كان عبدا معصوما".
قال " :فإذا صعد ملك الموت بروحه ،يستقبله جبريل في سبعين ألفا من
الملئكة ،كل يأتيه ببشارة من ربه سوى بشارة صاحبه" .قال " :فإذا انتهى
خّر الروح ساجدا" .قال " :يقول الله ،عزملك الموت بروحه إلى العرش َ ،
وجل ،لملك الموت :انطلق بروح عبدي فضعه في سدر مخضود ،وطلح
منضود ،وظل ممدود ،وماء مسكوب".
قال " :فإذا وضع في قبره ،جاءته الصلة فكانت عن يمينه ،وجاءه الصيام
فكان عن يساره ،وجاءه القرآن فكان عند رأسه ،وجاءه مشيه إلى الصلة
فكان عند رجليه ،وجاءه الصبر فكان ناحية القبر" .قال " :فيبعث الله ،عز
قا من العذاب" .قال " :فيأتيه عن يمينه" قال " :فتقول الصلة : وجل ،عُن ُ ً
وراءك والله ما زال دائبا عمره كله وإنما استراح الن حين وضع في قبره".
قال " :فيأتيه عن يساره ،فيقول الصيام مثل ذلك" .قال " :ثم يأتيه من عند
رأسه ،فيقول القرآن والذكر مثل ذلك" .قال " :ثم يأتيه من عند رجليه ،
فيقول مشيه إلى الصلة مثل ذلك .فل يأتيه العذاب من ناحية يلتمس هل
جد ولي الله قد أخذ جنته" .قال " :فينقمع العذاب عند ذلك غا إل و َ يجد مسا ً
فيخرج" .قال " :ويقول الصبر لسائر العمال :أما إنه لم يمنعني أن أباشر
أنا بنفسي إل أني نظرت ما عندكم ،فإن عجزتم كنت أنا صاحبه ،فأما إذ
أجزأتم عنه فأنا له ذخر عند الصراط والميزان".
قال " :ويبعث الله ملكين أبصارهما كالبرق الخاطف ،وأصواتهما كالرعد
القاصف ،وأنيابهما كالصياصي ،وأنفاسهما كاللهب ،يطآن في أشعارهما ،
كب كل واحد مسيرة كذا وكذا ،وقد نزعت منهما الرأفة والرحمة ، من ْ ِ بين َ
يقال لهما :منكر ونكير ،في يد كل واحد منهما مطرقة ،لو اجتمع عليها
ربيعة ومضر لم ُيقّلوها" .قال " :فيقولن له :اجلس" .قال " :فيجلس
فيستوي جالسا" .قال " :وتقع أكفانه في حقويه" .قال " :فيقولن له :من
ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟".
قال :قالوا :يا رسول الله ،ومن يطيق الكلم عند ذلك ،وأنت تصف من
ت َ
كين ما تصف ؟ قال :فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم } " :ي ُثب ّ ُ مل َ َال َ
ل الل ُّ
ه ض ّ ي و ة رخ
ِ َ ِ َُ ِ ال في و يان د ال
َ َ ِ َّْ َ ِ ة يا حْ لا في ت
ِ ِ ِ ب ّ
ثا ال لْ ِ و َ قْ لباالل ّ ُ ِ َ َ ُ ِ
نوا م آ ن ذي ّ ل ا ه
شاُء {ما ي َ َه َ ل الل ّ ُ فعَ ُ
ن وَي َ ْمي َ ظال ِ ِ ال ّ
قال " :فيقول :ربي الله وحده ل شريك له ،وديني السلم الذي دانت به
الملئكة ،ونبيي محمد خاتم النبيين" .قال " :فيقولن :صدقت" .قال :
فيدفعان القبر ،فيوسعان من بين يديه أربعين ذراعا ،وعن يمينه أربعين
ذراعا ،وعن شماله ) (3أربعين ذراعا ،ومن خلفه أربعين ذراعا ،ومن عند
رأسه
__________
) (1في ت ،أ " :يتصدع".
) (2في أ " :بعض عظام".
) (3في أ " :وعن يساره".
) (4/505
أربعين ذراعا ،ومن عند رجليه أربعين ذراعا" .قال " :فيوسعان له مائتي
ذراع".
قال البرساني :فأحسبه :وأربعين ذراعا تحاط به ).(1
قال " :ثم يقولن له :انظر فوقك ،فإذا باب مفتوح إلى الجنة" .قال :
ي الله ،هذا منزلك إذ أطعت الله" .فقال رسول الله صلى "فيقولن له :ول ّ
الله عليه وسلم " :والذي نفس محمد بيده ) (2إنه يصل إلى قلبه عند ذلك
دا ،ثم يقال له :انظر تحتك" .قال " :فينظر تحته فإذا باب فرحة ،ول ترتد أب ً
مفتوح إلى النار قال " :فيقولن :ولي الله نجوت آخر ما عليك" .قال :فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " :إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك فرحة ل
ترتد أبدا" .قال :فقالت عائشة :يفتح له سبعة وسبعون بابا إلى الجنة ،يأتيه
ريحها وبردها ،حتى يبعثه الله ،عز وجل.
وبالسناد المتقدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال " :ويقول الله تعالى
لملك ) (3الموت :انطلق إلى عدوي فأتني به ،فإني قد بسطت له رزقي ،
سرت له نعمتي ،فأبى إل معصيتي ،فأتني به لنتقم منه". وي َ ّ
ّ َ
قال " :فينطلق إليه ملك الموت في أكره صورة ما رآها أحد من الناس قط ،
فود من النار كثير الشوك ،ومعه خمسمائة س ُ
له اثنتا عشرة ) (4عينا ،ومعه َ
من الملئكة ،معهم نحاس وجمر من جمر جهنم ،ومعهم سياط من نار ،
لينها لين السياط وهي نار تأجج" .قال " :فيضربه ملك الموت بذلك السفود
فود في أصل كل شعرة وعرق ب كل أصل شوكة من ذلك الس ّ ضربة يغي ُ
وظفر" .قال " :ثم يلويه ليا شديدا" .قال " :فينزع روحه من أظفار قدميه".
قال " :فيلقيها" في عقبيه ) (5ثم يسكر ) (6عند ذلك عدو الله ) (7سكرة ،
فيرفه ملك الموت عنه" .قال " :وتضرب ) (8الملئكة وجهه ود ُُبره بتلك
السياط"] .قال " :فيشده ملك الموت شدة ،فينزع روحه من عقبيه ،
فيلقيها في ركبتيه ،ثم يسكر عدو الله عند ذلك سكرة ،فيرفه ملك الموت
عنه" .قال " :فتضرب الملئكة وجهه ودبره بتلك السياط"[ ) (9قال " :ثم
ينتره ) (10ملك الموت ن ََترة ،فينزع روحه من ركبتيه فيلقيها في حقويه".
قال " :فيسكر عدو الله عند ذلك سكرة ،فيرّفه ملك الموت عنه" .قال :
"وتضرب الملئكة ) (11وجهه ود ُُبره بتلك السياط" .قال " :كذلك إلى
صدره ،ثم كذلك إلى حلقه" .قال :ثم تبسط الملئكة ذلك النحاس وجمر
جهنم تحت ذقنه" .قال " :ويقول ملك الموت :اخرجي أيتها الروح اللعينة
موم وحميم ،وظل من يحموم ،ل بارد ول كريم". س ُ
الملعونة إلى َ
قال " :فإذا قبض ملك الموت روحه قال الروح للجسد :جزاك الله عني شرا
،فقد كنت سريعا بي
__________
) (1في أ " :محاط".
) (2في أ " :والذي نفسي بيده".
) (3في أ " :إلى ملك".
) (4في أ " :اثني عشر".
) (5في هـ " :ركبتيه" والمثبت من ت ،أ.
) (6في أ " :قال :فيسكر".
) (7في ت " :قال فيسكر عدو الله عند ذلك".
) (8في ت " :ويضرب".
) (9زيادة من ت ،أ.
) (10في ت ،أ " :فينتره".
) (11في ت " :فيضرب" ،وفي أ " :فتضرب".
) (4/506
إلى معصية الله ،بطيئا بي عن طاعة الله ،فقد هلكت وأهلكت" قال :
"ويقول الجسد للروح مثل ذلك ،وتلعنه بقاع الرض التي كان يعصي الله
عليها ،وتنطلق جنود إبليس إليه فيبشرونه بأنهم قد أوردوا عبدا من ولد آدم
النار".
ضيق عليه قبره حتى تختلف ) (1أضلعه ،حتى قال :فإذا وضع في قبره ُ
تدخل اليمنى في اليسرى ،واليسرى في اليمنى" قال " :ويبعث الله إليه
ما كأعناق البل يأخذن ) (2بأرنبته وإبهامي قدميه فيقرضنه حتى أفاعي ُده ً
يلتقين في وسطه".
قال " :ويبعث الله ملكين أبصارهما ) (3كالبرق الخاطف ،وأصواتهما كالرعد
القاصف ،وأنيابهما كالصياصي ،وأنفاسهما كاللهب ) (4يطآن في
أشعارهما ،بين منكبي كل واحد منهما مسيرة كذا وكذا ،قد نزعت منهما
الرأفة والرحمة يقال لهما :منكر ونكير ،في يد كل واحد منهما مطرقة ،لو
اجتمع عليها ربيعة ومضر لم يقلوها" قال " :فيقولن له :اجلس" .قال :
"فيستوي جالسا" قال " :وتقع أكفانه في حقويه" قال " :فيقولن له :من
ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فيقول :ل أدري .فيقولن :ل دريت ول
َتلّيت"] .قال[ ) (5فيضربانه ضربة يتطاير شررها في قبره ،ثم يعودان" .قال
" :فيقولن :انظر فوقك .فينظر ،فإذا باب مفتوح من الجنة ،فيقولن :هذا
-عدو الله ) - (6منزلك لو أطعت الله".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :والذي نفسي بيده ،إنه ليصل إلى
دا".
قلبه عند ذلك حسرة ل ترتد أب ً
قال " :ويقولن له :انظر تحتك فينظر تحته ،فإذا باب مفتوح إلى النار ،
فيقولن :عدو الله ،هذا منزلك إذ عصيت الله".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :والذي نفسي بيده ،إنه ليصل إلى
قلبه عند ذلك حسرة ل ترتد أبدا".
قال :وقالت عائشة :ويفتح له سبعة وسبعون باًبا إلى النار ،يأتيه ]من[ )(7
حرها وسمومها حتى يبعثه الله إليها ).(8
دا ،وسياق عجيب ،ويزيد الرقاشي -راويه عن أنس -له هذا حديث غريب ج ً
غرائب ومنكرات ،وهو ضعيف الرواية عند الئمة ،والله أعلم.
ولهذا قال أبو داود :حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ،حدثنا هشام -هو ابن
يوسف -عن عبد الله بن َبحير ،عن هانئ مولى عثمان ،عن عثمان ،رضي
الله عنه ،قال :كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الرجل
وقف عليه فقال " :استغفروا لخيكم ،واسألوا له بالتثبيت ،فإنه الن يسأل"
،انفرد به أبو
__________
) (1في ت " :يختلف".
) (2في أ " :يأخذونه".
) (3في أ " :أيضا وهما".
) (4في ت " :كاللهيب".
) (5زيادة من ت ،أ.
) (6في ت ،أ " :عدو الله هذا".
) (7زيادة من أ.
) (8أورده ابن حجر في المطالب العالية ) (4/382وعزاه لبي يعلى قال :
"هذا حديث عجيب السياق ،وهو شاهد لكثير مما ثبت في حديث البراء
الطويل المشهور ،ولكن إسناده غريب وفيه ضعف".
) (4/507
َ َ
م
جهَن ّ َ
وارِ )َ (28 م َداَر ال ْب َ َ حّلوا قَوْ َ
مهُ ْ فًرا وَأ َ ة الل ّهِ ك ُ ْ ن ب َد ُّلوا ن ِعْ َ
م َ ذي َم ت ََر إ َِلى ال ّ ِأل َ ْ
َ
مت ُّعوا سِبيل ِهِ قُ ْ
ل تَ َ ن َ ضّلوا عَ ْ جعَُلوا ل ِل ّهِ أن ْ َ
داًدا ل ِي ُ ِ قَراُر ) (29وَ َ س ال ْ َ
صل َوْن ََها وَب ِئ ْ َيَ ْ
م إ ِلى الّنارِ )(30 َ ُ
صيَرك ْ م ِ ن َ فَإ ِ ّ
داود ).(1
َ
مرُدويه عند قوله تعالى } :وَلوْ ت ََرى إ ِذِ وقد أورد الحافظ أبو بكر بن َ
َ ُ ْ
م { الية ]النعام [93 : ديهِ ْ سطو أي ْ ِ ة َبا ِ َ
ملئ ِك ُ ت َوال َ مو ْ ِ ت ال ْ َ مَرا ِ ن ِفي غَ َ مو َ ال ّ
ظال ِ ُ
حديثا مطول جدا ،من طريق غريب ،عن الضحاك ،عن ابن عباس مرفوعا ،
وفيه غرائب أيضا ).(2
َ َ
م
جهَن ّ َ وارِ )َ (28 م َداَر ال ْب َ َ مهُ ْ حّلوا قَوْ َ فًرا وَأ َ ة الل ّهِ ك ُ ْ م َ ن ب َد ُّلوا ن ِعْ َ ذي َ م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ } أل َ ْ
َ
مت ُّعوال تَ َ سِبيل ِهِ قُ ْ ن َضّلوا عَ ْ داًدا ل ِي ُ ِ جعَُلوا ل ِل ّهِ أن ْ َ قَراُر ) (29وَ َ س ال ْ َ صل َوْن ََها وَب ِئ ْ َ يَ ْ
م إ ِلى الّنارِ ){ (30 َ صيَرك ُ ْ م ِن َ فَإ ِ ّ
فًرا { ألم ّ
ة اللهِ ك ُ ْ م َ ُ ّ َ َ َ
ن ب َد ّلوا ن ِعْ َ ذي َ م ت ََر إ ِلى ال ِ ) (3قال البخاري :قوله } :أل ْ
ّ َ َ َ َ
جوا { خَر ُ
ن َ ذي َ م ت ََر إ ِلى ال ِ ف { ]إبراهيم } [24 :أل ْ م ت ََر ك َي ْ َ تعلم ؟ كقوله } :أل َ ْ
ما ُبوًرا { ]الفرقان : ]البقرة [243 :البوار :الهلك ،بار يبور َبوًرا ،و } قَوْ ً
، 18الفتح [12 :هالكين.
حدثنا علي بن عبد الله ،حدثنا سفيان ،عن عمرو ،عن عطاء سمع ابن
ة الل ّهِ ك ُ ْ َ
فًرا { قال :هم كفار أهل مكة م َ ن ب َد ُّلوا ن ِعْ َ ذي َ م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ عباس } :أل َ ْ
).(4
وقال العوفي ،عن ابن عباس في هذه الية :هو جبلة بن اليهم ،والذين
اتبعوه من العرب ،فلحقوا بالروم .والمشهور الصحيح عن ابن عباس هو
القول الول ،وإن كان المعنى يعم جميع الكفار ؛ فإن الله تعالى بعث محمدا
صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ،ونعمة للناس ،فمن قبلها وقام
بشكرها دخل الجنة ،ومن ردها وكفرها دخل النار.
وقد روي عن علي نحو قول ابن عباس الول ،قال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبي ،حدثنا مسلم بن إبراهيم ،حدثنا شعبة ،عن القاسم بن أبي بزة ،
فًرا ة الل ّهِ ك ُ ْ م َن ب َد ُّلوا ن ِعْ َ ذي َ عن أبي الطفيل :أن ابن الكواء سأل عليا عن } ال ّ ِ
َ
وارِ { قال :كفار قريش يوم بدر. م َداَر ال ْب َ َ مهُ ْ حّلوا قَوْ َ وَأ َ
حدثنا المنذر بن شاذان ،حدثنا يعلى بن عبيد ،حدثنا بسام -هو الصيرفي )
- (5عن أبي الطفيل قال :جاء رجل إلى علي فقال :يا أمير المؤمنين ،من
الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار
__________
) (1سنن أبي داود برقم ).(3221
) (2ذكره السيوطي في الدر المنثور ) (3/318وقال " :أخرج ابن مردويه
بسند ضعيف عن ابن عباس فذكره".
) (3تنبيه :من هذه الية يبتدئ العتماد في تخريج الحاديث والثار في
تفسير الطبري على الطبعة المصورة عن الطبعة الميرية بعد أن كان
العتماد على الطبعة التي حققها الفاضلن الشيخ أحمد شاكر والستاذ
محمود شاكر في ستة عشر مجلدا وطبعت في دار المعارف ،والله أسأل
أن يقيض لهذا الكتاب من يكمل تحقيقه فهو من أعظم كتب التفسير وأجلها ،
والله المستعان.
) (4صحيح البخاري برقم ).(4700
) (5في ت " :الصرفي".
) (4/508
البوار ؟ قال :منافقو قريش.
قل ، معْ ِوقال ابن أبي حاتم :حدثنا أبي ،حدثنا ابن نفيل قال :قرأت على َ
عن ابن أبي حسين ) (1قال :قام علي بن أبي طالب ،رضي الله عنه ،
فقال :أل أحد يسألني عن القرآن ،فوالله لو أعلم اليوم أحدا أعلم مني به )
(2وإن كان من وراء البحار لتيته .فقام عبد الله بن الكواء ) (3فقال :من
الذين بدلوا نعمة الله كفًرا وأحلوا قومهم دار البوار ؟ فقال :مشركو
قريش ،أتتهم نعمة ) (4الله :اليمان ،فبدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم
دار البوار.
فًرا { الية ، ّ
ة اللهِ ك ُ ْ م َ ُ ّ َ َ َ
ن ب َد ّلوا ن ِعْ َ ذي َ م ت ََر إ ِلى ال ِ وقال العدوي في قوله } :أل ْ
ذكر مسلم المستوفي ) (5عن علي أنه قال :هم الفجران من قريش :بنو
أمية ،وبنو المغيرة ،فأما بنو المغيرة فأحلوا قومهم دار البوار يوم بدر ،وأما
بنو أمية فأحلوا قومهم دار البوار يوم أحد .وكان أبو جهل يوم بدر ،وأبو
سفيان يوم أحد .وأما دار البوار فهي جهنم.
وقال ابن أبي حاتم ،رحمه الله :حدثنا محمد بن يحيى ،حدثنا الحارث بن
منصور ،عن إسرائيل ،عن أبي إسحاق ،عن عمرو بن مرة قال :سمعت
َ
وارِ { قال :هم الفجران من م َداَر ال ْب َ َ مهُ ْحّلوا قَوْ َ عليا قرأ هذه الية } :وَأ َ
قريش :بنو أمية وبنو المغيرة ،فأما بنو المغيرة فأهلكوا يوم بدر ،وأما بنو
أمية فمّتعوا إلى حين.
ورواه أبو إسحاق ،عن عمرو بن مرة ،عن علي ،نحوه ،وروي من غير وجه
عنه.
وقال سفيان الثوري ،عن علي بن زيد ،عن يوسف بن سعد ،عن عمر بن
ة الل ّهِ ك ُ ْ َ
فًرا { قال :هم م َ ن ب َد ُّلوا ن ِعْ َ ذي َ م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ الخطاب ،في قوله } :أل َ ْ
هم مو ُ كفيت ُ الفجران من قريش :بنو المغيرة وبنو أمية ،فأما بنو المغيرة ف ُ
يوم بدر ،وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين.
وكذا رواه حمزة الزيات ،عن عمرو بن مرة قال :قال ابن عباس لعمر بن
حّلوا َ ة الل ّهِ ك ُ ْ
فًرا وَأ َ م َ ن ب َد ُّلوا ن ِعْ َذي َ الخطاب :يا أمير المؤمنين ،هذه الية } :ال ّ ِ
وارِ { قال :هم الفجران من قريش :أخوالي وأعمامك فأما م َداَر ال ْب َ َ
مهُ ْقَوْ َ
أخوالي فاستأصلهم الله يوم بدر ،وأما أعمامك فأملى الله لهم إلى حين.
وقال مجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وقتادة بن زيد ) (6هم كفار قريش
الذين قتلوا يوم بدر وكذا رواه مالك في تفسيرة عن نافع ،عن ابن عمر.
َ
سِبيل ِهِ { أي :جعلوا له ) (7شركاء ن َ ضّلوا عَ ْ داًدا ل ِي ُ ِ جعَُلوا ل ِل ّهِ أن ْ َ وقوله } :وَ َ
وا الناس إلى ذلك. عبدوهم معه ،ود َعَ ُ
ثم قال تعالى مهد ًّدا لهم ) (8ومتوعدا لهم على لسان نبيه صلى الله عليه
م إ َِلى الّنارِ { صيَرك ُ ْم ِ ن َ مت ُّعوا فَإ ِ ّ ل تَ َ وسلم } :قُ ْ
__________
) (1ت ،أ : :حنين".
) (2في ت ،أ " :به مني".
) (3في ت " :الكراء".
) (4في ت ،أ " :نعم".
) (5في أ " :المسوف".
) (6في ت " :وقتادة وابن زيد".
) (7في ت " :جعلوا لله".
) (8في ت " :له".
) (4/509
أي :مهما قدرتم عليه في الدنيا فافعلوا ،فمهما يكن من شيء } فَإ ِ ّ
ن
م إ َِلى الّنارِ { أي :مرجعكم وموئلكم إليها ،كما قال تعالى : صيَرك ُ ْ م ِ َ
ظ { ]لقمان ، [24 :وقال تعالى : ب غَِلي ٍ ٍ ذاَ َ ع لى َ إ
ّ ْ ِم ُ ه ر َ ط ض
ْ َ ن مّ ُ ث ليل ِ َ ق م ه
َ ُ ْ ُ ع ّ ت م ُ ن }
كاُنوا ما َ ِ َ ب َ د دي
ِ ش ّ ال ب
َ َ
ذا َ ع ْ لا مُ ُ ه ُ ق ذي
ِ ُ ن م ُ
َ ْ ِ ُ ْ ّث م ه ُ ع ج ر م نا َ ْ يَ ل إ
ّ ِ م ُ ث يا َ ْ نّ د ال في مَتاع ٌ ِ } َ
ن { ]يونس .[70 : فُرو َ ي َك ْ ُ
ن
م ْ ة ِ علن ِي َ ً سّرا وَ َ م ِ ما َرَزقَْناهُ ْ م ّ قوا ِ صلة َ وَي ُن ْفِ ُ موا ال ّ قي ُ مُنوا ي ُ ِ نآ َ ذي َ ل ل ِعَِبادِيَ ال ّ ِ } قُ ْ
ْ َ
ل ){ (31 خل ٌ م ل ب َي ْعٌ ِفيهِ َول ِ ي ي َوْ ٌ ن ي َأت ِ َ لأ ْ قَب ْ ِ
يقول تعالى آمًرا العباد ) (1بطاعته والقيام بحقه ،والحسان إلى خلقه ،بأن
يقيموا الصلة وهي عبادة الله وحده ل شريك له ،وأن ينفقوا مما رزقهم الله
بأداء الزكوات ،والنفقة على القرابات والحسان إلى الجانب.
والمراد بإقامتها هو :المحافظة على وقتها وحدودها ،وركوعها وخشوعها
وسجودها.
وأمر تعالى بالنفاق مما رزق في السر ،أي :في الخفية ،والعلنية وهي :
م { وهو يوم ْ الجهر ،وليبادروا إلى ذلك لخلص أنفسهم } من قَب َ
ي ي َوْ ٌ ن ي َأت ِ َ لأ ْ ِ ْ ْ ِ
ل { أي :ل يقبل من أحد فدية بأن تباع خل ٌ القيامة ،وهو يوم } ل ب َي ْعٌ ِفيهِ َول ِ
نذي َ ّ
ن ال ِ م َ ة َول ِ م فِد ْي َ ٌ من ْك ُ ْ خذ ُ ِ م ل ي ُؤْ َ ) (2نفسه ،كما قال تعالى َ } :فال ْي َوْ َ
فُروا { ]الحديد .[15 : كَ َ
خالة ) (3خليل ، ّ م َ ل { قال ابن جرير :يقول :ليس هناك ُ خل ٌ وقوله َ } :ول ِ
خالته ،بل هنالك العدل ّ م َ فيصفح ) (4عمن استوجب العقوبة ،عن العقاب ل ُ
والقسط ،فالخلل مصدر ،من قول القائل " :خاللت فلنا ،فأنا أخاله مخالة
وخلل" ،ومنه قول امرئ القيس :
قلى الخلل ول َقال )(5 ت بم ْ س ُ َ
شَية الّرَدى ...وَل ْ خ ْ ن من َ وى عَن ْهُ ّ ت الهَ َ صَرف ُ َ
وقال قتادة :إن الله قد علم أن في الدنيا بيوعا وخلل يتخالون بها في
الدنيا ،فينظر رجل من يخالل وعلم صاحب ،فإن كان لله فليداوم ،وإن
كان لغير الله فسيقطع عنه.
قلت :والمراد من هذا أنه يخبر تعالى أنه ل ينفع أحدا بيع ول فدية ،ولو
افتدى بملء الرض ذهبا لو وجده ،ول ينفعه صداقة أحد ول شفاعة أحد إذا
شْيئا ً س َ وما ً ل ت َ ْ
ف ٍ ن نَ ْ س عَ ْ ف ٌ زي ن َ ْ ج ِ قوا ي َ ْ لقي الله كافرا ،قال الله تعالى َ } :وات ّ ُ
ن { ]البقرة ، [123 : صُرو َ م ي ُن ْ َ ة َول هُ ْ فاعَ ٌ ش َفعَُها َ ل َول ت َن ْ َ من َْها عَد ْ ٌ ل ِ قب َ ُ َول ي ُ ْ
ْ َ َ ّ َ
مل ي ي َوْ ٌ ن ي َأت ِ َ لأ ْ ن قَب ْ ِ م ْ م ِ ما َرَزقَْناك ُ ْ م ّ قوا ِ مُنوا أن ْفِ ُ نآ َ ذي َ وقال تعالى َ } :يا أي َّها ال ِ
ن { ]البقرة .[254 : مو َ م الظال ِ ُّ ن هُ ُ كافُِرو َ ْ
ة َوال َ فاعَ ٌ ش َ ة َول َ خل ّ ٌب َي ْعٌ ِفيهِ َول ُ
__________
) (1في ت ،أ " :لعباده".
) (2في ت " :يباع".
) (3في ت " :مخالطة".
) (4في ت " :فصفح".
) (5البيت في تفسير الطبري ).(13/149
) (4/510
) (4/511
َ َ
ن ل َظ َُلو ٌ
م ن اْل ِن ْ َ
سا َ ها إ ِ ّ
صو َ ة الل ّهِ َل ت ُ ْ
ح ُ م َ
دوا ن ِعْ َ
ن ت َعُ ّ سأل ْت ُ ُ
موه ُ وَإ ِ ْ ما َ ن كُ ّ
ل َ م ْ وَآَتاك ُ ْ
م ِ
فاٌر )(34 كَ ّ
َ
ن
سا َ ن الن ْ َ ها إ ِ ّ صو َ ح ُ ة الل ّهِ ل ت ُ ْ م َدوا ن ِعْ َ ن ت َعُ ّ موه ُ وَإ ِ ْ سأل ْت ُ ُ ما َ ل َ ن كُ ّ م ْ م ِ } َوآَتاك ُ ْ
فاٌر ){ (34 م كَ ّ ل َظ َُلو ٌ
ظا )(1 يعدد تعالى نعمه على خلقه ،بأن خلق لهم السماوات سقفا محفو ً
شا ،وأنزل من السماء ماء فأخرج به أزواجا من نبات شتى ،ما والرض فرا ً
بين ثمار وزروع ،مختلفة اللوان والشكال ،والطعوم والروائح والمنافع ،
وسخر الفلك بأن جعلها طافية على تيار ماء البحر ،تجري عليه بأمر الله
تعالى ،وسخر البحر يحملها ليقطع المسافرون بها من إقليم إلى إقليم آخر ،
لجلب ما هنا إلى هناك ،وما هناك إلى هاهنا ،وسخر النهار تشق الرض من
قطر إلى قطر ،رزقا للعباد من شرب وسقي وغير ذلك من أنواع المنافع.
ن { أي :يسيران ل يقران ) (2ليل ول مَر ََدائ ِب َي ْ ِ ق َ س َوال ْ َ م َ ش ْ م ال ّ خَر ل َك ُ ُ س ّ } وَ َ
ل ِفي ساب ِقُ الن َّهارِ وَك ُ ّ ل َ مَر َول الل ّي ْ ُ ق َك ال ْ َ ن ت ُد ْرِ َ س ي َن ْب َِغي ل ََها أ ْ م ُ ش ْ نهارا } ،ل ال ّ
سم َ ش ْ حِثيًثا َوال ّ ه َ ُ ْ
ل الن َّهاَر ي َطلب ُ ُ ّ
شي اللي ْ َ ن { ]يس } ، [40 :ي ُغْ ِ حو َ سب َ ُ ك يَ ْ فَل َ ٍ
َ َ
به َر ّ ك الل ّ ُ مُر ت ََباَر َ خل ْقُ َوال ْ ه ال ْ َ مرِهِ أل ل َ ُ ت ب ِأ ْ خَرا ٍ س ّ م َ م ُ جو َ مَر َوالن ّ ُ ق ََوال ْ َ
ن { ]العراف ، [54 :فالشمس والقمر يتعاقبان ،والليل والنهار مي َ ال َْعال َ ِ
عارضان ) (3فتارة يأخذ هذا من هذا فيطول ،ثم يأخذ الخر من هذا فيقصر ،
مَر ك ُ ّ
ل ق َ س َوال ْ َ م َ ش ْ خَر ال ّ س ّ ج الن َّهاَر ِفي الل ّي ْ ِ
ل وَ َ ل ِفي الن َّهارِ وَُيول ِ ُ ج الل ّي ْ َ } ُيول ِ ُ
خِبيٌر )] { (4لقمان ، [29 : ن َ ُ ّ َ َ َ
ملو َ ما ت َعْ َ ه بِ َ ن الل َ مى وَأ ّ س ّ م َ ل ُ ج ٍ ري إ ِلى أ َ ج ِيَ ْ
خَر س ّ ل وَ َ ّ َ َ
ل عَلى الن َّهارِ وَي ُكوُّر الن َّهاَر عَلى اللي ْ ِ َ ّ َ
وقال تعالى } :ي ُكوُّر اللي ْ َ
مى { ]الزمر .[5 : س ّ م َ ل ُ ج ٍَ ري ل َ ج ِ ل يَ ْ مَر ك ُ ّ ق َ س َوال ْ َ م َ ش ْ ال ّ
موه ُ { يقول :هيأ لكم كل ما تحتاجون إليه ْ
سألت ُ ُ ما َ ن كل َ ّ ُ م ْ م ِ ُ
وقوله َ } :وآَتاك ْ
في جميع أحوالكم مما تسألونه بحالكم ) (5وقالكم.
وقال بعض السلف :من كل ما سألتموه وما لم تسألوه.
وقرأ بعضهم " :وأتاكم من كل ما سألتموه".
ها { يخبر عن عجز العباد عن تعداد صو َ ح ُ ة الل ّهِ ل ت ُ ْ م َ دوا ن ِعْ َ ن ت َعُ ّ وقوله } :وَإ ِ ْ
النعم فضل عن القيام بشكرها ،كما قال طلق بن حبيب ،رحمه الله :إن
حق الله أثقل من أن يقوم به العباد ،وإن نعم الله أكثر ) (6من أن يحصيها )
سوا توابين.
(7العباد ،ولكن أصبحوا توابين وام ُ
__________
) (1في أ " :مرفوعا".
) (2في أ " :ل يفتران".